السبت، 29 أغسطس 2020

03 - الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

03 - الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد

تفسير فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
- إنك خليلُ زمانك يا ساطع الذكاء ، فاقتل هذه الطيور الأربعة قاطعة الطريق .
- ذلك أن كل طائر منها وكأنه الغراب ، يقوم بسلب العقل ، واختطافه من العقلاء .
- وإن ذبح هذه الأوصاف الأربعة في الجسد كطيور الخليل ، يعطي الروح " نحو الارتقاء " السبيل .
- فيا أيها الخليل ، من أجل الخلاص من خيرها وشرها ، قم بذبحها حتى تزال السدود من أمام قدمك .
 
“ 49 “ 
 
35 - إنك كل ، وكلها أجزاء منك ، أطلقها ، فإن قدمك مشدودة إلى أقدامها .
- وعالم الروح في عذاب منك ، وفارس واحد يكون ظهيرا لمائة جندي .
- ذلك أن هذا الجسد قد أصبح موطنا للخصال الأربعة ، وصارت أسماؤها لطيور الأربعة الباحثة عن الفتنة
- وإذا كنت تريد الحياة الأبدية للخلق ، فاقطع رؤوس هذه الطيور الأربعة المشئومة السيئة .
- ثم أحيها بعد ذلك ، نشأة جديدة ، نشأة لا يكون منها بعدها ضرر .
 
40 - وهذه الطيور الأربعة المعنوية قاطعة الطريق ، قد اتخذت لها في قلوب الخلق موطنا .
- وما دمت أميرا على كل القلوب السوية ، فأنت خليفة الحق في هذا العصر ،
- فاقطع إذن رؤوس هذه الطيور الأربعة ، واجعل العمر العابر سرمديا 
- إنها البط والطاووس والغراب والديك ، إنها مثال على هذه الخصال الأربعة في النفوس .
- فالبط هو الحرص ، والديك هو الشهوة ، والجاه كالطاووس ، والغراب هو الأمنية .
 
45 - إن منيته أن يكون راجيا صانعا للرجاء ، طامعا في التأييد أو العمر الطويل
- والبط هو الحرص لأن منقاره " دائما " في الأرض ، لا ينفك يبحث عن الدفين في الأخضر واليابس .
- ولا يتوقف حلقه هذا لحظة واحدة ، إنه لا يسمع من حكم الإله إلا أمرهكُلُوا *.
- إنه مثل لص يقتحم منزلا ، ويأخذ في ملأ خرجه بكل ما أوتى من سرعة .
 
“ 50 “
 
- ويكدس في كيسه الغث والسمين ، حبات الدر وحبات الحمص معا .
 
50 - حتى لا يفاجأ بمجيء لص آخر ، يأخذ في تكديس الأخضر واليابس في كيسه .
- إن وقته ضيق ، ومهلته قصيرة ، والخوف " طاغ " عليه ، فهو يضع تحت إبطه كل شيء دون توقف .
- وليست لديه ثقة في سلطانه ، وأن لصا آخر لن يجرؤ على الهجوم عليه والتصدي له .
- لكن المؤمن - اعتمادا على الحياة الأخرى - يهجم حين يهجم بتمهل وأناة .
- فهو آمن من أن يفوته شيء ، ومن مغير آخر ، فهو يعلم قهر مليكه لعدوه .
 
55 - وهو أيضا آمن من الأتباع الآخرين ، ومن أن يأتوا منافسين له ومنتفعين .
- لقد رأى عدل المليك في ضبط الحشم حيث لا يجرؤ أحد على ظلم أحد .
- فلا جرم أنه لا يتعجل ، ويكون ساكنا ، وهو آمن تماما من أن يفوته حظه .
- ومن هنا فهو يتأنى ، ويصبر ويصابر ، فهو شبع العين ، يؤثر على نفسه ، وطاهر الجيب .
- فهذا التأني نورٌ من الرحمن ، وتلك العجلة من هزة الشيطان .
 
60 - ذلك أن الشيطان يخوفه من الفقر ، فيقوم بعقر مطية الصبر .
- واستمع من القرآن أن الشيطان في وعيده ، يقوم بتخويفك من الفقر الشديد .
- حتى تختطف كل قبيح وتأكله من عجلتك ، فلا مروءة ولا تأن ولا ثواب .
- فلا جرم أن الكافر يأكل في سبعة بطون، فإن قلبه ودينه واهيان ضعيفان، والبطن ضخمة.
 
“ 51 “
في سبب ورود هذا الحديث للمصطفى صلوات الله عليه وهو
( الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معي واحد )
 
- نزل بعض الكفار ضيوفا على الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وجاءوا إلى المسجد وقت العشاء
 
65 - وقالوا : لقد نزلنا أيها المليك ضيوفا عليك ، يا من أنت المضيف لكل سكان الأفق .
- فنحن بلا زاد وجئنا من طريق بعيد ، فهيا أنثر على رؤوسنا الفضل والنور . “ 1 “
- فقال : القسمة يا صحابتي ، فأنتم ممتلئون بي ، ومن ديدني ، وعلى نفس خصالي .
- إن أجساد الجنود تكون ممتلئة من الملك ، ومن هنا فهم يضربون بسيوفه أعداء جاهه .
- إنك تضرب بهذا السيف بغضب الملك ، وإلا فأي غضب عندك على إخوانك ؟
 
70 - وتضرب أخا بريئا بدبوس الحرب ذي الأمنان العشرة ، إنعكاسا لغضب الملك .
- فالملك روح واحدة ، والجيش مليء به ، والروح كالماء وهذه الأجساد كالجدول .
- وإذا كانت روح الملك حلوة عذبة ، فإن كل الجداول تمتليء بالماء العذب .
- فالرعية على دين ملوكها فحسب ، هكذا قال السلطان الذي نزلت عليه " عبس "
..............................................................
( 1 ) ج : 11 / 131 واستعلامي : 5 / 12 بيت زائد : - التفت إلى صحابته ذلك السلطان العظيم ، الآخذ بأيدي كل الملوك والعباد .


“ 52 “
 
- واختار كل صحابي ضيفا من الضيوف ، وكان من بينهم رجل ضخم لا نظير له " في جرمه " .
 
75 - كان ضخم الجسد ، فلم يستضفه أحد ، وبقي في المسجد كما تبقى الثمالة في قاع الكأس .
- فاصطحبه المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم عندما تخلف عن الجميع ، وكان في قطيعه عليه السّلام سبع من الماعز الحلوب .
- وكانت الماعز موجودة في الدار ، وذلك من أجل الحلب عند الطعام .
- وأكل ذلك الجدير بأن يسمى " أبو قحط عوج بن غز " كل ما نتج عن هذه الماعز السبعة من حساء ولبن وخبز .
- فغضب كل أهل البيت ، فقد كانوا في حاجة إلى بعض لبن الماعز .
 
80 - لقد جعل معدته الشرهة الأكول كأنها الطبل ، وأكل وحده نصيب ثماني عشرة شخصا .
- وعند النوم مضى وجلس في الحجرة ، فأغلقت الجارية الباب عليه من الغضب .
- لقد أغلقت الباب بالسلسلة من الخارج ، فقد كانت غاضبة عليه متألمة منه .
- وفي منتصف الليل أو قبيل الفجر ، عندما عنت لذلك المجوسي حاجة ، وتحرك ألم بطنه ،
- أسرع من فراشه نحو الباب ، وعندما حاول فتح ، وجده مغلقا .
 
85 - وجرب كل أنواع الحيل ذلك المحتال لكي يفتح الباب ، لكن الباب لم يفتح
- واشتدت حاجته ، وكثرت مطالبه ، والمنزل ضيق ، فبقي حائرا مسكينا ، قد أسقط في يده .
 
“ 53 “
 
- فلجأ إلى النوم كحل أخير ، ورأى نفسه في المنام كأنه في خرابة .
- ذلك أن الخرابة كانت في خاطره ، فعن له نفس منظرها عندما راح في النوم .
- وعندما رأى نفسه في خرابة خالية ، وكان في شدة الحصر ، غاط في التو واللحظة .
 
90 - واستيقظ من النوم ، ورأى ملابسه وفراشه مليئين بالغائط ، وجن من الاضطراب .
- وخرجت من باطنه مائة صيحة ، من مثل هذه الفضيحة ، التي لا يغطيها التراب .
- وقال : إن نومي أسوأ من يقظتي ، فأنا آكل من هذه الناحية ، وأغوط من الأخرى .
- وأخذ يصرخ : واثبوراه ، وا ثبوراه ، كأنه الكافر في قاع القبر . “ 1 “
- وظل منتظرا متسائلا : متى نتقضي هذه الليلة ؟ حتى يتصاعد صوت فتح الباب .
 
95 - وحتى ينطلق هو كما ينطلق السهم من القوس ، وحتى لا يراه أحد وهو على هذه الحال .
- إن القصة طويلة ، لكني أختصر فيها ، ولقد أنفتح الباب ، وخلص هو من الألم والكرب .
..............................................................
( 1 ) عند جعفري : 11 / 132 : كا يفعل الكفار يوم النشور وهو أصح .
 
“ 54 “
فتح المصطفى عليه السّلام باب الحجرة للضيف ، واخفائه صلّى اللّه عليه وسلّم نفسه ،
حتى لا يرى الضيف خيال من فتح الباب ، ولا يخجل ويخرج بجرأة
 
- لقد جاء المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم في الصباح وفتح الباب ، وعندما أسفر الصبح ، أعطى الطريق لذلك الضال .
- فتح المصطفى الباب واختبأ ، حتى لا يخجل من رؤيته ذلك المبتلى .
- وحتى يخرج ، ويمضي بجرأة ودون تردد ، ولا يرى وجه من فتح الباب أو ظهره .
 
100 - فإما أن المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم قد اختبأ خلف شيء ما ، أو أن ستر الله قد أخفاه عنه .
- إن صبغة الله تقوم أحيانا بالستر ، وتضع حجابا لا كيفية له أمام ذلك الناظر .
- بحيث لا يرى الخصم إلى جواره ، وقدرة الله سبحانه وتعالى أكثر من ذلك بكثير .
- كان المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم يرى أحواله بالليل ، لكن أمر ربه كان يمنعه ،
- من أن يفتح الباب قبل اكتمال الفضيحة، وقبل أن يسقط ذلك الضيف من الفضيحة في البئر.
 
105 - كانت الحكمة وأمر السماء ، وحتى يرى الضيف نفسه على ذلك الحال .
- وما أكثر العداوات التي تكون عونا ، ورب هدم يكون تعميرا .


“ 55 “
 
- وجاء أحد الفضوليين إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ، بفراش النوم الملئ بالحدث .
- قائلا : أنظر ، ماذا فعل ضيفك ، فضحك " الذي أرسله الله " رحمة للعالمين .
- وقال : آتنا بهذه المطهرة ، حتى أغسل هذا الفراش كله بيدي .
 
110 - فأخذ كل من في المكان يهب واقفا صائحا : بالله ، لتكن أرواحنا وأجسادنا فداءً لك ،
- لنقم نحن بغسل هذا الحدث فاتركه لنا ، فهذا العمل من أعمال الأيدي ، لا من أعمال القلوب .
- ولعمرك ، أليس الله قد أقسم بعمرك ، ثم جعلك خليفة ، وأجلسك على كرسي " النبوة " ؟
- إننا نعيش من أجل خدمتك ، وعندما تخدم أنت ، فماذا نكون نحن ؟
- قال : إنني أعلم ذلك ، لكن قيامي بنفسي بالغسل هذه اللحظة فيه حكمة .
 
115 - فانتظروا ، لأن القول قول نبي ، حتى تتكشف هذه الأسرار ، وماذا تكون .
- وأخذ يغسل بجد ذلك الغائط ، بأمر من الله ، لا تقليدا ، ولا رياءً .
- فقد كان قلبه يقول له : قم أنت بغسله ، فهنا تكمن حكمة مضاعفة .
 
سبب رجوع ذلك الضيف إلى منزل المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم في تلك اللحظة
التي كان فيها المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم يغسل فيها فراشه الملوث بيده ، وخجله ،
وقيامه بتمزيق ثوبه ، ونواحه على نفسه ، وعلى أحواله
 
- كان للكويفر تعويذة على سبيل التذكار ، افتقدها فاشتد اضطرابه .
- وقال : لقد تركت التعويذة من غفلتي في تلك الحجرة التي قضيت فيها الليل .
 
“ 56 “
 
120 - وبالرغم من أنه كان خجلا ، فإن الحرص قد قضى على خجله ، والحرص أفعى ، وليس بالشيء الهين
- ومن أجل التعويذة أخذ في العدو مسرعا ، وعاد إلى منزل المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم ، ورأى ما يجرى .
- رأى أن يد الله يغسل الغائط بيده ، وهو سعيد راض ، ألا فلتبتعد عنه عين السوء .
- فنسي تعويذته ، وأصابه هياجٌ شديد ، وشق جيبه .
- وأخذ يلطم وجهه ورأسه بيديه ، ويدق رأسه بالجدار والباب .
 
125 - بحيث سال الدم من أنفه ورأسه ، فرق له ذلك العظيم .
- وجأر بالصياح ، وتجمع الخلق حوله ، والمجوسي يصيح : يا أيها الناس احذروا .
- أخذ يلطم رأسه قائلا : يا رأسا بلا عقل ، ويضرب صدره قائلا : يا صدرا بلا نور .
- وطفق يسجد قائلا : يا كل التراب ، لتخجل من هذا الجزء المهين منك .
- إنك وأنت كل خاضع لأمره ، وأنا الجزء ظالم وقبيح وغوى .
 
130 - إنك وأنت كل ذليل ومرتعش من الحق ، وأنا الجزء منبت وفي خلاف .
- وأخذ كل لحظة يتجه إلى السماء قائلا : ليس لي وجه يا قبلة العالم .
- وعندما جاوز الحد في ارتعاشه وخفقانه ، أخذه المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم بين أحضانه .
- هدأه ، وزاد في ملاطفته ، وفتح عينيه ، ووهبه المعرفة .
- فما لم يبك السحاب ، متى تضحك الرياض ؟ وما لم يبك الطفل ، متى يجيش اللبن ؟


“ 57 “
 
135 - إن الطفل الذي يبلغ من العمر يوما واحدا يعرف الطريق ، ويقول لنفسه :
لأبكِ حتى تجيء المرضعة الحنون .
- وأنت لا تعرف أن حاضنة الحواضن ، قليلا ما تعطيك اللبن مجانا وبلا بكاء .
- لقد قال الله : فليبكوا كثيرا ، فاستمع ، حتى ينصب عليك لبن فضل الخالق .
- وإن بكاء السحاب وحرقة الشمس ، هما عماد الدنيا ، نفس هذان الخيطان المجدولان .
- فإن لم تكن حرقة الشمس ، وإن لم يكن بكاء السحاب ، فمتى كانت الأجساد والأعراض ضخمة عظيمة ؟
 
140 - ومتى كانت تعمر هذه الفصول الأربعة ، إن لم تكن تلك الحرقة ، وذلك البكاء الأصلي .
- وما دامت حرقة الشمس وبكاء سماء الدنيا يجعلان منها حلوة الفم ،
- فاجعل شمس العقل في حرقة دائما ، واجعل العين كالسحاب ، شارقة بالدمع .
- وتلزمك عين باكية كالطفل الصغير ، وقلل إذن من أكل هذا الخبز ، فإنه يضيع ماء وجهك .
- وعندما يكون الجسد ذا زاد منه ليل نهار ، فإن أغصان الروح تكون متساقطة الأوراق ، في خريف .
 
145 - وزاد الجسد نقص في زاد الروح ، فعليك أن تقلل منه سريعا ، وتزيد في زاد الروح .
- وأَقْرَضُوا اللَّهَ *تعنى : أقرض الروح من زاد الجسد ، حتى نتبت روضة في قلبك على سبيل العوض .
 
“ 58 “
 
- فاقرض ، وأنقص هذه اللقيمات في جسدك ، حتى يبدو لك ما لا عين رأت .
- وعندما نخلص الجسد نفسه من بعره ، يملؤه بالمسك والدر الإجلالي .
- إنه يعطي هذه الأوضار ويأخذ الطهر ، ويصبح الجسد ذا نصيب من قوله تعالىيُطَهِّرَكُمْ.
 
150 - لكن الشيطان لا يفتأ يخوفك ، ويقول لك : انتبه ، سوف تحزن وتندم إن فعلت .
- إنك تذيب البدن في سبيل هذه المهاوس ، وسوف يحل بك الندم والحزن الشديد
- هيا ، كل هذا ، فهو حار وعلاج للمزاج ، واشرب ذاك من أجل النفع والعلاج
- وهذا الجسد أيضا بمثابة المركب ، وما اعتاد عليه ، هو الأصوب له .
- فهيا ، لا تغير العادة ، فمن ذلك يتأتى الخلل ، وتتولد في القلب والدماغ مئات العلل .
 
155 - وهذه التهديدات يأتي بها الشيطان الدني ، وهو ينفث في آذان الخلق مئات الوساوس .
- ويجعل من نفسه جالينوس في " وصف " الدواء ، حتى يخدع نفسك الضعيفة المريضة .
- قائلا : في هذا الشيء نفع لك و " علاج " من الألم والحزن ، وبالنسبة لحبة قمح ، قال نفس الشيء .
- وهو لا يفتأ ينفث وسوسته في أذنيك ، وبالخطام يلوي شفتيك ،
- كشفتي الفرس عند تركيب سنابكه ، وذلك ليبدى لك الحجر الرخيص كأنه الياقوت .
 
“ 59 “
 
160 - وهو يأخذ بأذنيك ، كما يؤخذ بأذني الفرس ، ويجرها صوب الحرص ، وصوب الكسب .
- ويضع في قدمك سنبكا خطأً ، بحيث تعجز في الطريق من الألم الذي يسببه لك .
- أتدري ما هو هذا السنبك ؟ إنه التردد بين أمرين ، فلا تزال قائلا : أفعل هذا أو أفعل ذاك ، فانتبه .
- فافعل ما فعله المختار من النبي ، ولا تفعل ما فعله المجنون أو الصبي .
- لقد حفت الجنة ، فبأي شيء صارت محفوفة ؟ بالمكاره التي منها زاد المحصول .
 
165 - وإن له مائة وسوسة من حيلته ودهائه، مثلها ما ينطلق من سلة مملوءة بالأفاعي.“1”
- وإن كان هناك ماء جار سد الطريق أمامه ، وإن كان ثم حَبر زمان ، ضحك عليه .
- فاجعل العقل رفيقا لعقل صديق ، واقرأأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْثم اعمل .
 
ملاطفة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم لذلك الأعرابي الضيف وتهدئته إياه
من إضطرابه وبكاء ذلك الأعرابي ونواحه على نفسه خجلا
وندما وبتأثير نار القنوط
 
- إن هذا الكلام لا نهاية له ، وذلك الأعرابي بقي مندهشا من ألطاف هذا الملك .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 143 : - فإن كان ثم جبل اختطفه كأنه قشة ، وذلك حتى يبدي لك سلطانه وتسلطه .
 
“ 60 “ 
 
- وكاد يجن ، وفر عقله من رأسه ، لكن يد المصطفى ردته .
 
170 - وقال له : أقبل على ، ففعل ما أمر به ، وكأنه شخص يقوم من نوم ثقيل .
- قال له : عد إلى هنا ، لا تفعل ، عد إلى وعيك ، فمن هنا تحدث أمور معكوسة
- ورش وجهه بالماء ، فانطلق في الحديث قائلا : يا شاهد الحق ، اعرض على الشهادة .
- حتى أشهد ، وأخرج منطلقا في هذه الصحراء ، فلقد سئمت من الوجود .
- إننا مقيمون في دهليز قاضي القضاة ، من أجل قضية " ألست " و " بلى "
 
175 - فإذا كنا قد قلنا له بلى على سبيل الامتحان ، فأقوالنا وأفعالنا شهود وبيان .
- وإلا فلأي شيء نستسلم في دهليز قاضي القضاة ؟ أليس لأننا جئنا هنا من أجل الشهادة ؟
- فحتام تظل محبوسا في دهليز قاضي القضاة أيها الشاهد ، هيا قدم شهادتك عند انبلاج الصبح .
- ولقد دعيت إلى هنا لكي تعطي هذه الشهادة ، ولا تبدي عتوا " واستكبارا " .
- ومن عنادك ، قبعت في هذا المضيق ، وقد عقدت يدك ، وضممت شفتيك .
 
180 - وما لم تؤد الشهادة أيها الشهيد ، متى تكتب لك النجاة من هذا الدهليز .
- إنه عمل لا يستغرق سوى لحظة ، قم به وانطلق، ولا تجعل العمل اليسير صعبا على نفسك.
- وأد هذه الأمانة ، سواءً في مائة عام أو في لحظة واحدة ، وهيا ، أنجُ بنفسك .
 
“ 61 “
بيان أن الصلاة والصوم وكل الأعمال الظاهرة شهود
على النور الباطني
 
- إن هذه الأعمال من صلاة وصيام وحج وجهاد ، هي شهود أيضا على الإعتقاد .
- وهذه الزكاة والهدى وترك الجسد ، شهود أيضا على سرك .
 
185 - والمائدة والضيافة من أجل إظهار الحق ، وهي تعنى : أيها العظام ، لقد صرنا صادقين معكم .
- وأنواع الهدى والعطايا والصلات ، كلها دليل يقول : لقد صرت معك طيبا مؤتلفا .
- وكل إنسان يجاهد بمال أو بمجرد قول لا جدوى منه ، لم ؟ لكي يقول :
لدى جوهر في داخلي .
- لدى جوهر من التقوى أو من السخاء ، وهذه الزكاة والصوم كلاهما دليل على الخصلتين .
- فالصوم يقول : لقد اتقى الحلال ، فاعلم إذن ألا صلة له بالحرام .
 
190 - وقالت زكاته : إنه يعطي من ماله ، فكيف يسرق من أهل مذهبه ؟
- وإن كان ما يفعله رياءً وحيلة ، فإن هذين الشاهدين قد جُرحا في محكمة عدل الإله .
- والصياد إذ ينثر الحب ، لا يكون من الرحمة والجود ، بل من أجل الصيد .
- والقطة النائمة في صيامها ، قد تناومت من أجل صيد " الفأر " الساذج .
- ولقد جعل مائة قوم سيئي الظن من هذا الإعوجاج، وجعل أهل الجود والصوم سيئي السمعة.
 
" 62 " 
 
195 - وفضل الحق ينصب على ذلك الذي يمشي باعوجاج ، ويطهره من ألوان أعوجاجه في النهاية .
- ولقد سبقت رحمته ، ووهب ذلك الغدر نورا لا يكون للبدر .
- ولقد طهر الحق جهاده من هذا الاختلاط ، وغسلته الرحمة من هذا التخبط واللتواء .
- وحتى يبدي " الإله " غفرانه ، بحيث يكون مغفره غافرا لرأسه . “ 1 “
- ومن هنا فقد سقط المطر من أعالي السماء ، حتى يطهر الدنسين من الخبث .
 
تطهير الماء لكل أنواع الدنس ، ثم تطهير الله سبحانه وتعالى للماء من القذر ،
فلا جرم أن الله سبحانه وتعالى هو القدوس
 
200 - عندما سعى الماء ، وصار نجسا ، بحيث أن الحس صار يرد هذا الماء " النجس " .
- حمله الحق مرة ثانية إلى بحر الصواب ، حتى غسله من كرمه ماء الماء " ذاك " .
- وفي العام التالي ، عاد " الماء إلينا " مطيعا ، و " سألناه " : أين كنت ؟ " فأجاب " :
في بحر الطيبين .
- لقد مضيت من هنا نجسا وعدت طاهرا ، تلقيت خلعة " الإكرام " وعدت نحو التراب .
- فهيا ، هلموا إليّ أيها الدنسين ، فإن طبعي قد أخذ من طبع الإله .
 
205 - إنني أتقبل منكم كل قبحكم ، وأطهر الشيطان ، فيصبح كالملك .
..............................................................
( 1 ) عند جعفري : 11 / 152 : بحيث تغفر كل ذنوبه . ويبدو أصح .
 
“ 63 “
 
- وعندما أصير قذرا أعود إلى ذلك المكان ، وأمضي إلى أصل أصل الطهر .
- وهناك ألقي بالدلق الملوث من فوق رأسي ، فيهبني من جديد الخلعة الطاهرة .
- إن هذا هو عمله ، وعملي هو هذا ، إنه من زين العالم ، رب العالمين .
- فلو لم تكن هذه الأقذار " عالقة " بنا ، متى كان منهاج الماء يكون هكذا ؟
 
210 - إنه يسرق أكياس الذهب من الأحد ، ويسرع في كل صوب صائحا : هل من مفلس ؟
- فإما أن ينصب على نبات ينمو ، أو يغسل وجه من لم يغسل وجهه .
- أو يحمل على رأسه كالحمال ، سفينةً لا قدم لها ولا يد ، فوق البحار .
- وهناك مئات اللآلاف من الأدواء كامنة فيه ، ذلك أن كل دواء يشتق منه .
- وهو روح كل ذرة ، وقلب كل حبة وبذرة ، يمضي في الجدول ، وكأنه خزانة الدواء .
 
215 - ومنه تكون التربية والرعاية ليتامى الأرض ، والسير والمشي لأولئك المقعدين المتيبسين .
- وعندما يصبح بلا قيمة ويتكدر ، ويصبح حائرا مثلنا فوق الأرض ،
 
استعانة الماء بالحق جل جلاله بعد تكدره
 
- يطلق " آنذاك " الأنين من أعماقه مناديا : يا الله ، لقد أعطيت ما أُعطيت ، وبقيت متسولا .
- لقد صببت كل ما عندي على الطاهر والدنس، فأعد إليّ رأسمالي ، أيها المليك ، هل من مزيد؟


“ 64 “
 
- فيقول للسحاب : احمله إلى موضعه الطيب ، وأنت أيتها الشمس ، اجذبيه إلى أعلى .
 
220 - ويسوقه من طرق مختلفة ، حتى يبلغ به البحر الذي لاحد له .
- إن غرضي من هذا الماء هو أرواح الأولياء ، فهي التي تغسل الأكدار عنهم .
- وعندما تصير كدرة من غدر أهل الأرض ، تعود إلى واهب الطهر " المستوى " على العرش .
- فيردها من تلك الناحية راضية جارة أذيالها ، قد وعت درس الطهر من موطنه 
- ومن اختلاطها بالخلق تصاب بالاعتلال ، فتبحث عن ذلك السفر ، " وتهتف " : أرحنا يا بلال .
 
225 - يا بلالا حسن النغم حلو الصوت ، اصعد فوق المئذنة ، ودق طبول الرحيل .
- فلقد سافرت الروح والجسد في قيام ، ولذلك فهي تقول عند رجعتها : السلام .
- فتقوم : أرواح الأولياء " بتحرير الجميع من التيمم ، و " تخلص " طلاب القبلة من التحري .
- إن هذا المثل كأنه الواسطة أثناء الكلام ، والواسطة ضرورة من أجل أن يفهم العوام .
- فكيف يمضي إلى النار أحدٌ دون واسطة ، اللهم إلا السمندل الذي خلص من العلائق .
 
230 - إنك تتخذ من دخولك الحمام واسطة ، حتى يستطيب طبعك السخونة والنار .
 
“ 65 “
 
- وما دمت لا تستطيع الدخول إلى النار " مباشرة " كالخليل عليه السّلام ، فقد صار الحمام رسولا للماء إليك ودليلا .
- والسير من الحق ، لكن أهل الطبع ، متى يحسون بالشبع دون واسطة من الخبز ؟
- واللطف من الحق ، لكن أهل الجسد ، لا يجدون اللطف دون رياض ، وهي " مجرد " حجاب .
- وعندما لا تبقى واسطة الجسد بلا حجاب ، يجد المرء النور من جيبه ، كما حدث مع موسى عليه السّلام .
 
235 - وكل هذه الفنون التي يبديها الماء ، شاهدة على أن باطنه مليء بلطف الرب .
 
دلالة الفعل والقول الخارجيين على الضمير والنور الداخلي
 
- إن القول والفعل شاهدان على الضمير ، فاستدل من هذين على ما يوجد في الباطن .
- فإن لم يوجد لسرك نفاذ إلى الباطن ، فانظر إذن من الخارج إلى بول المريض 
- والفعل والقول بمثابة البول من المريض ، فهو برهان للطبيب الذي يعالج الأجساد .
- لكن طبيب الروح ذاك يمضي إلى داخل روحه ، وعن طريق الروح ينفذ إلى داخل إيمانه .
 
240 - فلا حاجة به إلى الفعل والقول الظاهريين ، " ومن هنا قيل : إحذروهم هم جواسيس القلوب " .
 
“ 66 “
  
- فاطلب دليل القول والفعل من ذلك الذي لا يكون متصلا بالبحر وكأنه الجدول . “ 1 “
 
في بيان أن النور في حد ذاته مضيء من داخل المرء دون أن يفسره
قول أو فعل ويدل على نوره
 
- لكن نور السالك الذي فاق الحد ، امتلأت بضوئه الصحارى والأدوية .
- وإن شهوده لفارغ من الشهود ، ومن أنواع التكلف ومن التضحية بالروح في الوجود .
- ونور هذا الجوهر عندما تلألأ على ظاهره ، فرغ من كل التدرج والتسلسل .
 
245 - إذن لا تطلب منه دليل الفعل والقول ، فقد تفتحت الداران منه ، كالوردد .
- وما هو هذا الدليل ؟ إنه إظهار الخفي ، سواء بالقول أو بالفعل ، أو بغيرهما من الوسائل .
- فالغرض هو إظهار سر الجوهر ، فالوصف ثابت ، وهذا العرض ، عابر غير مستقر .
- وعلامة الذهب لا تبقى فوق المحك ، ويظل الذهب ، حسن الاسم ، خاليا من الشك .
- وهذه الصلاة ، وهذا الجهاد ، وهذا الصيام ، أمور لا تبقى ، وتبقى الروح حسنة الاسم .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 162 : - فقوله وفعله شاهدان عليه ، ذلك الذي يكون متصلا بالبحر كأنه الجدول . 
- فانظر إلى قوله وفعله ، وماذا يوجد في ضميره وسره . 
- وما هي مراتب نوره ، وهل هو سخي أو ينثر الحب من أجل الصيد 
- فإن كان صيادا ابتعد عنه ، ولا تستمع إلى وساوسه وقوله وفعله . 
- وإن كان صديقا ، لا ترفع يدك عنه ، حتى يبلغ بك البحار .


“ 67 “
 
250 - ولقد أبدت الروح مثل هذه الأفعال والأقوال على محك الأمر ، وسحقت جوهر " الدليل " .
- قائلة : إنني صادقة الاعتقاد ، وهاك الدليل ، لكن هناك في الأدلة اشتباهات .
- فاعلم أن الجواهر في حاجة إلى تزكية ، وتزكيتها الصدق الذي يكون موقوفا عليها .
- وفي الدليل عن طريق القول ينبغي أن يحفظ اللفظ ، أما في الدليل عن طريق الفعل ، فينبغي حفظ العهد .
- فإن كان ثم اعوجاج في دليل القول فهو مردود ، وإن كان ثم سعي باعوجاج في دليل الفعل ، فهو مردود .
 
255 - وينبغي أن يكون قولك وفعلك خاليين من التناقض ، حتى تحصل على القبول في التو واللحظة .
- إن سعيكم لشتى ، وأنتم في تناقض ، إنكم تخيطون في النهار ، وتمزقون ما خطتم ليلا .
- ومن ذا الذي يستمع إلى شاهد متناقض ، اللهم إلا إذا زاول الحلم من لطفه ؟
- والفعل والقول إظهار للسر والضمير ، كلاهما يظهر السر الخفي المستور .
- وعندما زكى دليلك فقد قبل ، وإلا حبس في المهلة والتلكؤ والنكوص .
 
260 - وما دمت تعاند ، فهم يعاندون أيها الحرون ، فانتظرهم ، إنهم منتظرون .
 
“ 68 “
 
عرض المصطفى عليه السلام الشهادة على ضيفه ذاك
 
- إن هذا الكلام لا نهاية له ، لقد عرض المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم الإيمان على هذا الفتى وقبله .
- وتلك الشهادة التي كانت مباركة عليه ، قد فكت القيود المعقودة " عليه " 
- صار مؤمنا ، وقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم : كن ضيفا علينا الليلة أيضا .
- قال : والله إنني ضيفك إلى الأبد ، حيثما أكون وحيثما أمضي .
 
265 - إنني عتيقك ، وحارس بابك ، ومن صار حيا منك ، وأنا على مائدتك في الدنيا والآخرة .
- وكل من يختار سوى هذه المائدة المختارة ، فإن حلقه يتمزق في النهاية من العظام .
- وكل من يمضي صوب مائدة غير مائدتك ، اعلم أن الشيطان قد صار جليسه وشريكه في طعامه .
- وكل من يمضي عن جوارك ، يصبح الشيطان بلا جدال جارا له .
- وإن مضى بدونك إلى سفر بعيد ، يكون الشيطان رفيقا له وجليس طعامه .
 
270 - وإن ركب جوادا أصيلا ، ويكون حاسدا للقمر ، فإنه يردف الشيطان خلفه .
- وإن تحمل منه قرينته المدللة ، فإن الشيطان يكون شريكا له في نسله .
- فإن الحق قد قال له في القرآن - يا شفقا " مليئا بالنور " - (شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) .
- ولقد قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم هذا جليا من الغيب ، في أقواله النادرة المثال مع علي رضي اللّه عنه 
- يا رسول الله ، لقد أبديت لنا الرسالة بالتمام ، وكأنها شمس بلا غمام .
 
“ 69 “


275 - وإن ما فعلته لم تفعله مائتا أم ، ولم يفعله عيسى عليه السّلام مع عازر .
- ألم تنقذ روحي الآن من الأجل ؟ ! وإذا كان عازر قد بعث حيا فقد مات لتوه .
- وصار ضيفا على الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم تلك الليلة ذلك الأعرابي ، فأكل نصف لبن ماعز واحدة ، وضم شفتيه .
- فألح عليه قائلا : كل الرقاق واشرب اللبن ، فقال : لقد شبعت والله ، بلا نفاق 
- وليس هذا تكلفا أو حياءً أو تفضلا ، لقد صرت أكثر شبعا مما كنت بالأمس .
 
280 - فتعجب كل أهل البيت ، لقد امتلأ هذا القنديل بنقطة من الزيت .
- وما هو قوت لطير الأبابيل ، هل يملأ معدة مثل هذا الفيل ؟
- وكثر الهمس بين الرجال والنساء ، إن هذا الفيلي الجسد يأكل قدر ما تأكل بعوضة .
- لقد انتكس حرص الكفر وهمه ، وشبعت الأفعى من قوت نملة .
- ولقد ذهب عنه طمع المتكدين الموجود عند الكفار ، فسمن دسم إيمانه وتضخم .
 
285 - وذلك الذي كان يرتجف من الجوع الشديد المستمر “ 1 “ ، رأى ثمار الجنة مثلما رأتها مريم .
- لقد أسرعت فاكهة الجنة صوب جسده ، فسكنت معدته التي تشبه الجحيم .
- والإيمان في حد ذاته نعمة ودسم عظيم ، يا من قنعت من الإيمان بالقول .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : جوع البقر .


“ 70 “
 
بيان أن النور الذي هو غذاء الروح يصبح غذاءً لأجسام الأولياء ،
حتى يصبح قرينا للروح مصداقا لقول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم :
 أسلم شيطانى على يدي


- بالرغم من أنه - أي النور - طعام الروح والنظر ، فإن للجسد نصيبا منه أيضا يا بنى . “ 1 “ 
- وإن لم يكن شيطان الجسم آكلا منه، لما قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : أسلم شيطاني.
 
290 - وما لم يأكل الشيطان من ذلك الدسم الذي يحيي الموتى ، فمتى كان له أن يصير مسلما .
- إن الشيطان عاشق للدنيا وأعمى وأصم ، وربما يقضي على العشق عشق آخر .
- إنه عندما يتذوق " قوتا " من منزل اليقين الخفي ، فإنه يحمل أحمال عشقه إليه قليلا قليلا .
- " يا حريص البطن عرج هكذا ، إنما المنهاج تبديل الغذا .
- يا مريض القلب عرج للعلاج ، جملة التدبير تبديل المزاج
 
295 - أيها المحبوس في رهن الطعام ، سوف تنجو إن تحملت الفطام - إن في الجوع طعاما وافرا ، افتقدها وارتج يا نافرا .
- اغتذ بالنور كن مثل البصر ، وافق الأملاك يا خير البشر " “ 2 “
- وكالملك ، اجعل غذاءك تسبيح الحق ، حتى تنجو من الأذى كالملائكة .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 174 : - حتام يا قانعا بالخبز والكراث ، عد إلى وعيك وتغذ بالنور .
( 2 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 71 “
 
- وإذا كان جبريل لا يحوم حول الجيف ، فهو في قوته ليس ضاربا أقل من نسر “ 1 “ .
 
إنكار أهل الجسد لغذاء الروح وارتجافهم من أجل
الغذاء الخسيس


300 - حبذا مائدة موضوعة في الدنيا ، لكنها خفية جدا عن عيون الأخساء .
- وإن صارت الدنيا بستانا مليئا بالنعمة ، فإن نصيب الفأر والحية منها والمصباح . هو التراب " فحسب " .
- إن نصيبها هو التراب ، سواءٌ في الشتاء أو الربيع ، فكيف تأكل التراب يا أمير الكون ، كأنك الحية ؟
- وفي قلب الخشب ، تقول دودة الخشب : لمن تكون يا ترى مثل هذه الحلوى الطيبة ؟ “ 2 “

- ودودة البعر بين ذلك الحدث ، لا تعرف نُقلا في الدنيا سوى الخبث . “ 3 “

 
305 - أيها الإله الذي لا نظير له ، آثرنا ، ما دمت قد أعطيت الأذن حلقة من هذا الكلام .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 174 : - والفيل وإن كان وقورا على الأرض ، قل لي ، متى نجا من بعوضة ؟
( 2 ) ج / 11 - 179 : - والحشرة الصغيرة تقول وسط التراب ، إن أحدا في العالم لم يأكل مثل هذه الحلوى .
( 3 ) ج / 11 - 179 : - ولا يعرف الغراب شيئا قط سوى النجاسة ، لقد صارت له النجاسة " عزيزة " كالعين والمصباح .
 
“ 72 “
 
 
- خذ بآذاننا وجرها نحو ذلك المجلس ، فمن رحيقك ، يشرب أولئك المنتشون .
- وما دمت قد أوصلت إلينا رائحة منه ، لا تغلق فوهة تلك القربة ، يا رب الدين .
- إنهم جميعا يشربون منك ، من ذكور وإناث ، ذلك العطاء بلا انقطاع أيها المستغاث .
- يا من يستجاب منك الدعاء الذي لم يقل ، لقد أعطيت القلب في كل لحظة كثيرا من الفتوح .
 
310 - ولقد نقشت بضعة حروف ، و " جعلتها " كتابة ، فصارت الحجارة من عشقها في " ليونة " الشمع .
- ولقد صورت الحاجب مثل حرف النون والعين مثل حرف الصاد والأذن مثل حرف الجيم ، وجعلتها فتنة للعقول والألباب .
- ومن حروفك هذه صار العقل يجدل الخيوط الرقيقة ، فداوم على نسجها أيها الأديب الذي يحسن الخطوط .
- وخليق بكل فكر ارتبط بالعدم ، لحظة بلحظة ، صورة خيال حسن الرسم .
- والحروف العجيبة على لوح الخيال ، إنما كتبتها العين ، وصفحة الخد ، والخال .
 
315 - فلأكن ثملا بالعدم ، لا بالموجود ، وذلك لأن معشوق العدم أكثر وفاءً .
- ولقد جعل العقل قارئا لتلك الأشكال ، حتى يطوى من جرائها كل التدابير .


“ 73 “
 
تمثيل اللوح المحفوظ وإدراك كل إنسان من ذلك اللوح بالنسبة للأمر

وقسمته ومقدار رزقه ، بإدراك جبريل عليه السّلام

كل يوم من اللوح الأعظم
 
- إن ذلك العقل يحمل كل صباح الدرس اليومي من اللوح المحفوظ ، وكأنه الملك .
- فانظر من العدم إلى كتابات بلا بنان ، ومن علمها تحير أرباب الشهوات .
- فصار كل إنسان مغلوبا مضحكا بالنسبة لخيال، صار طلعة " دؤوبا " من اشتهائه لكنز ما.
 
320 - فمن خيال صار أحدهم ممتلئا بالعظمة ، متجها إلى مناجم الجبال .
- ومن خيال ، اتجه أحدهم بجهده المرير إلى البحر من أجل الدر .
- وثالث قبع من أجل الترهب في كنيسة ، ورابع انطلق حريصا نحو الحقل .
- ومن خيال ، صار هذا قاطع طريق لمن نجا ، ومن خيال صار ذاك مرهما لكل جريح .
- وفي استدعاء الجن فقد هذا قلبه ، وفوق النجوم وضع آخر سنابك جواده . “ 1 “
 
325 - وهذه الخيالات المختلفة ترى الظهور ، من تلك الخيالات المتنوعة الموجودة في الباطن .
- وهذا حائر : ترى على أي شيء عكف آخر ، وكل ذائق لشيء ، ينفي ما ذاقه آخر .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 183 : - وآخر في السفينة من أجل الربح ، وأحدهم فاسق ، والآخر ذو صلاح .
 
“ 74 “
 
- ولأن تلك الخيالات كلها غير مؤتلفة ، فإنها عندما ظهرت ، صارت مختلفة .
- وعندما خبئت قبلة الروح عن الأنظار ، فإن كل جماعة قد اتجهت إلى ناحية ما .
 
تمثيل الأساليب المختلفة والهمم المتباينة باختلاف تحرى المتحرين للقبلة في الظلام ،

وبحث الغواصين في قاع البحر
 
- إن مثلهم كمثل القوم الذين يتحيرون عن القبلة ، ويمضون على الظن نحو جهة ما .
 
330 - وعندما تسفر الكعبة عن وجهها في الصباح ، يتكشف لهم أنهم قد ضلوا الطريق .
- أو كالغواصين في قاع البحر ، يجمع كل منهم شيئا ما بعجلة .
- وعندما يخرجون من قاع البحر العميق ، يتكشف من هو صاحب الدر العظيم .
- وأن آخر قد حمل درا صغيرا ، وثالثا قد حمل حصى وسبه . “ 1 “
 
335 - " هكذا نبلوهم بالساهرة ، فتنة ذات افتضاح قاهرة " “ 2 “ .
- وهكذا فإن كل قوم كأنهم الفراش ، خافقون بأجنحتهم حول شمعة من شموع الدنيا .
- وإنهم ليكبون أنفسهم في النيران ، ويطوفون حول شموع النفس .
..............................................................
( 1 ) سبه معرب شبه حجر رخيص وقيل الجزع اليماني .
( 2 ) بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 75 “
 
- وذلك على رجاء نار موسوية الإقبال ، من لهيبها يشتد اخضرار الأشجار .
- لقد سمعت كل جماعة عن فضل تلك النيران ، وظنوا جميعا كل شرارة إياها .
 
340 - وعندما يسطع فجر نور الخلود ، يبدو لكل منهم أي شمع كان " يطوف حوله " .
- وكل من أحرق جناحه من شمع الظفر ذاك ، يعطيه ذلك الشمع السعيد ثمانين جناحاً .
- وطائفة الفراش التي أغمضت كلتا العينين ، وبقيت تحت شمع السوء محترقة الجناح .
- تتقلب في الندم والحرقة ، وتطلق الآهات من الهوى الذي يغمض العينين
- ويقول له الشمع : ما دمت أنا نفسي قد احترقت ، فمتى أنجيك من الحرقة والجور .
 
345 - إن شمعه باكٍ لا يفتأ يقول : إنني محترق الرأس ، فمن أين لي أن أضيء للغير ؟
 
تفسير : يا حسرتا على العباد
 
- إنه لا يزال يقول له : إنني من منظرك قد اغتررت ، لكن مخبرك قد رأيته متأخرا .
- والشمع الميت الذي أضاعه الريح ، والذي سلب قلوبنا ، قد تمزق من اعوجاج رؤيتنا .
- " ظلت الأرواح خسرا مغرما ، تشتكي شكوى إلى الله العمى


“ 76 “
 
- حبذا أرواح إخوان ثقات ، مسلمات مؤمنات قانتات " “ 1 “
 
350 - إن كل جماعة قد اتجهت إلى ناحية ما ، وأولئك الأعزاء قد اتجهوا إلى لا صوب .
- وكل حمامة تطير نحو جهة ما ، وهذه الحمامة تطير نحو الجهة التي لا جهة فيها . “ 2 “
- فلسنا نحن بطيور الهواء ولا طيور المنازل ، وإن حبوبنا هي تلك الحبوب التي لا حبوب فيها .
- ومن هنا فقد صار رزقنا واسعا ، ذلك أن خياطة القباء بالنسبة لنا هي تمزيقنا إياه .
 
سبب تسمية الفرجية بهذا الاسم من البداية
 
- مزق أحد الصوفية جبته عند حرج ، فحدث له من بعد هذا التمزيق الفرج .
 
355 - فسمى تلك الجبة الممزقة بالفرجية ، فشاع هذا اللقب من ذلك الرجل النجي .
- لقد شاع اللقب ، وأخذ الشيخ صفاءه ، أما الذي بقي في طبع الخلق فهو اللفظ ، وهو الثمالة .
- وهكذا فكل من كان له اسم صاف ، ترك هذا الاسم وكأنه الكدر .
- وكل آكل للطين قد أخذ الثمالة ، ومضى الصوفي حو الصفاء دون دهشة أو عجب .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) ج / 11 - 190 : - وكل عقاب يطير من مكان إلى آخر ، وجزاء هذه العقبان حقيقة هو اللامكان .
 
“ 77 “
 
- وقال : لابد للكدر من صفاء ، ومن هنا فإن القلب يدل على الصفاء ، ويمضي إليه .
 
360 - إن الكدر عسر ، وصفاؤه هو اليسر ، والصفاء كالرطب ، والكدر كالبسر .
- واليسر مع العسر ، فانتبه ولا تكن قانطا ، وفي هذا الممات ، لك طريق إلى المعاش .
- فإذا كنت تريد الروح مزق الجبة ، حتى تطل برأسك من ذلك الصفاء سريعا .
- والصوفي هو الذي يكون طالبا للصفاء، ليس الصوفي من لباس الصوف وحياكته واللواطة.
- لقد صار الصوفي عند أولئك اللئام : " الخياطة واللواطة والسلام " “ 1 “
 
365 - وعلى خيال ذلك الصفاء والاسم الطيب ، يكون ارتداء الألوان طيبا ، لكن :
- إذا مضيت على خياله نحو أصله، لا على مثال عباد الخيال ، مرحلة بعد مرحلة "من الخيال"
- فالخيال هو حارس الغيرة ، يدور حول مريم الجمال .
- وقد منع كل باحث ، قائلا له : لا طريق ، ، وكل خيال يقف دونه قائلا : قف
- اللهم إلا ذلك الحاد السمع الحاد الذهن ، الذي يكون له التأييد من جيش نصرته
 
370 - إنه لا يهلع من الخيالات ويصير ملكا ، يبدي سهم الملك ، ثم يمضي في الطريق . “ 2 “
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) ج / 11 - 192 : - كل من يكون في يده سهم الملك ، يجد الطريق ويمضي نحو المنزل . ثم عنوان " مناجاة " يليه بيت : -
 
“ 78 “
 
- فدبر من أجل هذا القلب الحائر الضال ، وهب تلك الأقواس المنحنية سهما .
- لقد سكبت جرعة من هذه الكأس خفية ، على أرض التراب " من كأس الكرام " . “ 1 “
- وعلى الوجه والجدائل دليل من جرعته ، والملوك يلعقون التراب من جرائها .
- إن جرعة الحسن في هذا التراب الجميل ، هي التي تقبلها أنت ليل نهار بمائة قلب .
 
375 - والجرعة الممتزجة بالتراب ، إذا كانت تصنع أمثال المجنون ، ماذا تفعل بك إذا كانت صافية " دون تراب " ؟ !
- وكل امريء ممزق الثياب " وجدا وولها " أمام قطعة من المدر ، فإن هذا المدر تجرع جرعة من الحسن - فجرعة على القمر والشمس والحمل ، وجرعة على العرش والكرسي وزحل .
- أتسميها جرعة ويا للعجب أو كيمياء ؟ ! فمن تأثيرها يوجد العديد من البهاء ! !
- فاطلب تأثيرها بجد يا ذا الفنون ، لا يمس ذاك إلا المطهرون .
 
380 - فجرعة على الذهب وعلى الياقوت والدرر ، وجرعة على الخمر وعلى النُقل والثمر .
- وجرعة على وجوه الحسان الجميلات ، فما بالك إذن بما يكون رائقا صافيا ؟ !
- أيها القديم ذو المنن العالم بالسر ، نحن في طريقك عاجزون وممتحنون .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 79 “
 
- فإذا كنت تلعق هذه بلسانك ، فكيف بك إذا رأيتها دون طين ؟ !
- وعند الموت عندما نتفصل جرعة الصفاء هذه عن الجسد بالموت ،
- فإن ما يتبقى بعدها تقوم بدفنه سريعا ، فكيف كان مثل هذا القبح مع هذا " الجمال " ؟ !
 
385 - وعندما تبدى الروح جمالها بدون هذه الجيفة ، فإنني لا أستطيع أن أعبر لك عن لطف ذلك الوصال .
- وعندما يبدي القمر لطفه بدون هذا السحاب ، فإنه لا يمكن التعبير عن شأنه وأبهته .
- فما أجمله من مطبخ ، ذلك الملئ بالشهد والسكر ، ويكون السلاطين لاعقين للأطباق فيه .
- وحبذا بيادر صحراء الدين هذه ، والتي يكون كل بيدر بالنسبة لها لاقط حب .
- وما أجمله من بحر للعمر هذا ، خالٍ من الأحزان ، والذي تكون البحار السبعة بالنسبة له قطرة طل .
 
390 - وعندما صب ساقي يوم العهد جرعة على هذا الحمأ المسنون الدني ،
- جاش ذلك التراب وجشنا من ذلك الغليان ، فجرعة أخرى - يا إلهي - فقد قل منا الجهد .
- فلو كان جائزا لي ، لشكوت مر الشكوى من العدم، وإن لم يكن هذا بالذي يقال، فقد سلمت.
- إن هذا هو بيان البط المنثني من الحرص ، فتعلم من الخليل عليه السّلام أن البط جديرٌ بالقتل .
- وفي البط غير هذا كثير من الخير والشر ، لكني أخشى أن يفوتني الحديث " عن الطيور الأخرى " .
 
“ 80 “
وصف الطاووس وطبعه وسبب قتل إبراهيم عليه السّلام إياه
 
395 - لقد جئنا الآن إلى الطاووس ذي اللونين ، الذي يتجلى بالنسبة للشرف وبالنسبة للعار .
- إن همته هي صيد الخلق من طيبين وأشرار ، لكنه غافل عن نتيجة هذا الصيد وفائدته .
- والشبكة لا علم لها عد ما تأخذ الصيد ، فأي علم للشبكة بالمقصود من العمل ؟
- وأي نفع للشبكة من الصيد وأي ضر ؟ إنني في دهشة من أخذها هذا الذي لا نفع فيه ! !
- أيها الأخ ، لقد اتخذت كثيرا من الأصدقاء ، بأنواع كثيرة من التحبب ، “ 1 “ ثم تركتهم ومضيت .
 
400 - وكان هذا عملك منذ أن ولدت ، كان صيد الناس بشبكة الوداد .
- ومن كل هذا الصيد ، والتكديس ، والكبرياء والوجود ، ابحث بيدك فيه ، لن تجد خيطا واحدا ذا سدى ولحمة .
- لقد مضى أكثر الوقت ، واليوم في آخره ، وأنت لا تزال تجد في صيد الخلق .
- فهيا دوام على أخذ هذا في شبكتك وترك ذاك ، وهيا صد ذلك الآخر مثل اللئام .
- ثم اترك هذا وابحث عن آخر ، وهاك لعب الأطفال الغافلين .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : بمائتي تحبب .
 
“ 81 “
 
405 - ويحط الليل ، ولا صيدٌ واحدٌ في شبكتك ، وليست شبكتك إلا صداع لك وقيد .
- بل تكون قد صدت نفسك بالشبكة ، وبقيت حبيسا محروما من أمانيك .
- فهل يمكن أن يكون في هذا الزمان أحمق مثلنا يكون صاحب شبكة ، ويقوم بصيد نفسه ؟
- ولما كان صيد العوام كصيد الخنازير ، بعد تعب لا حد له ، يكون الأكل منه حراما .
- وإن ما يستحق الصيد هو العشق فحسب ، لكن متى تسعه شبكة أحد ؟
 
410 - اللهم إلا أن تأتي أنت وتصبح صيدا له ، وتترك شبكتك ، وتمضي إلى شبكته .
- وإن العشق لا يفتأ يهمس لي في أذني : أن تكون صيدا خير من أن تكون صيادا .
- فاجعل نفسك مخدوعا بي ، واغتر ، ودعك من تصور نفسك شمسا ، وكن ذرة .
- كن ساكنا على بابي ، وكن بلا دار ، ولا تدع أنك شمعة ، وكن فراشة .
- وذلك حتى ترى طعم الحياة ، وترى السلطنة مستترة في العبودية .
 
415 - وإنك لترى الأمور مقلوبة في الدنيا ، وقد لقبت من هم في الجبيرة بالملوك .
- فكثير من الحبال في عنقه ، والتاج مشنقة ، وحوله جماعة من الناس في صياح : هاكم الملك المتوج .
- إنه مثل قبور الكفار ظاهره مزدان بالحلل ، لكن في باطنه قهر الله عز وجل
- وعندما زينوا قبورهم بالجص ، أسدلوا عليها حجبا من الظن .


“ 82 “
 
- وطبعك المسكين عليه قشرة جص من الفضل ، كأنه نخلة من الشمع ، لا وُرقٌ ولا ثمرُ .
 
في بيان أن كل إنسان يعرف لطف الحق وكل إنسان يعرف قهر الحق ،

وكلهم متعلقون بلطف الحق هاربون من قهر الحق ، لكن الحق تعالى أخفى

أنواعا من القهر في لطفه وأنواعا من اللطف في قهره ، فهو قلب للزهر ،

ومكر من الله حتى يميز أهل التمييز الذين ينظرون بنور الله من الناظرين

إلى الحاضر والظاهر ، مصداقا لقوله تعالى : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا *
 
420 - قال أحد الدراويش لدرويش آخر : كيف رأيت حضرة الحق ؟  أخبرني .
- قال : رأيتها بلا كيف ، لكن من أجل التعبير بالمقال ، لأذكر نبذة عنها ، وعلى سبيل المثال .
- رأيت على يساره نارا ، وعلى يمينه نهرا من الكوثر .
- على يساره ، رأيت نارا محرقة للدنيا ، وعلى يمينه ، رأيت نهرا من السعادة .
- ورأيت جماعة مدت الأيدي نحو تلك النيران ، وجماعة أخرى في سرور ونشوة من أجل ذلك الكوثر .
 
425 - لكن هناك لعبة مقلوبة تماما ، موجودة أمام قدم كل شقي وسعيد .
- فكل من كان يمضي صوب النار والشرر ، كان يرفع رأسه من بين الماء ،
 
“ 83 “
 
- وكل من كان منهم يمضي نحو النهر ، كان يتواجد في النار في التو واللحظة .
- وكل من كان يمضي صوب اليمين والماء الزلال ، أطل برأسه من النار من ناحية الشمال .
- وكل من مضى صوب الشمال النارى ، أطل برأسه من ناحية اليمين .
 
430 - وقليل ما هم أولئك الذين أدركوا هذا السر المستتر ، فلا جرم أن قليلا هم الذين مضوا صوب تلك النار
- اللهم إلا ذلك الذي انصب على رأسه الإقبال ، فترك الماء وأسرع نحو النار .
- لقد جعل " الله " لذة الحاضر معبودة عند الخلق ، فلا جرم أن أصابهم الغبن من ذلك المكر .
- لأنهم من الحرص والغفلة محترزون من النار ، هاربون صوب الماء ، طائفة بعد طائفة ، وصفا بعد صف .
- فلا جرم أن أطلوا برؤوسهم من النار ، فيا أيها الغافل ، اعتبر ، اعتبر من هذا .
 
435 - وكانت النار تنادي : أيها الذاهلون المخدوعون ، إنني لست النار ، إنني نبع القبول .
- لقد وضعوا كمامة على العيون يا عديمي النظر ، هلموا إليّ ، ولا تهربوا من الشرر .
- أيها الخليل ، لا شرر هناك ولا دخان ، ليس ما تراه هنا إلا سحر النمرود وخداعه .
 
“ 84 “
 
- وإذا كنت أريبا ذكيا كالخليل فالنار ماءٌ بالنسبة لك ، وأنت فراشة " تلك النار " .
- وروح الفراشة لا تفتأ تنادى وتهتف : وآسفاه ، ليته كان لي مائة ألف جناح .
 
440 - إذن لاحترقت كلها في النار بلا استغاثة ، برغم أنوف من ليسوا بأهل وقلوبهم .
- إن الجاهل يشفق علىّ من حماريته ، بينما أشفق عليه أنا ، من قوة بصيرتي .
- خاصة تلك النار التي هي روح الماء ، وإن أمر الفَراش على عكس أمورنا .
- إنها ترى النور فتمضي إلى النار ، والقلب يرى النار ويمضي صوب النور .
- ومثل هذا المكر يأتي من الرب الجليل ، حتى تعرف من هو من آل الخليل .
 
445 - لقد جعلوا النار على شكل الماء ، وفجروا عين ماء من داخل النيران .
- وإن الساحر ليبدى بفنه طبقا مليئا بالأرز كأنه مليء بالدود على رؤوس الأشهاد .
- ويبدي الدار مليئة بالعقارب من نفثات سحره ، ولا وجود فيها لعقرب واحد .
- وما دام الساحر يبدي هذا ومئات من أمثاله ، فكيف يكون إذن مكر خالق السحرة ؟ !


“ 85 “
 
- فلا جرم أنهم من سحر الخالق ، قد سقطوا قرنا بعد قرن مستسلمين ، استسلام المرأة لزوجها .
 
450 - وكان سحرتهم عبيدا وغلمانا ، وقد سقطوا كما تسقط الصعوة في الشبكة .
- فهيا ، واقرأ من القرآن ، وشاهد السحر الحلال ، وانقلاب أنواع المكر الذي كالجبال .
- ولست بفرعون حتى آتي نحو ماء النيل ، ولأمض نحو النيران كأنني الخليل .
- فهي ليست بنار ، إنها الماء المعين ، أما ذلك الماء فمن المكر ، تحول إلى ماء ناري .
- ومن ثم فما أطيب ما قاله ذلك الرسول الذي أحل الطيبات ، ذرة من العقل أفضل من الصوم والصلاة .
 
455 - ذلك أن العقل جوهر فيك وهذان عرضان ، ومن المفروض أن يكمل العقلَ هذان .
- حتى يكونا كالصقل بالنسبة لتلك المرآة ، فإن الصدر يشرح من الطاعة بالصفاء .
- لكن المرآة إن كانت فاسدة من الأساس ، فإن الصقل يؤتي أكله فيها متأخرا .
- لكن تلك المرآة المختارة حسنة الأصل ، يكفيها قليل من الصقل .
 
“ 86 “
 
تفاوت العقول من أصل الفطرة خلافا للمعتزلة الذين يقولون أن العقول الجزئية

في الأصل متساوية ، وأن هذه الزيادة والتفاوت من التعلم

والرياضة والتجربة
 
- إعلم جيدا أن تفاوت العقول هذا " موجود " ، ومراتبة من الأرض حتى السماء .
 
460 - فهناك عقل مثل قرص الشمس ، وهناك عقل أقل من الزُهرة والشهاب .
- وهناك عقل كمصباح عند ثمل ، وهناك عقل مثل نجم من النار .
- ذلك أن السحاب عندما ينقشع من أمام " المرء " ، فلينظر إلى نور الله ، يهب " الناس " العقول . “ 1 “
- ولقد أساء العقل الجزئي إلى العقل " الكلي " ، وشهوة الدنيا جعلت المرء محروما .
- فذاك العقل رأى من الصيد حسن الصياد ، وهذا العقل لكونه صيادا يحمل هم الصيد .
 
465 - وذاك العقل من الخدمة ، وجد الدلال من المخدوم ، وهذا لكونه مخدوما ، حاد عن طريق العز .
- وذاك العقل من فرعونيته صار أسيرا للماء ، وهذا من معاناته الأسر ، صار من الأسباط وسيدا عليه . “ 2 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 214 : - وإن عقول الخلق على عكس عقله ، إن عقله مسك وعقول الخلق رائحته . 
- والعقل الكلي والنفس الكلية هو رجل الله ، فلا تعتبرن العرش والكرسي شيئا غيره . 
- وذاته الطاهرة هي مظهر الحق ، فاطلب الحق منه لا من غيره .
( 2 ) الترجمة هنا من نسخة جعفري لأنها أكثر وضوحا ومنطقية من نسخة نيكلسون .


“ 87 “
 
 
- إن اللعب معكوس هنا ، وحصان " الشطرنج " مقيد تماما ، فقلل من احتيالك ، فالأمر أمر إقبال وحظ .
- وقلل نسج سدى " أعمالك " ولحمتها على المكر والحيلة ، فإن الغنى قليلا ما يعطي الطريق للماكر .
- ولتمكر ، لكن في سبيل حسن الخدمة ، حتى تجد " دور " النبوة في الأمة .
 
470 - ولتمكر حتى تتخلص من هذا المكر ، ولتمكر حتى تنفصل عن الجسد .
- ولتمكر حتى تصبح أقل العباد ، وتمضي في التواضع والقلة لتصبح سيدا .
- ولا تقوم بأعمال الثعالب أيها الذئب العجوز ، لا تقم بها أبدا قاصدا السيادة .
- لكن كن كالفراشة ، واهجم على النار ، ولا تتجاوز هذا الأمر ، والعب بطهر .
- واترك القوة ، وكن عاكفا على الضراعة ، فإن الرحمة تنصب على المتضرع أيها الفقير .
 
475 - ضراعة المضطر الظمآن إلى المعاني ، لا ضراعة ذلك الغوى الباردة الكاذبة .
- وإن بكاء إخوة يوسف عليه السّلام مجرد حيلة، لأن بواطنهم كانت مليئة بالحسد والمرض.
 
“ 88 “
 
حكاية ذلك الأعرابي الذي كان كلبه يموت جوعا ، بينما خرجه مليىء بالخبز ،

وأخذ ينوح على الكلب وينشد فيه الشعر ، ويبكي ويلطم رأسه ووجهه ،

بينما يبخل عن إعطاء الكلب لقمة من الخرج

 
- كان ذلك الكلب يحتضر ، وذلك الأعرابي كان منهمكا في البكاء ، كان يذرف الدمع ويصيح : واكرباه “ 1 “
- فمر به أحدهم وسأله : ما هذا البكاء ؟ ولماذا تنوح وتصرخ ؟
- قال : كان عندي كلب حسن الخصال ، وها هو الآن يحتضر وسط الطريق .
 
480 - كان صيادى في نهارى وحارسي في ليلي ، فهو حاد البصر ، آخذٌ للصيد ، خبير باللصوص . “ 2 “
- قال : مم يشكو ؟ وهل طعنه أحد ؟ قال : بل الجوع قد هد من قواه .
- قال : فاصبر إذن على هذا الألم والخسارة والحَرَض ، فإن فضل الحق يهب الصابرين العوض .
- ثم قال له : أيها السيد الحر ، ما هذا الخرج الملئ في يدك ؟
- قال : إنه خبز وزاد ولحم كتف من أجلي ، أحمله معي لكي يتقوى به بدني .
 
485 - قال : وكيف لا تعطي ذلك الكلب الخبز والزاد ؟ قل : إلى هذ الحد لم يبلغ بي العطاء والوداد .
- فالحصول على الخبز لا يتأتى دون دراهم ، أما دمع العينين فبالمجان .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 217 : - ماذا أفعل يا ترى ؟ وما التدبير يا رب ، وكيف أستطيع الحياة بدونك بعد ذلك ؟
( 2 ) ج / 11 - 217 : - كان يصيد الصيد ويحتفظ به من أجلي ، ولم يكن يترك لصا يقترب مني .
 
“ 89 “
 
- قال : ليفضحك الله أيتها القربة الممتلئة بالريح ، فإن لقمة الخبز أفضل لديك من الدمع ! !
- والدمع دم ، حوله الحزن إلى ماء ، وألا يساوى الدم المسفوك هدرا التراب " الذي سفك عليه " ؟
- لقد جعله كله ذليلا مثل إبليس ، والجزء من هذا الكل ، لا يكون إلا خسيسا 490
- وأنا غلام لذلك الذي لا يبيع الوجود ، إلا لذلك السلطان ذي الأفضال والجود .
- وعندما يبكي ، تكون السماء باكية من أجله ، وعندما يشكو ، يكون الفلك داعيا معه .
- وأنا غلام لذلك النحاس العابد للهمة ، ذلك الذي لا ينكسر ، إلا إذا عرض على الكيمياء .
- فارفع في الدعاء يدا كسيرة ، ذلك أن فضل الله يمضي طائرا نحو الكسير .
- وإذا كنت تريد النجاة من هذا الجب السحيق ، فامض أيها الأخ فوق النار دون تأخير .
 
495 - وانظر إلى مكر الله ، ودعك من مكرك ، يا من مكره يزرى بمكر الماكرين .
- وعندما يفنى مكرك في مكر الرب ، فإنك تفتح كمينا شديد العجب .
- وأقل ما في هذا الكمين يكون البقاء ، وتظل إلى الأبد في عروج وارتقاء . “ 1 “
.............................................................................................
( 1 ) ج / 11 - 218 : -
- وابذل جهدا ما من أجل هذا الكمين ، حتى تشم شذى من العلم اللدني .
- وإن كنت تعلم أحوال عروجك جيدا ، فإن هذا يكون خيرا بالنسبة لك .


“ 90 “
 
في بيان أنه لا توجد عين مؤذية للإنسان بقدر العين التي ينظر بها إلى نفسه بعجب

اللهم إلا إذا بدلت عينه بنور الحق مصداقا ل : بي يسمع وبي يبصر ،

وصارت نفسه بلا نفس
 
- لا تنظر إلى جناح طاووسك وانظر إلى قدمه ، حتى لا يفتح لك " سوء النظر " كمينا .
- فإن الجبل ينزلق من عيون الحاسدين ، واقرأ من القرآن ( يزلقونك ) واعلم .
 
500 - ومن نظرة انزلق أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وهو كالجبل ، وذلك في طريق لا طين فيه ، ولا مطر .
- ولقد بقي مندهشا " متسائلا " : من أي شيء هذا الإنزلاق ؟ إنني لا أظن هذا الحال يخلو " من سر " .
- حتى نزلت الآية ، وعلم أن ذلك الذي حدث له من عين السوء ، ومن الحقد والحسد .
- " وخاطبه ربه قائلا " : لو كان غيرك لفنى في التو واللحظة ، ولكان صيدا للعين وسخرة للفناء . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 222 : - فاعلم معنى عين السوء آخر الأمر ، ومن عين السوء ، اقرأ (وَإِنْ يَكادُ)
 
“ 91 “
 
- لكن عصمة ساعية سابغة خفت إليك ، أما انزلاقك فكان من أجل إعطاء العلامة والدليل .
 
505 - فاعتبر ، وانظر إلى ذلك الجبل ، ولا تعرض قدرتك ، يا أقل من قشة .
 
تفسير ( وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ )
 
- يا رسول الله ، إن في هذا الجمع أناسا ، يصيبون النسور " الطائرة " بعيونهم الحسود .
- ومن نظراتهم تنشق رأس أسد العرين ، بحيث يئن ذلك الأسد ويتوجع .
- إن أحدهم ليصب نظرة على الجمل كالحِمام ، ثم يرسل غلامه في أثره .
- ويقول له : إمض، واشتر من شحم هذا الجمل ، فيرى الجمل وقد سقط في عرض الطريق.
 
510 - وقد ذبح ذلك الجمل من مرض " عارض " ، وكان يسابق الجواد في عدوه .
- ومن الحسد ، ومن عين السوء بلا شك ، يحول الفلك سيره وطوافه .
- والماء خفي والساقية ظاهرة ، وفي الدوران يكون الماء هو أصل العمل .
- والعين الطيبة دواء للعين الشريرة ، فإنها تفني عين السوء وتدوسها بالأقدام .
 
“ 92 “
 
- وسبق الرحمة حق وصدق ، وهي أي عين الرحمة من الرحمة ، وعين السوء نتيجة للقهر واللعنة .
 
515 - ورحمته تصير غالبة على نقمته ، ومن هنا انتصر كل نبي على خصمه .
- ذلك أنه من نتاج الرحمة ، وخصمة ذلك القبيح الخصال من نتاج القهر واللعنة .
- وإن حرص البط لحرص واحد ، وحرص ذلك " الطاووس " خمسون طبقة ، والحرص على الشهوة حية ، أما الحرص على المنصب فأفعوان .
- وحرص البط من شهوة الحلق والفرج ، وفي الرياسة يضمر عشرون ضعف لهذا "الحرص" .
- وإنه ليدعي الألوهية من جاهه لاهيا وعابثا ، ومتى يُعافى ذلك الطامع في الشركة ؟
 
520 - ولقد كانت زلة آدم من البطن والباه ، أما زلة إبليس فكانت من التكبر والجاه .
- فلا جرم أن آدم قد سارع في الاستغفار ، بينما استكبر ذلك اللعين عن التوبة .
- إن حرص الفرج والحلق سوء جبلة ، لكنه ليس تعاليا واستكبارا ، إنه تنزل .
- " ولحرص " الرياسة هذا جذور وفروع ، إن تحدثت عنها تفصيلا ، للزم لها دفتر خاص .
- ولقد سمى العرب الجواد الشموس شيطانا ، وليس الدابة التي تبقى في مرعاها


“ 93 “
 
525 - والشيطنة لغة هي العصيان والاستكبار ، ومن هنا استحقت هذه الصفة اللعينة .
- وإن مائة من الآكلين يستطيعون الجلوس حول مائدة واحدة ، لكن الدنيا لا تسع اثنين من طلاب الرئاسة .
- فكلاهما لا يريد للآخر أن يظل على وجه الأرض ، حتى أن الملك ليقتل والده خوفا من منازعته إياه .
- ألم تسمع ما قيل من أن الملك عقيم ، إن طالب الملك ليقطعن رحمه من الخوف .
- إنه عقيم ، لا نسل له ولا ابن ، كأنه النار لا علاقة له بأحد .
 
530 - وكل ما تجده تحرقه وتشتته بددا ، وعندما لا تجد ما تأكله ، تأكل نفسها .
- فكن هباءً ، وانجُ من بين مخالبها ، وقلل طلب الرحمة من قلبها الذي يشبه السندان .
- وما دمت قد صرت هباءً ، لا تخش السندان ، وخذ الدرس كل صباح من الفقر المطلق .
- والألوهية رداءُ ذي الجلال ، وكل من يرتديه ، ينقلب عليه وبالا .
- والتاج له ، ولنا حزام " الخدمة " ، وويل لذلك الذي يجاوز حده .
 
535 - وهو فتنة لك ذلك الجناح الطاووسي ، إنه " يقول لك " : لقد وجبت لك الشركة ، وجاز لك التقدس .

 
.
* * * 

شرح الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد


( 35 ) : مال الشارحون إلى اعتبار البيت موجها إلى حسن حسام الدين ، لكن البيت موجه إلى الإنسان عموما ، فهو الشكل ، وهو العالم الكبير ، وكل هذه أجزاء منه عليه أن يتخلص منها .
( 60 - 63 ) :الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ( البقرة / 268 ) .
( 63 ) : الحديث النبوي الشريف : [ المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء ] ، وورد في الجامع الصغير ( 2 / 184 ) أحاديث مثنوى ، ص 145 ( 64 ) : أصل هذه الحكاية الرواية التالية :
 
“ 435 “ 
 
بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ، أنه قال : خرجت خيلٌ لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذت رجلا من بنى حنيفة لا يشعرون من هو حتى آتوا به رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال : أتدرون من أخذتم ؟ !
هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا أساره ورجع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهله فقال : أجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه وأمر بلفحته أن يغدى إليه بها ويراه فجفل لا يقع من ثمامة موقفا ويأتيه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيقول : أسلم يا ثمامة فيقول : إيهاً يا محمد ، إن تقتل تقتل ذام دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال نبي الله يوما : أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع فتطهر فأحسن الطهور ،
 
ثم أقبل فبايع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتوه به من طعام فلم يأكل إلا قليلا ، وباللفحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ،
فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حين بلغه ذلك : مم تعجبون ، أمن رجل أكل أول النهار في معاء كافر وأكل آخر النهار في معاء مسلم ، الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد ، ( ابن هشام 4 / 315 - 316 ) .
وجاء في نوادر الأصول : " عن أبي صالح السمان قال قدم ثلاثون راكبا على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم من غفار منهم رجل يقال له أبو بصيرة مثل البعير ، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بددوا القوم وجعل الرجل يقيم الرجل والرجل يقيم الرجلين على قدر ما عنده من الطعام حتى تفرق القوم غير أبى بصيرة ،
فقال : وكل القوم يرى أن ليس عنده ما يشبعه ، فلما رأى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ذاك قام واستتبعه فتبعه فلما دخل دعا له بطعام فوضعه بين يديه فكأنما لحسهن ثم دعا بقدح فجعل فيه مشربه حتى حلب له في سبعة أقداح فشربها ، فبات عند رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يعرض عليه الإسلام فتكلم منه بشيء فلما خرج رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى صلاة الغداة واستتبعه فتبعه فصلى معه الغداة ، فلما سلم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أقبل على القوم بوجهه فقال : علموا أخاكم وبشروه ،
فأقبل القوم بنصح يعلمونه وألقى عليه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ثوبا حين أسلم ثم قال ، فاستتبعته فتبعه ، فلما دخل دعا له بطعام فوضعه بين يديه ، فلم يأكل إلا يسيراً ، حتى قال : شبعت ، ثم دعا له بقدح فحلب فيه ، فلم
 
“ 436 “ 
 
يشرب إلا يسيرا حتى قال رويت ، فضرب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على منكبه ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنى رسول الله ، إنك كنت أمس كافراً وإنك اليوم مؤمن وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وأن المؤمن يأكل في معي واحد . كما وردت رواية مشابهة في موطأ مالك ، ومسند ابن حنبل ، ( عن مآخذ / 160 - 161 ) .
 
( 73 ) : الناس على دين ملوكهم ، حسوب إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم . وفي شعر الشاعر ( المتنبي ) :وإنما الناس بالملوك وما * تفلح عرب ملوكها عجم( 78 ) : أبو قحط عوج بن غز : بالطبع أبو قحط كنية ساخرة وعوج بن غز تحريف عن عوج بن عنق ، والغز هم الترك ويضرب بهم المثل في الإغارة وعوج بن عنق كما ورد في قصص الأنبياء للثعلبي ، " كان طول عوج ثلاثون وعشرين ألف ذراع وثلاثمائة وثلاثين ذراعا بالذراع الأول ،
وكان عوج يحتجز السحاب ويشرب منه الماء ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ويأكله ، ويروى أنه أتى نوحا أيام الطوفان فقال له : احملنى معك في سفينتك ،
فقال : اذهب يا عدو الله فإني لم أومر بك ، فطبق الماء الأرض من سهل ومن جبل وما جاوز ركبتيه وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يد موسى ، وكان لموسى عسكر فرسخ في فرسخ فجاء عوج ونظر إليهم ثم جاء إلى الجبل وقد منه صخرة على قدر العسكر ثم حملها ليطبقها عليهم ، فبعث الله عليه الهدهد ومعه الطيور فجعلت تنقر بمناقيرها حتى تورت الصخرة ، وانتقبت فوقعت في عنق عوج بن عنق فطوقة فصرعته ، فأقبل موسى وطوله عشرة أذرع وطول عصاه عشرة أذرع وقفز إلى فوق عشرة أذرع فما أصاب منه الا كعبه وهو مصروع في الأرض ، فقتله ، قالوا فأقبل جماعة كثيرة ومعهم الخناجر فجهدوا حتى حزوا رأسه ، فلما قتل ، وقع على نيل مصر فحسره سنة " . وعنق هي أمة بنت آدم عليه السلام
( عن هوامش الكتاب الثاني من المثنوى ، كفافى ، ص 517 - 518 ) .
 
( 88 - 89 ) : فكرة أن الذي يمتلئ فكره بشئ ما في اليقظة يحلم به أثناء النوم ، وردت في كتاب ابن سيرين ، كما أثبتها علم النفس الحديث .
 
“ 437 “
  
( 93 ) :لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً( الفرقان / 14 ) ( 101 ) عن صبغة الله انظر الكتاب الأول البيتين : 769 - 770 .
وصبغة الله هي صنع الله في خلقه البعيد عن الروائح والألوان وعما درج عليه الناس من ربط الأشياء بالأسباب أو ما فسره نجم الدين كبرى في تفسير الآية الكريمة صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ( البقرة / 138 ) .
 
كما أن للكف صبغة فللدين صبغة ، فليس العبرة فيما يتكلفه الخلق وإنما العبرة فيما يتصرفه الحق فتصيب الأشباح من صبغة الله توفيق القيام بالأحكام وحظ القلوب منها تصديق المعارف بالعوارف وكفل الأرواح منها شهود الأنوار وكشف الأسرار والمراد أيضاً بصبغة الله دينه الذي فطر الناس عليه ( مولوى 5 / 20 ) .
 
( 106 ) : بالنسبة للهدم الذي هو تعمير ، انظر تفصيلات في الكتاب الرابع ، الأبيات 2341 - 2350 وشروحها .
 
( 112 ) : من أنواع التكريم الذي خص به الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلّى اللّه عليه وسلّم أنه أقسم به وبحياته ، فقال عز من قائل :لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ( الحجر / 72 ) . والبيت 111 يشير إلى إيمان مولانا بأن جسم رجل الحق لا يعرفه جسد مادي آخر ، انظر بيت 30 من الكتاب الثالث ( استعلامى 5 / 214 ) .
 
( 122 ) :إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ( الفتح / 10 ) .
( 123 - 131 ) : عندما رأى الكافر أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم هو الذي يغسل ملابسه بنفسه ، تجلى له كفره على أسوأ صورة ، فأصابته حالة من الوجد بحيث حذر الناس من الاقتراب منه ، لقد تجلت له حقارته التي لا نهاية لها إلى جوار العظمة التي لا نهاية لها المتمثلة في تواضع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ، ومولانا جلال الدين يرى أن حالات السكر والوجد قد تطرأ على الكافر ، ربما كان مثالها الواضح في المثنوى ما ورد في قصة ذلك الشيخ من قوم فرعون الذي طلب من
 
“ 438 “
  
زاهد من قوم موسى أن يملأ له ماء النيل ليشرب دون أن يتحول إلى دم ( الأبيات 3495 وما بعدها وشروحها من الكتاب الرابع ) .
 
( 134 - 143 ) : يدق مولانا جلال الدين على فكرة أن الله سبحانه وتعالى عندما يرضى على عبده يهبه البكاء والضراعة . ومن البكاء والضراعة تجيش الرحمة الإلهية ، مثلما يفور ثدي الأم باللبن لبكاء رضيعها .
فكان بكاء الرضيع هو الذي جلب اللبن ، مثلما يجلب بكاء التائب الرحمة ، ومن هنا فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ( التوبة / 82 ) .
ليس هذا فحسب بل إن عماد الدنيا كلها البكاء والحرقة ، ومع السحاب وحرقة الشمس ، فكأن العالم بأكمله وحدة واحدة ، تتجلى في مظاهر الطبيعة مثلما تتجلى في نفس العبد ، وفي علاقته مع ربه ، وفي علاقته بالبشر ، والبكاء هو آية إظهار الخضوع . والفكرة هنا تكرار لما ورد في الكتاب الثاني ( الأبيات 1659 - 1669 )
وفسر شيخنا كفافى الحرارة بأنها حرارة القلب ، والماء بأنه دموع الخوف والرجاء والبستان بأنه عالم الروح ( ثان 489 ) .
وسيأتي تفسير آخر للبكاء والدمع في نفس هذا الكتاب في الأبيات 1271 وما بعدها فلتطلب في موضعها من النص والشرح .
 
( 146 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً( المزمل / 20 ) .
( 147 ) : إشارة إلى الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين المتطهرين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) " .
( 149 ) : إشارة إلى الآية الكريمةإِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً( الأحزاب / 33 ) . ومن تعليق ليوسف بن أحمد : فإن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم طهر ثوب الضيف بيده وأشار بهذا الصنيع إن الذي لا يتجنب كثرة الأكل والشرب لا ينجو من النجاسة ولا يتخلق بأخلاق أهل البيت ( مولوى 5 / 26 ) .
 
“ 439 “ 
 
( 153 ) : إشارة إلى حديثين نبويين : [ نفسك مطيتك فارفق بها ] و [ أعط كل بدن ما تعوده ] .
( 161 ) : عن الحزم وعدم التردد ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 2884 - 2849 وشروحها .
( 164 ) : [ حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ] حديث نبوي ، ( جامع 1 / 148 ) .
( 167 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ( الشورى / 38 ) .
وعن رفقة العقل لعقل صديق ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1970 وما بعده وشروحها .
 
( 174 - 182 ) : الدهليز في رأى للسبزواري هو عالم الطبيعة شبه بالدهليز لضيقه ( شرح مثنوى 333 ) و " ألست " و " بلى " إشارة إلى العهد والميثاق الوارد في الآية الكريمةوَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ( الأعراف / 172 ) أي قلنا في عالم الأرواح بلى فأرسلنا إلى محكمة الدنيا لنشهد ، وحملنا هذه الأمانة ، فعلينا أن نؤديها قبل أن تغرب شمس الروح ، هذا العهد وهذه الأمانة هي الالتزام الإنسانى الأول ، وهذا العهد هو جذور الإنسان كما
 
ورد في الأبيات ( 1166 - 1170 )
من الكتاب الذي بين أيدينا وسوف يرجع إليها في موضعها .
( 183 - 195 ) : مثلما يكون الإنسان شاهدا على وجود الإله وشهادته هذه هي العهد الموجود بينه وبين الله تعالى منذ يوم الميثاق فإن أعمال الإنسان نفسها شهود عليه . إنها كلها تدل على باطنه وعلى ما في هذا الباطن من جواهر أصيلة تترجم إلى أعمال وعلى إجابته بالإيجاب في يوم العهد ، وهذه الشهادة إن أديت رياء وسمعة فهي تخرج من محكمة عدل الإله ، فضلا عن أنها تطعن في صوم الصائمين وزكاة المزكين بإخلاص ، لكن بالرغم من هذا تظل رحمة الله سابقة غضبه ، وتمنح هذا الاعوجاج نورا إليها فينقلب إلى استقامة ،
 
“ 440 “
  
ويعتبر العمل الذي أدى رياء وسمعة عملا من البر والإخلاص ، وأعمال الإنسان تصديق على إيمانه والإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل .
 
( 200 - 215 ) : الأعمال تغسل الذنوب ، ثم يغسلها الله سبحانه وتعالى تماما كالماء ينزل طهوراً من السماء ، فيتكدر ، فيرفعه الله سبحانه وتعالى ، ليعود طاهراً مطهرا ينادى أولئك الذين دنستهم الأفعال الشيطانية والتسويلات النفسانية . هذا الماء الطهور هو الفيض الإلهى هو الرحمة الإلهية ( وهو فيض الله الذي لا ينقطع ونور الله الذي لا يأفل ) . ( سبزوارى 343 - وانظر 3 / 1275 ) وكما أن الماء لا يلزم إن لم يوجد الدنس . فالرحمة لا توجد إن لم توجد المعصية ، هذه هي سعة روح مولانا جلال الدين وسعة أفقه ، فلا يلزم أن يكون الإنسان ملاكا ، لكي تدركه رحمة الله ، بل هي أولى بالعصاة ( انظر الكتاب الرابع ، شرح الأبيات 81 - 94 ) .
 
( 221 - 223 ) : يفسر مولانا جلال الدين ما هو المقصود بهذا الماء ، إنه أرواح الأولياء ، ( انظر الكتاب الرابع 4 / 3358 وما بعدها ) هي التي تغسل ما لحق بالنفوس الإنسانية من كدر ، ثم تعود إلى مولاها فيطهرها ، وهذا العود عروج معنوي لا مكاني وعن زيد بن علي ابن الحسن رضي الله عنهم أجمعين ، قال : قلت يا أبت أليس الله جل ذكره لا يوصف بمكان ، فقال : بلى : تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، فقلت : فما معنى قول موسى عليه السّلام لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ( في المعراج ) : ارجع إلى ربك ؟ فقال رضي الله عنه : معناه قول إبراهيم عليه السّلام [ إني ذاهب إلى ربى سيهدين ]
ومعنى قول موسى عليه السّلام [ وعجلت إليك رب لترضى ] ومعنى قوله عز وجل : [ ففروا إلى الله ] يعنى فحجوا إلى بيت الله ، يا بنى إن الكعبة بيت الله فمن حج البيت فقد قصد إلى الله والمساجد بيوت الله فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه ، والمصلى ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله عز وجل ( جعفري 11 / 157 - 158 ) .
  
“ 441 “
  
( 224 - 226 ) : معراج العودة إلى الله إذن هو الصلاة ، ومن ثم كان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أهمه أمر قال :
أرحنا بها يا بلال ، فهي معراج المؤمن ، ومن هنا فعند الخروج منها يسلم المؤمن دليلا على عودته من معراجه .
 
( 227 - 234 ) : وهذه كلها مجرد وسائط وإلا فإن لطف الله سبحانه وتعالى ينصب على عباده دون واسطة ، ودون مساعدة من أحد ، المريد فحسب هو الذي يحتاج إلى المرشد يأخذ بيده ، لكن المرشد نفسه في غنى عن الواسطة ، والعوام هم الذين يتعلقون بالوسائط والأسباب ( عن الأسباب ، انظر الكتاب الثالث البيت 3155 وما بعده ) ، البيت 2516 وما بعده ، والسمندل في المثال المذكور كناية عن أهل الله ، الخليل هو الذي يدخل النار فتكون عليه برداً وسلاماً ، وأهل الله هم الذين يشبعون دون خبز ، واللطف من الحق وإن كان الناس يلتمسونه في الرياض والبساتين . ( انظر حكاية الصوفي المراقب في الرياض في الكتاب الرابع ، الأبيات 1358 وما بعدها ) . لكن أهل الله والأنبياء يجدون هنا الأمور مباشرة ودون واسطة أو علة أو كسب .
 
( 235 - 240 ) : وردت الأفكار الواردة هنا في الكتاب الثالث ، انظر الأبيات 2702 وما بعدها وشروحها ، وفي الكتاب الرابع ، انظر الأبيات 1794 وما بعدها وشروحها .
( 248 - 250 ) : إن ما يصاحب العبادات من حركات وتصرفات هي بمثابة العرض ، والعرض ما هو إلا مظهر لجوهر ما ، وقد تناول مولانا جلال الدين هذه الفكرة في الكتاب الثاني
 
( الأبيات 948 - 970 وانظر أيضاً 4 / 809 ) . ولقد سكت مولانا هنا عن قول الغلام أي بحشر الأعراض ، لكنه في الأبيات التي بين أيدينا يوحى بقوله بعدم حشر الأعراض ، بل إن حصادها من بقاء جوهر الروح الذي هو الدليل يوم الحساب على أن هذه الأعراض قد تم القيام بها .
 
( 255 - 260 ) : يشير مولانا جلال الدين إلى هذا المرض المستشرى ، التناقض الشديد بين القول والفعل، يعشق الإنسان العدالة ومع ذلك يمارس الظلم ، يتحدث عن الأمانة ويخون،
 
“ 442 “
 
يعشق العلم ويستخدمه كأداة للوصول إلى المال والجاه والمنصب ، ينطلق في الحديث عن التصوف وأعلامه دون أن يحاسب نفسه أدنى حساب . هذا التناقض بين الأقوال والأفعال هو الذي تعبر عنه الآية الكريمةإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى( الليل / 4 ) .
 
أي متعدد الطرق والمسالك متناقض الأهداف ، أفعالك وأقوالك غير مقبولة ، حياتك لا تدور حول محور واحد لا يبالي بك الله في أي واد هلكت ، ولا يأبه بك أصحاب القلوب ولا بأقوالك أو أفعالك ، بل هم ما دمت في عنادك وفي جدلك هذا ، يعاندونك ، وما دمت في مكرك يمكرون بك ( جعفري 11 / 167 - 168 ) . وفي البيت الأخير إشارة إلى الآية الكريمةفَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ( السجدة / 30 ) .
 
( 267 - 272 ) : إشارة إلى الآيتين الكريمتين :قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً( الإسراء / 63 - 64 ) .
 
( 273 ) : إشارة إلى حديث نبوي ، قاله الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لسيدنا على رضي اللّه عنه ما معناه : إذا لامست أهلك فقل اللهم جنبنى الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني ، فإن رزقت بولد لم يصبه ضرر . ( عن انقروى 5 / 78 ، وجلبنارلى 5 / 55 ) .
 
( 275 - 276 ) : إشارة إلى أن عازر الذي أحياه سيدنا عيسى عليه السّلام بأمر الله وفي الأناجيل أنه كان امرأة ( عن جلبنارلى 5 / 56 ) وتقول الروايات إن عازر أو اليعازر مات لتوه مرة أخرى بعد أن أحياه سيدنا عيسى عليه السّلام .
 
( 289 - 290 ) : ينقل جعفري هنا حديثا ليس موضعه هو : ما بعث الله رسولا إلا وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه ويضلان الناس بعده ( 11 / 174 ) لكن الحديث هنا " لكل امرئ شيطان ، لكن شيطانى أسلم " .
 
“ 443 “
 
( 291 - 292 ) : أي إيمان وأية عقيدة لا يمكن أن يقضى عليها إلا إيمان آخر وعقيدة أخرى ، والعشق الإلهى هو قمة الإيمان وفوق أية عقيدة ، بل إن ظاهرة الإيمان نفسها هي من قبيل العشق ، والشيطان نفسه لو أنه ذاق قطرة من منزل سر اليقين ، لتغير حاله وتبدل .
 
( 300 - 304 ) : من مناجاة سيدنا على رضي اللّه عنه الواردة في نهج البلاغة " سبحانك خالقا ومعبوداً بحسن بلائك عن خلقك ، خلقت دارا وجعلت فيها مأدبة ، مشربا ومطعما ، أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها واصطلحوا على حبها ، من عشق شيئا أعشى بصره وأمرض قلبه " ( عن جعفري 11 / 179 ) .
 
( 305 ) : قال نجم الدين في تفسيرلَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنابالطلب والصدق والشوق والمحبة والوصلوَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَفي الإقبال على استيفاء الحظوظ الحيوانية والإعراض عن الحقوق الربانية .
 
( 307 ) : عن الرائحة والجرعة التي أنزلها الله تعالى من لطفه كنموذج لهذه اللطف في الدنيا حتى يطلب الناس أصلها ومنشأها ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 375 وما بعدها ) .
 
( 309 ) : عن الدعاء الذي يستجاب دون أن يقال ، انظر الكتاب الثالث : في بيان أن عين دعائك هو قول الحق لبيك ، الأبيات 189 وما بعده .
 
( 310 - 315 ) : لقد صور الله سبحانه وتعالى صورا جميلة من العدم ، لكنه جعلها كالحروف ، وعن طريق قراءة هذه الحروف يمكن للمرء أن يقرأ كتاب الجمال الكلى ، وإلى مثل هذا ذهب الشيخ الشبسترى :
كل ما هو موجود عيانا في الكون * كانعكاس شمس ذلك العالم والدنيا كالجديلة والخط والخال والحاجب * كل شئ فيها حلو في مكانه ( عن استعلامى 5 / 225 )
 
“ 444 “
 
ومن هنا فخليق بالأفكار والعقول أن تتجه إلى العدم ، فمن العدم يتأتى الوجود ، فكأن العدم هو أساس الوجود وهو مصنعه ، ووردت الفكرة في 3 / 377 ولتفصيل هذه الفكرة ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2441 - 2468 وشروحها .
 
( 317 - 327 ) : لا يزال يفصل فكرة أن منشأ الموجودات كلها من العدم ، فالعقول النورانية تقرأ كل يوم من اللوح المحفوظ حظها ، أي تكون كل اهتماماتها من لدن الحكيم الخبير ، فعقل المعاد هو الذي يخط حروفا على صفحات القلوب بلا بنان ، لكن أرباب الشهوات في حيرة من هذه الخطوط ، لأن كلا منهم مرتبط بخيال ما قد عكف عليه ، وكل إنسان تتفرق به السبل ، ما دام قد انصرف عن البحث عن قبلة الروح ، هذا الخيال من بحث عن الذهب أو الدر أو الزهد والتزهد أو قطع الطريق ، أو الطبابة ، كل إنسان وما ينبعث من باطنه ، ذلك أنه إذا اختفت قبله الروح أو الهدف الأسمى فإنما يبحث كل إنسان عن شفاء لعليل نفسه في ناحية ما .
 
( 335 ) : الساهرة المراد بها يوم الحشر إشارة إلى الآيات الكريماتيَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ ، أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ، قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ، فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ ، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ( النازعات 10 - 14 ) .
 
( 336 ) : الشموع الموجودة في الدنيا كناية عن الخيالات والاهتمامات الموجودة في الأبيات من 317 - 327 .
 
( 338 - 339 ) : النار الموسوية الإقبال : هي تلك النار الإلهية التي شاهدها موسى عليه السّلام على الجبل ، والتي نودي عندها ، وهي رمز للشهود الإلهى والدخول إلى الحقيقة .
( 341 ) : شمع الظفر كناية عن معرفة الله سبحانه وتعالى بنور الله ، وكلما أفنى المرء نفسه فيه تحقق وجوده تحققا أكثر ، وظفر بالوجود الخالد .


“ 445 “
 
( 342 ) : شمع السوء كل ما شغل عن الحق من اهتمامات وخيالات مذكورة آنفا ، وكل ما شغلك عن الحق هو طاغوتك .
( 344 - 345 ) : احتراق الشموع غير الحقيقية كناية عن فناء كل ما يشغل الإنسان عن الهدف الأسمى .
 
( 350 ) : الأعزاء هم الصوفية ، واللاصوب أو اللا مكان هو ما لا تحده جهات الدنيا .
 
( 353 ) : ديدن الصوفية هو على غير ما تعارف عليه أهل الدنيا ، والصوفي لا يمزق القباء إلا وجداً ، والوجد هو قمة الشعور والإحساس الصوفي ، فكأنه يبلغ بالتمزيق ما لا يبلغه غيره بالرتق .
 
( 354 - 355 ) : الحكاية المذكورة هنا واردة في مقالات شمس الدين التبريزي : مزق جبته ، وقال : وافرجاه فسميت الجبة الممزقة فرجية ( مقالات شمس ، ص 295 من طبعة محمد على موحد طهران 1369 ه - ش ، مآخذ / 161 ) وربما يمزق الصوفي قباءه وجدا ، ومن ثم شاع لبس الجبة الواسعة ذات الأكمام الواسعة والتي لا ياقة لها والرسم السائد عند المولوية أن يلبس الشيخ خرقة ذات أكمام ، أما المريد فجبة بلا أكمام ، ثم سميت فيما بعد الخرقة ( جلبنارلى 5 / 73 - 72 ) .
 
( 356 ) : ثم يعود مولانا ويقول إنه لا حاجة للصوفية بالألفاظ والألقاب والرسوم ، فكلها كدر ، والصوفي لا يهمه إلا الصفاء .
( 362 ) : الجبة هنا هي الوجود ، وهي الجسد ، وهي النفس فبدون تمزيقها لا يتأتى الصفاء الحقيقي .
 
( 363 - 370 ) : إياك أن تظن أن التصوف هو الخرقة وما إليها ، إنك إن ارتديت الخرقة هادفا ذلك الصفاء الذي ينبغي أن يتميز به الصوفي . يجمل بك ذلك ، لكن إذا انتقلت سريعا من الخيال والوهم ، إلى الحقيقة لم تعكف على الانتقال من خيال إلى خيال ومن وهم إلى وهم
 
“ 446 “
 
وكل وهم يسد الطريق أمامك ويقول لك : قف هنا ، إنك وصلت ، فتظن أنك وصلت من حيث فصلت . والملك الحقيقي هو الذي لا تسيطر عليه هذه الخيالات والأوهام ، إنه يبدي هيبة الملك وينطلق في طريقه وهو يعرف هدفه تماما .
 
( 372 - 389 ) : ترى ما هو سر الجمال وسر العظمة الموجودة في هذا العالم ، الذي نسميه عالم الوجود ، ما الذي فيه ويجذبنا إليه كل هذا الانجذاب ؟ ! يجيب مولانا جلال الدين على هذا السؤال إجابات مختلفة ، ففي الكتاب الثالث ، يرى أن كل سعادة نابعة من القلب ، لطف اللبن والعسل ، إنما ينبع من القلب ، ومن ثم ، فالقلب هو الجوهر ، والعالم كله عرض بالنسبة له ، هو الحقيقة وكل ما سواه ضلال ( انظر جعفري 7 في شرح الكتاب الثالث الأبيات 2246 وما بعدها ) .
الإجابة الثانية هي ما يوجد بالأبيات التي بين أيدينا ، إنها جرعة من كأس الجمال الإلهى صبت على هذا التراب القبيح كما يصب الكرام جرعة على الأرض :شربنا وأهرقنا على الأرض جرعة * وللأرض من كأس الكرام نصيبومن هذه الجرعة التي تبلغ عشر معشار الجمال الحقيقي يوجد كل ما في عالم الكون من جمال ، مجرد صدى من الجمال الحقيقي انعكاس نور الشمس على الجدران الصماء ، كما ورد في الكتاب الثالث ، وعند سعدى الشيرازي يظل معدن الجمال هو الإله نفسه ، وهو معنى تكرر عند مولانا جلال الدين أيضاً يقول سعدى :
إنني سعيد من الدنيا لأنها تنضرت من هو * وأنا عاشق لكل العالم لأن كل العالم منه ( عن جعفري 11 / 196 - 197 ) ( 390 - 392 ) : جرعة الجمال التي صبت على الحمأ المسنون هي كما هو واضح الروح ، والجرعة الأخرى هي التوفيق الإلهى للخلاص من تبعات الحمأ المسنون .
 
( 395 ) : الطاووس ذو اللونين هو رجل الجاه والمال والدنيا يتجلى بمظهره فيخلب اللب وينظر إلى باطنه فإذا هو كساق الطاووس .
 
“ 447 “
 
( 400 - 410 ) : وهناك من البشر من هم على مثال الطاووس ، إنهم يهتمون بظواهرهم ، فظاهرهم خلاب ، كلامهم سلس ولين ، ودودون ، إن كل هذه شباك يصيدون بها الخلق ويمضى عمرهم ، ويقترب من نهايته ، وهم مغترون بأن " معارفهم كثر " ، وأصدقاءهم ( في كل مكان ) ، فما فائدة صيد الخلق ، إنك إنما ألقيت بنفسك في شباكهم ، ولم تصد في النهاية شيئا ينفع ، إنه أشبه بصيد الخنازير ، لقد ربيت في نفسك الكبرياء ، الناس مخدوعون بك ، وأنت مخدوع بنفسك .
 
( 411 - 417 ) : لقد صرفك غرامك بصيد الخلق عن الاهتمام بصيد العشق ، لكن العشق لا يصاد ، بل يصيد ، فدع كونك صيادا إذن وانقلب إلى صيد ، والملوكية الحقيقة في العبودية لله والملوك الحقيقيون هم أولئك الذين ملكوا أنفسهم وسيطروا على شهواتهم فوجدوا الملك الإلهى أما ملوك الدنيا فما أشبههم بقبور الكفار ، ظاهرها جميل ، لكن في باطنها غضب الله عز وجل ، نفس الأبيات التي ذكرها محمد إقبال وهو يصور الحضارة الغربية ، ( كبرياء وعنجهية وتسلط وظاهر خلاب ثم قهر الله عز وجل ) .
 
( 422 - 423 ) : النار هنا هي نار الطاعات والمجاهدات وترك الأهواء على فحوى حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ، ونهر الكوثر هنا ، رمز للشهوات تطير في عيون أهل الدنيا كأنها مياه الكوثر فيعرضون عن الطاعات وهي في الحقيقة الكوثر ويرغبون في الشهوات التي هي في الحقيقة نار ، وهذا هو اللعب المعكوس ( مولوى 5 / 68 ) وهذا أشبه بقول ابن الفارض :فإحياء أهل الحب موت نفوسهم * وموت قلوب العاشقين مصارعوربما استند هنا مولانا على قول منسوب للإمام على رضي اللّه عنه : " سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته واشتدت لأعدائه نقمته في سعة رحمته " ( انقروى 5 / 119 ) وقوله تعالىالَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا( الملك / 2 ) .
 
“ 448 “
 
( 451 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ( إبراهيم / 46 ) .
 
( 454 ) : في النص " خوش جواز " وقد ترجمتها " أحل الطيبات " ، أي أجازها . وروى استعلامى حديثا هو : قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم : كان من خلقي الجواز " ( 5 / 234 ) أما عن العقل :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم : بم يتفاضل الناس في الدنيا ؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم :
بالعقل ، قلت : وفي الآخرة ؟ قال : بالعقل ، قلت : أليس ما يجزون بأعمالهم ؟ قال : يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم الله من العقل ، وبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم وبقدر ما عملوا يجزون ، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم : إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ولا يتم لرجل حسن خلقه حتى يتم عقله فعند ذلك تم إيمانه وأطاع ربه ، وعن أبي سعيد الخدري ، قال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ لكل شئ دعامة ودعامة المؤمن عقله بقدر عقله تكون عبادته ] ( انقروى 5 / 126 ) .
 
( 459 ) : بشأن مناقشة قضية تفاوت العقول من الفطرة انظر الكتاب الثالث الأبيات من 1540 وما بعدها وشروحها .
 
( 467 - 475 ) : ليس المقصود بالأمر أمر إقبال وحظ وأن الأمور تجرى بالمصادفة بل الأمر كله من عطاء الله ومن توفيقه ، فليس عليك أن تعتمد على عظمة عقلك الجزئي ، فهذه العقول الجزئية لا قيمة لها إلى جوار العقل الكلى ، والحل هنا هو التواضع والتسليم ومعرفة أن قدرة الخلق مهما عظمت إلى حدود ، وأن مكر الإنسان لا يساوى شيئاً إلى جوار مكر الله ، وإن الأمر منوط بالدعاء والضراعة والدموع ، فقلل اعتبار القوة هنا ذات فعل أو أثر .
 
( 469 ) : المقصود بأن تجد النبوة في الأمة ، أن تجد المشيخة ورتبة الإرشاد ، فالشيخ في قومه كالنبي في أمته .
 
( 477 ) : الحكاية التي تبدأ بالبيت من الحكايات المشهورة في التراث العربي ، ولم يلتفت إليها فروزانفر في " مآخذ قصص وتمثيلات مثنوى " ونظمها شاعر مصرى معاصر . والبيت المذكور لأبى المهوش الأسدي ورد في الميداني ( 3 / 216 ) من تحقيق أبى الفضل إبراهيم ،
 
“ 449 “
 
دار الجبل . والشاعر المعاصر المصري الذي نظمها هو حافظ إبراهيم وأشار إلى أنها مثل ، ولم أجد هذا المثل على طول ما بحثت عنه ، يقول حافظ في قصيدته في الدعوة إلى الجامعة المصرية :
ودونكم مثلا أوشكت أضربه * فيكم وفي مصر إن صدقا وإن كذبا
سمعت أن امرءًا قد كان يألفه * كلب فعاشا على الإخلاص واصطحبا
فمر يوما به والجوع ينهشه * نهشا فلم يبق إلا الجلد والعصبا
فظل يبكى عليه حين أبصره * يزول ضعفا ويقضى نحبه سغبا
يبكى عليه وفي يمناه أرغفة * لو شامها جائع من فرسخ وثبا
فقال قوم وقد رقوا لذي ألم * يبكى ، وذو ألم يستقبل العطبا
ما خطب ذا الكلب ؟ !
قال الجوع يخطفه * منى ، وينشب فيه النار مغتصبا
قالوا وقد أبصروا الرغفان زاهية * هذا الدواء فهل عالجته فأبى
أجابهم ودواعي الشح قد ضربت * بين الصديقين من فرط القلى حجبا
لذلك الحد لم تبلغ مودتنا * أما كفى أن يراني اليوم منتحبا
هذى دموعي على الخدين جارية * حزنا وهذا فؤادي يرتعى لهبا
( ديوان حافظ إبراهيم ، ص 161 - 162 ، ج 3 ، المطبعة الأميرية ، مصر 1948 ، تحقيق أحمد أمين ، أحمد الزيني ، إبراهيم الأبياري ) .
 
كما علق عليها شاعر قديم ببيت شعر جرى مجرى الأمثال :
لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتنى زادي
والحكاية تبين نوعا من البشر يوجد في كل زمان ومكان ، ذلك الذي لا يتجاوز تعاطفه الكلمات الرنانة وذرف الدموع وإعطاء الكلام حقه والتفجع ما ينبغي له ، لكنه لا يتجاوز هذا الأمر نحو أي نوع من الفعل ولو كان قادرا عليه ، فرسان الكلام وأبطال المقال هؤلاء كانوا
 
“ 450 “


يثيرون مولانا جلال الدين ويشحذون مقدرته على السخرية ، وهؤلاء لا يكذبون على البشر فحسب بل يكذبون على أنفسهم قبل أن يكذبوا على الخلق .
 
( 486 - 491 ) : هذا الصنف من الناس مستعد لكل ما ليس من شأنه أن يجعله ينفق شيئاً أو يبذل جهداً ، إنه يظن من خسته أن الدمع أرخص من لقمة الخبز ، مع أن الدمع هذا دم تحول إلى ماء ، إن الدمع الحقيقي والبكاء الحقيقي يجعل السماء نفسها تبكى معه ، تتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يقبل ضراعته ويقبل بكاءه مصداقا للحديث النبوي : [ بكت السماوات السبع ومن فيهن ومن عليهن والأرضين السبع ومن فيهن ومن عليهن لعزيز ذل ، وغنى افتقر ] ، لكن الذي لا يبذل وجوده في سبيل الله هو من قال الله في شأنه :فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ.
 
( 492 - 495 ) : النحاس العابد للهمة هو الإنسان عندما يدرك جوانب نقصه ويحس بالانكسار ويعرض نفسه على كيمياء التبديل فيتضرع تاركا جوانب المكر والاحتيال ، والحول والطول مسلماً نفسه لكل ما تأمر به الإرادة الإلهية .
 
( 499 - 500 ) : جناح طاووسك هو عجبك وكبرياؤك وحولك وقوتك وما يبدو أنه وسائل في يدك وهو ما تراه جميلا في وجودك جديراً بأن ينظر إليه الناس ، بل انظر إلى القدم من هذا الطاووس إلى ألوان قبحك وضعفك واحتياجك وانكسارك ولتخش على الأقل وأنت تعرض جوانب القوة فيك من نظرات الحاسدين ، واقرأ الآية الكريمةوَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ، وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ( القلم ( 51 / 52 ) . قال البيضاوي : والمعنى أنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شذرا بحيث يكون يزلقون قدمك ويرمونك من قولهم نظر إلى نظرا يكاد يصرعنى ، أو انهم يكادون يصيبونك بالعين ، إذ روى أنه كان في بنى أسد حاسدون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أي يصيبه بالعين ، فنزل ، وفي الحديث : إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر .
“ 451 “
 
( 512 - 514 ) : والأمور كلها موكولة إلى القضاء لكن الأمر يكون في حاجة إلى سبب ، فالعين حسودة تصيب مثلما تكون الساقية ، ظاهرة في دوران الماء لكن الماء هو الذي يديرها . ومن الممكن أن تقف عين المرشد الطيبة أمام العين الحسودة ، فالعين الطيبة من الرحمة ، والعين الحسودة من النقمة .
 
( 517 - 524 ) : عودة إلى قصة سيدنا إبراهيم عليه السّلام فحرص البط حرص إلى الطعام ، وحرص الطاووس حرص إلى الزينة والشهرة والكبرياء ، والعجب والتفاخر ، وهذا المقصود ، بإضعاف الحرص إلى الطعام ، وإذا كنت تريد مثالا لزلة البطن والباه فانظر إلى آدم ، إن زلته تنزل وليست كبرياء إنها مرض لكنها ليست كزلة إبليس ، كبرياء وعجب وحرص على الرئاسة ، وفي الحرص على الرئاسة أنواع من الأمراض النفسية تزيد على هذا الأمر زيادة كبيرة ، إنه يصل إلى مرحلة الشيطنة نفسها ، بل قد يزيد ويصبح طامعا في مقام الألوهية ، فالمال حية والجاه أضر منها .
 
( 526 - 530 ) : إن عشق الجاه والسلطة ليس مجرد شهوة بسيطة إلى الطعام أو إلى النساء ، لا تلبث أن تطفأ ، لكنها شهوة لا تشبع ، إذ لا نهاية لها ، إن كل متجبر جبار ، يكون كالنار تأكل كل شئ ، والطاغية يكون دائما في حاجة إلى وقود لناره هذه ، ومن هنا فهو يفتك بكل من يتصور أن ينازعه حتى لو كان ابنه ، ومن هنا قيل : " الملك عقيم " ، ويمضى مولانا مع سيكولوجية الطغيان إلى نهايتها ، فالطاغية كالنار والنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله .
 
( 531 - 534 ) : إن من العصمة ألا تجد " في طلب البسطة لا تجتهد " هكذا قال مولى المتقين علي كرم الله وجهه ، فما دمت لا تملك شيئاً ، ولا تتصدر وتبدى رأسك فلن تصير هدفا للسهام ، إن جبارى الأرض لا ينتبهون إلا إلى أولئك الذين ينتظرون منهم الخطر ، وما دمت متواضعا فلن تثير خوفا من طاغية ، ( انظر أيضاً شروح الأبيات 778 - 789 من الكتاب الثالث ) .

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: