الاثنين، 10 أغسطس 2020

04 - قصة البقال والببغاء وسكب الببغاء للزيت المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

04 - قصة البقال والببغاء وسكب الببغاء للزيت المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

04 - قصة البقال والببغاء وسكب الببغاء للزيت المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

قصة البقال والببغاء وسكب الببغاء للزيت في الحانوت
 
- كان هناك أحد البقالين ، وكان لديه ببغاء حسن الصوت أخضر اللون ، فصيحا .
- كان مقيما في الحانوت حارسا له ، وكان يفاكه كل التجار .
 
250 - وكان عند مخاطبته البشر ناطقا ، كما كان في تغريد اللبغاوات حاذقا . « 2 » 
- فقفز وهرب من صدر الحانوت يبحث عن ملجأ ما ، فصب زجاجات ماء الورد .
- وأتى سيده من الدار إلى الحانوت ، وكعادة التجار جلس مطمئنا أمام الحانوت .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 134 : وتقدم قليلا حتى أروى لك حكاية ، ربما تجد نصيبا من بيانى .
( 2 ) ج / 1 - 144 - : كان السيد قد ذهب إلى منزله ذات يوم ، وكان الببغاء يحرس الحانوت . 
- وقفز قط فجأة في الحانوت في أثر فأر ، والببغاء خوفا على روحه . . .
 
« 59 »
 
- فرأى الحانوت مليئا بالزيت والقماش بالبقع ، فظل يضربه على رأسه حتى أصيب بالقراع .
- فامتنع عن الكلام عدة أيام ، وتأوه البقال ندما .
 
255 - وأخذ يقتلع لحيته ويقول : وآسفاه ، إن شمس نعمتي قد غطاها السحاب .
- ليت يدي قد قطعت حين ضربت حلو اللسان هذا على رأسه .
- أخذ يقدم الصدقات لكل الدراويش ، حتى يدعو لطائره بأن يعود إلى النطق .
- وكان يبدي لذلك الطائر كل ما يخفيه من " عجيب وغريب " عله يبدأ في النطق . « 1 »
 
 260 - وفجأة مر درويش " قلندرى أو بكتاشى " عارى الرأس ، برأس حليقة كظهر الإناء أو الطست .
- فبدأ الببغاء في النطق في تلك اللحظة ، وكأحد العقلاء صاح بالدرويش :
- لأي سبب سلكت أيها الأقرع بين القرع ؟ تراك سكبت الزيت من الزجاجة ؟
- ومن قياسه ضحك الخلق ، لقد ظن الدرويش مثله ! !
- فلا تقس أمور الأطهار على أمورك ، وإن تشابهتا في الكتابة كلمة شير بمعنى أسد وبمعنى لبن .
 
265 - ولهذا السبب ضل كل الخلق ، وقليل من صار واعيا ، وهم أبدال الحق .
- فظنوا أنهم يستوون مع الأنبياء ، وظنوا الأولياء من أمثالهم .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 144 - : كان يتحدث لحظة بعد أخرى حديثا من كل باب ، ربما يبدأ الببغاء في الكلام . 
وأملا في يبدأ الطائر في الكلام ، كان يبدي عينيه في صور عديدة .

« 60 »
 
- وقالوا : في النهاية هم بشر ونحن بشر ، ونحن وهم في أسر النوم والطعام .
- ولم يعرفوا لما فيهم من عمى ، أن هناك فرقا بينهم لا حد له .
- فهناك نوعان من النحل يمتصان الرحيق من موضع واحد ، لكن أحديهما يعطى الوخز والآخر العسل .
 
270 - وهناك نوعان من الغزلان يرعيان ويشربان من مكان واحد ، لكن أحديهما يفرز البعر ، والآخر يفرز المسك .
- وهناك نوعان من البوص يسقيان من ماء واحد ، لكن أحديهما خال ، والآخر ملىء بالسكر 
- وانظر إلى مئات الآلاف من الأشباه ، وانظر بينهما بونا شاسعا " مسيرته " سبعون عاما .
- فهذا يأكل فيخرج منه الدنس والقذر ، وذاك يأكل ، فيصبح كله نورا لله .
- هذا يأكل فيتولد عنه البخل والحسد ، وذاك يأكل ، فيفيض عنه بأجمعه نور الأحد
 
275 - هذه الأرض طيبة وتلك بور جرداء ، هذا ملاك طاهر ، وذاك شيطان ووحش .
- ومن الجائز أن تكون صورة هذا وذاك واحدة ، فالماء العذب والماء الملح كلاهما يتميزان بالصفاء .
- ولا يميز بينهما إلا صاحب ذوق فأدركه ، إنه هو الذي يميز بين الماء العذب والماء المالح . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 145 : أقصد اللهم إلا صاحب ذوق يعرف الطعوم ، فمتى يميز من لم يذق الشهد بينه وبين الشمع ؟

« 61 »
 
- ولقد قاس " الناس " السحر بالمعجزة ، واعتبرا أن كليهما قائم على المكر .
- وسحرة فرعون من لجاجهم وخصومتهم ، حملوا عصيا كعصا موسى .
 
280 - وهناك فرق عميق بين هذه العصا وتلك العصى ، وهناك طريق مهول بين هذا العمل وذاك العمل .
- فلعنة الله على ذاك العمل بما يترتب عليه ، ورحمة الله على هذا العمل لما فيه من وفاء .
- والكفار في مرائهم لديهم طبع القرود ، وثمة آفة حلت في صدورهم هي الطبع .
- فكل ما يقوم به الإنسان يقوم به القرد ، إنه يقوم بما يقوم به المرء لحظة بلحظة .
- وهو يظن قائلا لنفسه " لقد قمت بما يقوم به " ومتى يعلم الفرق ذلك اللجوج العنيد
؟ !
 
285 - إن المرء يفعل ما يفعله بالأمر " الإلهى " وهو يقوم به مراء ، ألا فلتحث التراب في وجوه الممارين .
- وإن ذلك المنافق ليدخل إلى الصلاة إلى جوار المؤمن مراء وجدلا لا على سبيل الضراعة .
- وفي الصلاة والصوم والحج والزكاة ، يكون المؤمنون في تزاحم مع المنافقين .
- والكسب يكون للمؤمنين في نهاية الأمر ، أما الهزيمة فهي للمنافقين في الآخرة .
- وإذا كان الفريقان في سباق واحد ، فإن ما بينهما هو ما بين الرازي والمروزي .
 
« 62 »
 
290 - وكل منهما يمضى صوب مقامه ، ويمضى إلى وفق ما يمليه عليه اسمه .
- فمن يطلق عليه اسم المؤمن تطيب به روحه ، وإن كان منافقا يصبح حادا ممتلئا نارا .
- والمؤمن اسمه محبوب في حد ذاته ، أما اسم المنافق فمكروه من شروره وآفاته .
- وليست حروف الميم والواو " المهموزة " والميم والنون تشريفا ، ولفظ مؤمن ليس إلا من أجل التعريف . –
- وإن دعوته منافقا فإن هذا الاسم المنحط ، يلدغه من الداخل وكأنه العقرب .
 
295 - وإن لم يكن هذا الاسم مشتقا من الجحيم ، فلماذا إذن يكون مذاقه مذاق الجحيم؟
- والقبح في ذلك الاسم القبيح ليس من اللفظ ، وملوحة ذلك البحر ليست من الإناء .
- فاللفظ كالإناء والمعنى فيه كالماء ، وبحر المعنى عنده " في " أم الكتاب " .
- والبحر العذب والبحر المالح كلاهما موجودان في الدنيا ، وبينهما برزخ لا يبغيان
- هذا وإن كان كلاهعما ينبعان من أصل واحد ، فدعك منهما معا ، واتجه إلى الأصل
 
300 - والذهب الزائف والذهب الصحيح عند العيار ، لا تميز بينهما دون محك على سبيل الاعتبار .
- وكل من وضع له الله محكا في روحه ، فإنه يستطيع أن يميز بين كل يقين وشك . « 1 »
- ولو أن قذى قفز في فم حي ، فإنه لا يستريح حتى يخرج هذا القذى .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 147 : - وهذا ما قصده المصطفى من " استفت قلبك " ، ويعلم ذلك الذي يكون شديد الوفاء .

« 63 »
 
- وبين مئات اللقيمات لو أن عودا صغيرا من القذى دخل الفم لتتبعه حس الحي .
- وحس الدنيا سلم لهذه الدنيا ، وحس الدين سلم إلى السماء .
 
305 - فاطلب صحة ذاك الحس من الطبيب ، واطلب صحة هذا الحس من الحبيب .
- وصحة ذاك الحس من عمران الجسد ، وصحة هذا الحس من تخريب البدن .
- وإن طريق الروح ليخرب الجسد ، ومن بعد ذلك التدمير يقوم بإصلاحه . « 1 » 
- لقد هدم الدار من أجل كنز من الذهب ، ومن نفس ذلك الكنز جعلها أكثر عمرانا .
- وقطع الماء ثم قام بتطهير الجدول ، ثم أجرى في الجدول ماءً صالحا للشرب .
 
310 - وشق الجلد وأخرج النصل ، وتكون من بعدها فوقه جلد " جديد " .
- وهدم القلعة ، واستولى عليها من الكافر ، ثم أقام عليها مائة برج وسد .
- فمن الذي يبين كيفية أمر لا كيفية له ؟ إنما بينت ما دعت إليه الضرورة .
- فهو أحيانا ما يبديه هكذا وأحيانا ما يضاد هذا ، ولا يكون أمر الدين إلا الحيرة .
- لكن لا كما يكون المرء حائرا بحيث يعطيه ظهره ، بل حيرة تجعله مستغرقا في الحبيب ثملا به
 
 315 - فبينما ولى أحدهم وجهه صوب الحبيب ، هناك آخر صار وجهه وجه الحبيب 
- فداوم النظر إلى كل وجه وداوم الانتباه إليه ، ربما تصبح من هذا العمل خبيرا بالوجوه .
- فكم هناك من إبليس له وجه آدم ، فلا تمدن يدك إذن إلى كل يد .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 147 : - فما أسعدها من روح تلك التي من أجل العشق والحال ، بذلت الدار والأسباب والملك والمال .

« 64 »
 
- ذلك أن الصياد يطلق صفيرا " كصفير الطائر " ، حتى يخدع الطائر ذلك الآخذ للطيور .
- إذ يستمع ذلك الطائر إلى صفير طائر من جنسه ، ويحط من الهواء فيجد الفخ والطعن .
 
320 - والرجل المنحط يسرق ألفاظ الدراويش ، ليجعل منها رقية يقرأها على ملدوغ .
- وأعمال الرجال ضياء ومواساة ، أما أعمال الأدنياء فاحتيال ووقاحة .
- إنهم يرتدون اللباس الصوفي من أجل التسول « 1 » ، ويلقبون مسيلمة بأحمد .
- ويبقى لمسيلمة لقب الكذاب ، ويبقى لمحمد لقب أولى الألباب .
- وشراب الحق ختامه المسك الخالص ، أما ختام الخمر فهو النتن والعذاب

.
* * * 

شرح قصة البقال والببغاء وسكب الببغاء للزيت في الحانوت




وإذا كنت لا تتحمل النظر إلى الحكمة الإلهية فانظر إلى ما يجرى في الحياة حولك : الطفل يبكى من إبرة الحجام " أو يبكى من حقنة الطبيب " لكن الأم ضاحكة ، لما ذا ؟ ! 
لأنها تفهم أن في هذا الألم الذي يعانيه طفلا راحة له ، فإياك ان تقيس الأمور بقدر فهمك وإدراكك ، وإلا تجد نفسك قد سقطت بعيداً . . .
 
( 264 - 278 ) : عن الدرويش القلندري : أنظر شرح كولبينارلي الترجمة الفارسية والكتاب التذكاري في تكريم فروزانفر ، وتنتهى اللطيفة التي ساقها مولانا عن القياس الذي في غير محله والذي يوقع صاحبه في الخطأ فالأشياء تتشابه في المظهر ، وبينها بون شاسع في المخبر . . .
وكثيرٌ من الالفاظ تتشابه في الكتابة لكنها تستخدم للتعبير عن معاني متعددة ، ويستخدم مولانا مصطلح الأبدال بمعنى عام أي رجال الحق بوجه عام ، وإن خاض الشراح في الحديث عن الابدال بالمعنى الخاص ( لتفصيلات انظر يوسف بن أحمد المولوي 1 / 89 - 90 ) ويضرب مولانا المثل بالكافرين الذين ضلوا لأنهم اعتبروا الأنبياء بشر «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» ( إبراهيم / 10 )
 
« 391 »
 
«هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» ( الأنبياء / 3 ) «أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ» ( المؤمنون 47 ) ، «وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ» ( الفرقان / 7 ) وهذا هو العمى الذي ينظر إلى الظاهر فحسب ، ولا يعرف أن هناك فرقا شاسعا بين هذا النبي وعامة الناس ، والحياة حولك مليئة بالأشباه ظاهرا وبينها مسافة سبعين عاما في الباطن فنحلٌ يفرز الشهد ونحل لا عمل له إلا الوخز ، وبوص خال وبوص آخر ملىء بالسكر ، وإنسان يأكل ليعيش حياة حيوانية ، وآخر يأكل فينقلب الأكل فيه إلى علم ونور وفيض وحكمة ، إنسان يأكل فيقوى كل صفاته البهيمية من حسد وبخل وحقد ، وآخر يأكل فيقوى في ذاته الصفات الربانية ، ليس البشر فحسب أو الأجساد ، فالجمادات هي الأخرى تتفاوت وإن كانت تصنف تحت أنواع واحدة : فأرض خصبة وأرض بور ، مثلما يكون إنسان ملاكا وآخر شيطانا ، وماءٌ ملح وماء عذب وإن اتفقا في الصورة ، لن تستطيع أن يميز بين هذه الأشياء المتنافرة الا صاحب ادراك .
 
( 279 - 285 ) : وإذا كانت الأعراض هكذا فكذلك المعاني : فالسحر والمعجزة متشابهان في الظاهر ، فكلاهما خرق للعادة ، لكن شتان بينهما ، ومع ذلك فقد اعتبر الناس المكر أساسا لكليهما ، وفي منارات السائرين عن الفرق بين المعجزة والكرامة : المعجزة : تقع عن قصد النبي وتحديه ، والكرامة قد تقع عن غير قصد الولي ، وقيل قد يجوز أن تقع الكرامة أيضا بقصد الولي وأن الفرق بينهما أن المعجزة تقع على التحدي والكرامة لا يتحدى بها الولي ، والولي قد يحدث الكرامة قاصدا ولكن دون تحدى والمعجزة ظاهرة ، والكرامة يجاهد الأولياء في إخفائها ، والمعجزات للنبوة تثبيت ، والكرامة للولاية استدراج ( لتفصيلات انظر منارات السائرين 143 - 148 ) . 


( عن الفرق بين السحر والمعجزة ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1184 - 1197 ، وشروحها ) . فالاعمال بنتائجها ، وفرق بين عمل يكون رحمة من الله في إبدائه وفي نتيجته ، وعمل يكون شعوذة وإحتيالا لا يتأتى من ورائه إلا اللعنة ، وفرق بين المقلد وبين المؤيد من الله ، والكفار يتطبعون بطبع القردة ، فالقرد يقلد الإنسان في كل ما يقوم به ، فهل انقلب بذلك انسانا ؟ ! أو سحرة موسى حملوا عصا كعصا موسى فهل تغلبت على عصا موسى ؟ أو لقفت ما صنعوا لأنه كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى .
 
« 392 »
 
( 286 - 301 ) : وكما يكون الأمر كذلك بين المعجزة والسحر يكون بين الايمان والنفاق ، وقد يكون المنافق أكثر من المؤمن حرصا على رعاية الظاهر ، وذلك لكي يغطى كفره ونفاقه ، والمنافقون يزاحمون المؤمنين في العبادات : في الصلاة والصوم والحج ، لكن ما النتيجة ؟ ! كسب للمؤمن وهزيمة ساحقة للمنافق . . . وان كان كلاهما يجرى في مضمار واحد ، إلا أن الفرق بينهما كالفرق بين ساكن مرو ( أقصى الشمال الشرقي لإيران ) والري ( أقصى الشمال الغربى ) . . . كلاهما - وهما يقومان بعمل واحد على وجه التقريب ، يمضيان إلى غايتين بعيدتين عن بعضهما كل البعد ، والمنافق بنفاقه يضع حجباً متراكمة على عين قلبه ، وبناء على اسمه ( من النفق اى المسافة الخفية بين منطقتين منطقة الايمان ومنطقة الكفر ) فإنه كلما أمعن في النفاق أزداد بعدا عن الحقيقة ، لكن ما بال الاسم هنا يكتسب معنى ؟ ! ! 


يفسر مولانا هذا الأمر قائلًا : إن كل انسان سواء كان مؤمنا أو منافقا يسر إذا لقب بالمؤمن ، ويستاء إذا لقب بالمنافق ، فالاسم هنا كأنه عقرب يلدغ من الداخل ، فكأن اسم المنافق مشتق من النفق ، والنفق مظلم وخفى ومريب ، ويذكر بالدرك الأسفل من النار عاقبة المنافقين الحتمية ، وينتقل مولانا إلى مبحث آخر هو العلاقة بين اللفظ عموماً وبين معناه : فالقبح ليس من اللفظ ، واللفظ مجرد وعاء للمعنى ، وملوحة ماء البحر ليست من الإناء الذي وضعت فيه ، وكلاهما موجود في الدنيا البحر العذب والبحر المالح ، لكن «بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ» ( الرحمن / 20 ) فإذا أردت أن تنجو دعك من الظواهر . . . 
ودعك من الصنع وانصرف إلى الصانع ، وسله أن يضع محك التمييز في روحك ، وأن يسقيك شربة من أم الكتاب ، أي أساس التمييز بين الحسن والقبيح من اللوح المحفوظ ، أو يرزقك من علمه النذر اليسر ، أو محو الصفات البشرية وإثبات الصفات الروحانية ، أو كما يتضح من الأبيات التالية ، حسن الدين الذي به تستطيع أن تصل إلى حقيقته المتشابهات ، وهذا ما يقصده المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم بقوله : " استفت قلبك ولو أفتاك المفتون " ! 


( 302 - 311 ) : لأقرب لك معنى حس الدين عن طريق شر حس لك حسن الدنيا : إنك إن أحسست بأن قشة قد دخلت فمك من خلال اللثمة التي تبتلعها تتبعها حتى تعثر عليها وتخرجها .
هذا بشرط أن تكون حيا ويكون حس الدنيا حيا فيك ، إذن فلتحيى في نفسك حس العقبى ، حس
 
« 393 »
 
الدين ، سلم السماء والوصول ( شبه سنائى أيضا الطريق إلى الآخرة بالسلم . انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة الأبيات 215 - 225 ) وأنت تطلب سلامة حس البدن من الطبيب لكن اطلب سلامة حسن الدين من الله ، وأنت تعمر حس البدن لسلامة البدن . . . لكن حس الروح لا يعمر إلا بخراب البدن ، أي عدم اغراقه بالشهوات والموبقات ، وهذا التخريب للبدن هو بداية عمران الروح ، وكل عمران لا بد له في البداية من تخريب
 ( انظر شرح الأبيات 229 - 248 من الكتاب الذي بين أيدينا ) قطع الماء عن الجدول وتطهيره ثم إجراء الماء فيه . . . هدم المنزل للبحث عن الكنز - شق الجلد وإخراج النصل - هدم القلعة والاستيلاء عليها كلها أمثلة وردت في مقالات شمس ص 160 " ما دامت باقية في يد المتمرد ، لا بد من تخريبها " وعند ابن قيم الجوزية : لا بد في قبول المحل لما يوضع فيه ، أن يفرغ من ضده ، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان ، فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات ، فإذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة ، لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع ، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع ، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه ، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل . وكذلك الجوارح إذا إشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة الا إذا فرغتها من ضدها ، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه ، إلا من تفريغه من تعلقه بغيره ، ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمته إلا إذا فرغها من ذكر غيره وخدمته ، فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع ، لم يبق فيه موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه ( الفوائد :
ص 41 ، ط دار الزهراء للاعلام العربي ، القاهرة سنة 1995 ) .
 
( 312 - 324 ) : إنني أسوق الأمثلة هنا فحسب ، وإلا ، فأي علم لي بتحديد كيفية عمل من لا تحدد كيفية عمله ؟ ! وليس لي هنا إلا أن أقدم الحيرة ، والحيرة في الصنع وليست الحيرة في الصانع ، وحيرة الإعجاب والحب ، لا حيرة الإنكار والبغض والجهل والشك ، وقد قال سيد المحبين « اللهم زدني فيك تحيرا »
 ( عن الحيرة انظر الكتاب الثالث الأبيات 1115 - 1117 وشروحها ) هذه الحيرة المحمودة هي التي تجعلك ناظرا دائما إلى وجهه ، بحيث تصل في وقت من الأوقات إلى أن تكون عبدا ربانيا ، « أكون يده التي يبطش بها وقدمه التي يسعى بها ولسانه الذي ينطق به " . . .
 
« 394 »
 
وإن كنت لا تصدق أن من الممكن أن يكون أحدهم وجه الله ، فاقرا الحديث النبوي الشريف « من رآني فقد رأى الحق » ( رواه البخاري ومسلم ) ( أحاديث مثنوي / 63 ) وإن وصلت إلى هذه المرتبة ، فقد حلت أمامك جميع الإشكالات ، وتصبح عالما بقراءة الوجوه ومطالعة الوجوه ويسفر لك كل وجه عما يخفيه من باطن ، فلا تمدن يدك إلى كل شيطان مريد له وجه إنسان ، ولا يخدعنك أنهم يتحدثون بلسانك . . . 
فكم من صياد يخدع الطائر بصفير يشابه صفيره ( بل ويضع له طائراً ميتاً أو دمية على شكل طائر مثله في الفخ ، على أساس أن كل جنس ينجذب إلى جنسه ، وأخطر من أولاء جميعاً منحط أو خسيس يسرق مصطلحات الدروايش ويحدثك بها ، فتحسبه مرشدا ، فتذكر قول الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : يوشك أن يظهر منكم شياطين كان سليمان بن داود أوثقها في البحر يصلون معكم في مساجدكم ، ويقرأون معكم القرآن ويجادلونكم في الدين ومنهم شياطين في صور الانسان ( أحاديث مثنوى ص 4 ) . 
فإذا به غول يجعلك تضل في البيداء ، وهم وإن كان لهم شكل الدروايش فليس لهم نورهم ، وإن كان لهم كلامهم ، فليس لكلامهم هذا تأثير كلام المرشدين الحقيقيين من مواساة وإرشاد . . . 
ليس لهم من التصوف إلا اللباس " وجوههم وجوه الذباب وقلوبهم قلوب الذئاب " ، لا يعرفون الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبي الكذاب ، بين أحمد المصطفى وبين مسيلمة الدعي الكذاب ، وما بقي لمحمد أنه رأس أولى الألباب ، ولم يبق لمسيلمة من ذكر إلا الكذاب ، فالفرق بينهما هو الفرق بين شراب الحق وختامه مسك « وفي ذلك فليتنافس المتنافسون » والخمر التي تظوننا نتحدث عنها وخاتمتها نتن وعذاب .


* * *
"إضافة" شرح حكاية البقال والببغاء وإراقة الببغاء الزيت في الدكان 
من د.محمد عبد السلام كفافي
يقول د.محمد كفافي :
( 246 ) الواجب على الإنسان ألا يقيس كل أمر بمقياسه الخاص ، وألا يتخذ من نفسه ميزاناً لتقدير كل الأمور حتى ما كان منها خارجاً عن مدركاته . 
( 288 ) المروزي هو المنسوب إلى مدينة مرو وأما الرازي فهو المنسوب إلى الري ، وهذان يتصاحبان على الطريق ، لكنهما في النهاية يفترقان ، إذ يمضي كل منهما إلى مدينته . 
( 296 )” أُمُّ الْكِتابِ “ *ذكرت مرات عديدة في القرآن الكريم ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ “. ( 13 : 39 ) . 
والتفاسير السنية - في أغلب الأحوال - تذكر أن أم الكتاب هي “ اللوح المحفوظ “ الذي سُجّل فيه ما كان وما يكون . 
وقد عبر الجيلي - في كتابه الإنسان الكامل - عن معنى” أُمُّ الْكِتابِ “ *بعبارات فلسفية صوفية إذ قال : “ اعلم أن أم الكتاب عبارة عن ماهية كنه الذات المعبر عن بعض وجوهها بماهيات الحقائق ، التي لا يطلق عليها اسم ولا نعت ، ولا وصف ولا وجود ولا عدم ، ولا حق ، ولا خلق ، والكتاب هو الوجود المطلق الذي لا عدم فيه ، وكانت ماهية الكنه أم الكتاب لأن الوجود مندرج فيها اندراج الحروف في الدواة “ . ( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 75 ) . ويفرق الجيلي بين” أُمُّ الْكِتابِ “ *وبين “ اللوح المحفوط “ . يقول عن “ اللوح المحفوظ “ :

“ اعلم - هداك اللَّه - أن اللوح المحفوظ عبارة عن نور إلهي حقي متجل في مشهد خلقي ، انطبعت الموجودات فيه انطباعاً أصلياً ، فهو أم الهيولى لأن اليهولى لا تقتضي صورة إلا وهي منطبعة في اللوح المحفوظ . . . “ ( ج 2 ، ص 6 ) . 
( 297 ) المؤمنون والكفار يعيشون معاً في هذه الدنيا ، وكل من هذين الفريقين لا يمتزج بالآخر ، فهما كالبحر العذب والبحر الملح بينهما برزخ لا يبغيان تجاوزه وتخطيه . 
( 289 ) الخالق أصل كل شيء ، ولا يكون في الكون شيء بدون مشيئته أو رغم إرادته . 
( 299 ) المحك هو العرفان الصوفي ، فهو الذي يجعل الإنسان قادراً على تمييز الحق من الباطل . وهذا العرفان المبني على الكشف هو المحك الصادق عندهم . أما العقل والحواس فغير قادرة على هذا التمييز . وفي البيت التالي ( رقم 300 ) إيضاح لهذا المعنى .


[ شرح من بيت 300 إلى 450 ] 
( 313 ) يتحدث الشاعر هنا عن لون من الحيرة ليس مصدره الجهل وإنما هو مبني على الحب والإعجاب . وهذا الحب والإعجاب - حينما عظما وتزايدا - أصبحا بمثابة الحيرة والعجب . فالحيرة هنا حيرة العالم أمام روعة ما يعلم وليست حيرة الجاهل العاجز عن إدراك الأشياء ، كأنما هو قد ولاها ظهره . 
( 316 ) يميل بعض شراح المثنوي إلى أن يفسروا هذا البيت على أنه يشير إلى المبايعة المعروفة عند الصوفية ، والتي تقترن بالمصافحة بالأيدي بين الشيخ والمريد . ولكن صيغة البيت يمكن أن تنطبق على العلاقات العادية بين الناس ، تلك التي تفرض على كل إنسان ينشد السلامة والأمان ألا يتعامل مع كل من يعرض له من الناس ، وإنما يختار من يستطيع الركون إليهم ، وإلى صدق وفائهم .
( 321 ) كان من المعتاد أن بعض المتسولين يصنعون من الصوف تماثيل للأسود يستخدمونها في تسولهم . 
( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل . 

.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: