السبت، 29 أغسطس 2020

11 - قصة ذلك الجدول والصيادين والسمكات الثلاثة العاقلة ونصف العاقلة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

11 - قصة ذلك الجدول والصيادين والسمكات الثلاثة العاقلة ونصف العاقلة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

قصة ذلك الجدول والصيادين والسمكات الثلاثة العاقلة ونصف العاقلة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ حكاية ذلك الجدول والصيادين ]
قصة ذلك الجدول والصيادين والسمكات الثلاثة العاقلة ونصف العاقلة
والمغرورة البلهاء المغفلة اللاشئ وعاقبة كل واحدة من
( السمكات ) الثلاثة
- لعلك قرأت أيها العنود قصة ذلك النبع الذي كانت (تقيم) فيه سمكات ثلاثة كبيرة.
- ( قرأتها ) في كليلة ودمنة أيها العنود لكن ( ما قرأته ) هو قشر القصة ، وهاك لب الروح منها .
- لقد عبر عدد من الصيادين بهذا الجدول ، ورأوا ما يكنه من ( أسماك )
 
2205 - فانطلقوا مسرعين لكي يحضروا الشبكة ، وفهمت الأسماك ، وقلقت ( على مصيرها ) .
- وتلك السمكة العاقلة عزمت على الرحيل ، لقد اختارت الطريق الصعب المكروه .
- وقالت لنفسها : علىّ ألا استشيرهما ، فإنهما - بالتأكيد سوف يقعداننى ويوهنان من عزمي .
- إن حب الوطن متمكن من روحيهما ، وسوف يلحقان بي الضرر بكسلهما وجهلهما .
- إنما يجب للمشورة حي طيب حتى يقوم بإحيائك ، وأين أجد ( ذلك ) الحي ؟!
 
2210 - فيا أيها المسافر استشر مسافرا ، ذلك أن مشورة المرأة تصيب قدمك بالعرج .
- دعك من حكمة حب الوطن ولا تتوقف ، فإن الوطن في تلك الناحية أيها العزيز وليس في هذه الناحية .
..............................................................
( 1 ) ج 10 - 370 : ولا يغنيها القفز ذلك الزمان ، ذلك أن البلاد قد نزل من السماء .
 
« 229 »
  
- وإذا كنت تريد الوطن فأعبر إلى ذلك الشاطئ الآخر ، وكفاك خطأ في قراءة الحديث الصحيح .
 
سر تلاوة المتوضئ لأوراد الوضوء
 
- في الوضوء لكل عضو ورد مختلف ، لقد ورد ( هذا الورد ) في الخبر لكي تدعو ( به ) .
- وعندما تقوم بالاستنشاق ، أطلب رائحة الجنة من الرب الغنى .
 
2215 - حتى تقودك تلك الرائحة صوب الجنان ، فإن شذى الورود يكون دليلا على ( وجود ) روضة الورود .
- وعند الاستنجاء يكون الورد والدعاء : اللهم طهرني من هذا الخبث .
- لقد طالت يدي هذا الموضع وقامت بغسله ، لكن يدي قصيرة عن تطهير الروح .
- لقد صارت الأرواح من ليسوا بأهل شيئا ، ويد فضله متوصلة إلى الأرواح .
- لقد كان هذا حدى وقمت به أنا اللئيم ، فنقنى من ذلك الخبث الذي في الطرف الآخر أيها الكريم .
 
2220 - لقد غسلت أنا الجلد من الحدث يا الله، فأغسل أنت من الحوادث هذه الروح (يا الله)!
 
كان أحدهم يقول عند الاستنجاء : اللهم أرحني رائحة الجنة بدلا من :
اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وهو ورد الاستنجاء ،
وكان يقول ورد الاستنجاء عند الاستنشاق فسمع أحد الأعزاء ، ولم يطق ذلك .
 
- كان أحدهم يقول عند الاستنجاء : اللهم أرحنى رائحة الجنة .
 
« 230 »
 
- فقال لهم أحدهم : لقد قلت دعاءً طيبا ، لكنك ضللت فتحة الدعاء .
- فإن كان هذا الدعاء هو ورد الأنف ، فكيف نقلت ورد الأنف إلى المؤخرة ؟ ! !
- إن الحر يستنشق رائحة الجنة من أنفه ، فمتى يمكن لرائحة الجنة أن تأتى إلى الدبر ؟ !
 
2225 - ويا من قد تواضعت أمام البلهاء ، ويا من تكبرت أمام الملوك .
- إن هذا التكبر على الأخساء طيب ومقبول ، انتبه وإياك أن تسير به عكس ذلك ، فإن سيرك في الطريق المعاكس قيد لك .
- إن منبت الورود من أجل فتحة الأنف ، ( واستنشاق ) الرائحة وظيفة الأنف أيها العتل .
- وعبق الورود من أجل المشام أيها الشجاع ، وليست هذه الفتحة السفلى موضع هذه الرائحة .
- وحتى تأتيك من هذا الموضع رائحة الخلد ، أطلب الرائحة من موضعها إن أردت ذلك ! !
 
2230 - وأيضا فإن حديث حب الوطن حديث صحيح ، لكن أعلم ما هو الوطن أولا أيها السيد ! !
- لقد قالت تلك السمكة الماهرة . . فلأسلك الطريق ، ولأصرف القلب عن رأيهما ومشورتهما .
- ليس هذا هو وقت الشورى ، فهيا امض في الطريق ، ومثل على رضي الله عنه بث همومك للبئر ، وأطلق آهاتك .
- إن المأذون له بتلك الآهة نادر جدا ، فامض بليل ، وامش خفية كالعسس .
- وتحرك نحو البحر من هذا الجدول ، وأطلب البحر واترك هذه الدوامة .


« 231 »
 
2235 - لقد جعلت من الصدر قدماً وتحركت تلك الحذرة ، ( تحركت ) من المقام الخطر حتى البحر ذي النور .
- مثل غزال يطارده كلب ( صيد ) ، إنه يعدو ما دام في جسده عرق .
- إن نوم الأرنب والكلب في أثره خطأ ، وأين من عين الخائف النوم ؟ ! !
- ذهبت تلك السمكة واتخذت طريقها إلى البحر ، لقد أخذت الطريق الطويل والساحة الواسعة .
- لقد عانت كثيرا من المتاعب وفي النهاية ، مضت في آخر الأمر إلى الأمن والعافية .
 
2240 - لقد ألقت نفسها في البحر العميق الذي لا يدرك البصر حداً له .
- وعندما أحضر الصيادون الشبكة ، أحست السمكة نصف العاقلة بالمرارة .
- وتأوهت قائلة : لقد فوتت الفرصة ، عندما لم أصاحب ذلك الدليل ، 
- لقد مضت فجأة ، لكن كان ينبغي علىّ عندما ذهبت أن أمضى في أثرها بنشاط .
- إن الحسرة على ما مضى من قبيل الخطأ ، وإن ما مضى لا يرجع وذكره هباء «1» .
 
قصة ذلك الطائر الأسير الذي أوصى قائلا : لا تأسف على ما مضى
وفكر في تدارك الوقت ، ولا تضيع أيامك في الندم
 
2245 - لقد صاد أحدهم بمكره وفخه طائرا ، فقال له الطائر : أيها السيد الهمام ! !
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 379 :
هذا الزمان لا تجديني الحسرة . فماذا أفعل وقد فاتتني الفرصة ؟ !
 
« 232 »
  
- لقد التهمت كثيرا من البقر والشياة ، وذبحت كأضحية كثيرا من الجمال .
- لكنك لم تشبع منها في وقت ما ، ولن تصير شبعا من أعضانى ( هذه ) « 1 » .
- اطلقنى حتى أقدم لك نصائح ثلاثة ، وحتى تعلم أذكى أنا أم أبله .
- سوف أقول لك أولى تلك النصائح وأنا على يدك ، والنصيحة الثانية أقولها وأنا فوق جدارك الطيني هذا .
 
2250 - أما النصيحة الثالثة فأنا أقولها لك وأنا فوق الشجرة ، وسوف تكون سعيداً مقبلا من هذه النصائح الثلاثة .
- وهاك ( النصيحة ) التي ينبغي أن أقولها وأنا في يدك : لا تصدق من أحد محالا .
- وعندما قال له هذه النصيحة العظيمة وهو على كفه ، أطلقه فانطلق إلى ذلك الجدار .
- فقال له : النصيحة الثانية هي : لا تأسف على ما فات ، وما دام قد فات فلا تتحسر عليه !
- ثم قال : إن هناك درة يتيمة وزنها عشرة دراهم مخفية في جسمي .
 
2255 - لقد كانت هذه الجوهرة إقبالا لك وحظا لأولادك ، بحق روحك .
- لقد أضعت تلك الدرة فلم تكن رزقا لك ، وليس هناك مثل تلك الدرة في الوجود .
- فأخذ السيد ينوح وكأنه امرأة أتاها المخاض .
- فقال الطائر : ألم أنصحك بألا تأسف على ما فاتك بالأمس ؟ .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 386 :
اطلقنى كرماً منك أيها الشهمُ الكريم المحترم .
 
« 233 »
  
- وما دام قد فات ومضى فكيف تحزن ؟ ! فإما أنك لم تفهم النصيحة وإما أنك أصم .
 
2260 - وألم أقل في النصيحة الأخرى : لا تصدق أبدا القول المحال .
- إن وزنى كله لا يصل إلى ثلاثة دراهم أيها أيها الأسد ، فكيف يكون في جسدي ( ما وزنه ) عشرة دراهم ؟ .
- فانتبه السيد ثانية وقال : هيا ، قدم لي النصيحة الثالثة الطيبة .
- فقال : أجل . لقد عملت بالنصيحتين الأخريين ، حتى أقدم لك النصيحة الثالثة بالمجان .
- إن تقديم النصيحة للجهول النائم ، وهو بمثابة بذر البذور في الأرض البور .
 
2265 - إن فتق الحمق والجهل لا يقبل الرتق ، فقلل بذار الحكمة فيه أيها الواعظ .
 
احتيال تلك السمكة نصف العاقلة وتظاهرها بالموت
 
- لقد قالت تلك السمكة الأخرى عند البلاء ( أي ) عندما انحسر عنها ظل السمكة العاقلة :
- ومضت نحو البحر وأعتقت ، وقالت من الحزن : لقد فارقتني تلك الرفيقة الطيبة .
- لكن على ألا أفكر في هذا وألا أظل ألوم نفسي بل على أن أتظاهر بالموت في التو واللحظة .
- ولأجعل بطني إذن أعلى وظهري إلى أسفل ، ولأطف على سطح الماء .
 
2270 - ولأمش على سطح الماء كما يفعل القذى ، لا أكون سابحة كما يفعل الحي . .
  
« 234 »
  
- لأتظاهر بالموت ولأسلم نفسي إلى الماء ، إن الموت قبل الموت أمن من العذاب .
- الموت قبل الموت أمن أيها الفتى وهكذا قال ، وهكذا أمرنا المصطفى .
- لقد قال عليه السلام : «موتوا كلكم من قبل أن يأتي الموت وتموتوا بالفتن» «1» .
- وهكذا تماوتت وجعلت بطنها بارزة إلى أعلى ، فأخذ الماء يرتفع بها حينا وينخفض بها حينا .
 
2275 - وحزن كل واحد من هؤلاء المهاجمين وقال : وآسفاه لقد ماتت أفضل سمكة .
- وفرحت هي من تأسفهم وقالت في نفسها: لقد نجحت لعبتى هذه ونجوت من سيف (الهلاك).
- وأمسك بها صياد أريب وبصق عليها وألقى بها على التراب .
- فانزلقت . . حتى اختفت في الماء ، وبقيت تلك السمكة ( الثالثة ) الحمقاء تتخبط .
- لقد أخذت تلك الساذجة تقفز يمنة ويسرة ، حتى تنجو بمجهودها من جحيم ( البدن ) .
 
2280 - فألقوا الشبكة وانطبقت عليها ، وألقى بها حمقها في تلك النار .
- وعلى ظهر مقلاة فوق النار ، صارت ضجيعة لحماقتها .
- لقد كانت تغلى من حرارة السعير ، وكان العقل يقول لها : ألم يأتك نذير ؟ !
- كانت تجيب في العذاب والبلاء مثلما كانت أرواح الكافرين تجيب قائلة : بلى !
..............................................................
( 1 ) بالعربية من المتن .
 
« 235 » 
 
- ثم أخذت تقول : إذا نجوت هذه المرة من هذه المحنة التي تحطم العنق
 
2285 - لا آلف إلا البحر موطنا ، ولا أجعل أبدا من الجدول سكنا .
- ابحث عن ماء لا حد له ولا شاطئ وأمضى إلى الأبد في أمن وسلامة « 1 » .
 
بيان أن عهد الأحمق عند الشدة وندمه لا وفاء لهما فيهما مصداقا
لقوله تعالى « وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ »
وليس للصبح الكاذب وفاء .
 
- أخذ العقل يقول لها : إن الحمق معك ( وكامن فيك ) ، ومع الحمق يكون النكوص عن العهد .
- ومع العقل يكون الوفاء بالعهود ، ولا عقل عندك ، فامض يامن قيمتك كحمار .
- فإن العقل هو الذي يتذكر عهده وميثاقه وهو أيضا الذي يمزق حجب النسيان .
 
2290 - وما لم يكن لك عقل يكون النسيان أميرا عليك وهو عدوك ومبطل تدبيرك .
- والفراشة الضئيلة من قلة عقلها ، لا تذكر النار ولا الحرقة ولا الحسيس .
- إنها تتوب عندما يحترق جناحها ، ثم يدفعها حرصها ونسيانها إلى النار .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 384 :
وهكذا أخذت تندر النذور مع نفسها قائلة : إن نجوت من هذه الورطة . 
- لأتمسك بأهداب العقل ليل نهار ، حتى لا أقع في مثل هذا الألم والتعب .


 
« 236 »
  
- والضبط والإدراك والحفظ والتذكر ، كلها من العقل ، فالعقل هو الذي نشرها .
- وما لم يكن لك جوهره . . كيف يكون لك نوره ، وما لم يكن للمرء من مذكر . . كيف يتم إيابه ؟ !
 
2295 - إن هذا التمني ( عند السمكة ) هو أيضا من قلة عقلها فهي لا تبصر حمقها لأنه طبع فيها .
- وذلك الندم إنما ينبعث من ( مجرد ) الألم وليس منبعثا من العقل المستنير كالكنز .
- وعندما ينتهى الألم يكون الندم كالعدم ولا تساوى تلك التوبة ولا يساوى ذلك الألم مثقال ذرة من تراب .
- لقد حمل ذلك الندم أثقالا من ظلمة الحزن ومن ثم فكلام الليل يمحوه النهار .
- وعندما تنقشع ظلمة الحزن ويصير سعيدا تذهب عن القلب أيضا نتيجتها وما تولد منها .
 
2300 - أنه لا يفتأ يتوب وشيخ العقل يصبح به : « ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه » .
 
[ حكاية مناقشات موسى مع فرعون ]
في بيان أن الوهم زيف العقل وخصمه ، فهو يشبهه وليس هو ، وقصه مناقشات موسى عليه السلام وكان صاحب عقل مع فرعون الذي كان صاحب وهم 
 
- إن العقل عدو للشهوة أيها الهمام وما تدور الشهوة حوله لا تسمه عقلا .
- وما يكون متسولا للشهوة سمه وهماً ، إن الوهم هو الزيف بالنسبة لذهب العقل النضار .
- ولا يتبين الوهم من العقل دون محك ، فاحمل كليهما سريعا إلي المحك
  
« 237 »
  
- هذا المحك هو القرآن الكريم وسير الأنبياء وأحوالهم ، إنها كالمحك تقول للزائف : أعرض نفسك على .
 
2305 - لترى أنت نفسك من عركى ( لأذنيك ) إنك لست أهلا لمرتفعاتى ومنحدراتى .
- ولو أن منشار اقسم العقل إلى نصفين لكان أيضا كالذهب مبتسما وسط لهيب النار « 1 » .
- إن ما كان لفرعون كان وهما محرقا للعالم ، أما العقل الذي يملأ الروح نورا فهو لموسى .
- ولقد سار موسى على طريق الفناء ، فقال له فرعون : قل لي من تكون ؟
- قال : أنا العقل رسول ذي الجلال ، وأنا حجة الله وأمان من الضلال .
 
2310 - فقال له : اصمت ، ودعك من هذا الادعاء حدثني عن اسمك القديم ونسبك .
- قال : أما نسبى فاعلم أنه من التراب أما اسمى الأصلي فهو أقل عبيده .
- وأنا عبد وابن عبد لهذا الخالق ، جئت من ( أصلاب ) عبيد وأرحام إماء .
- أما نسبى الأصلي فهو من التراب والماء والطين ، ولقد وهب الله التراب والطين قلبا وروحاً .
- ويعود جسدي الترابى هذا إلى التراب ، ومرجعك أنت أيضا إلى التراب أيها المتكبر .
 
2315 - إن أصلنا واصل كل العصاة يعود إلى التراب ، وعندي على ذلك الأمر
..............................................................
( 1 ) في نسخة جعفري ( ج - 10 / 392 ) : عنوان مناقشات موسى عليه السلام الذي كان صاحب عقل مع فرعون الذي كان صاحب وهم .
 
« 238 »
  
مائة دليل .
- وجسدك إنما يستمد وجوده من التراب ، وتلتف عنقك هذه وتغلظ في هذا التراب .
- وعند تمضى ( عنه ) الروح يتحول ثانية إلى تراب . . . في ذلك القبر المريع المخيف . . .
- وأنت أيضا ونحن وأشباهك كلنا نصير ترابا ولا جاه يبقى ( ولا عظمة ) !
- قال : إن لك اسما غير هذا النسب . . وذلك الاسم ( القديم ) هو أولى لك .
 
2320 - إن اسمك هو عبد فرعون وعبد عبيده ، وهو الذي ربى من البداية جسمك وروحك .
- إنك عبد آبق طاغ وظلوم ، وهربت من ديارك من فعلتك المشئومة .
- إنك مجرم وغادر وجحود ، هيا وطابق هذه الصفات على نفسك . . . .
- وها أنت ترى نفسك تعاني الغربة فقيرا مهلهل الثياب ، ذلك لأنك لم تؤد لنا فروض الشكر والاعتراف بالجميل .
- قال ( موسى ) : حاشا لهذا المليك أن يكون له في ألوهيته شريك ،
 
2325 - إنه واحد في ملكه ولا شريك له ولا مالك لعبيده سواه جل شأنه .
- وليس لخلقه من مالك سواه ولا يدعى مشاركته ملكه إلا هالك .
- إنه هو الذي صور وهو مصورى ، ولو ادعى غيره أنه البارئ المصور فهو ظلوم جهول .
- إنك لا تستطيع أن تخلق حاجبا واحدا في ، فكيف تستطيع معرفة روحي ؟
- بل الغادر الطاغية هو أنت ، إذ لا تفتأ تدعى مشاركة الحق ( ملكه ) .
  
« 239 » 
 
2330 - وإذا كنت قد قتلت أحد الظلمة على سبيل السهو ، فلم أقتله غضبا لنفسي ولم أقتله لاهيا . .
- ولقد وكزته فسقط على حين غرة ، لم تكن له روح « ربانية » فأسلم روحه ( الحيوانية ) .
- لقد قتلت كلبا واحدا ، لكنك قتلت من أولاد المرسلين مئات الآلاف من الأطفال دون جرم جنوه ، أو ضرر صدر منهم .
- وسوف تظل دماؤهم في عنقك ، ولتر ماذا سيحيق بك من جزاء سفكك للدماء .
- لقد قمت بقتل ذرية يعقوب ، أملا في قتلى أنا فقد كنت المطلوب .
 
2335 - لكنه برغم أنفك اصطفانى سبحانه وتعالى وانقلب ما كان تدبره .
- قال فرعون : دعك من هذا ( اللجاج والجدل ) بلا أدنى شك أيكون هذا حقي منك وجزاء الخبز والملح ؟ .
- أن تأتى وتحط من شأني أمام الخلق وتجعل النهار المضئ مظلما على قلبي ؟ .
- قال موسى : بل إن ذل القيامة أشد وطأة عليك ، إن لم تحسب حسابي فيما ( أفصله لك ) من خير وشر .
- إنك لا تستطيع أن تتحمل هنا لدغة برغوث ، فكيف ستكون إن ذقت لدغ الحية ؟ !
 
2340 - إنني أهدم أوضاعك في ظاهر الأمر ، لكني في الحقيقة أحول ما فيك من شوك إلى روضة ( غناء ) .
 
بيان أن العمارة في الخراب والجمع في التفرقة والصحة
في الانكسار والمراد في الخيبة والوجود في العدم
وعلى هذا بقية الأضداد والأزواج

« 240 »
 
 
- لقد جاء أحدهم وأخذ يحرث الأرض ، فصاح أحد البلهاء ولم يستطع صبرا ،
- ( قائلا ) : لماذا تقوم بتخريب هذه الأرض وكشفها وتحدث فيها كل هذا الاضطراب ؟ !
- فقال له : امض أيها الأبله ولا تحمل علي ، وميز ( أولا ) بين العمارة والخراب .
- فمتى ينبت منها حقل حنطة أو تنبثق منها روضة ما لم تصر قبيحة ومخربة هذه الأرض؟.
 
2345 - ومتى يمكن أن تتحول إلى بستان وفروع وأوراق وثمار . . ما لم تقلب ظهرا البطن ويصير عاليها سافلها ؟ .
- وما لم تشق بالمبضع الجرح الذي التأم على تقيح، فمتى يشفى ومتى يصير موضعه ناعما؟!
- وما لم تغسل أخلاطك بالدواء ، متى يذهب التهيج ويأتي الشفاء ؟ !
- إن الخياط يمزق الثوب إربا فهل يقوم أحد بضرب هذا الخياط الماهر ،
- قائلا له : لماذا مزقت هذا الأطلس الفاخر ؟ ! وماذا أفعل أنا بهذه القطع الممزقه ؟ .
 
2350 - وعندما يراد ببناء قديم أن يعمر ، ألا يقومون في البداية بهدم البناء القديم ؟ .
- وهكذا ألا يقوم النجار والحداد والقصاب بالهدم قبل البناء والتعمير ؟ !
- وألا يكون من دق النباتات الطبية « 1 » وسحقها الدواء الذي جعلوا منه عمارة الجسد ؟ !
..............................................................
( 1 ) حرفبيا : الإهليلج والبليلج وهما من النباتات الطيبة .


« 241 »
 
- وما لم يطحن القمح ويدق في الطاحون متى يمكن لموائدنا أن تزدان به ؟ ! 
- إن حق الخبز والملح هو الذي دفعني إلي ذلك دفعني إلى محاولة تخليصك من الشص أيتها السمكة ؟!«1»
 
2355 - فإنك تنجو أن تقبلت نصيحة موسى ، تنجو من مثل هذا الشص القبيح الذي لا نهاية له .
- إنك من كثرة ما جعلت نفسك عبدا للهوى ، قد حولت دودة صغيرة إلى أفعى .
- ومن أجل هذه الأفعى جئت أنا أيضا بأفعى ، حتى أقوم بإصلاحها قليلا قليلا .
- وحتى تخف حدة أفعاك من أفعاى وحتى تجندل أفعاي أفعاك .
- فإن تقبلت فقد نجت روحك من كلتا الحيتين ، وإلا فان الدمار لاحق بروحك لا محالة .
 
2360 - قال فرعون : إنك في الحقيقة ساحر شديد المكر ، ولقد بثثت الفرقة بمكرك هذا .
- لقد فرقت بين الجماعة المتفقة وجعلتها جماعتين ، والسحر يؤثر في الصخر والجبل . « 2 »
- قال موسى إنني مستغرق في رسالة الله ، ومتى رأى أحد سحرا مع اسم الله ؟ !
- أن الغفلة والكفر هما أساس السحر ، أما الروح الموسوية فهي مشعلة للدين .
..............................................................
( 1 ) في نسخة جعفري ( ج - 10 / ص - 401 ) عنوان جواب موسى عليه السلام على فرعون .
( 2 ) في نسخة جعفري ( ج - 10 / ص - 401 ) عنوان في نفى موسى السحر عن نفسه .
 
« 242 »
 
- وأي شبه لي مع السحرة أيها المتوقح ، إن المسيح ليمتلئ حسدا من أنفاسى .
 
2365 - وأي شبه لي مع السحرة أيها النجس ، ومن روحي تستمد الكتب النور .
- وما دمت تطير بجناحي الهوى فلا جرم أن تظن بي هذا الظن .
- وكل من تكون لديه أفعال الوحوش والفخاخ ، فلا جرم أن يظن بالكرماء ظن السوء .
- وما دمت جزءا من هذا العالم فكيفما تكون ، ترى جميع الناس على ما أنت عليه أيها المفتون .
 
2370 - وإذا كنت في سفينة تمخر عباب اليم . . ترى ساحل اليم سائرا بدوره .
- وإذا أصابك ضيق الصدر في معمعة النزال ، فإنك ترى الدنيا بأجمعها قد ضاقت بك .
- وإذا كنت سعيدا وفق ما يهوى أحباؤك فإن الدنيا تبدو لك روضة غناء .
- وما أكثر من ذهبوا إلى الشام والعراق ولم يبصروا فيها شيئا غير الكفر والنفاق .
- وما أكثر الذين ذهبوا حتى الهند وهراة ، ولم يروا شيئا إلا البيع والشراء .
 
2375 - وما أكثر الذين ذهبوا حتى تركستان والصين ، ولم يبصروا شيئا إلا المكر والخداع والكمين . « 1 »
- وإذا كان لا يمتلك من وسائل الإدراك إلا ما يدرك الألوان والروائح ، فقل له هيا طف بكل البلاد .
- ولو أن بقرة أتت فجأة إلى بغداد وأخذت تمضى فيها في هذه الناحية إلى تلك الناحية .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 402 :
وطالب أي شئ أيها الرفيق الرشيد لا يرى إلا نفس هذا الشئ الذي يطلبه .
 
« 243 »
 
- فإنها لن ترى من كل ألوان اللهو والسعادة والمتعة إلا قشر الدابوق .
- إن القش أو التبن الذي يكون ساقطا على الطريق يكون جديرا بطواف الأبقار والحمير .
 
2380 - إنها متيبسة على مسمار الطبيعة كأنها القديد ، إنها مرتبطة بما يقيم أودها ويبقيها حية . . لا تزيد .
- أما الفضاء الذي هو خرق الأسباب والعلل ، فهو أرض الله أيها الصدر الأجل .
- إنها تتبدل في كل لحظة كأنها صورة الروح ، إنك تري فيها عالما جديدا متبدلا كل لحظة .
- وكل شيء تجمد علي حالة واحدة يكون قبيحا حتى لو كان فردوس الجنة التي تجرى من تحتها الأنهار .
 
بيان أن لكل حس مدرك عند الإنسان مدركات على حدة
لا علم لها عن مدركات الحس الآخر .
هذا مثلما يجهل كل حرفى أستاذ عمل الحرفي الآخر ، وللحرفى الآخر عمل يعرفه وليس معنى أنه لا يعرف العمل الآخر أنه ليس موجودا وليست المدركات الأخرى غير موجودة بالرغم من أنه ينكرها بحكم الحال لكننا لا نزداد من إنكاره هذا الا مزيدا من الاعتقاد بغفلته في هذا المقام .
 
- إن رؤيتك للدنيا هي في مجال إدراكك . . . وحسك غير الطاهر هو حجاب بينك وبين الأطهار .
 
2385 - فاغسل حواسك فترة بماء العيان واعلم أن هذا هو المقصود بغسل الثياب عند الصوفية « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 407 : ويا من من غفلتك جهلت معنى السبب ، فصرت عبدا للأسباب حمارا فلا جرم أن صرت أعمى القلب حائرا ، صرت مضطرب الأحوال مضطرا ، افتح عينيك وانظر إلى المسبب حتى تصبح فارغا من النظر إلى الأسباب .


« 244 »
- وعندما تصير طاهرا تمزق الحجب وتحف بك أرواح الأطهار .
- وإذا كان كل العالم قد انقلب إلى نور وصور تكون العين على علم بهذا الحسن .
- لكنك أغلقت عينيك وتقدم أذنيك ، حتى تبدى لك حسناؤها وجهها وجدائلها .
- فتقول الأذن أنني لا أميل إلى الصور ، لكن الصور إن تحدثت فأنا أسمعها .
 
2390 - إنني عالمة لكن في فني الخاص بي . . وفني ليس إلا الحرف والصوت ليس أكثر .
- هيا وتعال أيها الأنف وانظر إلي هذه الحسناء لكن هذا المطلوب ليس مناسبا للأنف .
- فإن كان ثمة مسك وماء ورد فأنا أقوم بشمه ، هذا هو فنى وعلمي وخبرتى .
- فمتى أبصر أنا وجه هذا الفضي الساق ، هيا ولا تكلفنا بما لا يطاق .
- ثم إن الحس الملتوى لا يبصر إلا كل ملتو ، فسر أمامه ( يا فرعون ) معوجا أو سر صحيحا مستقيما .
 
2395 - واعلم أيها السيد السند أن عيني الأحول محرومة من رؤية الواحد .
وهذا على سبيل اليقين .
- وهذا أنت يا فرعون وكلك مكر واحتيال ، لا ترى أن ثمة فرقا بيني وبينك .
- لا تنظر إلى من ذاتك يا لاعبا باحتيال مكر حتى لا ترى الواحد اثنين بما هو فيك .
 
« 245 »
 
- وانظر إلى منطلقا من ذاتي أنا لحظة واحدة ، حتى تبصر ساحة ( موجودة ) فيما وراء الكون .
- وحتى تنجو من الضيق ومن ( تفكيرك ) في الشرف العار وترى عشقا خالصا والسلام .
 
2400 - ثم تعلم بعدها ما دمت قد نجوت من البدن ، وأنه من الممكن للأذن والأنف أن يصيرا عينا .
- وما أصدق ما قاله ذلك الملك عذب البيان : إن كل شعرة عند العارفين تصير عينا .
- ففي البداية لم يكن للجسد عين ، عندما كان في الرحم جنينا من اللحم .
- فلا تعتبر أن هذا القطعة من اللحم هي علة الرؤية وإلا لما رأى أحد الحلم في النوم يا بنى .
- وذلك الجنى والشيطان كلاهما يرى من هو من جنسه وليس في عين كل منهما شحمة .
 
2405 - وليس للنور في حد ذاته صلة بشحمة ( العين ) لقد وهبه الخلاق الودود الانتساب إليه .
- وآدم من تراب ، فمتى شابه التراب . والجنى من النار فما وجه الاشتراك بينها ؟ .
- ولا يشبه الجنى النار على أي وجه إذا دققت النظر ، بالرغم في أن النار أصل له .
- والطائر من الهواء فمتى يشبه الهواء والريح ، لكن الله جل وعلا جعل التناسب بين ما لا تشابه فيه .
- ونسبة هذه الفروع إلى أصولها لا كيفية لها إنه هو الذي وصلها .
 
« 246 »
 
2410 - وبالرغم من أن الإنسان وليد التراب الهباء ، فأي تناسب لهذا الابن مع هذا الأب ؟ !
- فإن كان ثمة تناسب فهو مخفى عن العقل ، هو بلا كيفية فكيف يفهمها العقل ؟ .
- والريح ولا عين لها إن كان جل وعلا لم يهبها البصيرة فكيف إذن تمييزها في قوم عاد ؟ .
- وكيف كانت تميز المؤمن من العدو ؟ ! وكيف كانت تميز الخمر من القرع ؟ .
- وإن لم يكن هناك عين النار النمرود ؟ ! فكيف راعت أصول الحشمة مع الخليل ؟ !
 
2415 - وإن لم يكن للنيل هذه الرؤية فمن أي شئ كان يميز بين قوم فرعون وقوم موسى ؟ !
- وإن لم يكن الجبل والحجر قد صارا من أصحاب الرؤية ، فكيف كانا يؤوبان مع داود ؟ !
- وإن لم يكن لهذه الأرض بصيرة في ذاتها فلأي أمر إذن ابتلعت قارون هكذا ؟ !
- وإن لم يكن للجذع الحنان عين قلب . . فكيف كان يرى هجر ذلك العظيم ؟ !
- وإذا لم يكن الحصى مبصرا فكيف كان يشهد في كف ( أبى جهل ) المضموم ؟ !
 
2420 - فيا أيها العقل ، أضم الجناح والقوادم واقرأ سورة « الزلزلة » .
- فكيف تحدث أخبارها يوم القيامة على ما لم تره على الأرض من خير وشر ؟ .
 
« 247 »
 
- إنها إذاك تحدث أخبارها . . وتظهر الأرض لنا أسرارها « 1 »
- وإن إرسال ( مثلي ) إلى « مثلك » أيها الأمير لبرهان على أن المرسل ( عليم ) خبير .
- إن مثل هذا الدواء لمثل هذا الجرح الذي لا يشفى جدير به مناسب له لتيسير ( علاجه ) .
 
2425 - ولقد رأيت واقعات قبل الآن ( تنبؤك ) بأن الله سوف يصطفينى ( رسولا ) .
- وإنني بعصاي والنور في يدي ، سوف أحطم قرن وقاحتك .
- ومن أجل هذا أبدى لك رب الدين ، واقعات مهيبة ومخيفة من كل نوع . .
- لكنها جديرة بما تنطوى عليه من طوية سيئة وطغيان ، ولكن تعلم أنه يعلم تماما ما يناسبك .
- وحتى تعلم أنه حكيم وخبير وإنه الشافي للأمراض التي لا تقبل الدواء .
 
2430 - لكنك كنت ترتد عنها طبقا رتأويلات عميت عنها وصممت وقلت أنها من النوم الثقيل .
- وذلك الطبيب وذلك المنجم كانا يعرفان تأويلها في ضوء علميهما لكنهما أخفياها عنك طمعا .
- وقال : بعيدا عنك وعن ملوكيتك أن يصاب بلاطك وعلمك بأي أذي .
- إن الأطعمة المختلفة والأغذية غير المناسبة . . . هي التي هيجت منك الطبع بحيث يرى هذه الأحلام .
- وذلك لأنه رأى أنك لست بالباحث عن النصيحة وأنك مندفع سفاح وليس فيك طبع المساكين.
..............................................................
( 1 ) بالعربية في النص .
 
« 248 »


2435 - إن الملوك يسفكون الدماء من المصلحة لكن رحمتهم تزيد عن غضبهم وتسبقها .
- وينبغي للمك أن يتخلق بأخلاق الله - وإن تسبق رحمته غضبه .
- فلا يكون الغضب غالبا عليه كالشيطان ويسفك الدماء بلا ضرورة من أجل المكر .
- ولا ينبغي أن يكون له حلم كحلم المخنث بحيث تفسد نساؤه وجواريه وينقلبن إلى بغايا .
- لقد جعلت الصدر منزلا للشيطان ، واصطنعت الحقد قبله لك .
 
2440 - وما أكثر الأكباد التي جرحها قرنك الحاد، وها هي عصاي قد كسرت قرنك الوقح.
 
هجوم أهل هذه الدنيا على أهل الآخرة والهجوم حتى حدود الذر
والنسل وهي على حدود الغيب وغفلتهم عن الكمين
فإن الغازي إن لم يخرج للغزو هجم عليه الكافر .
 
- لقد هاجم جيش أهل الجسد قلاع أهل الروح وحصونهم .
- وذلك حتى يحاصروا بشدة قلعة الغيب ، حتى لا يخرج منها أحد طاهر الجيب .
- وعندما يقلل الغزاة من قيامهم بالغزو والجهاد فإن الكفار في المقابل ( يتوقحون ) ويقومون بالهجوم .
- وعندما لم يحمل عليك غزاة الغيب من حلمهم يا قبيح المذهب
 
2445 - قمت أنت بالهجوم على متحصنى الغيب، حتى لا يأتي رجل الغيب من تلك الناحية!
- وضربت بمخلبك في الأصلاب والأرحام ، حتى تقطع السبيل من السوء الذي فيك .
 
« 249 »
 
- فكيف إذن تسد الطريق الرئيسي الذي وهبه ذو الجلال من أجل التوالد والتناسل ؟ ! 
- وصرت سداً أمام الحدود والطرق إيها اللجوج المجادل . . وبرغم إنفك خرج قائد الهى وعبرها إليك .
- وها أنا القائد . . . . أحطم فوجك ، وباسمه جل وعلا أحطم ( ما تفكر فيه ) من شرف وعار .
 
2450 - فهيا وسد كل الطرق والسبيل بما أوتيت من قوة ، واسخر من شاربك فترة من الزمن .
- فإن القضاء الإلهي يقلع شاربك شعرة شعرة . .حتى تعلم أنه عندما يأتي القدر يعمى الحذر.
- فهل يا ترى أأنت أكثر كبرياء أم قوم عاد ، التي كانت ترتعد من أنفاسهم البلاد ؟ !
- وهل أنت أكثر عنادا أو قوم ثمود ، الذين لم يأت مثلهم في الوجود ؟ !
- وإنك كرجل أصم إن ضربت لك مئات الأمثال لن ترعوى فأنت تسمع وتتجاهل ما سمعت .
 
2455 - لقد تبت عن الحديث ( إليك ) وبدون حديث مزجت لك الدواء ( الجدير بك ) .
- فلأضعه على جرحك الفج حتى يصير ناضجا، ولا يقوم بإحراق لحيتك وشاربك إلى الآبد .
- حتى تعلم أنه خبير أيها العدو ، ويعطى لكل امرئ ما يناسبه ( وما هو خليق بفعله ) .
- فمتى قمت بتصرف أعوج أو ارتكبت شرا ولم تر ما هو جدير به في أثره ؟ .
 
« 250 »
 
- ومتي توجهت إلى السماء بدعاء خير أو فعل خير . . ولم يأت مثله في أثره ؟ !
 
2460 - إنك إن كنت مراقبا ويقظا فإنك تشاهد في كل لحظة جواب فعلك .
- وعندما تكون مراقبا متمسكا بالحبل المتين ، فإنك لن تكون في حاجة إلى ( انتظار ) قيام الساعة . .
- وذلك الذي يعلم الرمز العلم الصحيح . . لا تكون بحاجة إلى القول الصريح .
- لقد حل بك هذا البلاء من غبائك ذلك لأنك لم تفهم النكات والرموز .
- وما دام القلب قد صار كدرا أسود من السوء فافهم ، فلا مجال للحيرة هنا .
 
2465 - والإصار ذلك الكدر نفسه سهما . . ونفذ فيك جزاء حيرتك .
- وإن لم يأت السهم فهذا من عطاء الله ليس من أجل أن دنسك غير مرئى .
- فانتبه وكن مراقبا إن كنت تريد قلبا ، ففي أثر كل فعل يتولد فيك شئ ما .

- وإن كانت همتك ترقي بك إلي ما هو أكثر ، فإنك من المراقبة تمضى إلى ما هو أسمي .

بيان أن الجسد الترابى للإنسان مثل الحديد حسن الأصل قابل للتحول إلى مرآة ،
بحيث يعاين فيه وهو في الدنيا الجنة والنار والقيامة وغيرها ،
لا على سبيل الخيال .
 
- فإذا كنت كالحديد كدر الهيكل ، فقم بصقله ، قم بصقله قم بصقله .
 
2470 - حتى يصير قلبك مرآة مليئة بالصور ، وفي كل ناحية فيه مليحة مضيئة الصدر .
 
« 251 »
 
- وبالرغم من أن الحديد كدر لا نور فيه ، فإن الصقال محا ذلك الكدر عنه .
- لقد عانى الحديد الصقل ، وجلا ( الصقال ) وجهه ، بحيث أصبح من الممكن رؤية الصور فيه .
- وهكذا الجسد الترابى بالرغم من أنه غليظ كدر ، قم بصقله فهو أيضا قابل للصقل .
- حتى تنعكس فيه أشكال الغيب وتشاهد فيه صور الحور الملائكة .
 
2475 - لقد أعطاك الله صيقل العقل ، حتى تنجلى به صفحات القلب .
- فقيدت هذا الصقال يا أيها الجنب ، لكنك أطلقت كلتى يدي الهوى والهوس .
- ولو أنك قيدت الهوى ، لأصبح الصقال مطلق اليد .
- ولكان الحديد مرآة للغيب ، ولانعكست فيه كل الصور .
- لكنك جعلته كدرا وران عليه الصدأ من الأساس، وهذا هو معنى يسعون في الأرض الفساد.
 
2480 - وهكذا هو فعلك وديدنك فاقلع عن هذا الأمر الآن ، لقد عكرت الماء فلا تزد في تعكره .
- لا تعكره ، حتى يظل هذا الماء صافيا ، حتى ترى القمر والكواكب سابحة فيه .
- وذلك لأن الإنسان علي مثال جدول الماء عندما يتكدر لا تبصر له قاعا .
- وقاع هذا الجدول ملىء بالجوهر وملئ بالدر فانتبه ولا تكدره فإن له وجودا صافيا وحرا .
- وأرواح الناس على مثال الهواء لكنها عندما تمتزج بالتراب تصير حجايا على السماء .
 
« 252 »
 
2485 - ويصير مانعا لرؤية الشمس ، وعندما يمضي عنه الغبار يصير صافيا حرا .
- وبرغم الكدر المطبق فإن الحق سبحانه وتعالى بين لك من الوقائع ما يجعلك تمضى في طريق النجاة « 1 » .
 
ذكر موسى عليه السلام لأسرار فرعون وما وقع له بظهر الغيب
حتى يؤمن بأن الحق خبير أو يظن ذلك .
 
- ومن الحديد الكدر أخذ يبدي بقدرته الوقائع التي كانت ستحدث فيما بعد .
- حتى يجعلك ذلك تكف عن الظلم والأذى ، لكنك كنت ترى كل ذلك فتزداد سوءا وعتوا .
- لقد كان يبدي ذلك الصور المفزعة في نومك ، وكنت تفر منها وهي صورك أنت .
 
2490 - مثل ذلك الزنجي الذي رأى وجهه قبيحا في المرآة فغاط عليها ( قائلا ) :
- يا لك من قبيحة إنك جديرة بهذا فحسب ، ( وهي تقول ) : إن قبحى هو فيك أيها الأعمى الخسيس .
- إنك تغوط على وجهك القبيح لا على ، فأنا مضيئة منيرة .
- أحيانا كنت ترى ( في النوم ) أن ملابسك تشتعل نارا وأحيانا كنت ترى أن عينيك وفمك قد خيطا .
- واحياناً تري وحشاً يهم بسفك دمك ، أو ترى رأسك بين أنياب حيوان مفترس .
 
2495 - حينا ترى نفسك متقلباً في مرحاض أو غريقا في سيل عرم من الدم « 2 »
..............................................................
( 1 ) هذا البيت في نسخة جعفري ( ج - 10 / 433 ) بعد العنوان وبدلا منه يوجد بيت ( 10 / 438 ) والنتيجة يا خاليا من السرور لا تقلل الصقل والجلاء والله أعلم بالصدور .
( 2 ) ج / 10 - 433 :
أحيانا ترى بنفسك ساقطا منقلبا حقيرا ، أحيانا ترى نفسك مقيد اليدين تحت التعذيب 
- أحيانا ترى نفسك مغلولا في القيد ، وأحيانا يدق على جمجمتك كأنها الطبل ! !
 
« 253 »
 
- وأحياناً يهتف بك هاتف من هذا الفلك النقى : إنك شقى شقى شقى .
- وأحيانا يهتف بك هاتف صراحة من الجبال قائلا لك : إمض إنك من أصحب الشمال .
- وحينا يأتيك النداء من كل جماد هاتفاً سقطت فرعون في الجحيم إلى أبد الآباد « 1 » .
- وهناك ما أسوأ ولا أذكره لك حياء ، حتى لا يزداد طبعك المعكوس سوءا .
 
2500 - لقد ذكرت لك قليلا يا من لست تقبل وتعلم من هذا القليل أنني على علم ( بما خفى من أمرك ) .
- ولقد جعلت من نفسك أعمى ومذهولا حتى لا تفكر في الأحلام وهذه الوقائع !
- وحتام تهرب ؟ ها هو قد حل إمامك برغم إداركك الذي يفكر في المكر.
 
بيان أن باب التوبة مفتوح
 
- هيا لا تقم على ما أنت فيه واحترز فمن العفو (الإلهى) باب التوبة مفتوح (دائماً) « 2 ».
- وهناك في الطرف الغربى باب للتوبة يكون مفتوحاً أمام الورى حتى القيامة .
 
2505 - وإلى أن تطلع الشمس من المغرب يظل هذا الباب مفتوحاً فلا تحول الوجه عنه .
- ومن الرحمة ( الإلهية ) توجد للجنة ثمانية أبواب ، منها باب التوبة يا بنى .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 433 .
وأحيانا يأتيك النداء من كل نبات لقد صار فرعون طريد الأبد مهزوماً .
( 2 ) هذا البيت في نسخة جعفري ( ج - 10 - ص - 433 ) قبل العنوان والأصح أن يكون بعده .
 
« 254 »
 
- تكون كلها حيناً مفتوحة وحيناً مغلقة إلا باب التوبة فهو دائماً مفتوح .
- هيا واغتنم سريعا ذلك الباب المفتوح ، وارحل إلى ذلك المكان بالرغم من حسادك وأعدائك « 1 » .
 
قول موسى عليه السلام لفرعون : إقبل منى نصيحة واحدة
وخذ عوضا عنها أربع فضائل
 
- هيا اقبل منى نصيحة واحدة ، واعمل بها ، وخذ في مقابلها أربع فضائل .
 
2510 - قال له : يا موسى ما هذا الشئ الواحد حدثني مفسراً نبذة عنه .
- قال : هو أن تقول على الملأ لا إله الا الله .
- خالق الأفلاك والأنجم في طباق السماوات ( وخالق ) البشر والشياطين والجن والطير .
- خالق البحار والأودية والجبال والصحاري ، ملكه بلا حد ولا شيبه « 2 » .
- قال : يا موسى ما هذه الفضائل الأربعة التي سوف أنا لها في المقابل هيا قل وهاتها .
 
2515 - فلعله من لطف هذا الوعد الحسن ، تهن أوتاد كفرى الأربعة .
- وربا من هذه الوعود الطيبة ، ينفتح قفل كفرى ( الذي يزن ) مائة مَن .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 436 : وذلك قبل أن يغلق الباب من الغضب ولا يسمع أحد بعدها ضراعتك واستغاثتك أقلع عن الكفر وأعثر على الباب ثانية : حتى لا تكون من شقائك مطرودا من الباب .
( 2 ) ج / 10 - 438 :
هو الحافظ لكل شيء وكل إنسان وكل مكان وهو رازق كل حي في الدنيا وهو الحافظ للأرض والسماء وهو المبدع للورود من النبات 
- وهو المطلع على ضمير عبده وهو الحاكم الجبار على المتكبر وهو الملك فوق كل ملك وحكمه أن « يفعل ما يشاء » .
 
« 255 »
 
- وربما من تأثير نهر العسل ، يتحول سم الحقد الموجود في جسدي إلى شهد .
- أو من صورة جدول ذلك اللبن الطاهر ، يجد العقل الأسير التربية لحظة واحدة .
- وربما من انعكاس أنهار الخمر تلك أثمل وأشم رائحة من لذة الأمر .
 
2520 - وربما من لطف أنهار الماء تلك ، يجد النضرة جسدي البور الخراب .
- وتنبثق الخضرة من الأرض الخراب في ، وتتحول أجمة الشوك الموجودة في إلى جنة المأوى .
- وربما من تجلى الجنة والأنهار الأربعة ، تصبح الروح بعون الحق طالبة للحق .
- فإنني قد انقلبت من انعكاس نار الجحيم علىّ إلى نار ، وصرت غريقاً في غضب الله .
- أحيانا من انعكاس غاشية الجحيم علىّ صرت كالحية ، ممطراً للسم على أهل الجنة .
 
2525 - وأحيانا من انعكاس غليان ماء الحميم ، جعل ماء ظلمي الخلق كالرميم .
- فأنا من انعكاس الزمهرير زمهرير ، أو من انعكاس ذلك السعير على سعير .
- فأنا جهنم على الدرويش والمظلوم الآن وويل لذلك الذي أجده ضعيفاً فجأة « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 239 :
يا موسى : ربما يفتح لي الباب وأصير على علم بالفضائل 
- وعلني أجد الإيمان يا موسى وانجو من كثرة الأنية والكبرياء 
- هيا قل لي ما هذه الأربعة التي ستهبها لي عوضاً وعددها!
 
« 256 »
 
تفسير موسى عليه السلام لهذه الفضائل الأربعة
كثمن لإيمان فرعون
 
- قال موسى : أول تلك الأربعة أن يتمتع جسدك بصحة ثابتة ( لا تزول ) .
- وتبتعد عن جسدك كل تلك العلل التي تحدثوا عنها في كتب الطب أيها العظيم .
 
2530 - والثانية : أن تعمر طويلا فإن الأجل سوف يخشى المجئ إليك .
- ولن يحدث لك بعد أن تعيش عمراً عادياً ، أن تغادر هذه الدنيا محروماً .
- بل تكون أنت نفسك طالباً للأجل كما يطلب الرضيع اللبن ، ليس لأنك أصبحت فريسة لمرض أو تعب .
- إنك تكون باحثاً عن الموت ، لكن ليس ( هرباً ) من عجز المرض ، بل لأنك ( بت ) ترى في الخرابة كنزاً .
- فتحمل البلطة بيديك أنت وتأخذ في هدم المنزل دون تردد أو تفكير .
 
2535 - ذلك ترى المنزل حجاباً ( وعائقاً ) أمام الكنز ، فتلقى بهذه الحبة في النار وتحترف حرف الرجال « 1 » .
- فيا من قعدت عن الروضة من أجل ورقة واحدة وكأنك دودة أقعدتها ورقة واحدة عن ( تلك ) الكرمة .
- لكن الكرم ( الإلهى عندما أيقظ هذه الدودة ، ابتلعت هذه الدودة أفاعي الجهل .
- وصارت الدودة الحقيرة كرمة مليئة بالثمار والأشجار ، وهكذا يتبدل السعيد ( بالإقبال الإلهى ) .
..............................................................
( 1 ) هنا بيت زائد في نسخة جعفوى ج / 10 - 441 :
فتهدم منزل الجسد بلا إمهال حتى يسطع قمرك من خلف السحاب .
 
« 257 »
 
تفسير كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف
 
2540 - اهدم المنزل ، فمن عقيق هذا اليمن ، يمكن بناء مئات الآلاف من المنازل « 1 » .
- فالكنز تحت المنزل ولا محيص من هذا ، لا تتوقف ولا تظن أن ( الأمر ) خراب .
- فإنك إن حصلت على هذا الكنز ، تستطيع أن تبنى آلاف المنازل بلا نصب أو تعب .
- ثم إن هذا المنزل سوف يتهدم في النهاية من تلقاء نفسه وعلى وجه اليقين سوف ينكشف الكنز من تحته .
- لكنه ( آنذاك ) لن يكون لك ، فإن الروح جعلت الهدم هو الثمن لهذا الفتوح .
 
2545 - وما لم يقم أحد بهذا العمل فلا أجر له ، إذ« لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ».
- حينذاك سوف تعض بنان الندم قائلًا : وا أسفاه ، لقد كان مثل هذا القمر مخفيا خلف السحاب .
- إنني لم أفعل ما أخبروني به من خير فضاع المنزل وضاع الكنز وأصبحت خاوى اليه « 1 » .
- لقد اتخذت منزلًا بالأجر والكراء فهو ليس لك ببيع أو شراء .
- وهذا الكراء مدته حتى الأجل ، وحتى تقوم خلال هذه الفترة بالعمل فيه .
 
2550 - إنك تقوم بخصف النعال في دكان وتحت هذا الدكان منجمان .
..............................................................
( 1 ) البيت في نسخة جعفري قبل العنوان ( ج - 10 / 441 ) .
 
« 258 »
 
- وهذا الدكان بالكراء فأسرع وخذ بلطتك وداوم على حفر قاعه .
- حتى تدق البلطة فجأة على المنجم والكنز ، فتتخلص من ( العكوف ) على الدكان وعلى خصف النعال .
- فما هر خصف النعال وترقيعها ؟ ! أنه أكل الخبز وشرب الماء ، إنك تضع هذه الرقعة على خرقة مثقلة ( بالرقع ) .
- إن خرقة جسدك تتمزق في كل لحظة ، فتضع ، عليها رقعة من طعامك هذا .
 
2555 - ويا من أنت من نسل الملك الموفق ، عد إلى نفسك واشعر بالعار من وضع الرقع ! - واقتلع قطعة من قاع الدكان ، حتى يطل عليك المنجمان ! .
- وذلك قبل أن تنتهى فترة الايجار ولا تكون قد نلت منه أي ثمرة .
- ثم يخرجك صاحب الدكان منه ، ويهدم هذا الدكان من فوق المنجم .
- وحينذاك تضرب من الحسرة رأسك بيدك . . وتأخذ حيناً في اقتلاع لحيتك الساذجة .
 
2560 - صائحا : وا أسفاه لقد كان هذا الدكان لي وكنت أعمى فلم أستفد من هذا المكان « 1 » .
- وا أسفاه ، إن وجودنا قد ضاع أدراج الرياح . . وصار ( وردنا ) إلى الأبد يا حسرتا على العباد « 2 »
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 433 :
لقد كان هذا المنزل حائلا دون الكنز وحجابا عليه وكانت هذه الحبة مانعة لمائة بدر .
( 2 ) ج / 10 - 444 :
وآسفاه لقد فرطت في الكنز ، وردمت ماء الحيوان بالتراب .


« 259 »
 
اغترار الإنسان بذكائه وما يصوره له طيعه وعدم طلبه
لعلم الغيب وهو علم الأنبياء
 
- ( وآسفاه ) لقد رأيت في هذا المنزل صوراً ورسوماً ، وصرت من عشقى إياه ( دنفا ) لا يقر لي قرار . « 1 » 
- وكنت جاهلًا بأمر الكنز الخفي وإلا لما فرطت يدي في الطبر .
- آه لو كنت قد أعطيت للطبر حقه ، لبرئت هذه اللحطة من الأحزان ( والندم ) .
 
2565 - كنت ألقى بأنظارى على الصور والنقوش ، كنت أزاول معها ألوان العشق كالأطفال .
- وما أحسن ما قاله أذن ذلك الحكيم العظيم ، إنك طفل والمنزل ملئ بالصور والزخارف .
- لقد ساق كثيراً من النصائح في « الهى نامه » وقال : فلتضح ( في هذه الدار ) بنسلك وأهلك .
- كفاك يا موسى هيا وحدثني عن الوعد الثالث فقد ضاع منى القلب شعاعاً .
- قال موسى : الفضيلة الثالثة أن يكون لك ملك الدارين خالصاً ( خاليا ) من الخصوم والأعداء .
 
2570 - إنه أكثر من الملك الذي أنت فيه ، فهذا حرب وخصومه أما ذلك فهو سلام وصفاء .
- وذلك الذي يهبك وأنت خصم له مثل هذا الملك ( تصور ) أية مائدة يمدها إليك وأنت في صلح معه .
..............................................................
( 1 ) ج / 1 - 444 :
وا أسفاه وا أسفاه لقد اختبأ قمري تحت السحاب .
 
« 260 »
 
- وذلك الذي وهبك كل هذا الكرم وأنت في جفاء ( معه ) تصور إن وفيت معه أثمة شئ واحد ينقصك .
- قال : يا موسى . . ما هي الرابعة ؟ ! قلها سريعا . . لقد نفد صبري ، وزاد حرصي .
- قال : الرابعة إنك تظل دائم الشباب ، شعرك ( في سواد ) القار ووجهك ( في حمرة ) الأرجوان .
 
2575 - إن ( سوق ) الألوان والروائح شديد الكساد عندنا ، ولا قيمة لها . . لكنك دنى . . وجعلت الكلام دنياً .
- إن الفخر بالألوان والروائح والمكانة هو سرور للأطفال وخداع لهم .
 
تفسير هذا الخبر القائل : كلموا الناس على قدر عقولهم لا على قدر
عقولكم حتى لا يكذب الله ورسوله
 
- ما دمت أتعامل مع طفل ، فينبغي على أن أطلق لسان الأطفال ( وأتحدث بلغتهم ) .
- قائلًا : هيا ، اذهب إلى الكتاب واشترى لك طيراً وآتيك بالزبيب والجوز والفسدق .
- إنك لا تعرف إلا شباب الجسد فخذه . . خذ هذا الشباب كما يأخذ الحمار الشعير .
 
2580 - فلاغضون تقع على وجهك أبدا . . يبقي نضرا دائما شبابك الغض .
- فلا وهن من الشيخوخة يحيق بك ، ولا قامتك الممشوقة كالسرو تنحني .
- ولا تضعف فيك حميا الشباب ، ولا يطرأ على اسنانك خلل أو ألم .
- ولا في الشهوة والجماع والبعال ، يتأتى للنساء من ضعفك الضيق والملال .
 
« 261 »
 
- كذلك تتفتح لك نضرة الشباب ، كما فتحت تلك البشرى لعكاشة الباب .
 
قوله عليه السلام من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة
 
2585 - كان انتقال أحمد نبي آخر الزمان ( إلى بارئه ) ( معلوماً لديه ) أنه يحل في ربيع الأول بلا جدال .
- وعندما علم قلبه بخبر انتقاله ، صار عاشقاً لهذا الوقت بكل عقله . .
- وعندما حل صفر . . سُرَّ من صفر ، قائلًا : بعد هذا الشهر يكون السفر .
- وكل ليلة كان يظل حتى طلوع الصباح من شوقه إلى الهدى يصيح يا رفيق الطريق الأعلى ( من الجنة ) .
- قال : من بشرني بانقضاء شهر صفر وخروجه من هذه الدنيا
 
2590 - وأن صفر قد ولى وحل شهر ربيع أكون مبشره ( بالجنة ) وشفيعه ( يوم القيامة ) .
- فقال عكاشة : لقد مر صفر وولي ، فقال له - عليه السلام - : لك الجنة أيها الهزبر الورد .
- فجاء آخر : لقد مضى صفر وانقضى ، فقال له عليه السلام : سبقك بها عكاشة .
- إذن فالرجال يفرحون من الانتقال من هذا العالم ، ومن البقاء فيه يفرح أولئك الأطفال .
- وما دام ذلك الطائر الأعمى لم ير الماء العذب يبدو أمامه الماء المالح كالكوثر .
 
« 262 »
 
2595 - وهكذا أخذ موسي - عليه السلام - يعدد له الكرامات قائلًا له : إن صفو اقبالك لن يتحول إلى كدر « 1 » .
- قال فرعون : أحسنت وقلت خيراً . . لكن على ( أولا ) أن استشير صديقاً طيباً .
 
مشورة فرعون مع آسية في الإيمان بموسى عليه السلام
 
- لقد قص على آسية ما حدث . . . فقال : جد بروحك من أجل هذا يا أسود القلب .
- إن هذا المقال يحتوى على كثير من ألوان العناية ، فأدركه سريعاً يا ملكاً طيب الخصال .
- لقد آن أوان الغراس فيا له من غراس كثير النفع ، قالت هذا وانخرطت في البكاء وحل بها الوجد .
 
2600 - ثم قفزت من مكانها وقالت : بخ لك ، لقد صارت شمس تاجا لك أيها الأقرع .
- وعيب الأقرع يخفيه التاج ، خاصة عندما يكون التاج هو الشمس والقمر .
- فكيف لم تجب بالإيجاب ولم تردد مائة مرحى في نفس المجلس الذي سمعت فيه هذا ( الحديث ) ؟ .
- فلو كان هذا الكلام قيل في إذن الشمس لهبطت منقلبة بتأثير شذاه .
- الست تدرى أبدا أي وعد هذا وأي عطاء ؟ ! إنه أشبه بإحساس الحق بافتقاد إبليس .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 455 :
أن لن ينقلب صافي أقبالك كدر ولن يتحول أطلس حظك إلى بردة ، وكل ما تريده تجده من الإقبال الفتى تبقى مسروراً ولا تنقلب عاجزاً .
 
« 263 »
 
2605 - وما دام الكريم قد دعاك بهذا اللطف ، فوا عجبا أن قلبك « 1 » . ظل في موضعه ولم يتمزق .
- لم يتمزق قلبك . . حتى يكون لك من ذلك القلب نصيب في الدارين .
- والقلب الذي يتمزق من أجل الله ، يكون صاحبه كالشهداء ذا نصيب في الدارين .
- إن الغفلة أيضاً من الحكمة ، وهذا العمى يبقى لكن لماذا إلى هذا الحد ؟!
- إن الغفلة حكمة ونعمة . . وذلك حتى لا يطير رأس المال سريعاً من البد . .
 
2610 - لكن ليس إلى ذلك الحد الذي تصبح فيه مرضا مستعصيا ، وتصبح مرضا للعقل وسما للروح .
- ويا ترى . . . من الذي يجد مثل هذا السوق الذي تُشترى به روضة بوردة واحدة ؟! 
- والذي تعرض فيه الحبة الواحدة بمئات من أجمات الأشجار ، ومثقال حبة من ذهب تجازى عليها بمائة منجم ؟ .
- إن هذه الحبة إن أعطيت ( في سبيل الله ) وكانت لله ، فإن حاصلها أن يكون الله للعاطى .
 
2615 - وهذه الهوية الفانية عندما أودعت نفسها إياه ، صارت باقية دائمة ولم تمت قط .
- مثل قطرة الماء الخائفة من الريح والتراب . . إذ إن هلاكها يكون منها .
- عندما أهرعت إلى أصلها أي البحر، نجت من حرارة الشمس ومن الرياح والتراب.
- لقد تاه ظاهرها في البحر فحسب ، لكنها ذاتها ( بقيت ) معصومة طاهرة طيبة .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : مرارتك .
 
« 264 »
 
- هيا فلتسلمى نفسك أيتها القطرة بلا ندم ، وفي مقابل القطرة تحصلين على بحر عباب .
 
2620 - هيا أيتها القطرة وامنحى نفسك هذا الشرف ، وصيرى في كف البحر آمنة من التلف ! 
- ترى من حصل على مثل هذا الإقبال بحيث أنه في مقابل قطرة واحدة صار مطالباً ببحر .
- بالله عليك ، بالله عليك قم سريعا بهذا البيع والشراء ، اعط قطرة واحدة وخذ بحرا مليئاً بالجوهر .
- بالله عليك بالله عليك لا تتمهل لحظة واحدة فان هذا الحديث جاءك من بحر اللطف « 1 » 
- ان اللطف ( الأرضي ) ليتوه في لطف هذا ( الباري ) ، ( فمنه ) يتسامى ( المخلوق ) إلى الفلك السابع .
 
2625 - هيا ، لقد وقع أمر عجيب ولا يجد طالب مثله ، فاطلبه أبدا « 2 »
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 460 :
- بالله عليك عليك أسرع وابحث أن هذا هو بحر الرحمة وليس جدولًا .
- بالله عليك كن كرة بلا رأس ولا قدم وحتى يصبح صولجان موسى قدماً لك .
- بالله عليك لا تسئ الظن بهذا اللطف العام أيها الغافل .
- بالله عليك أدركه سريعا يا فتى حتى لا تفنى في رؤيتك الخاطئة .
- بالله عليك فلتترك وجودك فمادام قد عاد فاذهب أيها المعتمد .
- بالله عليك أذهب متعجلًا مع هذه الإشارة دون أن تبتئس ! !
- بالله عليك لقد تصرفت باعوجاج حتى الآن ورفعت عنقك في المعصية .
- بالله عليك لقد وصلت العناية نفسها وخالقها دون إمهال أيها الفتى .
- بالله عليك ما دام لم يرد ألوان عصيانك ويصك بها وجهك اشكره
- بالله عليك ما دام قد أعطاك طريق من الفضل ينبغي أن تضع رأسك على موطئ قدمه .
( 2 ) ج / 10 - 460 :
فلتقبل هذه الخلع الأربعة بأسرع ما تستطيع حتى ترى عوضاً عنها مائة عز ونفع .
 
« 265 »
 
- قال ( فرعون ) : بل علىَّ أن أخبر هامان أيتها السيدة ، فلا بد للملك من رأى الوزير .
- قالت : إياك أن تبوح بهذا السر لهامان، فأي علم للعجوز المهدمة (بتربية) البازي؟!

.
* * *
شرح قصة ذلك الجدول والصيادين والسمكات الثلاثة العاقلة ونصف العاقلة
 وقد ذكر مولانا مصدر الحكاية لكنه استدرك بأنها في كليلة ودمنة مجرد صورة لكنها في المثنوى روح ومعنى .
 
( 2206 - 2212 ) السمكة العاقلة الحازمة لم تقدم حتى بمجرد استشارة رفيقتها فهي بعقلها وحزمها أدركت أن مشورة من يقل عقلا أو يعدمه خالية من القيمة وإنه من الممكن أن يثبطاها عما عزمت عليه . .
ومن ناحية أخرى كانت تعلم أنها سوف يحدثانها عن حب الوطن وأن الهجرة عن هذا الوطن أمر صعب على نفسيهما : فالمسافر عليه أن يستشير مسافرا مثله ، استشر عموما من هو
« 538 »
 
في مثل حالتك أو من خبرها أو من مرت عليه ، سل حكيما وسل عالما ، إن هاتين السمكتين سوف تتعللان بحب الوطن وحب الوطن من الإيمان حديث صحيح لكن متى كان المقصود هو هذا المكان الذي نعيش فيه وهل نسيت أن وطنك الحقيقي هو في تلك الناحية ، هو ذلك الذي خلقت أولا فيه ونفيت عنه ومن واجبك أن تعود إليه ، فاقرأ الحديث لكن لا تقرأه مقلوبا ، إن الله يرغبك في أن تعمل لكي تعود إلى وطنك لا أن يكون همك هذا التراب الذي تعيش عليه والدنيا التي تحجب عنك الوطن الحقيقي وقد أشار عبد الباقي ( 4326 ) إلى أن المعنى مأخوذ من قول للإمام على « إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب وما شئ بينهما كلما قرب عن واحد بعد منى الآخر وهما بعد ضرتان ( نهج البلاغة - فيض الإسلام / 1003 ) أدرك هذا وإلا صرت مثل الذي قلب الدعاء عند الوضوء .
 
( 2213 - 2220 ) الخبر الذي يشير إليه مولانا جلال الدين في هذه الأبيات :
إذا أردت الشروع في الوضوء تقول أولا : نويت الوضوء لله تعالى ورفعا للحدث والاستباحة للصلاة ، ثم بعد الاستعاذة والبسملة تقول : اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ،
فإذا تمضمضت تقول :
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعنى على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ، فإذا استنشقت بأنفك اطلب من الرب الغنى رائحة الجنان وقل اللهم أرحنى رائحة الجنة وارزقني من نعيمها ولا ترحنى رائحة النار ،
وإذا غسلت وجهك تقول :
اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وإذا غسلت يدك اليمنى تقول اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبنى حسابا يسيرا ، وإذا غسلت يدك اليسرى تقول : اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي وتحاسبنى حسابا
 
« 539 »
 
عسيرا ، وإذا مسحت رأسك تقول : اللهم غشني برحمتك وأنزل على من بركاتك وأظلنى تحت ظل عرشك ، وإذا مسحت أذنيك تقول : اللهم اجعلني ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأسمعنى منادى الجنة مع الأبرار ، وإذا مسحت رقبتك تقول اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال ، وإذا غسلت رجلك اليمنى تقول اللهم ثبت قدمي على الصراط مع أقدام المؤمنين ، وإذا غسلت رجلك اليسرى تقول اللهم أعوذ بك من أن تزل قدمي على الصراط يوم تزل أقدام المنافقين ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم « من ذكر الله عند الوضوء طهر جسده فإن لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء ( مولوى 4 / 306 ) وعند الاستنجاء يستحب أن يدعى الله سبحانه وتعالى بأن يطهر النفس من جنابتها وأن ينقى الباطن من الأدران : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من العلماء الراشدين واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( أنقروى 4 / 499 ) .
 
( 2221 - 2230 ) هذا المثال الساخر ورد في مقالات شمس الدين التبريزي ( مقالات شمس ص 361 مآخذ / 143 ) إن الدعاء صحيح لكن موضع الدعاء خطأ . . وهذه الشطرة ضل فجوة الدعاء أو اشتبهت عليه فجوة الدعاء مما يجرى مجرى الأمثال الساخرة في اللغة الفارسية لمن يطلب الشئ طلبا صحيحا لكنه يطلبه من غير موضعه أو في غير أواه أو للذي يستخدم الشئ في غير موضعه ( انظر داستانهاى أمثال ص 284 )
 ويضرب مولانا هذا المثل لخطأ ذلك الذي يذكر حب الوطن من الإيمان على أساس أن الرسول عليه السلام يقصد به هذا الوطن في الدنيا ، بل هو وطن الآخرة ، كما أن رائحة الجنة بفتحة الأنف وليس بهذه الفتحة الدنيا . . .
وهذا التفسير يمكن أن يكون أبلغ رد على دعاة القومية الضيقة الذين يعبدون التراب ، ويستشهدون بها الحديث
 
« 540 »
 
قائلين إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى حب الوطن ، غافلين عن أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى وطن ما فهو على الأقل هذا الوطن الذي ينضوى تحت رسالته وهو العالم أجمع أو حيثما يرتفع أذان من مسجد والرأي ما قاله العارفون .
 
( 2231 - 2234 ) تكون الشورى والخطر جاثم وماثل ووشيك ضربا من الحماقة ، أو عندما يكون ما على الإنسان أن يفعله واضحا ولا مجال فيه للاختيار بين رأيين ، فالسمكة العاقلة أو الرجل الحازم العاقل لا يضيع وقتة عند الخطر ، ويضرب المثل في الشطرة الثانية بالإمام على رضي الله عنه وتأوهه في البئر بدلا من أن يفشى الأسرار ، وفحوى الإشارة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر ببعض الأسرار إلى سيدنا على . . .
وطلب منه عدم إفشائها وبعد عدة أيام ضاق صدره عن حملها . . فذهب إلى بئر وأسر إليه ببعض ما عنده فتحول ماء البئر إلى دم ومر الرسول بهذا البئر فطلب من بعض صحابته أن يستخرجوا منه بعض الماء . فوجدوه دما فقال صلى الله عليه وسلم ما هذا إلا لأن علىَّ تكلم فيه بالسر ( المولوي 4 / 309 - الانقروى 4 / 503 )
وزاد السبزواري على الرواية إن عليا رضي الله عنه قال حديث طويل رواه كميل آه آه إن هاهنا لعلما جمالو أصبت له حملة ( سبزوارى 4 / 304 ) وقد نظم العطار الجزء الخاص بمرور الرسول على الرسول على البئر في منظومته منطق الطير فقال نزل المصطفى في موضع من الطريق ،
فقال هاتوا الماء للمعسكر من البئر فذهب ثم عاد مسرعا قائلا : إن البئر ملىء بالدم ولا ماء فيه فقال لعله من الألم الذي أصابه عندما بث المجتبى فيه أسراره
( منطق الطير الأبيات 523 فما بعدها ) ويضيف المولوي رواية أخرى إن قصب الناى نبت في البئر فجاء شاب وقطع منه عودا أخذ ينفخ فيه فاسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يخبرني عن
 
« 541 »
 
الأسرار التي قلتها لعلى والرواية هنا محرفة عن حكاية لسنائى الغزنوي وردت في الحديقة ( انظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة الترجمة العربية ص 46 ) منسوبة إلى حلاق الإسكندر الأكبر والمراد هو حبس الأسرار عمن لا يستحقها من ناحية وحبسها عند الاستماع إليها على أساس أن « قلوب الأحرار قبور الأسرار » ، كما أشار سنائى إلى الواقعة في شطرة واحدة من البيت 3302 من الحديقة وقليل من يستحقون هذه الأسرار فتوار كالعسس وسر ليلا وليحفك ظلام الليل إن كنت غير أهل للأسرار وجاهد في ترك هذا الجدول ذي الماء الآسن واطلب بحر الحقيقة المحيط ( لبحر المعنى انظر 1 / 295 وما بعده ) .
 
( 2235 - 2237 ) ما أقرب التعبير هنا إلى محتوى الحديث النبوي الشريف ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها ( مولوى 4 / 310 - انقروى 4 / 504 ) .
 
( 2245 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من المأثورات المشهورة وردت في كتب كثيرة من أمثال العقد الفريد لابن عبد ربه وحلية الأولياء ( ج - 4 / ص 316 ) وإحياء علوم الدين وكتاب الأذكياء لابن الجوزي كما نظمها العطار في إلهي نامه ( مآخذ 144 / 145 ) .
 
( 2271 - 2273 ) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وموتوا قبل أن تموتوا . وقد مر تفسير الموت قبل الموت في الكتاب الثالث ( شرح الأبيات 3762 - 3768 ) ويريد مولانا هنا بالموت بالغنى أي الموت بمغريات الدنيا من ناحية والموت الاضطراري أي موت البدن دون توبة أو رجوع .
 
( 2282 - 2283 ) قال تعالى في سورة الملك «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ
 
« 542 »
 
الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها : أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ؟ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ» ( آيات 6 - 9 ) .
 
( 2287 - 2300 ) قال تعالى «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ( الأنعام / 27 - 28 )
ويجرى الحوار بين العقل والسمكة الحمقاء وهو في الحقيقة بين العقل وكل أحمق قلبه غلف لا يعرف العذاب إلا عندما يرى نفسه فيه ، وذلك لغياب عقله ، والخطاب موجه إلى السمكة وإلى كل أحمق : اذهب يا عديم القيمة فإن هذا التمني أيضا ليس من العقل فهو من قبيل تمنى المحال « كلا وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» ( سورة المؤمنون / آية 100 )
 
فهذه الفراشة تعود إلى النار مهما تدفع عنها ، ومهما تذق من لهيبها ، والندم أيضا من أمارات الحمق فهو لا يغير من الحقيقة شيئا ، وهو أيضا من ألم العقاب لا من ألم الذنب ، وهذه التوبة ليست في محلها وإنما تكون التوبة قبل التعرض للعقاب . .
إنما تكون التوبة من قريب وإلا فإن الذي ينتظر التوبة حتى الموت كالذي يسخر من خالقه وعندما يذهب الألم عنه ، يمضى ندمه وتمضى توبته كالقائل قولا بليل ( ليل الألم والعذاب والظلام ) فإذا طلع عليه النهار نسي ما بدر منه من ندم وتوبة ومن ثم فإن العقل يرد عليه ( ولو ردوا لعادوا ) .
 
( 2300 - 2306 ) ينشد مولانا الحقيقة دائما ، فيرى أن هناك ما يشبه العقل وليس بعقل ، بل هو وهم يبدو كأنه عقل ، كما يبدو الزيف كأنه ذهب ولهذا الوهم يحاول أهل الباطل قتل الحقيقة كما جادل فرعون موسى عليه السلام .
ويقول السهروردي في هياكل النور الوهم ينازع العقل حتى إن المنفرد يبيت بالليل يفر منه عقله ووهمه حتى ربما يغلب تخويفه ، فينفرد الإنسان وهو يخالف العقل في أمور غير محسوسة حتى أن الذين يتبعون قضاياه ينكرون
 
« 543 »
 
ما وراء المحسوسات » ( أنقروى 4 / 515 ) الفيصل إذن في التمييز بين العقل والوهم عند صاحب الهياكل أن صاحب الوهم ينكر ما وراء المحسوسات ، وعند مولانا محك آخر فإن الذي يدبر من أجل شهوات الدنيا ليس عقلا بل هو وهم . . . على أساس أنه يدبر ويفكر في الزيف والوهم . . وهناك محك آخر يقدمه مولانا : اعرض أفعالك على معيار القرآن وأحوال الأنبياء ، وها هو العقل يخاطبك : إن تعرض نفسك على هذا المحك سوف ترى نفسك لست أهلا لطريقتى ، ولا صبر لك على ما أمليه عليك . . لكن العقل الحقيقي إن تعرض لأشد أنواع العذاب حتى لو قسم بالمنشار فهو يضحك لأنه يعلم أن هذا البلاء مخصوص به الأولياء وأنه دليل على صدق معدنه ( انظر الكتاب الثالث / 1511 - 4120 - 4123 ) .
 
( 2307 - 2321 ) يجسد مولانا المعاني ليقربها فموسى عليه السلام هو العقل ، اما الوهم فهو فرعون الذي أحرق العالم بنيران ظلمه وجبروته وتعديه على العباد وجرأته على الحق ، وهكذا يدير مولانا حوارا بين موسى وفرعون :
فرعون لا يرى من موسى إلا ما يعرفه عنه وهو الذي رباه ولا يعرف عنه شيئا يذكر ( الوهم ) وموسى يحاول ان يفهم فرعون أنه وجود غير الذي رباه ، وانه وهب ما لم يكن آلاف الفراعين يستطيعون ان يهبوه إياه دون فائدة ، ان فرعون يسأله : من تكون ؟ !
قال له : « إني رسول من رب العالمين » لكن هذه النسبة بالذات لا يريدها فرعون فيقول له : دعك من هذا الادعاء أذكر نسبك القديم عندما كنت تعيش بيننا ، يجيب موسى بأن النسبة الحقيقية له أنه عبد الله من نسل عبيد وإماء وأنا من تراب ومرجعي إلى التراب مثلك تماما أيها المهول فهذا هو نسبك أيضا الذي خرجت منه ، ومرجعنا جميعا إليه سبحانه وتعالى يوم لا أنساب بينهم ولا يتساءلون ، أنسابنا واحدة نحن الأنبياء والعصاة ونحن جميعا
  
« 544 »
  
من هذه الناحية أكفاء غير أن فرعون يريد أن يذكر موسى عليه السلام بأنه كان مجرد عبد لهأَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ( الشعراء / 18 - 19 ) بل أنت عبد متمرد عاص هربت من وطنك بعد جريمتك المشئومة ، إن كلام فرعون كله واضح الصدق لكنه بعيد عن الحقيقة وأقرب إلى الوهم ، كل القياسات التي يقدمها صادقة وذلك لأنه لا يعلم أن موسى عليه السلام أصبح عبدا ربانيا .
 
( 2322 - 2340 ) ينفد موسى عليه السلام خطاب فرعون إليه إلى أي مدى هو كاذب رغم لهجة الصدق التي يتحدث بها ، فموسى هو عبد الله وحاشا أن يكون عبدا لسواه ، وحاشاه أن يكون له شريك في ملكه ، ثم إن الله هو خالقه ولا يستطيع فرعون أن يصور حاجبا واحدا من حاجبيه ، فمن أين يستطيع أن يعرف ما يدور في روحه ، ثم إن فرعون هو الطاغية المشئوم لأنه يدعى الملك مع الله ، ثم إن فرعون الملوث الأيدي بدماء الآلاف من آل يعقوب يعير موسى بفعلة واحدة لم يفعلها عن عمد أو عن قصد لقد وكزه فقضى عليه ومتى كانت الوكزة تقتل انسانا لا يريد الله سبحانه وتعالى له أن يقتل ؟ لقد قتلت كلبا كافرا . . .
 
وقتلت أنت آلاف الأبرياء ، وكنت أنا المقصود ولكن الله سبحانه وتعالى اجتبانى واصطفانى برغمك . وهكذا عندما يفحم فرعون لا يجد ما يقوله امام الناس ، إلا أن موسى عليه السلام أساء الأدب . .
لقد حط من كرامة فرعون أمام الناس ، انه لم يفكر في يوم الحشر العظيم ، انه سوف يذل أمام الخلق أجمعين وهكذا فإن النفس الفرعونية في كل عصر وكل أوان ، داخل كل لباس . .
عندما تحصر ولا تحار جوابا لا تملك إلا أن تتوسل بظاهر المبادئ الأخلاقية وكيف يجرؤ على من رباه ؟
وإن لم يكن قد رباه كيف يجرؤ على كبير القوم ورب الأسرة ؟
كيف يحطم ما بناه رب الأسرة ؟ وكيف يخرب بنيانه ؟ إن هذا المنطق يغفل عن نقطتين
 
« 545 »
 
مهمتين : الأولى أنه لا شئ يعلو على الله وإذا كانت القضية حق الله وحقوق الناس فلا كرامة لأقرب الأقربين : «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» ( التوبة / 24 ) .
 
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى : فإن ليس كل هدم تراه بالهدم وغالبا ما تكون العناصر الهدامة تسعى في هدم بناء واه لكي تقيم مكانه صرحا عاليا ، والبقاء في الفناء فكرة دق عليها مولانا جلال الدين كثيرا وهي الفكرة الجامعة للكتاب الثالث
 
( انظر مقدمة الكتاب الثالث ) ، كما وردت في الكتاب الأول بشكل مختصر « وصحة حسن الدنيا تجىء من سلامة البدن وأما صحة حسن الدين فتأتي من خرابه وأن طريق الروح يخرب الجسم لكنه يعود فيعمره بعد هذا التخريب ، فهو كمن خرب دارا من أجل كنز من الذهب ، ثم زادها عمرانا بذلك الكنز ذاته ، أو كمن قطع الماء وطهر مجرى النهر ثم عاد وأجرى ماء الشرب فيه ، « أوكمن » شق الجلد وانتزع منه رأس الحربة فنما على الجرح بعد ذلك جلد جديد ، أو كمن هدم القلعة وأخذها من الكفار ثم أقام على أرضها مائة برج وسد ، ومن ذا الذي يصف من لا شبيه له ؟
إن ما قلته ليس إلا ما تمليه الضرورة ( الأبيات 305 - 311 من الكتاب الأول )
وانظر أيضا مثال قيمة الحرص في الكتاب الثالث
( الأبيات 4159 وما بعده ) ( 2341 - 2354 ) ورد هذا المثل في مقالات شمس الدين التبريزي ( 295 ) ( مآخذ / 146 ) ويضرب مولانا أمثلة عديدة من الواقع المعاش :
حراثة الأرض :
جراحة التقيح ، والخياط عندما يقطع الملابس والأدوية عندما تدق والقمح عندما يطحن ليكون دقيقا ، وكل بناء قديم يراد تجديده ، أجل كل بناء قديم يراد
 
« 546 »
 
تجديده لا بد وأن يهدم هذا البناء من البداية لكي يقام البناء الجديد خاليا من كل عيوب البناء القديم . . دعك من كل الألفاظ والمصطلحات المعاصرة كالأصولية والراديكالية وما إليها ، فهذه هي روح الإسلام الحقيقية ، كل واقع جديد لابد وأن يقوم على أنقاض القديم ، وألا يقبل الرسول أن يحكم عاما وقريش عاما آخر . .
 
أو لتنازل لهم عن بعض ما كانوا يطالبون به من مسائل قد لا تمس روح الدين ، لكن الأمور كلها لا تتجزأ ، ولست أقول إنها روح الاسلام فحسب لكنها أيضا روح الفطرة التي يدق عليها مولانا جلال الدين كثيرا . .
فالعالم كله في حالة تهدم وبناء ، وقديم يمضى وجديد يأتي ، وكل شئ هالك الا وجهه .
إن ما يظنه فرعون تخريبا من موسى وحطا من شأنه هو في الحقيقة عمل من شأنه أن يعلى من شأنه ويخلصه وهو السمكة الحقيرة من شص الدنيا والإصرار على الذنب الذي أمسك بحلقها ، وعلى المستوى الصوفي والتربوي النفسي : عدم الوجود المادي يؤدى إلى عمران الوجود المعنوي ( انظر 1 / 1897 - 1906 وما بعدها ) .
 
( 2355 - 2359 ) لا يزال الحديث موجها من موسى عليه السلام أو العقل إلى فرعون لعنه الله أو الوهم : لقد جعلت من نفسك حية تسعى ذات فحيح وهي مجرد دودة ، وهذا هو فعل الوهم وهو أن يضخم الشئ الحقير التافه ويجعله كبيرا ، ويجعل المرء الهالك الميت يظن في نفسه ما ليس فيها حتى ينقلب إلى فرعون ، ولأن دودة فرعون نفسه قد صارت أفعى ولأن فرعون الذي لا يزيد عن دودة قد ظن بنفسه أنه أفعى فقد أحضر الأفعى من أجله ، فلا يصلح للأفعى إلا الأفعى ولا يكسر حية النفس الفرعونية إلا حية موسوية فإن رضيت يا فرعون نجوت من هاتين الحيتين حية نفسك وحيتى .
 
« 547 »
 
( 2360 - 2375 ) رد فرعون على موسى انه ألقى بسحره في الأرض الفساد وفرق بين الخلق ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 1067 - 1085 ) ، لكن موسى يفرق بين ما يراه سحرا وبين الاستغراق في الرسالة الإلهية الذي يجعل من موسى مخلوقا إلهيا ساعيا بالله ناطقا به وليس مجرد ساحر . وشتان ما بين الرسالة والسحر ، فالسحر من الغفلة والكفر ، وأي شبه لي بالسحرة ومتى كانت أنفاس الساحر تحيى الموتى ، ومتى كانت الكتب المنزلة تستضاء بنور السحرة ، ان هذا الذي يظنه فرعون في موسى ليس إلا من أوهام فرعون التي تستنكر على موسى الرسالة ، وانه إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يلقاه من توهم ، إنما ترى العالم كما تكون ، فإذا كنت دائر الرأس ترى المنزل يدور بك .
 
وإذا كنت في سفينة تسير بك في اليم فذلك ترى الساحل يسير بينما تكون أنت السائر لا الساحل ، وأنت في الحرب في ميدان القتال عندما يضيق بك الحال ألست ترى الدنيا أيضا قد ضاقت بك في حين أن الدنيا هي الدنيا بل الضيق نابع منك أنت ، أنت الذي يمكن تحس بهذا العالم كأنه روضه ومن الممكن أن تحس أنه مجرد سجن لك وأنت ترى من العالم ما يفيض من داخلك أنت وهذا المثال ورد في معارف بهاء ولد ( 1 / 234 )
 
قلت لنفسي : إذا كنت خربا فكل العالم المعمور خراب وإذا كنت ضياء فكل الظلمات ضياء وإذا كنت متعبا فكل ألوان الراحة تعب وإذا كنت عامرا فكل أنواع الخراب عمران المدرك والمدرك من جنس واحد فإذا كنت فانيا عن نفسك يكون العالم أمامك فانيا ، وإذا كنت باقيا يكون العالم أمامك باقيا ، وإذا صرت نورا يكون العالم نورا لا أرضا ولا سماء ولا عناصر ولا مواليد كما يقول القائل في مقام الشهود لا إلا ولا لا كل ما يبدو للنظر هو الله هو الله هو الله . .
إن المكرم يرى كل شئ مكرما وهكذا ترى العين الطاهرة فمدرك النور يرى نورا ، ومدرك الظلمة يرى الظلمة وما أصدق ما يقول مجد الدين سنائى » الصوفية يقيمون كل نفس عيدين . . بينما تقدد


« 548 »
 
العناكب الذباب ( سبزوارى 4 / 305 - 306 ) وهكذا يستمر مولانا جلال الدين في تقصى فكرته : لا بالسفر ولا بالإقامة فحيثما ذهبت لا ترى إلا ما يفيض من نفسك ، وما تكون هذه النفس مهيأة لرؤيته أنه كاللحم القديد المنشور على وتد الطبيعة . . هل يتغير هذا اللحم وهل يحس وهل يبدر منه ما يدل على أنه موجود ! ( 2380 - 2383 )
لكنك إذا كنت في أرض تخرق فيها الأسباب والعلل لا يرتبط ما فيها بمنطق الأشياء وبما يفيض من النفس إلى الخارج ، فأنت قد أصبحت في أرض الله ، وأرض الله توصف بأنها واسعة حيث تفنى المظاهر وما يرتبط بها من أسباب أو علل ، هي أرض القلب حيث تتفتح العوالم الرحبة ، وحيث تتبدل صورها هي أمامك كل لحظة ، لا بتلك الصور التي تنبت من وهمك ومن ظنك ومما تفيض به نفسك ، وكأنها تلك الصور التي يراها عالم الأرواح . .
 
ان هذا الحسن من التبدل الذي يطرأ عليها ، من الجديد الذي تبديه لك كل لحظة وأخرى ، فلو أن الجنة نفسها كانت ثابتة الصور لا نقلبت إلى صورة قبيحة من دوامها واستمرارها على وتيرة واحدة ، فإن اللذة في التغير لكن ليس التغير على عواهنه ، بل التغير الذي تسيطر عليه الروح والذي يكون تابعا للقلب ، هذه هي النعمة التي لا توصف .
 
( 2384 - 2399 ) وإذا كنت لا تصدق ان المدركات الروحانية تختلف من إنسان إلى إنسان ، فأمامك في خلقتك أنت الدليل ، هذه الحواس وآلاتها المركب فيك : فلا الأنف يستطيع أن يبصر ، ولا العين تستطيع أن تشم ، ولا الأذن تستطيع أن تلمس ، كل آلة من هذه الآلات أستاذة في فنها ، لكنها إن كانت معطوبة أو تشكو آفة ما فإنها لا تدرك المدركات إدراكا صحيحا مهما كانت هذه المدركات صحيحة ، إن عين الأحول لا ترى الوحدانية ، هي دائما في شرك ( انظر
 
« 549 »


مثالا على هذا الكتاب الأول ، فهذه الحواس إذن في حاجة إلى غسل حتى تكون طاهرة ولا تريك إلا الطاهر ، وهذا ما يسمى عند الصوفية بتطهير الثياب : ذكر عن أبي الحسن الخرقانى رأيت رسول الله في النوم فقال لي يا أبا الحسن طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس ( انقروى 4 / 515 ) والكلام لا يزال لموسى : وحتى تدرك يا فرعون أن هناك فرقا شاسعا بيني وبينك لا تنظر إلى بعينك ولكن انظر إلى بعيني أنا . . ترى عالما من العشق ، وهذا عندما تنجو من البدن ومن آلات البدن ومن الاثنينية .
 
( 2400 - 2411 ) عندما تنجو من البدن فإن كل قوانين البدن تنعدم ، ومنها تلك القوانين التي تحكم كل اله بأن تدرك جانبا من المدركات فتستطيع الأذن والأنفس أن تكون عينا ليس هذا فحسب بل كما قال ذلك الملك حلو البيان « إن كل شعرة من شعور العارفين تنقلب إلى عين ( انقروى 4 / 539 ) قال جعفري انه أبو اليزيد البسطامي ( 10 / 419 ) وقال استعلامى انه أبو اليزيد البسطامي اعتمادا على رواية وردت في تذكرة الأولياء لقد هتف به جزاء عبادته ثلاثين عاما : يوم القيامة أحول وجودك الجسدي إلى ذرات وأهب كل ذرة منها بصيرة ( 4 / 320 )
وما أشبه البيت بما ورد عند ابن الفارض :
فكلى لسان ناظر مسمع يد * لنطق وادراك وسمع لبطشت
فعينى نامت واللسان مشاهد * وينطق منى السمع واليد أصغت
وسمعي عين تجتلى كلما بدا * وعيني سمع ان شدا القوم تنصت
ومنى عن يد لساني يد كما * بدى لي لساني في خطابي وخطبتي
كذاك يدي عين ترى كلما ترى * وعيني يد مبسوطة عند بسطتى
وسمعي لسان في مخاطبتى كذا * لساني في اصغائه سمع منصت
( أنقروى 4 / 538 )
 
« 550 »
 
ألم يكن هكذا الجسم في البداية عندما كان جنينا دون عين ؟ ! فهل تظن أنت أن النور من هذه الشحمة ؟ ! والشيطان يرى والجنى يرى دون هذه الشحمة المسماة بالعين ، فليست هذه الشحمة إذن هي السبب في الرؤية وإلا ما رأت العين شيئا في النوم ، إنما يضع الله فيها النور ، فليست الشحمة إذن هي سبب النور وإلا فأية صلة للانسان المخلوق من التراب بالتراب ، وهل الجن يشبه النار ؟
والطير من الهواء فهل يشبه الهواء ؟ ،
إن هذه الفروع منسوبة إلى أصلها بلا كيفية ، والافاى شبيه للتراب مع الانسان أو الانسان مع التراب ؟ ! !
إن كان ثمة شبه فهي مخفية عن العقل ، إنها بلا كيفية وكيف يفهم العقل ما لا كيفية له .
 
( 2412 - 2422 ) الموضوع المفضل عند مولانا جلال الدين : كيف تعطى الجمادات الإدراك من لدن الله مباشرة ، والدليل على ذلك أنه سلط الريح على قوم عاد فكانت تفرق بين المؤمن والكافر ببصيرة ممنوحة من الله سبحانه وتعالى ، وإذا لم تكن هناك بصيرة عند نار النمرود فكيف عرفت إبراهيم الخليل وامتثلت للأمر ولم تحرقه ؟
وإذ لم يكن للنيل هذه البصيرة فكيف كان تتحول دما لآل فرعون ويظل على طبيعته المائية لقوم موسى ؟
وكيف أوب الجبل مع داود إن لم يكن له سمع وبصر ونطق ؟ !
وإذا لم يكن لهذه الأرض عين وروح فكيف ابتلعت قارون وما رأيك في الجذع الحنان ؟
وفي الحصى الذي نطق بنبوءة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وإذا لم تكن تصدق فاقرأ «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَهافكيف تزلزل الأرض إن لم يكن عندها حياة وإحساس ؟ !
 
( 2423 - 2434 ) الخطاب ما زال لفرعون ومولانا شديد الاهتمام بقصة موسى وفرعون على أساس أن فرعون وموسى موجودان في كل جبلة وفي كل ذات يتصارع هذان القطبان المتنافران ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 975 و 1259 و 971 و 1252 ومقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) ، إن مجرد
 
« 551 »
 
إرسالى إلى مثلك أميرا لدليل على أن الله سبحانه وتعالى لطيف وخبير يعلم بأنك على كثرة ما عندك إنسان ضعيف في حاجة إلى هداية ، وهو يرى أن داءك الوبيل الذي لا شفاء منه يحتاج إلى هذا العلاج أي العصا ، بهذه العصا سوف يكسر قرن وقاحتك وجبروتك ، وقد أنذرك الله وحذرك وأبدى لك من الواقعات المخفية ما كان فيه رادع لك لكنك أولتها كلها واعتبرتها أضغاث أحلام من النوم الثقيل وعميت عن فحواها ، وصرت أصم عن سماع النذير فيها ، وسار منجموك وبحثوا لها عن أسباب أخرى غير طغيانك وكفرك ذلك لأنهم رأوك لست مجرد طالب نصح مسكين ، بل خافوا منك لجبروتك وظلمك وتعطشك للدماء ، فسددت على نفسك بذلك أبواب النصح ومضيت في وادى الهلاك .
 
( 2435 - 2436 ) والملك الحقيقي هو الذي لا يسفك الدم إلا لمصلحة ، والذي تخلق بخلق الله فتسبق رحمته غضبه ، كما ورد في الحديث القدسي سبقت رحمتي غضبى .
 
( 2441 - 2445 ) هذا مثال على أساس أن أهل الدنيا عندما يأنسون غفلة من أهل الدين يهاجموهم هم ، ويحاولون قطع الطريق عليهم حتى في الأصلاب والأرحام ، كما فعل فرعون عندما أراد أن يمنع ميلاد موسى ( لتفصيلات في الكتاب الثالث شرح الأبيات 840 - 845 ) ،
وهذا على أساس أن المسلم إن لم يغز غزى هو في عقر داره ، وفي خطبة للإمام على رضي الله عنه : ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت لكم أغزوهم قبل ان يغزوكم فوالله ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ( عن جعفري 10 / 463 )
وهكذا عندما حلم أهل الروح على فرعون ، تجرأ بطبيعته الخسيسة وأراد أن يقطع الطريق على مجىء موسى . . . فكأنه أراد أن يسد الطريق التي جعلها الله للتناسل فكانت السخرية منه في قمتها وكان موسى المقصود في صدر داره وهو منهمك في جرمه .
 
« 552 »
 
( 2458 - 2467 ) إن الله سبحانه وتعالى عادل يعطى لكل إنسان ما يستحقه تماما وما يليق به ، ومتى قام الإنسان بشر أو عصيان والتواء لم ير من بعده ما يناسبه من جزاء ؟ ! ! على المرء أن يكون مراقبا لفعله ووجوده ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا . .
حينذاك لا تكون في حاجة إلى قيامة وحساب ما دامت كل لحظة من لحظات وجودك قيامة وحساب ، وذلك الحر الذي تكفيه الإشارة متى كان في حاجة إلى القول الصريح ؟ !
أن البلاء قد حاق بك من حمقك أنك لم تفهم الرموز . . وإلا فهل كان فرعون في حاجة إلى الأنبياء بعد الآيات التسع . . وفي هذا تنبيه على فرعون كل زمان إذا ظهر في زمانه شئ من التسع أو غيرها تزداد حتى يهلك وإن تاب ورجع تاب الله عليه . . . ويتوب الله على من تاب ( مولوى 4 / 338 ) .
 
وإياك والعكوف على الذنوب حتى لا يسود قلبك ، ولا يكون لك أمل في عودة أو أوبة أو توبة مصداقا للحديث النبوي الشريف إذا أذنب العبد ذنبا حصلت في قلبه نكتة سوداء ، إن تاب واستغفر صقلت ، وإن عاد زيدت حتى يسود قلبه ، إن كل فعل خيرا كان أو شرا يتولد لك منه شئ في داخلك .
 
( 2468 - 2472 ) هذا الجسد الذي أصله من الطين كحديد حسن الصنف ، يمكن أن يصقل فيتحول إلى مرآة يتجلى فيها كل شئ ، وعادة ما يضرب الصوفية بهذا مثلا على أن الجسد وهكذا طبيعته يستطيع أن يسمو عنها لكي يصير مرآة يتجلى فيها كل شئ . . . فما بالك بالروح وطبيعتها أنها نفحة أو نفخة من ذي الجلال .
 
( 2475 - 2486 ) لقد أعطى الله سبحانه وتعالى العقل لكي يكون صقالا لهذا الجسد ولكي ينور القلب . . . وما العقل هنا إلا العقل القدسي ، لكنك بتركك للصلاة عطلت هذا العقل عن عمله وأطلقت يد الهوى تفعل فيك فعلها ،
 
« 553 »
 
ولو أنك حبست الهوى وأطلقت العقل لصقل جسدك لكنك فعلت العكس وهذا هو السعي بالفساد في الأرض منذ عطلت آلة الاصلاح أي العقل وأطلقت آلة الفساد « الهوى » ولا تكدر ماء الجدول ( القلب ) حتى ترى الجواهر أو المعاني الإلهية في قاعه وروح الإنسان مثل الهواء إن علق بها التراب يحجب السماء ( الدعاء والرحمة ) بل ويمنع الشمس نفسها من الظهور فانظر إلى الكدر والتراب ماذا يفعلان في الكون حتى تطهر وجودك من كدر الخطايا وتراب الدنس وتصقله ، وانظر رحمة الله بك . . . إذ يرسل إليك في منامك التحذيرات ويدعوك إليه على فحوى الحديث المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم « إذ أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه » ( مولوى 4 / 341 ) .
 
( 2487 - 2500 ) ها هو موسى عليه السلام يفاجئ فرعون بما كان يعن له . . . بالنذر الإلهية التي أيسرها انقباض النفسي واكتئابها . كانت أفعال فرعون السوداء ترتد على ذاته كما تعكس المرآة صورة حاملها عله يحاول التخفيف من قبحه ، لكن النفسي الفرعونية كلما جوبهت بعيوبها ازدادت فسادا وصلفا ، كان فرعون يرى قبحه مجسدا في النوم ، فكان يفر منه دون أن يعلم أن قبحه معه ، كذلك الزنجي الذي رمى المرآة مدعيا أنها قبيحة ( مثل ورد عند سنائى الغزنوي انظر . حديقة الحقيقة الأبيات 4035 - 4040 وشرحها )
 
وتكررت في أكثر من موضع من مقالات شمس ولها أصل عربى . إن كل ما يحدث لك أعرفه . . . كل الكوابيس التي تتوالى عليك . . .
 وكل الأصوات التي تسمعها وهي تلعنك وتنذرك بسوء العقاب إلى غير ذلك مما لا يليق بنبي أن يتفوه به ، وما يحدث لك كثير ، بل ذكرت لك قليلا من كثير لتعلم أنى عالم بكل أحوالك خبير بها ، هذا الكفر يجعلك تتجاهل كل هذه النذر كما تجاهلت الآيات التسع وقد دفع إلى شقاء الكفر والعصيان وادعاء الربوبية فلم تنفع معه كل هذه النذر .
 
« 554 »
 
( 2505 ) في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم « باب التوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب مكللان بالدر والياقوت ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما للراكب وهو مفتوح منذ خلقه الله تعالى إلى طلوع الشمس من مغربها » ( مولوى 4 / 343 ) وفي حديث آخر من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ( انقروى 4 / 565 ) .
 
( 2506 ) للجنان الثمانية ثماني أبواب وهي عدن والوسيلة والفردوس والخلد والنعيم والمأوى ودار السلام ودار القرار ويقال لباب جنة عدن باب التوبة ويقال لباب الوسيلة باب الزكاة ويقال لباب الفردوس باب الصلاة ويقال لباب الخلد باب الريان يدخل منه الصائمون ويقال لباب النعيم باب الحج ويقال لباب المأوى باب الجهاد ويقال لباب السلام باب الورع ويقال لباب دار القرار باب صلة الرحم ( مولوى 4 / 343 )
 
( 2507 ) الحوار الذي يبدأ بهذا البيت ورد في موضعين من قصص الأنبياء للثعالبي . . قل له : ان ناصيته بيدي ولا يطرف ولا ينطق ولا يتنفس عن شئ إلا بعلمى وأخبره بأنى من العفو والمغفرة أسرع منى إلى الغضب والعقوبة . .
وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة وقد أمهلك في طول هذه المدة ، وفي كلها تدعى الربوبية دونه وتصد عن عبادته ومع كل ذلك يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض ويلبسك العافية حتى لا تهرم ولا تسقم ولا تفتقر ولا تغلب ( ص 170 ) 
والموضع الثاني : فأوحى الله لموسى أن قل لفرعون : إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك ورددتك شابا طريا ، فاستنظره فرعون ، فلما كان من الغد دخل إليه هامان فأخبره فرعون بما وعده موسى من ربه فقال هامان :
والله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا ونفخ في منخره ، فقال له هامان
 
« 555 »
 
أنا أردك شابا فأتى بالوشم فخضبه به ( ص 184 ) فهو أول من خضب بالسواد فلذلك كرهه صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ( قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس للثعالبي ط 4 / 1954 القاهرة ) ،
ومن قائل إن وعود موسى لفرعون كما وردت على لسان مولانا جلال الدين مستوحاة من حديث نبوي : « إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا » استعلامى 4 / 273
 
( 2515 - 2522 ) الأنهار الأربعة في الجنة تعبيرات عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا . لتفصيلات أكثر انظر ( الكتاب الأول شرح الأبيات 3459 إلى 3484 وهذا الكتاب شرح الأبيات 476 / 483 ) وتدعوهم إلى هذه الأخلاق .
 
( 2523 - 2527 ) تماما كما أنها أنهار الجنة الأربعة هي انعكاس وتعبير وتمثيل عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا ، فإن بعض أخلاق الكفار والأشقياء تجد انعكاسها في بعض صفات الجحيم . . فنار الغضب من نار غضب الله سبحانه وتعالى « من غضب منكم فليتوضأ فنار الغضب من النار » . .
 
ومن الغاشية ( حية جهنم ) صار فرعون كأنه الحية يبث سمومه في المؤمنين ومن ماء الحميم الذي يسقاه أهل الجحيم يكون الظلم ، ظلم كل فرعون يترك الخلق كالرميم ، وهو من انعكاس مصيره عليه ، يمثل تماما هذا المصير ، هو مثال لجهنم على الأرض ، تلك التي يعذب فيها الفقير والمظلوم .
 
( 2532 - 2538 ) سوف تتمنى الموت إن كنت طائعا . . لا فرارا من عجزك في الدنيا بل طمعا في كنوز الآخرة . . سوف ترى الدنيا كالخرابة إن هدمتها وجدت تحتها كنزا . . سوف ترى هذه الدار حائلا دون الكنز العظيم ، تراها كأنها حبة واحدة حجبت عنك البيدر كله . . تكون إن قنعت بها كدودة قنعت بورقة
 
« 556 »
 
واحدة من الكرمة وعكفت عليها ، لكنها إن استيقظت من جهلها هذا بكرم الله استطاعت أن تفترس حيات الجهل .
 
( 2540 - 2560 ) لقد شبه الله تعالى نفسه بأنه كنز مخفى . . أو قال في حديث قدسي « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني » وفي تفسير للآية الكريمة «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» أي ليعرفون . . ومن ثم فإن أساس الوصول إلى الكنز السعي من أجله ويدق مولانا على هذا المثال كثيرا ويشبه وجود الإنسان في الدنيا بإقامة في خرابة تحتها كنز . .
لكنه لا يريد أن يهدم الخرابة ليجد الكنز ، وفي النهاية فإن الخرابة سوف تتهدم وحدها . .
لكنه لن ينال شيئا ، وما هذا البيت الذي أنت فيه إلا بيت بالكراء هو ليس لك ببيع أو شراء . .
وهذا الكراء بالأجل . . وسوف تخرج منه دون أن تستفيد شيئا ، ثم يقدم مولانا مثالا آخر : إنك تقوم بخصف النعال في دكان بالكراء . .
في حين أن هذا الدكان تحته كنزان . . ها أنت تعيش في ذلة ما لم تهدم هذا الدكان . .
وما هذا الرتق إلا تعلقك بالطعام والشراب فإن ترتق وجودا مآله إلى الفناء . . وتترك الكنزين : القلب والروح . . أنت ترضى لنفسك هذه الذلة في حين أنك عريق الأصل : أنت ابن الخليفة . . ألست ابن آدم آخر الأمر . . أم ينص على أن آدم خليفة . . أليست هذه الأرض منفاه ومنفاك ؟
أليس هذا الكنز هو الذي سوف ينجيك من السعي والشقاء ؟ !
 
سوف ينتهى إيجاز الدكان في النهاية وسيخرجونك منه عندما يجئ الأجل ، وسوف تعض بنان الندم على أنك لم تستفد شيئا عندما كان كل شئ مهيئا لفائدتك « يوم يعض الظالم على يديه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا » .
 
( 2563 - 2567 ) أتدري لم كل هذا ؟ ! لأنك مجرد طفل لم تبلغ مرحلة الرجولية . . لقد رأيت الدار منقوشة مزدانة فلم تهن عليك ، والبيت والأبيات التالية كلها مستوحاة من بيت واحد لسنائى :
 
« 557 »
 
كل نصيحتى لك هي هذه أنك طفل والدار ملونة . ( حديقة بيت 6440 ) .
 
( 2585 ) الحديث « من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة » موضوع من الأحاديث الضعيفة ويرى الشيعة أنه موضوع على أساس أن الرسول ، قد توفى - طبقا للروايات الشيعية - في السابع أو الثامن والعشرين من صفر ، بينما تجعل أغلب الروايات السنية وفاته ، في الثاني عشر من ربيع الأول وبعض الروايات تجعله في الثالث عشر من ربيع الأول . . وقد ضرب بالحكاية كلها مثلا على اشتياقه ، إلى الملأ الأعلى . . إذ كان دعاؤه ، في أخريات أيامه « اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى » .
 
( 2594 - 2595 ) عن انتقال الرجال من هذا العالم وعن أن الموت عند الصوفية المحققين هو عبارة عن زفاف ، ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 3519 - 3536 ) والماء المالح هو الدنيا والماء العذب هو الآخرة ولمولانا في ديوان شمس تبريز :
فلترحل من الماء المالح نحو ماء الحياة وعد من صف النعال نحو الصدر ( كليات ديوان شمس غزل 1353 ص 525 ) .
 
( 2598 - 2627 ) لم تؤد مشورة فرعون مع زوجته المؤمنة آسية عليها السلام إلى نتيجة وإن استطاعت الرسالة أن تؤثر في قلب آسية المؤمنة بحيث تواجدت من هذا الفتوح الذي نزل على زوجها دون استحقاق ، وأن يصير مطلوبا هكذا دون أن يقوم بأي جهد في الطلب ، إنها تعلم أنه مثل إبليس ، لكن هل يفتقد الله سبحانه وتعالى إبليس . . نعم - كل عاص مهما بلغت درجة عصيانه يظل الله سبحانه وتعالى يناديه ، وآسية عليها السلام هي رمز للقوة الإيمانية تلجأ إليها النفس الأمارة بالسوء ، وفي تفسير لنجم الدين كبرى لقوله تعالى «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ( التحريم / 11 ) أي ضرب الله مثلا
 
« 558 »
 
للقوى المؤمنة من قوى النفس اللوامة امرأة فرعون أي القوى الصالحة القابلة تحت القوة الفاسدة الفاعلة المستكبرة ( مولوى 4 / 355 ) . وها هي تتعجب كيف لم يؤمن في التو واللحظة وقد عرض عليه تاج من الإيمان يخفى « قراع » نفسه وكفرها ؟ وأي غفلة هذه زادت عن الحد الذي يحفظ المرء . . أجل قليل من الغفلة ينفع . . وإلا لو لم يكن فرعون غافلا لهلك لساعته فرحا من هذا الطلب وهذا العرض وفي الحديث جعلت معصية ابن آدم سببا لعمارة الكون ( استعلامى 4 / 232 ) ولكن أن تكون الغفلة لهذا الحد هو أيضا من قبيل الهلاك . .
وإلا فمن الذي يرفض مائة أجمة من الأشجار عوضا عن بذرة واحدة . .
 
ومن الذي يرفض مائة منجم عوضا عن حبة واحدة ؟ أن يكون إنسان لله فيكون الله له . . أن تأمن القطرة من الرياح والتراب وتعود سالمة إلى لجة البحر . . لكن النفس الفرعونية تظل النفس الفرعونية وإلا لما ألهم فرعون استشارة هامان ولما سقط بين يدي هامان كما سقط البازي في يد المرأة العجوزة المعتوهة .
 .

.
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: