الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

22 - الهوامش والشروح الأبيات من 904 - 1381 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

22 - الهوامش والشروح الأبيات من 904 - 1381 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

22 - الهوامش والشروح الأبيات من 904 - 1381 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد
 شرح بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد
( 904 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من الحكايات الشهيرة في كليله ودمنه ( طبعة دار الشعب .
41 - 42 ) ، لكن من الواضح ان مولانا يتخذ من الحكاية منطلقا نحو معاني صوفية وأخلاقية وتربوية عديدة . . . ومن خلالها يناقش مولانا قضية التوكل والجهد لأول مرة ( نوقشت أكثر من مرة خلال المثنوى أهمها من خلال حكاية الحمار والأسد في المجلد الخامس ) .
 
( 910 ) : إشارة إلى الحديث النبوي " اعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك وللإمام على رضى اللَّه عنه لا عدو أعدى على المرء من نفسه ، وقوله الله الله في الجهاد للأنفس فهي أعدى العدو لكم ( أحاديث مثنوى ص 9 ) .
 
( 911 ) : إشارة إلى الحديث النبوي : لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين ( أحاديث مثنوى / 10 ) .
 
( 912 ) : إشارة إلى الحديث النبوي : لن ينفع حذر من قدر ، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم بالدعاء عباد الله » كما يشير إلى قول الإمام على رضى اللَّه عنه " تذكر قبل الورود الصدر والحذر لا يغنى من القدر ( أحاديث مثنوى / 10 - 11 ) .
 
« 427 »
 

( 916 - 918 ) : التوكل مطلوب لكن إلى جوار السعي ، فالرسول صلى اللَّه عليه وسلم قال للأعرابى الذي ترك ناقته طليقة على باب المسجد « اعقلها وتوكل » واستمع أيضاً إلى قوله صلى اللّه عليه وسلّم « الكاسب حبيب الله » ( يقول بعضهم ليست حديثا بل مثل - وتكتب على أبواب الأسواق في البلاد الإسلامية غير العربية ) وتستخدم الكاسب في اللغة الفارسية أيضاً بمعنى الحرفي .
 
( 919 - 920 ) : تقول الحيوانات للأسد التي تريد في الحقيقة أن تحفر له بئرا من القعود عن الكسب - إن الكسب من ضعف إيمان البشر ، ذلك أنهم لا يعتمدون على الرزاق بقدر اعتمادهم على حولهم وطولهم وكسبهم ، فكأن اللقمة التي تدخل إلى الحلق من ضعف الإيمان لقمة رياء ، والله تعالى قال «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» ( الطلاق / 2 - 3 ) والرسول صلى اللّه عليه وسلّم قال « إذا توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا » ( عن قضية التوكل والجهد أنظر أيضاً الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات : 995 - 1042 وشروحها ) .
 
( 921 - 924 ) : الجوع بلاء ، لكن أكل الحرام بلاء أشد ، ورب حيلة أوردت صاحبها موارد الهلاك ، وسعى كان فيه حتفه ، وعدو في ثياب صديق ، وبحث عن عدوه وجد في البحث عنه وهو قابع داخل داره ، وهاك فرعون ، وانظر إلى جهد بلا توفيق ، كان يقتل أطفال الخلق ، والمقصود في داره ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 840 - 975 وشروحها ) .
 
( 925 - 932 ) : تعتمد إذن على عينك وعلى رؤيتك وبصيرتك ؟ ! ! لقد اعتمدت على وسيلة واهية ، فما قيمة عينك وما قيمة بصيرتك ان لم تقترن ببصيرة الحبيب ؟ ! إنك طفل القدرة ، فاعتمد عليه ، وإلا حدث لك ما يحدث للأطفال عندما يظنون أنهم أصبحوا رجالا ويستقلون بحياتهم لتلقى بهم الحياة في كل أودية أشرارها ، وانظر إلى الروح ، عندما كانت في كنف خالقها ، كانت تسبح
 
 
« 428 »
 
في بحر الصفاء . . . وعند السبزواري ( ص 41 ) كانت في عالم الأمر والتجرد ، وخلقت الأرواح قبل الأجساد بألف عام ، والمراد الألف الجبروتي والألف الملكوتي . لكنها عندما افترقت وهبطت في الأجساد بدا العناء والألم ، و « الخلق عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " ، ( أحاديث مثنوى / 10 ) . إن القادر على إنزال المطر بلا جهد منك قادرٌ أيضا على رزقك بالخبز دون جهد منك .
 
( 933 - 941 ) : يقول الأسد المدافع عن الجهد : حتى في العبادة ، العمل هو السبيل ، تراك تستطيع ان تصل إلى الأعالي وإلى الحقيقة دون سلم ؟ ! إن هذا يكون من قبيل الحمق ومن قبيل القول بالجبر ! ! ألست ترى أن الله أعطاك قدما لتسعى بها ؟ ! وأعطاك يدا لتعمل بها ، وهل يعطى السيد الفأس لعبده ليلهو به ؟ ! أم إشارة إلى أنه يريد منه عملا بعينه ؟ ! وإن من قبل التفكر في العواقب التقاط هذه الإشارات ، فان فعلت وتلقفت إشاراته وعملت بها ، فأنت عبد مطيع ، وجزاء الطاعة أن يزيدك فتنزل عليك أسرار الروح ، ويضع الإصر عن كاهلك ، أي تستطيع آنذاك ان تتوكل ، وبدلا من أن تكون حاملا للأمانة تكون محمولا ، كما قال تعالى أنه حملك في البر والبحر ، ان عملك دليل على عبادتك وحسن طاعتك ربك ، تجعلك من حاملي أوامره وناقليها والواعظين بها ، وإن أردت الوصل تصل .
 
( 942 - 947 ) : إن من قبيل شكر النعمة ان تستعمل ما منحك الله إياه في موضعه ، ومن ثم فالسعى يكون من قبيل شكر النعمة ، وقعودك إنكار لهذه النعمة وجحد لها ، ولأن الله سبحانه وتعالى قال «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» ( إبراهيم / 7 ) والجحود جبر ، وما هذا الجبر إلا النوم في الطريق ، وطريقنا كله سعى وعمل فلا تتم أيها الكسول ولا تأمن إلا في موضع الأمن ، وإذا نمت واسترحت فليكن لك تكئة على رجل من رجال الطريق ( شجرة مثمرة ) ينثر من ثمار معرفته عليك ، أنومٌ في معمعة هذه الحياة المليئة بقطاع الطريق ؟ ! ! أنومٌ في هذا الطريق الذي توجد في
 
« 429 »
 
كل خطوة فيه غول يترصدك ليضلك ؟ ! ! أنومٌ والأمم تتداعى عليك تداعى الأكلة إلى القصعة ؟ ! ! ما أشبهك بهذا الديك الذي يؤذن في غير أوانه جديرٌ بقطع رأسه فهو يضل إذ يخبر بفجر ولا فجر ! ! ( خروس بي هنكام ) في الفارسية هو الديك الذي يؤذن في غير أوانه والمتطفل والخارج على قومه بالبدع والشؤم : انظر البيت 1167 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3336 - 3339 وشروحها ) .
 
( 948 - 951 ) : إشارات الحق أن تعمل ، فإن تجاهلت هذه الإشارات قعدت عن الطريق ولم تكن رجله ، بل امرأة ( ليست دلالة جنسية ) ، وان كان لديك قدر من العقل فنمه وربه بالعمل وإلا ضاع منك ، وان لم تصبح رأسا أصبحت ذيلا : ( لسنائى في الحديقة : خلقت من أجل العمل ، انظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 221 - 234 وشروحها ) ان الجحود شؤم يذهب بك إلى قاع الجحيم ، كن متوكلا لكن مع قيامك بالعمل .
 
( 952 - 959 ) : تقول الحيوانات مدافعة عن التوكل وترك الجهد : إذا كانت الأمور بالعمل ، فما بال كثيرين قد جاهدوا واحتالوا وطرقوا جميع السبل ، ومع ذلك عادوا محرومين وانقلبوا خواة الوفاض صاغرين وقد مكرت هذه الجماعة بحيث أن الله تعالى وصف مكرهم بقوله «وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» ( إبراهيم / 46 ) ، وما نالوا في النهاية إلا ما قسم لهم في الأزل ، ألا تعلم أن الرزق يطلب المرء كما يطلبه أجله " انك ان سعيت إليه ، أو سعيت موليا عنه ، تكون قد صرت مثل ذلك الرجل الذي كان يسعى للهرب من أجله وهو في الحقيقة يسعى اليه .
 
( 960 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 14 - 12 ) وردت في حلية الأولياء 4 / 118 وإحياء علوم الدين 4 / 337 وجوامع الحكايات لمحمد عوفي وفي كتاب عجائب
 
 
« 430 »
 
نامه من مؤلفات القرن السادس وفي كتاب للغزالي يذكر فيه حكاية أهل الإباحة كما نظمها العطار في الهى نامه مما يظن أنه مصدر مولانا جلال الدين المباشر . كما أن الحكاية واردة في معنى البيت العربي :إذا ما حمام المرء كان ببلدة * دعته إليها حاجة فيطير وهي ترجمة للحديث النبوي الشريف « إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة » وما نسب إلى الإمام على رضى اللَّه عنه " رب مرتاح إلى بلد وهو لا يدرى أن مماته في ذلك البلد " ( أحاديث مثنوى / 11 )
 
( 965 - 966 ) : عن تفصيلات لهذا المعنى ( انظر الكتاب السادس الأبيات 1406 - 1412 وشروحها ) .
 
( 974 ) : إشارة إلى البيت العربي :وكيف يفر المرء من أمر ربه * أيخرج من ارض له وسماء( 975 - 995 ) : قال الأسد في ترجيح الجهد : لكن انظروا أيضا إلى جهود الأنبياء والمجاهدين والمرسلين ، ألم يكونوا أيضا من المتوكلين ؟ ! فلماذا لم يقعدوا أذن عن الجهاد ؟ ! ! وألم يجازهم الخالق على جهادهم وقد صدقوا عهده ؟ ! ، ألم يجعل الأحوال الطيبة تترى عليهم ولم لا تكون طيبة ، ولا يأتي من الخير إلا الخير ! ! لقد صاروا صيادين للمعاني والأسرار الإلهية من السماوات ، وجبر الله كسرهم ، وأتمم عليهم نعمة الإيمان ، والجهاد ليس وقوفا في وجة القضاء ، فالجهاد أيضا قضاء وان توسلنا بالجهاد ، فكأننا " نفر من القضاء إلى القضاء " وان قلت بغير هذا أكون كافرا ، كما أنه من الكفر أيضا ان أقول إن سعى كل من كان مؤمنا سائرا في طريق الطاعة فيه الضرر لنفسه أو لإخوانه ، والرأس التي لم تشج كيف تربطها ، والبدن الصحيح كيف تقعده عن العمل ؟ فجاهد حتى تتعب ومن بعدها استرح ، ومن قال أن الجهد كله في طلب الدنيا ؟ ! ! ان الجهد في سبيل الدنيا هو الجهد المكروه ، ليكن الجهد في سبيل الآخرة ( غاية الدنيا في المنظور
 
 
« 431 »
 
الإسلامي الحقيقي هي الآخرة ، الدنيا مزرعة الآخرة ، والمال ان كثر ، ينبغي الخروج عن معظمه في سبيل كسب الآخرة ، وباب التطوع في الإنفاق باب واسع ، وهذا كلام يطول فعد إلى كتابي الثورة الإيرانية ، الجذور والأيدلوجية لمعلومات أوسع في هذا المجال ) و « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » وان يكون الجهد في حفر فجوة للخروج من هذا السجن لا في سدها - وليس المقصود بغنى الدنيا التملك بل الغفلة ، ورب غنى عارف بالله ، ورب فقير غافل عنه ، ألم يقل الرسول « نعم المال الصالح للرجل الصالح » ( أحاديث مثنوى / ! ! ) انه كالماء تحت السفينة وسيلة لها ولسيرها ، لا في السفينة وفي سويداء روحك وقلبك يكون هلاكا لك
( المعنى لسنائى ) ، المهم إلا يتعلق القلب بالمال عندما يكون متاحا ، ومن هنا قيل عن سليمان عليه السلام " كان خاشعا متواضعا يخالط المساكين ويجالسهم ويقول : مسكين يجالس مسكينا " ( استعلامى 1 / 259 ) ، الست ترى الجرة عندما تخلو تطفو على البحر العباب ؟ هكذا الفقير الدرويش عندما يخلى باطنه من حب الدنيا يطفو على سطحها ولا تفرقه بلاياها أو مصائبها ، والقلب كالجرة ، فاغلق فوهتها بعد ان تملأه بهواه الكبرياء الإلهى ، واعلم أن الجهد حق مثلما يكون المرض حقا ويكون الدواء حقا مثلما يكون الألم حقا ويكون العلاج حقا ، وان جاهدت في ان تنفى الجهد فأنت منكر لهذا ( انظر أيضا تفسير جف القلم ، الكتاب الخامس ، الأبيات 21333 - 3134 وشروحها ) .
 
( 999 ) : مع أن الأسد دافع عن الجهد كل هذا الدفاع إلا أنه رضخ في النهاية - برغم انه الغالب نظريا - لمطالب الوحوش أن يقعد عن الجهد ، وهذا نمط شهير جدا عند مولانا ، في الكتاب الخمس كان الحمار المدافع عن التوكل هو أول من سقط ، وكأن مولانا يريد ان يقول لنا ، ليس المهم هو ان تنتصر في المقال : المهم ان تثبت مقالك هذا في حيز الفعال .
 
( 1006 - 1008 ) : يقول الأرنب ( الذي جعل من نفسه نبيا للحيوانات ومخلصا لها ، ولم لا ، أليس معظم الأنبياء خرجوا من بين المستضعفين الجياع الخاضعين لسيطرة المستكبرين والملأ ، ألم يكن موسى من قوم أرقاء ؟ ! ! وألم يكن محمد بن عبد الله مجرد يتيم بني هاشم درس كرر الله سبحانه وتعالى وما من مجيب ! ! ) ويصور الأرنب ضآلته على أنها تشبه إنسان العين لا يكاد يظهر لكنه سر الرؤية ( تكرر التعبير في الكتاب الثالث ، الأبيات 3524 - 3528 وشروحها ) .
 
 
« 432 »
 
( 1009 - 1011 ) : الأرنب في نظر الوحوش مجرد أرنب عليه ان يتصرف في حدود قدراته والرسول قال : رحم الله امرئ عرف قدره ولم يتعد طوره ( انقروى 1 / 28 ) والوحوش كلها ذات أظفار وأنياب وبطش شديد ومع ذلك لا يتأتى الادعاء إلا من هذا الأرنب أصغر الوحوش جرما وأكثرها جبنا ، فعلى أي شئ يعتمد هذا الأرنب الضئيل ؟ ! ! وكيف يصل به العجب بنفسه إلى مثل هذا الادعاء الخطير ؟ ! ! ان كثيرين من أمثاله قد أرداهم العجب بأنفسهم وقضى عليهم وقضى على من تبعوه ، درس مكرر كثيرا في التاريخ ، يكون قضاؤهم في اتباع هذا المعجب بنفسه غير المقدر لقواه وإمكاناته .
 
( 1012 - 1039 ) : يرد الأرنب بان خلف هذا الجرم الصغير عالم أكبر ، رأى وسداد - وعقل من قبيل عقول المعاد - مؤيد بالإلهام الرباني وإليك هذا الدليل : فهل هو أضعف من النحل الذي يخرج هذا الشهد الصافي بإلهام الهى ؟ ! ! إلا فلتقرأ «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ( النحل 68 / 69 ) وما هو أقل من النحل دودة القز ، أليست على ضعفها تقوم بما لا يستطيع الفيل ان يقوم به فتفرز الحرير ، الرأي قبل شجاعة الشجعان ، وهذا الإنسان الذي سيطر على البر والبحر ، وقيدت له كل المخلوقات ، أكان هذا بحوله وقوته ؟ ! بل برأيه وعلمه الذي علمه الحق إياه ، بهذا العلم فاق الملائكة فأمروا بالسجود له ، وإذا كنت تريد ان تعرف الفرق بين العلم والزهد ، فإليك هذا المثال : لقد أمر إبليس بالسجود مع أن إبليس مارس الزهد ستمائة الف عام ، إلا أنه حرم من هذا العلم ، كانت كمامة على فمه ليحرم من هذه اللبانة وهذا الشراب السائغ .
 
( 1020 - 1030 ) : وإن علوم أهل الحس التي يتيهون بها فخرا على الناس ولا يعملون بها ويجعلون منها مجرد وسيلة إلى المال والجاه والمنصب ورضا الخلق ، هي تماما مثل هذه الكمامة التي وضعها الله على فم إبليس ( عقله ) ليحرم من حلاوة هذا العلم الإلهى ، وخص بهذا العلم الإلهى قلب الإنسان الذي لا يزيد على قطرة من بحر خلقه ، خصها بالعلم اللدني ، وخصها بأنها
 
 
« 433 »
 
هي التي تسعه - جل شأنه - وان لم تسعه ارضه وسماؤه ، وخصها بالأمانة . . . وبالعشق ، وبالإشراف على الأكوان ، وباللطائف الغيبية والعلوم اللدنية - وهذا المعنى لخصه حافظ في قوله :
ان الملاك يعرف العشق ، فلا تزد في القول واطلب الكأس واسكب الشراب على تراب آدم ( عن استعلامى 1 / 262 ) ولكنك غافلٌ عن هذه اللطيفة الإلهية عاكف على الصورة ، والصورة خادعة تبعد عن الحقيقة ، فلو كان الأمر بالصورة لكان احمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم وأبو جهل لعنه الله واحدا فهما متماثلان في الصورة - هذا بالطبع في ناظريك وفي عينيك - وإلا فحتى بالنسبة للصورة بينهما بون شاسع ، وصورة الإنسان المرسومة على الجدار مثل الإنسان تماما ، فهل تراها مثله في الحقيقة ؟ ! ! ( في مواقع أخرى من المثنوى حديث مستفيض عن الفرق بين صورة أي شئ وبين معناه ، انظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث الأبيات 526 - 530 والكتاب الرابع الأبيات 3726 - 3729 والكتاب الخامس 3298 - 3305 والكتاب السادس 3735 - 3740 وشروحها )
وما قيمة الأسد إذا قيس بكلب أهل الكهف ذلك الذي صار وليا من صحبة الأولياء ، فما عادت صورته الكلبية بعد ان غرق في بحر النور الإلهى ، والمعاني الطيبة والمنفرة هي التي تكتبها الأقلام ، أقلام الحق وأقلام الخلق ، فهل رأيت ثم صورة للعدل أو العمل ؟ كلها مجرد أوصاف تكتب في الكتب دون أن تكون لها صورة محسوسة ومحددة ، وهي طارئة على هذا الواقع المحسوس المسمى - بالشخص - هي هويته ، ( تحط ) عليه من العالم الذي لا حدود له ولا محسوسات فيه ، فان العالم المحسوس لا يستوعبها ، ومن هنا لا يمكن أن تجسد الفضائل في عالم المادة ( استعلامى 1 / 261 ) .
 
( 1031 - 1037 ) : الحديث عن علم الأرنب لكنه في الحقيقة عن علم الإنسان أضعف المخلوقات جسدا وأقواها روحا وعقلا ، فهو الذي يجعله يحتال حيل الثعالب مع من هو أقوى منه جسدا ، فيستطيع أرنب بعقله ان يجندل أسدا ( كما سيأتي في القصة ) ، وبهذا العلم سخر للإنسان ما في الأرض جميعا ، وحمل في البر والبحر ، فكأنه بعلمه هذا يملك خاتم سليمان الذي كان يسيطر بقوته على كافة المخلوقات وما قوته في رأى يوسف بن أحمد إلا العلم المنقوش داخله ( 1 / 230 ) ،
 
« 434 »
 
وخاتم كل إنسان علمه وعقله وقلبه ، بها سيطر على كل وحوش البر والبحر وألجأ الجان والشياطين إلى سكنى السواحل هربا من مواجهته ( لسنائى في الحديقة قصة في هذا المعنى ، انظر الترجمة العربية ، الأبيات 5625 - 5645 وشروحها ) .
 
( 1038 - 1044 ) : ومن قوة الإنسان وسيطرته واحتياله وعقله ، يكثر أعداؤه ، ومن ثم فعلى الإنسان العاقل أن يكون حذرا ، فإنه قد يجد شوكة مختفية في ماء وضوئه ، أي قد يجد الأذى من آخر من يتوقع منهم الأذى ، وأكثر خطرا تلك الإيحاءات والوسوسة التي قد تتأتى للمرء من داخله وقد تأتى له من خارجه ، وأسوؤها وأكثرها خطرا ، فتمهل وتأمل ، حتى تتبدل فيك الأحاسيس ، وتصبح ، رجلا نورانيا تنظر بعين الله وتسمع بأذنه ، آنذاك تنكشف لك ما وراء هذه الوساوس والألقاءات والإيحاءات ، وتكشف أولئك الذين رددت أحاديثهم وجعلت منهم أئمة لك ، ويتبدى لك زيف كل ذلك وأنك كنت بعيدا عن طريق الحقيقة .
 
( 1047 - 1048 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف " المستشير معان والمستشار مؤتمن فإذا أستشير فليشر بما هو صانع نفسه ، جامع 2 / 186 " وقال كفافى ( 1 / 493 ) أنه من بيت منسوب إلى الإمام على : كل علم ليس في القرطاس ضاع كل سر جاوز الاثنين شاع ، ( أحاديث مثنوى / 12 ) ونقل جعفري ( 1 / 478 ) قولا مأثورا هو : " من شاور الرجال شاركهم عقولهم " .
 
( 1049 - 1058 ) : ( عن كتمان السر انظر شرح الأبيات 174 - 178 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وان المرء ليتحدث بالسر مع من يظنه صديقا له ( مرآة ) . . لكن سرعان ما يتكدر وجه قلبه بهذا السر ( حسدا وقلقا ) ( استعلامى 1 / 262 ) ، وكل سر جاوز الاثنين شاع مثل ورد في المثنوى أكثر من مرة ، وفسر فروزانفر الاثنين بأنهما الشفتان أي ان كل سر صدر عن فم صاحبه فقد شاع ( عن استعلامى 1 / 262 ) وفي البيت السابق على مضمون حديث مروى عن جعفر الصادق " استر ذهبك وذهابك ومذهبك " ويرى الشيعة انه أصل مبدأ التقية الوجود عندهم وقال جعفري ( 1 / 479 ) انه حديث نبوي ( ! ! ) ، وما أشبهك عند الاستثارة في مثل هذه الأمور بربطك بطيور ثلاثة إلى بعضها ، إنها لن تستطيع ان تنجو ( فالطيور الثلاثة هنا هي الذهب والذهاب والمذهب ) ، وانك تستطيع ان تشاور في حالة إذا ما شاورت وأنت تكتم سرك ، أي تشاور من طرف خفى ،
 
« 435 »
 
وعن طريق الإشارة وضرب المثل والكناية ، وهكذا كان ديدن الرسول عليه السلام ، كان يجيب على الرأي بالقدر الذي يفهم به الأصدقاء ، ويضلل الخصوم فلا يدرون عنه شيئاً فقد ذكر الأنقروى ( 1 / 237 ) مثالا على ذلك الحديث النبوي ( خمروا الآنية واوكئو الأسفية واجيفوا الأبواب واكتفوا صبيانكم عند المساء فان للجن انتشارا وخطفة واطفئوا المصابيح عند الرقاد فان الفويسقة ربما اجتزت الفتيلة فأحرقت أهل البيت " فان الرسول كان يقصد معاني أخرى غير تلك التي يفهمها الخصوم .
 
( 1064 ) : عن الأمير المتسيب قال مولانا في موضع آخر من المثنوى ان ذلك يؤدى به إلى تحول النساء إلى بغايا والرجال إلى مخنثين ! ! ( 1065 - 1075 ) : من خلال شكوى الأسد من تعرضه للخداع نتيجة الألفاظ الحيوانات المعسولة الخالية من المعنى ينتقل مولانا إلى الحديث عن قضية عامة هي ان الألفاظ ان كانت منمقة ظاهرة الإقناع فإنها توضع من يصدقونها في الخطأ ، فهي كالشباك ، تضيع أعمارنا ، فكأنها رمل يتشرب ماء أعمارنا ، لكن هناك من يتصف كلامهم بحلاوة اللفظ وعمق المعنى هم رجال الله المتصلون بالحق المنفصلون عن ذواتهم ، فهو رجل لأنك تراه جافا متيبا ، أفنى جسده لينمى روحه ، ومع ذلك فماء المعرفة فوار منه ، فعليك به ، وانصرف عن الرمل الجاف الذي يتشرب ماء عمرك دون ان تظفر منه بشئ ،
 
وإذا طلبت الحكمة فاطلبها من أهلها ، تتحول بعدها من طالب للحكمة ( لوح حافظ ) إلى منبع للحكمة ( لوح محفوظ ) ومن متوسل بالعقل ، إلى معلم للعقل ، لقد كان جبريل هو الذي ينزل بالوحي على سيد الأنبياء ، كان مصدرا للوحي ، فانظر إلى ما ناله سيد الأنبياء من تكريم عندما فهم الرسالة وادى لها حقها ورعاها حق رعايتها ، لقد فاق جبريل نفسه في المرتبة بحيث انه في ليلة المعراج انفصل عنه عند موضع ما وقال : لو تقدمت أنملة لاحترقت ، وهكذا عندما تتجاوز مرحلة التعلم بالعقل إلى مرحلة التلقي من الله ، بحيث يحار العقل نفسه فما وصلت إليه ، وبحيث يقول ابن الفارضولا فلك إلا ومن نور باطني * به ملك يهدى الهدى بمشيئتى
وبدري لم يأفل شمسي لم تغب * وبي تهتدى كل الدراري المنيرة
 
 
« 436 »
 
( عن انقروى 1 / 243 ) والعقل الكلى عند الصوفية هو الذي يعرف الله ويشبه هذا بجبرئيل .
جولبنارلى 1 / 158 . ( ينسب فروزانفر أحاديث حديث لو تقدمت خطوة إلى صاحب بحار الأنوار وهو متأخر والرواية موجودة في كل كتب الصوفية تقريبا ، انظر على سبيل المثال لا الحصر حديقة الحقيقة الترجمة العربية الأبيات 2884 - 2894 وشروحها ) .
: إن القاعد عن الشكر والصبر من كسله ، يفسر الأمر بأن الله كتب عليه ذلك ، وهذا هو الجبر المكروه ( أنظر لتفصيلات الأبيات : 621 - 645 و 947 - 959 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وهو من قبيل المرض ، ومن ادعى المرض مرض مصداقا للحديث الشريف " لا تمارضوا فتمرضوا ، ولا تحفروا قبور فتموتوا " ، والجبر لغة عكس المرض ، إنه جبر الكسير ، وقدمك لم تكسر في الطريق حتى تكون في حاجة إلى جبرها ، إنك في حاجة إلى العمل ما دمت قادرا .
 
( 1081 - 1089 ) : إن إبداء الجهد في الطريق ثمرته الوصول إلى حضرة الحق ، فالله لا يضيع أجر المحسنين ، يكون له عروج حقيقي إلى الحق ، ويصله البراق مطية العروج مثل محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم ليلة الإسراء والمعراج ، يكون حاملا للتكاليف ، فيصبح محمولا بالعناية الإلهية ( أنظرا البيت 940 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وهكذا كل من يتقبل أوامر الله تعالى ، يصل إلى مرتبة أن يكون نافذ الأمر على الدنيا بأجمعها ، بل على الأفلاك ، وإن كنت ترى في كلامي هذا مبالغة ، أفلم تتوقف الشمس ليوشع بن نون ؟ وألم ينشق القمر لمحمد صلى اللّه عليه وسلّم ؟ والإيمان دائما في حاجة إلى تجديد ، وتجديد الإيمان لا يكون باللسان ، بل بالعمل ، فالإيمان عمل كما أن الهوى عمل ، وما دمت تجدد الهوى لا يتجدد الإيمان ، فالهوى بمثابة القفل على بوابة الإيمان والفتوح ، وأنت تؤول القرآن بما يتوافق مع طبيعة نفسك ومقتضى هواك ، ألا فلترجع إلى نفسك وتؤولها وتتبع ما في باطنها حتى تتضح لك حقيقة باطنك الميال إلى الهوى، وآنذاك لا تقوم بتأويل آيات القرآن ومنها " انشق القمر " بما يوافق هواك.
 
( 1090 ) : المثال المذكور هنا في رأي لفروزانفر ( مآخذ / 14 ) مأخوذ عن شطرة من بيت قاله أبو نواس في هجاء يحيى بن خالد البرمكي :
 
 
« 437 »
 
وأعظم زهوا من ذباب على خرء ، وأبخل من كلب عقور على عرق ، ( 1095 - 1099 ) : عالم كل إنسان بقدر رؤيته وبقدر نظره ، وبقدر عمق ذاته وهمته ، والبحر يبدو لكل إنسان بقدر نظره ، والذبابة تكون قطرة البول بحراً لها ، والإنسانبحره بقدر همته وتصوره وأفقه ، فاسم بنظرك ، لأن الذبابة لو سمت بنظرها ، لصارت مثل طائر البُلج المبارك ( الذي لو وقع ظله على إنسان لصار ملكا ، واسمه بالفارسية هُما ، ومن ثم كان من ألقاب ملوك إيران - حتى آخرهم - همايون أي المظلل بطائر الهما ) ، ولكانت مثل ذلك الأرنب الذي جندل الأسد ، فمتى كانت روحه بمقياس حجمه ؟ ويرى مولانا أن المعطيات في هذا الوجود واحدة ، لكنها تتلون بقدر الرؤية وبقدر عمق روح الناظر إليها وغناها ، والإنسان - في رأى مولانا - رؤية .
 
( 1100 - 1113 ) : أغمض عيني عن طريق أذني : أي خدعني بمعسول الكلام ، والجبريون هم الوحوش الذين أقنعوه بالقعود عن الكسب ، والسيف الخشبي هو حججهم الواهية ، وهم ليسوا إلا قشور دون لباب ، والقشر هو زخرف القلب ، وما أشبهه بمجن على ماء يغوص فيه ولا دوام له عليه . فالكلام قشر وجلد ، ولبابه المعنى ، والكلام كالصورة ، ومعناه هو روحه ، واللب المعيوب في حاجة إلى تتميق الكلام ، أما اللب الحسن ، فإن الغيرة الإلهية تهبه الغطاء المناسب له ، وأقلام الريح هي هوى النفس ، وأوراق الماء هي مطالب الدنيا ، وكلاهما لا دوام له ، وإن طلبت منهما وفاءٌ أو ثباتا ، فلن يكون حاصلك إلا أن تعض بنان الندم ، وإن تحررة من هوى النفس ومطالب الدنيا ، تسمع رسائل الحق المتصفة بالدوام والثبات . وأمور الدنيا لا دوام لها ، ألست ترى الخطب باسم الملوك تتغير ، وأن خطب الأنبياء هي الباقية ؟ ألست ترى أسماء الملوك تتغير من فوق السكة ، وأن اسم محمد صلى اللّه عليه وسلّم هو الباقي ، وأحمد هو كل الأنبياء " أنا أول الأنبياء خلقا آخرهم بعثا " و " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " فالأنبياء كلهم قبس من النور المحمدي ( لتفصيلات عن هذه الفكرة - أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ج 1 صص 103 - 124 وشروحها صص 270 - 279 ) .
 
 
« 438 »
 
( 1117 - 1122 ) : العقل في التعبيرات الصوفية يطلق على مرتبة الوحدة وتجلى الحق في مرتبة العلم وهو التعين الأول كما يطلق أيضا على الحقيقة الإنسانية ، ويمكن أن يكون الحديث هنا عن العقل الكلي أو العقل الأول وهو أول الخلق في رأى الصوفية ( استعلامى 1 / 266 ) وقد يكون المقصود أيضاً هو عقل المعاد ( عن العقل عند الصوفية بما يلتقى مع أفكار مولانا جلال الدين وقد يكون مصدرا لها أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ج 1 ، ص 164 - 171 وشروحها ص 298 - 305 ) وإدراك عوالم العقل أو بحاره بتعبير مولانا لا يتأتى إلا بإنمحاء الصور والأجساد ( الموت المعنوي ) فالعقل مع كل عظمته قوة خفية أيضا ( مثل الروح ) وإن تجلت اشراقاته على وجودنا الظاهري الذي هو كالموج أو كقطرة الطل بالنسبة له ، لكن تعلقنا بأسباب الحياة يجعل هذا البحر يلقى بنا بعيدا عنه ، فلا يكشف لنا عن أسراره ، ولا يبصر القلب من يلقى فيه بالأسرار ، ولا يرى العبد أنه بمثابة السهم تلقى به يد المشيئة إلى نقاط بعيدة دون أن يرى الرامي ، إنه مستغرق في أنيته بحيث لا تسأل هذه الأنا : أي شئ يحملني إلى هنا وإلى هناك ( استعلامى / 1 / 266 - 267 ) إن الأسباب هنا تقوم بحجب المسبب .
 
( 1123 - 1127 ) : والإنسان الموجود في يد المشيئة والمتصل بالعقل الكلى بمثابة الفارس الذي يركب جواداً والذي لا يعلم أن جواده مجرد وسيلة توصله إلى أهدافه . . وعندما يحرن الجواد ( العقل ) يسوقه في الطرق الوعرة ، وهو يعلم أن جواده حرون عاص يسوقه في كل مكان ويلقى به في مهالك الطرق ومهاويها ، ومع ذلك يتساءل : أين جوادى ؟ ! ترى أين ذهب ذلك الجواد ؟ ! الجواد تحتك أيها الفارس ( تكرر المثل بشكل مختصر في الكتاب الثالث ، الأبيات 383 - 384 ) .
 
( 1128 - 1137 ) : إن الحق قريب من الروح قرب الماء من الدن ، لكن الرؤية قاصرة ، مثلما يكون الدن متيبس الشفة والماء فيه ، آثار الروح سارية في كل البدن وأنت غافلٌ عن هذه الآثار ،
 
« 439 »
 
وإنما تستطيع أن تميز آثارها إذا كنت على علم بالآثار الأخرى ، مثلما يكون تمييزك بين الألوان إن كنت تعرف هذه الألوان ، ولن تعرف الألوان إلا إذا أوتيت نور معرفتها ، ولا بد أنك تدرك هذا إذا اختفت عنك الألوان في ظلمة الليل ، إذن فالأصل هو النور وفي حديث أبي ذر قال ، سألت رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم هل رأيت نور ربك ؟ فقال : نور انى أراه ( انقروى 1 / 251 ) .
فابحث عن النور أولا ولا تقف عند الألوان فبلا نور لن تستطيع معرفتها أو التمييز بينها ، وهناك غير هذا النور نور آخر يشع من باطنك ، من قلبك ، ونور العين إشعاع لهذا النور الموجود في القلب ، وهو لا يدرك بالحس ، بل يكون الحس حجابا عليه ، رؤية هذا النور تكون بالنور ، وإدراكه يكون بالذوق وليس بمعرفتك ضده .
 
( 1138 - 1143 ) : يدق مولانا دائما على فكرة أنه بضدها تتميز الأشياء وتعرف ، ومن هنا خلق الله الألم والحزن ، وإذا لم يخلقا من أين تعرف السعادة والسرور ؟ ! ! ومن أجل هذا ، يظل الحق خفيا علينا ( والفكرة نفسها وردت عند محمود الشبسترى في كلشن راز ( " عن جعفري 1 / 526 ) فمتى كان له ضد جل وعلا عن الأشباه والأضداد ؟ ! الرومي يعرف بالزنجي ، والنور بالظلمة ، والله تعالى لا ضد له لكي تدركه بضده إذا «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» ( الأنعام / 103 ) ، لكنه يتجلى في صنعه وفي فعله وهنا يشير الأنقروي ( 1 / 153 ) إلى بيت ابن الفارض :وما هي إلا أن بدت بمظاهر * فظنوا سواها وهي فيهم تجلت. . . مثلما تجلى على الجبل فاندك ، ( انظر تفسير البيت 26 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والفكرة برمتها يرجعها فروزانفر إلى الغزالي ( شرح صص 435 - 436 والنص منقول عن إحياء علوم الدين 4 / 293 ) .

 
« 440 »
 
( 1144 - 1150 ) تجلى الله ووضوحه في صنعه مثل تجلى الفكر في الصوت وفي الكلام ، كلامك وصوتك نبعا من الفكر . فهل تستطيع أن تقدم شيئا محسوسا وملموسا وتقول إن هذا هو الفكر ؟ ! والكلام الطيب من بحر فكر طيب ، وعندما يريد الفكر أن يتجلى ، يجعل من الصوت والكلام صورة لتجليه ، وهذه الأصوات والكلمات تظهر ثم تعود ثانية إلى بحر الفكر ، وهذا ما يعنيه ب « إنا إليه راجعون » . الموجودات كلها تصدر منه ، ورجعتها إليه ، فالوجود الإنسانى في كل لحظة مظهر للتجلى الرباني ، يظهر تجل ويمضى ويموت ويفسح مكانه لتجل آخر ، ومن ثم ففيك كل لحظة موت ورجعة في كل لحظة قيامه وبعث ، فالدنيا ساعة ( اى برهة من الوقت ) ، فلتكن كما قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم طاعة ، ويشير جعفري ( 1 - 522 * ) إلى قول هيراقليطس : أنا لم أنزل النهر الواحد مرتين ، فأصل العالم الحركة لا السكون ، وفي القرآن الكريم : وترى الجبال تحسبها هامدة وهي تمر مر السحاب .
 
( 1151 - 1152 ) : يقدم مولانا صورة جديدة : أفكارك كالسهام المنطلقة في الفضاء ، أتراها تستقر في الفضاء ؟ ! ! إنها تعود إلى الله ، وفي كل لحظة تتجدد الدنيا والعالم بتجل من التجليات الإلهية ، وهي مستمرة ودائمة ، ومتصلة بحيث لا تستوعبها عين الحس ، فالأشاعرة يرون جوهر الوجود ثابتا لكن أعراضه في تغير ( والعرض لا يبقى زمانين ) والدوام عند الصوفية صفة لذات الحق . لكن صور الخليقة مراتب للظهور والتجلي ( فروزانفر شرح مثنوى ج - 2 ، ص 440 ) ويرى بعض الصوفية ان الجوهر أيضاً في حالة حركة وتبدل ، ويشير بيان مولانا إلى مفهوم الآية الكريمة «بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ( ق / 15 ) .
 
( 1153 - 1157 ) : وكما تتواصل قطرات الماء فتكون جدولا ، فالحياة أو العمر مجموعة من التجليات الدقيقة والصغيرة للوجود التي تتواصل وتستمر ، وحدة هذا التغير وسرعته تظهر انه
 
« 441 »
 
متمردا مثل شرر في عود مشتعل ، إن حركته تبدو لك خطا من النار وهو ليس كذلك ، فالخليقة تتكرر وتستمر بسرعة بحيث تبدو لك تجليا واحدا ليس أكثر يدوم فترة طويلة . وان كنت تريد شرحا لهذا السر ، فاطبه من حسن حسام الدين فهو في هذا الأمر مرجع عظيم . و " خذ العلم من أفواه الرجال بقلب لا بعقل ذي عقال " ( انقروى / 257 )
 
( 1169 ) : معنى الصورة تنتج من اللاصورة اى من لا صورة له ينتج من صورة له ، والمعنى سابق على الصورة وقد ورد في معارف بهاء ولد ، ص 11 .
 
( 1171 ) : إشارة إلى الحديث النبوي ( زكاة الجاه إغاثة الملهوف ) ( أحاديث / 210 ) .
( 1197 ) : إشارة إلى مصرع النمرود بوسيلة بعوضة ( انظر قصص الأنبياء المسمى بالعرائس للثعلبي ص 81 ) .
 
( 1198 ) : العدو النفس الأمارة بالسوء .
 
( 1199 ) : لتفصيلات عن بعض مشاورة فرعون لهامان أنظر الكتاب الرابع الأبيات 2723 - 2737 وشروحها .
 
( 1200 - 1209 ) : إلى جواز فكرة الأضداد التي يهتم بها مولانا أشد الاهتمام ، هناك فكرة أخرى تتبع منها وهي آفة عدم التمييز بين الأضداد ، بحيث تظن أن العدو صديق وتتعامل معه على هذا الأساس ( في الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 316 - 320 تعبير آخر عن الفكرة ) في حين أنه عدو يرديك بكلامه المعسول ، سكره سم ، ولطفه قهر ، وعندئذ يحم بك القضاء من جراء فعله وإضلاله ، والنفس والشيطان كلاهما لك عدو فاتخذهما عدوا ، وتسلطهما أيضا من قضاء الله ، فاهرع إلى الله وتضرع إليه ، وسبح ، وتعبد وصم ، فلا نجاة لك من هذا الابتلاء ، إلا بحسن القضاء ، وادع الله سبحانه وتعالى بدعاء الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم : اللهم أرنا الأشياء كما
 
 
« 442 »
 
هي ( أحاديث مثنوى / 45 ) ( لتفسيره تفصيلا : أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 1976 وشروحها ) وعن العدم الذي يبدو وجودا والوجود الذي يبدو عدما أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1027 - 1053 وشروحها ) والقهر الإلهى هو الذي يبدو لك العدم وجودا والوجود عدما ، وشراب القهر الإلهى يصيب بالسكر « إن الله إذا أراد إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه » ( أحاديث / 13 ) ، فتعمى الأبصار عن طبيعة الأشياء ( ترى الحجر جوهرا والصوف يشما ( لمناسبة الكلمتين بالفارسية بشم بمعنى صوف ويشم بمعنى حجر اليشم ) .
 
( 1210 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 14 - 16 ) وردت باختصار في قصص الأنبياء للثعلبي ووردت بصورة مفصلة في كتاب نثر الدر للآبى " " كان نافع بن الأزرق يسأل ابن عباس عن العلم أو غيره ويطلب منه الاحتجاج باللغة وشعر العرب فيجيبه عن مسائله ، وروى أبو عبيده انه سأله فقال : أرأيت نبي الله سليمان عليه السلام مع ما خوله الله عز وجل وأعطاه ، كيف عنى بالهدهد على قلته وضآلته ؟ فقال له ابن عباس : إنه احتاج إلى الماء والهدهد على قماء ، الأرض له كالزجاجة يرى باطنها من ظاهرها فسأل عنه لذلك . فقال له ابن الأزرق :
قف يا وقاف كيف يبصر ما تحت الأرض والفخ يغطى له مقدار إصبع من تراب فلا يبصره حتى يقع فيه ؟ فقال ابن عباس : ويحك يا بن الأزرق : أما علمت أنه إذا جاء القدر عمى البصر " كما وردت أيضا في تفسير أبى الفتوح الرازي وعند قانعى الطوسي من شعراء القرن السابع الهجري وفي بوستان سعدى الشيرازي وفي رأى استعلامى ان حكاية مولانا أقرب إلى رواية مرزبان نامه للوراوينى .
 
( 1212 - 1217 ) : تعنى المشاركة في اللسان التآلف الذهني والمشاركة الفكرية والتقارب الروحي والمعنوي ، والمعاشرة مع من يفتقرون إلى هذه الخاصية بمثابة السجن ، إذ يظل المرء

« 443 »
سجينا مع أفكاره ومشاعره وأحاسيسه التي لا يستطيع إبداءها لأنه لا يجد من يفهمها ، ورب مشتركين في لسان ولغة ما لكنهما غريبان ، ورب غريبين في اللغة لكن الألفة والإحساس المشترك والتآلف القلبي يجعل كل منهما أليفا للآخر يستريح إليه ويركن إليه ، وهذه هي العلاقة الباقية والآصرة القوية والتفاهم الحقيقي القائم على أسس متينة « الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف » ، وهي أمتن من الكلام والعهود والمواثيق ، وهناك وسائل التعبير القلبي " فمن القلب إلى القلب كوة " تسمح بانتقال المعاني ، بحيث لا تكون هناك ضرورة للسان أو اللغة التي قد تكون حجابا على الفهم الحقيقي .
 
( 1230 ) : الزاغ طائر أسود من فصيلة الغربان ( استعلامى / 1 - 272 ) عرب وقيل في المثل أسود من جناح الزاغ .
 
( 1234 ) : إشارة إلى مثل عربى أول الدن دردى ، والدردى ثمالة الكأس وهي من المفروض أن تكون في قاعه وآخره ، ولأحد الصوفية : " إذا كان أول الدن درديا فما يكون آخره ؟ " 
( 1241 ) : انظر تفسير البيت 1202 ( 1244 - 1256 ) : الدليل البين والظاهر على صدق الفكرة القائلة انه إذا جاء القدر عمى البصر وإن جاء القضا ضاق الفضا تتمثل في قصة آدم عليه السلام الذي علم الأسماء لا بصورها بل بتحقيقها ، اسم كل شئ وحقيقته وفعله وخواصه ومصيره على ما هو عليه بالفعل لا كما يبدو لنا ، فاسم اى شئ بالنسبة لنا هو ما يدل عليه ظاهره ، لكن اسمه عند الله تعالى حقيقته ومنتهاه ، فموسى عليه السَّلام يتوكأ أمامنا على عصا ، لكنها عند الله تعالى أفعى ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لفترة أمام الناس الكافر الغضوب ، لكن منتهى اسمه ومبتداه مثال العدل والإيمان ، وذلك في يوم العهد يوم ألست يوم أن أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم
 
« 444 »
 
بالربوبية له وبالعبودية على أنفسهم ، والولد عموما قطرة من المنى ، لكن الله تعالى يعلم في أية صورة سوف تكون ، والصورة موجودة في علمه تعالى دون زيادة أو نقصان ، أسماؤنا أمام الله تعالى هو ما سوف تؤول إليه خاتماتنا لا ما نحن عليه بالفعل من أمور كلها عارية وعارضة لا تستمر . كان من جراء هذا العلم الإلهى الذي علم لآدم أن عكف آدم على العبودية والسجود اعترافا وشكرا ، أي أنه كان يعلمه قيمة ما منح له وما فضل به على كل المخلوقات ، ولم يكن بغير المقدر لقيمة العطية التي أُعطيت له ، وسجد الملائكة للنور الإلهى الذي خص به آدم وليس لآدم في حد ذاته ، هذا النور الموجود في الأنبياء والأولياء والذي لو أخذت في وصفه وفي مدحه حتى القيامة فلن أوفيه حقه .
 
( 1257 - 1262 ) : لقد علم آدم كل هذا ، كان مدركا لما خص به من علم شاكرا له غير مغتر به ، لكن عندما قضى عليه بالعصيان صعب عليه أن يفهم النهى ، مجرد نهى واحد . وأخذ يتساءل :
أهو تحريم لشجرة المنهى عنها أو هو مجرد نهى تنزيهي لا تترتب عليه حرمة ؟ ! هل هو حرام أو مندوب ؟ ! ومجرد التساؤل في أمر إلهي صريح الدلالة يفتح الباب للمزالق ، ويفتح الباب للتأويل ، والتأويل عادة يفضى إلى إختيار ما عليه الهوى ، فأسرع آدم إلى القمح ، تماما كأن تدخل شوكة في قدم الناطور ( التساؤل والجدل ) ويقعد عن الحراسة فيأتيه اللص ( الشيطان ) ويسرق المتاع ( الإيمان ) . ( انظر من 1490 - 1503 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1263 - 1270 ) : لكن آدم لم ينغمس في إثمه ، وسرعان ما أفاق وقال « ربنا ظلمنا أنفسنا » أي ان الفعل منا والذنب منا وما حاق بنا من ظلمة فمن فعلنا . لكن مولانا يصر على موقفه من رفض الجبر ، فهذا القضاء هو مجرد سحابة تغطي شمس الرؤية ونور البصيرة ، فيصبح القوى ضعيفا ومتين الإيمان معرضا للمعصية ، ولا حيلة مع القضاء إلا بالضراعة إلى الله سبحانه
 
« 445 »
 
وتعالى فهو محول الأحوال . فإذا كانت شكواك من القضاء ففرارك يكون في القضاء " نفر من قضاء الله إلى قضاء الله " ، وما هذا القضاء إلا ابتلاءٌ لك وكلما نجحت في امتحان رقيت درجتك ، وهو يبتليك لكي يجتبيك ويصطفيك ، وهو مع ما أعطاه لفرعون لم يصبه مرة واحدة بصداع لأنه لم يكن يريد الاستماع إليه ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 200 - 204 وشروحها ) إنه سبحانه وتعالى يخوفك ، حتى لا تصاب بالغرور بقوتك وحولك وطولك وفي خوفك هذا الأمن من مكر الله .
 
( 1275 - 1281 ) : إمارات أحوال المرء وفكره وشخصيته تبدو على قسمات وجهه ، هذه هي السيماء التي تحدث الله عنها في كتابه الكريم فقال « سيماهم في وجوههم » ومن ثم يطلب العارف الخبر اليقين من السيماء ، فالله تعالى هو الذي جعل الوجوه تنطق بما في القلوب ، فلون المرء ورائحته ينبئان عنه كما ينبئ صليل الجرس عن القافلة وصهيل الخيل عن الخيل ، ومن الصوت تستطيع ان تميز بين نهيق الحمار وقرع الأبواب ، فتحدث حتى تُعرف وتبدو من صوتك فالمرء مخبوء تحت لسانه ( حديث نبوي وان أسنده فروزانفر واستعلامى 1 / 274 إلى الإمام علي رضي الله عنه ) ، ولون الوجه منبيء عن شخصية صاحبه ، فإن كان المرء متهلل الوجه فهذا دليل على الشكر ، وان كان شاحب الوجه فهذا دليل على الصبر مع وجود الهم وقلة الرضا . وفي الحديث الشريف « أطلبو الخير عند حسان الوجوه » ( كولبنارى 1 / 162 ) .
 
( 1285 - 1304 ) : سنة الله في خلقه : تبنى وتهدم وتعمر وتخرب وتؤلف وتشتت وتجمع وتفرق . لطفه الكلى وقهره الكلى سبحانه وتعالى مسيطران على الكون ، بادية آثارهما فيه ، وآثارهما يبدوان في الشكر والصبر ، البستان حينا أخضر وحيناً عرته رياح الخريف من الأوراق ، والشمس تطلع كأنها النار ثم لا تلبث أن تغيب ، والنجوم تطلع ثم تحترق ، والقمر يصبح بدرا ثم
 
« 446 »
 
يأخذ في النقصان ، والأرض تزلزل والجبال تندك وتصير كالعهن المنفوش ، والهواء الذي نتنفسه حين يحم القضاء يصبح نتنا فاسدا عفنا مليئا بالأوبئة ، والماء يأسن ، والنار تخمد ، والبحر يهيج ، والفلك يتبدل فيكون حضيضا ووسطا وأوجا ، ويصير سعدا ويصير نحسا ، ( كل ظواهر الكون الدنيوي عند مولانا كون في بذرته الفساد . ولتفصيل الفكرة على مستويات أخرى أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1592 - 1615 وشروحها ) وإذا كان الفلك نفسه بلا استقرار فكيف تطمع أنت تحت هذا الفلك بالاستقرار ( الفكرة للشاعر الفارسي ناصر خسرو المتوفى سنة 481 ه :
أي استقرار تتوقع تحت هذا الفلك * ما دام الفلك الدوار نفسه لا قرار له ( ديوان ناصر خسرو ص 9 تهران 1348 ه . ش ) فإذا كانت هذه الدنيا بمثابة الذئب ، فكيف تتعلق بها وأنت مجرد شاة لا حول لها ولا قوة ؟ والله تعالى هو الذي يصالح بين الأضداد في هذه الحياة الدنيا ، جسدك نفسه مكون من بضعة من الأضداد والحياة هي التي تحفظ التألف بينها ، والمرض يعنى أنها بدأت الحرب فيما بينها ( لتفصيلات هذه الفكرة بشكل أكثر وضوحا ، أنظر الكتاب الثالث الأبيات 4424 - 4437 وشروحها ، كما وردت الفكرة عند سعدي الشيرازي ( عن شرح فروزانفر ص 465 ) .
 
( 1308 - 1309 ) : الحديث عن الخلوة وعن نجاة المتمسك بها من الخلق ومن ظلم الخلق وظلماتهم ، والواقع ان مولانا لم يكن يحبذ الخلوة كثيرا ، ونادرا ما ذكرت في المثنوى في معرض التحبيذ ، فهي أحيانا عند مولانا دليل على التنطع والزهد الريائى ( مثل ما ورد في حكاية الدرويش الذي إختلى في الحبل ونذر ألا يأكل الكمثرى المذكورة في الكتاب الثالث ) وعند مولانا الخلوة تكون عن الأغيار لا عن الحبيب ، فالحبيب موجود مع المرء إختلى أو لم يختل ( الكتاب الثاني : بيت 25 ) وللجنيد البغدادي " العزلة أيسر من مداراة الخلطة " ( عن شرح فروزانفر ص 466 ) .

« 447 »
 
( 1317 - 1326 ) : الحديث عن الظلم ، وعن أنه " ظلمات يوم القيامة " ( أحاديث / 13 ) وعن أن حفرة الظلم عميقة ، وكلما زاد الظالم في ظلمه ازداد عمقها لكي تطبق عليه في النهاية ، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها " قال فروزانفر أحاديث 14 ، انها حديث نبوي " ، وكل ما يحيق بالظالم أن تكون صورته هو ارتدت عليه فالظالم والطاغية في عين قهره مقهور وفي عين نصره مأسور ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4564 - 4569 وشروحها ) . 
لقد رأى الأسد صورته هو في المرآة وهجم عليها ، وهكذا الطاغية الظالم يدمر في الخلق الله وهو لا يدرى أنه يدمر في نفسه ، وفي النهاية يدمر نفسه حقيقة لا مجازا ، أنت كما تكون ، وما تنسجه حول نفسك كما تكون دودة القز ، فلا تداوم الظلم ، وتذكر العاقبة ، ولا تعتبر الضعفاء بلا معين ، فالنصر من الله ، ولقد حبا به الفئة المستضعفة من أوائل المسلمين على كل ما جمع الكفار من خيل ومن رجل ، وأقرأ « إذا جاء نصر الله والفتح » فالنصر الحقيقي من الله ، ولا تظن أنك وأنت الفيل بمنأى عن الهزيمة ، فالفيل مزقه الطير الأبابيل وهي طيور صغيرة ( والنمرود مزقته بعوضه ) وإن العرش ليهتز من دعاء المظلومين ، ورب دعوة مظلوم كانت أكثر وقعا على الظالمين من الطعان والسنان ، والمصباح الصغير التي تشعله أرملة كثيرا ما احرق قرية بأكملها ( انظر باب سير الملوك من بوستان سعدى وانظر الباب الثامن من حديقة الحقيقة ومعظم الأفكار السياسية في التراث الإسلامي ترد على شكل حكايات ونصائح ) إن كل ما يحيق بالظالم انعكاس لصورته هو ، وهو يظن أن الجميع أعداؤه وهو أعدى أعداء نفسه .
 
( 1328 - 1334 ) : ليس هذا خاصا بالطغاة والملوك المتكبرين ففرعون موجود في كل جبلة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 971 - 973 وشروحها والأبيات 1252 - 1255 وشروحها ) ولذا فأنت ترى الآخرين ظلمة بينما أنت في الحقيقة لا تنظر إلا إلى نفسك نفسك أنت انعكست عليهم ،

« 448 »
 
ونيتك السيئة ( وردت الفكرة أيضا في الكتاب الرابع البيتين : 772 - 773 والكتاب الخامس البيتين - 1981 - 1982 ) ، فكيف يكون الخلق كلهم على هذه الدرجة من السوء التي تراهم عليها ، ولو رأيت سوء نفسك لانشغلت بها ، ولعاتبتها ، لكنك لا تفعل وتشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسك ، وفي خلال هذا ، يزداد بئر الطبع عمقا فيك ويستعد لابتلاعك فتتردى من سيىء إلى أسوء ، وتبدو لك عيوبك عيانا وتكون مثل ذلك الأسد الذي أردته صورته هو وسحبته إلى قاع الجب .
 
( 1335 - 1339 ) : صورتك أنت بالفعل هي التي تراها في وجوه الآخرين ، وعيوبك أنت هي التي تراها عيوبا فيهم ، والظلم من نفسك أنت لكنك تراه في الآخرين ، والعيب فيك وان رأيته في أقرب الناس إليك ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا ، فالمؤمن مرآة المؤمن ( حديث نبوي ، أحاديث مثنوى / 41 وانظر الكتاب الثاني البيت 30 ) ، إنك تلبس منظارا أسود فترى العالم كله أسود ، فلتترك العمى ، ولتخلع هذا المنظار لترى العالم على ما هو عليه بالفعل .
 
( 1340 - 1347 ) : وإذا لم يكن المؤمن ينظر بنور الله مصداقا لقول نبيه « اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله » ( أحاديث / 14 ) فكيف يرى أنواع الغيوب ؟ ! لكنك لا تنظر بنور الله بل تنظر بنار الله من اللعنات التي حاقت بك ، وماء التوبة جدير بأن يطفئ نار الغضب والشهوة والأخلاق الذميمة ، وماء الأخلاق الطيبة الطهور يبدل سيئاتك إلى حسنات ، وهذا التبديل في يده سبحانه وتعالى هو الذي يستطيع ان يبدل النار نورا ( آنس موسى عليه السلام على الطور نارا لكنه وجدها نورا ) والماء نارا ( جحيما مغرقا للطغاة على وجه الأرض وفي هذه الدنيا ) ودعاؤنا إياك يا الله منبثق منك أيضا تجريه أنت على ألسنتنا وأنت أعلم بحاجاتنا منا ( الدعاء عين الاستجابة وإذا أراد الله قضاء حاجة لعبده أجراها على لسانه . انظر الكتاب الثالث الأبيات :
 
« 449 »
 
361 - 370 وشروحها ) وإن شئت أيضا منحتنا ما نريد دون ان نطلبه منك ، فكنوز إحسانك لا تنفد ، ولو أعطيت كل الخلق ما يطلبون ما نفدت خزائن رحمتك وما نقصت .

( 1348 - 1354 ) : عندما يكون ثمة بسط ، يصبح العالم كله راقصا ، وانظر في الربيع إلى الأغصان والأوراق تصفق وتهتز وترقص ، لقد نجت من سجن التراب الذي حبست فيه في الشتاء فكأنها تتغنى بالآية الكريمة «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى» ( الفتح / 29 ) ، وكما تنمو الزروع من قاع التراب ، يصبح كل غصن منها وكل ثمرة فيها مسبحة لله تعالى على عطاياه .
 
( 1355 - 1357 ) : وهكذا تكون الأرواح عندما تنجو من سجن الأجساد وتترك علائقها المادية والترابية ، تسعد لخلاصها من سجنها ، وتصبح راقصة في فضاء عشق الأحد ، فالأجساد عندما تكون راقصة منهمكة في وجد السماع تنال نصيبا من رقص الأرواح ، ولا تسل عما يحدث لها ، تفقد سيطرتها ، تضحك ، تبكى ، تمزق الخرقة والعمامة ، كل هذه الأمور من فعل الأرواح لا الأجساد فالأرواح هي التي تحرك الأجساد ، وتحرك أولئك الذين نجوا من سجن الجسد وأصبح دورانهم ( الأصل في الرقص المولوي الدوران ) مع الولي الكامل حول روح الأرواح ( إستعلامي 1 / 279 ) وفي نص استعلامى وانكه كرد جان : وترجمته ما حول الروح ، أما عند المولوي ( 1 / 265 ) وانكه كردد جان : وما يتحول إلى روح .
 
( 1358 - 1361 ) : الحديث عن أولئك الكبراء العظماء الذين لم يتعظوا بقصة أرنب يجندل أسدا بحيث صار عارا على الأسود ، وأخذوا يتفاخرون بالألقاب المطنطنة من أمثال فخر الدين ( ليست إشارة إلى فخر الدين الرازي العدو اللدود لبهاء الدين ولد والد جلال الدين ، بل هي إشارة إلى كل من يلقب نفسه بهذه الألقاب الطنانة الرنانة ) ، وهم أسارى ملقون في جب النفس الأمارة بالسوء
 
« 450 »
 
يشغلون أيامهم بالجدل والمراء والاستدلال والقياس وكل أدوات علماء الظاهر ، في حين أن نفوسهم في خواء بلقع لا تجد من يمد يده إليها ليأخذ بيدها من هذا الخواء ومن هذا الجب .
 
( 1326 ) : أبشروا يا قوم إذ جاء البشير : قال فروزانفر أنها مأخوذة من مطلع للشاعر الأنورى :
أبشروا يا أهل نيسابور إذ جاء البشير إذ دخل الموكب الميمون للمنصور الوزير ( شرح فروزانفر ص 480 ).

( 1377 - 1381 ) : يفرق مولانا بين مصطلحين : أهل الظن وهم أصحاب علوم الظاهر ، وأهل الرؤية أو الصوفية العارفين ، ولا تزال الحرب سجالا بينهم ، وكل منهم له أدواته وله حججه ، وكل منهم ينتصر فترة من الفترات ( لمولانا رأى في موضع آخر هو ان الله تعالى يهب كل جماعة حججها وأسانيدها لكي تستمر هذه الحرب فيما بينهما ولو شاء تعالى لحسمها ) ، كما أن مولانا يقول هنا : حذار ولا تلق بنفسك في مهاوى التهلكة ، فليس كل أرنب يستطيع ان يجندل كل أسد ، وأنا هي نوبة لك يكون لك فيها التأييد الإلهى ، والتأييد الإلهى يكون للبشر العاديين مرحلة بمرحلة ، وللملوك الصوريين في أدوارهم ونوباتهم ، لكن عظماء الدين وأولياء اليقين من أصحاب الملك الدائم ، فلا تزل كئوس العلم الإلهى والفيض الرحماني تدور عليهم كرة بعد كرة ولا تنقطع عنهم .
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: