الاثنين، 10 أغسطس 2020

10 -  قصة عازف الصنج الشيخ الذي كان في عهد عمر المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

10 - قصة عازف الصنج الشيخ الذي كان في عهد عمر المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

10 -  قصة عازف الصنج الشيخ الذي كان في عهد عمر المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ حكاية عازف الصنج ]
قصة عازف الصنج الشيخ الذي كان في عهد عمر رضي الله عنه 
وعزف الصنج لله في أيام فقره بين المقابر
« 1 »
- هل سمعت أنه كان في عهد عمر مطرب عازف صنج ذو صيت وأبهة ؟
- كان البلبل من حسن صوته يغيب عن الوعي ، ودور واحد من غنائه كان يتحول إلى مائة دور .
 
1925 - كان غناؤه زينة للمجالس والمجامع ، ومن صوته ، كانت تقوم قيامة ! !
- مثل إسرافيل ، كان صوته بفن ، يعيد الأرواح إلى أبدان الموتى .
- أو أنه كان رسيل إسرافيل ، فمن سماعه ، كان ينبت للفيل جناح . « 2 »
- إن إسرافيل لينفخ نفخة ذات يوم ، ينفث بها الروح في الأبدان التي إهترأت من مائة عام .
- وللأنبياء أيضا أنغام في بواطنهم ، تكون للطالبين حياة منها لا تقدر بثمن .
 
1930 - وأذن الحس لا تستمع إلى هذه الأنغام ، فمن المظالم تكون أذن الحس نجسة .
- والإنسان لا يستمع إلى أنغام الجان ، لأنه جاهل بأسرار الجان .
- ومع أن أنغام الجان أيضا من هذا العالم ، فإن نغمة القلب أسمى من هاتين النغمتين .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 17 : - إستمع في بيان هذا إلى إحدى القصص ، حتى تعلم اعتقاد الصادقين . " جعفري : شرح وتحليل وتفسير مثنوي ج / 2 ط 11 - تهران 1366 هـ . ش .
( 2 ) ج / 2 - 17 : - أو أنه كداود من حلاوة أنغامه ، كان يجعل الأرواح تطير صوب بستان الله .


« 191 »
 
- والجني والإنسان كلاهما سجين ، كلاهما رهن لسجن هذا الجهل .
- فاقرأ "يا مَعْشَرَ الْجِنِّ" من سورة الرحمن ، وتمعن في "إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا" وفي "لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ" . « 1 »
 
1935 - والأتغام الداخلية عند الأولياء تقول في البداية : أيها المتولدين من " لا " ؛ 
- إنتبهوا ، أفيقوا من " لا " النفي ، وألقوا بهذا الخيال والوهم جانبا .
- ويا أيها المهترئين في " عالم " الكون والفساد ، ألم تنمُ أرواحكم الباقية وألم تولد " بعد " ؟ !
- ولو أنني قلت نبذة عن هذه الأنغام ، لأطلت الأرواح برؤوسها من أعماق القبور
- فلتقرب أذنك ، فهذه " الأنغام " ليست بعيدة ، لكن ليس مسموحا بنقلها إليك .
 
1940 - انتبه ، فإن الأولياء بمثابة إسرافيل في هذا الزمان ، وللميت منهم الحياة والنماء .
- فروح كل ميت من موتى الأجساد ، تختلج في كفنها من أصواتهم .
- وتقول إن هذا الصوت مختلف عن كل الأصوات ، والإحياء من فعل صوت الله .
- ولقد متنا وتفسخنا تماما ، وأتانا صوت الحق فنهضنا جميعا .
- وصوت الحق سواء كان في حجاب أو بدون حجاب ، يعطي من لدنه ما أعطاه لمريم .
 
1945 - فيا من أعدمكم الفناء ، عودوا إلى جلودكم من العدم على نداء الحبيب .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 18 : - واقرأ سورة الرحمن أيها المبتدئ ، حتى تصبح مهتديا إلى سر الجان . 
- فإن عملهم من تلك الناحية التي يقطنها الجان ، يصير لك واضحا عندما تجد مرشدا .

 
« 192 »
 
- وذاك الصوت المطلق هو من ذات المليك ، وإن كان صادرا من حلقوم عبد الله
- فلقد قال له : أنا لسانك وعينك وأنا حواسك وأنا رضاك وأنا غضبك .
- إمض ، فإن لك " بي يسمع وبي يبصر " ، وأنت أنت السر ، فما معنى أن تكون صاحب سر ؟ !
- وما دمت قد صرت مصداقا ل " من كان لله " ، فأنا أكون لك مصداقا ل " كان الله له " .
 
1950 - حينا أقول " أنت " وحينا أقول " أنا " ، ومهما أقول فأنا الشمس المضيئة 
- وحيثما أطلع من مشكاة نفَس ، فإن مشكلات عالم بأسره قد حُلت فيه .
- والظلمة التي لا تمحوها الشمس ، تصبح من أنفاسنا كأنها الضحى .
- ولقد علم آدم الأسماء بنفسه ، والآخرون كانوا يفسرونها من آدم . « 1 »
- فاقتبس نوره من آدم إن شئت وإن شئت اقتبسه منه ، وخذ الخمر إن شئت من الدن أو من ثمرة اليقطين .
 
1955 - فإن ثمرة اليقطين هذه شديدة الاتصال بالدن وليست مثلك ، فما أسعدها من ثمرة يقطين مقبلة ! !
- لقد قال المصطفى " طوبى لمن رآني . . . ولمن رأى من رآني " « 2 »
- وما دام مصباح قد أُشعل من شمعة ، فكل من رآه ، رأى الشمعة يقينا .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 30 : - ويا طالب الماء أطلبه من الجدول أو من القدر ، فإن هذا القدر يستمد من الجدول . 
- واطلب النور من الشمس أو فاطلبه من القمر ، فإن نور القمر من الشمس أيضا يا بني . 
- واقتبس سريعا إن وجدت النجوم ، فلقد قال المصطفى : أصحابي نجوم .
( 2 ) في النص بالعربية والشطرة الثانية " والذي يبصر لمن وجهي رأى " .
 
 
« 193 »
 
- وهكذا إلى مائة مصباح إن قبست منها ، فإن رؤية المصباح الأخير تعد لقاء للأصل .
- فاستمد القدرة إن شئت من النور الأخير ، وإن شئت من شمع الروح . . فلا فرق
 
1960 - وانظر النور إن شئت من المصباح الأخير ، وإن شئت فانظر نوره من شموع الغابرين .
 
في بيان هذا الحديث " إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها "
 
- قال الرسول عليه السلام : إن نفحات الحق تتسابق في هذه الأيام .
- فترقبوا هذه النفحات بآذانكم وألبابكم ، وتخطفوا أمثال هذه النفحات .
- فربما جاءت نفحة وأبصرتكم ثم مضت ، وكل من كان يريدها وهبته الروح ومضت .
- وقد حلت نفحة أخرى فكن منتبها ، حتى لا تعجز عن تلقيها أيها الرفيق في العبودية .
 
1965 - فالروح التي لها طبع النار وجدت فيها القضاء على النارية ، والروح الميتة وجدت في نفسها الحركة .
- أي أن الروح النارية قد إنطفأت منها ، ولبس الميت منها قباءً من البقاء .
- وهذه هي نضرة طوبى واهتزازها ، وهي ليست مثل حركات الأحياء .
- ولو أنها وقعت في الأرض أو في السماء ، لذابت طاقتها في التو واللحظة .
- وخوفا من هذه النفحة التي لا تحدها حدود ، إقرأ في شأنها "فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها"

« 194 »
 
1970 - وإلا كيف كانت " تنزل " آية "أَشْفَقْنَ مِنْها" في حد ذاتها ، إن لم يكن قلب الجبل خوفا منها يصير دما .
- وليلة الأمس بينما كانت هذه النفحة تعرض لنا بشكل آخر ، جاءت بضع لقيمات وسدت الطريق .
- ومن أجل لقمة ، حبست نفحة " في عظمة " لقمان ، والوقت هو وقت لقمان ، فامضى أيتها اللقمة بعيدا .
- أمن هوى لقمة يكون هذا الشوك الحاد ؟ أو تطلب من كف لقمان الشوك ؟
- وفي كفه ، لا وجود للشوك ولا لظله ، لكن ليس لكم من الحرص هذا التمييز .
 
1975 - فاعتبره شوكا ذلك الذي رأيته رطبا ، ذلك أنك شديد الحرمان ولم تر " نعمة " قط .
- وروح لقمان التي هي روضة الله ، لماذا تكون متأذية بالشوك ؟
- إن وجود هذا الشوك الذليل بمثابة البعير ، وابن للمصطفى قد إمتطى هذا البعير 
- فيا أيها البعير ، إن باقة من الورد فوق سنامك ، ومن أريجه نبتت فيك مائة روضة .
- وميلك صوب شوك أم غيلان والرمل ، فأي ورد تراك تجنيه من الشوك الحقير ؟
 
1980 - ويا من صرت في طلب هذا من حي إلى حي ، حتام تتساءل : أين هذه الروضة . . . أين ؟
- وذلك من قبل أن تخرج هذا الشوك من القدم ، وعينك في غشيان . . فما لك تتجول ؟
- والإنسان الذي لا يستوعبه العالم ، أيختفي في طرف شوكة ؟
- ولقد أقبل المصطفى قاصدا المؤانسة ، فقال : كلميني يا حميرا كلمي .


« 195 »
 
- يا حميراء ، ضعي السنبك في النار ، حتى يصبح هذا الجبل من السنبك ياقوتا .
 
1985 - وحميرا هذه لفظيا مؤنثة ، والروح أيضا مؤنثة عند العرب .
- لكن لا بأس للروح من التأنيث ، فلا علاقة للروح بالتذكير والتأنيث .
- فهي أعلى من المذكر وأعلى من المؤنث ، وهي ليست تلك الروح الموجودة من اليابس والأخضر .
- هي ليست تلك الروح التي تزداد من الخبز ، أو تصير حينا على هذا النحو وحينا على ذاك النحو .
- إنها فاعلة للذة ولذيذة بل وعين اللذة ، ولا لذة " تعطى " بلا لذة تكون أيها المرتشي .
 
1990 - وعندما تكون حلوا من السكر ، ربما يغيب عنك هذا السكر في بعض الأوقات . « 1 »
- وعندما تصبح أنت سكرا من تأثير الوفاء ، كيف إذن ينفصل السكر عن السكر ؟
- والعاشق عندما يجد من ذاته غذاءً من الرحيق ، يغيب العقل آنذاك . . . يغيب . .
أيها الرفيق .
- والعقل الجزئي يكون منكرا للعشق ، وإن كان يبدي أنه صاحب سر .
- إنه ماهر وعالم ، لكنه ليس عدما ، وما لم يصر عدما فهو منسوب إلى الشيطان .
 
1995 - إنه عند القول والفعل يكون رفيقا لنا ، لكنك عندما تصل إلى الحال ينتفي .
- يصبح منتفيا لأنه لم يتحول من الوجود إلى العدم ، وما لم يصر منتفيا طوعا ، فكثيرا ما حدث ذلك له كرها .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 39 : يكون لك سما زعافا ذلك الذي يكون بلا وفاء " هب لنا يا ربنا نعم الوفا " .
 
« 196 »
 
- والروح كمال ونداؤها هو الكمال ، والمصطفى هو القائل " أرحنا يا بلال " .
- يا بلال ، إرفع صوتك الممتد كالسلسلة ، من تلك النفخة التي نفختها في قلبك . « 1 » 
- من تلك النفخة التي صار منها آدم مدهوشا ، وصارت عقول أهل السماء غائبة عن الوعي .
 
2000 - لقد صار المصطفى غائبا عن الوعي من ذلك الصوت العذب ، ففاتته الصلاة في ليلة التعريس .
- ولم يرفع رأسه المبارك من ذلك النوم ، حتى صلى الصبح عند الضحى .
- وفي ليلة التعريس وجدت روحه الطاهرة " رتبة " تقبيل اليد من تلك العروس .
- والعشق والروح كلاهما مختف ، فإن سميت كلا منهما عروسا ، لا تعب عليّ .
- ولو أن الرفيق أمهلني لحظة واحدة ، لكنت قد صمت مللا منه .
 
2005 - لكنه يقول : هيا : : تحدث ولا بأس ، إنه ليس إلا إرادة قضاء الغيب .
- ويكون عيبا لمن لا يرى سوى العيب ، ومتى ترى العيب روح الغيب الطاهرة ؟
- لقد صار عيبا بالنسبة للمخلوق الجهول ، وليس بالنسبة لرب القبول .
- والكفر بالنسبة للخالق حكمة ، لكنك عندما تنسبه إلينا يكون آفة .
- وإن كان ثم عيب واحد " في شئ " إلى جوار مائة نفع " يكون كالعود الذي يسلك فيه سكر النبات .
 
2010 - فإنهما يوزنان معا في الميزان على السواء ، لأن كلا منهما لازم للآخر كالروح والجسد .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 93 : يا بلال ، يا من تكون الروح رهن روضتك ، إنهض ، ومثل البلبل هب العطاء للروح .

« 197 »
 
- ومن ثم فإن العظماء لم يقولوا عبثا ، إن أجساد الطاهرين طاهرة كأنها الروح .
- وأقوالهم ونفوسهم وصورهم ، كلها أرواح مطلقة ، لا أمارة لها .
- وأرواح أعدائهم كلها أجساد خالصة ، كالزهر الزائد في النرد ، مجرد اسم .
- ولقد انغمس أحدهم في التراب وصار بأجمعه ترابا ، لكن آخر انغمس في الملح وصار كله طاهرا .
 
2015 - وذلك الملح يعتبر محمد أملح منه ، ومن ثم فإن حديثه أفصح من ذلك الحديث المليح .
- هذا الملح قد بقي ميراثا عن محمد ، وهو معكم يا ورثته ، فابحثوا عنه .
- إنه موجود أمامك ، لكن أين الأمام منك ، هو أمام وجودك ، لكن أين الروح التي تفكر في الأمام .
- ذلك أنك حصرت فكرك في ما هو أمامك وخلفك ، فأنت رهن الجسد ومحروم من الروح .
- فالتحت والفوق والأمام والخلف أوصاف للجسد ، وانعدام الجهات لتلك الروح النيرة .
 
2020 - فلتفتح بصيرتك من النور الطاهر للمليك ، حتى لا تقعن في الظن مثل قصار النظر .
- إنك هكذا في حزن أو سرور فحسب ، فيا أيها العدم ، متى يكون للعدم قدام أو وراء ؟
- واليوم ممطر ، فامض حتى يحين الليل ، إنه ليس من قبيل هذا المطر ، إنه مطر الرب . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 40 : - فاعلم أن هناك أمطارا غير هذه الأمطار ، لا تراها إلا عين الروح . 
- فطهر عين الروح وانظر جيدا ، حتى ترى الخضرة عيانا من ذلك المطر .
 
« 198 »
 
[ سؤال عائشة المصطفى صلى الله عليه وآله سلم ]
قصة سؤال عائشة رضي الله عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم 
لقد نزل المطر اليوم . .
 فلماذا لم تبتل ثيابك عندما ذهبت إلى المقابر
 
- ذهب المصطفى ذات يوم إلى المقابر لتشييع جنازة رجل من صحابته .
- ولقد ملأ حفرته بالتراب ، وأحيا حبة " وجوده " تحت التراب .
 
2025 - وهذه الأشجار على مثال البشر ، قد رفعت أيديها من التراب .
- وهي تشير إلى الخلق مائة إشارة ، وذلك الذي له أذن يترجم إشاراتها إلى عبارات . « 1 » 
- إنها تتحدث بلسان فصيح ، وبأيد طويلة " تشير " بالأسرار من باطن التراب .
- مثل طيور البط ، غمرت رؤوسها في ماء " النهر " ، وصارت كالطواويس وكانت كالغربان .
- وهي وإن حبست في فصول الشتاء ، فإن تلك الغربان ، حولها الله إلى طواويس .
 
2030 - وهو وإن كان قد أماتها في الشتاء ، فقد أحياها في الربيع ، وأعطاها الزاد .
- ويقول المنكرون : إن هذا أمر قديم في حد ذاته ، فلماذا تنسبه إلى الرب الكريم ؟
- وبرغم أنوفهم ، فإن الحق ينبت داخل أوليائه الرياض والبساتين .
- وكل زهرة تكون نامية سامقة من الباطن ، تكون تلك الزهرة مخبرة عن الأسرار الكلية .
- وبرغم أنوف المنكرين تمضي حول العالم بأريجها ممزقة الحجب .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 63 : - كما أن الآذان تسمع أسرارهم ، والغافلون لا يسمعون أصواتهم .

« 199 »
 
2035 - والمنكرون كأنهم حشرات الجعل بالنسبة لشذى تلك الورود ، أو كأنهم ضعاف العقول بالنسبة لقرعات طبول " الرعد " .
- إنهم يتظاهرون بالانشغال والاستغراق ، ويسترقون النظر نحو لمعات البرق .
- إنهم يسترقون النظر ولا عين هناك ، إن العين تكون حيث ترى الأمن .
- وعندما عاد الرسول من المقابر ، مضى نحو الصديقة ليناجينها .
- وعندما وقعت عين الصديقة على وجهه " الشريف " ، تقدمت وأخذت تتحسسه .
 
2040 - " أخذت تتحسس " عمامته ووجهه وشعره وجيب ثوبه وصدره وساعده .
- قال الرسول : عم تبحثين في لهفة هكذا ؟ قالت : لقد سقط المطر اليوم من السحاب 
- إنني أتحسس ثيابك ، لكني لا أراها مبللة من المطر ، ويا للعجب .
- قال : ماذا كنت قد وضعت فوق رأسك من ثياب ؟ قالت : لقد جعلت رداءك هذا خمارا .
- قال : من أجل هذا يا طاهرة الجيب ، أبدى الله لعينك الطاهرة مطر الغيب .
 
2045 - وليس هذا المطر من سحابكم هذا ، إنه من سحاب آخر وسماء أخرى .”1”
 
تفسير بيت الحكيم رضي الله عنه :
هناك سماوات في ولاية الروح مدبرة لأمور السماء الدنيا وفي طريق الروم
هناك منخفضات ومرتفعات وجبال عالية وبحار
- فللغيب سحاب آخر ومطر آخر ، وسماء أخرى وشمس أخرى .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 64 : - فاستمع إلى قول سنائي من الرموز معنى من المعاني حتى تصبح واقفا على الكنوز .

 
« 200 »
 
- لكنها لا تظهر إلا للخواص ، أما الباقون فهم " في لبس من خلق جديد " .
- فهناك مطر من أجل الإنماء ، وهناك مطر من أجل الإذبال .
- وأمطار الربيع ذات نفع عجيب ، أما أمطار الخريف فهي كالحمى بالنسبة للبستان .
 
2050 - ومطر الربيع يد لله وينميه ، أما مطر الخريف فيجعله مريضا أصفر الوجه .
- وهكذا البرد والريح والشمس ، كلها تتفاوت ، فاعثر على طرف الخيط .
- هي أيضا في الغيب موجودة على أنواع ، في الخسارة والربح والنفع والضر .
- فأنفاس الأبدال من قبيل " مطر " الربيع ، منها تنبت في القلب والروح مروج خضراء .
- وما تفعله أمطار الربيع في الشجرة ، يتأتى من أنفاسهم " المباركة " عند المقبل السعيد .
 
2055 - وإن كان ثم شجرة يابسة في مكان ما ، فلا تعتبر أن العيب فيها من الريح الذي ينعش الأرواح .
- لقد قامت الريح بفعلها وهبت عليها ، وذلك الذي كان له روح فضلها على روحه .
 
في معنى هذا الحديث " اغتنموا برد الربيع . . . إلخ "
 
- قال الرسول : أيها الرفاق ، حذار أن تخفوا أجسادكم عن برد الربيع .
- ذلك أنه يفعل بأرواحكم ما تفعله فصول الربيع بالأشجار . « 1 » - لكن توقوا برد الخريف ، فهو يفعل ما يفعله بالبستان والكرم .
 
2060 - ولقد أخذ الرواة " هذا الحديث " على محمله الظاهر ، وقنعوا منه بصورته .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 78 : - ومن ثم فإن برده ذاك يكون غنيمة في الدنيا لدى العارفين طلاب الوقت . ففي أوقات الربيع إخلعوا عن أبدانكم الثياب ، وامضوا عراة الأجساد نحو الرياض .
 
« 201 »
 
- فلقد كانت هذه الجماعة بلا علم عن الروح ، ورأوا الجبل ، لكنهم لم يروا فيه المنجم .
- فالخريف عند الله هو النفس والهوى ، والعقل والروح هما عين الربيع والبقاء .
- وإن لك عقلا جزئيا مخفيا فيك ، فابحث عن إنسان كامل العقل في هذه الدنيا .
- فيصبح جزؤك من تأثيره كلا ، والعقل الكلي على النفس كأنه الغل . « 1 »
 
2065 - ومن ثم فتأويل هذا الخبر أن الأنفاس الطاهرة كأنها الربيع ، وهي حياة للأوراق والكروم .
- فلا تخف جسدك عن حديث الأولياء رفيقا كان أو قاسيا ، فهو في الحقيقة ظهير لدينك .
- وتقبل برضا قوله - حلوا كان أو مرا ، حتى تنجو من الحلو والمر ، ومن السعير .
- فحلوه ومره ربيع جديد للحياة ، وهو مادة الصدق واليقين والعبودية " لله " .
- ومنها يحيا بستان الروح ، ومن هذه الجواهر يمتلئ القلب .
 
2070 - وفي قلب العاقل " تسكن " آلاف الأحزان ، إن نقص من بستان القلب عود واحد .
 
سؤال الصديقة رضي الله عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم
ما ذا كان سر مطر اليوم ؟
 
« 2 » - قالت الصديقة : يا زبدة الوجود ، ما ذا كانت الحكمة من مطر اليوم ؟
...............................................................
( 1 ) مولوى / 1 - 379 : فالجزئي يظهر من كله ، مثلما يظهر سكر العقل من النبيذ .
( 2 ) ج / 2 - 84 : - سألته الصديقة بصدق وخشوع وأدب من فوران العشق .
 
« 202 »
 
- وهل كان من قبيل مطر الرحمة ، أو أنه كان من أجل التهديد " وإظهار " العدل الإلهي ؟
- هل كان من تلك الألطاف الربيعية ، أو من تلك الخريفية المليئة بالآفات ؟
- قال : إنها من أجل تسكين الأحزان ، التي تتوالى على أبناء آدم من المصائب .
 
2075 - فإن بقي الإنسان " مقيما " على تلك النيران ، لوقع خراب شديد ونقصان
- ولخرجت هذه الدنيا في لحظة واحدة ولغادرت أنواع الحرص الناس .
- وعماد هذا العالم - أيتها الحبيبة - هو الغفلة ، والوعي آفة بالنسبة لهذا العالم
- فالوعي من ذلك العالم ، وعندما يغلب ، تصبح هذه الدنيا دنية .
- والوعي بمثابة الشمس والحرص ثلج ، والوعي بمثابة الماء ، وهذه الدنيا دنس
 
2080 - فهو يتسرب بشكل قليل من ذلك العالم ، لكي لا ينتفي في الدنيا الحرص والحسد .
- ولو أنه تدفق بشكل زائد من الغيب ، ما بقي فضل في هذا العالم ولا عيب .
- وهذه " المعاني " لا حد لها فعد إلى البداية ، عد إلى قصة الرجل المطرب .
 
بقية قصة الشيخ عازف الصنج وبيان نتيجتها
 
- المطرب الذي كانت الدنيا مليئة منه بالطرب ، ومن صوته نبعت الخيالات العجيبة .
- من صوته ، كان الطير يحلق ، وكان لب الروح يصاب بالحيرة .
 
2085 - عندما مرت عليه الأيام وصار شيخا ، أصبح بازى روحه من عجزه يصيد البعوض . « 1 »
- انحنى ظهره كأنه الدن ، وحاجباه فوق عينيه " صارا " كعرقل المطية .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 89 : - وما البازي ؟ فإن كان فيلا ، تجعله البعوضة عاجزا بلا جدال .
 
« 203 »
 
- وصار صوته الجميل الذي يطيل العمر قبيحا ، لا يساوي عند أحد شروي نقير .
- وذلك الصوت الذي كان يزري بالزُهرة ، صار كأنّه نهيق حمار عجوز .
- وفي الأصل ، أي جميل لم يصر قبيحا ؟ وأي سقف لم يتحول إلى أرض ؟
 
2090 - اللهم إلا أصوات الأعزاء في الصدور ، الذي يكون من انعكاس أنفاسهم نفخ الصور .
- فهم ذوو بواطن تكون البواطن ثملة بها ، وعدم منه ينبعث وجودنا .
- هم كهرمان الفكر وكل صوت من أي منهم ، يكون لذة الإلهام والوحي ، ويكون سرا منه .
- وعندما صار المطرب أكثر شيخوخة وضعفا ، صار من كساد سوقه محتاجا إلى رغيف .
- وقال : يا الله ، لقد مددت في عمري وأمهلتني طويلا ، وقدمت ألطافك إلى خسيس .
 
2095 - ولقد مارست المعصية لسبعين عاما ، ولم تمنع عني نوالك يوما واحدا .
- واليوم وقد أصبحت عاجزا عن الكسب فأنا ضيفك ، ولأعزف لك الصنج فأنا لك .
- وحمل الصنج ، وتوجه إلى باب الله متأوها صوب جبانة يثرب .
- وقال : سوف أطلب من الله أجر العزف ، فإنه يقبل القلوب بالإحسان .
- وعندما عزف كثيرا بدأ في البكاء ، ثم جعل من الصنج وسادة له وسقط " مهدودا " على قبر .
 
2100 - وغلبه النوم ، ونجا طائر روحه من السجن ، ترك الصنج وعازفه ، وانطلق .


« 204 »
 
- صار حرا من الجسد وتعب الدنيا ، في عالم بسيط ، وفي صحراء الروح .
- وروحه هناك متغنية بما حدث ، قائلة : لو أنهم أبقوني في هذا المكان .
- لكانت روحي سعيدة في هذا البستان والربيع ، ثملة بهذا الوادي ، مغيبة بشقائق النعمان .
- ولسافرت دون جناح ولا قدم ، ولقضمت السكر دون شفة أو أسنان ،
 
2105 - ولقمت بالذكر والفكر ، فارغة من ألم رأسي ، ولسامرت ساكني الفلك .
- ولكنت أرى وأنا مغمض العينين عالما ، ولقطفت الورود من الرياض دون كف .
- فالطائر المائي غريق في بحر العسل ، وعين أيوب له شراب ومغتسل .
- وبه صار أيوب من أخمص القدم إلى قمة الرأس بريئا من الآلام كأنه نور المشرق .
- ولو كان المثنوي في حجمه كأنه الفلك ، لما استطاع أن يحتوي على ما كان يراه حتى على بعض من كل .
 
2110 - " كان يقول " : إن هذه الأرض والسماء الواسعتين ، مزقتا قلبي من ضيقهما .
- لكن هذه الدنيا التي أيدتها لي الرؤيا ، من سعتها فتحت مني الجناح والقوادم .
- ولو كانت هذه الدنيا التي كنت فيها مرئية أو ظاهرة الطريق ، لما بقي إنسان لحظة على الأرض .
- وكان النداء يصل إلى قائلا : لا . . . لا تطمع ، وما دام الشوك قد خرج من قدمك . . فامضِ .
- أخذت روحه تتلكأ في ذلك المكان ، أي في فضاء رحمته وإحسانه .
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: