الأربعاء، 12 أغسطس 2020

09 - إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا استيقظ فهذا وقت الصلاة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

09 - إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا استيقظ فهذا وقت الصلاة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

09 - إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا استيقظ فهذا وقت الصلاة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا : استيقظ فهذا وقت الصلاة
 
- روى أن معاوية كان نائما في قصره ، " قابعا " في إحدى زواياه .
 
« 223 »
 
2615 - كان القصر مغلق الباب من الداخل ، فقد كان قد تعب من زيارات الناس .
- وفجأة أيقظه رجل ، وعندما فتح عينيه ، اختفى الرجل .
- قال : لا طريق لأحد إلى القصر ، فمن هو ذلك الذي توقح وتجرأ ؟ !
- وطفق يطوف ويتفحص في ذلك الوقت ، عله يجد أثرا لذلك المختفي .
- فرأى شقيا وراء الباب ، يخفي وجهه خلف ستار .
 
2620 - قال : هه ، من أنت ؟ وما اسمك ؟ قال : اسمي مشهور ، إبليس الشقي
- قال : ولماذا أيقظتني جادا ؟ أصدقني القول ، ولا تقل على العكس والضد .
 
تضليل إبليس معاوية وقوله حديثا ذا خبيء وجواب معاوية عليه
 
- قال : لقد حان وقت الصلاة آخرا ، وعليك أن تمضي سريعا نحو المسجد .
- ولقد قال المصطفى : عجلوا الطاعات قبل الفوت ، ذلك عندما كان يثقب در المعنى .
- قال : لا ، لا ، لم يكن هذا هو غرضك ، أن تكون دليلي إلى الخيرات .
 
2625 - وأن يأتي لص إلى منزلي فجأة ، ويقول لي : إني أقوم بالحراسة .
- فمن أين لي أن أصدق ذلك اللص ؟ ومتى يعلم اللص الأجر والثواب ؟ « 1 »
 
جواب إبليس ثانية على معاوية
 
- قال : لقد كنا في البداية من الملائكة ، ولقد طوينا طريق الطاعة بالروح .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 201 : - وبخاصة لص مثلك من قطاع الطريق ، فلأي سبب صرت هكذا عليّ شفيقا ؟
 
 
« 224 »
 
- وكان مأذونا لنا بسالكي الطريق ، وكنا أنجياء لسكان العرش .
- فمتى تذهب المهنة الأولى عن القلب ؟ ومتى يخرج الحب الأول من الفؤاد ؟
 
2630 - وفي السفر، إن رأيت الروم أن الختن ، متى يذهب عن قلبك حب الوطن؟
- وكنا أيضا من سكارى هذه الخمر ، وكنا عشاقا لبلاطه .
- ولقد جبلنا على حبه ، وغرس عشقه في أرواحنا .
- ورأينا يوما طيبا من الدهر ، وشربنا ماء الرحمة في الربيع .
- أليست يد فضله التي غرستنا ، وأليس هو الذي رفعنا من العدم ؟
 
2635 - وما أكثر ما رأينا منه من تكريم ، وتجولنا في روضة الرضا .
- لقد كان يضع على رؤوسنا يد الرحمة ، ويفتح علينا ينابيع اللطف .
- وفي أوان طفولتي عندما كنت رضيعا ، من الذي كان يهز مهدي ؟ إنه هو .
- فممن شربت لبنا غير لبنه ؟ ومن الذي رباني سوى تدبيره ؟
- والخصلة التي جرت مع لبن "الرضاع" في الوجود، متى يمكن سحبها من الناس ؟
 
2640 - وإن قام بالعتاب بحر الكرم ، فمتى أغلقت أبواب الكرم ؟
- فأصل نقده العطاء واللطف والإنعام ، والقهر فوقه كغبار من الغش .
- ولقد خلق العالم من أجل اللطف ، وشمسه أكرمت الذرات .
- وإذا كان الفراق حاملا بقهره ، فذلك من أجل معرفة قدر وصله .
- حتى يعرك فراقه أذن الروح ، وتعرف الروح قدر وصله .
 
2645 - ولقد قال الرسول أن الحق قال : إن قصدي من الخلق كان الإحسان
 
« 225 »
 
- وخلقتهم كي يتربحوا علي ، وحتى يلوثوا الأيدي من شهدي .
- وليس من أجل أن أتربح عليهم ، أو أن أخلع عن عار القباء .
- ولعدة أيام بعد أن طردني ، تسمرت عيناي على وجهه الجميل .
- متسائلا : أمن مثل هذا الوجه " يصدر " هذا القهر ؟ يا للعجب ، ولقد شغل كل إنسان بالبحث عن السبب .
 
2650 - وأنا لا أنظر إلى السبب فهو حادث ، وذلك أن لكل حادث باعثا يحدثه .
- وأنا لا أفتأ أنظر إلى اللطف السابق ، وكل ما هو حادث ، أمزقه .
- ولأفرض أنني أبيت السجود " لآدم " حسدا ، إن هذا الحسد نابع من العشق ، لا من الجحود .
- وكل حسد ينبع من المحبة يقينا ، وأن يكون آخر جليسا للحبيب .
- ومن شرط المحبة معاناة الغيرة ، مثلما يكون شرط العطاس أن تقول : أبقاك الله .
 
2655 - ولما لم تكن فوق رقعته سوى هذه النقلة ، وقال لي : دورك ، فماذا كنت أعلم لكي أزيد ؟
- ولقد نقلت تلك النقلة التي كانت باقية ، وألقيت بنفسي في البلاء .
- وأنا لا زلت أتذوق لذته ، حتى في البلاء ، فأنا مهزوم منه ، مهزوم منه ، مهزوم ! !
- وكيف ينجي نفسه أبدا أيها العظيم ، شخص حبيس في الجهات الست من الأبواب الست ؟
- وكيف يتخلص جزء الستة من كل الستة؟ خاصة وقد وضعه من لا كيف له معوجا؟
 
 
« 226 »
 
2660 - وكل من هو من الستة الخاصة به داخل النار ، إنما ينجيه خالق الستة .
- وسواء الكفر والإيمان ، كلاهما من نسج يد الحضرة ، وملك له .
 
ثانية بيان تقرير معاوية لإبليس عن مكره

 
- قال له الأمير : كل هذا صحيح ، لكن نصيبك منها هو النقصان .
- لقد قطعت الطريق على مئات الآلاف من أمثالي ، ونقبت الفجوة ، وتسللت إلى داخل الخزانة .
- إنك نار ، ولا محيص من أن أحترق بك ، ومن هو الذي لم تتمزق ثيابه منك ؟
 
2665 - فما دام طبعك أيها النار هو الإحراق ، لا بد وأن تقومي بإحراق شيء .
- واللعنة هي التي تجعلك محرقا ، وتجعلك أستاذا على كل اللصوص .
- ولقد تحدثت مع الله وسمعته وجها لوجه ، فما ذا أكون أنا أمام مكرك ، أيها العدو .
- وإن أنواع معارفك كأنها صوت الصفير ، هو صوت طيور ، لكنه آخذ للطيور ،
- لقد قطع الطريق على مئات الآلاف من الطيور ، والطائر المخدوع ، يظن أن إلفا له قد جاء .
 
2670 - وعندما يستمع إلى الصفير وهو في الهواء ، يهبط من الهواء ، ويصبح ها هنا أسيرا .
- وقوم نوح من مكرك في نواح ، قلوبهم شواء ، وصدورهم ممزقة إربا
- وأنت الذي أذهبت عادا أدراج الرياح في الدنيا ، وألقيت بهم في العذاب والأحزان .
 
 
« 227 »
 
- ومنك كان تعرض قوم لوط للرجم ، ومنك غاصوا في الماء الأسود
- ومنك تتاثر مخ النمرود ، يا من قد أثرت الآلاف من الفتن .
 
2675 - وعقل فرعون الذكي الفيلسوف ، صار أعمى منك ، ولم يتوقف عند حد .
- وأبو لهب صار منك خسيسا دنيا ، وأبو الحكم صار منك أبا جهل .
- ويا من أنت على هذا الشطرنج لمجرد العبرة والتذكار قد هزمت مئات الآلاف من الأساتذة 
- ويا من صفك الصعب لجنود الشطرنج ، احترقت القلوب ، واسود قلبك .
- وأنت بحر المكر والخلائق قطرة ، وأنت كالجبل ، وهؤلاء السذج ذرة .
 
2680 - فمن ينجو من مكرك أيها الخصيم ، نحن غرقى الطوفان ، إلا من عصم .
- وما أكثر كواكب السعد التي احترقت منك ، وما أكثر الجيوش والجموع التي تفرقت منك. !! « 1 »
 
جواب إبليس على معاوية
 
- قال له إبليس : ألا فلتحل هذه العقدة ، فأنا المحك الذي يفرق بين الزائف والصحيح .
- ولقد جعلني الحق امتحانا للأسد والكلب ، وجعلني الحق امتحانا للصحيح والزائف .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 227 : - وما أكثر المسلمين الذين خسروا دينهم منك ، وأسرعوا منقلبين حتى قاع الجحيم 
- وكثيرون مثل بلعام ارتدوا خائبين منك ، وكثيرون مثل برصيصا صاروا كافرين منك .

« 228 »
 
 
- فمتى قمت أنا بتسويد وجه الزائف ؟ إنني صيرفي ، وقمت بمجرد تقييمه .
 
2685 - وإنني لأقوم بإرشاد الطيبين ، كما أقوم باقتلاع الأغصان الجافة .
- وهذه الطعوم أضعها ، من أجل ما ذا ؟ حتى يبدو لي إلى أي جنس ينتمي الحيوان .
- وحينما يستولد الذئب من الغزال جروا ، فإن ثمة شكا يكون في ذئبيته وغزاليته .
- فضع أمامه إذن العشب والعظم ، وأنظر إلى أيهما يمضي مسرعا .
- فإن جاء صوب العظام فهو كلب ، وإن طلب العشب ، فهو من عرق غزال .
 
2690 - وثمة قهر ولطف كلاهما قرين للآخر ، وتولد من هذين معا ، عالم من الخير والشر .
- فاعرض أنت العشب والعظام ، واعرض قوت النفس وقوت الروح .
- فإن طلب " أحدهم " غذاء النفس فهو أبتر ، وإن طلب غذاء الروح ، فهو سيد .
- وإن خدم الجسد فهو حمار ، وإن مضى نحو بحر الروح ، وجد الجوهر .
- وهذان كلاهما ، الخير والشر ، وإن اختلفا ، إلا أنهما يقومان بعمل واحد
 
2695 - والأنبياء إنما يعرضون الطاعات ، بينما يقوم الأعداء بعرض الشهوات .
- فكيف أجعل أنا الخير شرا ؟ إنني لست إلها ، إنني مجرد داعية ، ولست خالقا لهما .
- فهل أنا الذي أجعل الحسن قبحا ؟ لست ربا ، إنني مجرد مرآة للحسن والقبيح .
 
 
« 229 »
 
 
- لقد أحرق هندي المرآة من ضيقه بها ، قائلا : إنها تبدي المرء أسود الوجه .
- قالت المرآة : ليس الذنب ذنبي ، وضع الذنب على من صقل وجهي .
 
2700 - لقد جعلني عاكسة صادقة ، حتى أقول أين القبيح وأين الجميل 
- إنني مجرد شاهد ، فأنى للشاهد أن يسجن ؟ ولست أهلا للسجن ، والله شاهد .
- فحيثما أرى غصنا مثمرا ، أقوم بتربيته ، وكأنني الحاضنة .
- وحيثما أرى شجرة مرة جافة ، أقطعها أنا ، حتى ينجو المسك من البعر
- فهل تقول " الشجرة " الجافة للبستاني : أيها الفتى ، كيف تقوم بقطع رأسي وأنا لم أذنب ؟
 
2705 - سوف يقول لها البستاني : صمتا يا سيئة الطبع ، أليس يكفي جفافك جرما لك ؟
- فتقول : إنني مستوية ، ولست بالمعوجة ، فلماذا بلا جريرة تقطع جذري ؟
- فيقول البستاني : لو كان طالعك مسعودا ، لكنت معوجة ، لكن نضرة
- لصرت إذن جاذبة لماء الحياة ، ولانغمست في ماء الحياة .
- لقد كانت بذرتك سيئة كما كان أصلك ، ولم يكن لك اتصال بشجرة طيبة .
 
2710 - وإن كان الغصن المر قد اتصل بغصن حلو ، لنقل إليه تلك الحلاوة في أصله . « 1 »
 
حدة معاوية على إبليس
 
- قال الأمير : يا قاطع الطريق ، لا تقدم الحجج ، فلا طريق لك إليّ ، فلا تبحث عن الطريق .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 234 : - وإذا كنت قد أيقظتك من أجل الدين ، فإن هذا هو طبعي في الأصل ، هذا دون سواه .
 
 
« 230 »
 
- إنك قاطع طريق ، وأنا غريب وتاجر ، ومتى أشتري منك كل قماش تأتي به ؟
- فلا تطف حول متاعي من كفرك ، فأنا لست مشتريا لمتاع أحد .
- كما أن قاطع الطريق لا يكون مشتريا من أحد ، وإن أبدى الشراء فمكر وحيلة .
 
2715 - فما ذا يملكه ذلك الحسود في جعبته ؟ فيا إلهي ، أغثنا من هذا العدو .
- فإنه إن وسوس لي بفصل آخر ، فسوف يختطف مني قاطع الطريق هذا المتاع .
 
شكوى معاوية إلى حضرة الحق من إبليس وطلب النصر
 
- إن حديثه هذا مثل الدخان أيها الإله ، فخذ بيدي ، وإلا إسود كليمي .
- إنني لا أقوى بالحجة على إبليس ، فهو فتنة لكل شريف وخسيس .
- وآدم الذي هو سيد " علم الأسماء " ، بلا خطو أمام عدو ذلك الكلب الذي يعدو كالبرق .
 
2720 - ولقد ألقي به من الجنة فوق التراب ، وصار كالسمكة في شصه من فوق السماك .
- فأخذ ينوح قائلا " إنا ظلمنا " ، فلا حد هنا لقصه ووسوسته .
- ففي داخل كل حديث منه شر ، وفيه أضمر مئات الآلاف من السحر .
- إنه يسلب الرجال رجولتهم في نفس واحد ، وهو يلهب الهوس في الرجال والنساء .
- فيا إبليس، يا محرقا للخلق باحثا عن الفتنة، لأي أمر أيقظتني؟ أصدقني القول. «1»
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 236 : - ذلك أن الحجة لا تخيل عليّ ، هيا وأفصح عن غرضك دون حيلة .

 
« 231 »
 
تقرير إبليس لتلبيسه ثانية
 
2725 - قال : كل إنسان يكون سئ الظن ، لا يستمع إلى الصدق ، وإن كان له مائة أمارة .
- وكل باطن صار مفكرا في الخيال ، عندما تأتي بالدليل ، يزداد خياله .
- وعندما يمضي فيه الكلام يصبح علة ، وسيف الغازي ، يصير أداة للص .
- ومن ثم فجوابه هو السكوت والسكون ، فالكلام مع الأبله جنون .
- فما شكواك إلى الحق مني أيها السليم ، ألا فلتشك من شر هذه النفس اللئيمة .
 
2730 - إنك تأكل الحلوى فتظهر عليك البثور ، ثم ترتفع حرارتك ، ويختل طبعك .
- وتقوم بلعن إبليس دون ذنب أتاه ، فلماذا لا ترى من نفسك هذا التلبيس ؟
- إنه ليس من إبليس ، بل منك أيها الغوي ، أن تسرع كالثعلب صوب الإلية
- فعند ما ترى ألية في خضرة تكون فخا ، فلماذا لا تعلم هذا ؟
- ومن هنا لا تعلم ما الذي أبعدك عن المعرفة ، وأن اشتهاء الإلهية أعمى عينيك وعقلك .
 
2735 - " حبك الأشياء يعميك يصم ، نفسك السودا جنت ، لا تختصم " « 1 »
- فلا تضع الذنب عليّ ، ولا تنظر إلى الأمور باعوجاج شديد ، فأنا ضائق من الشر ومن الحرص ومن الحقد
- لقد قمت بإساءة واحدة ، ولا زلت نادما ، ولا زلت أنتظر أن يسفر ليلي عن نهار .
- ولقد صرت متهما من الخلق ، ويضع كل رجل وامرأة وزرهما على كاهلي .
...............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .

 
 
« 232 »
 
 
- والذئب المسكين ولو كان جائعا ، يصبح مدانا بأن له مهابة وقعقعة .
 
2740 - وهو لا يستطيع السير من الضعف ، والخلق يقولون أنه متخم من الدسم الغليظ .
 
إلحاح معاوية مرة ثانية على إبليس
 
- قال " معاوية " : لن ينجيك إلا الصدق ، كما أن العدل يدعوك إلى الصدق .
- فاصدق ، حتى تنجو من براثني ، والمكر لا يقشع غبار حربي .
- قال : كيف تعرف صدقي من كذبي ؟ يا مفكرا بالخيال مليئا بالخيالات .
- ولقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الأمارة ، ووضع محكا للزائف والصحيح .
 
2745 - فقد قال : الكذب ريبة في القلوب ، كما قال : " الصدق طمأنين طروب " 
- والقلب لا يستريح إلى القول الكاذب ، ومن " اختلاط " الماء بالزيت ، لا يزداد النور .
- وفي الحديث الصادق طمأنينة القلب ، وأنواع الصدق هي حبوب شبكة القلب .
- وربما يكون القلب مريضا وسئ الفم ، فلا يعلم هذا من ذاك .
- وعندما يصبح القلب صحيحا من المرض والعلة ، يصبح عليما بطعم الكذب والصدق .
 
2750 - وعندما زاد حرص آدم إلى القمح ، سلب الصحة من قلب آدم .
- ومن ثم استمع إلى الكذب والغواية ، وخدع ، وشرب السم القاتل .
- ولم يعرف العقرب من القمح في تلك اللحظة ، ويطير التمييز من ثمل الهوس .
- والخلق سكارى بالشهوات والهوى ، ومن ثم فإنهم يقبلون منك وسوستك .
 

« 233 »
 
- وكل من رد طبعه عن الهوى ، جعل عينه عارفة بالسر . « 1 »
 
شكوى القاضي من آفة القضاء وجواب نائبه عليه
 
2755 - نصب أحدهم قاضيا ، فأخذ يبكي ، فقال له نائبه : أيها القاضي ، لم البكاء ؟
- فهذا ليس وقت البكاء والصراخ ، بل هو وقت الفرح عندك ، وتلقي التهاني .
- قال : آه ، كيف يصدر مسلوب قلب الحكم ؟ وهو جاهل بين هذين العالمين ،
- فالخصمان كلاهما على علم بالواقعة ، وأي علم للقاضي المسكين بمن يستحق منهما القيد ؟
- إنه جاهل بحاليهما غافل عنه ، فكيف يخوض في دمهما ومالهما ؟
 
2760 - قال : الخصمان عالمان ، ولكل منهما علة ، وأنت جاهل " بالحال " لكنك شمع الملة .
- ذلك أنك بينهما بلا علة ، وذلك الخلو من العلة هو نور البصيرة .
- وذلك العالمان قد أعماهما الغرض ، والعلة قبرت علمهما .
- وانعدام العلة ، يجعل الجاهل عالما ، والعلة تجعل العالم معوجا ظالما .
- فما دمت لا تأخذ الرشوة فأنت مبصر ، وما دمت قد طمعت ، فأنت ضرير وفي قيد .
 
2765 - ولقد رددت طبعي عن الهوى ، وقللت من أكل لقيمات الشهوة .
- فصارت ذائقة قلبي ذات ضياء ، تميز بين الحق والباطل .
 
إرغام معاوية إبليس على الاعتراف
« 2 »
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 259 : - مثلما رووا في هذه الحكاية ، استمع إليها حتى يفك القيد المغلق .
( 2 ) ج / 5 - 282 : - أيها الكلب الملعون أجب عن سؤالي ، وأصدقني القول ، ولا تتوخ الكذب .

 
« 234 »
 
 
- لماذا إذن أيقظتني ؟ وأنت عدو لليقظة أيها المحتال .
- إنك كالخشخاش تجلب النوم للجميع ، وأنت كالخمر ، تسلب العقل والمعرفة .
- لقد حصرتك تماما ، فأصدقني القول ، وأنا أعلم الصدق ، فلا تتوخ الحيلة .
 
2770 - كما أنني أطمع من كل إنسان ، أن يكون صاحب ما في طبعه وجبلته .
- فأنا لا أطلب السكر من الخل ، كما أنني لا أعتبر المخنث مقاتلا .
- ومثل المجوسي ، لا أطلب من صنم أن يكون هو الحق أو حتى آية من الحق
- وأنا لا أطلب من الروث رائحة المسك ، ولا أبحث في قاع النهر عن مدرة جافة .
- ومن ثم لا أطلب من الشيطان وهو عدو ، أن يوقظني من أجل خير . « 1 »
 
2775 - ولقد قال إبليس كثيرا من المكر والغدر ، ولم يستمع الأمير إليه ، وعاند ، وصبر .
 
قول إبليس لمعاوية ما في ضميره صدقا
 
- فقال له مرغما : إعلم يا فلان أنني أيقظتك من أجل أن ، 
- تلحق بصلاة الجماعة ، من خلف الرسول رافع " علم " الدولة .
- فإن فاتتك الصلاة في وقتها ، لصارت هذه الدنيا مظلمة بلا ضياء .
- ولسالت الدموع من عينيك غبنا وألما ، وكأنها " من أفواه " القرب .
 
2780 - وإن لكل إنسان لذة في طاعة ، فلا جرم ألا يصبر عنها ساعة .
- ولكان ذلك الغبن والإحساس بالألم مائة صلاة ، وشتان ما بين الصلاة وبين تلك الضراعة .
 
فضيلة تحسر ذلك المخلص على فوت صلاة الجماعة
 
- كان أحدهم يمضي إلى داخل المسجد ، بينما كان الناس يخرجون .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 282 : - وأنا لا أطلب الحراسة من اللص ، ولا أطلب أجرا على عمل لم ينجز .

 
« 235 »
 
 
- فتسائل قائلا : ماذا جرى للجماعة ، بحيث يخرجون من المسجد سراعا .
- فقال له أحدهم : لقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالجماعة وفرغ من السر .
 
2785 - فإلى أين تدخل مسرعا أيها الرجل الساذج ، ما دام الرسول قد سلم ؟
- فقال : آه ، وتصاعد الدخان من تلك الآهة ، وكانت آهته تفوح برائحة الدم من القلب .
- فقال له الآخر : هبني هذه الآهة ، ولتكن صلاتي لك عطاء خالصا .
- قال : لقد وهبتك الآهة وقبلت صلاتك ، فأخذ تلك الآهة بمائة ضراعة . « 1 »
- وفي الليل قال له هاتف : لقد اشتريت ماء الحياة والشفاء .
 
2790 - وبحق حرمة هذا الاختيار والدخول ، لقد قبلت صلاة كل الخلق .
 
إتمام اعتراف إبليس لمعاوية بمكره
 
- ثم قال له عزازيل : يا أمير العطاء ، ينبغي أن أبوح بمكري كله لك .
- فلو كانت الصلاة قد فاتتك ، لأطلقت في تلك اللحظة مئات التأوهات والصرخات من القلب .
- ولجاوزت بذلك الصراخ والتأسف والضراعة " أجر " مائتي ركعة من الذكر والصلاة .
- ولقد أيقظتك خوفا من أن تحرق آهة تلك الحجب .
 
2795 - حتى لا تكون لك مثل تلك الآهة ، وحتى لا يكون لك طريق بها .
- فأنا حسود ، ولقد قمت بهذا حسدا ، وأنا عدو وعملي هو المكر والحقد .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 287 : - وعاد وتضرع ليسترد ضراعته ، كان صقرا أسرع في أثر صقر ملكي .
 
 
« 236 »
 
 
- قال : الآن صدقت ، وما تقوله الصدق ، وهذا القول لائق بك .
- فأنت عنكبوت تصيد الذباب ، ولست أنا ذبابة - أيها الكلب - فلا تشق على نفسك .
- وأنا بازي أبيض ، يقوم الملك بصيدي ، فمتى ينسج عنكبوت حولي ؟
 
2800 - فاذهب ، وصد الذباب ما استطعت ، هيا ، وادع الذباب إلى مخيضك .
- وإن دعوته أنت صوب العسل ، تكون " دعوتك " كذبا ، ويكون مخيضا على سبيل اليقين .
- لقد أيقظتني ، وكان إيقاظك نوما ، ولقد أبديت السفينة ، وكانت دوامة
- وإنك تدعوني إلى خير ، وذلك لكي تصرفني عن خير أفضل .
 
هروب اللص بسبب صياح ذلك الشخص بصاحب الدار الذي كان قد 

أوشك على اللحاق باللص والقبض عليه

 
- إن هذا يشبه شخصا رأى لصا في الدار ، فأخذ يجري خلفه .
 
2805 - وأسرع خلفه لمسافة ميدانين أو ثلاثة ، حتى جعله التعب يتصبب عرقا .
- وعندما اقترب منه ، وأوشك أن يقفز عليه ليمسك به ،
- ناداه لص آخر قائلا : تعال ، حتى ترى علامات البلاء .
- أسرع وعد يا رجل العمل ، حتى ترى الحال هنا في غاية السوء . « 1 »
- قال : لعل في تلك الناحية لصا ، وإن لم أعد سريعا ، لحاق بي ما يقول .
 
2810 - ولظفر بأهلي وولدي ، فبماذا يغنيني القبض على هذا اللص ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 292 : - وعندما سمع الرجل ذلك صار مهموما ، وقال لنفسه ذلك الممزق الثياب : عد .

 
« 237 »
 
 
- وهذا المسلم يدعوني من الكرم ، فإن لم أعد سريعا لحل بي الندم .
- وعلى أمل ذلك الراغب في " خير " غيره ، ترك اللص ، وعاد من الطريق .
- وقال : أيها الرفيق الطيب ماذا جرى ؟ وممن تصيح هكذا وتستغيث ؟
- قال : هاك ، فانظر آثار أقدام لص ، ولقد مضى إلى هذه الناحية ، اللص زوج البغي .
 
2815 - هاك أثر أقدام اللص الديوث ، فامض في أثره ، على هذه الصورة والعلامة .
- قال : يا أبله ، ماذا تقول لي ؟ لقد كنت قد أمسكت به آخرا .
- وتركت اللص من جراء صياحك ، وظننتك أنت الحمار إنسانا .
- فما هذا الهراء وما هذا الهزل يا فلان ؟ لقد وجدت الحقيقة ، فماذا تكون العلامة ؟
- قال : إني أدلك على الحق ، وهذه أمارة ، فأنا عالم بالحقيقة .
 
2820 - قال : هل أنت نشال أو أبله في الأصل ؟ بل أنت لص وعارف بهذه الحال .
- لقد كنت أجر خصمي جاذبا إياه ، وتأتي من خلفه قائلا : هذه علامة ؟
- إنك تتحدث عن الجهات ، وأنا خارج عن الجهات ، فأين أكون في وصال الآيات والبينات .
- وإن الرجل المحجوب عن الصفات يرى الصنع ، ويكون في الصفات ذلك الذي فقد الذات .
- والواصلون لما كانوا في عز الذات يا بني ، متى ينظرون إلى صفاته ؟
 
2825 - وما دامت رأسك في قاع الماء ، متى يقع بصرك على لون الماء ؟
 

 
 
« 238 »
 
 
- وإذا خرجت من القاع في طلب لون الماء ، فقد أبدلت رداء خلقا برداء من الحرير .
- وطاعة العوام ذنوب عند الخواص ، واعلم أن وصال العامة حجاب عند الخواص .
- فإذا جعل الملك من الوزير محتسبا ، لكان الملك عدوا له ، وليس محبا .
- وربما ارتكب الوزير ذنبا ما ، ولا يكون تغير الملك بلا سبب لا محالة .
 
2830 - فمن كان من البداية محتسبا ، فهذا هو حظه ورزقه من البداية .
- لكن الذي كان في البداية وزيرا للملك ، إن جعله محتسبا ، فلأنه فعل شيئا - وعندما يدعوك الملك إليه من عتبة " البلاط " ، ثم يطردك ثانية إلى العتبة ، - فاعلم يقينا أنك ارتكبت جرما ما ، وإنك لتقوم بطرح فكرة الجبر جهلا .
- قائلا : لقد كانت هذه قسمتي ، وكان هذه رزقي ، إذن فلماذا كانت تلك الدولة في يدك بالأمس ؟
 
2835 - ولقد قطعت أنت قسمتك بنفسك من الجهل ، وهو يزيد في قسمة من يكون لها بأهل .
 
قصة المنافقين وبنائهم مسجد الضرار
 
- وهناك مثال آخر في السير المعوج ، يليق بك أن تسمعه نقلا عن القرآن .
- إن مثل هذا الإعوجاج في الإلقاء بزهر النرد ، كان يفعله أهل النفاق مع النبي عليه السّلام .
 

 
« 239 »
 
 
- لقد قالوا : من أجل عز الدين الأحمدي ، لنبن مسجدا ، وكانت تلك ردة .
- وهكذا لعبوا هذه اللعبة المعوجة ، وبنوا مسجدا غير مسجده .
 
2840 - ولقد زينوا سقفه وأرضه وقبته ، لكنهم أرادوا به تفريق الجماعة .
- وجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ملحين ، وبركوا على ركبهم أمامه كالجمال .
- قائلين : يا رسول الحق، ألا تتعب قدمك " بالمجيء " إلى ذلك المسجد إحسانا منك؟
- حتى تحل البركة من قدومك ، ألا فليحفظ الله اسمك إلى يوم القيامة .
- إنه مسجد لليوم الموحل واليوم الملبد بالسحاب ، وهو مسجد يوم الضرورة ، ووقت الفقر .
 
2845 - وحتى يجد غريب فيه الخير والمقام ، وحتى تزداد هذه الأبنية المعدة للعبادة .
- وحتى يصبح شعار الدين كثيرا جم الجماعة ، ذلك أن الأمر الصعب يسهل مع الرفاق .
- فشرف ذلك الموضع برهة من الزمان ، وزكنا ، وامدحنا .
- وأكرم المسجد وأهل المسجد ، فأنت قمر ، ونحن ليل ، فصاحبنا لحظة .
- حتى يصبح الليل من جمالك كأنه النهار ، يا من جمالك شمس مضيئة للروح .
 
2850 - وآسفاه ، فإن هذا الكلام لو كان من القلب ، لحصل المراد لذلك النفر .
- واللطف الذي يجرى على اللسان بلا قلب ولا روح ، مثل خضرة على قمامة ، أيها الرفاق .

 
« 240 »
 
 
- فانظر إليها من بعيد ، واعبرها سريعا ، فهي لا تصلح للأكل أو الشم ، يا بني
- فحذار ، لا تمض نحو لطف من لا وفاء عندهم ، فهو جسر خرب ، استمع جيدا .
- فإن خطا عليه جاهل خطوة واحدة ، فإن الجسر ينهدم ، وتتحطم تلك القدم .
 
2855 - وحيثما هزم جيش من الجيوش ، فإنما هزم من رخوين مخنثين أو ثلاثة .
- إنه يدخل إلى الصف مسلحا وكأنه الرجل ، ويعتمد عليه بالقلوب ، على أساس أنه ولي حميم .
- ثم يولي دبره عندما يرى الطعان ، وانصرافه عنك يقصم منك الظهر
- وهذا "حديث" طويل ، ويحدث كثيرا ، لكن المقصود "من الخوض فيه" يظل خفيا .
 
خداع المنافقين للرسول عليه السّلام ليصحبوه إلى مسجد الضرار
 
- لقد تلوا الرقى على رسول الحق ، وأخذوا يسوقون جواد الحيل ، وزخرف القول .
 
2860 - وذلك الرسول الحنون المتخلق بالرحمة ، لم يكن يجيب الا بابتسامة ، وبنعم .
- فأجزل لتلك الجماعة الشكر ، وأسعد بجوابه قاصديه .
- وكان مكرهم يظهر له بتفاصيله ، مثلما يظهر الشعر في اللبن .
- وكان ذلك اللطيف يتجاهل الشعر ، ويقول للبن : إسعد . . . ويا له من ظريف .
- كانت هناك مئات الآلاف من شعيرات المكر والوسوسة ، لكنه تجاهلها كلها في تلك اللحظة .
 

 
 
« 241 »
 
 
2865 - وحقيقة ما كان يقوله ذلك البحر من بحار الكرم ، " إنني أكثر شفقة عليكم منكم " .
- إنني جالس إلى جوار نار ذات تأجج ، وذات لهيب شديد السوء .
- وأنتم كالفراش مسرعون إليها ، وكلتا يدي تصبحان طاردة للفراش .
- وعندما تم الاتفاق أن يسير إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، هتفت غيرة الحق : لا تستمع إلى صوت الغول .
- فإن هؤلاء الخبثاء قد قاموا بالمكر والحيلة ، وكل ما رووه لك معكوس
 
2870 - ولم يكن لهم من قصد إلا سواد الوجه ، فمتى بحث النصراني واليهودي عن خير الدين ؟
- لقد بنوا مسجدا على جسر النار ، ولعبوا مع الله زهر نرد المكر والاحتيال .
- وقصدهم تفريق أصحاب الرسول ، ومتى يعرف فضل الحق كل فضولي ؟
- وحتى يجلبوا له يهوديا من الشام ، يلذ وعظه لليهود .
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أجل ، لكننا على بداية الطريق ، عازمون على الغزو .
 
2875 - وعندا أعود من هذه الغزوة ، أمضي حينذاك إلى ذلك المسجد مسرعا .
- وردهم بقوله ، ومضى إلى الغزو ، وتخلص من المحتالين بشيء من الحيلة .
- وعندما عاد من الغزو ، عادوا إليه ، وتشبثوا بما سلف من وعد .
- فقال له الحق : أيها الرسول ، وضح الغدر ، وإن كان ثم حرب ، قل لتكن .
- فقال : أيها القوم المكرة ، أصمتوا ، وحتى لا أفشي أسراركم ، أقلعوا .

 
« 242 »
 
 
2880 - وعندما تحدث ببضع أمارات عن أسرارهم ، ساءت أمورهم .
- فعاد عنه قاصدوه في تلك اللحظة ، وهم يقولون : حاشا لله ، حاشا لله .
- وكل منافق أتى من مكره إلى الرسول ، وثم مصحف تحت إبطه .
- وذلك ليقسم عليه ، فالأيمان جنة ، ذلك أن الأيمان سنة عند المعوجين الضالين .
- ولما لم يكن عند الضال المعوج وفاء في الدين ، فإنه يحنث بالقسم في كل لحظة .
 
2885 - وليست عند الصادقين حاجة إلى القسم ، ذلك أن لديهم عينين مبصرتين .
- ونقض الميثاق والعهود من الحمق ، وحفظ الأيمان والوفاء ديدن التقي .
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أأعتبر يمينكم صدقا أو يمين الله ؟
- فأقسم القوم ثانية قسما آخر ، والمصحف في أيديهم ، وعلى الشفاة خاتم الصوم .
- قائلين : بحق هذا الكلام الصادق الطاهر ، أن بناء هذا المسجد في سبيل الله .
 
2890 - وليست هناك حيلة على الإطلاق ولا مكر ، بل إن فيه الذكر والصدق ودعاء الله .
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن صوت الله يصل إلى سمعي كأنه الصدى .
- ولقد ختم الله على أسماعكم ، حتى لا تسبق إلى صوت الحق .
- وها هو صوت الله يأتيني صراحة ، وهو يصفيني من الكدر " كما يكون " الشراب الصافي .

 
« 243 »
 
 
- مثلما سمع موسى من صوب الشجرة ، صوت الحق يناديه : يا سعيد الحظ .
 
2895 - وكان يسمع من جانب الشجرة : إني أنا الله ، وكانت الأنوار تشع من الكلام .
- وعندما كانوا يحسون بالحصر أمام أنوار الوحي ، أخذوا يقسمون بالأيمان من جديد .
- وما دام الله قد سمى الأيمان مجنا ، فمتى يضع المقاتل المجن من كفه ؟
- وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التكذيب الصريح ، وقال لهم : قد كذبتم " بالعربي " الفصيح .
 
تفكير أحد الصحابة منكرا قائلا : لماذا لا يستر الرسول عليه السّلام
 
- حتى بدى الإنكار في قلب أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الرفض .
 
2900 - متسائلا : مثل هؤلاء الشيوخ ذوي الشيب والوقار ، يجعلهم هكذا خجلين ؟ ! - فإين الكرم ؟ وأين إرخاء الأستار ؟ وأين الحياء ؟ إن الأنبياء يسترون مئات الآلاف من العيوب .
- ثم استغفر ثانية في قلبه ، حتى لا يصبح من إعتراضه أصفر الوجه . « 1 »
- إن شؤم تأييد أصحاب النفاق ، جعل المؤمن مثلهم قبيحا عاقا .
- ثم أخذ ينوح قائلا : يا علام السر ، لا تجعلني مصرا على الكفران .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 312 : - لكن صورته المعوجة لم تمض عنه ، والخاتم السيء لم يمض عن قلب من لا حاصل له .
 

« 244 »
 
 
2905 - وليس قلبي في يدي مثل رؤية العين ، وإلا أحرقت قلبي هذه اللحظة من الغضب .
- وأثناء تفكيره هذا إختطفه النوم ، فرأى مسجدهم مليئا بالروث .
- وحجارته فاسدة ملقاة في مرحاض ، ينطلق منها الدخان الأسود .
- وتسرب الدخان إلى حلقه ، وجرحه ، ومن هول الدخان المر فزع من النوم .
- فسقط على وجهه لتوه وأخذ يبكي قائلا : يا الله ، هذه آية الإنكار .
 
2910 - إن الغضب أفضل يا الله من ذلك الحلم الذي يجعلني منفصلا عن نور الإيمان .
- وإنك إن بحثت في أعمال أهل المجاز ، تجدها منتنة طية بعد طية ، وكأنها البصل .
- وكل طية أقل لبا من الأخرى ، لكنها عند الصادقين ، كل واحدة أكثر لبا وعمقا من الأخرى . « 1 »
- لقد ربط هؤلاء القوم مائة حزام على القباء ، من أجل هدم مسجد أهل قباء .
- مثل أصحاب الفيل أولاء في الحبش ، بنوا كعبة ، فأضرم الله فيها النار
 
2915 - فهاجموا الكعبة انتقاما ، فإلام صار حالهم ، إقرأه من كلام " العلام " .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 312 : - لقد ربط هؤلاء القوم الواهون مائة وسط من النفاق والحيلة والدين غير السليم .
 
« 245 »
 
 
- وليس لسود وجوه الدين من جهاز ، إلا الحيلة والمكر والعناد .
- وقد رأى كل صحابي واقعة عن هذا المسجد عيانا ، حتى صار سره لهم يقينا .
- ولو أنني تحدثت عن تلك الواقعات واحدة بعد الأخرى ، لصار الصفاء يقينا عند أهل الشك .
- لكني أخشى من كشف سرهم ، فهم مكرمون ، ويجمل بهم الكرم .
 
2920 - لقد كانوا يقبلون الشرع بلا تقليد ، فلا جرم أن ظفروا بذلك النقد دون محك .
- وحكمة القرآن كأنها ضالة المؤمن ، وكل إمريء يعرف ضالته حق المعرفة .
 
قصة ذلك الذي كان يبحث عن ناقته الضالة ويسأل عنها

 
- لقد فقدت ناقة وبحثت عنها بجد ، فكيف تجدها إن لم تعلم أنها لك .
- فما هي الضالة ؟ إنها الناقة الضائعة ، وقد هربت منك إلى ما وراء حجاب .
- ولقد جئت عند تحميل القافلة ، واختفت ناقتك من بين الإبل .
 
2925 - فتسرع إلى هذه الناحية وتلك الناحية متيبس الشفة ، وقد ابتعدت القافلة ، واقترب الليل .
- وبقي متاعك على الأرض في طريق الخوف ، وأنت مسرع خلف الناقة ، في تطواف .
- متسائلا : أيها المسلمون ، من رأى ناقة ؟ انطلقت في الصباح من أحد المزاود ؟


« 246 »
 
 
- وكل من يخبرني بأمارة عن ناقتي ، أعطيه البشارة عددا من الدراهم .
- وتظل تبحث عن الأمارة من كل إنسان ، ويسخر منك لذلك كل خسيس .
 
2930 - قائلا : رأيت ناقة تذهب إلى تلك الناحية ، ناقة حمراء " تمضي " نحو ذلك العشب .
- ويقول آخر : هل هي صلماء ؟ ويقول ثالث : هل غطاء سرجها منقوش ؟
- ويقول رابع : هل هي عوراء ؟ وثم آخر يقول : هل هي جرباء فاقدة الوبر ؟
- ومن أجل البشارة ، بين كل خسيس مائة أمارة خبط عشواء . « 1 »
 
التردد بين المذاهب المختلفة وإيجاد مخرج ومخلص
 
- مثل ذلك أن كل إنسان في المعرفة ، يقوم بوصف مخلوق غيبي .
 
2935 - فالمتفلسف قام بالشرح على وجه من الوجوه ، ثم جاء فقيه ، وقام بجرح قوله .
- وثالث لا يفتأ يطعن على كليهما ، والرابع في الاحتيال ، ما إنفك يعاني النزع .
- وكل من طريق يعطي الأمارات عنها ، حتى يظن أنهم أهل هذه القرية 
- فاعلم هذه الحقيقة ، إنهم جميعا ليسوا على الحق ، وليسوا جميعا بالضالين ذلك النفر .
- ذلك أن باطلا لا يظهر دون حق ، والأبله يشتري الزائف " على رائحة " أنه ذهب خالص .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 321 : - ويا أيها القلب ، إستمع إلى هذه الأسرار ، وإن كانت من قسمتك ، فاشرب منها هنيئا .

 
« 247 »
 
2940 - فإن لم يكن في الدنيا ذهب رائج ، فمتى كان يمكن إنفاق الزائف ؟
- وإن لم يكن صدق ، متى كان كذب ؟ إن ذلك الكذب إنما يستمد ضياءه من الصدق .
- وعلى أمل الصحيح ، يشترى الزائف ، والسم يحقن في السكر ، وآنذاك يؤكل .
- وإن لم يكن القمح الذي يستلذ عند الأكل ، ماذا يحمل ذلك الذي يبدي القمح ويبيع الشعير ؟
- فلا تقل إذن أن كل الأقوال باطلة ، فمن هم على الباطل ، يجعلون قلوبهم كالشباك ، على أمل الحق .
 
2945 - فلا تقل إذن أنها برمتها خيال وضلال ، ولا خيال هناك في العالم دون حقيقة .
- والحق أخفي ليلة القدر بين الليال ، حتى تقوم الروح بامتحان كل ليلة
- فليست كل الليالي هي ليلة القدر أيها الفتى ، كما أن كل الليالي ليست خالية منها .
- فامتحن فقيرا من بين لابسي الخرق ، واتبع من يكون على الحق .
- وأين المؤمن الكيس الفطن ؟ حتى يميز بين المخنثين والفتيان .
 
2950 - وإن لم تكن البضائع المعيوبة موجودة في الدنيا ، لكان كل التجار بلهاء .
- ولكانت معرفة البضائع - إذن - أمرا شديد السهولة ، فإن لم يكن ثم عيسى ، فسواء العزيز والخسيس .
 

« 248 »
 
- وإن كانت كلها ذات عيوب ، فلا فائدة للمعرفة ، فما دام كله خشب ، فليس ثم عود هنا .
- وذلك الذي يقول كلهم على الحق أحمق ، وذلك الذي يقول كلهم على باطل ، شقي .
- والتجار الأنبياء قد كسبوا ، أما تجار اللون والرائحة ، فهم عمي مظلمون .
 
2955 - إنه يبدي الحية للعين مالا ، فحك عينيك كلتيهما جيدا .
- ولا تنظر إلى سرور هذا البيع والكسب ، وانظر إلى خسر فرعون وثمود .
- وكرر النظر في هذا الفلك ، ذلك أن الحق قال :ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ.
 
امتحان كل شيء حتى يظهر الخير والشر الذي فيه

 
- لا تقنع بنظرة واحدة إلى سقف النور هذا ، وانظر مرات ، وشاهد : هل من فطور ؟
- ما دام قد قال لك : أنظر مرات إلى هذا السقف الجميل ، كرجل باحث عن العيب .
 
2960 - فإنك تعرف إذن هذه الأرض المظلمة ، فحتام النظر إليها بعين القبول ؟
- وحتى نصفي الأصفياء من الكدرين ، كم من الآلام يجب على عقولنا تحملها ؟
- " من قبيل " إختبارات الشتاء والخريف ، وحرارة الصيف ، والربيع كأنه الروح .
 
« 249 »
 
 
- والرياح والسحب والبروق ، حتى تبدو الفوارق بين الأعراض .
- وحتى تخرج الأرض ذات اللون الترابي ، كل ما في جيبها من ياقوت وحجر .
 
2965 - وكل ما سرقه هذا التراب الأسود من خزانة الحق وبحر الكرم .
- يقول له شرطي التقدير : أصدق القول ، ما سلبته ، فصل القول عنه شعرة بشعرة .
- ويقول التراب أي اللص : لا شيء ، لا شيء ، فيجره الشرطي إلى التعذيب 
- ويحدثه باللطف حينا ، حديثا كأنه السكر ، وحينا يشبحه ، ويفعل ما هو أسوأ .
- حتى تظهر تلك الأمور الخفية بين القهر واللطف ، وهذا من نار الخوف والرجاء .
 
2970 - وفصول ربيع اللطف هذي هي شرطة الكبرياء ، وذلك الخريف تهديد وتخويف من الله .
- وذلك الشتاء صليب معنوي ، حتى تظهر أنت أيها اللص الخفي .
- ومن ثم يكون للمجاهد حينا بسط القلب ، وحينا آخر القبض والألم والغش والغل .
- ذلك أن هذا الماء والطين أي أبداننا ، منكرة سارقة لضياء الأرواح .
- فالحق يسلط الحار والبارد والألم والتعب على أجسادنا ، يا أيها الرجل الشجاع
 
2975 - فالخوف والجوع ونقص الأموال والبدن ، كلها من أجل ظهور نقد الروح .

 
« 250 »
 
- ولقد وجه كل هذا الوعد والوعيد ، من أجل هذا الخير والشر اللذين مزجهما معا .
- وما داموا قد مزجوا الحق بالباطل ، فقد صبوا في الهميان الصحيح والزائف .
- ومن ثم ينبغي له محك منتقى في الحقائق ، إجتاز كثيرا من الإمتحانات .
- حتى يصبح فارقا بين هذه الأمور المزورة ، وحتى يصبح دستورا لتلك التدابير .
 
2980 - فلترضعي موسى يا أم موسى ، وألقي به في اليم ، ولا تخشين من البلاء .
- وكل من رضع هذا اللبن في يوم " ألست " ميز اللبن كما ميزه موسى .
- وإن كنت يا أم موسى مولعة " بمعرفة " تمييز طفلك ، قومي بإرضاعه في ذلك الزمان .
- حتى يذوق طعم لبن أمه ، وحتى لا يسقط في " يد " مرضعة سيئة الطينة . «1»
 
شرح فائدة الرجل الباحث عن الناقة

 
- لقد فقدت ناقة أيها المعتمد ، وكل إنسان يحدثك بأمارة عن هذه الناقة .
 
2985 - وأنت لا تعلم أين توجد تلك الناقة ، لكنك تعلم أن هذه الأمارات خاطئة .
- وذلك الذي لم يفقد ناقة ، من المراء ، يبحث عن ناقة ، مثل فاقد الناقة .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 349 : - وهذه الحكاية نفسها واضحة لك ، فليس الغرض هو قول هذه الحكاية .

 
« 251 »
 
- قائلا : بلى ، وأنا أيضا فقدت ناقة ، وكل من يجدها له مني الأجر .
- حتى يكون شريكا لك في الناقة ، وهو يلعب هذه اللعبة طمعا فيها .
- إنه لا يعلم الأمارة الخاطئة من الأمارة الصحيحة ، لكن قولك بمثابة العصا لذلك المقلد .
 
2990 - وكلما تقول عن شيء : إن تلك الأمارة خطأ ، يقول نفس الشيء تقليدا لك .
- وعندما تذكر أمارات صحيحة أو شبيهة بالصحيحة ، تيقن لديك أنه لا ريب فيه .
- ففيه شفاء لروحك المريضة ، ويصبح لك رواء للوجه وصحة وقوة .
- وتصبح عيناك مضيئتين وقدماك مسرعتين ، ويصبح جسدك روحا ، وتصبح روحك سلسة .
- فتقول إذن : لقد صدقت أيها الأمين ، هذه الأمارت " من قبيل " البلاغ المبين .
 
2995 - " فيه آيات ثقات بينات " ، هذه تكون براءة لك ، وقدر النجاة .
- وعندما أعطى هذه الأمارة تقول له : تقدم ، هذا وقت العزم ، فكن أنت الحادي .
- ولأكن تابعا لك يا صادق القول ، لقد علمت شيئا عن ناقتي ، فأظهر لي أين هي .
- وعند ذلك الشخص الذي ليس صاحب ناقة ، ذلك الذي كان يجد في البحث مراء وجدلا ،
 
« 252 »
 
- لا يزداد يقينه من هذه الأمارة الصادقة ، إلا إنعكاسا للباحث الحقيقي عن الناقة .
 
3000 - لقد علم النذر اليسير من جده وسعيه الحثيث ، وأن صيحاته هذه ، لم تذهب سدى .
- ولم يكن له حق في تلك الناقة ، لكنه كان قد فقد ناقة هو الآخر ، أجل .
- والطمع في ناقة الغير صار درينة له ، ذلك أنه كان قد نسي ما فقد .
- فحيثما كان ذلك يسرع ، كان هذا يسرع أيضا ، ومن الطمع صار أيضا صاحب ألم .
- والكاذب عندما يصبح رفيقا للصادق في السير ، ينقلب كذبه إلى صدق فجأة .
 
3005 - وفي تلك الصحراء التي كانت الناقة تعدو فيها ، وجد ذلك الآخر ناقته أيضا .
- وعندما رآها تذكر أنها ملكه ، وانتفى عنه الطمع في نوق الرفيق والقريب .
- وصار ذلك المقلد محققا عندما رأى ناقته ترعى في ذلك المكان .
- فصار في تلك اللحظة طالبا للناقة ، ولم يكن يبحث عنها ، حتى رآها في الصحراء .
- ومن بعد ذلك بدأ في السير وحيدا ، وفتح عينيه صوب ناقته .
 
3010 - فقال ذلك الصادق : هل تركتني ؟ لقد كنت حتى الآن قائما برعايتي .
 
 
« 253 »
 
 
- قال : كنت حتى الآن مخادعا ، وكنت أتملقك طمعا .
- والآن صرت شريكا لك في الألم ، وإنما انفصلت عنك في الطلب بالجسد فحسب .
- ولقد كنت أسرق منك وصف الناقة ، ورأت روحي ما هو لي ، فامتلأت عيني .
- وما لم أجده ، لم أكن طالبا إياه ، فلقد انهزم النحاس الآن ، وغلب عليه الذهب .
 
3015 - وصارت سيئاتي كلها طاعات ، فالشكر لله ، وفني الهزل ، وأثبت الجد ، فالشكر لله .
- ولما كانت سيئاتي قد صارت وسيلة إلى الحق ، فلا تدق كثيرا على سيئاتي .
- لقد كان صدقك قد جعلك طالبا ، أما الجد والطلب ، فقد فتحا عليّ أبواب الصدق .
- وصدقك هو الذي دفعك إلى البحث ، وبحثي هو الذي أتى بي إلى الصدق 
- وكنت أغرس بذور الإقبال في الأرض ، وكنت أظنها سخرة وعبثا .
 
3020 - لكن ذلك لم يكن سخرة ، كان كسبا وافرا ، وكل حبة غرستها أنبتت مائة حبة .
- إن لصا تسلل إلى منزل ما خفية ، وعندما دخل ، رأى أنه منزله هو .
- فكن متحمسا أيها الغث حتى يصلك الحماس ، وتواءم مع الغلظة ، حتى يصلك اللين .
 
« 254 »
 
- إنهما لم تكنا ناقتين ، بل ناقة واحدة ، واللفظ قد ضاق ، والمعنى شديد الامتلاء .
- واللفظ دائما ما هو غير موصل إلى المعنى ، ومن ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم قد كل اللسان .
 
3025 - والنطق بمثابة إصطرلاب ، يكون في حساب ، وأي قدر تعرفه من الفلك والشمس .
- وبخاصة فلك يعتبر هذا الفلك بالنسبة له بمثابة ورقة قش ، والشمس من شمسه بمثابة ذرة
 
بيان أنه في كل نفس توجد فتنة مسجد الضرار

 
- عندما اتضح أنه لم يكن مسجدا ، كان بيتا للحيلة وشبكة لليهود . .
- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يهدم ، وأن يجعلوه مكانا لإلقاء القمامة .
- وكان صاحب المسجد كالمسجد نفسه مزورا ، ووضع الحبوب تحت الشباك ، ليس جودا .
 
3030 - واللحم الذي يكون في شصك خاطفا للأسماك ، مثل تلك اللقمة ، لا هي من الجود ، ولا هي من السخاء .
- ومسجد أهل قباء الذي كان مجرد جماد ، لم يدع طريقا إليه لمن لم يكن كفوا له .
- ولم يجز على الجمادات مثل هذا الحيف ، فألقى أمير العدل بالنفط في ذلك " المسجد " غير الكفء .
- إذن فاعلم أن للحقائق التي هي أصول الأصول ، تحتوى فيما بينها على فواصل وفواصل .

 
« 255 »
 
 
- فلا الحياة فيها تشبه حياة الآخرين ، ولا الممات فيها يشبه مماتهم .
 
3035 - وإياك أن تعتبر القبر فيها مثل قبور الآخرين ، وما ذا أقول أصلا في أحوال فروق ذلك العالم ؟
- فاعرض فعلك على المحك يا رجل الفعل ، حتى لا تبني مسجد الضرار .
- ومن ثم فإنك ساخر من بناة المسجد أولاء ، وعندما نظرت ، وجدت نفسك منهم .
.

* * *
شرح إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا : استيقظ فهذا وقت الصلاة


( 2614 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 72 - 73 ) ورد أصلها في قصص الأنبياء للثعلبي " ويروى أن رجلا كان يلعن إبليس كل يوم ألف مرة ، فبينما هو ذات يوم نائم ، إذ أتاه شخصٌ فأيقظه وقال قم فإن الجدار ها هو يسقط ، فقال : من أنت الذي أشفقت عليّ هذه الشفقة ؟ فقال له : أنا إبليس ، قال : كيف وأنا ألعنك في اليوم ألف مرة ؟
قال : هذا لما علمت من محل الشهداء عند الله تعالى فخشيت أن تكون منهم فتنال ما ينالون " كما أورد فروزانفر ما يشبهه نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ ، وحديثا عن حلية الأولياء ولا علاقة لكليهما بالحكاية . ومعاوية هنا شخصية ثابتة الإيمان ، متضرعة إلى الله ، به مسحة روحانية ، وعنده معرفة بخداع النفس مما دفع الشراح الشيعة إلى الاعتراض ( ! ! ) ( استعلامي / 2 / 295 - 296 وجعفري 5 / 202 ) .
 
( 2622 - 2623 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ عجلوا الصلاة قبل الفوت ، وعجلوا التوبة قبل الموت ]
 
( 2626 - 2640 ) : عن إبليس في أوان عبادته وطاعته : قيل عبد الله ستمائة سنة حتى سمي طاووس الملائكة ، وكان خازن الأرض والسماء ، وفي حديث عن ابن عباس رضي الله عنه
[ جُعل إبليس ملك سماء الدنيا ، وكان يسوس بين الناس ، وبين السماء والأرض ] ( أنقروي 2 / 408 ) .
 
« 447 »
 
( 2645 - 2647 ) : ينظر مولانا إلى الحديث القدسي [ إنما خلقت الخلق ليربحوا عليّ ، ولم أخلقهم لأربح عليهم ] ( أحاديث مثنوي / 58 ) .
 
( 2650 - 2651 ) : يصور مولانا إبليس على أنه لا يزال يطمع في الرحمة ، فالقهر حادث واللطف قديم ، والحادث لا يتغلب على القديم ، وفي الحديث القدسي : [ رحمتي سبقت غضبي ] .
 
( 2652 - 2654 ) : يصور إبليس هنا عدم سجوده لآدم عليه السلام بأن ذلك غيرة على الله تعالى من أن يسجد لسواه ، وقد ورد هذا الجواب في حديث دار بين إبليس وأحد الصوفية ، ورد عليه الصوفي بأن هذا نفاق ظاهر لأن المحب يطيع أمر محبوبه . ويفسر إبليس بأن الغيرة شرط من شروط المحبة ، مثلما يشترط أن تقول للعاطس " عافاك الله أو أبقاك الله ، وفي حديث نبوي [ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وليُقل له : يرحمك الله ] ( مولوي 2 / 530 ) .
 
( 2655 - 2660 ) : يتوسل إبليس بحيلة جبرية ، لقد كانت نقلة واحدة ، إمتناعي عن السجود ، ولم يكن أمامي سواها ، كانت في تقديره ولوحه المحفوظ فيما كتب عليّ منذ الأزل ، كتب علي أن أهزم وأن أحصر في هذه المباراة بيني وبين آدم ، كان عليّ أن ألعب دور إبليس وقد لعبته ، ومن ثم كان هذا العصيان في الأصل طاعة له ، لا زلت أتلذذ بها ، ولا أستطيع أن أتخلص منها . . أكان عصياني إذن مني ؟ بل منه العصيان والطاعة .
 
( 2662 ) : أي كل ما تقوله صحيح - وهو بالطبع ليس كذلك - لكن دورك فيما تسميه لعبة ليس إلا الفساد والإفساد والكفر والفسوق والعصيان .
( 2666 ) : فاذهب فإنعَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ.
( 2668 - 2670 ) : أنظر الكتاب الأول البيت 318 .
 
« 448 »
 
( 2671 - 2680 ) : يضرب معاوية الأمثلة بمن أضلهم إبليس من الأمم السالفة :
قوم نوح ( الأعراف / 64 ) وقوم عاد ( الحاقة / 6 وانظر البيت 858 من الكتاب الأول ) وقوم لوط ( النمل / 58 وهود / 82 ) والنمرود الذي أعلن الحرب على الله ، ( أنظر آخر الكتاب الخامس ) وفرعون وأبي لهب وأبي الحكم الذي تحول من جرائك إلى أبي جهل و " إلا من عصم " إشارة إلى قوله تعالىلا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ( هود / 42 ) .
 
( 2682 - 2687 ) : يدافع إبليس عن نفسه : إنني أنا المحك الذي يفرق بين الصالح والطالح ( الضرورة الإبليسية أو ضرورة وجود إبليس تعد بابا من أبواب الأدب العالمي الحديث ، ولعل مولانا بأبياته ، هذه كان أول من أثار هذه النقطة على نطاق واسع ) ، غير أن إبليس هنا ينفي عن نفسه تهمة الوسوسة والتوقيع في الشر ، وأنه لو كان منتصرا على طول الخط ، لما كان هناك خير ، ولما كان هناك صالحون ، والمهم هو الإنسان ، إنه عندما يهزم داخل الإنسان ، لا يأمر إلا بالخير ، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أسلم شيطاني على يدي فلا يأمرني إلا بخير ] ( مولوي 2 / 537 ) . ثم يقول : إنني مجرد عارض ، أعرض الشر ولا آمرك بعلمه ، وإنما يقوم كل امريء باختيار ما يتوافق مع ميله وطبيعته .
( ألم يقل أنه يزينه ويلح فيه ؟ ) .
 
( 2690 - 2696 ) : ويواصل إبليس : من يقول أن قوام العالم يقوم على الخير فحسب " اللطف الإلهي " ، إنك إن نظرت نظرة متفحصة تجده يقوم على الخير والشر ، فالخير والشر والجميل والقبيح كلاهما تجل للحق ( أنظر البيت 2545 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر الكتاب الخامس الأبيات 575 - 581 وشروحها ) ، والنفس تطلب العشب والعظام ، والروح تطلب قوتها من العلم

« 449 »
 
والفيض ، ثم يقول : إنني مجرد مرآة ، كل إنسان يرى فيّ صورته ، فإن كان خيرا نبذني ، وإن كان قبيحا قبلني ، وأنا لست خالق الشر على كل حال .
 
( 2697 - 2698 ) : المثال الوارد في البيتين فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 74 - 75 ) ورد في حديقة سنائي ( أنظر الترجمة العربية الأبيات 4035 - 4038 وشروحها ) ، كما ورد حديث مفصل عن الموضوع في مقالات شمس ( أنظر الكتاب الأول الأبيات 3550 - 3557 وشروحها ) .
 
( 2701 - 2709 ) : يخوض إبليس في قضايا فقهية : إنه مجرد شاهد ، شاهد على الجمال وشاهدٌ على القبح ، ثم يدعي أنه يقوم بتربية الغصن المثمر ، أي أن صلاح الصالحين يزداد ومقدرتهم على الطريق تتشكل بمقاومتهم له ، هو في الحقيقة بستاني يتعهد الأشجار المثمرة بالرعاية ، بينما لا تستحق الأشجار العجفاء منه إلا القطع ، الشر ليس إذن منه ، لكنه من طبع الشرير .
 
( 2719 ) : أنظر البيت 1223 من الكتاب الأول .
( 2721 ) : أنظر البيت 1490 من الكتاب الأول .
( 2732 - 2734 ) : أنظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث الأبيات : 269 - 274 و 561 وشروحها .
 
( 2735 ) : [ حبك الشيء يعمي ويصم ] ( أحاديث مثنوي / 25 ) .
( 2737 ) إبليس يعتذر بأنه ارتكب ذنبا واحدا ، نعم واحدٌ عددا ، لكنه أصل الذنوب والخطايا : الامتناع عن تنفيذ الأمر الصريح ، والكبر ، والحسد ، وتحدي الإله .
 
( 2745 ) : المعنى ناظرٌ إلى الحديث الشريف [ دع ما يربيك إلى ما لا يربيك ، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ] ( بأسانيده في أحاديث مثنوي / 65 ) .
 
« 450 »
 
( 2755 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت مستندة على حديث نبوي أورده فروزانفر دون إسناد [ القاضي جاهل بين عالمين ] ( أحاديث / 65 ) .
 
( 2764 ) : [ وأما الرشاء في الأحكام يا عمار فهو كفر بالله العظيم ] و [ أيما وال احتجب عن حوائج الناس ، احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه ، وإن أخذ هدية كان غلولا ، وإن أخذ رشوة فهو شرك ] وردت في المكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري ( عن جعفري 5 / 275 - 276 ) .
 
( 2822 - 2826 ) : المتحدث عن الجهات هو الذي يقول بالدلائل والآثار الظاهرية ، والخارج عن الجهات هو الذي عبر هذه المرحلة وأدرك الحقيقة ، وبالنسبة لمن تحقق من رجال الحق ، فإن الآيات والبينات لا ضرورة لها ولا أثر ، وهناك ثلاث مراحل من التكامل الروحاني : فالواصلون في ذات الحق غرقى في الذات ، وأولئك الذين لم يبلغوا الوصال لكن لديهم المعرفة سعداء بمعرفتهم الصفات ، وأولئك المحجوبون عن الصفات يحبون صنع الحق ومخلوقاته ، ومن وصل إلى المرحلة الأولى ثم اهتم بالمرحلتين الأخريين ، يكون كالغريق في الماء ، ثم يصعد لكي يبحث عن صفة الماء ولون الماء ، ومن ثم ينزل عن درجته . ( استعلامي / 2 - 302 ) .
 
( 2827 - 2835 ) : ولكل مرتبة وظائفها ، والله ينتظر الكثير من عباده الكمل ، ومن ثم قيل [ حسنات الأبرار سيئات المقربين ] ( تعامل على أنها حديث نبوي ، واعتبرها صاحب اللآليء المصنوعة من الموضوع ، ونسبت في إتحاف السادة المتقفين إلى الصوفي أبي سعيد الخراز - أحاديث / 65 ) والبيت 2829 ناظر إلى الآية الكريمةإِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ( الرعد / 11 ) ثم يقول مولانا : إنما يذنب المرء فيحيق به البلاء فينسب هذا إلى الجبر
 
« 451 »
 
جهلا ( أنظر الكتاب الأول الأبيات 1473 - 1510 وشروحها ) فلما ذا لم تقل بالجبر حين كنت مكرما ومعززا بطاعتك ؟
 
( 2836 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت قائمة على الآيات الكريمات : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى . وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ، لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ، أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( التوبة / 107 - 110 ) ،
 
ذكر ابن هشام ( السيرة النبوية / 2 - 530 ) أنهم إثنا عشر شخصا وذكر أسماءهم ، وذكر غيره أنهم كانوا خمسة عشر شخصا من المنافقين ، بنوا المسجد ليستقدموا إليه أبا عامر الراهب من الشام ليعظهم فيه ، وليلقوا بالفرقة بين جموع المسلمين ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتجهز لتبوك ، فلما دعوه إلى المسجد ، أمهلهم إلى عودته عليه السلام من الغزو ، ثم نزلت الآيات الكريمات وفضحتهم . ودمر المسجد ، مسجد الضرار ( جلبنارلي / 2 - 379 ) ليبين أن الأساس هو المعنى والنية والقصد ، وليس البناء السامق المزين ( وكم من المساجد تعد تحفة للناظرين بنيت على طول العالم الإسلامي وعرضه الآن لترويج النفاق والصد عن سبيل الله ) ، ومسجد الضرار في المصطلح الصوفي هو النفس التي تزين كل قبيح وتلبسه أبهى صورة .
 
( 2851 ) : [ إياكم وخضراء الدمن ، قيل ومن خضراء الدمن يا رسول الله ؟
قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء ] ( أحاديث / 65 ) .

« 452 »
 
( 2855 - 2858 ) : التجربة هي المحك ، ولا شجاعة قبل الحروب ، وظاهر القول خداع ، وبالخطب لا تكسب المعارك ، والجبان المتشدق بالشجاعة أخطر على أمته من الجبان الصامت ( أنظر لتعبير آخر عن الفكرة الكتاب الثالث الأبيات 4022 - 4037 وشروحها ) .
 
( 2865 - 2867 ) :النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ( الأحزاب / 60 ) وفي الحديث الشريف [ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته ] و [ مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها ، أنا آخذٌ بحجزكم عن النار ، وتفتنون من بعدي ] ( بأسانيدهما في أحاديث مثنوي / 66 ) .
 
( 2870 ) : لينظر مولانا اليوم ، ولير إسلاميين يأتيهم التوجه من اليهود والنصارى ، ويهود ونصارى يستشهدون بآيات القرآن ، ومسلمين بالاسم يجعلون النصارى واليهود قبلتهم ، وكنائس تعد كمنابر إسلامية لترويج الإسلام الأمريكي ، ومدارس تفتتح ، وميزانيات ترصد ، لتربية المسلمين بالاسم ، ليعودوا فيقومون بمهاجمة الوحي والحدود والشريعة مما يطول شرحه ، ولا يغيب هذا عمن تفتحت قلوبهم ، والذين يشاهدون مساجد الضرار تُبنى كل يوم .
 
( 2873 ) : المقصود أبو عامر الراهب ، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق وهو أبو حنيظلة غسيل الملائكة ( أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : دلائل النبوة ج 5 - ص 259 - بيروت 1985 )
 
( 2880 ) : كانت جماعة المنافقين قد لحقت بالرسول صلى الله عليه وسلم في تبوك ، وأثناء عودته عليه السلام تآمروا على اغتياله في العقبة ، إلا أن الله سبحانه وتعالى أطلعه على
 
« 453 »
 
أسرارهم ونجاه من مكرهم ( أنظر التفاصيل في دلائل النبوة ج 5 صص 256 - 260 ) وفي النص : " جمعهم رسول الله وهم إثنا عشر رجلا ، الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم ، وأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك بعلمه ، ومات الإثناء عشر منافقين محاربين لله ورسوله ، وذلك لقوله عز وجلوَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُواالتوبة / 74 " ( دلائل النبوة / 5 - 259 ) .
 
( 2882 - 2884 ) : المستعد للقسم دائما ، مستعد أيضا للحنث به . والمعنى ناظر إلى الآية الكريمةاتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ( المجادلة / 16 ) .
 
( 2887 ) :وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ( المنافقون / 1 ) ( 2892 - 2896 ) :خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ( البقرة / 7 ) ويقارن مولانا بين صوتين : صوت الحق وما له من قوة حتى وإن كان هامسا ، وصوت الباطل وما فيه من ضعف وإن كان صاخبا ، والذين يصدون عن سبيل الله حجتهم داحضة مهما أوتوا من بلاغة الأسلوب ( أنظر في الكتاب الأول حكاية الوزير اليهودي الذي كاد للنصارى ) ، يظل في أسلوبهم وفي بيانهم شيء ما يقول أنه مأجور " مثل الثوم في حلوى اللوز ومثل الإبر في الخبز " ويشبه مولانا صوت الحق الذي يسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم بشأن المنافقين بوضوح الصوت الذي سمعه موسى عليه السلام عند الشجرة المقدسة في طور سيناء ( طه / 10 - النمل / 7 - القصص / 29 ) .
 
( 2899 - 2904 ) : هذا الجزء من قصة مسجد الضرار لم أجد له سندا . وربما يكون من إضافات مولانا جلال الدين كي يخوض بعده في الحديث عن أولئك
 
« 454 »
 
الذين يغترون بالمظهر ، فإن ذلك الصحابي المعترض لم يكن لديه دليل إلا أن هؤلاء المنافقين من أهل الشيب والوقار " مثلما يقال عن بناة مساجد الضرار اليوم أنهم من العلماء وأصحاب الكتب وحملة الدكتوراه والمتعلمين في أوروبا " .
 
( 2906 - 2910 ) : مثلما يحدث كثيراً ، ويقصه مولانا في المثنوى يأتي الجواب لأهل الإيمان عن طريق الرؤيا الصادقة ( أنظر حكاية الملك والجارية المريضة في الكتاب الأول وحكاية الذي قيل له أن هناك كنزا ينتظره في مصر في الكتاب السادس على سبيل المثال لا الحصر ) .
 
( 2911 - 2921 ) : أهل المجاز هم أهل الظاهر وأهل الاستدلال . ويقارن مولانا بين بناة مسجد الضرار وبين أبرهة الذي قصد هدم الكعبة . ( سورة الفيل ) ويناقش مولانا قضية أن بعض الصحابة أيضا خدعوا ببناة مسجد الضرار وظاهر تقواهم ، إلا أن كلا منهم إقتنع بواقعة من الواقعات أي مشاهدة من المشاهدات ،
ثم يجمع مولانا كل هذه المشاهدات في تعبير واحد : حكمة القرآن ، وهي ضالة المؤمن ( أنظر 1673 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2922 - 2934 ) : فاقد الناقة ذلك المؤمن الذي يعلم أنه مرتبط بمبدأ الخليقة متصل بها ، وهو لا يزال يبحث عن حقيقة الوجود ، والحكمة هنا هي العلم بالقرآن ، وهي هاربة منك وراء الحجب أي الدنيا وعلائقها المادية وهوى النفس ،
 
والقافلة : هي السائرون في طريق الحق والسالكون ، وصاحب الناقة الضالة لا يزال يبحث بكل الوسائل والسبل حتى يعثر على ضالته وينضم إلى القافلة ، وكل خسيس أي كل جاهل غير عارف بالطريق يرسله إلى جهة ما على العمياء ، إنه يتحدث عن الأمارات لكنه لا يتحدث عن الحقيقة ، وهو عاكف على الإمارات ، ينفق عليها ويدفع في سبيلها ( استعلامى 2 / 306 ) والقصة في الحقيقة على ما لم

« 455 »
 
يفطن إليه الشراح قائمة على مثل شعبى هو " شتر ديدى . . . نديدى " رأيت الجمل . . . لا لم تره " ، وهو منسوب إلى حكاية حدثت لسعدى الشيرازي الشاعر المشهور الذي وصف إمارات جمل ضال لصاحبه دون أن يراه وعلى مظاهر بدت منه ( أمير قلي أميني ، داستانهاى أمثال ص 291 - 292 ، أصفهان 1351 هـ . ش ) : والحكاية ذات أصل عربى ويضرب مثلا على الفراسة .
 
( 2935 - 2947 ) : أولئك الذين يذكرون الأمارات ( وقد تكون صادقة ) دون رؤية ، يسوقون مولانا إلى أولئك الذين يعتدون على الأمارات في معارفهم :
الفلاسفة والفقهاء والمتكلمون الذين حرموا ( الرؤية ) واعتمدوا على ( الأمارة ) ، ثم يعود مولانا فيقول أنه لا يوجد زيف ليس فيه حقيقة ، فالزيفُ يُقبل على أنه حقيقة ، ولو لم يكن الزيف ، لما كانت الحقيقة ( أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 575 - 581 وشروحها ) ،
الأمور تظهر بأضداها ، ويفصح مولانا : لا خيال هناك في العالم دون حقيقة ، وإنما تختفى الحقيقة في الخيالات إختفاء ليلة القدر بين الليالي فليس معنى أنها مختفية أنها ليست موجودة ، وليس معنى وجودها بين الأيام ، أنها مثل كل الأيام ، ( الفكرة تشبه تماماً فكرة اختفاء الإمام الغائب عند الشيعة الإثنى عشرية ، بين البشر ، ليس معنى أنه غير معروف أنه غير موجود )
 
( 2948 - 2957 ) : من هنا فالمطلوب الامتحان والمحك ( الميزان هو الشيخ والمرشد ، فمن بين لابسي الخرق الذين تزدريهم الأعين قد يكون هناك سلطان حقيقي من سلاطين الدين ، وفي شرح السبزواري ( ص 163 ) بعض الأولياء ضنائن الله فهم مستورون عن نظر الخلق لا يظهرون كأولياء ومعرفتهم صعبة ، وفي الحديث « إن الله خبأ ثلاثة في ثلاثة : رضاه في طاعاته ، فلا تستحقرن شيئا من طاعاته ، فلعل رضاه فيه ، وخبأ سخطه في معاصيه فلا
 
« 456 »
 
تستحقرن شيئا من معاصيه ، فلعل سخطه فيه ، وخبأ أولياءه تحت خلقه ، فلا تستحقرن أحدا فعله هو الولي . وقدرة التمييز من صفات المؤمن « المؤمن كيس فطن » ( أحاديث مثنوى / 67 )
الخير موجود مهما كان الشر غالباً ، وهكذا سوق الدنيا ، ملىء بالتجار المختلفين : التجار الأنبياء الذين يتاجرون في البضاعة الغالية « سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله هي الجنة » ، أما التجار الآخرون فيبدون الحية مالًا ، " المال حية والجاه أضر منها " ، وإذا كنت تريد أن تعرف حقيقة هذه التجارة ، فأنظر لمن تبعوا الأنبياء ،قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ
( أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 420 - 428 وشروحها ) ، ثم أنظر إلى خسر فرعون وثمود ( أنظر الأبيات 867 و 2521 من الكتاب الأول والأبيات 2044 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والله سبحانه وتعالى قد قال لكارْجِعِ الْبَصَرَ.
 
( 2958 - 2972 ) : يفسر مولانا ما ورد في البيت 2957 استنادا على القرآن الكريمالَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ( الملك / 3 - 4 ) .
فإذا كان قد قال هذا بشأن السماء المنيرة فما بالك بالأرض الكدرة ؟ !
تخيل كم من الجهود ينبغي علينا أن تقوم بها حتى تميز الصافي من الكدر ، وبخاصة أن الله سبحانه وتعالى قد أقام عماد هذه الدنيا على كثير من الظواهر المتناقضة ، شتاء وصيف وربيع ، رياح وسحب وبروق ، تراب بداخله معادن ثمينة سرقها هذا التراب وتخرجها شرطة الحق بالوعد والوعيد ، والتخويف والترغيب ، واللطف والقهر
( أنظر الأبيات 1899 - 1905 من الكتاب الأول ) ، وهكذا أيضا باطن الإنسان تتوالى عليه هذه الظواهر
 
« 457 »
 
( أنظر 1906 من الكتاب الأول في داخلك خريف وربيع لحظة بلحظة ) ، ويكون من نتيجته توالى القبض والبسط عليك ، كآية لا تدري لها سببا ، وسرور لا تدري له باعثا ( أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 348 - 363 و 1651 - 1667 وشروحها )
 
( 2973 - 2979 ) : وهكذا يتوالى القبض والبسط على المجاهد ( في الطريق ) ، وذلك لأن الأبدان سارقة لضياء الأرواح ومن ثم تنصب البلايا على الجسد ، ابتلاءً من الواحد الأحد وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ( البقرة / 155 ) .
و لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ( آل عمران / 141 ) و وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ ( آل عمران / 154 )
 
( 2980 - 2983 ) : موسى عليه السلام هو العبد المستعد للهداية ، والمعنى مستند إلى ما ورد في القرآن الكريم وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ، فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( القصص / 7 ) .
ومثلما رضع موسى اللبن من أمه ، فميزه عمن قبله ، رضع المؤمن حلاوة الإيمان في يوم العهد والميثاق ، فهو يعرفه ، ويحن إليه ، ويبحث عنه ، ويميزه من بين ألبان الحواضن ذوات الجبلة السيئة والطينة الدنسة ، وهو بالفعل ناقته الضالة ، يعرفها ويعرف سماتها ، ولا يقعد حتى يجدها ويعثر عليها ، ويقر عيناً بها .
 
( 2984 - 2996 ) : عودة إلى قصة صاحب الناقة الضالة أو الإيمان والعهد ، والصلة بمبدأ الوجود ، وحقيقة الهدف الإنسانى ، وحيثما وجدها فهو أحق بها [ الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها ] ( أنظر البيت 1673 والبيت 2922 ) ، وإن المؤمن في بحثه هذا ليصادف الكثير من العقبات والصعاب :
 
« 458 »
 
المقلدين الذين لا يحسون بالفقد لكن مع ذلك يبحثون ، أولئك الذين يعرفون الأمارات لكنهم لا يعرفون الحقيقة نفسها ، وأولئك الذين يطمعون منك في الأجر على إرشاد خاطىء ، وأولئك الذين يريدونك أن تبحث أنت ويتظاهرون بأنهم يساعدونك أملا في مشاركتك فيها ، وأولئك الذين يطعمون في الناقة نفسها أو يدعون أنهم هم أيضا فقدوا نوقا ، إنهم جميعا يعتمدون على أقوالك أنت وأمارتك أنت ، فإن حدثته بالقرآن حدثك به ، إنه يريد أن يصل على أكتافك أنت .
 
( 2997 - 3020 ) : تظل التجربة هي المحك الحقيقي : إن صاحب الناقة الضالة ( الحكمة ) يقول للمدعى : هيا تقدم ، إنك تعلم حقيقة ما أنا أبحث عنه ، لكن ما في هذا المدعى ليس إلا مجرد انعكاس لما في باطن صاحب الناقة الحقيقي ، إنه يصل إلى نتيجة ما : أن كل هذا السعي والجدية والبحث الموجود عند صاحب الناقة الحقيقي لا يمكن أن يكون قائما على خواء ، فيصبح المتبوع تابعاً في الحقيقة ، لا حق له في الناقة ، إلا أنه يبحث عن شئ ضاع منه ولا يدريه ، والباحث ( تقليدا ) إن إقترن بباحث ( حقيقة ) ، فإنه يصل أيضا إلى مطلوبه ، عند البحث في الصحراء يجد ناقته أيضا ، ويتذكر أنها ملكه ، وانقلب من مقلد إلى محقق ، لم يعد في حاجة إلى انعكاس من آخر ، أو إلى تقليد ، ويسأله ذلك المحقق : لما ذا تركتني ؟
 
فيرد : من تقليدك توصلت إلى التحقيق ، ومن الكذب انتقلت إلى الصدق، صرت شريكا لك في الألم ، باحثا عن ناقتي الحقيقية ( جعفري 5 / 372 - 373 ) :
وهكذا الإنسان عموما ، إنه يبدأ من التقليد فيصل إلى التحقيق ، ومن المجاز فيصل إلى الحقيقة ، وأي سعى مهما كان متكلفاً ، إنما يصل إلى البحث الحقيقي ، [ إبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ]
وكل هذا إنما يكون من رفقة الصالحين الصادقين ، هذا هو معنى تبديل السيئات إلى حسنات ، فصدقٌ
 
« 459 »
 
يؤدى إلى البحث ، وبحثٌ يؤدى إلى الصدق ، وهذا هو الطريق بالكسب ، بالسعي وبالجد حتى وإن كان هذا السعي وهذا الجد تقليداً .
 
( 3022 - 3026 ) : يخاطب مولانا المريدين : إن كنت فاترا في الطريق غثا مقلدا ، ومتكلفا ، فلا أقل من أن تكون متحمسا ، وبذلك تصل ، تنزل عليك جذبات الحق ، وجذبة من جذبات الحق تعادل الثقلين ، ففاقد الناقة على الحقيقة ، وفاقد الناقة تكلفاً ، كلاهما يصل إلى ناقته ، وكلاهما حقيقة واحدة . ويتوقف مولانا أمام إحدى مشكلاته المتكررة : التعبير الذي لا يساوى المعنى : ( من كثرة القول صمت ، الكتاب الأول : بيت 1770 )
ومن ثم فأنا أقول لك : من عرف الله كل لسانه ( ذكره استعلامى 2 / 310 على أنه حديث نبوي بناء على نص مولانا وعند صاحب كشف المحجوب ، قول مسند إلى الصوفي الجنيد البغدادي ، ترجمة كاتب هذه السطور ص 429 ، وللواسطي : من عرف الله انقطع بل خرس وانقمع ، كشف ص 329 ، ولمحمد بن واسع : من عرف الله قل كلامه ودام تحيره ، كشف ص 328 )
واللسان ما هو إلى اصطرلاب يرصد حركة الأنجم ، لكنه لا يدرى شيئا عما يجرى في أقطار سماوات الروح ، وفلك الأرواح ، وشمس الحقيقة العليا التي تعتبر الشمس بمثابة الذرة منها .
 
( 3027 - 3037 ) : عودة إلى قصة مسجد الضرار ( أنظر شرح البيت 3826 )
لقد جرى على مسجد الضرار كل ما ينبغي أن يجرى على أي مكان ظاهر الزينة لكنه فاسدٌ من أساسه ، والمقصود بصاحب المسجد " أبو عامر الراهب ورفاقه من المنافقين " ، ووعظه فخ ، واللحم الذي يقدمه إنما يكون مثل اللحم الذي يوضع في الشص يأخذ بحلوق الأسماك ، لقد كان المسجد المقصود بالمنافسة هو مسجد قباء ( مسجد أسس على التقوى ) ، ولم يجز أمير العدل محمد
 
« 460 »
 
صلى الله عليه وسلم أن يجرى هذا الحيف والظلم على جماد ، فأضرم النار في مسجد الضرار ، وانظر إلى المعنى هنا : المسجد حقيقة إسلامية ، هو بيت المؤمنين ، ودار العبادة والفتوى والحكم ، ومع ذلك فقد أضرم الرسول صلى الله عليه وسلم النار في مسجد ، لأنه كان مجرد بناء قصد به الفرقة والتآمر والدس ، ومن ذلك فاعلم أن الحقائق متفاوتة ، وعالم المعنى يختلف عن عالم المجاز ، فالحياة فيه غير الحياة ، والقبر فيه غير القبور ، والموت فيه غير الموت ، والتفرقة صعبة إلا بهمة المرشد ، فخذ مرشداً ، فهو المحك ، واعرض عليه فعلك ، وإلا بنيت مسجداً يكون مسجد ضرار وكفر وتفريق وصد عن سبيل الله ، وتكون ساخراً من المنافقين لكنك في الحقيقة منهم .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: