الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

21 - الهوامش والشروح الأبيات من 743 - 904 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

21 - الهوامش والشروح الأبيات من 743 - 904 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

21 - الهوامش والشروح الأبيات من 743 - 904 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح حكاية الملك اليهودي الآخر الذي سعى في هلاك دين عيسى
( 743 ) : مصدر الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 9 ) مأخوذ عن أقوال المفسرين في الآية 4 ، من سورة البروج ( قتل أصحاب الأخدود ) كما ذكرها الثعلبي في قصص الأنبياء المعروف بعرائس المجالس " ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن وهب بن منبه أن رجلا كان قد بقي على دين عيسى فوقع إلى نجران فدعاهم فأجابوه ، فخيرهم ذو نواس بين النار أو اليهودية ، فأبوا فأحرق منهم اثنى عشر ألف ، 
وقال مقاتل إنما قذف في النار يومئذ سبعة وسبعين الف وقال الكلبي كان أصحاب الأخدود سبعين الفاً فلما قذفوا المؤمنين في النار خرجت النار إلى أعلى شفير الأخدود فأحرقتهم وارتفعت النار فوقهم اثنى عشر ذراعا ونجا ذو نواس ، وكانت امرأة قد أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاثة أحدهم رضيع ، فقال لها الملك : أترجعين عن دينك وإلا القيتك أنت وأولادك في النار فأبت فأخذ ابنها الأكبر وألقى به في النار ثم أخذ الأوسط وقال لها ارجعي عن دينك فأبت ، 
فألقى به أيضا في النار ثم أخذ الرضيع وقال لها ارجعي فأبت فأمر بإلقائه في النار فهمت المرأة بالرجوع فقال لها الرضيع : أتضيعن يا أماه ، لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ولا بأس عليك فألقى بالصبي في النار وأمه على أثره .
 
( 744 - 750 ) : ليس المهم أن يكون الملك هنا من نسل الملك الذي سبق ذكره جسداً ، بل فعلا وصفات وأخلاقا وسنة يقول مولانا :
سواءٌ كانوا من بغداد أو هراة أو الري * فإنهم نسله دون امتزاج للأجساد
 
« 418 »
 
( عن استعلامى / 245 ) وفي الأبيات التالية إشارة إلى الحديث الشريف ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ) فضلا عن اللعنات التي تنزل عليه أيضاً في كل لحظة ، ويشير مرة أخرى إلى جنس الظالمين على أنهم جنس واحد ( والمتمعن يجد الشخصية واحدة مهما تباينت الأفعال ومهما تقدم العصر واختلفت البئيات واختلفت التواريخ ) وعلى كل حال فهذا هو قدر البشر وسنة الله في الخلق ، فعروق الماء العذب وعروق الماء المالح تمتد في الأرض وتوجد إلى جوار بعضها، هو ديدن الدنيا حتى يوم البعث.
 
( 751 - 755 ) : يمضى مولانا جلال الدين خلف الفكرة ويتتبعها : الخير والشر ميراث والله تعالى يضع ميراثه حيث يشاء . . . قال تعالى " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " ( فاطر / 32 ) قال نجم الدين كبرى " يشير إلى إرثهم الكتاب حيث علمهم القرآن بلا واسطة لأن الميراث يقتضى صحة النسب أو صحة السبب على وجه مخصوص فمن لا نسب له ولا سبب له ، لا ميراث له فالنسب هنا طاعة العبد والسبب فضل الرب " ( مولوى 1 / 177 ) وطلاب الحق والسائرون في طريق الله تعالى إنما يطلبون في الحقيقة ميراثهم هذا من جوهر النبوة فعن طريقهم يصل الميراث إلى المستحقين ، وينتقل النور جميلا بعد جيل بطول دار الدنيا ، بانتقال الشمس من برج إلى برج ( النبوة من جيل إلى جيل ) .
 
( 755 - 764 ) : لكن كثيرا من الناس لا يرتبطون بهذه الشمس ويربطون مصائرهم وطباعهم بكواكب أخرى ( لتفصيلات عن هذا الموضوع انظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 10118 - 11030 وشروحها ) ويرون أنهم في أفعالهم وطباعهم مسيرون بما يمليه طبع ذلك الكوكب :
 
« 419 »
 
فمن طالعه الزهرة يغلب عليه الطرب والسرور والعشق ، ومن طالعه المريخ ، سفاك للدماء ، لكن دعك من هذه الكواكب فالكواكب التي يقبل منها الأثر في الحقيقة كواكب من نوع آخر تدور في سماوات أخرى :
فهناك سماوات في ولاية الروح * تمضى بحكمها على السماوات الدنيا هؤلاء هم كواكب الهدى ونجوم التقى يقتبسون الأنوار من شمس النبوة إلى سماء الولاية ، فريحهم غالب ، لكنه يبسط الجناح على مريديه وهو في طبع المغلوب ، الراسخون في العلم موجودون في أشعة النور الإلهى ، هم ( فيها ) لا هم متحدون بها ولا هم منفصلون عنها ، فنورهم غالب آمن من النقص والتغير والانمحاء فهو بين إصبعين من أصابع الرحمن مصداقا للحديث " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء " ( عن استعلامى 1 / 226 ) وهو رش الله تعالى على الأرواح مصداقا للحديث النبوي " إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ، ضل " وفي هذا إشارة إلى قول أبى بكر الطمستانى : أصبحوا الله فإن لم تطيقوا فاصحبوا من يصحب الله لتوصلكم بركة صحبته إلى صحبة الله تعالى ( انقروى 1 / 181 ) والمقبلون من أصحاب السعادة هم الذين يتقبلون هذا النور بجماع قلوبهم ( يفتحون لهم جحورهم ) ( ورد في معارف ص 206 ) . والإيمان بهم ليس كالإيمان بكواكب الفلك وتدخلها في مصير البشر وعن رسول الله أنه قال : هل تعلمون ما قال ربكم ؟ 
قالوا الله ورسوله أعلم قال صلى اللّه عليه وسلّم : قال تعالى أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بالكواكب فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكواكب .

« 420 »
 
( 765 - 772 ) : ومن أدركه هذا النور في الحقيقة ، جعله يشيح بوجهه عن كل ما سوى الله تعالى لأن كل كوكب يكون اتجاهه ويكون مساره حول مصدر نوره ، وكل جزء إنما يحن إلى كله الذي أنفصل عنه وفاض عنه ويتجه إليه اتجاه البلبل إلى الورد ، فلا يتغنى إليه له عندما يراه متفتحا وأريجه منتشرا ( انظر البيت 29 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ومن لم يعقد طرف ثوبه استعدادا للعشق وتشمرا له ، بدى ذلك على ظاهره ، وإن ألوان المقيم على الحياة المادية ( البقرة ) تبدو على ظاهره ، ورجل الحق لونه في باطنه ، وهي ألوان طيبة لأنها من دون الوحدة ودن الصفاء ، وألوان القبحاء وأهل الضلال من سواد طويتهم وسوء صلتهم وجفائهم وقسوتهم . . . ان المقصود بألوان رجل الحق ، عبر الله سبحانه وتعالى بقوله « صبغة الله » ، أي أن الله اظهر نعمة الإيمان عليه كما تظهر الصبغة في الثوب ، وقال نجم الدين » والإشارة في تحقيق الآية انه كما أن للكفر صبغة فللدين صبغة وصبغة الدين هي صبغة الله فليس العبرة فيما يتكلفه الخلق وانما العبرة فيما يتصرفه الحق فنصيب الأشباح من صبغة الله توفيق القيام بالأحكام وحفظ القلوب تصديق المعارف بالعوارف ، وكفل الأرواح منها شهود الأنوار وكشوف الأسرار فمن لم يشاهد الأنوار يكون على الكفر والنفاق ، " ولعنة الله تلحق بصاحب اللون القبيح أي بعده وطرده عن رحمته لأنه حصل من ماء الجفاء وهو فرعه والفرع تابع للأصل ( مولوى 1 / 181 )
 
وكل شئ في الحقيقة يرجع إلى أصله ، ما من النور إلى النور وما من التراب إلى التراب ، ( للتفصيلات انظر الكتاب الثالث الأبيات 4424 - 4445 وشروحها ) ، وصبغة الله عند ابن عباس وحسن وقتادة ومجاهد ، أن صبغة الله هي الإسلام كما فسرها بنفس التفسير الإمام جعفر الصادق عليه رضى اللّه عنه وقال الفراء والثعلبي أنها السنة ، وقال الراغب العقل الذي به يفرق بين الإنسان والحيوان ( كولبينارلى 121 ) .

« 421 »
 
( 775 - 787 ) : ( أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ) والنفس الأمارة وثن وتابعها عابد للوثن ، وذلك الملك اليهودي لم يعامل صنم نفسه بما يستحق فتولد منها صنم الظلم وسفك الدماء ، وانتقل شررها إلى الآخرين ، فلم تدمر صاحبها بشهواته فحسب بل وسرت مسرى النار في الهشيم ، وانظر إلى التعبير : الصنم بمثابة الحية التي تلدغ الناس ، لكن صنم النفس تنين ( كان من المعتقد أن الثعابين والحيات تتولد من التنين ) 


هذا الصنم ، صنم الظلم بمثابة الشرر الذي يتولد من اصطدام حديد النفس بحجر النفس ( قسوة النفس وجبروتها وكبريائها بكفرها ) وإذا كان الشرر ينطفي من الماء ، فإن هذا الشرر ينطفئ من ماء الرحمة ، لكن متى كان الماء ينفذ في الحجر والحديد ويطفئ شررها ، ومن هنا قال تعالى «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» ( البقرة / 74 ) ثم يعود مولانا فيصور صنم الظلم بأنه كالماء الكدر يخفيه الإناء ( الجسد ) . . . 


والنفس الأمارة هي النبع ، والصنم الحقيقي المنحوت من الحجر من الممكن تحطيمه ، لكن النفس التي تتولد منها كل الأصنام ، ومن ثم فإن إهمالها والاستهانة بأمرها هو الجهل بعينه ، وإذا أردت صورة لهذه النفس فأقرأ (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) ( الحجر / 43 - 44 )


 والتعبير وارد عند نجم الداية ( منارات السائرين ص 298 ) :
[ وقد خلقها على صورة جهنم ، وخلق بحسب كل دركة فيها صفة لها وهي باب من أبواب جهنم يدخل فيها من هذا الباب إلى دركة من دركاتها السبع وهي سبع صفات : الكبر والحرص والحسد والشهوة والغضب والبخل والحقد ]
وبحر النفس الأمارة عميق ، في لحظة تغرق مئات من الفراعين ، فاهرب إلى الله وأنبيائه ( موسى ) وبأحمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم ، ولا تسلم نفسك إلى الجسد فهو بمثابة أبى جهل .

« 422 »
 
( 791 - 799 ) : إنها تبدو نارا للعوام كحجاب ودريئة على فعل الله المضنون بأسراره على غير أصفيائه ، هي مجلس انس على خواص الحق ، لقد أرادها ذو نواس نارا ، لكن الله أرادها جنة على محبيه والمؤمنين به مثلما فعل مع إبراهيم عليه السلام فجعلها بردا وسلاما ، وهكذا كل الأمور في الدنيا ، تبدو لنا ظواهرها ولا يدرك أسرارها إلا من أراد الله له ذلك . ألم أكن أنا متشبثا برحمك ، أرى حياتي فيه وأتغذى بدمك وخارج هذا الرحم عالم أكثر اتساعا ورزق أكثر وفرة ( عن تفصيلات لهذه الفكرة انظر الكتاب الثالث الأبيات 50 - 60 وشروحها ) ، الذي يبدو لنا هو الوجود ، بينما الوجود الحقيقي في العدم ( عن العدم الذي يبدو وجودا والوجود الذي يبدو عدما انظر الكتاب الخامس 1027 - 1040 وشروحها ) .
 
( 816 ) : يقول فروزانفر : ( مآخذ / 10 ) نقلا عن إحياء علوم الدين للغزالي ، إن الخبر الوارد هنا إشارة إلى ما روى أن الحكم بن العاص حاكى مشية الرسول صلى اللّه عليه وسلّم مستهزئا قال كذلك فكن ، فلم يزل يرتعش حتى مات .
 
( 819 - 820 ) : إشارة إلى الحديث النبوي " من ستر مؤمنا ستره الله يوم القيامة ، ومن عير مؤمنا بذنب لم يمت حتى يبتلى به " .
 
( 824 ) : الخضرة كناية عن سرور المعرفة ، والماء الجاري فيض المعرفة .
 
( 826 ) : مأخوذ عن عدد من الأحاديث النبوية الشريفة " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " من لا يرحم لا يرحم " " ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء " " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم " ( أحاديث مثنوى / 7 ) .
 
( 834 - 856 ) : يقول الأشاعرة " الممكنات دون واسطة مستندة على الحق " ( استعلامى 1 / 250 ) وهذا يعنى ان النار لا تحرق بطبيعتها ، ولكنها تحرق بأمر الله . وقضاء الله على كل حال ، كما يكرر مولانا في أكثر من موضع خرق للأسباب والعلل ، ومثال الكلب والتركماني تكرر أكثر من
 
« 423 »
 
مرة ، فالطبائع والعناصر في يد الله عز وجل بمثابة الكلب في يد التركماني عون لأصدقائه ، أسد هصور على أعدائه ( انظر أيضا الكتاب الخامس الأبيات 2940 - 2945 وشروحها ) . ومن ثم فالحزن والسرور من عند الله « والله يقبض ويبسط » وسبحان من بيده القبض والسرور ، ومن ثم فالحزن علاجه الاستغفار ، فلا بد أنك قد أذنبت ذنبا دون أن تدرى فكان هذا الحزن عقابا عليه ( انظر الكتاب الثالث : الأبيات 348 - 351 ) . 


فمن مشيئة الله أن يكون حزنك سرورا ، إذ يفضى بك إلى السرور وتكون الأغلال في أقدمك حرية لك وراحة من أوضار الناس ، وفراغا في سجنك ومحبسك إلى الله تعالى ، وانسا به ولجوءا اليه ووقوفا ببابه ، وهكذا فالعناصر كلها تفعل فعلها بأمر الحق ، كما قال الشيخ الأكمل في تنوير المصابيح : وشرط المكتسب أن لا تعتقد أن الرزق من الكسب بل من الله ونسبة الرزق إلى الكسب كنسبة الطعام إلى الشبع ، كما أن الشبع إنما يحصل من الله لا من الطعام ، إذ رب أكلة تشبع الآكل إذا قدر فيها الشبع وربما لم تشبع إذا لم يقدر فيها ، فالتوكل العام أن يعلم الرجل أن لا مؤثر في كل الأشياء إلا الله ، فالطعام لا يشبع إلا بالله والماء لا يروى والأدوية لا تشفى والسم لا يقتل والنار لا تحرق إلا بأمر الله ( انقروى 1 / 200 - 201 ) . والسبب هو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ، ثم أستعمل لكل ما يتوصل إلى شئ ( انقروى 1 / 201 ) . . .


وكلها - أي العناصر - تنصت إلى أمره وتسبح له ، وإنك إن صدمت الحجر بالحديد تتولد نار ، وإن جمعت حديد الهوى إلى حجره تتولد فتنة ، مثلما يتولد الولد عن جماع الرجل والمرأة ، كلها أسباب فلا تتمسك بهذه الأسباب وتنسى المسبب أو السبب الرئيسي الذي يجعل من ذلك السبب فاعلا أو باطلا ، وهذا السبب هو الذي يعرفه الأنبياء ، والسبب مجرد حبل يربط بدلو يوضع في بئر الدنيا لكن لا بد أن تديره عجلة ، وإن غفلت عمن يدير هذه العجلة فقد ضللت وعدت صفر اليدين واحترقت من خوائك وخلائك وكأنك عود المرخ الذي تذكى به
 
« 424 »
 
النيران ، وبأمر الحق يستطيع الهواء أن يطفئ النار ، وكلاهما أي الهواء والنار ثملان بخمر الحق ومعرفته ، وإن فتحت عينيك لأدركت أن ما تتصف به من حلم كالماء أو غضب كالنار هما أيضا من الحق .
 
( 857 - 872 ) : الموضوع المفضل عند مولانا جلال الدين : العناصر جند الحق صاحبه العقل والتميز بأمر الله تعالى وان خلتها غير ذلك : هل إذا كانت الريح مفتقده للعقل أكانت تستطيع التميز بين قوم عاد ؟ ! ! ( انظر لتفصيلات الخبر الكتاب السادس ، الأبيات 4832 - 4834 وشروحها ) . وما ذا كانت دائرة شيبان الراعي التي كانت تمنع الذئاب من دخولها والخراف من الخروج منها ( انظر أيضا الكتاب السادس الأبيات 4829 - 4830 وشروحها وانظر الأبيات 1615 - 1636 من الكتاب الثاني ) وريح الأجل ( الموت ) أيضا طيبة مع الأولياء لأنها مفعمة بشذى الحبيب وبشرى اللقاء ( كما كان قميص يوسف بالنسبة ليعقوب )


( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3431 - 4444 وشروحها ) أو النار لم تحرق إبراهيم عليه السلام مثلما لا تحرق نار الشهوة أرباب الدين فهم مشغولون عنها ، والبحر انشق على آل فرعون بعد ان عبر قوم موسى ( يونس / 90 ) وعيسى عليه السلام جعل من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصارطَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ( آل عمران : 29 ) كل هذه عناصر صدر منها ما لا يوافق مقتضى فعلها الطبيعي ، وانك إذا تسبح فإن نفسك مجرد بخار صادر من الجسد ، هذا النفس نفسه سوف ينقلب إلى طير من طيور الجنة ، فما العلاقة بينه وبين الطير


( والمعنى مأخوذ من معارف بهاء ولد ص 65 ) ؟ ! وفي هذا المعنى إشارة إلى ما ورد في الحديث النبوي « روى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فقال : تولت عنى الدنيا وقلت ذات يدي فقال رسول الله فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق وبها يرزقون قال : فقلت : وما ذا يا رسول الله قال : قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، استغفر الله مائة
 
« 425 »
 
مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلى الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة ، ويخلق الله من كل كلمة ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة لك ثوابه » وهناك حديث آخر « من قال لا اله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان » ( أحاديث مثنوى / 8 ) . 
وعن رقص الجبل انظر البيتين 25 و 26 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
( 878 - 882 ) : طرح مولانا من قبل مسألة التجانس ودوره في جذب كل شئ إلى جنسه ( البيت 642 ) ، كان اليهود من جنس النار ( مثل الشياطين ومثل إبليس ) . 
وهي بالتالي تحن إلى جنسها وتتجذب إليه وتفعل كل ما وسعها لتجد طريقها إلى الارتباط به والالتحاق به ، لقد كانوا طوال تاريخهم نارا على المؤمنين « كلما أوقدوا نار للحرب أطفأها الله » وجعلها تحيق بهم وبأجسادهم ، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى فجعل أم العاصي الهاوية وهي جزء من جهنم فقال "فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ" ( القارعة / 9 ) 
وإلى هذا المعنى انتبه الإمام على رضى اللَّه عنه ( قال ومعنى أمه الهاوية فهو لا يزال ينزع إليها ) والابن يسرع نحو أمه كما أن الام لا تفتأ تطلب ابنها ، لأن الأصول تطلب الفروع كما تحن الفروع إلى الأصول .
 
( 883 - 903 ) : وأرواح البشر أشبه بالمياه الموجودة في حوض وهواء ( النَفَس ) يحررها لحظة بعد أخرى من السجن ، ويحملها إلى أصلها ، وما هذا الكلام الذي يصاعد منها إلا دليلا على ما أقول ، وإن لم تكن تعلم فأقرأ «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» ( فاطر / 10 ) 
وهي متحف منا إلى عالم العلا ، ومن بعدها تتنزل الرحمة ثم ينال العبد نعما من جنس المكأفاة التي نالها ، وهكذا يظل العمل الطيب صاعدا ومكافأته نازلة ، ثم يقول مولانا : دعنا من الحديث بالعربية ولنتحدث بالفارسية ( وفي الكتاب الثالث أضاف : وان كانت العربية أحلى ) : هذا الجذب الروحاني ، يتأتى من هذه اللذة التي تحدث تبعاً للمعارف الروحانية والأذواق الإلهية ، ولا لذة إلا

 
« 426 »
 
مع تجانس ، ولا لذة لجزء إلا من كله ، أو لقابل مستعد ، يتصل بغير جنسه فيكون منه ، كالكافر عندما يهتدى ، وكالطالح عندما يميل إلى الصلاح ، الأجناس عند مولانا بالعمل ، لا بالدم والتراب ، فانظر إلى الأعمال لا إلى الصور ، 
والمثال : الماء والخبز ليسا من جنس الآدمي ، لكنهما إذا دخلا في بدن الآدمي صارا من جنسه ، لكن حذار فهناك ، فهناك بعض التجانس على سبيل العارية ، ظاهري خادع يبدو تجانسا وهو ليس بذلك ، انه مستعار ، كصفير الصياد للطائر ، كالسراب للظمآن ، والسكة المزيفة بالنسبة للمفلس ، كل المظاهر التي قد تغرى وقد تخدع مهما كانت متقنة في البداية ، وقد يلقى بك من حالق مقام الأسدية إلى بئر الغرور ، على يد أوهن المخلوقات وأضعفها بالنسبة لك ، وان لم تكن تصدق فأقرا الحكاية التي سأرويها لك .
 
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: