الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

16 -  إلقاء الخصم بصقة في وجه أمير المؤمنين كرم الله وجهه المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

16 - إلقاء الخصم بصقة في وجه أمير المؤمنين كرم الله وجهه المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

16 -  إلقاء الخصم بصقة في وجه أمير المؤمنين كرم الله وجهه المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)
إلقاء الخصم بصقة في وجه أمير المؤمنين كرم الله وجهه
وإلقاء أمير المؤمنين علي بالسيف من يده
 
3735 - تعلم من علي الإخلاص في العمل ، واعلم أن أسد الله ، مطهر من الخبث .
- لقد ظفر في الغزو بأحد الأبطال ، فسل سيفه سريعا ، وأسرع " للقضاء عليه " 
- فبصق بصقة في وجه عليّ ، فخر كل نبي وكل ولي .
- بصق على ذلك الوجه الذي يسجد القمر أمامه أوان سجوده .
- فألقى علي بالسيف لتوه ، وأبدى كسلا في غزوه .
 
3740 - فصار ذلك المبارز حائرا من هذا الفعل ، ومن إبداء العفو والرحمة في غير موضعها .
- وقال : لقد سللت علي السيف البتار ، فلم ألقيت به ؟ ولم تركتني ؟
- وهل ما رأيت أفضل من صيدي ؟ حتى صرت عزوفا هكذا عن أخذي ؟
- وما ذا رأيت حتى سكن غضبك هكذا ؟ وكأنه برق لمع ثم خبا .
- ما ذا رأيت ؟ بحيث أنه من إنعكاسه ، شبت في روحي وقلبي شعلة من اللهب .
 
3745 - وما ذا رأيت أعلى من الكون والمكان وأعلى من الروح ؟ فوهبتني الروح .
- إنك في شجاعتك أسد رباني ، وفي المروءة ، من يدري أصلا من تكون ؟
- إنك في المروءة غمام موسى في التيه ، مدت منه الموائد ، والخبز الذي بلا شبيه .
 
« 333 »
 
- إن السحب لتهب قمحا يجهد الناس في خبزه وجعله حلوا كالشهد ؛ 
- لكن غمام موسى فتح جناح الرحمة ، ومنحه مخبوزا حلوا بلا مشقة .
 
3750 - ومن أجل أولئك المتسولين من الكرم ، رفعت رحمته العلم في العالم .
- وحتى أربعين سنة لم يقل هذا العطاء وهذا الراتب يوما واحدا عن أهل الرجاء .
- حتى قاموا من خستهم ، وطلبوا الكراث والفجل والخس . « 1 »
- وأنتم يا أمة محمد من الكرام ، سوف يظل باقيا حتى القيامة هذا الطعام .
- وعندما صارت " أبيت عند ربي " مأثورة ، صارت " يطعمني ويسقيني " كناية عن العصيدة .
 
3755 - فاقبل " الحديث " دون تأويل قط ، حتى يكون في حلقك كالشهد واللبن
- ذلك أن التأويل هو رد العطاء ، وذلك لأنه يرى تلك الحقيقة رؤية خاطئة .
- وتلك الرؤية الخاطئة من ضعف عقله ، والعقل الكلي لب ، والعقل الجزئي قشر .
- فقم بتأويل نفسك لا الأحاديث النبوية ، واشتم أنفك ، ولا تشتم الرياض .
- ويا علي ، يا من أنت كلك رأى وبصيرة ، أذكر لنا نبذة مما رأيت .
 
3760 - لقد شق سيف حلمك أرواحنا ، وماء علمك طهر أجسادنا .
- إشرح لي ، فأنا أعلم أن هذه أسرار إلهية ، ذلك أن القتل بلا سيف ، هو عمله
- فهو الصانع بلا آلة أو جارحة ، وهو واهب هذه الهدايا الرابحة .
- وإنه ليذيق اللب مئات الآلاف من الطعوم ، دون أن تدري عنها العينان أو الأذنان شيئا .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 714 : - وقالوا جميعا من حرصهم لموسى : أين البقل والقثاء والعدس والبصل والفوم ؟
- فمن تسول أرواحهم وحرصهم وطمعهم ، انقطع المن والسلوى من السماء .
 

« 334 »
 
- إشرح لي ، يا بازى العرش الماهر في الصيد ، ما ذا رأيت في هذه اللحظة من الخالق .
 
3765 - لقد تعلمت عينك إدراك الغيب ، فخاطت أعين الحاضرين .
- فأحدهم يرى القمر رأى العيان ، وآخر يرى الدنيا في ظلام .
- وثالث يرى ثلاثة أقمار معا ، وهؤلاء الثلاثة يجلسون معا ، نعم .
- وأعين الثلاثة مفتوحة ، وآذانهم حادة ، كلها متعلقة بك ، هاربة مني .
- أسحر للعين هذا ؟ عجبا له من لطف خفي ! ! إنه بالنسبة لك صورة ذئب ، وبالنسبة لي في حسن يوسف .
 
3770 - وإذا كانت العوالم تبلغ عددا ثمانية عشر ألفا أو تزيد ، فليست هذه العوالم الثماني عشرة ألف ميسرة لكل عين .
- فلتكشف السر يا عليا المرتضى ، يا من أنت حسن القضاء بعد سوء القضا .
- فإما أن تقول أنت ما وجد عقلك ، وإما أن أقول أنا ما أشع على .
- لقد أشع منك عليّ ، فكيف تخفيه عني ؟ أتنثر النور كالقمر دون بيان ؟
- لكن قرص القمر إن أخذ في الحديث ، فإنه يأتي بالسراة إلى الطريق أسرع .
 
3775 - فإنهم يصيرون آمنين من الخطأ ومن الذهول ، ويغلب صوت القمر على صوت الغول .
- وكيف يكون القمر دليلا دون حديث ، وهو عندما يتحدث يصبح نورا على نور .
- وما دمت أنت باب مدينة العلم ، وما دمت شعاعا لشمس الحلم .
- فلتفتح أنت الباب للباحث عن الباب ، حتى يصل منك في القشور اللباب .
 
 
« 335 »
 
- ولتفتح يا باب الرحمة إلى الأبد ، حظيرة " ما له كفوا أحد " .
 
3780 - وكل هواء ، وكل ذرة في حد ذاتهما شرفة " إطلال " ، فمتى يقول من لم يفتح عليه أن هناك بابا ؟
- وما لم يفتح الحارس بابا ، لما تحرك هذا الظن في الباطن قط .
- وعندما يفتح باب ، يصبح حائرا ، ويصبح طير الرجاء والطمع محلقا .
- ولقد وجد غافل فجأة كنزا في خرابة ، فأخذ يسرع بعدها نحو كل خرابة .
- وما لم تجد أنت من درويش جوهرة ، فمتى تطلب الجواهر من درويش آخر ؟
 
3785 - والظن إن أسرع على قدمه لسنوات ، لا يمر حتى من فتحتي أنفه .
- وما لم يأت إلى أنفك أريج من الغيب ، فما ذا ترى غير الأنف ؟ أخبرني . ! !
 
سؤال ذلك الكافر عليا كرم الله وجهه :
ما دمت قد ظفرت بي . . فلما ذا ألقيت بالسيف من يدك ؟ !
 
- ثم قال ذلك الولي حديث العهد بالإسلام ، من سكره واحساسه باللذة لعلى :
- تحدث يا أمير المؤمنين ، حتى تتحرك الروح داخل الجسد وكأنها الجنين .
- فالكواكب السبعة كل بدوره ، تقوم بخدمة الجنين فترة من الزمن ! !
 
3790 - وعندما يحين الحين لبعث الروح في الجنين ، تقوم الشمس ذلك الزمان باسداء العون له ! !
- فيتحرك ذلك الجنين من الشمس ، فإن الشمس تهبه الروح على وجه السرعة .
- فإن هذا الجنين لا يجد من بقية الكواكب إلا الصورة ، ما لم تسطع على الشمس .
- فعن أي طريق كان تعلقه وهو في أعماق الرحم بهذه الشمس وضاءة الوجه ؟
- عن طريق خفى بعيد عن أحاسيسنا ، ولشمس الفلك طرق عديدة
 
 
« 336 »
 
3795 - فطريقُ يجد الذهب قوته منه ، وطريق صار الحجر منه ياقوتاً .
- وطريق يجعل الياقوت أحمر اللون ، وطريق يجعل الشرر يتطاير من سنابك الجياد 
- وطريق يقوم بإنضاج الثمار ، وطريق يهب الشجاعة للخائف المتهيب ! !
- أشرح لنا يا بازيا نشرت الجناح ، واعتدت على المليك وعلى ساعده .
- اشرح لنا يا بازى المليك صياد العنقاء ، يا هازما للجيش بنفسك لا بجيش .
 
3800 - يا أمة وحدك . . فأنت واحد ومائة ألف ، أشرح ، يا بنى أنا صيد لبازيك .
- ما سبب هذه الرحمة في موضع القهر ؟! واى طريق هو ابداء العون للتنين ؟ !
 
جواب أمير المؤمنين عن سبب الإلقاء بالسيف في تلك الحالة
 
- قال : إنني أضرب بالسيف في سبيل الحق ، أنني عبد للحق ، ولست تحت إمرة الجسد !
- إنني أسد الحق ، ولست أسد الهوى ، وفعلى شاهد على ديني . « 1 »
- وفي حروبى مصداق " ما رميت إذ رميت " فأنا كالسيف والضارب ، ( تلك الشمس ) ! !
 
3805 - ولقد حملت متاع ( الذات ) من الطريق ، واعتبرت كل ما سوى الحق عدما 
- وأنا ظل ، وقيمي الشمس ، وأنا حاجب ولست لها بالحاجب .
- وأنا كالسيف ملىء بجواهر الوصال ، وأنا أحيى ، لست أقتل ، في القتال .
- فالدم لا يغطى لمعان سيفي ، فمتى تقشع رِيحٌ سحابى من موضعه ؟ !
- وأنا لست بالقشة ، بل جبل من الحلم والصبر ، والعدل ، ومتى يخطف الإعصار الجبل ؟ !
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 745 : وأنا كالسيف والضارب تلك الشمس ، وفي حروبى مصداق "ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ" .
 
 
« 337 »
 
3810 - وذلك الذي يتحرك من موضعه لريح مجرد قشة ، ذلك أن الريح غير المواتية كثيرة في حد ذاتها .
- فإن ريح الغضب وريح الشهوة وريح الحرص ، إنما تقتلع من لا يكون من أهل الصلاة « 1 »
- إنني جبل ، ووجودي من أصله ، وعندما أصير كالقشة ، فريحى ذكره .
- فلا يتحرك ميلى إلا بريحه ، وليس إلا عشق الأحد قائد لخيلي .
- إن الغضب ملكٌ على الملوك لكنه غلام لي ، ولقد قيدت زمام الغضب .
 
3815 - وسيف حلمى قطع عنق غضبى ، وغضب الحق ، نزل علىّ كأنه الرحمة .
- وأنا غريق في النور وإن تهدم سقفي ، وصرت روضة ، مع أن أسمى « أبو تراب » .
- وعندما تدخلت علة ما في القتال ، رأيت من الأولى إغماد السيف .
- حتى يصبح إسمى « من أحب لله » وحتى تصبح رغبتي . . « من أبغض لله » !!
- وحتى يصبح جودي اعطاءً لله ، ويصبح وجودي وقفاً على الله .
 
3820 - فبخلى من الله ، وعطائي لله فحسب ، فأنا بكليتى لله ، ولست لأحد !!
- وما أفعله لله ليس تقليداً ، وليس تخيلًا ولا ظناً ، ليس إلا مشاهدة !!
- ولقد نجوت من التحري ، ومن الاجتهاد ، وربطت كم ثوبي بطرف رداء الحق !!
- فإذا كنت أطير ، فإنني أرى حيث أطير ، وإذا كنت أدور ، فإنني أبصر حيث أدور !!
- وإذا تحملت حملًا ، فاننى أعلم إلى أين ، ويكون الشمس والقمر لي رائدان .
 
3825 - إن الحديث مع الخلق بما فوق ذلك لا وجه له ، فإن الجدول لا يستوعب البحر .
- وإنني أتحدث ( بمستوى ) بسيط على قدر العقول ، وليس هذا عيباً ، لقد كان ديدن الرسول .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 745 : - وريح الكبر وريح العجب وريح الحمق ، إنما تجرف من لم يكن من أهل العلم .
 
« 338 »
 
- وأنا حر من الغرض، فاستمع إلى شهادة الحر، فإن شهادة العبيد لا تساوى حبتي شعير .
- ففي الشريعة لا قدر لشهادة العبد عند الدعوى والقضاء .
- ولو كان لك مئات من العبيد شهود ، لا يزنهم الشرع بمثقال قشة .
 
3830 - وعبد الشهوة أسوأ عند الحق ، من الغلمان والعبيد المسترقين .
- فإن هؤلاء يصيرون أحراراً بلفظ واحد من السادة ، وذلك يعيش عيشاً حلوا ويموت ميتة شديدة المرارة .
- وعبد الشهوة لا يجد خلاصاً في حد ذاته ، إلا بفضل الله وبإنعام خاص ! !
- فلقد سقط في بئر لا قرار له ، وهذا ذنبه ليس جبراً ولا جوراً .
- لقد ألقى بنفسه في البئر قائلًا ، لن أجد حبلًا جديراً بقراره ! ! « 1 »
 
3835 - فلأكتف ، فإن زاد هذا الكلام ، فإن حجر الصوان يصير دما ، فما ذا يكون الكبد ؟ !
- إن هذه الأكباد لم تصر دما من العناء ، بل من الغفلة والانشغال ( بالدنيا ) والإدبار .
- تصير دماً يوم لا يكون للدم نفعٌ ، فلتصر دما ، ذلك الوقت الذي لا يصير فيه الدم مردوداً .
- وإذا كانت شهادة العبيد غير مقبولة ، فإن ( الشاهد ) العدل هو الذي لا يكون عبدا للغول .
- ولقد نزلت « أرسلناك شاهداً » في القرآن ، لأنه كان من الكون حراً ابن حر ! !
 
3840 - وما دمت حراً متى يقيدنى الغضب ؟ ! ليست هذه إلا صفات الحق فادخل ( في الإسلام ) 
- أدخل فلقد حررك فضل الحق ، ذلك أن رحمته سبقت غضبه .
- أدخل فلقد نجوت الآن من الخطر ، وكنت حجرا ، وجعلتك كيمياء ( تبديله ) جوهرا .
- ولقد نجوت من الكفر ومن أجمة شوكه ، فتفتح كالزهرة في روضة سروه ! !
- فأنت أنا وأنا أنت ، أيها المحتشم ، لقد كنت ( علياً ) فكيف أقتل علياً ؟!
3845 - ولقد قمت بمعصية أفضل من مائة طاعة ، وطويت السماء في لحظة واحدة .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 746 : - وما دام الذئب ذنبه ما ذا أفعل ، حتى أخرجه من قاع البئر .

« 339 »
 
- ورب معصية ارتكبها المرء وتكون مباركة، أليس من الشوك تنبثق أوراق الورد ؟!
- ألم يكن ذنب عمر وقصده ( قتل ) الرسول ، يجره نحو عتبة النور ؟ !
- وألم يكن فرعون يجذب السحرة لسحرهم ، فصار دولة لعونهم .
- ولو لم يكن لديهم ذلك السحر وذلك الجحود فمتى كان يجذبهم إليه فرعون العنود .
 
3850 - ومتى كانت تتيسر لهم رؤية العصا والمعجزات ، لقد صارت المعصية طاعة أيها القوم العصاة .
- لقد قطع الله عنق القنوط ، عندما جعل الذنب شبيهاً بالطاعة ! !
- وما دام سبحانه وتعالى يبدل السيئات ، ويجعلها طاعات برغم الوشاة ؛
- من هنا يصبح الشيطان الرجيم مرجوماً ، وينفجر حسداً ، وينشق إلى نصفين .
- فإنه يجاهد حتى ينمى الذنب ، ويأتي بنا إلى البئر بذلك الذنب .
 
3855 - وعندما يرى أن ذلك الذئب أصبح طاعة تصبح له تلك اللحظة لحظة شؤم .
- أدخل ( في الدين ) فلقد فتحت لك الباب ، لقد بصقت علىّ فقدمت لك ( هدية ) غالية .
- فإذا كنت أهب الجافي مثل هذه ( الهدايا ) ، وأطأطىء رأسي أمام أصحاب الشمال ؛ - فماذا أهب الوفي ؟ ألا فلتعلم ، ( أهبه ) الكنوز والملك الخالد « 1 »
 
[ حكاية قول الرسول صلى اللّه عليه وسلّم في أذن سائس جواد أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ]
قول الرسول صلى اللّه عليه وسلّم في أذن سائس جواد أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه : إن مقتل على سوف يكون على يديك ذات يوم
 
- إنني هذا الرجل الذي لا يكون لطفى عند الغضب وخزاً ، حتى على قاتلي ! !


3860 - لقد همس الرسول في أذن تابعي ، أنه سيفصل رقبتي هذه عن جسدي ذات يوم .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 747 : - أهبه الملك الخالد ، وأعطيه ما لا يتأتى له في وهم .

« 340 »
 
- لقد علم الرسول من وحى الحبيب ، أن هلاكى في النهاية على يده .
- فكان يقول لي : أقتلنى من البداية ، حتى لا يتأتى منى هذا الجرم الفظيع ! !
- فأقول له : إذا كان موتى على يدك ، فكيف أستطيع أنا أن أحتال على القضاء ؟ !
- فكان يسقط تحت أقدامى قائلًا : أيها الكريم ، بالله أشطرنى نصفين .
 
3865 - حتى لا تحيق بي هذا العاقبة السيئة ، حتى لا تحترق روحي من جراء روحك .
- فأقول له : إمض ، لقد جف القلم، ومن ذلك المكتوب كم من الأعلام تصير مقلوبة ؟!
- فلا بغض قط في روحي تجاهك ، ذلك أنى أعلم أن هذا ( يتأتى ) منك ! !
- إنك أداة في يد الحق ، والفعل من يد الحق ، فكيف أطعن أداة الحق وأحطمها ؟ !
- قال : فلما إذن هذا القصاص ؟ قال : هو أيضاً من الحق وهو سر خفى .
 
3870 - فلو قام هو بالاعتراض على فعله ، لأنبت من اعتراضه الرياض .
- فهو الخليق - فحسب - بالاعتراض على فعله ، ذلك أنه أحدٌ في قهره وفعله .
- فهو الأمير في مدينة الحادثات هذه ، وفي الممالك هو مالك التدبير .
- فإن حطم هو أداته ، فهو الذي يرأب أيضاً ( تلك الأداة ) التي تصدعت .
- فاعلم أيها العظيم سر « ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها » .
 
3785 - وكل شريعة نسخها الحق ، فكأنه أزال العشب ، وعوضه بالورد .
- فإن الليل يجعل شغل النهار منسوخا ، فانظر إلى جمود نير العقل وسكينته .
- ثم يصبح الليل منسوخاً من ضوء النهار حتى ليحترق ذلك الجمود من تلك التي تبث اللهب .
- فإن كانت تلك الظلمة نوماً وسباتا ، أليس ماء الحياة ، مخبوءاً في جوف الظلمة ؟ ! 
- أليست العقول تتجدد في تلك الظلمة ؟! وألا يصير السكوت رأس مال ( لانطلاق ) الصوت ؟ !
 
« 341 »
 
3880 - بحيث تظهر الأضداد من أضدادها ، ويخلق النور من قلب السويداء .
- لقد صارت حروب الرسول أساساً للسلام ، والصلح ، آخر الزمان ( نتيجة ) لتلك الحروب ( القادمة ) .
- ولقد قطع ذلك السالب للقلب مئات الآلاف من الرؤس ، حتى تأمن رؤوس أهل الدنيا على نفسها .
- ولذلك فإن البستاني يقتلع الأعشاب الضارة ، حتى يجد النخيل ( سموق ) القامة والبر .
- والعالم ، يزيل من البستان ، ذلك العشب ، حتى يبدي البستان وثماره نضرتهما ! !
 
3885 - وذلك الطبيب يخلع الضرس المنخور ، حتى ينجو ذلك الحبيب من الألم والمرض .
- ومن ثم فإن ( ألوان ) الزيادة ( كامنة في أنواع ) النقصان ، وأليس للشهداء حياة في موتهم ؟
- فإن قطعت حلوقهم الآكلة للرزق ، فقد ساغت لهم ما عنته الآية الكريمة يرزقون فرحين .
- وعندما ذبح حلق الحيوان عدلا ، نما به الإنسان وازداد فضلا .
- فإن قطع حلق الإنسان - انتبه وانظر - ما ذا يتولد منه ؟ قس هذا على ذاك .
 
3890 - يتولد حلق ثالث ، يتولاه شراب الحق وأنواره برعايته .
- والحلق المقطوع يشرب الشراب ، لكن الحلق الذي نجا من العالم الفاني ، مات على إثبات يوم العهد .
- كفاك يا دني الهمة ، يا قصير اليد ، حتام تكون حياة روحك بالخبز .
- فإنك لا تملك ثمرا وكأنك شجر الصفصاف ، لأنك أرقت ماء وجهك من أجل الخبز الأبيض ! !
- فإذا كانت روح الحس لا تستطيع صبرا عن هذا الخبز ، فاحصل على الكيمياء ، وحول النحاس إلى ذهب .
 
« 342 »
 
3895 - أو تريد أن تغسل الثياب يا فلان ، لا تحول وجهك إذن عن حي القصارين .
- وإذا كان الخبز قد قضى على صومك ، ألا فلتربط هذا الكسير بجبيرة ، ولتسم .
- وإذا كانت يده تجبر الكسير ، فإن الفتق الذي يأتي به يكون يقينا رتقا .
- وإن كسرته أنت ، يقول لك ، تعال أصلحه ، ولا تجد قدرة وإمكانا على ذلك .
- ومن ثم فإن الكسر من حقه وحده ، لأنه يعلم جبر هذا الكسير .
 
3900 - وكل من يخيط ، يستطيع أن يمزق ، وكل ما يبيعه ، يشتري أفضل منه .
- إنه يخرب المنزل ويجعل عاليه سافله ، وفي لحظة واحدة يجعله أكثر عمرانا .
- وإنه إن قطع رأسا واحدة ، من البدن ، يأتي بمئات الآلاف من الرؤوس في لحظة واحدة .
- ولو لم يقل أن القصاص على الجناة ، ولم يقل أن القصاص حياة ؛
- فمن كان يجرؤ من تلقاء نفسه على أن يسل سيفا على أسير حكم الحق ؟
 
3905 - ذلك أن كل من فتح له عينه يعلم أن القاتل مسخر لتقديره .
- وكل من جرى هذا الحكم عليه ، إنما ينزل بالسيف على رأس ولده بنفسه .
- فامعن النظر، وخفف من طعنك في الأشرار ، وأمام شبكة الحكم، إعلم عجزك. "1"
 
تعجب آدم عليه السلام من ضلال إبليس اللعين وابتلائه بالعُجب
 
- لقد نظر آدم ذات مرة إلى إبليس بعين الاحتقار ، والاستصغار .
- لقد قام بالعجب ، وكان مفضلا لذاته ، وضحك ساخرا من فعل إبليس اللعين .
 
3910 - فصاحت غيرة الحق ، قائلة : أيها الصفى ، أنك لا تعلم ( شئياً ) عن الأسرار الخفية .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 773 : - وأمام الحق طأطئ الرأس مخلصاً ، ولا تسخر من الضالين وتطعن فيهم .

« 343 »
 
- وفي تلك اللحظة يكشف الستر عن مائة من أمثال آدم ، ويجعل مائة من أمثال إبليس يدخلون في الإسلام .
- قال آدم " لقد تبت عن هذه النظرة ، ولا أفكر في مثل هذا التوقح ثانية .
- " يا غياث المستغيثين اهدنا ، لا افتخارا بالعلوم وبالغنى .
 
3915 - لا تدع قلبا هديت بالكرم ، واصرف السوء الذي خط القلم " « 1 »
- واصرف عن أرواحنا سوء القضاء ، ولا تفصلنا عن أخوان الصفاء .
- وليس أمر هناك من فرقتك قط ، وبلا حماك ، ليس هناك إلا التواء في التواء .
- إن متاعنا قاطع للطريق يسلب متاعنا ، وأجسادنا تخلع الثياب عن أرواحنا .
- فإذا كانت أيدينا تأكل أقدامنا ، فكيف ينجو انسان بروحه دون أمانك ؟!
 
3920 - وان نجا بروحه من هذه الأخطار العظيمة ، فربما يكون قد نجا بأس الخوف والأدبار .
- ذلك أن الروح ، عندما لا تكون متصلة بالأحبة ، تصبح إلى الأبد مع ذاتها عمياء حزينة .
- وإن لم تهد الطريق ، حتى وإن نجت الروح في حد ذاتها ، فاعتبرها ميتة !!
- وإنك إن طعنت في عبيدك ، فإن هذا خليق بك ، يا سائق الرغائب .
- وإنك إن تحدثت بالجفاء إلى القمر والشمس ، أو قلت للسرو الممشوق أنه منحن !!
 
3925 - أو دعوت الفلك والعرش وبأنهما حقيران ، أو قلت للبحر والمنجم أنهما فقيران .
- فإن هذا يليق بالنسبة لكمالك ، فإن ملك الكمال لما هو فان موكل بك !!
- فإنك أنت المنزه عن النقص وعن العدم ، وأنت موجد المعدومين ومفنيهم !!
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .

« 344 »
 
- فان من ينمى يستطيع الإحراق ، ذلك أنه ما دام قد مزق يستطيع الحياكة !!
- وانه ليحرق كل خريف البستان ، ثم ينبت من بعدها الورود ذات الألون .
 
3930 - قائلًا : يا من احترقت ، أطل ، وتجدد ، وصر مرة ثانية جميلًا حسن الصوت .
- فإنه هو الذي خلق ثانية عين النرجس التي صارت عمياء ، وقطع حلق البوص ، ثم عاد فأكرمه !!
- ولما كنا مصنوعين ولسنا بصناع ، فنحن لسنا إلا مساكين قانعين بما نحن فيه !!
- واننا وكل منا ليصيح وأنا : نفسي نفسي ، وإن لم ترد ، فنحن كنا شياطين .
- ونحن إنما نجونا من الشيطان ، عندما شريت أرواحنا من العمى !!
 
3935 - وأنك أنت الذي يقود كل من له حياة ، وما ذا يكون حال الأعمى بلا عصى وبلا قائد ؟!
- وكل ما هو سواك ، حسنا كان أو قبيحاً ، محرقٌ للانسان ، بل هو عين النار !!
- وكل من صارت له النار ملجأ وملاذا ، صار مجوسيا ، بل صار زردشت نفسه !!
- كل شئ ما خلا الله باطلٌ ، إن فضل الله غيم هاطل « 1 »
 
عودة إلى حكاية علي كرم الله وجهه وتسامحه مع قاتله
 
- عد صوب قصة على وقاتله ، وذلك الكرم مع قاتله والتسامى .
 
3940 - قال : انني لأبصر العدو ليل نهار بعيني رأسي ، ولا أحس نحوه بأدنى غضب .
- ذلك أن موتى مثلي حسن المقدم ، وموتى يكون عازفاً لصنج يوم البعث !!
- إن الموت بلا موت حلال لنا ، والقدرة على الاستغناء نوال لنا « 2 » .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) ج / 2 - 805 : وإذا كنت قد وجدت القدرة على الاستغناء ، فقد وجدت الروح الباقية وانقضى الموت .
 
« 345 »
 
- إن ظاهره موت ، لكنه حياة في الباطن ، ظاهرة بتر لكن باطنه ثبات وحياة !!
- وميلاد الجنين من الرحم يعد ذهاباً ، لكنه تفتحٌ له من جديد من الحياة الدنيا !!
 
3945 - فما دمت عاشقاً للأجل ميالًا إليه ، فإن النهى "لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ" موجه إلى .
- ذلك أن النهى يكون عن الثمرة الحلوة ، والمر في حد ذاته نهى فمتى تكون حاجة ( إلى النهى عنه ) ؟! 
- والثمرة التي تكون مرة اللب والقشر ، فإن مرارتها وكراهتها نهي في حد ذاته !!
- ولقد حلت لي ثمرة الموت ، ذلك أن « بل هم أحياء » نزلت في شأني .
- « اقتلونى يا ثقاتى لائما ، إن في قتلى حياتي دائما
 
3950 - « إن في موتى حياتي يا فتى ، كم أفارق موطني حتى متى ؟
- فرقتي لو لم تكن في ذا السكون ، لم يقل إنا إليه راجعون « 1 » !!
- والراجع هو الذي يكون عائداً إلى المدينة ، ويأتي صوب الوحدة من التفريق الذي حدث من قهر ( الله ) !! « 2 »
 
سقوط السائس مرات امام علي كرم الله وجهه قائلًا :
يا أمير المؤمنين اقتلنى وخلصني من هذا القضاء
 
- لقد عاد قائلًا : يا علي اقتلنى سريعا ، حتى لا أرى تلك اللحظة والوقت العبوس .
- لقد جعلت دمى حلالا لك فاسفكه ، حتى لا ترى عيني تلك القيامة .
 
3955 - قلت : لو أن كل ذرة منى انقلبت إلى قاتل سفاك ، الخنجر في كفه يمضى لهلاكك .
...............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .
( 2 ) ج / 2 - 805 : إن هذا الكلام لا نهاية له فان غلامي عندما سمع ذلك إنحنت قامته .

« 346 »
 
- لن يستطيع أن يقطع شعرة واحدة منك ، ما دام القلم قد كتب لك هذا المصير .
- لكن ، لا تحزن ، فأنا شفيعك ، فأنا سيد الروح ، ولست مملوكا للجسد .
- ولا يساوى عندي هذا الجسد أدنى قيمة ، فإنا بدون جسدي الفتى ابن الفتى .
- فالخنجر والسيف صار ريحانا لي ، وموتى هو حفلى ، وزهرية نرجسي .
 
3960 - وذلك الذي يتعقب جسده على هذا النسق ، متى يحرص على الإمارة وعلى الخلافة ؟ !
- إنه إنما يجاهد في الظاهر في الجاه والحكم ، حتى يبدي للأمراء الطريق والحكم « 1 » .
- حتى يمنح الامارة روحاً أخرى ، وحتى يهب الثمر لنخل الخلافة « 2 » ! !
 
بيان أن طلب الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فتح مكة وغيرها ،
لم يكن لحب ملك الدنيا، لأنه قال الدنيا جيفة، بل كان بالأمر ( الإلهى )
 
- وجهد الرسول - عليه السلام - لفتح مكة ، متى يكون سبباً لاتهامه بحب الدنيا ؟ !
- وهو الذي أغلق عينه وقلبه عن خزائن السماوات السبع يوم الامتحان .
 
3965 - ومن أجل النظر إليه، ملأ الحور والجان آفاق السماوات السبع كلها «3» .
- وقد زينت نفسها من أجله ، فمتى كان لديه أدنى اهتمام بغير الحبيب ؟ !
- وذلك الذي امتلأ من إجلال الحق ، بحيث لم يجد إليه حتى أهل الحق سبيلًا .
- « لا يسع فينا نبي مرسل ، والملك والروح أيضاً فاعقلوا » « 4 » .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 812 : حتى يزين لكل امرئ ثوباً ، وحتى يكتب لكل امرئ كتاباً .
( 2 ) ج / 2 - 812 : وإنك ترى إمارته في ذلك العالم الآخر ، تصير الفكرة الحقيقية واضحة لك 
- فانتبه لا تظن ظن السوء يا ذا اللباب ، وعد إلى نفسك ، والله أعلم بالصواب .
( 3 ) ج / 2 - 819 : وسقط الملائكة على تراب طريق ، ومأئة من أمثال يوسف سقطوا في بئره ! !
( 4 ) بالعربية في النص .
 
« 347 »
 
- قال : « ما زاغ » ولسنا كطير الزاغ ، ونحن سكارى لا بالبستان بل بالصباغ ، .
 
3970 - وإذا كانت خزائن الأفلاك والعقول ، بدت بعد الرسول وكأنها قذى .
- فماذا تكون اذن مكة والشام والعراق ، حتى يحارب من أجلها أو يبدي لها شوقا ؟!
- إن هذا الظن فيه من هناك سوء في ضميره ، انه إنما يقيس على حرصه وجهله .
- وإنك أن جعلت زجاجة صفراء نقابا ، ترى نور الشمس بأجمعه أصفر اللون .
- فلتكسر هذه الزجاجة الصفراء والزجاجة الزرقاء، حتى تميز ما بين الغبار والرجل.
 
3975 - فحول الفارس ، يتصاعد الغبار ، وظننت أنت أن الغبار هو رجل حق .
- لقد رأى إبليس الغبار وقال « كيف يزيد على سليل الطين وأنا ناري الجبين ؟! » .
- وما دمت ترى الأعزاء بعين الشر ، فاعلم أن ذلك النظر ميراثٌ من إبليس .
- وإن لم تكن ابناً لإبليس أيها العنيد ، فكيف وصل لك ميراث ذلك الكلب ؟ !
- ولست بالكلب ، بل أنا أسد الحق ، عابد للحق ، وأسد الحق هو ذلك الذي نجا من الصورة .
 
3980 - وإن أسد الدنيا ليجد في أثر الصيد والزاد ، وأسد المولى يطلب الحرية والموت .
- وما دام يرى في الموت مائة وجود ، فإنه كان يحرق الوجود .
- لقد صار عشق الموت طوقا ( في أعناق ) الصادقين ، فإن لحظة الموت امتحان لليهود .
- لقد قال في القرآن : أيها القوم اليهود ، أن الموت يكون للصادقين نفع وكنز .
- وكما تكون هناك شهوة إلى الربح ، فان شهوت كسب الموت أفضل منها .
 
3985 - أيها اليهود ، من أجل شرف البشر ، تمنوا هذا الأمنية . . ولو من طرف اللسان .
- ولم تكن ليهودي واحد هذا القدر من الجرأة ، عندما رفع محمد هذا العلم .
- فقال : لو سقتم ( هذه الأمنية ) ولو على اللسان ، لما بقي يهودي واحد في الدنيا .
 
« 348 »
 
- فحمل اليهود إليه الأموال وأدوا الخراج، قائلين : لا تفضحنا يا سراج ( الأنبياء ).
- إن هذا الكلام لا تبدو له نهاية ، فلتضع يدك في يدي ، ما دامت عينك قد أبصرت الحبيب « 1 »
 
قول أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه لقِرنه : عندما بصقت على وجهي تحركت نفسي ، 
ولم يعد لدي إخلاص العمل وصار هذا مانعا لقتلك
 
3990 - قال أمير المؤمنين لذلك الشاب عند إحتدام الصراع : أيها البطل ؛
- عندما بصقت على وجهي ، تحركت نفسي ، وفسد طبعى ! !
- فصار نصفه من أجل الحق ، ونصفه من أجل الهوى ، ولا يجوز الشرك في أمر الحق .
- ولقد صورتك كف المولى ، وأنت لله ، ولست من صنعي !!
- ولتكسر ما صوره الحق بأمر الحق قحسب ، ولا توجه إلى زجاجة الحبيب إلا حجر الحبيب .
 
3995 - لقد سمع المجوسي هذا الأمر ، وتجلى نورٌ في قلبه ، حتى مزق زناره !!
- وقال : لقد كنت أغرس بذور الجفاء ، وكنت أظنك ( إنسانا ) من نوع آخر .
- ولقد كنت ميزاناً لطبع الأحد ، بل كنت لساناً لكل ميزان !!
- كنت أهلي وأصلى وقومي ، وكنت نوراً لشمع ديني !!
- وأنا غلام لذلك المصباح الباحث عن العين ، والذي قبل مصباحك النور منه .
 
4000 - وأنا غلام لموج ذلك البحر من النور ، الذي يبدي هذا الجوهر ، عند ظهوره .
- فاعرض على الشهادة ، فإنني رأيتك عظيم هذا الزمن .
- واتجه خمسون من أهل وقومه إلى الدين بعشق .
- فلقد اشترى ( الإمام ) بسيف الحلم عدة حلوق من سيف ( القهر ) وعدداً من الخلق .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 820 : فتعال إلى الروضة ، من المزبلة ، ذلك أنك رأيت شغلك الشاغل في الظلمة 
- وأخط بأسرع ما تستطيع دون توقف ، من هذه التي لا أساس لها إلى جنة ارم 
- فقال قرينه : بالله ، اشرح لي هذا فقد قبلته . . هيا .
 
« 349 »
 
- وسيف الحلم أقطع من السيف الحديدى ، بل إنه لمسبب للظفر من مائة جيش .
 
4005 - وآسفاه لقد أكلنا لقمة أو لقمتين ، فتجمد منهما جيشان الفكر .
- ومن حبة قمح حاق بشمس آدم الكسوف ، مثلما خسف ذنب شعشعة بدر !!
- وهاك لطف القلب الذي يجعل من قبضة من الطين في « فرقة الثريا » بعد أن كان في « اكتمال » القمر . .
- وعندما يكون الخبز معنى ، يكون لأكله نفع ، وعندما صار صورة فقد تسبب في الجحود !!
- مثل العشب الأخضر عندما يرعاه البعير ، يكون له من أكله مائة نفع ومائة لذة .
 
4010 - وعندما ذهبت عنه الخضرة وصار يابساً ، يصبح شبيهاً تماما بما يرعاه البعير في الصحراء .
- فان يمزق الفم والأشداق فوآسفاه ، إن هذا المربى في الورد قد انقلب إلى نصال .
- والخبر ، عندما يكون معنى ، فهو هذا العشب الأخضر ، وعندما صار الآن صورة فهو جاف غليظ .
- وأنت أعتدت عليه وكأنك من قبل كنت قد أكلته من قبل أيها الوجود المنعم المدلل .
- وعلى نفس رائحته تأكل هذا الخبز الجاف ، بعد ان امتزج معناه بالثرى .
 
4015 - صار ممزوجا بالتراب جافاً قاطعاً للحم ، فلتتعفف الآن عن ذلك العشب أيها البعير .
- ان الكلام لينطلق منى شديد الامتزاج بالتراب ، لقد تعكر الماء ، فلتسد فوهة البئر .
- حتى يجعله الله صافياً عذباً مرة ثانية ، انه هو الذي عكره فهو الذي يصفيه .
 
4018 - وان الصبر يأتي بالرغائب لا العجلة ، فاصبر ، والله أعلم بالصواب .
( تمت الترجمة )
.
شرح إلقاء الخصم بصقة في وجه أمير المؤمنين كرم الله وجهه
وإلقاء أمير المؤمنين علي بالسيف من يده
( 3735 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر أنه لم يجد لها أصلا إلا فيما روى عن عمر رضي الله عنه

« 581 »
 
أنه رأى سكيرا فأخذه ليعزره فشتمه السكير ، فتركه عمر مخافة أن يكون تعزيره لغضبه لنفسه وليس لله وحدوده ( مآخذ / 37 ) وقام الأستاذ شهيدي ببحث حول الحكاية ، واكتشف أنها وردت بنصها وعن علي رضي الله عنه في كيمياء السعادة للإمام الغزالي وفي كتاب الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقي ( شرح شهيدي ص 220 ) ومناسبة الحكاية العبادة للفخر والسمعة لا لله وهو موضوع الأبيات السابقة .
( 3744 ) أي : ما ذا رأيت من عالمك الخاص ، بحيث انعكس تأثيره علي ، فأحسست أنا أيضا بتغيير في عالمي ومعتقداتي ونظرتي إلى الدنيا .
( 3746 - 3758 ) : إشارة إلى ما حدث لقوم موسى عليه السّلام في التيه ، عندما ظللهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى رحمة من الله سبحانه وتعالى ( أنظر الأبيات 81 - 86 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، ولقد قطعت الرحمة عن بني إسرائيل لخستهم ودناءتهم ورفضهم لنعمة الله ، لكن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلّم أمة مرحومة "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" ( آل عمران / 110 ) جاء في خطبة للإمام علي رضي الله عنه : كان في الأرض أمانان من عذاب الله ، وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به ، أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم ، وأما الأمان الذي بقي فالاستغفار ، قال الله تعالى "وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" ( الأنفال / 33 ) ( نهج البلاغة - تحقيق وترجمة سيد جعفر شهيدي ص 374 ) ، هذه الرحمة التي خص بها رسولكم الكريم صلى اللّه عليه وسلّم حتى قال " إني لست كأحدكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " وهو الطعام المعنوي والفيض الإلهي على ما فسره الصوفية ، في حين قال آخرون : إنه الطعام الجسدي ، وإنك إن قبلت هذا المعنى دون تأويل ، فسوف تدرك حقيقته وتحس بلذته . . وألا فلتفسر نفسك ، ولتدرك بأية وسيلة تنظر إلى الأمور ، وما هو أساس تفكيرك ، ومن أين دخل إليك ، ومن من شياطين الإنس والجن وسوس لك به ، ولا تعب رياض المعاني ، بل عب على إدراكك أنت :وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم( البيت 1088 من الكتاب الذي بين أيدينا : أول نفسك ، ولا تؤول الذكر ) .
( 3759 - 2765 ) : اشتهر سيدنا علي رضي الله عنه بالسيف والعلم ، فهو رضي الله عنه أسد الله

« 582 »
 
الغالب ، وهو مقتلع باب خيبر ، وتجمع مصادر السنة والشيعة على السواء على منزلته رضي الله عنه المعترف بها في الشجاعة والعلم ، وفي الروايات الشيعية أنه أعطي تسعة أعشار العلم والعشر الباقي شريك للعلماء فيه ( في رواية عن ابن عباس ) ، والماء هو مظهر العلم والتراب مظهر الجهل ، وعلي في البيت هو المظهر التام للإنسان الكامل ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع - ولمناقب الإمام في المأثور الصوفي أنظر : حديقة الحقيقة صص 134 - 144 من النص وشروحها صص 286 - 292 ) والقتل بلا سيف هو قتل الصفات الذميمة والنفس الحيوانية لإحياء الروح ، فكأنه إحياء وليس قتلا ، وهذا من الأسرار الإلهية ، فكأن من سل عليه أسد الله السيف ، أدرك أن انصراف علي رضي الله عن قتله سر رباني ، وإحياء روحاني ، وهو يريد أن يعرف هذا السر منه ، لأنه رضي الله عنه بازي العرش ، صياد المعاني ، نافذ البصيرة ، مدرك الرؤى التي لا يدركها غيره ، حتى وهو مغمض العينين .
( 3766 - 3770 ) : الناس مختلفون في إدراك الحقيقة حتى وإن كانت في وضوح القمر في كبد السماء ، فأحدهم يرى قمرا واحدا في السماء " المؤمن " والثاني " الكافر " لا يرى في السماء قمرا قط ، ويرى الدنيا في ظلام حالك ، والثالث يرى في السماء ثلاثة أقمار " النصراني " وكلهم حواسهم الظاهرية سليمة وقوية وغير معيوبة ، فلا بد إذن من وسيلة للإدراك هي الباطن الذي يلون كل شيء بلونه ، فيوسف الحسن يراه أحدهم جميلا ، ويراه آخر ذئبا قبيحا ، والعوالم شاسعة متعددة مختلفة ، ولا يمكن أن تدركها كل عين ، أو يحدها كل بصر ، وهناك اختلاف حول تفسير الأقمار الثلاثة يرى الأنقروي أنها القمر والشمس والعقل الكلي ، كما يحتمل أن يكون القمر الواحد رمزا للتوحيد بين الذات والصفات ، ومن الأقمار الثلاثة الفصل بينها ، وكلها مظاهر لحقيقة واحدة ، يقول ابن الفارض :وما برحت تبدو وتخفى لعلة * على حسب الأوقات في كل حقبة
وتظهر للعشاق في كل مظهر * من اللبس في أشكال حسن بديعة( شرح شهيدي / 230 ) ( 3771 - 3779 ) حسن القضاء بعد سوء القضاء المعني به لطف الله تعالى يحل بالعبد من بعد
 
 
« 583 »
 
الابتلاء ، وهو هنا انصراف علي رضى اللّه عنه عن القتل وعفوه عن الكافر وإحيائه إياه ، على أساس أن خصمه الكافر أخذ يميل نتيجة لهذا العفو غير المتوقع من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، وأصبح شريكا في السر الذي أشع على علي رضي الله عنه وانعكس فيه ، فكيف يضن به عليه وقد أصبح مشاركا له فيه . . وإذا كان قد أصبح مشاركا فيه فلما ذا يتمنى سماعة ؟ لأن سماعه سوف يعجل به في السرى في ضوء قمر المعرفة ، وفي ضوء مثل هذا القمر الإلهي يمكن للسراة السرى آمنين من التيه وناجين من غيلان الضلال التي تحملهم عن الجادة ، كما أن الأذن تريد أيضا نصيبها من الفيض " ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر " ولتفتح الباب يا مدينة العلم طبقا للحديث الشريف " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب " ( أنظر تحقيق الحديث في حديقة الحقيقة ص 289 ) ، وأنت شعاع من الحلم الكلي ، وأنت على باب الحظيرة الإلهية ، وأنت باب حظيرة الرحمة الإلهية " محمد صلى اللّه عليه وسلّم " ألا فلتجعل الرحمة تنهمر علي ، ولتفتح باب الرحمة على طالب هذا الباب ، حتى تتبدل فيه القشور إلى لباب والأجساد إلى أرواح ، والصور إلى معاني .
( 3780 - 3786 ) : إن كل ذرة في الكون مخبرة عنه دالة عليه مؤدية إليه ، لكن لا بد من أن يكون الباب مفتوحا إليها ، ولا بد للحارس " الولي - العارف - المرشد " من أن يفتح هذا الباب ، ولا بد من طرف الحبل " كل عمل يجد فيه المرء لا بد وأن يذيقه الله بعض لذته في البداية " ، هذا هو فتح الباب ، يتحرك بعده الطمع ويتحرك الرجاء ، ومن وجد كنزا في مكان لزمه ، وتردد عليه ، المهم ألا تطلب على الظن ، وأن تكون متيقنا ممن تطلب ، فليست كل خرابة تحتوى على كنز ، وما لم يدلك الله على نفسه " يصل إلى أنفك أريج من الغيب " فلن ترى أبعد من هذه الأنف .
( 3787 - 3791 ) : يتحدث الخصم الذي كان كافرا في الأصل بما يوحي بأن كل لحظة تمر تجعله يتحدث بلسان إسلامي مبين " انعكاس ولاية علي رضي الله عنه " ، ثم يتحدث مولانا عن تأثير الكواكب السيارة في عملية الخلق " فهو نطفة مستقرة في صلب الأب ، فإذا اختلط مع ماء الأم ، فعلى قول الحكماء دخل تحت تربية زحل شهرا وشهرا تحت تربية المشترى فكان علقة وظهرت حرارة الإختلاج ، وشهرا تحت تربية المريخ فيكون مضغة يحصل له الثخانة ، وتظهر فيه القوة الغضبية ، وشهرا
 
« 584 »
 
تحت تربية الشمس فينفخ فيه الروح ويلقى الحياة ، وشهرا تحت تربية الزهرة فيأتي للوجود بالهيئة الإنسانية وتحصل له القوة الشهوانية ، وشهرا تحت تربية عطارد فتظهر له زينة الشكل والشمائل ، وشهرا تحت تربية القمر . فهذه سبعة أشهر يتم بها الوجود الإنسانى ويتحرك في الظاهر والباطن ، ورطوبة القمر مناسبة للحياة ، إن تولد فيه كان أغلب حاله الحياة والبقاء ، وإن لم يخرج تكرر في الثامن زحل ، ولكون زحل باردا يابسا ، إن خرج كان مزاجه مناسبا للموت ، وإن استقر إلى الشهر التاسع ، دخل تحت تربية المشترى ، ولأن المشترى حار ورطب في طبيعته الحياة ( مولوي 1 / 679 ولخصها شهيدي بما لا يختلف عن إخوان الصفا - شرح شهيدي / 235 - 236 ) .
 
( 3792 - 3801 ) : هذا الجنين ليس له من الكواكب إلا الصورة ، ولا وجود حقيقي له إلا إذا سطعت عليه شمس الحقيقة ونفثت فيه الروح ، وهي التي تنفث الروح في كل الكون ، وهي كيمياء التبديل ، وبقدر قابليات الموجودات تكون عطاياها ، فهي ساطعة على كل شيء ، تجعل من التراب ياقوتا ، وتجعل المطايا تسرع حتى ليتطاير الشرر من سنابكها ، وهي التي تهب الثمار النضج ، وهي التي تجعل من الجبان شجاعا إذا مسه شرر عشقها . . . . فلتشرح لي يابازي الروح يا متمرسا على ساعد المليك . . . فأنا صيدك ، إشرح لي يا أمة وحدك ، أي سبب هذا الذي أوجب الرحمة في موضع القتل وسفك الدماء ، وما الحكمة في إسداء العون للتنين الذي قصد هلاكك ؟
 
( 3802 - 3813 ) : يرد الإمام علي رضي الله عنه قائلا : إنني أسد الحق ، أقاتل من أجل الحق لا من أجل الهوى ، وأنا أمسك بالقوس والرامي هو الله سبحانه وتعالى "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى" ( الأنفال / 17 ) فأين ذاتي إن كان ثم ذاته ؟ وكل ما خلا الله باطل ولا وجود له ، وأنا بالقتل أحيى موتى الجهل ، وأخلصهم من علائق الجسد ، وسيفي مليء بجواهر الوصال ، لامع بالنور مهما سال عليه الدم ، وأنا مجرد حاجب على الباب ، ولست صاحب الأمر والنهي ، لكتي أفتح الباب لمن أراه جديرا بالوصول إلى صاحب الأمر والنهي . . . وأنا برئ من القوة الغضبية ، لست قشة تقتلعني كل ريح ، بل أنا جبل من الحلم والصبر والعدل ، وإنما قوتي بالإيمان . . . وأنا

« 585 »
 
جبل به ، لكني قشة في يد تصريفه ، فلا حركة لي إلا بريحه ، ولا عشق عندي لسواه ، والغضب ملك على الناس ، مسيطر على الملوك ، لكنه غلام عندي " ليس الشديد بالصرعة ، لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " ( بأسانيده : أحاديث مثنوي / 16 ) . . ( وفي هذا المعني هناك حكايات عن ديوجين وسقراط وغيرهما في الكتاب الثاني من المثنوى البيت 1469 وما يليه ) ( استعلامي 1 / 422 ) 
 
( 3815 - 3829 ) : وأنا أرى غضب الله رحمة ، لأني ناظر إلى العاقبة ، ومهما حرمت من لذات الدنيا ، فأنا أرى نور الله يغنيني عنها كلها ، وبرغم أن اسمي " أبو تراب " ( من أسماء الإمام علي رضي الله عنه - أنظر الترجمة العربية للحديقة ج 1 ص 289 ) ، فإنني أعيش في روضة غناء من الفيض الإلهي ، وإن علة ما قد تدخلت في القتال " يشير إلى بصق خصمه على وجهه " ، وهو ما قد يجعل القضاء عليك غضبا وليس انتصارا لله ، والحب ينبغي أن يكون في الله ، والعطاء ينبغي أن يكون لله " من أعطى لله ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، وأنكح لله ، فقد استكمل الإيمان " ( أحاديث / 37 ) ، ولذلك فلا تحري عندي ولا اجتهاد ، فأنا أبصر جيدا موضع قدمي ، وأستمد مباشرة من الله تعالى ، وفوق ذلك لا أستطيع أن أقول ما لا يمكن أن تستوعبه أفهام البشر ، فحديثي بسيط على قدر العقول ، وهذا هو ديدن الرسول عليه السّلام " إنا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم " ( أحاديث مثنوي / 37 - 38 ) والأبيات التي تلت عن الشهادة وأحكامها الفقهية ، وضرورة أن يكون الشاهد حرا وليس مملوكا " في الفقه الشافعي والحنفي ، وأجازها الفقه الشيعي إن كان رشيدا بالغا " ( شرح شهيدي / 225 - 226 ) .
 
( 3830 - 3834 ) : ينقل مولانا من الحديث عن العبودية في الفقه إلى الحديث عن العبودية في الطريق ، فمن السهل أن يعتق عبد الشراء ، لكن الأسوأ منه هو عبد الشهوة الذي لا ينفك يسرع خلف شهواته تلهبه بسياطها طوال حياته ، ولا يزال يمد في البئر الذي حفره لنفسه ، ويعمق فيه بحيث ييأس هو نفس من النجاة ، وهذا لأنه هو أسقط نفسه فيه لا هو بالجبر من الله ولا هو الظلم فيه جل وعلا عن الظلم علوا كبيراً ( أنظر الأبيات من 8621 إلى 645 و 942 ومن 952 - 959 و 1475 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .

« 586 »
 
( 3835 - 3839 ) : لو أنني واصلت هذا الكلام ، وكانت آذان القلب والاعتبار مفتوحة فإن الأكباد سوف تتفتت من هذا الحديث وماذا تكون الأكباد ؟ ! إن الحجارة نفسها لتدمى من هذه الأحاديث لكن هناك قلوباً أشد قسوة من الحجارة لا تجدى فيها هذه الأقوال فتيلًا ، فلتندم حين يجدى الندم ، ولتصر دماً عندما يكون لذلك قيمة لا بعد المعرفة بآلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ( يونس / 91 » ، ويعود مرة أخرى إلى قضية الشهادة ، إذا كانت شهادة العبد الرفيق غير مقبولة في الشرع وتحرره من هذه العبودية أمر سهل ، فالشاهد العدل إذن هو الذي لا يكون عبداً لشهوته « الغول » ، ومن هنا صار أفضل الخلق صلى اللّه عليه وسلّم شاهداً على أمتهيا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً( الأحزاب / 45 ) وما كان هذا إلا لأنه حر ابن حر ابن صلى اللّه عليه وسلم من أصلاب أحرار ، وكان صلى اللّه عليه وسلّم حراً من شهوات الدنيا خالصاً منها لا ينظر إليها ولا يأبه بها وصفه على رضى اللّه عنه بقوله : " تأس بنبيك الأطيب الأطهر صلى اللّه عليه وسلّم وآله فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاءً لمن تعزى ، وأحب العباد إلى الله المتأسى بنبيه والمقتص لأثره ، قضم الدنيا قضماً ولم يعرها طرفه أهضم أهل الدنيا كشحا وأخمصهم من الدنيا بطنا ، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها " ( نهج البلاغة ، تحقيق وترجمة الأستاذ شهيدى ص 162 ، وأنظر عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم عند الصوفية أنظر مولوى 1 / 687 - 693 وأنظر الترجمة العربية الحديقة الحقيقة ، ج 1 ، النص 103 - 124 والشروح من 270 - 278 ) .
 
( 3840 - 3850 ) : الحديث على لسان الإمام على رضى اللّه عنه موجها إلى خصمه في القتال : ما دام الله قد أنعم علىّ بنعمة الحرية فكيف أكون عبداً للغضب وأنا أفرغت ذاتي من كل صفات البشرية ، وتخلقت بصفات الربوبية ، ومن صفات الإله أن رحمته قد سبقت غضبه ( رحمتي سبقت غضبى ) أنظر 2684 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) : هيا أدخل في الإسلام فقد لحقت بك عناية الحق ، وشملتك كيمياء تبديله ، وحولتك من حجرية القسوة والكفر إلى جوهر من جواهر الإيمان ، فتقدم خطوة في عالم معرفة الحق وتخيل كالوردة . . . فأنا وأنت قد صرنا واحداً . . . نمضى في طريق واحد وقد تفاهم قلبانا وصار كل منهما يعكس الصور على الآخر . . . ولا تقنط من معصيتك السابقة وكفرك . . . فهذه المعصية وهذا الكفر هما السبب في إيمانك ، فلو لا أن تصديت

 
« 587 »
 
لي بالقتال لما جئت إلى ساحة الإيمان . . . وهناك أمثلة عديدة في هذا المجال : إيمان السحرة لفرعون وقيامهم لنصرته جرهم إلى لقاء موسى والوصول إلى الإيمان بالله ونصرة موسى ، عداوة عمر الشديدة للرسول صلى اللّه عليه وسلّم وعزمه على قتله هو الذي جره إلى بيت أخته وقراءته سورة طه وميله إلى الإيمان ثم بحثه عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لا ليقتله بل يؤمن به ( أنظر الترجمة العربية للحديقة البيت ، 3056 وشرحه ) فرب معصية يقطع بها المرء في طريق الإيمان طريقا لا يستطيع قطعه بالطاعات " وطويت السماء في لحظة واحدة " فرب عاص تائب ذليل في حضرة الحق أقرب من مقيم على الطاعات مدل بطاعته متكبر بها آمن من مكر الله جل وعلا . وجاء في الحديث : أن الرجل ليذنب ذنباً يدخل به الجنة ، قالوا كيف يا رسول الله ؟ ! قال : يكون نصبا بين عينيه ويتوب منه ( أحاديث مثنوى / 38 ) .
 
( 3851 - 3855 ) : والله تعالى هو القائلوَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ( يوسف / 87 ) فجعل اليأس من رحمة الله كفراً ، وقطع عنق القنوط ، بل إن سيئاتك نفسها يبدلها الله إلى حسناتإِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ( الفرقان / 70 ) هذا برغم المعاصي ، فإذا بالشيطان برى أنه كلما زاد ابن آدم في المعصية كان كأنه يجمع في الحسنات إن تاب ، بل ويزيده الله من فضله .
 
( 3859 ) : يواصل الإمام على رضوان الله عليه الحديث مع خصمه : كيف أقتلك لمجرد أنك بصقت في وجهي . . . وأنا الذي كنت أعرف قاتلي ولا أفكر في أن أمسه بسوء ؟ ! ! والرواية التي يقدمها مولانا هنا فيها تصرف كثير ( لم تكن الرواية في حد ذاتها تهمة بقدر المعاني الذي يريد استنباطها منها ) فلم يكن عبد الرحمن بن ملجم سائساً عند الإمام على رضى اللّه عنه ، ولم يسلم أصلًا إلا في عهد عمر رضي الله عنه ، وقاتل إلى جوار على رضى اللّه عنه في صفين ، ثم انقلب عليه حين قبل التحكيم ، وكان من أشد الخوارج عداء له ، واستغل الخوارج هذه العدواة لتكليفه هو بقتل على ضمن الثلاثة الذين كلفوا بقتل على رضى اللّه عنه ومعاوية وعمرو بن العاص على أساس أن هذا هو السبيل الوحيد لإخماد الفتنة ( أنظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 3450 - 3475 وشروحها ، وأنظر مقاتل الطالبين لأبى مخنف لوط بن يحيى الأزدي ص 20 ، من ط - النجف 1353 ه - ) ورواية أن
 
 
« 588 »
 
الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أخبر علياً رضى اللّه عنه بأن قاتله هو عبد الرحمن بن ملجم فقد ورد في حديث " روى الهادي عن عثمان بن صهيب عن أبيه أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم قال لعلي : من أشقى الأولين ؟ قال : الذي عقر الناقة ، قال صدقت ، فمن أشقى الآخرين ؟ ! قال : لا أدرى ، قال : الذي يضربك على هذا يعنى يافوخه فيخضب هذا يعنى لحيته ، هو عبد الرحمن بن ملجم من قبيلة مراد " ( مولوى 1 / 696 ونقل فروزانفر في مآخذ 38 - 39 روايات أخرى كما ذكره السيوطي في اللآئى المصنوعة ) . وأقرب الروايات الثابتة ما روى عن عمر رضي الله عنه عندما تهدده أبو لؤلؤة المجوسي وقيل له إن الرجل قاتلك فاقتله ، فقال : ويحكم ، وهل سمعتم عن قتيل قتل قاتله ؟ ! ! ( 3866 ) : إشارة إلى الحديث " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " والمعنى هنا يشير أن ما قدر في علم الله قائم بلا حيلة ( هناك تفسير آخر للحديث في الكتاب الخامس ، أنظر الأبيات 3133 - 3149 وشروحها ) .
 
( 3867 - 3847 ) : لا تزال الروح الجبرية مسيطرة على مولانا ويوجه الإمام على رضى اللّه عنه الحديث إلى سائس خيله : اذهب فأنا لا أحس بأي بغض تجاهك . . . فأنا أعلم أنك أداة في يد الحق ، أنت أداة تنفيذ لا أكثر ولا أقل والفعل من الحق ؟ ! ويقول السائس : إذا كان الأمر كذلك فلم القصاص إذن ما لم يكن لي دخل في الأمر ؟ ! فيقول الإمام : إنه هو الذي يقتص أيضا ، الفعل منه والقصاص منه ، وهو الخليق بأن يعترض على فعله وينقضه ويثيب أو يعاقب عليه ، لأنه الواحد الأحد « لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون » وأقرأما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( البقرة / 106 ) ، ( أنظر بيت 1683 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 3875 - 3880 ) : وهذه هي سنة الله في خلقه ، وأنظر إلى نسخه للشرائع التي نزلت قبل شريعة المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم وذلك لكي يزيل العشب قبل أن ينبت الزهر ، فإن قلت أن الليل ينسخ النهار ويبدو أقل منه فإنك تكون قد أخذت الأمور على ظواهرها ، فمن قال لك أن الليل ليس ذخيرة لنهار ، ففيه يستريح العقل ويهمد الجسد ويجددان نشاطهما . . . وان المرء ليسكت قليلا قبل أن ينطلق منه الصوت " ورب صمت خير من الكلام " . . . وكثير من الظواهر تبدو بأضدادها ونور

 
« 589 »
 
الله يتجلى في سويداء القلب . . . وما هي السويداء؟!! نقطة سوداء في داخل القلب!! 
( 3881 - 3891 ) : في التحطيم والخراب قد يكون العمران الكامل ( أنظر الأبيات : 306 - 311 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) . . . ومن هنا فقد كانت الحروب التي قام بها الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أساسا لإقرار الدين والسلام الشامل . . . وصلح آخر الزمان ( الصلح الشامل والعدالة الشاملة بظهور المهدى وحربه مع الدجال وسيادة الإيمان ) يكون من الحروب التي تسبقه . . . وألا يقتلع البستاني الأعشاب الضارة لتنمو في مكانها أشجار ؟ ! ! وكل الحرف قائمة على الهدم من أجل البناء ومن أجل الاعمار والاصلاح . . . ومن هنا فالزيادة في النقصان . . . وأنظر إلى الشهداء أليس في موتهم وقتلهم حياة الأبد ؟ ! ! ألا تمتد الدماء التي تسيل منهم في عروق الأمة ؟ ! ! وهم هم أنفسهم يبدأ رزقهم الأبدي بمجرد قتلهموَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( آل عمران / 169 - 170 ) أليس في ذبح الحيوان حياة للإنسان ؟ ! ! فما بالك إن قطع حلق الإنسان يتولد له حلق آخر ( عن حلوق الأعيان والمعاني أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 40 - 43 وشروحها ولنفس الفكرة ببيان آخر أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 11385 - 11388 وشروحها ) وان الذي ينجو من العالم الفاني بروحه انما يعيش على الإثبات الذي قام به يوم العهد والميثاق يوم أخذ النطف والإشهاد بالربوبيةأَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى( الأعراف / 172 ) .
 
( 3892 - 3907 ) : الخطاب موجه إلى المتعلق بهذه الدنيا ، والذي يقصر يده عن هذه المعاني ، ذلك أن همته بقدر بطنه وبقدر خبزه ، ويخاطبه قائلًا : أحصل على كيمياء التبديل وحول نفسك الحيوانية إلى نفس سامية ، وأطلب الشئ من موضعه ، وإذا أحدثت علاقتك بالخبز خللا في علاقتك بالحق ، فاطلب مجبرا لكسرك ، وهو جابر الكسيرين ، وفتقه رتق ، ولا يترك كسيرا دون أن يعالج كسره ، وهو أدرى بعبيده ، وهو الذي يستطيع أن يرتق وأن يرفو ، وأن يمزق وأن يخيط ، وهو الذي يطهر الجناة بقصاصه ( فالقصاص حياة للمقتص والمقتص منه ) ، ومتى كان إبراهيم عليه السلام ينزل بالسيف على رأس ولده إن لم يكن يعلم أن في هذا القتل تكمن الحياة
 
« 590 »
 
الخالدة . . . ولو لم يشرع الله القصاص لما استطاع أحد أن يتحمل أمر الله . . . لما استطاع عمر رضى اللّه عنه أن يقيم حداً من حدود الله على ولده . . . فلا تطعن إذن في الأشرار واشكر الله سبحانه وتعالى على النجاة ( في حكاية الغامدية بعد إقامة الحد عليها أخذ الناس يتغامزون عليها في المسجد فنهاهم الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قائلا : إنها تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم جميعا ) وهنا تتجلى نزعة مولانا جلال الدين الإنسانية - وهي سمة سائدة عند كل الصوفية - وعلى العصاة ومرتكبى الذنوب وانكسارهم وذلهم أمام الخالق .
 
( 3908 - 3917 ) : يواصل مولانا الحديث عن عُجب الصالحين وأمنهم ونظرتهم إلى الأشرار نظرة سيئة فيها احتقار ، وهو يلبس المعاني هنا أشخاص لتجسيدها ، إذ لم أجد مصدرا لهذا الحوار بين آدم وإبليس ، وغيرة الحق هنا لأن آدم أثبت لنفسه وجوداً وحاسب إبليس على زلته ، وهو لا يدرى أنه من الممكن للقدرة الإلهية " أن تقلب الفرو " أي أن تجعل اللطف قهرا والقهر لطفا فتجعل من إبليس توابا أواباً يحيل الله كل سئياته إلى حسنات . وسرعان ما يثوب آدم إلى رشده ، فيعتذر عن خطئه ويطلب من الله العفو والمغفرة ، وأن يثبته في جريدة أهل الصفاء ، وألا يزغ قلبه بعد إذ هداه ، وأن يثبته في مقام القرب فليس أمر على المرء من البعد بعد القرب ، والمنع بعد العطاء ، وليس الطرق غير طريقه إلا إعوجاج في اعوجاج ، ليس ثم طريق فيه الهداية إلا طريقه سبحانه وتعالى ، فالأصل ليس الحول والطول ، لكن رعايته سبحانه وتعالى ، وهدايته لعبده ، وقبوله إياه ، وحمايته له .
 
( 3918 - 3922 ) : إن متاعنا الدنيوي قاطع لطريق متاعنا الأخروى ، وأجسادنا هي التي تسرق متاع أرواحنا ، وأيدينا تسد الطريق أمام أقدامنا . . . نحن الوجود المتضاد : جسد وروح ، طين ونفخة إلهية ، سمو إلى العلا وميل إلى الحضيض ، كله فينا يا رب العالمين ، ولا نجاة إلا باللجوء إلى جمالك والوقوف ببابك ، فإن نجت أرواحنا من أدران الجسد دون اتصال بك ، فإنها تظل دائما في خوف وهلع ، فهي في نجاتها ليست ثابتة ، وفي خلاصها ليست آمنة من الزلل ، لأنها لم تكسب المعركة نهائيا ، ولن تكسبها إلا إذا انفصلت ثم اتصلت ، انفصلت عن الجسد واتصلت بالله ، وإلا سوف تظل عمياء حزينة ميتة وان نجت من سجن الجسد .
 
« 591 »
 
( 3923 - 3938 ) : العظمة لله وحده ، والكبرياء له وحده ، والتنزيه له وحده سبحانه ، كماله يزرى بكل كمال ، وجماله يزرى بكل جمال ، وقدرته تزرى بكل قدرة والقمر والشمس والسرو والفلك والعرش والبحر والمنجم كلها من آياتك أنت ناقصة فانية مؤقته . . . وأنت المنزه عن النقص والعدم . . . وأنت الهادي المضل ، المحيى والمميت ، العاطى والمانع ، الهادم والباني ، ربيعك إلى خريف ، وخريفك إلى ربيع . . . أما نحن فمن نكون ؟ مصنوعين ولسنا بصناع ، مساكين وإن كان لنا بعض فتات الجمال الكلى ، فقراء إليك وأنت الغنى الحميد . . . يصيح كل منا . . . نفسي نفسي وما نحن إلا شياطين في الحقيقة ، إن لم تجعلننا بشراً بإرادتك ، وأرواحنا عمياء ما لم نقدمها إليك ، وكل ما هو سواك نار محرقة ، بل الجحيم نفسه ، وكل من لجأ إلى نفسه النارية ، يكون مجوسيا عابدا للنار ، بل يكون إمام المجوسية زردشت نفسه ( عن زردشت أنظر : إيران في عهد الساسانيين ، تأليف كريستنسن ، الترجمة العربية ليحيى الخشاب ) ، وقال عليه السلام حديث قدسي : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم ( أنقروى 1 / 700 ) . الخلاصة فيما قاله ذلك الشاعر العربي القديم ( لبيد ) وقال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم عنه أنه أصدق ما قاله العرب قبل الإسلام :ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
 
( 3939 - 3952 ) : عودة إلى قصة سيدنا علي رضي الله عنه مع قاتله ، وكل ما ترويه كتب التاريخ أن سيدنا علي رضي الله عنه رفض قتل ابن ملجم لأنه لا قصاص دون قتل . لكن مولانا هنا يسوق حوارا على لسان علي رضي الله عنه ( يشابه الحوار الذي جرى على لسان بلال وحمزة وجعفر رضي الله عنهم الوارد في الكتابين الثالث والسادس ) هذا الحوار قائمٌ على شوق سيدنا على إلى الموت وتوقه إليه واعتباره إياه ميلاداً في حياة أرحب وأخصب وأكثر خلوداً وغنى وثراء . وفي نهج البلاغة " والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدى أمه " ( نهج البلاغة / شهيدى / 13 ) ( قلت يا رسول الله : ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها : فقال : يا علي إن أمتي سيفتتنون من بعدى ، فقلت يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حين استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت على الشهادة فشق على فقلت لي : أبشر فإن الشهادة لمن ورائك فقال لي : ان ذلك كذلك فكيف صبرك إذاً " ( نهج البلاغة / شهيدى 156 ) وهكذا يفسر مولانا فكرته عند موت الولي على لسان سيدنا
 
« 592 »
 
على فيقول : إن موتى يعزف صنج يوم البعث ( موتنا عرس الأبد ) وهو موت بلا موت أي ليس فيه ذلك الذي يظنه الناس موتا ، فهو حياة في الباطن ، كخروج الجنين من الرحم ، هو قدرة على الاستغناء ( التعبير من سنائى ) . . . انني عاشق للأجل تواق إلى الموت . . . وهذا النهى الموجود في القرآن فيلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) موجه إلىّ ، ذلك أن هؤلاء الذين يعتبرون الموت فناءً ليسوا في حاجة إلى النهى ، فالموت عندهم كريه في حد ذاته ، وليسوا في حاجة إلى نهى للابتعاد عنه ( نفس التفسير قدمه مولانا في لسان حمزه في الكتاب الثالث أنظر الأبيات 3431 - 3442 وشروحها ) ومن هنا حلت لي ثمرة الموت . . . فأنا أقول : اقتلونى اقتلونى يا ثقات ( الشطرة للحلاج ) والشطرد الثانية من البيت الثاني وبقية الشعر المذكور بالعربية تصرف من مولانا ) إنه ليس موتا ، إنه عودة إلى الوطن، عودة إلى المدينة الزاهرة من البادية الخربة، عودة إلى الجمع بعد التفرقة!! 
 
( 3953 - 3954 ) : المقصود بالوقت العبوس والقيامة تلك اللحظة التي يقتل فيها السائس علياً رضى اللّه عنه 
 
( 3955 - 3962 ) : يستنكر سيدنا على رضى اللّه عنه أن يقوم بقتل " قاتله " ذلك بأن ذلك محال . . . لأن القضاء أن يكون هو القاتل لا المقتول ويضيف : لا تحزن فإنني سوف أكون شفيعك ، لأنك قمت بتخليص روحي من سجن الجسد وسجن الدنيا بقضائك على هذا الجسد . . . والجسد لا قيمة له . . .
فأنا أيضاً بدونه الفتى ، ألم يقل عنى رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم " لا فتى إلا على " وألست أنا القائل :السيف والخنجر ريحاننا * أف على النرجس والآس( شهيدى / 282 ) ويتعقب جسده أن يتعقبه بالرياضة ، ومتى يكون الذي تهون الدنيا عليه كل هذا الهوان حريصاً على إمارة أو خلافة ؟ ! ! إنما يريدها ليقيم منها نموذجا يحتذى ولكي يمنحها رونقا آخر ، قال عبد الله بن عباس : دخلت على أمير المؤمنين رضي الله عنه بذى قار وهو يخصف نعله فقال لي :
ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها ، فقال رضي الله عنه : والله لهى أحب إلى من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلًا " ( خطبة 33 من نهج البلاغة ، تحقيق وترجمة شهيدى ص 34 ) .
 
( 3963 - 3971 ) : الحديث المذكور في العنوان " الدنيا جيفة وطلابها كلاب " منسوب أيضاً إلى
 
« 593 »
 
الإمام على رضى اللّه عنه ، وقال فروزانفر ( مآخذ / 39 - 40 ) أن الرواية هنا قائمة على حديث نبوي شريف روى في صحيح مسلم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم جلس على المنبر فقال عبد خيره الله بين أن يعطيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده . ووردت تفصيلات في إحياء علوم الدين ( 1 / 171 و 3 / 237 و 4 / 140 و 159 وحلية الأولياء 3 / 256 و 4 / 331 ودلائل النبوة 331 والفتوحات المكية 4 / 686 ) . وذكرت في معرض آخر عندما طعن الكفار في الرسول صلى اللّه عليه وسلّم وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ، فضاق قلب الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فنزل جبريل وقال : رب العزة يبلغك السلام ويقول لك : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق . . . إلى آخر الرواية ثم عرضت الدنيا على الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فقال بل أجوع يوما فأصبر وأشبع يوما فأشكر . . وأضاف شهيدى ( شرح / 285 ) أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فيما روى الطبري قالها يوم تقسيم فيىء حنين فقال ما معناه : لا آخذ شئيا من فيئكم إلا خمسي وهو عائد إليكم . . . والمقصود بيوم الامتحان يوم أن صعد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم على المنبر في آخر يوم من حياته وقال : " عبدٌ خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة " ورواية تزين الحور والجنان نفسها له مقصود بها معراجه صلى اللّه عليه وسلّم ( أنظر الترجمة العربية للحديقة ، الفصل الثالث ) ، والحديث المذكور بالعربية " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ويرويه الصوفية في مجال الاستغراق والمشاهدة ، " وما زاغ " إشارة إلى الآية القرآنيةما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى( النجم / 17 ) ويفسرها الصوفية بأنه قد عرض عليه الكونان فما زاغ بصره عن محبوبه . . . لقد كانت الدنيا هينة في نظره بكنوز الأفلاك والعقول . . . فكيف يطمع في ملك الأرض كلها ؟ ! ! 
 
( 3972 - 3978 ) : إذا ظن أحدهم هذا الظن برسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فإنما ينظر من مرآة نفسه ، ويصف إناء بيته ، ويقيس على حرصه وجهله ، وينظر إلى الشمس من خلف زجاجة صفراء فيرى الشمس صفراء ، وكسر الزجاجة الصفراء والزجاجة الزرقاء كناية عن التخلي عما في النفس عند الحكم على العظماء وعن الرأي المسبق ( أنظر 1338 من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . وذلك للتميز بين الغبار وبين الفارس الذي يمتطى الجواد ويختفى بين غباره ( أنظر الأبيات 383 - 385 من الكتاب الثالث وشروحها ) . . . وهؤلاء الذين ينظرون إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلّم على أنه جسد ( غبار ) هم
 
« 594 »
 
ورثة إبليس إذ ورثوا نظرته إلى آدم . . . وما لم تكن ابنا لإبليس فمتى كان ميراثه يصل إليك ؟ ! ! 
( 3979 - 3987 ) : الحديث على لسان علي رضي الله عنه : لست كلبا اطلب جيفة الدنيا ، بل أنا أسد الحق لا تغريه صورة " يا صفراء ويا بيضاء غرى غيرى " إنما أطلب الحرية من قيد الجسد ، وهذه الحرية لا تتم إلا بالموت " موتوا قبل أن تموتوا " ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) وهذا هو الامتحان الحقيقي ألست ترى أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يمتحن صدق اليهود قال لهم :قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ( الجمعة / 6 ) وقالقُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ( البقرة / 94 ) . . . وقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لو تمناه اليهود ما بقي يهودي على وجه الأرض . . . وفي تفسير كشف الأسرار " ولم يتمنه اليهود لأنهم لو تمنوه لماتوا " ( عن شهيدى / 292 ) وفي رواية الطبري في تفسيره " لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات " وفي تفسير النيسابوري " لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه ولا يبقى على الأرض يهودي " ( أحاديث مثنوى / 40 ) والفكرة وردت في مقالات شمس ص 87 ( في كل حال وكل فعل ترى نفسك فيه محبا للموت فهو أمر حسن ، إذن فمن بين عمليين تتردد بينهما ، انظر أيهما أليق بالموت هل يجب أن تجلس نورا صافيا مستعدا ومنتظراً للموت أو تجلس مجتهداً في انتظار وصول هذا الحال ) .
 
( 3994 - 4000 ) : يقول سيدنا علي رضي الله عنه لخصمه الذي بصق في وجهه الشريف : لقد صورك الحق ولم أصورك أنا ، ومن ثم ينبغي أن يكون قتلك من أجل كفرك بالحق ، لا من أجل أن يكون نصفه من أجل الحق ونصفه من أجل الهوى والغضب لنفسي على بصقتك في وجهي . . . ويستخدم مولانا دائما لفظ المجوس كناية عن الكافر ويخاطب الخصم سيدنا علي رضي الله عنه قائلا : لقد كنت عدوا لك أغرس بذور الحقد عليك والجفاء لك في قلبي بينما كنت أنت ميزان العدالة ومحورها . . . وأنت كنت أحن على من أهلي ومن قومي الذين أخرجوني لقتالك فأخسر الدنيا والآخرة ، فإذا بك المصباح المنور بنور الحقيقة تهتدى به الخلق . . . وشمع الدين الذي يضئ الطريق . . . وأنا عبد الله الذي يبحث عن العين التي تراه . . . والذي هو أصل النور الموجود فيك وأنا عبد لبحر النور
 
 
« 595 »
 
الذي أخرج جوهرة مثلك .
( 4005 - 4007 ) : يتوقف مولانا عن قص القصة . . . ويقول أن اللقمة أو اللقمتين اللتين أكلهما قد أصابا جيشان الفكر بالتوقف فيأخذ بعض المفسرين الفكرة على ظاهرها فيرون أن مولانا كان يملى المثنوى في مجلس قد يحضر فيه الطعام وأن هذا الطعام قد يمنع تدفق مولانا أو تحمل المريدين والرفاق ( أنظر 1631 و 1651 و 1972 و 3707 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( استعلامى 1 / 430 ) بينما يرى شهيدى أن بعض الشارحين قالوا أن السبب هو حزن حسن حسام الدين بسبب فقده لزوجته . . . وخاصة وهو يفتتح الكتاب الثاني بهذا المعنى . . . لكن لأن المعنى تكرر في مواضع عديدة من المثنوى يمكن القول أن التعبير هنا عن قبض ألم به فمنعه من الحديث . . . ( شرح شهيدى ص 298 ) ومن الممكن أن يكون المعنى مرتبطاً بالموضوع الذي يتحدث فيه مولانا عن النبي صلى اللّه عليه وسلّم الذي عزف عن الدنيا وما فيها ، والإمام على الذي عزف عن الإمارة والخلافة فأصبحا موضعا للأنوار الإلهية بينما نحن بلقمة أو لقمتين ننصرف عن عالم المعنى ونضرب في عالم المادة . . . وأقل ما في الدنيا . . . وأقل شهوة صارفة عن عالم المعنى . . . فآدم جعلته حبة قمح يهبط من جنة الخلد ، والذنب وهو في مصطلح الفلكيين نقطة التقاطع الجنوبي للفلك مع منطقة البروج والنقطة الشمالية له الرأس فإذا كانت الشمس في عقدة الرأس والقمر في عقدة الذنب فوقع الخسوف ( شرح شهيدى / 297 ) . . . ومن شدة لطف القلب تمنعه لقمة واحدة عن السير في عالم الأفلاك .
 
( 4008 - 4015 ) : الخبز إن أكل ليقيم الأود فهو يعين على المعنى ، وإن أكل شهوة ولذة ، فإن عاقبته تكون جحودا ونكرانا . . . تماما كالعشب الأخضر والعشب الجاف بالنسبة للبعير ، يربو من الأول ويسمن ، ويمزق الثاني شدقه . . . ينقلب الخيز المغموس في مربى الورد إلى أشواك ونصال . . . ولأنك اعتدت على الطعام الصوري ( الطعام المعنوي طعام أهل الجنة ) أيها الإنسان المدلل المكرم المرفه ربيب الجنة . . . فإنك تأكل على ذكره هذه اللذائذ المادية التي اختلطت بشهوات الدنيا . . . وما أحراك . . . يا من انقلبت من إنسان إلى بعير ، أن تتعفف عنه .
 
( 4016 - 4018 ) : ما هذا الكلام الذي أقول ؟ ! ! لقد فقد كلامي الروح وأصبح ممزوجا بالتراب
 
 
« 596 »
 
لقد تعكر ماء المعرفة ، فلتسد فوهة بئر المعرفة ( الفم ) ولتنتظر حتى يجعله الله صافيا ، ولا تتعجل ، فبالصبر ستنال ما تتمنى ، والله أعلم بالصواب .
( تم الشرح بحمد اللَّه تعالى )
 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: