الخميس، 27 أغسطس 2020

21 -  الهوامش والشروح 2740 - 3131 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

21 - الهوامش والشروح 2740 - 3131 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

 الهوامش والشروح 2740 - 3131 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح حكاية الأرانب التي أرسلت أحدها برسالة إلى الفيل قائلة له :
قل : إنني رسول قمر السماء إليك ويأمرك قائلا :
ابتعد عن عين الماء تلك كما هو مذكور بتمامه في كتاب كليلة ودمنة
( 2756 - 2759 ) يقول الأنبياء : إن الدواء الذي قدمناه لكم والنصح الذي نصحناكم به لم يؤثر فيكم ، بل إن طبيعتكم الكافرة الملحدة قد حولته إلى سم ، وهكذا العلة . وهذا هو من غضب الله عليكم . إن نبوتنا لا تأتى منكم ، نحن كالبحر وأنتم كالسفين . وهل يشرف البحر من السفين الملىء بالبعر وهو بحر ملىء بالدر ؟ ! أي أن الرئاسة التي تتأتى منك ليست أمرا مشرفا .
 
( 2760 - 2774 ) يستمر كلام الأنبياء مع أهل سبأ ، لكن الواقع أن مولانا يتحدث إلى مريديه . . ويتأسف من عين الظاهر التي لا ترى نور شمس الحقيقة إن هذا كعمى إبليس اللعين الذي لم ير من آدم إلا قبضة من الطين فقال أنا خير منه ، وعين هذا المجنون هي التي أضلته ، فألقى حكما هو نابع من خلقته هو ومن أصله هو ، ومن إدباره وسوء حظه ، لقد واتاه الحظ مرة واحدة فتحول عن
 
“ 530 “
 
طريقة . لأنه كالعنين الذي يصل إلى حبيبه . وما من سبب لهذا ، لا العين ولا الرأي ، بل هو الحرمان ، هو قضاء السوء ويعود الأنبياء للحديث مرة أخرى موجهين الكلام إلى المنكرين من أهل سبأ : ليس السبب هنا أنكم غير مقتنعين بنا ، ولكن السبب في أن اللعنة قد حلت بكم لأنكم عكفتم على أصنامكم ( ذواتكم ورفاهيتكم ونفوسكم المريضة ) فإذا كنتم قد اعتبرتم هذه الأصنام آلهة لكم ، فكيف تنكرون أن يكون موضع العقل والروح موضع سر الله ؟ لقد أنكرتم على البعوضة الحية أن تكون موضع سر العنقاء ولم تنكروا ذلك على البعوضة الميتة ( دنياكم وأصنامكم ) ، ألأن البعوضة هي من صنعكم أما البعوضة الحية فمن صنع الله ؟ إذن لقد وضح الخفاء : إنكم لا تعبدون الله ولا تعبدون الأصنام ، بل أنتم في الحقيقة تعبدون أنفسكم وتعبدون ما تصنعونه أنتم . إنكم تعتبرون أنفسكم آلهة . إن صنع الله حتى في خلق “ بعوضة “ جدير بالتمجيد والتحميد .
 
وما عبادتكم لأنفسكم إلا كما يدور ذيل الحية حول رأسها . ولا في الذيل أو في الرأس أية فائدة ، لكنهما من جنس واحد . فالتافه غالبا ما يميل إلى التافه . وهذا يشبه ما ورد عند الحكيم الغزنوي ( سنائى الغزنوي “ الذي يقول في الحديقة :
اجعل الفضول خارج هذا الموضوع فإن أذن الحمار مناسبة لرأس الحمار ( حديقة الحقيقة البيت 403 ) فقلل إذن الكلام هنا ، فإن المنكرين إنما ينكرون سوء القضاء ، ولا يستطيعون أن يقولوا أكثر من هذا ، وهذا القضاء مناسب لهم ( 2775 - 2785 ) إن القضاء مناسب لما نحن جديرون به ، هذا كما تتناسب الأعضاء مع الأبدان ، وكما تتناسب الأخلاق والطباع مع الأرواح ، والله سبحانه
 
“ 531 “
 
وتعالى هو الذي يضع الصفات الحسنة والصفات القبيحة للأرواح ، لقد ( أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) ( طه / 50 ) وفعل الحق كفعل الرسام يرسم الصور الحسنة والصور القبيحة كلها تدل على أستاذيته . ( انظر : الكتاب الثاني - الأبيات 2546 - 2550 ) ، وفي البيت 2779 إشارة إلى الحديث النبوي : “ إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء “ وفي المصطلح الصوفي أن الإصبعين كناية عن “ اللطف والقهر “ و “ القبض والبسط “ و “ الخوف والرجاء “ و “ الجلال والجمال “ كلها تجليات لعظمة الله سبحانه وتعالى ، فلطف الحق يسبب البسط في قلب المؤمن : وقهره يسبب القبض ، ثم يخاطب مولانا قلب المؤمن : إن كنت جديرا بعناية الجلال ، إننا نشبه قلما في يد القدرة ، وسن هذا القلم ( مفرقة ) على مفترق طرق أربعة :
قهر ولطف وقبض وبسط ، وبمشيئة الحق نكون مشمولين في واحد من هذه الطرق ، وأحوالنا كلها كالحروف التي يكتبها قلم القلب ، وهي من كتابه الحق .
فإذا عزمت وإذا فسخت فكل هذا من الله سبحانه وتعالى . وانظر بين إصبعىّ من تكون : أي قدر اليد التي تمسك بك وتقلبك حيث تشاء واخضع ولا تتمرد . .
لكن واسفا ليس كل قلب بالعالم بهذا . لكن هذا القلم ( القلب . . قلب مولانا ) يعلم لأنه يكتشف قدرة في الخير وفي الشر .
 
( 2786 - 2796 ) يعلق مولانا على المثل الذي أورده المنكرون بقصة الفيل والقمر أنه من الحيلة والكفر ، وإلا فما قيمة هذه الأمثال أمام الحقائق الأزلية الإلهية ؟ في الأمور يستطيع الله فحسب أن يضرب الأمثال للناس ( يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم ) ( النور 35 )
“ 532 “
 
وكيف تكون خاليا من العشق الإلهى - “ أقرع “ - وتضرب المثل للجمال الإلهى بالوجه الحسن والجدائل السوداء ؟ إن موسى - مع مقام نبوته - لم يكن يعلم أن عصاه حية مع العلم بأن باطنه كان عليما بإمكان حدوث هذه المعجزة ( انظر طه 19 ، 20 ) ، أي علم لك بما يضعه الحق في طريقك ليقوم بصدك ؟ إنك بمثلك هذا تحطم نفسك ، فإن الله تعالى يجعل من أمثالك وبالا عليك ، لأنك بمثابة فأر وتتخذ مثلا من فضولك بما لم يقو عليه الأنبياء ، مصيرك كإبليس الذي قاس النار بالتراب ، وقارون ادعى أنه أوتى المال على علم عنده ، ومن ثم فمثلك هذا هو سبب خرابك .
 
( 2797 - 2800 ) موضوع هذه الأبيات مقتبس من الآية 38 من سورة هود :
( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ) .
 
( 2801 - 2807 ) ينزل مولانا إلى المستوى العقلي والروحي لأولئك المدعين فيقدم حكاية رائجة من المأثور الشعبي عن الغفلة في القياس والاستنتاج ، فمن الواضح أن اللص ينقب جدار المنزل ، ومع ذلك فالرجل الساذج بدلا من أن يستغيث يدخل معه في حوار عن الذي يفعله ، فلا يجد بدا من السخرية فيجيب بأنه طبال ، فإن سأله : وأين أصوات الطبول ؟ قال أصوات الطبول سوف تقدمها غذا بصياحك واستغاثتك ( بالطبع بعد أن تكتشف السرقة ) .
وهكذا يكون الجواب للمنكرين إن سألوا : أين الدليل ؟ يقال : غدا تقدم أنت نفسك الدليل عندما تستغيث فلا تغاث إلا بماء يشوى الوجوه .
 
“ 533 “
 
( 2808 - 2824 ) هنا يرد مولانا على المنكرين من أهل سبأ ، وعلى كل أولئك الذين يتناولون عوالم الغيب بمقاييس العالم المادي الذي يعيشون فيه ، وفيما سبق
 
( 2787 ) قال مولانا : إن أي إنسان لا يستطيع أن يضرب الأمثال عند الحديث عن عالم الغيب . والآن يتناول المثال الذي قدموه وهو مثال الأرنب : إن مثال الأرنب لا يمكن أن ينطبق على رسالات الأنبياء إن هذا المثال يرمز إلى شئ اخر ، ويهدف إلى بيان معان أخرى ، فالأرنب في هذه الحكاية هو شيطان الفضول ، والفيل هو نفسك ، وماء العين هو معرفة الحق التي تهب الإنسان الحياة الخالدة ، وتفسيركم هذا اللقصة وتكذيب رسالات الأنبياء كفر وانتظروا العقاب عليه ، فأي تشابه بين القمر والفيل والأرنب مع قمر الحقيقة الذي يقف الوجود أمامه عاجزا ؟ إن الخاص ومن هو من العوام كلهم عاجزون أمام ذلك القمر أي قمر الحقيقة ، إنه شمس وشمس الشمس ، بل إن هذا التعبير قاصر ، انظروا إلى المكذبين من قبلكم ، اقرءوا ( وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ) ( الأعراف - 4 ) .
 
انظروا كم خربت من قرى من أمثال قرى عاد وثمود ، بل انظروا إلى جبل الطور وقد انشق من التجلي الإلهى ، بل إن الشمس نفسها في جنون مما ينزل بها من كسوف ، إن غضب الأولياء والأنبياء كفيل بأن يسلب منكم كل نعم الحياة ومتعها ، وأن يحول خواص كل شئ إلى أضدادها ، إنكم موتى لم تكفنوا بعد ، فانظروا إلى ما حاق بقوم لوط ، إذهبوا وانظروا فلا تزال اثارها باقية وما فيلكم هذا ؟ ألم تقرءوا سورة الفيل وكيف مزقت الفيلة طير الأبابيل ؟ ألم تسمعوا عن طوفان نوح ؟ ألم تسمعوا عن حرب جند فرعون مع موسى وغرق قوم فرعون ؟ ألم تسمعوا عن دمار ثمود صرصر عاد ؟
 
“ 534 “
 
( 2825 - 2834 ) دعنا من فيلة أبرهة . ألم تسمعوا عن الفيلة التي تجندل أي فيل قوى في الوغى ؟ وهذا بقدرة الله لأنهم من رجال الله وأوليائه ، ألم تسمعوا عن الظلمة من الملوك وجبارى الأرض الذين أخذهم غضب قلوب رجال الحق ؟ فمضوا من ظلمة الظلم والجبروت إلى ظلمة القبر دون أن يغيثهم أحد ؟
ألم تسمعوا الذكر الحسن والذكر القبيح ؟ ويتكرر هذا المعنى كثيرا في المثنوى أن القحط يحل حينما يحل غضب الأولياء من الظلم والتعدي على حرمات الله تعالى . وكثيرا ما أشار مولانا في مجالسه عما حاق بخوارزم من غزو المغول نتيجة ظلم خوارزمشاه الذي دفع والد مولانا إلى الهجرة بأسرته ( مناقب - 1 وأنظر الكتاب الثاني البيت 3123 وشروحه ) إنكم تتجاهلون هذا الأمر ، لكن الموت هو الذي سيفتح عينك ما دمت قد أغمضتها هنا على بئر الحياة الدنيوية ولم تفتحها على عالم المعنى ، إنك مفعم بالطمع والافتراس فكيف تتخيل جمال يوسف ، إنك لا تسمع مع أن كلمات الحق استمعت إليها الجبال من لسان داود .
 
( 2835 - 2842 ) العقل هنا هو العقل الناظر إلى الحقيقة والباحث عن الله سبحانه وتعالى . ثم يسوق مولانا بضعة أبيات باللغة العربية والبيت الخامس بالعربية من ليس يرجو خيركم لا يستقيم المعنى ، والمفروض إنه من ليس يرجو “ ضركم “ ولعله من خطأ النساخ . ولنتحدث الفارسية : أي لنقدم بالفارسية خلاصة ما قلناه بالعربية ، والخلاصة كانوا عبيدا لله وهو ما يسعى إليه الفارسي والتركي والهندي وصدقوا براهين الأولياء ، فقد مالت الملائكة إليهم وسجدوا لآدم عليه السلام .
 
( 2843 - 2863 ) تحدث مولانا كثيرا عن الحزم وأكد أنه هو التسليم لأمر الله وإطاعة أوامر رجال الله ( انظر الأبيات 213 و 267 و 2204 ) ويقول هنا :
 
“ 535 “
 
أيها المنكرون انظروا إلى الماضين وإلى الكافرين واتعظوا أو انظروا إلى العاقبة بحزم ، وحتى إن لم تكن مؤمنا فافعل شيئا في طريق الحق من باب الاحتياط ، فمن يدريك أن ما تنكره هكذا ليس حقيقة ؟ ثم يخاطب أبناء الخليقة ( بني آدم ، أولاد الخليفة ، ألم يكن آدم هو خليفة الله في أرضه ؟ ) احزموا أمركم وخذوا بثأركم ممن أضل والدكم وعزله عن عرش الملوكية وطرده من الجنة وهزمه في لعبة شطرنج القلب ، هكذا فعل مع والدكم وهو نبي ، فتخيلوا ما يحدث لكم إن لم تقفوا له بحزم ، تذكروا أباكم في منفاه يبكى حتى ينبت النبات من دمع عينيه وتجرى البحار من غزارة هذا الدمع ، إن ادم ضاق ذرعا منه ، فقس هذا الأمر على نفسك ، فيا عباد الدنيا ، اهزموا هذا الشيطان بتذكر حول الله وطوله وبقولكم :
لا حول ولا قوة إلا بالله ، واعلموا أن كل من زهد في طيبات الدنيا ، يصل إليه قوته من الغذاء المعنوي .
 
( 2864 - 2886 ) يقدم مولانا مثلا اخر للمتردد بين الفخ والنجاة ، أو بين الشهوة والحزم ، فالشبكة والحبة هي الدنيا ، والخلاء هو عالم المعنى ، والطائر هو الإنسان الذي يستطيع الاختيار بين طريق الحق أو خداع الدنيا ، والطائر الذي ترك التردد هو الإنسان الذي يسلك طريق الحق دون شك ودون تردد ، وما أسعد ذلك الطائر الذي يطير نحو الحق ، هو مقتدى الأحرار الذين تحرروا من خداع الدنيا ، وساروا في الرياض والبساتين أي منازل السير إلى الله ، وهو يخاطب المتردد الذي يسقط ويقوم : لقد أسلمت طريق وصول الغذاء المعنوي إليك “ الحلق “ للذبح أكثر من مرة ثم يتوب عليك التواب اللطيف ، ثم تعود ، “ وإن عدتم عدنا “ ( الاسراء / 8 ) لأن الجزاء من جنس العمل . . وهما : أي الجزاء والعمل
 
“ 536 “
 
متصلان كزوجين يحمل الزوج أسيرا تسرع زوجته في أثره ، وكثيرا ما أنجاك اللطيف الخبير لكن فراشة النسيان تجذبك ثانية نحو النار ، لقد نسيت أن الشكر على أنه أنجاك من النار هو ألا تعود إلى هذه النار أبدا ، لكنك لا زلت تحوم حول الفخاخ في حين أنك إن ابتعدت عنها سوف يهبك رزقا بلا شباك أي رزقا خالصا معنويا .
 
( 2887 - 2901 ) يقدم مولانا هنا مثالا اخر على التردد المنبعث من الحرص ، فالكلب المنكمش من البرد يفكر عندما يأتي الصيف أن سيبنى منزلا ، فإن أتاه الصيف وتمددت عظامه واكتست لحما ، اغتر ورأى أن أي منزل لا يمكن أن يسمعه وهذا هو الحرص ، فعندما يكون الإنسان معدما يكون حرصه أقل ، وهذا طبعا عكس أن يكون مالكا فيكون حرصه أكثر وأشد ، وهكذا يفكر الإنسان في التوبة عند الشدة ( البرد ، الشتاء ) فإن ذهبت الشدة ذهب تفكيره في التوبة وبدلا من أن يشكر على النعمة ويتوب ، إذا به ينكص على عقبيه ، مع أن الشكر هو روح النعمة ( أنظر التعليق على الأبيات 2671 - 2678 ) ويعمد مولانا هنا العودة إلى قصة قوم سبأ .
 
( 2902 - 2910 ) يعود مولانا إلى قصة قوم سبأ ، وكيف وقفوا أمام نصح الأنبياء قائلين : إن نصحكم هذا لا فائدة منه لأن الله لا يريد لنا أن ننتصح وهو الذي ختم على قلوبنا وهذه إرادته . . هذا ما أراده لنا كما أراد لكل شئ طبيعته ، ولا يتحول عن طبيعته فلا الحجر يتحول إلى ياقوت ، ولا القديم يصير جديدا ،
 
“ 537 “

ولا التراب يصير ماء ، ولا الماء ترابا ، كل مخلوق وقسمته وجبلته التي جبله الخالق عليها ، أي أن المقصود : نحن على كفرنا وإنكارنا مجبرون .
 
( 2911 - 2918 ) أجاب الأنبياء أن هناك صفات ذاتية وصفات عرضية ، والصفات العرضية قابلة للتغيير والتبديل ، ومن أجل هذا وجد الأنبياء ، فالمبغوض يتغير ويصير محبوبا سواء في علاقته مع الناس أو في علاقته مع الله والتراب ينبت الزهر ، والمعادن قابلة للتحول بالكيمياء والله سبحانه وتعالى خلق لكل داء دواء .
 
( 2919 - 2923 ) أجاب الكفار : لقد ثبت بالدليل القاطع أن ما بنا من داء لا يقبل الدواء ، والدليل أنكم فعلتم كل ما في وسعكم دون أن يؤثر هذا علينا ودون الوصول إلى نتيجة ، زو يزول ذرة مما فينا ، فالتهاب الكبد وتورمه “ السدة “ يأتي بالعطش الشديد الذي لا يرويه ماء .
 
( 2924 - 2949 ) يرد الأنبياء : إن هذا الكلام هو من نتاج اليأس واليأس قبيحلا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( الزمر / 53 ) 
ولنفرض أنكم قد صرتم كالحجارة ، وأن هناك أقفالا على قلوبكم ، فهذا ليس شأنناوَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( يس / 17 ) إننا مكلفون بنصحكم من لدن الحكيم الخبير ، ولا شأن لنا باستجابتكم من عدمها وأجرنا في هذا على الله ، ونحن لا نكل ولا نمل من خدمة ربنا ، وليس يصيبنا حزن ، فإنما يحزن من هو في فراق عن الحبيب ، ومحبوبنا معنا ، ونحن واصلون إلى الحق ، ولا قيمة للزمن عندنا ، إذا لا تطرأ علينا شيخوخة ، والدليل فتية الكهف الذين
 
“ 538 “
 
مكثوا في الكهف ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا ، وما دام قد سقط من حسابنا فلا سأم ولا شيخوخة ولا ملل ، وهذا كلام غريب عليكم “ لأن من ذاق عرف ومن حرم اختلف “ وهل يتوهم الجعل أنفاس الورد ؟ 
إن كل متوهم معدوم . وحتى الوهم نابع من شخص من يتوهم فهل يتوهم الجحيم الجنة ؟ وهل يتوهم الخنزير القبيح الطلعة الحسنة ؟ 
إن هداية الله قريبة منكم كلقمة وصلت إلى الفم ، ونحن قد قطعنا الطرق الصعبة ، ولم يبق إلا القليل إن الشيخ هو الذي يقطع الطرق الصعبة لكي يمهدها لمن يأتون من بعده “ ، وإن القلب يصير مثل الخيط ، والروح في شهود حتى يمسك الشيخ بأول الخيط “ . ( كتاب 6 / 2943 - مناقب 1 / 76 ) 


( 2950 - 2956 ) يكرر المنكرون حجة أخرى طالما وجهت إلى أولئك الذين يرون المجتمع في حاجة إلى إصلاح فيخرجون ويجأرون بالنصح فيرد عليهم أولئك الذين استكانوا إلى الرفاهية : لقد فرقتم جمعنا ، لقد ألقيتم بيننا الفرقة والشحناء ، أنتم سبب ما نحن فيه من بلاء ، ما هذا الكلام عن الآخرة ؟ 
إنكم تلقون بنا - نحن المنعمين - في فكر الموت وفي هم الموت ، إنكم تسلبون منا الهناء وتثيرون فينا التساؤلات وتأخذوننا من هذه الحياة المنعمة إلى قصص الحزن وحكايات النكال ، ما هذا ، هذه الصورة التي يقدمها مولانا جلال الدين أليست تتكرر في كل عصر وفي كل بيئة ؟ وقد جمعها القران في آية واحدة قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ( يس / 18 ) .
 
( 2957 - 2984 ) أجاب الأنبياء : نحن لسنا بالفأل السئ عليكم ، بل إن نحسكم وشؤمكم يأخذ المدد من داخلكم أنتم طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ
 
“ 539 “
 
قَوْمٌ مُسْرِفُونَ( يس / 19 ) . . لماذا التطير هنا ؟ لماذا تسمع قول الطبيب وقول المنجم عندما يأمرك بألا تفعل شيئا ؟ لماذا لا تقول له : إنه يتحدث بفأل السوء ؟
مع أن المنجم والطبيب قد يخطئان لكن النبي لا يخطئ أبدا ، ومن هنا ففأل السوء معك أينما تمض تدركه وتراه عيانا ، وحينما يحيق بك شر كفرك وعصيانك سوف تجأر بالصياح لما ذا لم تنبهنى ؟ 
لقد نبهتك يا هذا كثيرا لكنك قابلت الإحسان بالسوء ، وهكذا طبع اللئام ، فعالج نفسك أولا ، اجعلها مطيعة بالصبر إنها لئيمة فاجعلها تتواءم مع الإحسان ، حتى تعلم العرفان بالجميل ، وحتى لا يكون مصيرك هو مصير الكفار الذين يعاندون حتى إذا ألقى بهم في الجحيم نادوارَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ( المؤمنون / 107 ) .
 
( 2985 - 2999 ) في عنوان الأبيات إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق الخليقة ينظر إلى السماء والأرض ويقول لهما :ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ( فصلت / 11 ) ، فالطيب والشرير في الوجود كلاهما في طاعة الله ، والكافر يجأر إلى الله في ملمات الدنيا وعندما يذوق نار الجحيم ، وعندما يدخل اللص واللئيم السجن يجأران إلى الله بالدعاء والشكوى والجحيم بالنسبة للكافر والمنكر مسجد لأنهما يذكران الله فيه ، وكل من في الوجود يعبد الله عبادة ما وبأسلوب ما ، وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( الذاريات / 56 ) ، وخلقت الخلق لكي أعرف ، ومن الإنسان يتأتى الشر والخير لكن المقصود في الأصل هو العبادة ، لكنك تترك الأصل من خلق الشئ وتنصرف إلى الفرع . كما تتخذ من الكتاب وسادة ، ومن المسمار سيفا ، والله يجعل من عبادة كل إنسان جديرة به وبشخصه ، فالكريم يعبد طوعا ، لكن اللئيم يعبد كرها ،
 
“ 540 “
 
لقد أراد موسى عليه السلام أن يذل الجبارين فصنع “ باب الحطة “ وفي خطبة للإمام محمد الباقر رضي الله عنه قال : نحن باب حطتكم ( جلبنارلى 6 / 307 ) وهو أقصر من قامة الإنسان حتى يدخل جبارو بني إسرائيل منحنيني ، وانظر إلى أي جبار في هذه الأرض ، إن الله سبحانه وتعالى يسلط عليه أحقر خلقه لكي يذلوه ويحطوا من كبريائه ولكي يعلم أن فوقه خالقا ، ولكي يجأر إليه بالشكوى شاء أم أبى! ، أليس هذا هو ما نشاهده كل يوم ؟ 
وأليست كلمة الخالق سبحانه وتعالى هي التي جعلت مصرع النمرود - جبار الجبارين - على يد أحقر الخلق أي بعوضة ؟ ، 
انظر إلى مولانا في الأبيات السابقة والأبيات التالية ، كيف كانت عينه دائما على جبارى الأرض ؟ .
 
( 3000 - 3015 ) بينما يتشدق المتشدقون بأن الإسلام قد قال بالحق الإلهى للملوك ، ها هو ذا مولانا جلال الدين في تحليله لظاهرة الطغيان والجبارين يقدم فكرة جديدة : وهي أن الملك الحقيقي الجدير بالسجود هو الله سبحانه وتعالى وأن هؤلاء الملوك الظاهرين إنما خلقوا فتنة وإذلالا لكي يسلطوا على من لا يقوم بعبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ، وهو يشبههم ، هنا بالباب الصغير أو باب الحطة الذي أقامه موسى عليه السلام على ربض القدس ، لكي يكون إذلالا لجبارى بني إسرائيل إذ يطأطئون الرؤوس عندما يدخلون إجلالا للحق وحده وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( البقرة / 58 ) 
ولا يسجد لهؤلاء الملوك الصوريين إلا أعداء السجود للملك الديان ، وبما أن هناك محرابا يتوجه به العابد بالصلاة للخالق وحده ، فهناك “ مزابل “ جعلها

“ 541 “
 
هؤلاء الملوك الصوريين محرابا لهم ، وأسماء هذه المحاريب المزابل ( ! ! ) الأمير والبطل ، ولا يأتي إلى محراب الكلب ( سلاطين الدنيا ) إلا الأخساء ، وعار على رجال الحق أن يميل إليهم هؤلاء الأخساء ، ولا يخشى القط ( سلطان الدنيا ) إلا من كان فأرا ، فأرا في جبنه وحرصه وطمعه وعبادته للفتات ، هؤلاء جبلوا على الخوف من كلاب الحق “ سلاطين الدنيا “ ومن ثم فهم لا يخافون الله سبحانه وتعالى ، لأن الخوف من الخلق لم يترك في قلوبهم مجالا للخوف من الحق ، فهم جديرون بهذا الرب الذي يعبدونه “ ربى الأدنى “ وليسوا جديرين بعبادة الإله الواحد الأحد “ ربى الأعلى “ ، إنهم العابد والمعبود من جنس واحد ، العابد لاعق للأطباق طفيلى يجرى وراء متاع الدنيا ولا يهمه أن يبيع دينه بدنياه ، والمعبود من هؤلاء السلاطين والأمراء والقواد لاعق أيضا وإن كان لاعقا للقدور كل منهم يجرى وراء متاع جدير به وبمنصبه في الدنيا ، ويرى مولانا أنه قد مضى في شرح هذه النقطة و “ اندفع “ كعادته فيمسك نفسه ساخرا : كفاك . . فلو أنك مضيت في الشرح ، وشرحت هذه الأمور بعمق ، فإن “ الأمير “ سوف يغضب ، وهو سوف يغضب لأنه هو نفسه يعلم أنه كذلك ، يعلم أنه يخيف الناس وهو يخاف من السلطان ، وأن الناس يلعقون أطباقه بينما هو لاعق لقدر “ السلطان “ ، وهكذا يتواتر الظلم والخوف والطفيليون من أعلى إلى أسفل ، ويعود مولانا إلى شرح عبادة اللئيم “ كرها “ وعبادة الكريم “ طوعا “ واللئيم جحود ، والكريم شاكر ، ومن ثم يطغى أهل النعمةإِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى، ومن هو الطاغي ؟ إنه ذلك الأمير الذي يلبس قباء مذهب الحواشى ، إنه يتوهم أنه يخفى بملابسه ، ونياشينه قبح نفسه ، ومن هنا فمن صفت سريرته لا يهمه أن يكون
 
“ 542 “ 

في قباء ممزق ، فالشكر لا ينبت من النعمة ، إنه ينبت من البلايا والنقم التي تصقل النفوس والأرواح وتذيب من عليها كدر الرفاهية والراحة .

( 3016 - 3031 ) إن أهل البلوى والصفاء شاكرون حتى على عدم العطاء ويقدم مولانا حكاية جديرة بالمقام لم ترد في مصدر قبله ، فها هو ذا أحد الصوفية يرى سفرة خالية معلقة بمسمار ( السفرة هي مفرش يبسط على الأرض ثم يعلق بعد الطعام ) فيتواجد الصوفي أي يصاب بحالة من الوجد ، ويصاحبه الصوفية في رقصة وهياجه وحرقته وذوبانه ، إن السفرة الخالية المعلقة تقول لهذا الصوفي : إنه وإن لم توجد لديك لقمة خبز واحدة تستطيع أن تكون عاشقا للحبيب ، إنه زاد من لا زاد له يعطى الفقراء والدراويش القدرة على السير أو السلوك الصوفي وعدم النظر إلى العالم المادي ، وإذا وصل المرء إلى هذه المرحلة فإن القحط والآلام لا تؤثر فيه ، وها هو ذا فضولي خال من المعنى يعلن تعجبه لهذا . . ولم لا ؟ 
إنه صورة بلا معنى إنه صورة إنسان دون معنى الإنسان ، هو معلق بالمادة ، ويترك مولانا الحكاية إلى نتيجتها : إن عشق الخبز بلا خبز هو الضراعة والجذب دون نفع مادي محسوس ، إن هؤلاء الذين يضحون بالوجود إنما يأخذون كسب هذه التضحية قبولا من الحق وهو النفع الكلى ، لأن المقبولين من الحق قادرون على كل شئ دون أن تكون لديهم أداته المادية ، ويذكر أبا الخير الأقطع ( انظر تعليقات 1614 ) نموذجا واضحا ، 
والعدم المذكور هنا هو العدم الصوري ، حيث لا اهتمام بالوجود الظاهري والحياة المادية وعشاق الحق موجودون في ذلك العالم ، لهم وجود واحد مرتبط بوجود الحق ، ثم يتحدث مولانا عن النضج المعنوي والإدراك ، فالوليد لا يفهم معنى الغذاء المطبوخ
 
“ 543 “

والجنى يتغذى بالرائحة ( في اعتقاد القدماء ) ، لكن الإنسان ذو احتياجات مادية فإن تجرد منها سما على طبيعته ، وهذا كما يكون ماء النيل دما على قوم فرعون وماء لقوم موسى ، ويكون البحر غرقا لقوم ومعبرا لقوم موسى .
 
( 3032 - 3039 ) إن كل إنسان لا يستطيع أن يدرك حقائق عالم الغيب ، فإخوة يوسف عليه السلام لم يروا في وجهه تجلى نور الحق ، بينما راه يعقوب ورأى عن طريق اثار الربوبية ( رائحة الحق - رائحة القميص ) ، ومن ثم فإن يعقوب بكى على يوسف حتى ابيضت عيناه بينما ألقاه إخوته في البئر ، ومن ثم فقد كانت “ سفرة “ يوسف خالية بالنسبة لإخوته لكن يعقوب رأى فيها القوت المعنوي ، وذلك الذي “ لم يغسل وجهه “ أي ليس جديرا بإدراك عوالم الغيب ، ولا يمكن أن يرى وجوه الحور أي أسرار الغيب ، فلا صلاة أي لقاء مع عوالم الغيب ، إلا بطهور ، والمعنى هنا تحوير لمعنى شائع “ لا صلاة إلا بحضور “ ومن هنا ما يعشق هو قوت الأرواح ، ولا قوت للأرواح إلا بتهذيب النفس عن طريق الجوع ، فالجوع يقوى الروح في سيرها ، ومن هنا كان يعقوب يبحث عن يوسف “ غذاء الروح “ ولم يكن يرضيه سوى هذا ، وبينما كان البشير يحمل قميص يوسف من مصر إلى أرض كنعان لم يكن يشم ريح القميص ( عوالم الغيب ) بينما كان يعقوب يشمها وهو في أرض كنعان .
 
( 3040 - 3043 ) العلم إذن غير الذوق ، وليس العلم دليلا إلى عوالم الغيب ، فعلماء الظاهر حفاظ للعلم ولا نصيب عندهم من “ علوم “ عوالم الغيب ، فهم ليسوا بالأحبة المختصين بهذا العلم ، ومن الممكن للعامي الذي يستمع إلى
  
“ 544 “ 

علماء الظاهر ويدرك شيئا “ معنويا “ عن علومهم الظاهرة لأنها ليست متغلبة عليه ، وليس مشغولا بها ، وليس مغرورا باستظهارها وحفظها ، لأن هذا العلم في يد علماء الظاهر مثل قميص يوسف في ذلك البشير أو في مثل جارية حسناء في يد نخاس ، هي في يده مؤقتة وغير باقية ومن أجل المشترى .
 
( 3044 - 3050 ) هذه هي قسمة الحق ، أي أنها شئ مخصوص بالحق ، وهو لا يعطى رزق أحد لآخر ، وكذا مشاغلنا وأوهامنا في الدنيا هي أيضا من عطاء الحق ، أحيانا يصنع من خيالنا جنة في وجودنا ، وأحيانا يصنع من تصوراتنا وأوهامنا جحيما في وجودنا ، ورياض الله هي قلوب من يفكرون في الله ومزابله هي بواطن الأشرار وأولئك الذين لا طريق لهم إليه . . وكل إنسان لديه الإمكانية أن يجعل من باطنه جنة أو جحيما أو جنة أو مزبلة ، ولا يدرى أحد من أي أركان الروح ، أي من أي النواحي النفسية والنواحي الإلهية لروح الإنسان تنبع هذه الأفكار السيئة أو الأفكار الطيبة ، فالقلب الذي هو في طريق الله لا يرى هذه المنابع في الروح ، ولو كان يراها لسد طريق الأفكار الشريرة بالحيلة لكيلا تتعثر في الطريق إلى الله ، إن أي “ جاسوس “ أي حارس للقلب الذي في طريق الله لا يخطو خطوة واحدة إلى منبع الخيالات فإن منبع الخيالات حيثما لا يكون وجود صوري ويسميه مولانا العدم ، أي الوجود المطلق اللانهائى الذي يسميه أهل الظاهر العدم .
 
( 3051 - 3056 ) إن أفكارنا وأحوالنا إذن تنبع من العدم ، ولكي لا نسقط فريسة للأفكار الشريرة ولا تظهر في بواطننا “ جهنم “ أو “ مزبلة “ علينا أن
 
“ 545 “
 
نعتمد على فضل الحق ، التسليم بعمى . . و “ قبض الأعمى “ مصطلح شرعي فحواه أنه إذا كان المشترى في المعاملات أعمى ينبغي أن تسلم البضاعة المشتراه إلى يده حتى يكون انتقالها مسلما فأمسك برداء فضله إذن كما يمسك الأعمى بما اشتراه ، وما هو طرف رداء فضله ؟ إنه طاعة الله ، والتقى إذن سعيد لأنه في فضل من الله ، ومن يوفق إلى هذه الطاعة والتقى كأنه دائما في مكان جميل ، ومن لا يصل إلى هذا التوفيق يكون في المكان نفسه في عذاب ، ويقول الموفق للمحزون : إنك تستطيع أيضا أن تكون سعيدا فيقول له ، لا أستطيع لأن الله سبحانه وتعالى لم يمنحه هذا التوفيق .

( 3057 - 3065 ) وردت هذه الحكاية قبل المثنوى في مكتوبات مولانا جلال الدين ، وقبلها أوردها والد مولانا في معارف بهاء ولد ، وفي فيه ما فيه لمولانا قصة رجل غير مسلم كان له غلام مسلم بينهما ما يشبه هذه الحادثة وكان زمن القصة هو عهد الرسول ، ( ماخذ / 117 ) وفي 3058 : حجر الطفل حجر كان يستخدم في الاستحمام ، وفي 3063 لم يكن إشارة إلى اخر سورة الإخلاص “ لم يكن له كفوا أحد “ ، وفي 3065 ذو الفنون أي الله سبحانه وتعالى .

( 3073 - 3078 ) “ البحر “ في مصطلح مولانا هو عالم المعنى والوجود الإلهى المطلق ، والأسماك هنا هم الواصلون إلى الحق الذين يسبحون في بحر المعنى ، وسكان البر أولئك الذين لا علم لهم بذلك العالم ولا طريق لهم إليه . .
وهم يريدون بالحيلة والتدبير وبالعقل المادي والعلم الظاهري أن يصلوا إلى حقائق الغيب وهذا ليس ممكنا ، ويخاطبهم مولانا : بالتسليم أمام مشيئة الحق
 
“ 546 “ 
وقبول رضا الحق تستطيع أن تفتح باب عالم المعنى أمامك ذلك أنه لو تبدلت كل ذرات العالم إلى مفاتيح فإن باب عالم المعنى لن يفتح أمام محبي الدنيا اللهم إلا إذا أبدى الله سبحانه وتعالى لطفه ، ولهذا شرطان :
الشرط الأول : أن نترك “ التدبير “ ، والشرط الثاني : أن يقوم شيخ بهدايتك ، إن نسيان الذات هو باب ذكر الله لك ، والعبودية الكاملة لله هي أساس الحرية الكاملة .

( 3079 - 3083 ) يواصل مولانا قصة قوم سبأ الذين أنكروا رسالة ثلاثة عشر نبيا ، ويشير مولانا في العنوان إلى الآية ( 110 من سورة يوسف ) حيث ييأس الرسل من إنكار الناس وكفرهم فيأتيهم نصر الله ، وها هم أولاء أنبياء قوم سبأ يعبرون عن يأسهم بينهم وبين أنفسهم : إن نصح هؤلاء أشبه بالدق على الحديد البارد والنفخ في القفص الذي لا يبقى على ريح ، أي عمل لا طائل من ورائه والحركة من الخلق من القضاء ، وفي موعد يعلمه الله تعالى ، إنه يجعل أقدار النفس الجزئية منوطة بالنفس الكلية ، فالعقل الكلى من المقدرات الإلهية وظهورها في النفس الجزئية الإنسانية لأن الجزء مغلوب للكل ، فالشفاء مما هو منقوش في اللوح ( مولوى 3 / 410 ) ، إن القضاء جار على الأجزاء الكلية للعالم وكل ما يبدو من الأجزاء أنه هو تابع للكليات ، وحيثما تستوجب الروح الإنسانية القهر ، فإن الروح الكلية للعالم تهاجمها ويبدو فيها فعل الكفر والأفكار لأن عفن السمكة ، من رأسها ، ومن هنا فليس من الممكن هداية هؤلاء وها هم أولاء يبدون يأسهم قائلين : حتام النفخ في القفص ؟ لكن مولانا يجيبهم : أعلم
 
“ 547 “ 

أن الأمر هكذا ، لكن واصل عملك . . إنك عبد وقد قال لك خالقك أبلغ ولا مهرب من هذا .

( 3091 ) مضمون البيت مقتبس من حديث منسوب إلى رسول الله “ التاجر الجبان محروم والتاجر الجسور مرزوق “ .

( 3092 ) كل الأمور موكولة بالأمل فيها والرجاء في أمور الدنيا ممكن أن يتحقق أو لا يتحقق ، لكن الأمل في الله ليس أملا واهيا ، وإذا انشغلت بأمور الدين فسوف تنجو من هذه الأمور الدنيوية .

( 3094 ) وقرع الباب هو الأمل في الله وهو الطلب ( انظر شرح 4783 - 4798 ) .

( 3095 - 3105 ) المقلد هو من لم يدرك حقائق عوالم الغيب عن طريق القلب ، وعكسه هو المحقق ، فالمقلد يطوى الطريق إلى الله بالخوف والرجاء أما المحقق فقد محى في الحق فلا رغبة عنده حتى يخاف أو يرجو ، ومن ثم يقول :
مع وجود الاحتمال بأنك لن توفق فإن الرجاء يجذبك نحو العمل ، هأنتذا تكافح في هذه الدنيا مع وجود الخوف من الحرمان ، فلما ذا لا تخشى الحرمان في طريق الحق ؟ ولماذا لا يوهنك هذا الخوف في سعيك من أجل الدنيا ؟ ، مع أنه إن كان قد كتب عليك الحرمان فقد كتب عليك منذ الأزل ، فإذا أجبت : إنني إن لم أسع الدنيا فإن احتمال حرماني فيها أكثر ، أسألك : إنك وأنت تسعى في الدنيا تخاف من الحرمان فلماذا لا يمسك بك هذا الخوف من الحرمان في أمور الدين ولا يتركك تعمل ؟ إن السبب هو أنك سىء الظن ولا إيمان عندك أو ربما لا تعلم
 
“ 548 “
  
أية منافع هي تلك التي يحصل عليها رجال الحق ، إن الفوائد الموجودة في سوقنا لا يعلمها إلا الله تعالى ، مثالها أن النار لا تؤذيهم ( إبراهيم عليه السلام ) ، وأن البحر يحملهم ( نوح وسفينة ) ، وأن الحديد يلين في أيديهم ( داود عليه السلام ) ، وأن الريح تحت حكمهم ( سليمان عليه السلام ) ، وما هو للأنبياء يكون للأولياء .
 
( 3106 - 3111 ) وإذا كانت ألطاف الإلة بالأنبياء جلية ، فإن ألطافه بالأولياء خفية ، ذلك أن “ للَّه أولياء أخفياء رؤوسهم مغبرة وجوهم إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم وإذا غابوا لم يفتقدوا وإذا حضروا لم يدعوا وإن مرضوا لم يعادوا ، وإن ماتوا لم يشهدوا وهم مجهولون في الأرض مشهورون في السماء “ ( حديث نبوي مولوى 3 / 413 ) . إنهم يملكون كل ما ينسب إلى الأنبياء لكن لا عين تقع عليهم ، فكر أماتهم مسبغة بالسر الإلهى وحيث أن الأبْدَال لا يعرفونهم ، إنهم مستترون حتى على من هم من جنسهم ، ومما روى عن أبي بكر الكتاني أنه كان مراقبا في فناء الكعبة وهناك محدث فأتاه الخضر عليه السلام وقال له : لم لم تسمع ؟ قال : إذا حضر النبي لا يسمع من غيره ، قال : من أين يعلم أن هناك نبيا قال : أما أنت الخضر النبي ؟ قال : كنت أعتقد أنى أعلم جميع الأولياء فعلمت الأن أن منهم من يعلمني ولا أعلمه . ( مولوى 3 / 413 ) إن هؤلاء يدعونك ، وإذا دعاك الكريم أن تلقى بنفسك في النار فألق نفسك فيها .
 
( 3112 - 3131 ) الحكاية هنا قائمة على خبر عن النبي : كان النبي ، يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها فإذا توسخ ألقاه في النار

“ 549 “
 
فينظف فيمسح به وجهه ويقول : النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء ( مولوى / 414 ) ، ولعل اختيار أنس رضي الله عنه لأنه أدرك الرسول وعايشه والحكاية مصداق للبيت رقم 3111 . لقد سمعت الجارية أمر أنس رضي الله عنه بأن تلقى المنديل في النار ولم تتردد لحظة أنها على ثقة بالكرام ، بل إنه لو طلب منها أن تلقى بنفسها في النار لألقت بنفسها دون تردد ويعلق مولانا طلبا بأن يعرض المرء نفسه على هذا الإكسير أي الثقة والتوكل والثقة بأولياء الله ، ولا ينبغي أن يكون الرجل في صدقه وثباته على الطريق أقل من المرأة ، فرب نساء في الطريق كن أكثر ثباتا من الرجال ، والقلب الذي يكون عند الرجل أقل من قلب امرأة ، ليس قلبا بل هو بطن ( وعاء للشهوة الدنيوية ) .
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: