الاثنين، 10 أغسطس 2020

05 - قصة ذلك الملك اليهودي الذي كان يقتل النصارى تعصبا المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

05 - قصة ذلك الملك اليهودي الذي كان يقتل النصارى تعصبا المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

05 - قصة ذلك الملك اليهودي الذي كان يقتل النصارى تعصبا المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

قصة ذلك الملك اليهودي الذي كان يقتل النصارى تعصبا
 
325 - كان في اليهود أحد الملوك وكان مختلفا للظلم ، كان عدوا لعيسى ، فاتكا بالنصارى .
- كان العهد عهد عيسى ، وكانت النوبة نوبته ، وكان روحا لموسى وموسى كان روحا له .
- لكن الملك الأحول فصل في طريق الله بين هذين النجيين الإلهيين .
- " ومما يروى " أن أستاذا قال لأحد المصابين بالحول ، أدخل الحجرة وهات تلك الزجاجة .
...............................................................
( 1 ) البيت من نسخة جعفري ( 1 - 148 ) وهو في نظري أقرب إلى الصحة من نص نيكلسون واستعلامى :
إنهم يصنعون أسدا صوفيا من أجل التسول .

 
« 65 »
 
- فقال الأحول : أي الزجاجتين أحضرها ؟ بين لي الأمر جيدا .
 
330 - قال الأستاذ : ليسا زجاجتين ، اذهب ودعك من الحول ، ولا تر الشئ زائدا 
- قال : لا تسبني أيها الأستاذ ، فقال الأستاذ : اكسر واحدة من هاتين الزجاجتين .
- وعندما كسر واحدة احتفت كلتاهما عن ناظريه ، والمرء ينقلب إلى أحول من الميل والغضب .
- كانت زجاجة واحدة وظهرت له اثنتين ، وعندما كسر واحدة ، لم تبق الأخرى .
- فالغضب والشهوة يجعلان المرء أحول ، ويحولان الروح عن طريق الإستقامة
 
335 - وعندما حل الغرض ، كتم الفضل ، وانطلق من القلب مائة حجاب صوب النعين .
- وعندما يفكر القاضي في الرشوة بقلبه ، متى يعرف الظالم من المظلوم الشاكي ؟
- وهكذا صار الملك أحول من الحقد اليهودي فواغوثاه يا رب واغوثاه .
- وقتل مئات الآلاف من المؤمنين المظلومين قائلا : إنني لدين موسى الملجأ والظهير
 
تعليم الوزير المكر للملك
 
- كان لديه وزير مجوسي محتال ، كان من المكر بحيث يعقد العقد على الماء
 
 340 - فقال له : إن النصارى يكتمون دينهم على الملك حرصا على أرواحهم . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 172 : - فقال للملك : أيها الملك الطالب للسرائر ، كف عن قتلهم وانصرف عن سفك الدم .

 
« 66 »
 
- فكف عن قتلهم أيها الملك إذ لا فائدة منه ، فليس للدين رائحة كالمسك والعود 
- فهو سر مكتوم في مائة غلاف ، والظاهر لك وإن اختلف الباطن عنه .
- قال له الملك : إذن قل لي ما هو التدبير ؟ وما حيلتنا في هذا المكر وهذا التزوير ؟
- وذلك حتى لا يبقى في الدنيا نصراني ، سواء منهم من يظهر دينه أو يكتمه
 
 345 - قال : أيها الملك ، اقطع أذني وابتر يدي واجدع أنفي بحكم لا هوادة فيه 
- ثم إيت بي إلى المشنقة " ليتقدم " أحدهم ويشفع لي عندك 
- واجعل عملك هذا على الملأ ، وعلى رأس طريق يفضي إلى أحد الميادين .
- ثم انفنى من بعدها إلى مدينة بعيدة ، حتى ألقي بين ظهرانيهم الفتنة والشر . « 1 »
 
[ تلبيس الوزير للنصارى ]
- سوف أقول لهم إنني نصراني في السر ، وأنت تعلم ذلك يا إلهي العالم بالسر .
 
350 - وقد علم الملك بإيمانى ، ومن تعصبه هم بالقضاء على .
- وقد أردت أن أخفى عن الملك ديني ، وأن أظهر له أنني على دينه .
- وعلم الملك النذر اليسير من أسرارى ، ووقعت له الريبة من أقوالي .
- وقال لي : أقوالك كأنها الإبر داخل الخبز ، لكن هناك كوة بين قلبي وقلبك .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 173 : - وعندما يصبح هؤلاء القوم قابلين للدين منى ، فاعتبر أمورهم برمتها تبابا . 
- ولألق بالفتنة والفرقة بينهم ، بحيث يحار كهنتهم فيما أبديه من فن - وما سوف أفعله مع النصارى ، لا يتأتى الآن في بيان . 
- وعندما يعتبروننى مؤتمنا عالما بالأسرار ، سوف أضع أمامهم فخا آخر . 
- وأحدهم جميعا بحيلي ، وألقي بينهم بمائة نوع من الجدل . - حتى يقوموا بأيديهم بسفك دمائهم أمامى . . وهكذا تم الكلام .

 
 
« 67 »
 
- ومن هذه الكوة رأيت أحوالك ، ولأننى رأيتها لا أسمع مقالك
 
 355 - ولو لم تكن روح عيسى حرزا لي ، لكان قد مزقنى إربا بيهوديته .
- وأنا من أجل عيسى أضحى بالروح ، وأبذل الرأس ، وله على مع هذا مئات الآلاف من المنن .
- فلست أبخل بالروح على عيسى ، لكن " المشكلة " أنني متبحر في علم دينه .
- فوجدت أنه من الخسارة ، أن يهلك هذا الدين بين الجهلة .
- والشكر لله ولعيسى أننا صرنا هداة إلى هذا الدين الحق ،
 
 360 - ونجونا من اليهود ومن الدين اليهودي ، حتى عقدنا على مناطقنا الزنار .
- فالنوبة نوبة عيسى أيها الناس ، فاستمعوا بأرواحكم إلى أسرار دينه . « 1 » 
- ففعل به الملك ما أشار عليه به ، وبقي الخلق في حيرة من هذا المكر الخفي .
- وساقه نحو النصارى ، فشرع بعد ذلك في الدعوة بينهم . « 2 »
 
قبول النصارى مكر الوزير

 
- فتجمع مئات الآلاف من النصارى حوله ، و " أقاموا " في الحي الذي يسكنه
 
 365 - وأحذ يبين لهم في السر ، أسرار الإنجيل والزنار والصلاة . « 3 » 
- لقد كان في الظاهر واعظا للأحكام ، لكنه كان في الباطن فخا وصفيرا .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 174 : - وعندما يعتبروننى مؤتمنا ومقتدى ، سوف ينقادوا إلى جميعا باحثين عن الهداية . 
- وعندما فصل الوزير للملك هذه المكيدة ، قضى علي القلق في قلبه تماما .
( 2 ) ج / 1 - 174 : - وعندما رآه النصارى مسكينا هكذا ، أخذوا يذرفون الدموع حزنا عليه . 
- وهكذا أحوال العالم برمتها يا بنى ، كلها نتبع من الحسد .
( 3 ) ج / 1 - 176 : - كان يبين لهم دائما بلسان فصيح ، ما روى من قول أو فعل عن المسيح

« 68 »
 
- ومن هنا كان بعض الصحابة يطلبون من الرسول ، أن يبين لهم مكر النفس التي هي كالغول .
- وما الذي يمتزج من الأغراض الخفية ، في العبادات وفي إخلاص الروح .
- لم يكونوا يطلبون منه أن يبين لهم فضيلة العمل الظاهر ، بل كانوا يطلبون منه أن يدلهم على عيوب الباطن . « 1 »
 
370 - فكانوا يعرفون مكر النفس شعرة بشعرة وذرة بذرة ، مثلما يعرفون التمييز بين الورد والكرفس « 2 »
- وكان أذكياء الصحابة يشعرون بحيرة في أرواحهم من ذلك الوعظ الصادر منه
 
اتباع النصارى للوزير
 
- وأسلمه النصارى قلوبهم بالتمام ، ومن يدريك بقوة التقليد العام .
- وغرسوا حبه في أعماق صدورهم ، وكانوا يعتبرونه نائبا لعيسى .
- وهو في السر الدجال اللعين ، فيا أيها الإله ، أعنا . . يا نعم االمعين .
 
375 - فهناك مئات الآلاف من الشباك والحبوب يا الله ، ونحن كالطيور الجائعة الحريصة .
- ولحظة بعد أخرى نسقط في شباك جديدة ، كل منا ، حتى وإن كان بازيا أو عنقاء 
- وأنت تنقذنا في كل لحظة ، ثم نمضي ثانية نحو الشباك . . يا منزها عن الحاجة 
- ونحن لانفتأ نختزن القمح في هذه الأهراء ، ولا نلبث أن نفقد القمح الذي تجمع فيها .
...............................................................
( 1 ) هذا البيت مترجم عن نسخة جعفري لأننى رأيتها تستقيم في المعنى والسياق عن النسخ الأخرى .
( 2 ) ج / 1 - 177 : - لقد قال حذيفة فصلا عن هذا لحسن ، حتى صار به ذكره وتذكيره حسنا .

« 69 »
 
- ولا نفكر بعقولنا آخر الأمر ، أن هذا النقص في القمح من مكر الفأر .
 
380 - وأن الفأر أحدث نقبا ووصل " منه " إلى أهرائنا ، وبحيلته ومكره خرب هذه الأهراء .
- فيا أيتها الروح ، قاومي من البداية شر الفأر ، ثم جدى آنذاك في جمع القمح .
- واستمعي إلى الأنباء من صدر الصدور ، " لا صلاة تم إلا بالحضور " « 1 » 
- وإذا لم يكن الفأر اللص قد " تسلل " إلى أهرائنا ، فأين بر أعمال تمت في أربعين سنة ؟ ! 
- ولماذا لا يتراكم فتات صدق كل يوم في أهرائنا هذه ؟
 
385 - وكثيرا ما انبعث شهاب من الحديد ، قبله ذلك القلب المحترق وضمه إليه .
- لكن لصنا كامنا في الظلمة ، يضع إصبعه على الشهب .
- ويقتل هذه الشهب واحدا بعد الآخر ، حتى لا يبعث مصباح من مصابيح الفلك بالضياء .
- وإذا كانت هناك آلاف الفخاخ في كل خطوة . . ما دمت معنا فلا حزن يحل بنا أبدا .
- وما دامت عناياتك لاصقة بنا ، متى يمكن أن تكون هناك خشية من ذلك اللص اللئيم .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .


« 70 »
 
390 - وإنك لتخلص كل ليلة الأرواح من سجون الأجساد ، وتحطم الألواح والحواجز " التي تحيط بها " .
- وتنجو الأرواح كل ليلة من هذه الأقفاص ، مجردة تكون ، فلا حاكم ولا محكوم .
- ففي الليل لا خبر للسجناء عن السجن ، وفي الليل لا خبر للسلاطين عن الدولة .
- فلا حسرة ، ولا فكر عن النفع والضر ، ولا هم ولا خيال عن هذا وذلك .
- وهكذا يكون حال العارف حتى عندما لا يروح في النوم ، ولقد قال تعالى " هم رقود " فلا تفزع منهم .
 
395 - إنهم غافلون عن أحوال الدنيا ليل نهار ، وكأنهم القلم يقلبون بين أصابع الرحمن .
- وذلك الذي لا يرى القبضة رأى العين ، يظن أن الفعل من حركة القلم .
- ولقد أبدى جزءا يسيرا من ذلك للعارف ، عندما اختطفه النوم الحسي .
- إذ تمضي أرواحهم إلى صحراء لا وصف لها ، وتبقى أرواحهم مستريحة وأبدانهم . « 1 » 
- ثم يطلق الصفير وتمد الشباك ثانية ، ويجذبون جميعا مرة أخرى إلى عالم العطاء والحكم .
 
400 - وعندما يطل نور الفجر برأسه ، ويخفق نسر الفلك الذهبي بجناحيه .
- فإن فالق الأصباح - وكأنه إسرافيل - يجعلها تعود من تلك الديار وتتمثل صورا
...............................................................
( 1 ) - ج / 1 - 186 : - وعندما يضرب تركى النهار ذو الترس الذهبي عسكر الليل بالسيف قاطعا رأسه 
- يكون ميل كل روح إلى جسدها فكل جسد حامل بروحه .


 
« 71 »
 
- ويلبس الأرواح الشاردة أجسادا ، ويجعل كل جسد حاملا بالروح مرة أخرى .
- ويجعل جواد الروح مجردا من سرجه ، وهذا هو سر القول القائل " النوم أخ الموت " .
- لكنه يضع حول أقدامها خيطا طويلا ، وذلك من أجل أن تعود حين يطلع النهار .
 
405 - حتى يجذبها في النهار من تلك المروج ، ويأتي بها من مرعاها " لتصبح " تحت أثقال الأجساد .
- وليته حفظ تلك الروح " طويلا " كما حفظ أرواح أهل الكهف ، أو كما حفظ سفينة نوح .
- حتى يخلص الضمير والعين والأذن من هذا الطوفان الذي " يأتي به " الوعي والعقل .
- وما أكثر أصحاب الكهف الموجودين في الدنيا ، موجودون إلى جوارك وأمامك في هذه اللحظة .
- والحبيب معه ، والغار معه في غناء ، وثمة ختم على بصرك وسمعك فما الفائدة ؟ . « 1 » .
 
قصة رؤية الخليفة لليلى
 
410 - قال الخليفة لليلي : أهي أنت الذي صار المجنون بسببها مضطربا وغويا ؟ !
- إنك لا تزيدين شيئا عن بقية الحسان ! ! قالت : أصمت فلست المجنون . « 2 »
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 187 : - فلتعلم ثانية من أي شيىء تكون هذه الدرينات ، إنها ختم الحق على العيون والآذان .
( 2 ) ج / 1 - 197 : - ولو كانت لك عين المجنون ، لكان العالمان بلا خطر أمامك . 
- فأنت مع ذاتك لكن المجنون غائب عن ذاته ، واليقظة في طريق العشق أمر سىء .

 
 
« 72 »
 
- إن كل من هو يقظ أكثر استغراقا في النوم ، ويقظته تكون أسوأ من سباته . « 1 » 
- وعندما لا تكون أرواحنا يقظة بالحق ، تكون يقظتنا غلقا للأبواب أمامنا 
- فالروح في كل يوم من جراء ضغوط الخيال ، والتفكير في النفع والضر وخوف الزوال ؛
 
415 - لا صفاء يبقى لها ولا لطف ولا جلال ، ولا طريق لها ترحل منه صوب السماء .
- ويكون نائما ذلك الذي يكون آملا في كل خيال ، يتبادل معه الحديث . « 2 » 
- ويكون على مثال الحور ويرى الشيطان في النوم ، فيعاشره ويصب ماءه شهوة عليه .
- وعندما صب بذور نسله في أرض بور ، عاد إلى وعيه وهرب منه الخيال .
- وأحس بضعف في رأسه وبجسده نجسا ، فيتأوه ألما من تلك الصورة الظاهرة الخفية .
 
420 - والطائر محلق في الأعالي . . وظله منعكس على الأرض . . يسرع طائرا وكأنه الطائر الحقيقي .
- ويصبح أحد البلهاء صيادا لذلك الظل ، ويسعى كثيرا من أجل ألا يظفر بنتيجة .
- وهو غافل عن أن هذا الظل هو انعكاس للطائر المحلق في الفضاء ، وغافل عن موضع أصل ذلك الظل 
- فلا يفتأ يرمى ذلك الظل بالسهام ، وتخلو كنانته . . لكن في البحث والتقصي .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 197 : - وكل من هو في غفلة يقظته أفضل ، وثمل الغفلة إفاقته أفضل .
( 2 ) ج / 1 - 197 : - وإن لم يعد إلى وعيه من هذا الخيال ، يصيبه من هذا الخيال مائة وبال .

 
 
« 73 »
 
- فقد أضحت كنانة عمره خالية خاوية ، وضاع عمره هباء من سعيه في صيد الظل بجد وجهد .
 
425 - وعندما يشمله الخالق بظل رعايته ، ينجو من الخيال ومن ظله .
- والعبد " الصادق " لله يصبح ظلا له ، إنه ميت عن هذا العالم حي به .
- فاستمسك بأطراف ثيابه بأسرع ما يمكنك ، حتى تنجو بلا شك من فتن آخر الزمان .
- والآية الكريمة " كيف مد الظل " مصداق على صورة الأولياء ، لأنها دليل على نور شمس الله .
- فلا تمض في هذا الوادي بدون هذا الدليل ، وقل مثل الخليل " لا أحب الآفلين " .
 
430 - وامض عن الظل تجد شمسا ، وتألق في كنف شمس الدين .
- وإن لم تكن تعرف الطريق إلى هذا الحفل وهذا العرس ، فسل عنه ضياء الحق حسام الدين .
- وإن أمسك الحسد بخناقك في الطريق ، فاعلم أن إبليس غالى وتطرف من جراء الحسد .
- إنه يشعر بالعار من آدم حسدا منه ، ومن جراء هذا الحسد يقاتل سعادته .
- وليس هناك عقبة أصعب من هذه العقبة في الطريق فما أسعده ذلك الذي لا يكون الحسد رفيقا له .
 
435 - وهذا الجسد الذي كان منزلا للحسد ، إعلم أن كل سكانه يلوثون بالحسد ، « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 204 : - ومن الحسد تصير الدور والأسباب خرابا ، وينقلب الصقر الملكي غرابا .

 
« 74 »
 
- هذا وإن كان الجسد منزلا للحسد ، فإن الله سبحانه وتعالي يطهره جيدا . « 1 »
- فالآية الكريمة " طهرا بيتي " بيان عن الطهر ، فهو - أي الجسد - كنز للنور ، طلسمه التراب .
- وعندما ينصب حسدك على من لا حسد عنده ، تلحق من جرائه بالجسد ألوان السواد .
- فكن ترابا تحت أقدام رجال الحق ، واحث التراب على رأس الحسد مثلنا .
 
بيان حسد الوزير
 
440 - لقد كان ذلك الوزير الحقير في أصله حسودا ، حتى أذهب أذنه وأنفه بالباطل أدراج الرياح .
- وكان آملا أنه بناب الجسد ، سوف يبث سمه في أرواح المساكين .
- وكل من يجعل رؤيته قائمة على الحسد ، يجعل نفسه بلا أذن ولا أنف .
- فالأنف هي تلك التي تشم الروائح ، فيحملها شذى " الحبيب " إلى حيه .
- وكل من لا يشم الشذى لا أنف له ، والشذى هو ذلك الشذى الذي يكون من الدين .
 
445 - وعندما يشم الشذى ولا يشكر هذه " النعمة " يكون هذا جحودا ، ويفقد الأنف .
- فاشكر ، وكن عبدا لشاكريه ، وكن أمامهم " في حكم " الميت ، وكن ثابت " الوجود " .
- وكالوزير ، لا تجعل رأس مالك من قطع الطريق ، ولا تخرج الناس من الصلاة .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 204 : - فيجد الطهر من جناب الكبرياء ، ذلك الجسد الملىء بالحقد والحسد والكبر .
 
 
« 75 »
 
- لقد صار ذلك الوزير الكافر ناصحا في الدين ، ومن مكره دس الثوم في حلوى اللوز
 
فهم أذكياء النصارى مكر الوزير
 
- وكل من كان صاحب ذوق كان يحس في كلامه بلذة لكنها مقترنة بمرارة .
 
450 - كان يتحدث بالنكات حديثا مختلطا ، فلقد صب في ماء الورد الممزوج بالسكر سما . « 1 » 
- كان ظاهره يقول : كن جلدا في الطريق ، لكن تأثيره كان يقول للروح : كونى واهية .
- كان كأنه فضة ظاهرها أبيض جديد ، لكن اليد والثوب كانا يتلوثا بالسواد منها .
- فالنار وإن كانت من شررها متوهجة المظهر ، أنظر من فعلها إلى سوء الفعال .
- والبرق وإن بدا نورا للبصر ، من خواصه أنه يخطف البصر .
 
455 - وكل امرئ - إلا الواعي وصاحب الذوق - صار كلام الوزير في عنقه كالطوق .
- ولقد ظل طيلة ست سنوات مبتعدا عن الملك ، حتى صار ملاذا لأتباع عيسى .
- وأسلمه الخلق دينهم وقلوبهم ، وأخذوا يضحون بأرواحهم امتثالا لأمره وحكمه .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 / 215 - 0216 : حذار ولا تغتر بهذا القول المعسول ، فهو يحمل في طياته مائة سوء . 
- وعندما يكون المرء قبيحا اعلم أنه قبيح ، وكل ما يقوله ميت لا روح فيه . 
- وقول الإنسان جزء من الإنسان ، ومن المؤكد أن الكسرة خبز . 
- ومن هنا قال الإمام علي إن كلام الجهال ، كخضرة على مزابل يا فلان . 
- وكل من جلس على هذه الخضرة ، فلا شك أنه جلس على نجس . 
- وينبغي أن يغتسل من الحدث ، حتى لا تصبح صلاته من قبيل العبث .

 
« 76 »
 
مراسلة الوزير للملك خفية

 
- كانت بينه وبين الملك مراسلات ، وكان يطمئن الملك خفية .
- وفي نهاية الأمر ، من أجل ذلك الهدف ، الذي هو تذريتهم جميعا مع الريح كأنهم التراب .
 
460 - وكتب له الملك : يا صاحب إقبالى ، لقد حان الوقت ، فطمئن فؤادي مسرعا . « 1 » 
- فرد : إنني الآن منهمك في هذا الأمر يا مليكى ، وهو أن ألقى الفتن في دين عيسى
 
بيان الأسباط الإثنى عشر من النصارى
 
- وكان يحكم قوم عيسى في هذه المعمعة إثنا عشر أميرا .
- كان كل فريق يتبع أميرا ، والأمير جعل نفسه عبدا من الطمع .
- فصار هؤلاء الأمراء الإثنا عشر وقومهم في غل من ذلك الوزير المضل .
 
465 - صار استنادهم جميعا على أقواله ، وصاروا جميعها يتأسون بسلوكه .
- وكان كل أمير مستعدا للتضحية بروحه ، لو قال له في لحظة : مت . « 2 »
 
تلبيس الوزير في أحكام الإنجيل
 
- لقد أعد قرطاسا باسم كل واحد منهم ، وكتب في كل قرطاس مسلكا مختلفا .
- كانت أحكام كل واحد منها على شاكلة ما ، وكان كل منها يخالف الآخر خلافا جذريا .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 223 : - وأنا في غاية الشوق والقلق من الانتظار ، فلخصنى من هذا الهم إن كان ثم وقت .
( 2 ) ج / 1 - 223 : - وعندما أضعف ذلك اليهودي الحقير الجميع ، أثار الفتنة بمكره ودهانه .

 
« 77 »
 
- ففي أحدها جعل طريق الرياضة والجوع شرطا للتوبة والرجوع .
 
470 - وقال في آخر : لا نفع في الرياضة ، ولا حل في هذا الطريق إلا الجود 
- وقال في قرطاس : إن جودك وجوعك ، يكونان شركا منك مع معبودك .
- وفيما عدا التوكل وفيما عدا التسليم التام ، وفي السراء والضراء ، كل الوسائل .
مكر وفخ .
- وقال في قرطاس : بل الخدمة واجبة ، وفكرة التوكل فكرة مريبة .
- وقال في قرطاس : إن الأوامر والنواهي ليست من أجل التنفيذ ، إنها لإبداء عجزنا .
 
475 - حتى ندرك منها عجزنا ، فندرك عندئذ قدرة الحق .
- وقال في قرطاس : لا تنظر إلى عجزك ، وحذار فإن هذا جحود للنعمة .
- بل أنظر إلى قدرتك ، فهذه القدرة منه ، واعتبر قدرتك نعمة منه .
- وقال في قرطاس : بل دعك منهما معا ، فكل ما يبدو للنظر صنم .
- وقال في قرطاس ، لا تطفئ هذه الشمعة ، وأقصد بها البصر ، فهو بمثابة الشمع للجميع .
 
480 - وعندما تترك النظر والخيال ، تكون قتيلا في منتصف الليل كشمع الوصال .
- وقال في قرطاس : بل أطفئه ولا تخش شيئا ، حتى تنال عوضا عنه مائة ألف .
- فمن إطفاء الشمع تزداد الروح ، وتصير ليلاك من صبرك مجنونة بك .
- وكل من ترك الدنيا زهدا منه ، تأتيه الدنيا بأكثر مما ترك .
- وقال في قرطاس : إن ما أعطاكه الحق ، قد حلله لك ما دام قد أوجده .

 
« 78 »
 
485 - ويسره لك وجعله عذبا مستساغا فخذه بيسر ، ولا تلق بنفسك في المحن والشدة .
- وقال في قرطاس آخر : أترك ما هو لك فهو سئ ومردود ذلك الذي قبله طبعك .
- فلقد يسرت طرق مختلفة ، وصارت كل منها لأمة ما صنوا للروح .
- فلو كان كل ما يسره الحق قويما ، لكان كل يهودي ومجوسي عارفا به .
- وقال في قرطاس : إن المتيسر هو ما يكون حياة للروح وغذاء للقلب .
 
490 - وكل ما يقبله الطبع إن مضى عنك ، يكون كالأرض البور لا يثمر ريعا ولا ثمرا .
- ولا يكون من ربيع له إلا الندم ، ولا يعود بيعه إلا بالخسران .
- وذلك الذي لا تكون عاقبته يسرا ، لا بد وأن تكون عاقبته عسرا .
- فميز بين ما تكون نتيجته يسرا وما تكون نتيجته عسرا ، وانظر إلى جمال هذا أو ذاك من عاقبته .
- وقال في قرطاس : أطلب أستاذا ، فإن رؤية العاقبة لا تجدها في حسب أو نسب .
 
495 - لقد رأت كل أمة عاقبتها بشكل أو بآخر ، فلا جرم أن صارت أسيرة لذلة ما .
- ورؤية العاقبة ليست أمرا يتأتى في اليد ، وإلا متى كانت الخلافات " تقوم " بين الأديان .
- وقال في قرطاس : إنك أنت الأستاذ . . ذلك أنك الذي تكون عارفا بالأستاذ .
- فكن رجلا ، ولا تكن تابعا للرجال ، وامض والزم رأيك ، ولا تتحير .
- وقال في قرطاس : إن كل هذه المذاهب مذهب واحد ، ومن يراها اثنين فهو أحول .


« 79 »
 
500 - ثم قال في قرطاس : كيف تكون المائة واحدا ، ومن يكفر في هذا إلا مجنون .
- ففي كل واحد منها قول يخالف الآخر ، وكيف يكون شئ واحد سما وترياقا . ؟ ! « 1 » 
- وما لم تدعك من السم والشهد معا ، كيف تشم أريجا من بستان الوحدة 
- وعلى هذا النمط وهذا الشكل ، كتب ذلك العدو لدين عيسى أثنى عشر قرطاسا . « 2 »
 
بيان أن الاختلاف يكون في صورة الأسلوب لا في حقيقة الطريق

 
- لم يكن قد شم خبرا عن وحدة اللون عند عيسى ، ولم يكن لديه طبع من دن عيسى .
 
505 - فالثوب ذو المائة لون كان يتحول من ذلك الدن للصفاء إلى ثوب بسيط ذي لون واحد كالضياء . « 3 » 
- ليست تلك الوحدة للون التي يتأتى منها الملال ، بل كما تكون السمكة والماء الزلال .
- فإن كان البر يحتوى على مئات الألوان ، فالأسماك تعادى اليابسة .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 226 : - فهناك اختلاف في المعاني والصور ، انظر إليها ليل نهار بين الورد والشوك والحجر والجوهر .
( 2 ) ج / 1 - 226 : - إنه وحدة في وحدة هذا المثنوى ، من الثرى حتى الثريا أيها المعنوي .
( 3 ) في نسخة نيكلسون وجعفري كالضيا وفي نسخة استعلامى كالصبا والأولى أوقع .
 
 
« 80 »
 
- وما السمكة ؟ وما البحر في هذا المثل ؟ ! حتى يشبه به المليك عز وجل ؟
- وهناك مئات الآلاف من الأبحر والأسماك في هذا الوجود تسجد أمام ذلك الإكرام والجود .
 
510 - وكم من أمطار العطاء قد انهمرت ، حتى صار ذلك البحر واهبا للدر ! !
- وكم من شموس الكرم قد توجهت ، حتى علمت السحاب والبحر الجود . « 1 »
- وسطع شعاع العلم على التراب والطين ، حتى صارت الأرض قابلة للحب .
- فالتراب أمين ، وكل ما زرعته فيه حصدته ، دون أن يخونك .
- فلقد وجدت هذه الأمانة من تلك الأمانة ، ولأن شمس العدل قد أشرقت عليها .
 
515 - وما لم يجد الربيع إشارة من الحق ، لما باح التراب بالأسرار الكامنة فيه .
- وذلك الجواد الذي وهب جمادا هذا الإنباء وهذه الأمانة وهذا السداد ؛ « 2 »
- يجعل فضله الجماد خبيرا ، في حين أن قهره جعل العاقل ضريرا .
- وليس للعقل والروح طاقة على هذا الغليان ، ومع من أتحدث ولا أذن واحدة في الدنيا .
- وحيثما وجدت أذن صارت منه عينا ، وحيثما وجد حجر صار منه عقيقا .
 
520 - إنه هو القائم بكيمياء " التبديل " وما ذا تكون الكيمياء وهو واهب المعجزة وما ذا تكون السيمياء ؟
- إن هذا الثناء منى هو في الحقيقة ترك للثناء ، فهو دليل على الوجود ، ووجودي خطأ .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 242 : - فهو واهب كثيرا من شموس الكرم ، حتى تصبح الذرة الواحدة حائرة .
( 2 ) ج / 1 - 243 : - ويصبح ذلك الجماد من اللطف كأنه الروح ، ويختفى الزمهرير خوف قهره 
- وذلك الجماد صار لطيفا من فضله ، " كل شئ من ظريف هو ظريف "

 
« 81 »
 
- وأمام وجوده ينبغي على المرء أن يكون عدما ، وما ذا يكون الوجود أمامه ؟
أعمي على عينيه زرقة .
- ولو لم يكن أعمى لذاب من طلعته ، ولأدرك ما ذا تعني حرارة الشمس .
- وإن لم يكن الوجود في زرقه من الحداد ، فمتى كان يتجمد كالثلج في هذه الناحية ؟ !
 
بيان خسارة الوزير في هذا المكر
 
525 - كان الوزير - كالملك - جاهلا غافلا ، كان يضرب بقبضته " متحديا " القديم الذي لا محيص عنه « 1 » 
- ذلك الإله القادر الذي من العدم صور مائة كعالم الوجود في لحظة واحدة .
- ويجعل مائة كهذا العالم تبدو للنظر ، عندما يجعل عينيك ناظرة إليه .
- وإذا كان العالم أمامك واسعا لا تحده حدود ، فاعلم أنه أمام القدرة مجرد ذرة . .
لا تعد شيئا .
- وهذه الدنيا في حد ذاتها سجن لأرواحكم ، هيا . . إمضوا إلى تلك الناحية ، فهي منتزهكم .
 
530 - وهذه الدنيا محدودة والأخرى لا حد لها ، والنقوش والصور سد أمام هذا المعنى .
- فلقد حُطمت مئات الآلاف من حراب فرعون أمام موسى بعصا واحدة .
- ومئات الآلاف من " نوع " طب جالينوس ، صارت أمام عيسى ونفخته هباء " منثورا "
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 250 : - لا محيص عنه للجميع فذلك الحي القدير ، لا يزال ولم يزل الفرد البصير .


« 82 »
 
- ومئات الآلاف من دواوين الأشعار ، كانت أمام كلام النبي " الأمي " تشعر بالعار .
- وكيف لا يموت إنسان في سبيل هذا الإله الغالي إلا إذا كان خسيسا ؟ !
 
535 - وكم من قلوب في " استقرار " الجبال قد حركها ، وكم من طائر ذكى علقه من قدميه ! ! 
- وليس الطريق في شحذ الفهم وشحذ الخاطر ، ولا ينال فضل الله إلا الكسير .
- وكثيرون ممن يكدسون الأموال وينقبون " عن المعارف " ، صاروا إمعات كلحية الثور لهذا الهازل .
- ومن يكون الثور حتى تكون لحية له ؟ وما ذا يكون التراب حتى تكون عشبا عليه ؟ « 1 » 
- وعندما افتضحت امرأة من فعل السوء ، مسخها الله وجعل منها كوكب الزهرة .
 
540 - وهل يعد تحويل امرأة إلى كوكب الزهرة مسخا ، والتحول إلى تراب وطين ليس مسخا أيها العنود .
- فالروح تحملك صوب الفلك الأعلى ، وصرت أنت إلى الماء والطين في الأسفلين .
- ومسخت نفسك من هذا التسفل ، من ذلك الوجود الذي أزرى بالعقول .
- فانظر إذن كيف يكون هذا المسخ ، وكيف كنت قبله في أسفل سافلين .
- لقد سقت جواد الهمة حتى الفلك ، ولم تعرف آدم الذي أمر له بالسجود
 
 545 - إنك ابن آدم في النهاية أيها العاق ، فحتام تظنن الضعة شرفا ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 251 : - وما الذهب وما الفضة حتى تصير مفتونا بهما ، وما الصورة التي تجعلك مجنونا بها هكذا . 
- ودارك وبستانك نسيان لك ، وملكك ومالك بلاء علي روحك . 
- وتلك الجماعة التي مسخها الله ، ونسخ اية تصويرهم " في أحسن تقويم "

 
« 83 »
 
- وحتام تقول سوف أستولى على عالم وأجعل هذه الدنيا مليئة بي ؟
- وإذا كانت الدنيا برمتها قد امتلأت بالثلوج ، فإن حرارة الشمس تذيبها بنظرة واحدة 
- وجرمه وجرم مائة وزير مثله بل مائة ألف يجعلها الله تعالى عدما بشرارة واحدة 
- ويجعل من نفس هذا التلبيس حكمة ، ويجعل من نفس هذا السم شرابا سائغا . « 1 »
 
550 - ويجعل مما يثيره الخيال يقينا ، وينمي ألوان الحب من أسباب الحقد .
- ويربى إبراهيم - عليه السلام - في النار ، ويجعل الخوف أمنا للروح .
- فأنا في حيرة من أسباب إحراقه ، وأكون كالسوفسطائي عند التفكير في فعله « 2 » .
 قيام الوزير بمكر آخر في إضلال القوم « 3 »
 
- ودبر مكيدة أخرى ذلك الوزير من تلقاء نفسه ، فلقد ترك الوعظ وأقام في الخلوة .
- وألقى الحرقة في مريديه من الشوق إليه ، إذا استمرت خلوته خمسة وأربعين يوما .
 
555 - وجن الخلق شوقا إليه ، ومن افتقادهم لأحواله وأقواله ومواجيده .
- فأخذوا يتضرعون إليه في خلوته ، قد صار من الرياضة محدودب الظهر .
- وقالوا له : لا نور لنا بدونك ، كيف تكون أحوال الأعمى دون من يصحبه ؟
- وكرما منك وبحق الله ، لا تبعدنا عنك أكثر من هذا .
- إننا كالأطفال وأنت بمثابة الحاضنة لنا ، فابسط علينا ظل عنايتك .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 251 : - وهو الذي يخفي الكنوز في الخرابات ، كما يجعل الأشواك ورودا والأجساد أرواحا .
( 2 ) ج / 1 - 252 : وأنا حائر من أسباب ألطافه ، وحائراً يضا من أسباب إحراقه .
( 3 ) ج / 1 - 263 : - وعندما اعتقد الوزير الفاسد ، أنه بدل بفساده دين عيسى .
 
« 84 »
 
560 - قال : إن روحي ليست بعيدة عن محبيي ، لكن لا إذن لي بالخروج .
- فبدأ أولئك الأمراء في الشفاعة لديه ، وبدأ أولئك المريدون يظهرون في حال شنيعة .
- قائلين : أي شؤم هذا أيها الكريم ، لقد أصبحنا بدونك يتامى القلب والدين .
- إنك تتعلل ونحن ألما ، نطلق من حرقة القلب آهات حزينة .
- لقد تعودنا على كلامك الحلو ، ورضعنا من عصارة حكمتك .
 
565 - بالله عليك ، بالله عليك ، لا تعاملنا بهذا الجفاء ، وعجل بخيرك ، اليوم وليس غداء .
- وألا ينبؤك قلبك أن هؤلاء الذين سلبت قلوبهم ، أصبحوا ممن لا نفع لهم بدونك ؟
- وأنهم جميعا يتقلبون كالأسماك على اليابسة ، فارفع السد من مجرى الجدول ، وافتح الماء .
- يا من ليس مثلك في الزمان أحد ، بالله عليك ، بالله عليك ، أغث الخلق .
 
رد الوزير على المريدين
 
- قال : حذار ، أيها الخاضعين " لسحر " القول والحديث ، وأيها الباحثين عن الوعظ وأقوال اللسان " وحظ " الآذان .
 
570 - وضعوا القطن في آذان الحس الدنية ، وأزيلوا سد الحس من أمام أبصاركم 
- إن أذن الرأس بمثابة القطنة في أذن السر ، وما لم تُصم أذن الحس ، يبقى ذلك الباطن أصم .
- فكونوا بلا حس ولا فكر ولا أذن ، حتى تسمعوا نداء " إرجعي " .
- فما دمت منغمسا في أحاديث اليقظة ، متى تشم رائحة من أحاديث النوم ؟

 
« 85 »
 
- وأقوالنا وأفعالنا بمثابة السير الخارجي ، والسير الباطني يكون فوق السماء .
 
575 - والحس قد رأى اليابسة فقد ولد منها ، وعيسى الروح يخطو فوق البحر .
- وسير الجسد المتيبس يكون فوق اليابسة ، وسير الروح خطا في قلب البحر .
- وما دام عمرٌ قد مر على طرق اليابسة ، حينا في الجبل وحينا في البحر وحينا في الوالد ؛
- من أين ستجد ماء الحيوان ؟ وأنى لك أن تشق موج البحر ؟
- والموج الترابي هو أوهامنا وأفهامنا وفكرنا ، والموج المائي هو محونا وسكرنا وفناؤنا .
 
580 - وما دمت في هذا السكر فأنت بعيد عن ذاك السكر ، وما دمت ثملا منه فأنت أعمى عن تلك الكأس .
- والأحاديث الظاهرة كأنها الغبار ، فتعود فترة على الصمت ، وكن صاحب وعي
 
تكرار المريدين قولهم : إنه الخلوة
 
- قالوا جميعا : أيها الحكيم الباحث عن الذرائع ، لا تتحدث معنا بهذا الخداع وهذا الجفاء « 1 »
- وضع على الدابة حملا بقدر طاقتها ، وكلف الضعفاء بأعمال في وسعهم .
- والحبة التي يلتقطها كل طائر بقدر حجمه ، ومتى كان التين طعاما لكل طائر ؟
 
585 - ولو أنك أعطيت الرضيع الخبز بدلا من اللبن ، فاعتبر الطفل المسكين ميتا من هذا الخبز
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 269 : - ونحن اسرى فحتام هذا الخداع ، ونحن بلا قلوب أو أرواح وهذا الجفاء زائد . 
- وما دمت قد قبلتنا من البداية ، فارحمنا هكذا حتى النهاية . 
- ولقد علمت ضعفنا وعجزنا وفقرنا ، . . كما عرفت الدواء لالامنا .

 
« 86 »
 
- وعندما تنبت له أسنان بعد ذلك ، تصبح معدته من تلقاء نفسها طالبة للخبز .
- والطائر الذي لم ينبت له جناح كيف يصبح محلقا ، إنه يصبح فريسة لكل قط شره 
- وعندما ينبت له جناح يطير من تلقاء نفسه بلا تكلف وبلا صفير حسن أو قبيح .
- وإن نطقك ليصيب الشيطان بالخرس ، وقولك يمنح آذاننا الوعي .
 
590 - تصير آذاننا وعيا عندما تتحدث ، ويصير برنا بحرا لأنك أنت البحر .
- ومعك تصبح الأرض أفضل من الفلك ، يا من نور منك الكون من الأرض إلى السماك .
- وبدونك تكتتفنا الظلمة ولو كنا فوق الفلك ، ومعك أيها القمر متى يكون هذا الفلك ثقلا . « 1 »
- إن صورة الرفعة تكون للأفلاك ، لكن معنى الرفعة يكون للروح الطاهرة .
- وصورة الرفعة تكون للأجساد ، والأجساد إذا قيست بالمعنى تكون مجرد أسماء . « 2 »
 
جواب الوزير : لن أنهي الخلوة
 
595 - قال : أقصروا من حججكم ، وأجعلوا لنصيحتى طريقا إلى قلوبكم وأرواحكم .
- فإن كنت أمينا ، فالأمين لا يكون متهما ، حتى وإن قلت أن السماء أرض .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 270 :
- الشطرة الثانية : ومعك أيها القمر متى تكون الأرض مظلمة وبعده بيتان زائدان :
- ومتى يكون الليل مظلما مع قمر وجهك ، والنهار بدون نورك ظلام .
- ومعك تفوقنا على الفلك ونحن على الأرض ، وفوق السماء دون نورك كأننا التراب الوضيع .
 ( 2 ) ج / 1 - 270 : - بحق الله : بحق الله ، ألق علينا نظرة ، " لا تقنطنا فقد طال الحزن " .

 
« 87 »
 
- وإن كنت كما لا فأي إنكار يكون مع الكمال ؟ وإن لم أكن . . فما هذا الأذى ؟ وما هذه المضايفة ؟ .
- ولن أخرج من هذه الخلوة ، فأنا مشغول بأحوال الباطن
 
اعتراض المريدين على خلوة الوزير
 
- قالوا جميعا : أيها الوزير ليس " ما نقول " إنكارا ، ولا يشبه قولنا قول الأغيار
 
600 - فدموع الأعين جارية من فراقك ، والآهات لا تفتأ نتطلق من أعماق الروح .
- والطفل لا يجادل حاضنته ، لكنه يبكي ، مع أنه لا يعرف خيرا أو شرا .
- ونحن كالصنج وأنت تعزف عليه بريشتك ، وليس النواح منا ، بل أنت الذي تنوح .
- ونحن كالناى ، والأنغام داخلنا منك ، ونحن كالجبال ، وفينا يتردد منك الصدى .
- ونحن مثل قطع الشطرنج نوضع حيث ننقل ، ونقلنا ووضعنا منك يا حسن الصفات .
 
605 - ومن نكون نحن ؟ يا من أنت لنا روح الروح ، حتى يكون لنا وجود مع وجودك ! !
- نحن عدم ، ووجودنا أنت ، ذلك أنك وجود مطلق يبدو فانيا .
- ونحن كلنا أسود لكن أسود العلم ، يكون هجومها من الريح لحظة بلحظة .
- وهجومها ظاهر ، لكن الرياح ليست ظاهرة ، فلا جعل الله مفقودا ذلك الذي ليس بظاهر .
- وإن رياحنا ووجودنا من عطيتك ، ووجودنا بأجمعه من إبداعك .
 
610 - لقد أظهرت للعدم لذة الوجود ، وكنت قد جعلت العدم عاشقا لك .
 
« 88 »
 
- فلا تسترد منا لذة إنعامك ، ولا تسترد منا نُقلك وخمرك وكأسك .
- وإن أخذتها ، فمن ذا الذي يجادلك ؟ وكيف للنقش أن يطامن بقوته النقاش ؟ ! 
- فلا تنظر إلينا ، لا تطل إلينا النظر ، وانظر إلى إكرامك وسخائك .
- ذلك أنا لم نكن بعد ولم تكن مطالبنا ، ولطفك كان يستمع إلى ما لم نتلفظ به .
 
615 - والنقش يكون أمام النقاش والقلم ، عاجزا معقود اللسان كالجنين في الرحم .
- وأمام القدرة ، الخلق جميعا لا يزالون في الأرحام ، عاجزون كآلة النساج أمام الإبرة " التي تحركها "
- حينا ترسم عليها شيطانا وحينا إنسانا ، حينا تنقش صورة للسرور ، وحينا للغم .
- فلا يد لها تحركها بالرفض ، ولا نطق حتى تتبس بنفع أو ضر .
- وأعد من القرآن تفسير البيت ، في قوله تعالى "ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ" .
 
620 - فإن أطلقنا السهم فليس هذا منا ، فنحن القوس ، والرامي هو الله .
- وهذا ليس جبرا لكنه معنى الجبارية ، وذكر الجبارية " يعن " عند ذكر العجز والمسكنة .
- وصراخنا ونواحنا دليل على الاضطرار ، وخجلنا صار دليلا على الاختيار .
- فإن لم يكن إختيار ، فما هذا الخجل ؟ ! ما هذا الأسف وهذا الندم ؟ !
- ولما ذا يعاقب الأساتذة تلاميذهم ؟ ولما ذا يكون تحويل الخواطر عن تدابيرها ؟
 
625 - وإذا قلت أنه آنذاك يكون غافلا عن جبره ، وأن قمر الحقيقة قد إختفى خلف سحابه ؛
- فإن لي على هذا الاعتراض جوابا حسنا ، إن استمعت إليه ، تترك الكفر وتدخل في الدين
 
« 89 »
 
- فالحسرة والضراعة تكون عند المرض ، وأوان المرض كله يقظة .
- وأنت عندما تسقط مريضا ، تقوم بالاستغفار عن جرمك .
- ويبدو في داخلك قبح الذنب ، وتنوى قائلا : سوف ارجع إلى الطريق القويم ،
 
 630 - وتأخذ على نفسك العهود والمواثيق وتقول : لا يكون لي إختيار من بعد في الأمور إلا الطاعة .
- ومن ثم صار من المؤكد أن مرضك يهبك الوعي واليقظة .
- فاعلم هذا الأصل إذن يا باحثا عن الأصول ، إن كل من أحس بالألم ظفر برائحة " تقوده إليه "
- وكل من هو أكثر يقظة يكون أكثر ألما ، وكل من هو أكثر وعيا يكون أكثر شحوبا .
- فإن كنت منتبها إلى جبره فما ضراعتك ؟ وأين رؤيتك لغل الجبارية الحديدي ؟
 
635 - وكيف يفرح المقيد بالغل الحديدى ؟ ! وكيف يزاول نزيل السجن الحرية ؟
- وإن كنت ترى أن قدمك قد قيدت ، وأن عسكر الملك قد وقفوا على رأسك ؛
- لا تزاول إذن مع العاجزين ما يفعله العسكر ، فليس هذا من طبع العاجز أو من شيمه .
- فإذا كنت لا ترى جبره ، لا تتحدث عنه ، وإذا كنت تراه ، فأين دليل الرؤية ؟
- وفي كل أمر تكون ميالا إليه ، لا تفتأ ترى قدرتك عيانا .
 
640 - وما لا ميل لك فيه أو رغبة ، تجعل نفسك جبريا ، وتقول أنه من الله .
- فالأنبياء جبريون في أمور الدنيا ، والكفار جبريون في أمور العقبى .
- وللأنبياء اختيار في أمور العقبى ، وللجهال اختيار في أمور الدنيا .
 
« 90 »
 
- ذلك أن كل طائر يطير صوب جنسه ، وتتقدمه روحه في أثره .
- ولما كان الكفار من جنس سجين ، طابت نفوسهم بجسن الدنيا .
 
645 - ولما كان الأنبياء من جنس عليين ، فهم مهرعون صوب عليين بالقلب والروح . « 1 » 
- وهذا الكلام لا نهاية له ، ولنكرر القول في تمام هذه القصة."2 "
 
إيئاس الوزير المريدين في رفض الخلوة
 
- وصاح بهم ذلك الوزير من الداخل قائلا : أيها المريدين ، ليكن هذا معلوما عنى ؛ - أن عيسى هكذا قد أرسل إلى وقال : إبتعد عن كل رفاقك وأقاربك .
- ولتوجه وجهك إلى الجدار ولتجلس وحيدا ، ولتختر الخلوة حتى عن وجودك .
 
650 - ومن بعد ليس لدى الإذن بالكلام ، ولا شأن لي بالحديث .
- الوداع أيها الرفاق ، فلقد مت ، ونقلت متاعي إلى الفلك الرابع .
- حتى لا أحترق تحت هذا الفلك النارى كالحطب في عناء وفي عطب .
- ولأجلس من الآن فصاعدا إلى جوار عيسى فوق السماء الرابعة .
 
جعل الوزير كل أمير وليا للعهد في غيبة عن بقية الأمراء
 
- ثم استدعى أولئك الأمراء واحدا بعد الآخر ، وتحدث مع كل واحد منهم على حدة
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 275 : - وكيف يفرح المقيد بالغل الحديدى ؟ وكيف يجعل من خشبة مهترئة عمادا ؟ - وكيف يزاول نزيل السجن الحرية ؟ وكيف يبدي المبتلى الفرح والسرور ؟ .
( 2 ) ج / 1 - 276 : - فيا إلهي أبد للروح هذا المقام ، الذي يجرى فيه بلا ألفاظ الكلام .
 
« 91 »
 
655 - وقال لكل واحد منهم : إنك النائب الحق على دين عيسى ، وأنت خليفتي .
- والأمراء الآخرون تبع لك ، وقد جعلهم عيسى كلهم شيعة لك .
- وكل أمير يعصاك إقبض عليه واقتله ، أو إجعله أسيرا في قبضتك .
- لكن لا تبح بهذا ما دمت أنا حيا ، ولا تطلب هذه الرئاسة قبل موتي .
- وما لم أمت لا تظهر هذا الأمر ، ولا تدع الملوكية والسيطرة .
 
660 - وهاك هذا القرطاس بأحكام المسيح ، إقرأه بالتفصيل على الأمة " بلسان " فصيح .
- وقال لكل أمير هذا الأمر على حدة ، لا نائب سواك في دين الله .
- وجعل كل واحد منهم على حدة العزيز " المختار " وما قاله لذاك ، قاله لهذا .
- وأعطي لكل واحد منهم قرطاسا من القراطيس ، كان كل منها يناقض الآخر ، وهذا هو المراد .
- لقد كانت متون هذه القراطيس مختلفة تماما ، كالاختلاف بين الحروف من الألف إلى الياء .
 
665 - كانت أحكام هذا القرطاس ضد أحكام ذاك ، ولقد بينا من قبل تفاصيل هذا التضاد
 
قتل الوزير لنفسه في الخلوة
 
- وبعد ذلك أغلق الباب على نفسه أربعين يوم أخرى ، ثم قتل نفسه وتخلص من حياته .
- وعندما علم الخلق بموته ، قامت قيامة " منهم " على قبره .
- واجتمع خلق كثيرون على ذلك القبر ، نائحين ممزقين ثيابهم حدادا عليه .
 
« 92 »
 
- عدد لا يحصيه إلا الله تعالى من عرب ومن ترك ومن روم ومن كرد .
 
670 - أخذوا يحثون تراب قبره على رؤوسهم ، واعتبروا الألم في سبيله موضع الدواء لهم .
- ولمدة شهر قام هؤلاء الخلق علي قبره ، يسوقون من مآقيهم طريقا من الدمع .«1»
 
سؤال أمة عيسى الأمراء : أيكم ولى العهد ؟
 
- وبعد شهر قال الخلق : أيها العظماء من من الأمراء قد حل محله ؟
- حتى نعترف به إماما يخلفه ، ونسلم إليه أيدينا وأطراف ثيابنا . « 2 »
- فإذا كانت الشمس قد غابت ووسمتنا بالجراح ، فلا محيص من أن يقوم في مقامها مصباح .
 
675 - وما دام وصل الحبيب قد غاب عن العين ، ينبغي أن يبقى نائب عنه تذكارا لنا .
- وما دام موسم الورود قد انقضى وصارت الروضة خرابا ، من أين نلتمس شذى الورود ؟ من الجلاب .
- وما دام الله - جل شأنه - لا تدركه الأبصار ، فهم نواب الحق أولئك الرسل .
- لا ، لقد أخطأت ، فإن ظننت أنهما اثنان - النائب ومن أنابه - يكون أمرا قبيحا وليس طيبا .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 321 : - كان الجميع في صراخ ألما من فراقه ، الملوك والعوام والكبار والصغار .
( 2 ) ج / 1 - 321 : - حتى نعترف به إماما يخلفه ، وحتى تتم أمورنا به . - وننقاد جميعا إلى اختياره ، ونمسك بطرف ردائه وتكون أيدينا في يده .

« 93 »
 
- لا ، إنهما اثنان ما دمت عابدا للصورة ، وهما أمام من نجا من الصورة واحد .
 
680 - وعندما تنظر إلى الصورة فأنت تنظر بعينين ، فانظر إلى النور الذي انبعث من العينين « 1 »
- فلا يمكن التمييز بين نور إحدى العينين ونور الأخرى ، عندما يلقي المرء بنظرة إلى النور .
- وعندما تحضر عشرة مصابيح إلى مكان ما ويكون كل منها في شكله مختلفا عن الآخر ؛
- فإنك لا تستطيع أن تميز بين نور كل منها ، عندما تتجه إلى نورها بلا شك ولا ريب « 2 »
- وإنك إن أتيت بمائة ثمرة من التفاح أو السفرجل ، فإنها لا تظل مائة عندما تقوم بعصرها .
 
685 - وليس في المعاني قسمة أو أعداد ، وليس في المعاني تجزئة ولا إفراد .
- واتحاد الحبيب بالأحبة أمر طيب ، ولتمسك بقدم المعنى فالصورة متمردة .
- والصورة المتمردة أذبها بالألم ، حتى ترى الوحدة تحتها كأنها الكنز .
- وإن لم تذبها أنت فإن عناياته - جل شأنه - تذيبها ، يا من قلبي غلام له .
- إنه هو الذي يبدي نفسه للقلوب ، وهو الذي يرتق خرقة الدرويش .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 321 : - عندما تنظر إلى الصورة فأنت تنظر بعينين ، فانظر إلى نوره فهو طية واحدة . - ولا جرم أن البصر عندما يقع على الواحد ، يكون واحدا ولا يتأتى له اثنان .
( 2 ) ج / 1 - 325 : - أطلب المعنى من القرآن وقل " لا نفرق بين أحد من الرسل " .



« 94 »
 
690 - لقد كنا جوهرا واحدا ساريا في العالم ، كنا بلا بداية ولا نهاية وهو المبدأ للجميع .
- كنا جوهرا واحدا وكأننا الشمس ، كنا بلا عقد ، نتميز بالصفاء كالماء .
- وعندما تصور ذلك النور الصافي ، صار عددا ، كأنه ظلال الشرفة .
- فحطم الشرفة بالمنجنيق ، حتى تمضي الفروق عن هذا الفريق .
- وكان عليّ أن أفسر هذا الأمر نتيجة للمراء والجدل ، لكني أخاف أن تنزلق خواطر الناس .
 
695 - فالنكات " الدقيقة " حادة كأنها السيف الفولاذى ، وإن لم يكن لديك ترس تقهقر هاربا .
- ولا تواجه هذا السيف القاطع كالماس بلا ترس ، إذ لا حياء للسيف عند القطع .
- ولهذا السبب وضعت سيف القول في غمده ، حتى لا يقرأه معوج القراءة خلافا " لقصدى " .
- ولقد وصلنا إلى تمام القصة ، وإلى وفاء جمع الصادقين .
- أولئك الذين نهضوا بعد ذلك المقتدى ، وأخذوا يطالبون بنائب في مقامه
 
تنازع الأمراء على ولاية العهد
 
700 - وتقدم أمير من هؤلاء الأمراء ، وامتثل أمام أولئك القوم الأوفياء .
- وقال : الآن أنا نائب لذلك الرجل ، ونائب لعيسى في هذا الزمان .
- وإليكم هذا القرطاس وهو برهاني على أن النيابة من بعده لي .
- وخرج ذلك الأمير الآخر من مكمنه ، وادعى نفس الادعاء في الخلافة .
- وأبدى بدوره قرطاسا من تحت إبطه ، حتى اشتعل كل منهما بغضب كغضب اليهود .

« 95 »
 
705 - وأولئك الأمراء الآخرون واحدا واحدا وفي صف مرصوص ، سل كل منهم السيف البتار .
- كان مع كلّ منهم قرطاس وسيف ، واشتبك كل منهم بالآخر كالفيلة الهائجة . « 1 » 
- وقتل مئات الآلاف من النصارى ، حتى تشكل تل من الرؤوس المقطوعة .
- وجرى الدم من يمين ومن شمال كأنه السيل ، ومن غبار " المعركة " ظهرت الجبال في الهواء .
- وبذور الفتنة التي كان قد غرسها ، صارت وبالأعلى رؤوسهم .
 
710 - لقد تحطمت ثمار الجوز ، وذلك الذي كان لديه لب ، كانت له بعد القتل روح طاهرة . .
- والقتل والموت اللذان يجريان على الجسد ، كأنهما كسر لثمار الرمان والتفاح .
- فما هو حلو ، أسفر عن حبات الرمان ، وما هو مهترى ، لم يكن غير صوت.«2» 
- وما كان ذا معنى يبدو طيبا حلوا ، وما لا معنى له فضيحة في حد ذاته .
- فامض ، وجاهد في المعنى يا عابد الصورة ، ذلك أن المعنى بمثابة الجناح على جسد الصورة .
 
715 - وكن جليسا لأهل المعنى ، حتى تجد العطاء ، كما تكون فتى .
- فالروح الخالية من المعنى ، هي بلا شك في هذا الجسد ، كأنها السيف الخشبي في الغمد .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 333 : - كان عند كل واحد من الأمراء خيل لا حصر له ، وسلوا السيوف في ذلك الزمان .
( 2 ) ج / 1 - 333 : - وما هو مليء باللب طاهر كالمسك ، وما هو مهترىء ، لا يكون سوى تراب .

 
« 96 »
 
- ما دام في غمده يكون ذا قيمة ، وعندما يخرج من غلافه يورد صاحبه موارد الهلاك .
- فلا تحمل السيف الخشبي في معمعة القتال ، وانظر من البداية ، حتى لا يسوء الأمر .
- فإن كان خشبيا ، امض واطلب غيره ، وإن كان بتارا فتقدم فرحا .
 
720 - والسيف " الحق " موجود في خزانة سلاح الأولياء ، ورؤيتهم بالنسبة لك كيمياء ،
- وكل العلماء قد قالوا نفس القول ، والعالم يكون " رحمة للعالمين " .
- وإن اشتريت رمانا فاشتر المتشقق " الضاحك " حتى تنبئ ضحكته عما فيه من حب .
- فيا لها من ضحكة مباركة ، إذ تبدى القلب من الفم ، كالدر من درج الروح .
- وضحكة تلك الزهرة المسماة شقائق النعمان غير مباركة ، إذ تبدى سواد القلب من فمها .
 
725 - والرمان الضاحك يجعل البستان ضاحكا ، وصحبة الرجال تجعلك من الرجال . « 1 »
- فإن كنت صخرة أو حجر مرمر ، عندما تلحق بصاحب قلب تصبح جوهرا .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 334 : - إن لحظة واحدة من صحبة الأولياء ، أفضل من مائة سنة من الطاعة بلا رياء .

« 97 »
 
- فاغرس حب الأطهار في سويداء الروح ، ولا تمنح القلب إلا لودهم الذي يرضي الروح .
- ولا تمض نحو حي اليأس فهناك آمال ، ولا تمض صوب الظلمة ، فهناك شموس .
- والقلب يجذبك نحو حي أهل القلب ، والجسد يجذبك نحو سجن الماء والطين .
 
730 - فهيا ، أمدد القلب بالغذاء من شريك في القلب . . وإمض واطلب الإقبال من أحد المقبلين . « 1 »
 
تعظيم نعت المصطفى صلى الله عليه وسلم المذكور في الإنجيل
 
- كان اسم المصطفى موجودا في الإنجيل ، ذلك الزعيم للأنبياء وبحر الصفاء .
- كان ذكر حليته وشمائله موجودا ، وكان موجودا أيضا ذكر غزوه وصومه وأكله .
- وكانت طائفة من النصارى جلبا للثواب ، عندما كانوا يصلون إلى هذا الاسم والخطاب ؛
- كانوا يقبلون هذا الاسم الشريف ، وكانوا ينشرحون من ذلك الوصف اللطيف .
 
735 - وفي هذه الفتنة التي ذكرناها ، كانت تلك الجماعة آمنة من الفتنة والاضطراب .
- كانت آمنة من شر الأمراء والوزير ، وكانت تستجير في حمى اسم أحمد .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 334 : - وتشبث بطرف رداء صاحب إقبال ، حتى تجد الرفعة من أفضاله ، فصحبة الصالح تجعلك صالحا ، وصحبة الطالح تجعلك طالحا .
 
« 98 »
 
- وتلك الجماعة الأخرى من النصارى ، كانت تستهين باسم أحمد .
- فصاروا مهانين أذلاء من الفتن ، من الوزير مشئوم الرأي ، مشئوم الحيل . .
 
740 - كان دينهم متخبطا وشرائعهم ، من اتباعهم للقراطيس معوجة البيان .
- وهكذا يقوم اسم أحمد بإسداء العون ، فما بالك بنوره كيف يقوم بالحفظ ؟
- لقد صار اسم أحمد كالحصن الحصين ، فما بالك بذات ذلك الروح الأمين ؟
.
* * * 
شرح قصة ذلك الملك اليهودي الذي كان يقتل النصارى تعصبا
( 325 ) : يقدم مولانا بداية من هذا البيت حكاية عن فحوى الأبيات السابقة ، عن مرشد كذاب مزور استطاع أن يضل أمة بأكملها ( وما أكثر هم في العصر الحديث ) . . . 
والواقع أن أصول الحكاية عديدة وان استطاع مولانا أن يصنع منها حكاية متكاملة الأطراف فنحن أمام أساطير عربية ومن بينها أسطورة الزباء ملكة تدمر وبعض جزئياتها ، وتراث مسيحي عن الاختلاف حول الأناجيل وتحريفها ، وجو عام يذكر بخلافات المتصوفة في عهد مولانا ، وانقلاب التصوف من ذوق وعرفان وسلوك إلى مجرد جدل صوفي حول قضايا نظرية ، وقال جولبنارلى نقلا عن براون
 
« 395 »
 
أنها مأخوذه عن كتاب عن قصص الأنبياء كتبه أبو الحسن بن الهيثم وترجمه إلى الفارسية محمد بن عبد الله التستري كما ذكر مخطوطة إبراهيم بن منصور النيسابوري ووجود القصة فيها عن يهودي اسمه يونس القى بالخلاف بين المسحيين ( 2095 ) . ويرى فروزانفر أن هذه الحكاية ( مآخذ / 6 - 7 ) مأخوذة نقلا عن تفسير أبى الفتوح الرازي ، وأشار إلى مصادر منها تفسير الفخر الرازي وحياة الحيوان للدميري نقلا عن الكلبي وتفسير النيشابوري ، وأشار إلى أن جزئية قطع الوزير المحتال لأذنه وأنفه إلى أنها مأخوذه من حرب فيروز مع الهياطلة ، والأقرب أنها قد تكون مأخوذه من قطع قصير لأنفه وأذنه في قصة الزباء العربية المشهورة . 
 
وأصل القصة عن رجل يهودي يسمى بولس يظهر تقوى كاذبه ويعتنق المسيحية اعتناقا كاذبا ، ويتظاهر بأنه لقى العذاب والعنت من ملك اليهود من أجل مسيحيته ، ويندس بين المسيحيين ، ويقوم بتحريف الدين والفاء الفرقة ، وهو نفسه الذي قال بطبيعة إلهية للمسيح ووضع التثليث ، وشرح فروزانفر ( شرح 151 - 153 ) أنه نفس بولس هذا كان مؤمنا بالمسيحيه وان كان أصل البدع فيها . وفي تفاسير أخرى للقرآن ومصادر تاريخية أنه كان من بناة المسيحية وأنه لقى العنت في سبيلها ، وأنه استشهد بأمر من نيرون إمبراطور روما سنة 64 ، أو سنة 67 م ، ولم ينتحر كما ورد في قصة مولانا بناء على رواية قصص الأنبياء وتفسير إبى الفتوح الرازي . 


ويبدو أن مولانا أخذ رواية أبي الفتوح الرازي ، ووضع اسم بولس على وزير محتال هاماني الطبع لملك متعصب تعصبا يهوديا وقحا ، ومن خلال الشخصيتين تحدث إلينا عن التعصب ومضاره وعبادة الذات وتأثير النفس مى خلال الإنسان ، كما طرح بعض القيم الدينية ، وحدثنا عن ديناميكية ظهور مذاهب جديده وأفكار وآراء جديده مما قد يكون قد شهده خلال تجاربه العديدة . 
ومن العسير اعتبار القصة تعصبا ضد المسيحية ، فقد كان مولانا بريئا من التعصب براءة تامه - وفي جنازته سار اليهود والنصارى والمسلمون جنبا إلى جنب - فضلا عن أن القضايا الفكرية التي أثارها كلها قضايا صوفيه وعرفانيه ولا علاقة لها بالمسيحيه من قريب أو من بعيد . وانظر في البيت إلى التعبير " مختلقا للظلم " أي أنه كان يبتكر في المظالم تعصبا لليهودية وتحقيقا للهوية اليهودية .

« 396 »
 
( 327 ) : لم يكن هذا الملك المتعصب يسلك هذا المسلك إلا من حوله : فالأحول هو الذي يرى الشئ الواحد اثنين وهذا الملك الأحول لم يبصر الوحدة النبوية بين موسى وعيسى عليهما السلام فوقع في آفة التعصب .
 
( 328 ) : الطريفة التي يذكرها مولانا هنا بناء على قول فروزانفر ( مآخذ / 7 - 8 ) وردت في مرزبان نامه للوراوينى كما نقلها العطار في أسرار نامه ، وعند سنائى حكاية أخرى عن أحول آخر وان كانت تهدف إلى نفس المعنى ( أنظر الترجمة العربية لحديقة سنائى ، الأبيات 412 - 416 وشروحها ) .
 
( 334 - 336 ) : الغضب والشهوة حائلان دون الحكم الصحيح ، فلا حكم لغاضب ، والغرض مرض ، والهوى مضل ، وكلها حجب تحجب الرؤية الصحيحة ، يقول علي رضي الله عنه « واحذر الغضب ، فإنه جند عظيم من جنود إبليس » ( مشكينى / 421 ) والهوى حيض الرجال وكل هذه آفات أشبه بأن يكون القاضي مرتشيا ، فأي حكم من قاض مرتش تنتظر ؟ ! ! ( 341 ) : أي أن الدين لا رائحة له ، كالمسك والعود - تستدل عليه من رائحته ( لمولانا رأى آخر في الكتاب الثالث وهي أن رائحة الايمان ورائحة الكبر والشقاق تصل حتى السماء السابعة ، انظر الأبيات 160 - 169 وشروحها ) .
 
( 367 - 372 ) : روى عن حذيفة رضي الله عنه : كان الناس يسألون رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ( مولوى 1 / 106 ) لأن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قال : من إتقى الشر وقع في الخير ( استعلامى 1 / 221 ) والغول في المأثور الفارسي مخلوق خرافي يظهر في الصحراء في صورة انسان ويُضل الناس ويلقي بهم في المتاهات ، لقد كان هدف الصحابة أن يعرفوا كيفية مكر النفس ذرة بذرة وشعرة بشعرة ومداخلها وتزيينها للشر والقبح ، وكلها أمور أخفى من دبيب النملة على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء . . . 
كان الهدف هو الوصول إلى الإخلاص في العبادة ، وإبعاد شبه الرياء والسمعه ، والتمييز بين ما هو حق وما هو باطل ، مثل التمييز بين الأشياء الظاهرة والمحسوسة ( الورد والكرفس ) وإذا كان أذكياء الصحابة يشعرون بالحيره من وعظه صلى اللّه عليه وسلّم فما بالك بنفسك أنت ؟ ! !
 
« 397 »
 
( 374 ) : الدجال طبقا للروايات الدينية يظهر في آخر الزمان ويدعى أنه عيسى عليه السّلام ويتبعه كثيرٌ من الناس ويفتنون به ويصدقونه وفي الحديث النبوي الشريف : « الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر ، معه جنة ونار فناره جنه وجنته نار » ( الإمام السيوطي ، جامع الأحاديث ، طبعة حسن عباس زكى ، ج 4 ، ص 155 ، القاهرة 1984 ) 
( 375 - 384 ) : الشباك والحبوب : كناية عن الفخاخ المصنوعه لنا نحن الطيور الضعيفة « وخلق الانسان ضعيفا » من جوعنا وحرصنا نقع في هذه الشباك ، وهذه الفخاخ من مال وجاه ونساء وما زين حبه للناس ، وأنت تخلصنا بأنبيائك وأوليائك وأصفيائك وتبدى لنا الطريق ثم نسقط مرة ثانيه ، خذ بيدنا السقوط ، وأنت أهل المغفرة والغفران والتسامح دون حاجه منك إلينا « والله غنى عن العالمين » . . . وهكذا فمهما جمعنا من عبادات وطاعات ، هناك نفس أمارة تفعل فعل الفئران فتنقب أهراءنا وتسرق ما فيها لتعود إلى ما جمعناه وما عملناه فنجده هباءً منثوراً ، وهكذا فعليك أيها الحبيب أن تتخلص من شر النفس الأمارة بالسوء ثم تجاهد بعدها في العبادات « التصوف خلق مما زاد عليك في الخق زاد عليك في الصفاء » . . . والصلاة نفسها التي هي لب العبادات وعماد الدين لابد من الاستعداد لها أو لا بحضور القلب كما قال السيدد السند وصدر الصدور محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم « لا صلاة إلا بحضور القلب » وقوله صلى اللّه عليه وسلّم : لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الله فيها قلبه مع بدنه » ( أحاديث مثنوى / 5 ) . 


قال أبو طالب المكي : حدثت أن المؤمن إذا توضأ ، تباعدت عنه الشياطين من أقطار الأرض خوفا منه ، لأنه يتأهب للدخول على الملك ، وإذا كبر حجب عنه إبليس فإذا كبر ، نظر الملك في قلبه ، فإن كان صادقا ، قال صدقت الله أكبر في قلبك كما تقول ، فيشع من قلبه نور يلحق بملكوت العرش فيكشف له ملكوت السماوات ، وأما الغافل الجاهل إذا قام للوضوء احتوته الشياطين كاحتواء الذباب نقطة العسل ، وإذا كبر كان كل شئ في قلبه عنده أكبر من الله ، فيقول له الملك كذبت ، فيثور من قلبه دخان يلحق بعنان السماء فيكون حجابا لقلبه يرد صلاته لا يعقل ما كان فيه فهذا لا صلاة له . ( مولوى 1 / 109 ) . . . 
وان لم يكن ذلك الفأر اللص الخبيث المتمثل في وساوس النفس وتسرب الرياء إلى الأعمال ، ( ومثال الفأر وتسلله إلى المخزن ذكر في معارف بهاء ولد ص 43 - 44 ) . وانعدام الاخلاص ينقب أهراءنا



« 398 »
 
فأين نتيجة تلك الأعمال والحسنات التي قدمناها طيلة أربعين عاما ؟ ! ! إن الأعمال التي تتم باخلاص تتراكم فوق نفوسنا فتزكيها وتربيها وتجعلها نفوسا نورانية ربانية . . فإن لم يكن ثم عيب فيها فلما ذا لم يكن فعلها هكذا معنا ؟ ! ! .
 
( 385 - 387 ) : أنظر إلى الصورة : تنبعث في بعض القلوب البشرية ومضة برق من الخير يتقلها ذلك القلب المستعد القابل ، وغالبا ما تكون ومضه برق الخير هذه منبعثه من قلب المرشد ، وهذا هو معنى انبثاقها من الحديد ، فإن كان صادقا قبلها وان لم يكن صادقا انطفأت هذه الومضه من الخير ، ومن يطفؤها ؟ ! ذلك الشيطان اللص الذي يريد أن يكون الظلام سائداً ، ليسرق ما يشاء أثناء الظلام ، إنه يضع أصابعه ( الشهوات وطول الامل والحرص ) على هذه الومضه التي تشرق كالنجم في قلب المؤمن فيطفؤها : وذلك مصداقا لقوله صلى اللّه عليه وسلّم : لولا أن الشياطين يحومون على قلب ابن آدم لنظر إلى ملكوت السماوات ( مولوى 1 / 110 ) .
 
( 388 - 389 ) : يناجى مولانا جلال الدين الله سبحانه وتعالى : إننا جميعا معرضون لهذا المصير لولا عنايتك يا ربنا ، وإحاطة علمك بما ظهر وخفى منا ، وقبولك إيانا ( عن العناية انظر الكتاب السادس ، البيت 3883 ، وشروحه ) فما جدوى طاعتنا إن لم تكن عنايتك ، وإذا كانت هناك آلاف من أنواع الامتحان والإختبارات في طريقنا ، فما دمت معنا يا الهى ، لا خوف علينا ولا حزن .
 
( 390 - 393 ) : ومن قبيل رحمتك بنا وعنايتك بنا يا الهى أنك أنعمت علينا بنعمة النوم «قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ» ( القصص / 72 ) يخلص الأرواح من أقفاص الأجساد ويحررها كاسرا ما يحيط بها من ألواح العقل والذهن والأعراف والتقاليد والعادات ، ولهثانها طوال النهار في أثر نفع الدنيا ، وتشاحنها ، وتحملها لوطأة هذا الجسد الذي يشدها إلى الطين ومتطلباته ومغارمه ، لتعيش الأرواح في مساواة مجردة ، فروح السجين مرتاحه من السجن ، وروح السلطان متجرده عن الملك والحكم والأمر والنهى ، فلا حسره ولا رجاء نفع ولا خوف ضرر ولا قلق من هذا أو ذاك ، وكل ذلك دليل يا الهى على انك تستطيع أيضاً أن تحرر الروح سواء في اليقظة أو في المنام من كل هذه الأدران التي يثقل الجسد بها عليها .
 
« 399 »
 
( 394 - 396 ) : وهذا هو حال العارفين في يقظتهم ، أعينهم مغمضه عن الدنيا مفتوحه على الآخرة ، تجول أرواحهم في عوالم في اليقظة كما تجول أرواح العوالم في النوم ، مثل أهل الكهف «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ» ( الكهف / 18 ) . قال نجم الدين كبرى " إن الثابت الصادق والطالب المحق ، من اعتزل عن قومه وانقطع عن إخوان سوئه ، واعتقد ألا يعبد إلا الله ، ولا يطلب إلا الله ، ولا يحب إلا الله ، ويعرض عما سوى الله ، ثم يأوى إلى كهف الخلوة متمسكا بذيل شيخ واصل ، ليربيه بنور الولاية كما كان أصحاب الكهف ، لكنهم مجذوبون بنور الولاية وذلك من النوادر ، ولا حكم للنادر " . ( مولوى : 1 / 112 ) . وقال الكاشاني في التأويلات : وتحسبهم أيقاظاً أي وتحسب العارفين بالله أيقاظا لانفتاح أعينهم وإحساسهم وحركاتهم إلى اشتغال الدنيا ، وهم رقود عما سوى الله في الحقيقة ، ونصرفهم إلى جهة الخير وتقلبهم تارة إلى جهة مقتضى الطبيعة والشواغل الجسمانية ، ظهورا لحكمتنا وكلبهم أي نفسهم باسط ذراعيه أي توكلهما بالوصيد أي بفناء البدن ملازمه لهم ( الانقروى 1 / 119 ) . إنهم مغمضو الأعين عن الدنيا ليل نهار ، وهم كالقلم بين يدي الرب يقلبه كيف يشاء ( عن تفصيل هذا المثل انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 3721 - 3729 وشروحها ) .
 
( 397 - 409 ) : وان هذا الذي يبديه الله تعالى للعقل من حال العارف جزءٌ يسير جداً مما خصه به ويسيره له ، والعقل منه في دهشة وحيرة . . . ويعود مولانا فيفصل الصورة التي جمعها في الأبيات 390 - 393 : تمضى أرواح العوام إلى صحراء لا وصف لها ، فتستريح الأرواح من الأبدان ، وتستريح الأبدان من الأرواح ، ليستريح كلاهما من هذا الصراع المحتدم فيما بينهما والمستمر ما دامت اليقظة قائمة ، ثم ثمة صفير ( كالذي يطلقه الصياد للطير ) ، 
وتمد شباك الدنيا وفخاخها عندما تشرق شمس النهار ، فيستدعى فالق الاصباح ، وكأنه نفخ في صور إسرافيل ، هذه الأرواح الشارده إلى عالم الصورة ، والجياد التي عريت من سروجها ، وهذا هو سر الحديث النبوي القائل « النوم أخ الموت ولا يموت أهل الجنة » فالموت قطع لكل العلائق من الدنيا ، لكن في النوم يبقى خيط غير مرئى بين الأرواح إلى أجسادها ، حتى يطلع النهار وتعود إليها ، قال تعالى «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
 
« 400 »
 
وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ( الزمر / 42 ) ، وليته يحفظها في كنفه ، كما حفظ أرواح أهل الكهف ، أو كما حفظ سفينة نوح من أمواج طوفان ، العالم وطوفان الكفر الذي يحيط بها ، حتى ينمو الضمير ، وتنجو العين والأذن مما يسببه هذا الوعي وهذا العقل والصحو . وكثيرون هم أمثال أهل الكهف يعيشون في كنف الله وتحت حفظه وفي رعايته ، ولا تخلو منهم الدنيا ، هم في غار كنف الله وحفظه ، وهم يعيشون مع الحبيب ، لكنك لا تراهم ، لأن الله قد ختم على سمعك وبصرك ! ! ( 410 - 412 ) : ليست كل العيون جديره بإدراك هذا الجمال ، بل ربما تراه قبحا ، وليلى في المأثور الفارسي رمز الجمال الخالد ، والمجنون رمز العاشق المتيم الواله في الجمال الخالد ، لا يبصره سواه ولا يقدره إلا إياه . . . 
قال فروزانفر ( مآخذ / 8 ) إن الحكاية التي بين أيدينا وردت في ربيع الأبرار للزمخشري : " دخلت بثينه على عبد الملك بن مروان فقال : يا بثينه ما أرى شيئا مما كان يقول جميل فقالت : يا أمير المؤمنين انه كان يرنو إلى بعينين ليستا في رأسك " ، كما نظم العطار نفس الحكاية التي بين أيدينا في مصيبت نامه . . . 
ورواها سعدى في كتاب كلستان مستشهداً ببعض الأبيات العربية التي نسبت إلى المجنون ( كليات سعدى ، ص 169 - 170 ) ، وبالطبع ذكرها كل منهم في معرضه بيان معنى من المعاني . ووردت أيضا في مقالات شمس ( ص 105 ) قالت : نعم أن أنا ليلى ولكنك لست المجنون واستشهد بالبيت :
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها وما طهرتها بالمدامع .
 
والمعنى الذي بين أيدينا أن الخليفة لم يستطع أن يشاهد جمال ليلى ( الجمال الخالد ) ، لأن عينيه مفتوحتان على الدنيا ، وليس عاشقا ناظرا إلى الحقيقة ليدرك مدى جمالها ، بل إن من يلهيه طلب الدنيا ، ويلهث خلفها بسياط المال أو الشهرة ، حتى ولو كانت عن طريق حلال يغمض عينيه عن كثير من متع الدنيا نفسها كالتسامى عن طريق الفن والأدب وخدمة الخلق والعطاء ، فمثل هذا اليقظ يكون في الحقيقة في نوم ولا يستيقظ عادة إلا على كارثه تتم به أو مصيبه تحدث له ، ومن لا يكون متيقظا بالحق وللحق وفي سبيل الحق تكون يقظته سدا أمام تساميه ، وحاجزا أمام اليقظة الحقيقية ، إنه يجعل " روحه " تروح في سبات عميق ، هذا إذا اعترف أن له روحا أصلا ، ويلهث
 
« 401 »
 
وراء كل خيال ، يظن أن فيه راحته وفيه نجاحه ، ومثل هذا الشخص لا يبنى شيئا ، ولا يقيم صرحا واحدا حقيقيا ، في خيال مع الشيطان في النوم يصيب ماء شهوته ، وهي لا تنجب ولا تنسل ، فكأنه زرع بذره في أرض بور ، وما أشبهه بصياد يطارد ظل طائر ، الطائر في الأعالي ، البناء الدنيوي الخالد هو الذي يكون موصولا بالآخرة ، هدفه التسامى . . . هدفه راحة البشر ، وبناء الإنسانية ، وهو يظن أنه يصيد الطائر ، حتى تفرغ كنانته . مشهد نشاهده كل يوم : يلهث المرء وراء دنياه ، يجمع من المال ما يجمع لكي يستريح ، وحين يستيقظيجد نفسه مريضا مهدما وربما وحيدا ، وتكافئه الدنيا بأن يحس بأنه لم يفعل شيئا ، فما ذا يجديه كسب الدنيا إذا خسر نفسه ؟
وأغلب هذه الأنماط تنتهى إنتحارا ، ولا أمل إلا أن يكون ظل الله عليه ، يهديه سواء السبل ، ويخلصه من كل هذه الأوهام والخيالات .
 
( 421 - 431 ) : أتدري ما هو المقصود بظل الله ؟ ! ! إنه عبد الله الذي يحيا بالله ، أفنى بشريته في حب الله ، وهو مظهر صفت الجمال والجلال وهو السلطان الحقيقي الذي لا يروح عنه سلطانه ولا تأفل شمسه ، وإنني لأسميه بالظل ، لأنه دليل على وجود نور الشمس الإلهية ، ومن هجير الدنيا يلجأ إليه المستظلون ، وبهم تنجو من الفتن التي أخبر الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أنها تظهر في آخر الزمن ، واقرأ «أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا» ( الفرقان / 45 ) وكن كالخليل ، وقل «لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» ( الأنعام / 76 ) أي عن طريق ظل الله ، توصل إلى الله ، ما دام الظل هو الذي يوصل إلى الشمس ، وما دامت الشمس قد ذكرت ، قإن خير من يدلك على شمس الحقيقة الساطعة هو شمس الدين التبريزي . لكن أين أنت من شمس الدين التبريزي ؟ أمامك اذن حسن حسام الدين ، ولم يذكر نفسه تواضعاً واستتارا ، فذكر أستاذه ، وذكر تلميذه ، فالولي لا يدعو إلى نفسه ولا يظهر نفسه .
 
( 432 - 439 ) : وإذا قلت : فما بالك قصرت الأمر على أستاذك وتلميذك ، وجعلت الحقيقة في زماننا وقفا عليهما فإن هذا يكون حسدا منك ، وأنا أحذرك من الحسد ، فأول معصية كان سبيبها الحسد : فإن إبليس لم يسجد لآدم حسداً منه «قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *» و« قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً »فألقى بنفسه من حالق سعادة الطاعة إلى حضيض شقاء المعصية ،
 
« 402 »
 
وأنا أقول لك من بداية المثنوى : لا عقبة في الطريق أسوأ من الحسد ، فهو الذي يحبسك عن الرجال ، ويردك عن أبوابهم ، فتنظر إليه بعين إبليسية ، وتستكثر عليهم نعمة الله ، وتتكبر ، وترى نفسك خيرا منهم ، وهذا الجسد المملوء حسدا إنما يلوث كل سكانه من حواس وقوى عقلانية وقوى قلبية وروحية ، والله سبحانه وتعالى قادرٌ على تطهير هذا البيت وخلاص سكانه ، وعندما قال الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام «طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» ( البقرة / 125 ) 
كان يقصد أيضاً القلب فهو بيت الله في الجسد وموضع سره ، قال نجم الدين « أما الطائفون فواردات الحق وإلهاماته ولوامع أنواره وطوالع اسراره ووفور مواهبه ، فجملتها بلسان القوم الأحوال التي تطوف حول القلوب المطهرة من الملوثات ، السليمة من الآفات وأما العاكفون فأنوار معرفته ومحبته وحقائق صفاته وأخلاقه ، وأما الركوع والسجود فإشارة إلى صفات القلب المطهر وهي : الإرادة والصدق والاخلاص والخضوع والخشوع والدعاء والتضرع والابتهال والإنكسار والتواضع والخوف والرجاء والصفاء والوفاء والتسليم والرضا والخشيه والهيبة والتوكل والتفويض فجملتها العبودية " ( مولوى 1 / 120 ) 
فهو أي الجسد كنز للنور لأنه محل القلب ، وما التراب الذي خلق فيه إلا ما يطلسم به الكنز لكي لا يظهر لمن ليس بأهل ، والشيخ لا حسد لديه ، وإذا انصب حسدك عليه ، فإن أذى هذه الحسد لا يحيق الا بجسدك أنت ، فالحسد مرض عند صاحبه ، لا يتألم منه سواه ، وما علاج هذا الحسد إلا تواضعك لأهل الحق ، واستسلامك لهم ، هذه النصيحة مجربه ، جربناها قبلك .
 
( 440 - 448 ) : لقد كان ذلك الوزير المتآمر على المؤمنين حسودا ، وما تخليه عن أذنه وعن أنفه إلا من حسده ، إن الحسود لا يحتاج إلى أذن يسمع بها غير ما توسوس به إليه نفسه الحسود ، ولا يحتاج إلى أنف يشم بها شذى معارف العارقين ، والشم هو الذي يوصل إلى بساتين العارفين ورياض الصالحين وأحباء الأولياء ومواضعهم ، فالحسود لا يضر إلا نفسه ، ولا يغلق الباب إلا أمام نفسه . وقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم « الحسد يفسد الايمان كما يفسد المر العسل » ( الجامع الصغير 1 / 151 ) 
وقال الامام على رضى اللّه « صحة الجسد قلة الحسد » ( مشكينى / 203 ) . وقلة الحسد تحفظ عليك حواسك من الخلل وفكرك من الزلل ، فاشكر الله على نعمة الشم ، بالا تلغيها ، فإنك إن
 
« 403 »
 
الغيتها زالت عنك ، ومن خواص شكر النعمة شكر الشاكرين " من لا يشكر الناس لا يشكر الله " وهؤلاء الناس في أيديهم سموك ورقيك ، فكن بين أيديهم كالميت بين يدي الغسال يقلبه كيف يشاء " ، ولا تكن مثل ذلك الوزير الذي كان ديدنه قطع الطريق على المؤمنين ، لقد كان يدس السم في الدسم كما يُدس الثوم في حلوى اللوز ( التعبير لسنائى : انظر حديقة الحقيقة البيت رقم 5305 ) .
 
( 449 - 455 ) : الأذكياء والحاذقون أذكياء القلوب لا العقول ، أولئك الذين يحسون بقلوبهم أن كلام الوزير هذا ( له خبىء ) ، أنه مقنع في الظاهر بليغ وفصيح ، لكن تأثيره في القلب عكسي تماماً ، وأحيانا يكون الكلام جميلا وفصيحا ومرتبا ، يراعى قائله كل أصول البلاغة لكنه يظل " مجرد كلام " يحس القلب من ورائه شيئا ، وكأن مولانا يقول أن المبالغة في تزيين ظاهر الكلام هكذا ، ما هي إلا لفقدانه الإخلاص ، وكلام الكاذب كالسراب ( مشكينى / 467 ) يحسبه الظمآن ماء وما هو بشئ ، أو كأنه الفضة المزيفة ، بيضاء اللون لكنها تسود اليد ، أو بتعبير آخر للإمام على رضى اللّه عنه ( كخضرة على مزابل ) ( سبزوارى / 28 ) 
وهكذا فالمهم الأثر ، والمهم المحك ، والمحك قلوب الأذكياء الواعين المنورة بنور المعرفة الالهية ، وكلام الوزير وإن كان متوهجا كالنار فإنه محرق ، والبرق وإن كان يحتوى على نور ، فإن نوره يخطف البصر ولا يضئ أمام البصر ، وهكذا كلام المنافقين الذي يتجرعه الهمل الرعاع ويستشهدون به ، إن كلام الوزير مجرد كلام " مبهر " ليس أكثر . كلام " مبرمج " بالتعبير المعاصر ، يدق على موضوعات بعينها ، لإدخالها في العقول قسراً ، حتى ولو كانت القلوب لا تطمئنّ إليها .
 
( 462 - 467 ) : المراد بالإثنى عشر أمير الأسباط الاثنا عشر أو الحواريون الاثنا عشر ؟ ! أو مجرد إثنى عشر أمير كان قوم عيسى يسلمون لهم أمورهم ويتبعونهم ، المهم أن الوزير الماكر بدأ برؤوسهم فتسلط عليهم ، وهكذا تبدأ الفتنة بالكبراء والملأ والقادة والقدوة ، وتتعفن السمكة دائما من رأسها .
 
( 469 - 500 ) : آثرت ترجمة " طومار " هنا بقرطاس ، على أساس أنه التعبير القرآني (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) ( الأنعام / 91 ) والتخليط بالتلبيس وهو وضع الأفكار
 
« 404 »
 
المتداخلة المتناقضة وخلطها . والأفكار التي يسوقها مولانا على أساس ان الوزير قد وضعها ، لا تتصل بالعقائد بقدر ما تتصل بالطريق والعرفان والواقع أن هذا يوحى بأن مولانا كان يقصد بالقصة كلها بيان المرشدين الكاذبين الذين يلبسون الطريق على المريدين ، وأن عيسى والوزير اليهودي الماكر مجرد إطار ، فالوزير يتحدث عن شروط الطريق فهو حينا الجوع والرياضة الصوفية والتوبة والنابة والرجوع ، ثم يعود فيقول في قرطاس : لا ، لا نفع في الرياضة والمهم هو الجود ، وفي مرة ثالثة لا للرياضة ولا الجود ، فإن الرياضه والجود تدخل من العبد ، والتدخل شرك ، بل التوكل والتسليم على أساس أن الله سبحانه وتعالى يقدم ما فيه الخير لعبده ، ثم يقول :
التوكل سلبية ، يخلص بها المرء نفسه وينسى غيره بل الأصل في خدمة الخلق ، ثم يأتي في قرطاس فيسقط التكاليف ، ويقول الأصل في الأمر والنهى العلم وليس العمل ، لأن الله يعلم أننا غير قادرين على القيام بها ، فكيف يأمرنا بشئ نعجز عنه ؟ ! ! 
ثم يقول في قرطاس آخر : لا ، لا ينبغي أن تعتبر نفسك عاجزا لأن في هذا إنكارا لما منحك الله من قدرة ، ويعود في قرطاس فيقول :
دعك من العجز والقدرة ، فكل ما يظهر في طريقك صنم ويعود فيقول : النظر هو شمع طريق الوصول إلى الحق ، ثم يقول في قرطاس آخر : أطفىء شمع النظر فيعطيك شمع الروح النور وكل ما تبحث عنه يصلك ، ويقول في قرطاس : تمتع بما خلق الله لك من رزق ، ولا تجعل منه حلالا وحراما ، وتكلف نفسك العنت وفي قرطاس آخر يقول : أُنبذ كل ما قبله طبعك ، وليس معبار قبول الشئ موافقته للطبع ، فهناك أمور كثيرة ميسرة ، لكن عاقبتها عسر ، ولو كان كل ما يسر صحيحا ، لكانت كل أمه على الحق ، ثم ترك الموضوع مفتوحا ، فقال انظر إلى العاقبة وإلى المآل وهكذا ينقض في قرطاس ما قاله في قرطاس آخر ،
 فيقول في أحدها : لا بد من المرشد ويقول في آخر :
بل المرء مرشد نفسه ، وفي قرطاس يقول : كل الأديان والمذاهب دين واحد ، وفي آخر يقول :
كيف تكون المائة واحدا ، وكيف تكون المذاهب واحدة ، وفي كل منها ما يخالف الآخر : هل يكون الشئ الواحد سما وتريقا ؟ ثم يفرغ إلى نهاية التلبيس ، دعك منها كلها ، دعك من كل الطرق وكل المذاهب ، هذا هو الطريق الوحيد لكي تشم أريجاً من بستان الوحدة ( وكم تكون النصيحة بالشم مجدية حقا من فاقد للشم ! ! ) .
 
« 405 »
 
( 504 - 515 ) : لقد كان ذلك الوزير اليهودي يدعو بين قوم عيسى ، دون أن يكون قد علم النذر اليسر من أساس دين عيسى عليه السّلام ورساله ، والواقع أنه ربما كان يعلم ويفعل عامدا ما يجعل أساس هذه الفسلفه مبعثراً ومشتتاً عند أتباع عيسى ، واللون الواحد عند عيسى عليه السّلام " المحبة " والمحبة هي القادرة على أن تجعل حسن التفاهم يسود بين أرباب الأديان المختلفة ، ودن الصفاء هو معرفة الله ، . فالوصول إليها ينفى ما علق من الطرق من غبار الاختلاف ، وريما كان في هذا إشارة إلى ما روى عن عيسى عليه السّلام أنه اشتغل في صباه صباغا ، فطلب منه أستاذه أن يصبغ عدة ثياب بألوان مختلفة ، وذهب إلى بعض شأنه ، فنسى سيدنا عيسى عليه السّلام المطلوب لكل ثوب ثم وضعها في دن واحد ، وأخرج الأثواب ، . فكان كل ثوب فيها على ما طلبه أستاذه ( قصص الأنبياء للثعالبي 439 - 440 ) 


ليست وحدة اللون التي يكون منها الملل ، بل وحدة اللون التي تسكن إليها الروح ، مثلما يسكن السمك إلى البحر الزلال مع أنه ذو لون واحد ، وبحر الروح على بأج واحد ، لكن اليابسة ( الحياة المادية ) مليئة بالفتن والمجادلات والخصومات ، ومن هنا تسكن مخلوقات البحر ( العارفون ) إلى الماء وتنفر من اليابسة أي سمكة وأي بحر ؟ ! هكذا يستدرك مولانا ، ما هذا التشبيه ؟ ! 
يا لها من قاصرة هذه اللغة لا تستطيع أن تعبر عن عشر معشار ما يجول في القلب من معان أأشبه بحر الجود بالبحر ؟ ! 
وهذا البحر عطاء منه ؟ ! وما يعطيه البحر من لطفه ؟ ! ودره من مطره والسحاب الذي سيره ، كلها من شموس كرمه ؟ ! 
وهذا التراب القابل للحب ، أليس من علمه ؟ ! 
ألا ترى أن هذا التراب أمينٌ على ما تضعه فيه من حب ، هل زرعت مرة شيئاً وحصدت شيئاً آخر ؟ ! 
فأمانة التراب إنبثقت من الأمانه الإلهية ، ولا تقولن أن الربيع هو الذي يظهر النبات ، فهل يستطيع الربيع أن يظهر شيئا دون أن يجد إشارة من الحق ؟ ! ! 
 
( 516 - 524 ) : إذا كان هذا ديدن الخالق مع الجماد ، فذلك لأن الجماد إنقاد له مطئطا الرأس وتواضع واعترف بجماديته ، لكن هذا اللطف ينقلب إلى قهر مع الإنسان الحي العاقل الذي نفخ فيه من روحه وكرمه على كل مخلوقاته ، فيجعله يعمى عن كل هذه الآلاء والعطايا ، أتراني عندما أصل إلى هذا الوجد أستطيع أن اعبر التعبير الحقيقي والناس جميعا قد فقدوا السمع وملأت آذانهم ضوضاء الدنيا وجلبتها وضجتها ؟ ! إن الأذن التي تتجه إليه فحسب تصير عينا فتعاين الحقيقة
 
« 406 »
 
كأنها تشاهدها . والحجر الذي يتعرض لشعاع من شمس الطافه ينقلب إلى حجر كريم ، إن معه كيمياء التبديل التي تجعل من المعدن الخسيس معدنا كريما ! ! ماذا أقول ، إنه ليس في حاجة إلى وسيله من كيمياء وسيمياء ( الكيمياء والليمياء والهيمياء والسيمياء والريمياء هي العلوم الغربية المضمنون بها على غير أهلها وتجمعها عبارة : كله سر ) وهو الذي يعطى عباده المخلصين القدرة على المعجزة وهي قلب الأعيان دون وسيله ، وهذا الثناء منى عليه تجرؤ منى فإذا كان الرسول الكريم صلى اللّه عليه وسلّم قد قال « لا أحصى ثناءً عليك » كيف أقوم أنا ذاتي بالثناء عليه ؟ ! « وشرط المحبة إفناء الوجود في حب المعبود حتى يصير بصير الشاكر والمشكور والرب الغفور » ( مولوى 1 / 135 ) وشرط الثناء الحقيقي أن يكون وجودك فناءً أمام وجوده ، وأن من شرط هذا الوجود أن يكون أعمى عمن سواه ، فإن أثبت لنفسه رؤية ، لجرؤ على النظر إليه ، وان فعل لذاب ألست ترى الوجود كله متجمدا حزينا يرتدى زرقة الحداد ( السماء والبحر ) . إن هذا هو ما حفظ عليه وجوده ، فلو أثبت لنفسه وجود أمام هذه الشمس لذاب وانمحى كما قال الجنيد : " إذا قرن المحدث بالقديم لم يبق له أثره " ( انقروى 1 / 145 ) .
 
( 525 - 546 ) : لقد كان ذلك الوزير بمكره جاهلا غافلا ، كان يقاتل من لا يقاتل ويقاوم من لا يقاوم ، ويخلق من العدم إن شاء ما يفوق كل هذا الوجود الذي تراه وتراه واسعا وهو مجرد ذرة بين يدي قدرته ، انه يجعلك إن عرفته محيطا لمعرفته بمعرفة كل شئ ، وهذا العالم الذي تراه واسعا سجن لك ( الدنيا سجن المؤمن ) . وإذا أردت أن تعرف الفرق بين ما تراه في هذه الدنيا من أنواع العلم والقدرة وما يمنحه الإله من علم ومن قدرة لأصفيائه الذين اتجهوا إليه ، فانظر إلى هذه الأمثلة : عصا الله في يد موسى حطمت كل عصى السحرة وكل حراب فرعون وجيشه وخيله ورجله ، وأعظم علماء الطب لم يستطيعوا أن يفعلوا ما يفعله نفس واحد من أنفاس عيسى عليه السّلام ، ودواوين العرب كلها هباء أمام بلاغة ذلك النبي الأمى ؟ ! 
أتراك تقاوم هذا الإله الغالب ولا تستسلم له وتفنى فيه ابن لم تكن دنيئا خسيسا ؟ ! ! 
وكم من قلوب راسيات كالجبال قد خلعها بحبه خلعا من مكانها ، وكم من طيور ذكية ماهرة سقطت في الفخ اعتمادا على ذكائها ومهارتها ، إن فضل الله لا يناله كل قبيح بمال أو بعقل أو بجاه ، لأنه سبحانه وتعالى قال في حديثه القدسي :
 
« 407 »
 
« أنا عند المنكسرة قلوبهم » وكم من أغنياء وعلماء أجلاء صاروا لذلك الوزير إمعات ( لحية ثور ) ، أرأيت كيف يمسخ الضلال والطمع والحرص البشر ؟ ! ألم تقرأ في قصة هاروت وماروت أن المرأة التي أغرتهما قد مسخها الله تعالى وجعل منها كوكب الزهرة ؟ ! ( الأسطورة تكاد تكون عالمية فهي ناهيد الزهرة عند الفرس وافروديت عند اليونان وفينوس عند الرومان ( كولبينارى : 100 - 99 ]
، وانظر مقارنة بين الروايات القديمة المتشابهة ، عن الزهرة [ 100 - 99 ] ) أتعتبر 
تحول امرأة إلى كوكب مسخا ولا تعتبر هبوطك إلى حضيض الجسد وتجاهلك لعالم الروح مسخا . إن الروح ترفعك إلى أعلى عليين ، وأنت تتشبث بالجسد ليهبط بك إلى أسفل سافلين ( هذه هي أساس الجدلية الصوفية كلها وقد عبر عنها سنائى بقوله :
ما ذا أفعل بالجسد وأنا من عليين * وما ذا أفعل بالروح وأنا من طين وأنك بدلا من أن تسير في أثر الروح ، نزلت وتسفلت ، ألست ترى المسخ الذي حدث لك وأن لم يكن هذا مسخا فماذا يكون المسخ ؟ !
 إنك لا تراه لأنه مسخ باطني ، مسخ قلب ، ومن رحمة الله بأمة محمد أنه جعل مسخها في القلوب لا كمسخ بني إسرائيل في الأجساد والجوارح ( عن المسخ الظاهر والمسخ الباطن ، انظر الكتاب الخامس ، الأبيات 2593 - 2601 وشروحها ) 
وها أنت ترى نفسك جديرا بملك العالم وبأن تملأ سيرتك الدنيا ، وصعدت في الفلك السابع ، لكنك لم تدرك إن السجود لآدم كان سجودا لروحه ولم يكن سجودا لجسده .
 
( 547 - 552 ) : لكن لا تيأس من رحمة الله : فان معرفة الحق إن سطعت على كل ما في العالم من ثلج وما في دنياك من اهتمامات مادية أحالتها إلى ماء وأذابتها ، وشعاع واحد من رحمة الله وعنايته يجعل كل غزل ذلك الوزير أنكاثا ، ويجعل هذا الإضلال حكمة ، وهذا التلبيس رحمة ، وهذا السم شرابا سائغا ، فيهديك من حيث أراد غيرك بك الضلال ، ويمنحك محبته من حيث أراد غيره أن ينمى الحقد في قلبك ، أليس هو سبحانه وتعالى الذي رعى إبراهيم عليه السّلام وهو في النار ؟ ! أليس هو الذي أبدل المؤمنين من بعد خوفهم امنا في بدر ؟ ! 
إنه تعالى محرق الأسباب وفاسخ العزائم . وهذا ما يصيبني بحيرة العارفين ، وأرى أن التفكير بالعقل في فعله مجرد سفسطة وشقشقة ألفاظ .
 
« 408 »
 
( 553 - 568 ) : تدل الأبيات أن مولانا كان على دراية كبيرة بسيكولوجية الجماهير ، فالزعيم أو القائد إن ظهر كثيرا بين أتباعه يُبتذل ويُمل ، تقدم آراؤه ، وتستسخف لفتاته ونظراته ، وببساطة يستهلك تماما ، ولا تعود له نفس الجاذبية عند الجماهير ، ومن هنا فلا بد من أن يجدد " شوقها " إليه ، فيظهر على فترات متباعدة ، أو يختفى وفي حالة القيادة الدينية والمذهبية لا بد وأن يكون الأمر مصحوبا بجو ديني ومذهبي كالحالة التي بين أيدينا : لقد وضع الوزير الماكر بذور الفتنة ورواها ، ثم تركها تنمو وتختمر وتغلظ وتستوى ، واختفى في خلوة الممارسة الرياضية الصوفية ( بعض زعماء العصر الحديث يختفون قليلا ويقولون أنهم مختفون للتأمل مثلا ) وها هي جماهير العوام " كالأنعام " تجأر بالشوق إليه . . أنها تحس بدونه أنها عمياء لا ترى ، ولم لا وقد أخذ منها عيونها وحبسها معه في الخلوة . . 
فأصبحت بدونه كالأطفال حرموا الرعاية ( معظم زعماء العصر أقاموا دعايتهم وجاذبيتهم على أنهم آباء لشعوبهم من أول نابليون حتى أتاتورك وما بعد أتاتورك ، فساقوهم إلى الذبح ) وظمأى حرموا الماء الذي كان يحقنهم به صباح مساء ، الحكاية ليست حكاية تعصب ، إنها تقدم نموذجا لفن الخداع الجماهيرى الذي لم يصبح علما إلا في العصر الحديث ، انقلب الطالب إذن إلى مطلوب ، ومن ثم يدخل في مرحلة جديدة من مراحل الشعوذة وخداع الجماهير ، أي إضفاء هالة من القدسية على كل ما يقوم به ، وليس مكلفا بأن يقدم تبريرات بل عليه أن يتكلف بعض الحكمة ويصبها صبا في آذان الجماهير : فهي تشحذ فيهم الشوق وتضرم النيران ويمكن فيما بعد أن تصبح " أقوالا خالدة " للزعيم تدرس في المدارس وتكتب حولها الأبحاث .

( 569 - 580 ) : وهكذا يبدأ الوزير الحكيم في الحديث إلى الأتباع الذين برح بهم الشوق ، وبالرغم من أن الحديث الذي يقدمه إليهم عن لزوم الباطن بدلًا من أتباع الظاهر من الموضوعات النمطية التي خاض فيها مولانا جلال الدين كثيرا ، إلا أننا نجده عندما يسوق الحديث على لسان مدع يجعلنا نحس بأن الحديث بالفعل لا يعبر عما في الباطن ، وانه مجرد كلام ولا نميز تلك الروح الفياضة الشفافة التي تتجلى في هذه الأحاديث عندما يسوقها مولانا على لسانه أو على لسان شيخ مخلص : وهكذا فحديث الوزير هنا يبدو حديثا تعليميا جافا يفيض بالأدعاء : فهناك أذن
 
« 409 »
 
للظاهر وأذن للباطن ، وأذن للحس وأذن للروح ، وأذن الحس حجاب على أذن الروح ، ( والمثال الغفلة كقطن في أذن السر ، ورد في المعارف ص 231 ) ولا يهم في الكلام الذي تسمعه أذن الحسن ، فسد أذن الحس ، لكي تسمع الخطاب إلى الروح ب «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً» ، والحس هو الذي يصلح لليابسة ( عالم المادة ) أو عالم اليقظة ، والأحاسيس الباطنة هي التي تصلح للبحر ( عالم المعنى ) وعالم النوم ( عن عالم المادة ) وما دمت في عالم المادة ، لن تحصل على ماء الحياة ( العلم الإلهى ) 
ومن معانيه أيضاً الفيض والعشق والوفاق والعلم اللدني وسرعة الوصول إلى الله والمحبة وقبلة الأحبة والحديث بالحقيقة والحركة والفقر والشراب المادي والمعنوي ( جولنبارلى 103 ) ولن تشق البحر ، ما دمت في عالم الفكر والوهم ، وهكذا ، عشرات من المصطلحات والقضايا يرصها الوزير رصا لكي يزيد في شوق المشتاقين وإلتياع الملتاعين ! !


( 581 - 594 ) : ولكن هذا الكلام لم ينفع ولم يقنع المريدين إذ كيف يترك الشيخ المريدين يحلقون في الأعالي ولم ينبت لهم ريش بعد ؟ ! كيف يطلب منهم أكل الخبز وهم لا يزالون في مرحلة الرضاعة ؟ ! 
وكيف يمكن للاذان إلى أن تتحول إلى وعى (آذان روحيه) دون أن ينصب فيها كلام الشيخ ، وكيف يأمرهم بالنزول إلى البحر بدونه وهو البحر ؟! 
وكيف يطلب منهم الصعود إلى الأفلاك وهم في الأفلاك - حتى على الأرض - ما داموا معه ؟ ! 
بل إن الأرض بوجوده لتسمو على الأفلاك وتنفوق عليها ، إنه هو النور المشع ، الفلك بدونه يصبح مظلما ، والأرض به تصبح منيرة ( كلام المريدين أكثر وجدا من كلام الشيخ لأنه صادر عن شعور صادق ) لأنه هو الروح وهو المعنى والرفعة للمعنى عن الصورة ! !
 
( 595 - 598 ) : لا يجد الوزير الماكر ( الزعيم المموه ، المرشد الكذاب ) ما يرد به على المريدين فلا يجد ما يقوله : ما هذا ؟ ! الا تتقون فىّ ؟ ! ألا تتقون فيما أقول ؟ ! ! 
كيف تتوسمون في الكمال ثم تنكروننى ؟ ! ! كيف تردون آرائى وأوامرى ؟ ! ! ألست مؤتمناً في النهاية على دينكم وعاقبتكم ، فكيف تتوسمون في من ائتمنتم الخيانة ؟ ! 
كيف تتهمونني بأنى لا أرعى مصالحكم ولا أريد خيركم ، لن أغادر الخلوة فأنا مشغول بإصلاح باطني ( كان مولانا ينكر الخلوة إذا كان ثم مريد في حاجة

« 410 »
 
إليه ، ويسخر من الزهد الريائى ومن التنطع والإفراط ، كما سنرى في مواضع عديدة في المثنوى ، ويرى أن كله هذه الصفات دليل نقص في الشخصية الصوفية السوية وليست دليل كمال ) .
 
( 599 - 609 ) : يرد المريدون : حاشا لله أن ننكر شيخنا ومولانا أو نتحدث إليه حديثا يشم فيه الإنكار ، إن هذا هو ما أسعفنا التعبير إليه ، نحن لا نجادل بل نبكى حنينا . . وأنت الذي علمتنا هذا الحنين ، نحن مجرد آلات موسيقية وأنت العارف عليها ، ونحن مجرد ناى وأنت النافخ فيه ، فكل كلمة نتفوه بها منك ( الحديث هنا وخصوصا على ألسنة المريدين يعبر عن شوق مولانا جلال الدين وتقديره لشيخه ومرشده ) نحن صدى صوتك يا جبل المعنى ، ونحن قطع شطرنج في يديك وأنت تنقلنا كيف نشاء ، وان كسبنا فمنك وان خسرنا فمنك ! !
 نحن ما ذا نكون جوار وجودك ؟ ! عدم صور مرسومة على الأعلام ان تحركت وهجمت فمن الريح ، وأنت الريح ، لا افقدنا الله إياك يا من كل وجودنا منك ، ( عن تفصيل الفكرة انظر 4 / 131 - 155 وشروحها ) .
 
( 610 - 614 ) : لا يزال المريدون المخلصون الذين ينطقهم الإخلاص بكلام وأفكار أعمق من أفكار الشيخ يتحدثون إلى شيخهم ( المزور ) وان كان هذا الحديث يغلب ان يكون من إفاضات مولانا خارج نطاق الحكاية والحديث يكاد يكون موجها إلى الله تعالى : إن الله تعالى أبدى للعدم لذة الوجود وابتلاه بالعشق حتى ينتقل إلى عالم الوجود وكل حلمه وصال الحق ( كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني ) فلا تسلب منى يا الهى لذة إنعامك إننا نتضرع إليك ، لا نجادلك ولا نناقشك فهل تجرؤ الصورة على مجادلة المصور ؟ ! 
( مثل تكرر أكثر من مرة في المثنوى ، أنظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث البيت 937 وشروحه ) يا الهى لا تعاملنا بفعلنا بل عاملنا بلطفك وكرمك ( اللهم احملنى على عفوك ولا تحملني على عدلك ، مشكينى 239 - من دعاء للإمام علي رضي الله عنه ( ولنفس الفكرة انظر الكتاب السادس ، الأبيات 2710 - 2716 وشروحها ) .
 
( 615 - 618 ) : من هذا البيت يناقش مولانا قضية من أهم القضايا الكلامية التي ناقشها في المثنوى على طول كتبه الستة ، وهي قضية الجبر والاختيار ، ( انظر القضية ككل في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس تحت عنوان الإرادة الإلهية والحرية الإنسانية ) فبالنسبة للقدرة

 
« 411 »
 
الإلهية الخلق جميعا كالأجنة في الأرحام لا حول لها ولا قوة ، ومصيرها مكتوب ، فمنهم شقى وسعيد .
 
( 619 - 632 ) : الآية الكريمة (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) ( الأنفال / 17 ) خضعت لأكثر من تفسير ، ووجهت لبيان أكثر من معنى في المثنوى : ( الكتاب الثاني 1306 و 2530 والكتاب الثالث بشكل أكثر تفصيلا من 3660 - 3364 والكتاب الرابع 763 و 1725 و 2947 والخامس عنوان سابق للبيت 2544 والسادس 2253 و 2844 و 3207 و 4593 ) 
لكن المعنى العام إن فعل الله متدخلٌ في كل أمر هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إن الولي يصل إلى درجة يصبح بها مصداقا للحديث النبوي ويده التي يبطش بها ، ويخلص مولانا إلى أنه لا يعنى بهذا أن يقول بالجبر لكنه يشير إلى معنى الجبروت ، فنحن مجبرون عندما يحيق بنا البلاء ، لكننا مختارون إذ يعترينا الخجل والندم على بعض أفعالنا ( عاد مولانا إلى القضية في أكثر من موضع في المثنوى وجمعت في مناقشة للقضية ككل في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) . ثم إن هناك دليلا آخر على انك مختار وهو انك كثيرا ما تقوم بمحاسبة نفسك وتتوب وتعد وتنذر وتكون كلك وعيا ، ويجدها مولانا فرصة للحديث عن موضوع آخر : إذا كان الآلام هي التي تجعلك أكثر وعيا وهي التي تقودك إلى الحبيب فلك ان تحتضن الآلام التي يهبها لك الله بعشق ( لتفصيلات انظر الكتاب الثالث الأبيات 195 - 204 وشروحها ، والكتاب السادس الأبيات 4316 - 4318 وشروحها ) .
 
( 633 - 646 ) : كل من هو أكثر يقظة ومعرفة بالله يكون أكثر ألما وخشوعا وانقيادا ، يقول المصطفى عليه السلام « أنا أعلمكم بالله وأنا أخشاكم له » ( مولوى 1 / 157 ) وعلى مستوى آخر :
أكثر الناس يقظة ووعيا هم أكثرهم ألما حتى لبلاء الآخرين إن لم يحق بهم البلاء هم أنفسهم . فها أنت تقول بالجبر ومع ذلك لا تتضرع إليه حتى يرفع عنك ما حاق بك . وإذا كنت سجينا للجبر الإلهى مقيدا به فما إظهارك للفرح ؟ ! 
وإذا كنت في أوان ذلتك ترى أنك مجبر فهل تراك مجبراً أو ان رفعتك في إذلال الآخرين ؟ ! 
ثم أين قولك هذا بالجبر وأنت في كل فعل تميل إليه تسرع إليه وتقوم به بكل قدرتك وقوتك ، أما إذا حاق بك ما تكره فلا تفتا تكرر أنه من الله ، ما هذا

 
« 412 »
 
التناقض ؟ ! ! لكني أقول لك حتى تستطيع أن تفرق : الأنبياء ورجال الله يعتبرون الدنيا بأجمعها في يد قدرة الله وجباريته ، أما أمور العقبى فمن اختيارهم هم ، أما الجهال يعتبرون أن ما يحدث في الآخرة متعلق بالجبر وذلك لكي يسقطوا التكاليف الشرعية عن أنفسهم ، الجهال والضالون يتصورون ان أمور الدنيا في أيديهم وفي مسئوليتهم هم ، وأن الآخرة بيد الله ، والأمر هنا يبدو معكوسا وغامضا إلى حد ما ، والمعنى الأبسط والأقرب إلى الذهن أن الأنبياء يختارون أمور الآخرة ويعيشون في الدنيا جبرا واضطرارا ، أما الجهال والكفرة فيختارون الدنيا ويوكلون كل ما يتعلق بالآخرة إلى الجبر الإلهى ، وهو جزء من التناقض الموجود في شخصياتهم ، ويفسر مولانا هذا الأمر بأن الأمر لا جبر ولا اختيار بل " كل يطير صوب جنسه " فالأنبياء من جنس الآخرة ومن ثم يهرعون إليها ، والكفار من جنس الدنيا ومن ثم يلتحقون بها ، ويرى مولانا أنه قد ينزلق إلى ما لا ينبغي الحديث فيه ، فيرى أن من الأولى العودة إلى الحكاية .
 
( 647 - 653 ) : الوزير المحتال يضن على المريدين حتى برؤيته ( وذلك لشحذ حرصهم وأشار مولانا إلى هذه النقطة بالتفصيل في الكتاب الثالث في قصة موسى وفرعون على أساس أن الإنسان حريصٌ على ما مُنع ، انظر الكتاب الثالث الأبيات 846 - 854 وشروحها ) 
ومن ثم يرد عليهم الوزير من داخل الصومعة ، ويرمى بالسهم الأخير فلا تبرير ولا موعظة ، إنه مأمور بكل ما يفعل والمأمور معذور ، ومن أمره بهذا ؟ ! عيسى نفسه ! ! أنه يدعوه لكي يقيم معه في الفلك الرابع ، وهكذا تبلغ شعوذته مداها " وكثيرون هم الطغاة والمشعوذون الذين يربطون كل ما يقومون به من أفعال بغيبيات الدين ويظلون يوحون إلى المخدوعين بهم أن ما يفعلوه إنما يفعلونه بأمر حتى يصدقوا هم أنفسهم ، وسوف نرى أن ذلك الوزير صدق نفسه حتى الموت .
 
( 666 ) : بعد أن أنهى الوزير المحتال مكيدته الكبرى أنهى حياته ، والأمر وإن بدا غير منطقي إلا أن المرء عموما عندما ينهى أساس حياته . وينتهى العمل الذي كرس نفسه سنوات من أجله ولا يبقى من بعدها شئ يفعله أو هدف يسعى في أثره ، يحس أن الحياة لم تعد لها فائدة . . وهذه هي سخرية متطلبات الدنيا ، كثيرا ما نقرأ عن انتحار أناس من كبار الأغنياء أو أصحاب الجاه
 
« 413 »
 
ويبقى الأمر لغزا ولا يمكن تفسيره ، وأغلب الظن أن ذلك الذي ينهى حياته على هذه الصورة ، إنما يكون قد فرغ من كل أمل ، وكل هدف وكل ما كان يملأ الحياة ويجعلها جديرة بأن تعاش .
 
( 673 - 684 ) : في هذه الأبيات يتحدث مولانا جلال الدين عن وجوب الإمامة بشكل عام ، فالنائب أو الإمام هو القائم على ميراث من يسبقه ، ويتناول مولانا القضية من أساسها : النبوة ، فلأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار ، فقد جعل الأنبياء دليلا له ، فالأنبياء هم نواب الحق ، ثم يستدرك : ما هذا ؟ ! 
وهل يمكن الفصل بين النائب وبين من أنابه ؟ ! ! أليس « من يطع الرسول فقد أطاع الله » ؟ ! !


قال نجم الدين " ذاك لأنه صلى اللّه عليه وسلّم بوصف الفناء فانٍ بالله باقٍ بالله قائم مع الله ، وكان خليفة الله على الحقيقة فيما يعامل الخلق حتى قال الله تعالى : «وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» يعنى ما رميت حيث كنت بك أنت إذ رميت يعنى إذ رميت بخلاقه الله لا بك لكن الله رمى إذ كنت به أنت وكان الله خليفته فيما يعامل الخلق قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ» لان الله بخلافتك باق لك عنك فبكونه كان خليفة بك عنك للخلق فكانت يد الله فوق أيديهم ، وكان من يطع الرسول فقد أطاع الله لأن الرسول كان فانيا عنه باقيا بالله ، والله جعله خليفته ، ولهذا كان يقول صلى اللّه عليه وسلّم الله خليفتي على أمتي فنتج أن بين الله وبين أنبيائه لا اعتبار للإثنينية حقيقة فإن أحكام الأنبياء هي أحكام الله ، فمن آمن بوحدانية الله وأنكر رسالة الرسول لا فائدة له من توحيده ( مولوى 1 / 163 )


إنك إن نظرت إلى الصورة أي إلى الظاهر تجدهما اثنين ، لكنهما واحد أمام من لم يقف عند ظواهر الحياة المادية ، فلا وجود إلا للواحد الأحد وما سوى ذلك شرك وتكثير ، والوحدة في النور ، وحتى عندما تنظر بعينين تنظر بنور واحد ، وعندما تضئ عشرة مصابيح ، وتترك النظر إلى المصابيح وتنظر إلى النور فإنك تجد النور واحدا ، والثمار وإن تعددت ، عصيرها وخلاصتها واحدة ، فلماذا لا تعترف إذن أن الواحد هو الموجود فحسب ؟ ! !


« 414 »
 
( 685 - 689 ) : بالرغم من أن جلال الدين الرومي يُقدم لنا على أساس أنه من صوفية وحدة الوجود ، إلا أن مولانا في هذا الجزء الأول من المثنوى يناقش القضية بشكل صريح ، فليس هناك وجودان لكي يتحدا ، بل وجود واحد ، إذا استطعت أن تسيطر على الصور وتنصرف إلى المعنى ، ففي المعنى لا قسمة ولا أعداد ولا تجزئة ولا إفراد ، وإنك إن لم تستطع ان تفعل ، فإن الله سبحانه وتعالى برعايته وعنايته يوجهك إلى الطريق ، ويجعلك سالكا ويعد لك خرقتك ( انظر 612 و 613 من الكتاب الذي بين أيدينا )
 
( 690 - 693 ) : إن الحقيقة واحدة ، ولب العالم واحد ، ويبين مولانا خلق عالم التراب وتجلى الوجود الحقيقي في عالم الصورة فيقول : لقد كنا جوهرا واحدا ساريا في كل الوجود ، ففي ذلك العالم لا طرح للرأس والقدم أو للبداية والنهاية أو الحدود أو الانفصال أو الاثنينية ، وهذا الجوهر الساري في كل شئ مثل نور الشمس وفي هذا الأمر لم تكن عقد ولا شوائب ، كان كالماء الصافي الزلال ، لكن هذا النور الخالص عندما تجلى في عالم الصورة عانى التعدد وتعدد الكيفيات ، تماما كما يتجلى النور على الشرفات وتلقى كل شرفة بظلها على الأرض ، ( والمعنى وارد في معارف بهاء ص 321 ) ، فلو أنك هدمت الشرفات الموجودة على رأس الجدار ( علائق الدنيا ومظاهر الحياة المادية ) لرأينا تجلى نور الشمس صافيا واحدا ولا نتفى التعدد والفرقة والتنوع والعلو في الوجود ، لكن كيف يمكن هدمها ؟ بمنجنيق الرياضة ، بترك العلائق ، بالعشق والسعي لإدراك الحقائق ! ! ( استعلامى 1 / 241 - 242 ) .
 
( 694 - 697 ) : يبدو أن أحد السامعين أو لعله حسن حسام الدين طلب من مولانا أن يفسر الأمر لكن مولانا على حذر ، فالموضوع خطر ، والمنزلقات كثيرة ، والجدل والشحناء واردان ، فكأن هذا الموضوع كالسيف البتار ، وكم قطع كثيرا من الرؤوس ، وإن لم تكن تعلم فتذكر الحلاج
 
« 415 »
 
وعين القضاة ، وما دمت لا تملك ترسا من الفهم الصحيح أو الأفهام الصحيحة فتقهقر ، وأصمت ( ضع سيف القول في غمده ، وعد إلى الحكاية التي كنت ترويها ) .
 
( 710 - 730 ) : يتحدث مولانا في نهاية القصة عن الموت : ليس المهم الموت بل المهم على أي شئ يموت المرء ، إنه أشبه بكسر ثمار الجوز أو الرمان أو التفاح ، صوت الكسر نفسه ينبئ عما إذا كانت الثمرة فارغة وعطنة أو مليئة وذات معنى ( يموت المرء على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه ) ، المهم إذن هو المعنى هو الحقيقة التي تنطوى عليها الصورة وليس الصورة في حد ذاتها . . .
فالروح التي لا تحتوى على زاد من المعاني هي سيف خشبى أولى بها أن تظل في غلافها ، فإن خرجت فلا نفع فيها ، بل تكون سببا في الخسران والعقاب ، فالمعنى هو الجناح الذي يجعل الجسد يخف ويطير ويجعل للصورة فائدة ، ومن ثم فجالس أهل المعنى من المرشدين والأولياء ، وأطلب سيفا من خزائنهم ، وهذا ما أجمع عليه العلماء ، والعلماء كالأنبياء تماما " علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل " أي انهم رحمة للعالمين وأنت تستطيع أن تميزهم . . .
 
إن قلوبهم ظاهرة من أفواههم ( ظواهرهم تدل على بواطنهم ) مثلما تبدو حبوب ثمار الرمان من الرمان المتشقق ، ولكن حذار : فزهور الشقائق ضاحكة أيضا لكنها في ضحكها تسفر عن قلوب سوداء ، وإياك وسود القلوب . وهؤلاء الأولياء يضاء بهم بستان الدنيا كما يضئ الرمان المتشقق البستان ، والمرء ومن يخالل ، فصحبة الرجال تجعل منك رجلا ، وتحول كيمياؤهم قلبك الذي هو كالصخر إلى جوهر ، فأحببهم ، يعطونك ، وأطلب ودهم يبوحون لك بالإسرار ولا تيأس ! ! فأي يأس يكون في الظلام وهو شموس الظلام كهوف الأنام ، ورب القلب يجذبك نحو أهل القلوب وإياك والجسد فهو يجذبك إلى الماء والطين ، وصاحب المقبلين تكن مقبلا مثلهم ( أو بتعبير سنائى تشبث بطرف رداء مقبل ) عن الصحبة أنظر الكتاب الثالث البيتين 265 - 266 وشروحها ) .
 
« 416 »
 
( 731 - 742 ) : الكلامليس منبت الصلة عما قبله ، فإن قوم عيسى لما فرقهم مكر ذلك الوزير الداهية ، كان المخلصون منهم يجدون ذكر أحمد الموجود عندهم في التوراة والإنجيل بعثاً للأمل في نفوسهم ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 3836 - 3847 وشروحها ) وبالرغم من إنكار أهل الكتاب لما ورد في القرآن ( الأعراف / 157 والصف / 6 ) بهذا الشأن إلا أن بعض المفسرين وأهل الرأي جاهدوا في بيان هذا المعنى من كتب أهل الكتاب نفسها وذلك حتى قبل اكتشاف إنجيل برنابا ، الذي نص صراحة ، فأنكره أهل الكتاب وأكمل ما وصل إلى أيدينا في هذا الصدد ما في منارات السائرين ومقامات الطائرين لأبى بكر عبد الله بن شاهاوار الرازي ( نجم الدين بن الداية ) 
( تحقيق سعيد عبد الفتاح - القاهرة ، 1993 ) فكان في التوراة في الفصل العشرين من السفر الخامس " أن الرب جاء من طور سيناء وأشرق من ساعير ، وأستعلى من جبال قاران ومعه عن يمينه ربوات القاسين فمنهم العز وحدهم إلى الشعوب ودعا لجميع قديسيه بالبركة ، ومجىء الله من الطور إنزاله التوراة على موسى بالطور وإشراقه من ساعير إنزاله الإنجيل على عيسى وساعير أرض الخليل من قرية يقال لها ناصرة واستعلائه من جبل قاران إنزاله القرآن على محمد صلى اللّه عليه وسلّم وقاران أي أرض مكة . وفي الإنجيل قال المسيح " إني ذاهب عنكم وسيأتيكم الفار قليط روح الحق لا يتكلم من قبل نفسه ، يشهد لي كما شهدت له ، يعلمكم كل شئ " والفارقليط بلغتهم هو المحمد ( فارقليط بالسريانية هو المخلص ) . 
وفي الزبور في الثالث والخمسين والمائة من مزامير داود " ليرتاج البوادي وقراها ولتصر أرض قيدار مروجا ويسبح سكان الكهوف وليهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب ، وأرض قيدار هي أرض العرب والكهوف إشارة إلى غار حراء حيث نزل الوحي ، وفي كتاب أشعيا : قال لي الرب أقم نظار ليخبر بما رأى ، فكان الذي رأى صاحب المنظرة أن أقبل راكبان أحدهما على حمار والآخر على جمل ، يقول راكب الجمل هوت بابل وتكسرت
 
« 417 »
 

أصنامها ، فهذا الذي سمعت من الرب إله بني إسرائيل قد نبأتكم به ، ويعنى براكب الحمار عيسى عليه السّلام وراكب الجمل محمدا صلى اللّه عليه وسلّم وكان على يده فتح بابل وكسرت أصنامها . ( ص 153 - 156 بتصرف ) . 
فإذا كان هذا هو تأثير اسم أحمد ، فما بالك بالنور الذي أنزل عليه ؟ ! ! لقد أصبح كالحصن الحصين من تمسك به نجا ، ومن تركه هلك .
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: