الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

23 - الهوامش والشروح الأبيات من 1382 - 1556 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

23 - الهوامش والشروح الأبيات من 1382 - 1556 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

23 - الهوامش والشروح الأبيات من 1382 - 1556 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح مجىء رسول الروم إلى عمر رضي الله عنه ورؤيته لكراماته



( 1382 - 1394 ) : الحديث النبوي « قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قيل : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : مجاهدة العبد هواه » ( أحاديث مثنوى / 14 ) وبرغم ان الحديث شرط الجهاد الأكبر بعد الجهاد الأصغر ( لمثل هذا أشار بهاء ولد في المعارف ص 84 أنه ما لم يقم أحد بالجهاد الظاهر ( الأصغر ) لا تتيسر مجاهدة النفس ) لأسباب موجودة في كل نفس بشرية تسكرها خمر النصر وتنسيها ان النصر من عند الله فحسب ، إلا أن الكل تشبث بظاهر الحديث ، وادعى ان
 
« 451 »
 
الجهاد الأكبر جهاد النفس يشغله عن الجهاد الأصغر ( جهاد الكفار والمنافقين ) ، وهكذا تلوى أعناق النصوص لتبرير الجبن والخضوع ، ولا يعنى هذا أن النفس البشرية ليست أعدى أعداء الإنسان ، فقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : جهادك في هواك ، وأعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ( مولوى 1 / 269 ) وقتل هذه النفس ليس أمر سهلا ، لا يتأتى من كل أرنب ، ويشبه مولانا النفس بجهنم وهو تشبيه ورد عند نجم الدين بن الداية « وقد خلقها على صورة جهنم وخلق بحسب كل دركة فيها صفة لها وهي باب من أبواب جهنم » ( منارات السائرين ص 298 ) وهي تنين ، ونار محرقة لا تستطيع البحار السبعة إطفاءها ، ولا تزال تمتلئ بالكفار وبالحجارة " وقودها الناس والحجارة " وقيل الحجارة هي قلوب الكفار القاسية وهي لا تمتلئ «يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» ( ق / 30 ) ، 
انها لا تسكن إلا برضا الله سبحانه وتعالى ورحمته « يقال لجهنم هل امتلأت ؟ وتقول : هل من مزيد ، فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط ( أحاديث مثنوى / 15 ) ، 
والنفس جزء من جهنم ومن ثم تتصف بأوصافها ، فالله تعالى هو الذي يستطيع أن يخمد نيران هذه النفس ، وجهادنا ضدها من عنايته سبحانه وتعالى وانتصارنا بفضله ، وإلا فان السهام التي يطلقها الإنسان تجاه النفس قد تكون سهاما معوجة ترتد إلى راميها . ولذا قال أبو هاشم : قلع الجبال بالإبر أيسر من قلع صفة الكبر " انقروى 1 / 295 . 


وفي الحديث النبوي ، قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم : ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " ( رواه البخاري ومسلم ، أحاديث مثنوى ص 16 )
 وفي مقالات شمس ( 66 - 85 ) : " ما هو معنى الولاية ؟ ! أن يكون للمرء جند ومدن وقرى ؟ 
لا بل الولاية أن تكون له ولاية على نفسه وعلى أحواله وعلى صفاته وعلى كلامه وسكوته وقهره في محل القهر ولطفه في محل اللطف " ، وليس إلا بالاستقامة يخرج السهم مستقيما نحو الهدف ، وهذا يذكر بقول أبى بكر الواسطي : " الاستقامة هي



« 452 »
 
التي تردك عن قسط النفس وتفتح لك بما يكون نصيبا لك " ( عن استعلامى 1 / 282 ) وبوصية الرسول صلى الله عليه وسلم : يا علي قل اللهم إهدنى وسددنى واذكر بالسداد السهم ( انقروى 1 / 294 ) .
 
( 1400 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت أصلها ما ورد في فتوح الشام للواقدي عن رومى أراد اغتيال عمر رضي الله عنه فلما رآه نائما في ظل نخلة تملكته هيبة وقال العبارة المشهورة : عدلت فأمنت فنمت يا عمر . والحكاية وردت في كتب عديدة قد تكون مصدرا لأصل حكاية مولانا ( فالحكاية عند مولانا كما سنرى حكاية بين مرشد ومريد ) ومن الكتب التي وردت فيها الحكاية قبل المثنوى أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد وكشف المحجوب وغيرها ، وأساسها ما روى عن تجرد عمر رضي الله عنه وزهده وعزوفه عن أبهة الملك وجاهه ( مآخذ / 17 - 18 ) .
 
( 1404 - 1415 ) : قصور الحكام يمكن رؤيتها بعين الحس ، أما قصور عظماء الدين فلا يمكن رؤيتها بغير عين القلب ، بشرط أن تكون خالية من الغرض والمرض والعلل ، وهو ما يعبر عنه مولانا بشعرة أي مقدار شعرة من حب الدنيا أو مقدار شعرة من كبرياء ، ومن تطهرت روحه من الشهوات يرى حضرة الغيب عيانا أمامه ، والمثال محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم عندما تطهر من علائق الدنيا ، أينما توجه كان ثم وجه الله وما للأنبياء يكون للأولياء . 


إن نفسك توسوس لك بمعنى وجه الله فتراه ذا وجه وتصور هذا الوجه ، فتخلص أولا من وسوسة النفس لتدرك معنى وجه الله ، وأنت إذا شرح فيك الصدر ، أشرفت عليك شمس الحقيقة من كل صوب ، فلا هي مرتبطة بشرق تشرق منه أو بغرب تغرب فيه ، فالخالق ظاهر ولائح وأظهر من أن يحتاج إلى دليل ( انظر البيت 116 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، ونفسك ووساوسها أشبه بإصبعين تضعهما أمام عينيك فلا ترى شيئا والمعنى ورد في معارف بهاء ولد ( ص 414 ) إرفع إصبعى
 
« 453 »
 
النفس : الغرض والمرض من أمام بصرك ترى العالم بشمسه الساطعة المنيرة ، ولا تكن كقوم نوح عليه السّلام الذين قال فيهم «وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً» ( نوح / 7 ) فلا جرم أنهم لم يروا ما بشرهم به نوح وما أنذرهم به ، فارفع ثياب الغفلة من أمام بصيرة الروح .
 
( 1416 - 1417 ) : الإنسان رؤية وبصيرة ووعى وفيما عدا ذلك إضافات : الجسد والشكل والثياب والمنصب والجاه كلها إضافات لا تصنع إنسانا ولا تشكل إنسانا ، ليس هذا فحسب بل والبصيرة الحقة هي التي رأت المحبوب ، وأدركت انه معدن الجمال والجلال وكل ما يمكن ان يجعل للحياة قيمة ، وفي دعاء الحسين بن علي رضي الله عنهما " عميت عين لا تراك عليها رقيبا " ( جعفري 1 / 621 ) 
رؤية الحبيب هي التي تخلق الوعي الحقيقي ، تكون لك بصيرة بسعة الحق ، وإن لم يكن همتها رؤية الحبيب فأولى بها أن تكون عمياء ، وان إخترت حبيبا لا يبقى - وكل حبيب سواه لا يبقى - فالبعد أولى عن مثل هذا الحبيب ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 547 - 560 وشروحها ) .
 
( 1424 ) : لا يفهم من ظل الله هنا ان مولانا جلال الدين كان يؤمن بالحق الإلهى للملوك وكان سائدا في إيران القديمة شأنها شأن كل الأمم القديمة الأخرى ، إنه ظل الله هنا بعدله وتواضعه وشدته على نفسه ، المعنى هنا متعلق بالسلوك والأخلاق ، وكل ولى ظل الله ( هو في الحقيقة عند الصوفية بديل الإمام ) 


وعن أحاديث السلطان كظل الله أنظر الجامع الصغير 2 / 38 ومنها حديث السلطان العادل المتواضع ظل الله ورمحه في الأرض يرفع له عمل سبعين صديقا . وفي حديث عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : من أراد هيبة بلا سلطان وعزا بلا عشيرة فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله . ( جعفري 1 / 623 ) .
 
« 454 »
 
( 1427 ) : كان العلماء القدماء يعتقدون ان المشاعر مرتبطة بالتغيرات الفسيولوجية في الكبد ( استعلامى 1 / 284 ) .
 
( 1434 ) : هيبة الحق مرتبة من خوف الله يكون العبد شاعرا بها دون خوف من العقوبة بل مجرد إجلال لعظمة الخالق ، والمعنى هنا قريب جدا مما قاله الشاعر العربي :أهابك إجلالا وما بي خشية * عليك ولكن ملؤ عين حبيبها .وفي هذا إشارة أيضا إلى الحديث النبوي : « من خاف الله خاف كل شئ منه » ( مولوى 1 / 276 ) فمقام العوام : الخوف من التعذيب في النار ، ومقام الخواص : الخشية ، ومقام أخص الخواص :
الهيبة ، وإنما يفزعون من الحجاب والقطيعة ، وهذا النوع من الخوف ينشأ من القرب والمحبة ( منارات 381 ) .
 
( 1437 ) : السلام قبل الكلام ( أحاديث مثنوى / 17 ) " من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه " ( جعفري 1 / 623 ) .
 
( 1439 - 1442 ) : «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» ( فصلت / 30 ) قال نجم الدين كبرى في تفسير سورة الأحقاف " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا بعد استقامة الإيمان في قلوبهم بجوارحهم على أركان الشريعة بأخلاق نفوسهم على آداب الطريقة بالتزكية بأوصاف القلوب على التصفية ، ويتوجه الأرواح على التخلية بالتخلق بأخلاق الحق ، فقالوا ربنا الله باستقامة الإيمان ، ثم استقاموا بالنفوس على الأركان ، وبالقلوب على الإيقان ، وبالأسرار على العرفان ، وبالأرواح على الإحسان ، وبالإخفاء على الأعيان ، وبالحق على الفناء بأنانيتهم ، والبقاء بهويته ، فلا خوف عليهم بالانقطاع " ( مولوى 1 / 277 ) إن الخطاب بعدم الخوف هبة من الله تعالى للخائفين ، وإلا فما حاجة الآمن إلى
 
« 455 »
 
الطمأنة ؟ ! أولئك الذين عبروا حال الخوف هم فحسب الذين لا يحتاجون إلى هذا الخطاب ، وندر من وجد منهم إلا أن يكون حاله تسليما كاملا ، فان العبد لا يأمن مكر الله وان كانت إحدى قدميه في الجنة .
 
( 1444 - 1448 ) : عمر رضي الله عنه بداية من هذه الأبيات يخوض في كل القضايا الصوفية التي يود مولانا الخوض فيها - ولماذا لا تتصور أن أحد الروم ممن كانوا يعرفون الفارسية كان يحضر مجلس مولانا ، وأن مولانا ساق هذه المعاني لهدايته ؟ ! إنه يحدثه عن الحق كرفيق ونعم الرفيق ، وعما يعطيه الله للخواص من خلقه أو الابدال بمصطلح مولانا ( انظر البيت 264 و 265 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، 


ثم حدثه عن المقام والحال : فالمقام كسب والحال عطاء ، والمقام ثابت ، والحال حسب الوقت يتنزل على الوقت فيحمله كما يحمل الروح الجسد ، والسؤال عن الحال محال لأن الحال هو فناء المقال ( كشف المحجوب ص 483 من الأصل 447 من الترجمة ) وعند مولانا آفة الحال إدراك المقال ( الكتاب الثالث بيت : 4738 ) 
 
والمقام هو إقامة الطالب على أداء حقوق المطلوب بشدة اجتهاد وصحة نية ، ويسكن الطالب إلى مقام مخصوص في النهاية ( كشف المحجوب أصل 484 ترجمة 449 ) ويفرق مولانا بأن الحال ظاهر ( كالعروس في ليلة الجلوة يراها عريسها وغيره من المدعووين ) والمقام مكتوم ( كالعروس ليلة الزفاف يراها عريسها فحسب ) 


ومن ثم فالصوفية أهل الحال كثيرون ، لكن أهل المقام قلة نادرة ، والمقامات هي أيضا مراحل الوصول ومنازل الطريق ( هي سبعة عند بعضهم وعشرة عند آخرين ومائة عند بعضهم وثلاثمائة عند آخرين وتصل إلى ألف منزل عند بعضهم ( استعلامى 1 / 285 ) .
 
( 1449 - 1455 ) : حدثه أيضا عن منازل الروح ( كأن مولانا كان يقدم هنا كل القضايا التي سوف يتناولها في المثنوى فالإحالات هنا أمر في غاية الصعوبة لأنها إحالات إلى كل المثنوى ) ،



« 456 »
 
والمقصود بمنازل الروح سيرها من مبدأ الوجود إلى منتهاه عند اتصالها بالله مرة أخرى ، وأجد منازلها ارتباطها بالجسد هنا ، فحدثه عن موطنها الأول عندما كانت كطائر العنقاء قوة وعظمة وبهاء من القرب ، بحيث لا تدركها همة طالب ولا نهمة مشتاق ، لقد انطلق عمر رضي الله عنه في الشرح لرسول الروم ، لأنه وجد رسول الروم وإن كان من الأغيار إلا أنه يحمل روح مشتاق ( وهكذا يشترط مولانا دائما ، ويقول إن الله تعالى يلقن الحكمة على لسان الواعظين بقدر همم المشتاقين ، أنظر الكتاب السادس ، الأبيات 1663 - 1670 وشروحها ) .
 
( 1456 - 1465 ) : يسأل رسول الروم : هذه الروح وقد شبهتها بهذا الطائر الخرافى المهول الذي لا يحده حد ، كيف هبطت من عليائها بحيث صار هذا الجسد المحدود قفصاً لها ؟ ! 
انها الكلمة الإلهية " كن " التي يعبر عنها مولانا هنا بالرقية أو العزيمة ، وهي التي تجعل الموجودات تسرع من العدم إلى الوجود بالكيفية التي يشاءها الله ويريدها أن تكون عليها ، 
وتماما عندما يريد أن يردها إلى العدم ، هذه هي كلمة الله السارية في كل الموجودات . يجعل بها الورد ضاحكا والحجر جوهرا والجسد روحا والشمس ساطعة حينا مصابة بالكسوف حينا آخر ، والسحاب ممطرا للدموع من المآقى ، والأرض ساكنة متواضعة تحت كل العناصر مطيعة لما أمرها عاكفة على إنجازه .
 
( 1466 - 1472 ) : أعمال الكائنات إذن تجليات للمشيئة الإلهية تأتى في ذهن الإنسان بتيار ، هذا التيار الذهني يؤدى إلى أعمال الجسد ، ثم إن هناك من البشر من لا يبين الله سبحانه وتعالى في بواطنهم إعمال أرادته بشكل واضح ، وكأن الله سبحانه وتعالى قد قرأ على قلبه اخذ المعميات والألغاز فيبقى في تردد : أيهما يقوم به ؟ وأيهما يفعله ؟ 
والخروج من هذا التردد يتم أيضا بعناية الله سبحانه وتعالى ، لكن العبد أيضا عليه مهمة : وهي ان يقلل من الاشتغال بأمور الدنيا ، أو بتعبير مولانا حشو أذن الروح بالقطن وإن لم يكن ثم اشتغال بأمور الدنيا فإن أذن الروح تستطيع



« 457 »
 
أن تستمع إلى وحى الحق ( انظر البيت 226 من الكتاب الذي بين أيدينا ) الروح ذات عين وأذن غير عين الجسد وأذنه ، وهما مفلسان مفتقران إلى سماع هذا الوحي . ( استعلامى 1 / 287 ) وفي حديث نبوي " للقلب عينان وأذنان " فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه . ( فروزانفر : شرح ص 547 ) 
 
( 1473 - 1483 ) : يعود مولانا إلى المشكلة التي يتناولها مرارا : الجبر والاختيار . ويرى مولانا أنه طالما كان السالك في الطريق لم يصل بعد إلى الحق ، فإن الجبر يضلله ويحطمه ويؤدى به إلى الكسل ( انظر 947 و 1076 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) هذا الجبر هو جبر العامة ، وهذا النوع من الجبر لا يتحمله العشق 
( والعشق في الحقيقة هو حلال كل التناقضات في نظر مولانا جلال الدين ، أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) فجبر الخواص هو نوع من المعية ، معية الحق ، انه كسطوع القمر مبدٍ للطريق ، وليس كالسحاب يأتي بالظلمة ، إن جبر الخواص يفتح في قلوبهم بصيرة ، بصيرة ترى الغيب وتعرف الأثر ، 
فلا ذكر لماضى ولما قدر منذ الأزل ، فقلوبهم متصلة بالعلم الإلهى ، وجبرهم هو العشق الإلهى ، لأن شرط المحبة التسليم ، وإذا أردت أمثلة على الفرق بين جبرهم وجبر العوام أقول لك :
الفرق هو الفرق بين الدر وبين قطرة الماء التي كونت الدر ، والفرق بين دم الغزال وبين المسك ( والمسك بعض دم الغزال ) ، ان ظاهرنا دم لكن باطننا مسك ، وكالفرق بين النحاس والجوهر ، الجبر عندك أنت مجرد وهم وتصور وفكرة ، لكنه عندنا نور ، نور جلالي ، وشتان ما بين المفهومين .
 
( 1484 - 1489 ) : فان قلت كيف يتحول الخيال والوهم عندي إلى نور جلالي عندك ؟ ! أقول لك : ألست ترى الخبز على المائدة مجرد جماد في حين أنه يتحول في أجساد الناس إلى روح ؟ ( وفكر
 
« 458 »
 
وذكر في موقع آخر ) ، إنه لا يتحول على المائدة ، بل تحوله الروح ، فإذا كانت هذه هي قدرة الروح ، فما بالك بقدرة روح الروح ؟ ! ! دعك من هذا فربما يكون فوق قدرة فهمك ، وانظر إلى الإنسان : أليس هو في رأيك مضغة من اللحم ؟ أبها يا ترى يشق البحر والجبل ؟ ! أو بما ركب عليها من عقل وروح ؟ هذه قدرة الروح ، فكيف تشك في ان قدرة روح الروح تشق القمر ؟ ! ! ( الروح والعقل صعدا إلى القمر ! ! ) ، ولو أنصت إلى هذا الحديث وفتحت خزانة السر لصعدت بالروح إلى ما فوق العرش مسرعة منطلقة كأنها من غزاة الترك .
 
( 1490 - 1497 ) : يقارن مولانا بين فعلين - وهو لا يزال يخوض في قضيته المعضلة - إرادة الله وإرادة العبد - هناك فعل واضح هو فعلنا ، وفعل خفى هو فعل الحق ، فإن أثبتنا الفعل لنا ، فلا معنى لأن تسأل أحدا : لما ذا فعلت هذا الفعل ؟ ! 
وفي كل الأحوال نحن مخلوقون لله ، وأفعالنا من آثار خلقه ، وهناك مواضع أخرى في المثنوى ( مجموعة في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ) يصر مولانا فيها بالحكايات والأمثلة والإقناع على أن الإنسان مختار في فعله الشخصي مع نسبة الأفعال إلى الله ، وفعل الله يدير حياته ككل ، لكن الإنسان مختار في تصرفاته وأفعاله الجزئية ، وإلا لما كان للثواب أو العقاب من معنى - ويرى الأستاذ فروزانفر أن مولانا في هذه الأبيات يتبنى عقيدة الأشاعرة أن لتصرفات الإنسان عاملا أو داعيا باطنيا يدعوه فيجرى الله الفعل على يده ونسبة الفعل إليه قيام لا صدور وخلق الفعل من الله تعالى ( شرح / 559 - 561 ) ، 


وفي تفسير للشيخ الأكبر " قوله : اتقوا ربكم : أي اجعلوا ما ظهر معكم وقاية لربكم واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم ، فإن الأمر ذم وحمد ، فكونوا وقاية في الذم واجعلوه وقاية في الحمد تكونوا أدباء عالين ، ، أنقروى 1 / 311 . 
ويذكر مولانا مثالا آخر : إن الناطق إما أن يهتم بألفاظه أو بمعانى هذه الألفاظ ولا يستطيع ان يجمع بينها ، أن يرى ما هو امامه وما هو خلفه في وقت
 
« 459 »
 
واحد ، الله فحسب هو الذي يحيط بكل شئ «وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً» ( النساء / 126 ) وفي قول للإمام على ( لا يشغله شأن عن شأن ) ( استعلامى 1 / 289 ) .
 
( 1498 - 1503 ) : هنا موقفان يثبتان على مولانا الجبر - وإن كان قد تحول عنه تماما وخصوصا في الكتاب الخامس : موقف إبليس الذي نسب ذنب ضلاله إلى الله تعالى علوا كبيرا - قال "فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ( الأعراف / 16 ) ، وآدم الذي اعترف أن الذنب ذنبه (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ( الأعراف / 23 ) ،
 وفي رأى مولانا أن إبليس وآدم كانا يعرفان مسئوليتهما المباشرة عما حدث ، لكن إبليس اخفى فعله ، وآدم ابدى فعله تأدبا مع حضرة الحق مع علمه بأن كل ما جرى إنما جرى بمشيئة الحق وقضائه وقدره ، ومن ثم عفى عنه . فآدم في رأى مولانا هو مثال على الإنسان الكامل الذي لا يتنصل من مسؤولية عن فعله .
 
( 1510 - 1518 ) : يضيق مولانا بأنه انغمس ثانية في مناقشة عقلية ( عندما ذكر مثال الذي يتحرك يده ارتعاشا اى بلا إرادة منه والذي يحرك يده عمدا ) وذكر أستاذنا كفافى ( 1 / 504 ) أن المثل هنا منقول عن الكلاباذي من التعرف . ويرى أن المبحث العقلي قد يكون مفيدا ، إلا أنه مهما بلغ " مرتبة الدر والمرجان " فان المبحث الروحي من نوع آخر ، إن المبحث العقلي قد يكون ضعيفا ، 
لقد كان عمر وأبو الحكم كلاهما يحكمان العقل في الحكم على الرسول صلى اللّه عليه وسلّم وعلى رسالته ، ولما ترك عمر المبحث العقلي إلى المبحث الروحي ، أصبح عمرا الفاروق ، بينما ظل أبو الحكم على ديدنه من إنكار الروح فانقلب إلى أبى جهل ، وبحث العقل إما أنه من آثار الحقيقة الإلهية ، أو من أسباب مقدمات الوعي واليقظة والوصول إلى معرفة الحق ، وإن سطع نور

 
« 460 »
 
الروح فلا حاجة إلى المصباح وما يقتضيه من مصطلحات ، والبصيرة ذات النور متى كانت في حاجة إلى عصا ؟ ! ! إنما يحتاج الأعمى العصا ! ! 


( 1519 - 1524 ) : عودة إلى سياق القصة ، وإن كان مولانا يعترف بأنه لم يترك القصة حتى يعود إليها ، فالقصة الحقيقية التي لا يتركها أبدأ هي علاقة الإنسان بالله ، والله معنا حيثما كنا ( آية العنوان من الحديد / 4 ) ، كما قال صلى اللّه عليه وسلّم : كان الله ولم يكن معه شئ ، وقال الجنيد : الأن كان كما كان . ( انقروى 1 / 317 )
 مشيئته معنا ، إرادته تسوقنا ( هذه معية مع الحق وليست جبرا ، أنظر 1474 )
 فإن تحدثنا عن الجهل ، فالجهل سجن لمن استوجب قهره ، وإن تحدثنا عن العلم فالعلم إيوانه لمن يستحقون لطفه ، وإن غبنا فنحن سكارى بعشقه ، وإن صحونا فنحن في يده ، وإن بكينا فنحن سحابه ، وإن ضحكنا فنحن في بسطه ، وإن غضبنا فنحن في قهره ، وإن كنا في سلام فنحن في لطفه ، نحن كحرف الألف لا يضاف إليه شئ ( الألف لا شئ عليها في كتب ارجوزات تعليم الأطفال القديمة - جولبنارلى 1 / 177 ) .
 
( 1525 - 1537 ) : سؤال رسول الروم : في الحقيقة هو تتمة للسؤال الذي ذكره في البيت رقم 1456 ، ما الحكمة إذن في حبس الروح الصافية في البدن الكدر ؟ ! ! 
ويجيب عمر : إن هذا البحث بحث عميق ، لا يجوز الكشف عنه ، فرؤية الروح لم يسمح بها لإنسان ، وسر الروح لم يسمح به لبشر « قل الروح من أمر ربى » ، وأية ألفاظ تستوعب شرح هذه النقطة الدقيقة ، تريد أن تعبر بالألفاظ عما لا يعبر عنه بالألفاظ ، وأنت إن كنت طالبا للفائدة ( والمعنى ورد في معارف بهاء ولد ص 199 ) ،
 فهذه الفائدة محجوبة عنك ، والله تعالى هو العليم بما يسوق لنا من فوائد وسؤاله عنها من قبيل الاعتراض ، فإن لم يكن لقولك فائدة لا تقله إذا اقتنعت بان الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئاً عبثا ، فبدلا من أن تعترض أشكر ، أشكر شكرا حقيقيا ، لا أن تخفى الاعتراض وتقول بوجه
 
« 461 »
 
عبوس ( الحمد لله ) ( عن الشكر وإمارات الشكر ، أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1739 - 1759 وشروحها ) .
 
( 1538 ) : يشكو مولانا من أن المعنى في الشعر غالبا ما يكتنفه الغموض ويقول في البيت 1737 من الكتاب الذي بين أيدينا : إنني أفكر في القافية ويقول لي حبيبي لا تفكر إلا في لقائي ، وفي موضع آخر ( الكتاب الثاني ، مفتعلن مفتعلن قتلتني ) ، ومن ثم يتعلل مولانا برغم هذا التدفق بأن الضرورة الشعرية تمنعه كثيرا من حرية التعبير ، والواضح أن الأبيات السابقة تدل على تهرب عمر رضى اللَّه عنه من الجواب على رسول الروم عن سؤاله حول الروح .
 
( 1539 - 1556 ) : العبارة في العنوان منسوبة إلى أبى بكر الطمستانى والحديث عن صحبة رجال الله والكلام معهم وكيف يؤثران في المرء - حتى ولو كان كافرا - فها هو رسول الروم ينقلب إلى عاشق واله متيم فلا تبقى الرسالة في ذاكرته أو السفارة ، وما ذا في هذا ؟ ! 
أليست الحبة تزرع في المزرعة فتتحول بعدها إلى مزرعة ؟ ! ! 
وأليس الخبز يدخل في جوف الإنسان فيصبح روحا ، والحطب يدخل النار فيصبح نارا ؟ ! ! 
وحجر الأثمد يكحل العين فيصبح نورا ؟ أليس الولي في النهاية نفسا من أنفاس الله ؟ ومن ثم فهو حي أبدى الحياة ويهب الحياة الأبدية لمن يتصل به ؟ ! ! 
لكن أهل الدنيا أموات ، فلا تجالسوا الموتى قيل ومن هم قال : الأغنياء ( حديث نبوي ، أحاديث ص 156 ) فإن لم تجد فأمامك القرآن الكريم فهو عبارة عن أحوال الأنبياء « كان خلقه القرآن » ( والمعنى بنصه ورد في معارف بهاء ولد ص 429 ) ولا بد أن تكون قابلا له ، ومن المحال أن تجالس الأنبياء دون أن تتعلم منهم شيئا ، فإنك إن تعلمت ضاقت روحك بقفص الجسد ، وتاقت إلى الخلاص مما يكبلها من شهوات ، إذن لأسفر لها الدين عن وجهه ولقادها في طرقه ، ولست أقصد الموت ، بل الموت قبل الموت ( انظر لتفصيلات مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث البقاء في

« 462 »
 
الفناء ) وعليك ان تجعل نفسك شاكيا وباكيا مريضا ، حتى لا تصاب بلعنة الشهرة بين الخلق ، مما يبعدك عن الطريق ويقعدك عنه ( تسود الفضة لتختفى عن العيون ولا يطمع فيها اللصوص ، ويسور البستان بسور من الشوك ، ويوضع الكنز في الخرابات ويعبس الصوفي لكي ينصرف الناس عنه . . . صور تكررت كثيرا عند مولانا جلال الدين . . . 
وكلها غيرة من الله سبحانه وتعالى على الجمال والحق من أن يضيع بين الغوغاء ومن ليسوا له بأهل ) .
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: