الأربعاء، 26 أغسطس 2020

02 - ديباجة مولانا الدفتر الثالث المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

02 - ديباجة مولانا الدفتر الثالث المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

ديباجة مولانا الدفتر الثالث المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

“ 23 “ 
[ الدفتر الثالث ]
( النص ) 
“ 24 “
 .
“ 25 “ 
[ ديباجة الدفتر الثالث ]
الحكم جنود الله يقوى بها أرواح المريدين ، ينزه علمهم عن شائبة الجهل وعدلهم عن شائبة الظلم ، وجودهم عن شائبة الرياء ، وحلمهم عن شائبة السفه ، ويقرب إليهم ما بعد عنهم من فهم الآخرة ، وييسر لهم ما عسر عليهم من الطاعة والاجتهاد ، وهي من بينات الأنبياء ودلائلهم ، تخبر عن أسرار الله وسلطانه المخصوص بالعارفين ، 
وإدارته الفلك النوراني الرحماني الدري الحاكم على الفلك الدخاني الكري كما أن العقل حاكم علي الصور الترابية وحواسها الظاهرة والباطنة ، فدوران ذلك الفلك الروحاني حاكم علي الفلك الدخاني ، والشهب الزاهرة ، والسرج المنيرة ، والرياح المنشئة ، والأراضي المزجية ، 
والمياه المطردة ، نفح الله بها عباده وزادهم فهما ، وإنما يفهم كل قارىء على قدر نهمته وينسك الناسك علي قدر قوة اجتهاده ، ويفتي المفتي مبلغ رأيه ، ويتصدق المتصدق بقدر قدرته ، ويجود الباذل بقدر موجوده ، ويقتني الموجود عليه ما عرف من فضله ، 
ولكن مفتقد الماء في المفازة لا يقصر عن طلبه معرفته ما في البحار ، 
ويجد في طلب ماء هذه الحياة قبل أن يقطعه الاشتغال بالمعاش عنه ، وتعوقه العلة والحاجة ، وتحول الأغراض بينه وبين ما يتسرع إليه ولن يدرك العلم مؤثر هوي ولا راكن إلي دعة ولا منصرف عن طلبه ولا خائف علي نفسه ، ولا مهتم بمعيشته ، إلا أن يعوذ بالله ويؤثر دينه علي دنياه ويأخذ من كنز الحكمة الأموال العظيمة التي لا تكسد ولا تورث ميراث الأموال ، 
والأنوار الجليلة والجواهر الكريمة والضياع الثمينة ، شاكرا لفضله معظما لقدره مجللا لخطره ، ويستعيذ بالله من خساسة الحظوظ ، ومن جهل يستكثر القليل مما يري في نفسه ويستقل الكثير العظيم من غيره ويعجب بنفسه ما لم يأذن له الحق ، 
وعلي العالم الطالب أن يتعلم ما لم يعلم ، وأن يعلم ما قد علم ، ويرفق بذوي الضعف في الذهن ، ولا يعجب من بلادة أهل البلادة ولا يعنف علي كليل الفهم “ كذلك كنتم من قبل ، فمن الله عليكم “ سبحانه وتعالي عن أقاويل
 
“ 26 “
 
الملحدين ، وشرك المشركين ، وتنقيص الناقصين ، وتشبيه المشبهين ، وسوء أوهام المتفكرين ، وكيفيات المتوهمين ، 
وله الحمد والمجد علي تلفيق الكتاب المثنوي الإلهي الرباني ، وهو الموافق والتفضل وله الطول والمن ، لا سيما علي عباده العارفين علي رغم حزب
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ،فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 
والحمد للّه رب العالمين ، وصلي الله علي سيدنا محمد وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
 
“ 27 “
 
01 - يا ضياء الحق يا حسام الدين هات هذا الدفتر الثالث ، فقد جرت السنة علي “ أن يكون الأمر ثلاث مرات “ .
- ولتفتح خزانة الأسرار ، ولتترك في هذا الدفتر الثالث الأعذار .
- فإن قوتك تنبع من قوة الحق ، لا من العروق التي تنبض من الحرارة .
- ومصباح الشمس ذاك الذي يشرق ، لا هو من الفتيل ولا من القطن ولا من الزيت .
 
05 - وسقف الفلك الذي هو دائم هكذا ، ليس بقائم علي طنب وأعواد .
- وقوة جبريل ليست من الطعام الذي يطبخ ، بل هي من مشاهدة خالق الوجود .
- وكذلك قوة أبدال الحق ، اعلم أنها من الحق لا من الطعام ولا من الطبق .
- فأجسامهم عجنت من النور ، حتى تفوقت علي الروح والملائكة .
- وما دمت موصوفا بالأوصاف الجليلة ، تجاوز عن نار الأعراض كالخليل “ 1 “
 
10 - فتصير النار عليك بردا وسلاما ، يا من تكون العناصر عبيد مزاجك .
- فلكل مزاج أساس من العناصر ، لكن مزاجك أعلي من كل مرتبة .
- فمزاجك هذا صار مستمدا لوصف الوحدة من العالم المنبسط .
- وا أسفاه فإن ساحة أفهام الخلق ، قد ضاقت جدا ولا حلق للخلق .
- وبحذق رأيك يا ضياء الحق ، تهب حلواك الحلق للحجر .
 
15 - لقد وجد جبل الطور في التجلي حلقا ، حتى شرب هذه الخمر ولم يهدرها .
..............................................................
( 1 ) في نسخة جعفري ( محمد تقي جعفري : تفسير ونقد وتحليل مثنوى جلال الدين محمد بلخى
- الجزء السادس - ط 11 - تهران 1336 ( فيما بعد ج / 6 ) :
- لقد استكانت لك الحواس الخمسة والجهات الستة ، يا من صارت العناصر عبيدا لمزاجك .

“ 28 “
 
- “ صار دكا منه وانشق الجبل ، هل رأيتهم من جبل رقص الجمل “ ؟ “ 1 “ .
- إن الجود بالطعام يتأتي من كل إنسان لآخر ، لكن الجود بالحلق من فعل الله فحسب .
- إنه يهب الحلق للجسد والروح ، ويهب كل عضو من أعضائك حلقا علي حده .
- ويهبك بحيث تصير منسوباً إلي ذي الجلال ، بريئا من الفضول والاحتيال والنفاق .
 
20 - وذلك حتى لا تبوح بسر السلطان لأحد ، وحتى لا تصب السكر أمام الذباب .
- وإنما لتسمع أسرار الجلال ، أذن ذلك الشخص الذي يشبه زهرة السوسن له مائة لسان لكنه أخرس .
- ولطف الله يهب التراب حلقا ، بحيث يتشرب الماء فينبت منه مائة نبات .
- ثم يهب المخلوق من تراب حلقا وفما ، حتى يأكل النبات ويجد في طلبه .
- وعندما أكل النبات صار الحيوان سمينا ، ثم صار الحيوان طعاما للإنسان ومضى في سبيله .
 
25 - ثم صار التراب ثانية أكلا للبشر ، عندما غادرت البشر الروح والبصر .
- لقد رأيت الذرات كلها مفتوحة الأفواه ، ولو ذكرت طعامها لطال بنا الحديث .
- والزاد لأوراق “ النبات “ من إنعامه ، ولطفه الكلي حاضن لكل الحواضن .
- فهو الذي يهب الأرزاق الأرزاق ، وإلا فكيف ينمو القمح دون غذاء ؟ ! .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
“ 29 “
 
- وليس لشرح هذا الحديث من نهاية ، إنما ما قلته مجرد جزء من أجزاء تعلمها .
 
30 - فاعلم أن العالم بأجمعه أكل ومأكول ، وأن ما تبقي منه مقبل ومقبول .
- وأهل هذه الدنيا وسكانها منتشرون ، أما ذلك العالم وسالكوه فخالدون .
- وهذه الدنيا وعشاقها منقطعون ، وأهل ذلك العالم مخلدون مجتمعون .
- ومن ثم فالكريم هو الذي يسقي نفسه ماء الحيوان حتى يبقي إلى الأبد .
- والكريم هو قبيل الباقيات الصالحات ، ومن سلم من مئات الأخطار والمخاوف والآفات .

35 - وهؤلاء وإن بلغوا الآلاف إلا أنهم ليسوا أكثر من شخص واحد ، ولا يجد هذا الأمر وهم من يحصي عددا .
- فللآكل والمأكول حلق وقصبة حلق ، وللغالب والمغلوب عقل ورأي .
- لقد وهب الحلق لعصا العدل ، فالتهمت العديد من العصى والحبال .
- ولم تزد من ذلك الأكل ، فلم تكن حيوانا ذات أكل وشكل .
- كما وهب اليقين حلقا كالذي وهبه للعصا ، حتى التهم كل وهم تولد .
 
40 - ومن هنا فللمعانى حلوق كالأعيان ، وواهب المعاني حلوقا هو الله .
- ومن هنا فمن أدني العالم إلي أعلاه “ 1 “ ، لا يوجد أحد في الخليقة ليس له حلق لجذب المادة “ 2 “ .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : من السمكة إلى القمر .
( 2 ) ج / 6 - 99 : وحلق النفس إن صار خاليا من الوسوسة ، يصبح جديرا بالوحي الإجلالى .
 
“ 30 “

- وحلق الروح منزه عن فكر الجسد ، ومن هنا فإن قُوتَها الإجلال “ 1 “ .
- واعلم أن الشرط هو تبديل الطبيعة ، فمن طبيعة السوء يكون موت الأشرار .
- وعندما صارت طبيعة الآدمي أنه أكل للطين ، صار أصفر سييء اللون وسقيما وذليلا .
 
45 - وعندما تبدلت طبيعته السيئة ، انتفي القبح عن وجهه وتألق كالشمع .
- فأين الحاضنة للطفل الرضيع ، لتجعل فمه السييء طيبا بنعمتها ؟ “ 2 “ .
- وعندما تقطع طريق الثدي عليه ، تفتح أمامه الطريق إلي مائة بستان .
- وذلك لأن الثدي حجاب لذلك الضعيف ، أمام آلاف النعم والموائد والرغائب .
- وإذن فحياتنا متوقفة على الفطام ، فجاهد رويدا رويدا ، هذه هي خلاصة الكلام .
 
50 - وعندما كان الإنسان جنينا كان الدم غذاءه ، فهو يستمد الطهر من النجس ، وهكذا المؤمن “ 3 “ .
- ومن فطام الدم يصير غذاءه اللبن ، ومن فطام اللبن يصير أكلا للطعام .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 99 : وحلق العقل والقلب عندما خليا من الفكر ، وجد صاحبهما الرزق البكر دون هضم من المعدة
( 2 ) ج / 6 - 110 واين الحاضنة للطفل الرضيع ، حتى تغذية بالنعم .
( 3 ) ج / 6 - 100 : - وعندما كان الانسان ضعيفا كان آكلا للدم فحتام يكون سدى وجوده ولحمته من الدم ؟ !
 
“ 31 “
 
- ومن فطام الطعام يصير “ في حكمة “ لقمان ، طالبا لكل خفي فيما هو ظاهر .
- فلو أن أحدا قال للجنين وهو في الرحم : هناك عالم في الخارج شديد النظام .
- هناك أرض نضرة ذات عرض وطول ، فيها مئات النعم وكثير من الأكولين .
 
55 - وفيها الجبال والبحار والصحاري والبساتين والحدائق والمزارع .
- وهناك سماء عالية جداً شديدة الضياء ، فيها شمس وقمر ومئات من نجوم السها .
- ومن “ رياح “ الجنوب والشمال والدبور ، فيها حدائق ذات أعراس وبهجة .
- ولا توصف عجائبها . . . فأية ظلمة هذه التي تكون فيها ممتحنا ؟
- تأكل الدم في إطار مضيق من الحبس والأنجاس والعناء .
 
60 - لكان هو بحكم حاله منكرا ، ولأعرض عن هذه الرسالة وكفر بها .
- قائلا : إن هذا محال وخداع وغرور ، وذلك لأن وهم الأعمي لا يستطيع التصور .
- وما دام إدراكه لم ير جنس الشيء ، فإن إداراكه المنكر لا يستمع إلي شيء .
- وهكذا الخلق علي وجه العموم في هذا العالم ، عندما يحدثهم الأبدال عن ذلك العالم ( قائلين ) :
- هذه الدنيا جب شديد الظلمة والضيق ، وخارجها عالم “ شفاف “ لا لون له ولا رائحة .
 
65 - فإن أذانهم لا تنصت علي الإطلاق إلي شيء من هذا ، لأن طمعهم “ في الدنيا “ حجاب غليظ وكثيف .
- فالطمع هو الذي يسد الأذن عن الاستماع ، كما أن الغرض يعمى العين عن الاطلاع .
 
“ 32 “

- مثلما يكون طمع ذلك الجنين في الدم ، فهو غذاؤه في الأوطان الدنية .
- ومن ثم يحجب عن الحديث عن هذا العالم ، لأنه يعلم إلا الدم طعاما له “ 1 “ .
 
.
* * * 
شروح وتعليقات 
“ 412 “
.
  
“ 413 “
 
[ شرح الديباجة ]
الحكم جنود الله :
الحكمة في اصطلاح العارفين ، هي العلم الباطني بالقرآن الكريم والمعرفة التي تبعد العبد عن الدنيا وأمورها وتجعله عارفا بعالم الغيب والوجود الحقيقي ، ولا تتأتى هذه المعرفة عن طريق مدرسة أو كتاب أو معلم ، فهي من أجل الحق وللحق يجذبهم إليه بعنايته إن كانوا جديرين بها ( استعلامى / 3 - 244 ) ، يقذف بها بنور حقيقي في قلوبهم ( يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً )
 
جاء في الكتاب الأول :
هكذا رأى كاتب وحى الرسول الحكمة في ذاته وفي النور الأصلي ( بيت 2355 ) كما ورد في المجلد الثاني : “ وهو الذي يوصل إلى العين ما يشاء من الجمال ومن الكمال ومن نظرات المحبة - وهو الذي يوصل إلى الأذن ما يشاء من الأنغام والبشائر أو من الصراخ - إن الكون ملىء بالوسائل لكنك تبقى بدون حلية ما لم يفتح عليك الله منفذا إليها ( أبيات 680 - 683 الكتاب الثاني ) .
كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ: النساء / 94 نزلت الآية الكريمة في سياق في النهى عن الشك في إيمان من ألقى السلم ، ويتعامل مولانا مع الآية الكريمة لكي يؤدى بها معاني عرفانية ، لكي ينهى السالك الواجد عن الفخر ، فقد كان ذات يوم من الذين حرموا من هذه العطية ، أما وقد فتحت عليه الإنعامات الإلهية فليس عليه أن يفخر على من لا يزالون محرومين منها ( محمد استعلامى : مثنوى مولانا جلال الدين محمد ج 3 ص 225 - تهران - زوار 1373 ه - ش . يذكر بعد ذلك باسم استعلامى فقط .الآيات الكريمة
:يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُانُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ- صحتهايُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ( الصف 8 ) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ( الحجر ) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ
 
“ 414 “
  
يُبَدِّلُونَهُ( البقرة 181 ) يستعير مولانا ما نزل بشأن القرآن الكريم على أساس أن كل ما قصد به وجه الله تعالى من جوامع الحكمة والعرفان مشمول بالعناية الإلهية شأنه في هذا شأن القرآن الكريم إذا وعد تعالى بحفظه إلى يوم الدين ، وقد عاد مولانا إلى هذه الفكرة مرة أخرى ففصلها في هذا الكتاب الثالث ( انظر المتن 4230 - 4252 والأبيات 4323 - 3285 الأبيات 1198 - 1215 ) .
 
[ شروح الأبيات ]
( بيت 1 - 5 ) الخطاب لحسن حسام الدين أحد كبار مريدى مولانا ، وكاتب وحيه الشعرى ، ( لمعلومات عن حسن حسام الدين أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول ) أما قوله : وقد جرت السنة على ثلاثة مرات إشارة إلى اعتقاد شعبى فارسي يعبر عنه بصيغ مختلفة ، وله أساس بالطبع في المأثور الإسلامي على أساس أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم كان يكرر القول والدعاء ثلاثا ، قال صاحب شرعة الإسلام : إذا سلم النبي صلّى اللّه عليه وسلم سلم ثلاثا وإذا كلم كلم ثلاثا ، وروى في المصابيح عن سعد بن مالك قال : إذا أكل النبي عليه السلام أكل بثلاثة أصابعه ، وقال ابن عباس رضي الله عنه ، توضأ النبي عليه السلام مرتين مرتين ولكن ثلاث مرات غسل - يقول يوسف بن أحمد : هذا الدفتر الثالث ، يقصد الكتاب الثالث من المثنوى ، هو بمثابة غسل الأعضاء المعنوية ثلاث مرات ، فسنة النبي صلّى اللّه عليه وسلم وسنة الأنبياء من قبله ثلاث مرات ( يوسف بن أحمد المولوي : المنهج القوى لطلاب المثنوى - ج 3 بدون تاريخ أو مكان طبع بعد ذلك يكتفى بكلمة مولوى )
وينظر أيضاً شرح إسماعيل حقي الأنقروى : شرح المثنوى : شرح المثنوى بالتركية مجلد 3 أستانبول 1130 ه - ص 14 - ص 15 يذكر بعد ذلك أنقروى فقط 3 ، بديع الزمان فزوزانفر : أحاديث المثنوى ص 17 تهران 1332 ه - ش )
والمقصود بترك الأعذار غير واضح اللهم إلا إذا كان المقصود بالبيت التالي الحديث عن القوة المعنوية في مقابل القوة المادية ، إن حسن حسام الدين كان يشكو مرضا ، وإن مولانا جلال الدين كان يواسية بأن القوة المادية لا علاقة
 
 
“ 415 “
 
لها بالأعمال المعنوية وأن “ عمارة الروح من خرب الجسد “ وهي فكرة ( يدق ) عليها مولانا جلال الدين ( ويدق ) عليها الصوفية كثيراً ، ويضرب مولانا الأمثال من السماء القائمة بغير عمد ، والقوة التي تتم عن طريق مزاولة الأعمال الروحية كقوة جبريل من رؤية الخالق ، وهي قوة وصفت في القرآن الكريمذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ( التكوير / 20 ) وإن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم سأل جبريل عن قوته فقال : خلعت ديار قوم لوط بجناحي ورفعتها إلى السماء فقلبتها “ ( شرح الأنقروى ثالث ص 17 - مولوى / 3 ص 8 ) .
 
( 7 ) الأبدال في مصطلح جلال الدين بمعنى عام هو العارفون السائرون في طريق الله أو كما سيرد فيما بعد ( من بدلت صفاتهم وبدلت ذواتهم الجسمانية وتبادلوا إلى أرواح ) .
 
( 9 ) وفي البيت التاسع ما يؤكد أن حسن حسام الدين كان مريضا ، ويضرب له المثل بأن هذا المرض لن يؤذيه كما لم تؤذ النار إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكانت عليه برداً وسلاما ورد هذا المعنى في سورة ( الأنبياء ) .
 
( 10 ) والدليل على ذلك أن العناصر التي تؤثر في مزاج الإنسان العادي والعامي لا سلطة لها على الأبدال والعارفين بل هي خاضعة لسلطتهم الروحية الخارقة .
 
( 11 ) ومزاج العارف والمقصود بالمزاج أخلاط الجسم هي أعلى من كل مرتبة لأن - هؤلاء قد صاروا روحا خالصة ، وتمت سيطرة أرواحهم على أجسامهم بحيث إن حالات الجسم قد تكون انطلاقا للروح .
 
( 12 ) ، وهؤلاء - أي أبدال الحق - إنما يعيشون على الأرض كنموذج للعالم المنبسط أي عالم الوجود الحقيقي الذي لا يحتوى على جسم .
 
( 13 ) ، ويقف مولانا جلال الدين عن الاسترسال في أوصاف العارفين ،
 
“ 416 “
 
 
وليس ذلك إلا أن الخلق محجوبون عن أمثال هذه المعاني ، فساحة أفهامهم ضيقة لأنهم متعلقون بهذا العالم الأرضي ، وهمتهم على قدره ، وحلوقهم مكيفة على أغذية الأرض وليس على الغذاء المعنوي ، ويستطيعون تفهم هذه المعاني .
 
( 15 ، 16 ) ، وهذه المعاني كان للجبل الحلق الذي يتشربها ومع ذلك فقد صار دكا وخر موسى صعقا وورد هذا المعنى في سورة ( الأعراف / 143 ) إنه لم يحافظ على ثباته ورقص كالجمل ( انظر أيضا بيت ( 25 ) من الكتاب الأول ) .
 
( 17 ) إن الجود بالطعام هنا أو كما ذكر حرفيا “ منح القمة “ يقصد به تعليم أسرار الحق وتلقينها ، أما الجود بالحق أي استعداد إدراك هذه الحقائق فهو من هبات الله سبحانه وتعالى فحسب .
 
( 19 ) هنا يصير المرء منسوبا إلى ذي الجلال أو كما يقول مولانا “ إجلاليا “ أي جديرا بألطاف الحق وعنايته .
 
( 20 ) صب السكر أمام الذباب كناية عن الحديث بالأسرار الإلهية أمام من ليسوا لها بأهل .
 
( 21 ) فإن رجل الحق لا يقول سر الحق لكل إنسان ، بل جدير به الأخرس لأن من عرف الله كل لسانه “ احفظ أسرار أولى الأبصار عن الأغيار الأشرار “ ( مناقب 1 / 138 ) .
 
( 22 - 25 ) الوجود الأرضي عبارة عن دائرة تبدأ من التراب وتنتهى إلى التراب ، وما خلق الإنسان إلا لكي يقطع هذه الدائرة .
 
( 26 - 30 ) يطرح الفكرة السابقة من منطلق اخر : إنه لطف الله الذي يجعل
 
“ 417 “
 
كل المخلوقات منتفعة على بعضها - أو إنها إسراع الموجودات كلها إلى العدم حيث يسلط مخلوق على مخلوق ، كيلا يبقى سوى وجهه فكل شئ هالك إلا وجهه والذرات كناية عن ظواهر الحياة المختلفة ، أو كما عبر ملا محمد هادي سبزوارى في شرحه الفلسفي على مثنوى مولانا جلال الدين ( افست كتابخانه سنائى طهران عن طبعة 1285 ه - ق في مجلد واحد ) في الصعود تكون الجمادات غذاء للنباتات والنباتات غذاء للحيوانات ومن ثم فكل عالم أدنى يفنى فيما هو أعلى كفناء الغذاء في المتغذى وهذا ما تراه في الإنسان حتى يظل من الخالدين ( ص 189 ) .
 
والمقصود بالأوراق إمكانية تداوم الحياة واستمرارها ، فكل ورقة من أوراق الشجرة هي وسيلة لإدامة الحياة من لطفه سبحانه وتعالى على عبيده ، وهذا الإنعام هو الذي يرى العالم وما في العالم من حواضن ومربيات والمقصود “ بالباقين “
 أي أولئك الذين تجاوزوا هذا العالم الظاهر وهم باقون ببقاء الحق ، فهم مقبلون ( استعلامى 3 - 226 ) ومقبولون عند الله فلا هم يأكلون من الغذاء المادي ، ولا هم يصيرون مأكولين : فالبقاء بالله هو البقاء الدائم الأبدي ، وهو النجاة من شبكة الدنيا وفخ الخليقة ، والخروج عن النسق الإنسانى .
 
( 31 - 35 ) يواصل مولانا المقارنة بين “ الباقين “ وبين بقية أهل الدنيا ، فسكان هذه الدنيا ، منتشرون “ أي في “ تفرقة “ ومنقطعون عن بعضهم البعض وعن بقية سكان العالم أما “ الباقون “ فهم قابلون للبقاء وهم وجود واحد ( مجتمعون ) ومن ثم ينبغي على المرء أن يسعى في أثر ماء الحياة ، وماء الحياة هو الاتصال بالله ، والمتصلون بالله هم الباقيات الصالحات “ ومن ثم فلأنهم باقون فهم في أمان من كل افات الدنيا ، وأخطارهم ، ولأنهم مجتمعون لأن مادتهم النفسية مصورة بصورة واحدة فصورتهم المعنوية هي علم التوحيد وكلهم مختلقون بأخلاق واحدة ، السراج واحدة وتعددت المسارج ( سبزوارى
 
“ 418 “
 
189 ) فهو وحدة واحدة لأنهم أجزاء للوحدة المطلقة ، أما تعدده وكثرتهم فهي من خيالنا وظننا ( استعلامى / 227 ) فالعلماء نفس واحدة ( الأنقروى 24 ) عند عبد الباقي جلبنارلى : ترجمة وشرح مثنوى شريف - الترجمة الفارسية لتوفيق سيحانى - دفتر سوم تهران 1371 هـ - . ش ص 31 في ما بعد جلبنارلى - 3 ]
المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه أشتكى كله ، وإن اشتكى عينه أشتكى كله حديث شريف .
 
( 36 - 42 ) جرى الحديث إذن عن “ الآكل والمأكول “ كظواهر بهذا العالم المادي ، ولكل منها حلق ، سواء الآكل والمأكول والغالب والمغلوب ، ولكن منها عقل مناسب لحياة هذا العالم ، لكن ابتداء من البيت 37 يجرى الحديث عن أكل اخر وخلق اخر خارجين عن هذا الإطار ، فعصا موس تحولت إلى عصا “ وهبت الحلق “ وأكلت العصى والجبال الأخرى ، فأكلها ليس أكلا ماديا لأن جسمها لم يزدد من هذا الأكل ، ومن ثم فإن مرتبة اليقين في السير إلى الله على نفس هذا النسق تفترس كل ظن وتبعد الشك عن قلب العبد ، فالأمور الروحانية الباطنية ذات حلوق كالأعيان ، وليس رزقها ماديا ، والمقصود به “ من أدنى العالم إلى أعلاه “ أي في كل مراتب الخليقة ، فكل المخلوقات وحتى الظواهر الروحانية غير المحسوسة ذات حلق يناسب خلقتها ، وتأكل ما يناسبها اللهم إلا الروح التي فرغت من العالم المادي فإن رزقها يصل من الإجلال ( استعلامى / 3 - 227 )
ونقل الأنقروى عن الشيخ صدر الدين القونوى في كتابه إعجاز البيان “ إن لكل شئ غذاء خالصا فغذاء الأسماء أحكامها بشرط المظاهر التي هي محل الحكم وغذاء الأعيان الوجود ، وغذاء الوجود أحكام الأعيان ، وغذاء الجواهر الأغراض ، وغذاء الأرواح علومها وصفاتها وغذاء الصور العلوية حركاتها وما به دوام حركاتها وغذاء العناصر الصور والمزاج “ أنقروى 3 / 25 - مولوى 3 / 13 ) .
 
“ 419 “
 
( 43 - 45 ) إن شرط أن يكون “ حلق الروح خاليا من فكر الجسد “ هو تبديل الاحتياجات الروحانية ، فالطبيعة السيئة أو المزاج السيئ هو الدنيا الذي يبعدها عن الحياة الروحية ، ويشبه هذه الحالة “ بأكل الطين “ وهو حالة مرضية أغلب ما تحدث للائى يعانين أمراض الحمل ، ومن هنا فالبطنة هي سبب إصفرار الوجه ، وإصفرار الوجه مساو للموت ، كما أن البطنة تؤدى إلى موت القلوب ، ولسنائى الغزنوي في الحديقة أبيات طويلة حول هذا الموضوع .
 
( 46 - 49 ) إن هجر الحياة المادية وتبديل الطبيعة كأنه فطام الطفل ، وفطام الطفل في حاجة إلى حاضنة ، والحاضنة هو المرشد الذي يفطم طفل الدنيا عن لبنها ويعود الروح على النعم الروحية ، وهي والبستان في هذه الأبيات رمزان لمعرفة الحق كما أن الثدي “ هو “ العلائق الدنيوية ، ومن ثم فإن الحياة المعنوية هي فطام عن لبن الدنيا .
 
( 50 - 68 ) يرى مولانا هنا تشابها بين الحياة الجسمانية ومراتب الكمال الروحاني فهو جنين أكل للدم ثم رضيع ، ثم أكل للطعام ، وعندما يشغل عن هذا العالم يصير كلقمان ، ويستطيع المؤمن إذن أن يظفر “ بالطهر “ من “ النجس “ كما يخرج الجسم من الدم النجس ، وكما أن هناك فرقا بين العالم الذي يعيش فيه الجنين والدنيا ، هناك فرق أيضا يشبهه بين عالم الدنيا وعالم الآخرة ، وكما لا يصدق الجنين إذ حكيت له عن العالم خارج الرحم ، لا يصدق عابد الدنيا أن هناك عالما خارجا هذه الدنيا ، ولسنائى في الحديقة أبيات نتحدث فيها عن هذه المراحل لكنه يخلص منها إلى فكرة حفظ الله للإنسان وعدم تضييعه إياه ورزقه إياه في كل مرحلة وتطور هذا الرزق بقدر تطور الإنسان يقول :
“ ألم تر أن الذي فوق الوجود ، حين خلق وجودك في الرحم - أعطاك رزقك من الدم تسعة شهور ، ذلك الخالق الحكيم الذي لا مثال له - ورباك أيضاً في بطن أمك ، وبعد تسعة شهور أتى بك إلى الوجود - وحينما أغلق هذا الباب للرزق في وجهك
 
“ 420 “
 
أعطاك بعده بابين أفضل منه - أعطاك بعده الألفة بالثديين ، فهما أمامك ليل نهار ينبوعان يجريان - وقال لك أمتص من هذين الاثنين وكل هنيئا فليسا حراما عليك - وحينما فطمت بعد عامين - تبدلت جميع أحوالك - أعطاك رزقك من يديك وقدميك أمسك بتلك واسع بذى في كل مكان - فإذا كان البابان قد جاز غلقهما عليك ، فقد أقام بدلا منهما أربعة أبواب . فخذ باليدين واسع بالقدمين بدأب ، وأطلب الرزق في أنحاء العالم ، وحين يحم القضاء فجأة ، تكون أمور الدنيا كلها مجازا ، عجزت اليدان ، والقدمان عن العمل وبدلا من الأربعة أعطاك ثمانية - فحينما قيدت الأربعة منك في اللحد ، صارت الجنان الثمانية خالية من أجل ،
( حديقة : الأبيات 264 - 276 من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور دار الأمين 1995 )
وواضح الفرق بين الفكرتين فضلا عن أن مولانا جلال الدين يعود إلى الفكرة أكثر من مرة كأداة لشرح أفكار أكثر عمقا مما سيأتي في حينه ، ويضرب في الأبيات 62 - 68 مثالا اخر غير مثال الجنين وهو مثال الأعمى ، والمقصود بالطبع أعمى البصيرة والعمى الروحاني وليس عمى البصر أو العمى الجسماني ، فالعمى الجسماني ليس بحجاب عن العالم الروحاني لكن العمى الروحاني هو الحجاب ، والأوطان الدنية أو الدنيئة فسرها استعلامى بأنها الرحم ( 3 / 228 ) لكن تفسير يوسف بن أحمد بأنها ظلمة القلب وظلمة المشيمة وظلمة الرحم ( مولوى 3 / 18 ) .

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: