الأربعاء، 5 أغسطس 2020

24 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3687 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

24 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3687 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

24 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3687 - 3788 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. محمد الكفافي

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شُروح وَ درَاسَات الأبيات من 3512 - 3677 .الجزء الثاني د. محمد عبد السلام الكفافي    


شرح كيف تنازع أربعة اشخاص حول العنب لأن كلا منهم كان يعرفه باسم مختلف عما يعرفه الآخر
( 3687 ) “ الرجل المتعدد اللغات “ هو العارف القادر على ادراك الجوهر الواحد ، الكامن وراء اختلاف الألفاظ والأسماء .
 
( 3695 - 3696 ) نقل ابن البيطار عن الرازي أنه قال : “ الخل بارد مطفىء ، ويطفئ حرق النار أسرع من كل شئ “ . ( مفردات ، ج 1 ، 66 ) . 
و “ الخل “ هنا رمز إلى العلم التقليدى ، وهذا يكون بدون حرارة مهما اتخذ طابع الاخلاص .
( 3697 ) “ الدبس “ رمز للعرفان الروحي ، فهو الذي ينطوى على حرارة حقيقية ، مهما ظهر على خلاف ذلك .
 
( 3705 ) من سعى وراء المادة أهلكه مسعاه ، وأما من سلك سبيل الروح ظفر بالروح والمادة معا .
 
( 3707 - 3708 ) “ في زماننا هذا - وفي كل زمان - عارف روحي يقر الوئام بين النفوس المتصارعة ، لو أنها استمعت اليه ، وآمنت بجوهر عرفانه “ .
 
( 3716 ) في البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم “ . ( 49 : 10 ) .
 
( 3718 ) “ العنب الناضج “ رمز للمؤمن ، وأما “ العنب الفجّ “ فهو رمز للكافر .
 
( 3725 ) النضج الروحي يؤدى إلى التحرر من الأنانية الذاتية ، ويمهد سبيل الوحدة بين الناس .
 
( 3727 ) المحبة الإلهية هي وحدها السبيل التي تجمع بين البشر في

“ 596 “
 
وجود حقيقي واحد .
 
( 3729 ) الوحدة التي يصنعها الله من الأرواح ليست شبيهة بخلق الأجساد من الماء والطين . فوحدة الجسد قابلة للتفكك ، كما يحدث عند الموت ، لكن اتحاد الأرواح لا يكون عرضة لذلك .
 
( 3731 ) في اعتقادي أن “ سليمان “ هنا رمز للمحبة الإلهية التي توحد القلوب والأرواح . فالشاعر يقول إن هذه قريبة من الروح ، ومع ذلك نجد طلاب العلم التقليدى يتركون الحل القريب ، وينظرون إلى أمور بعيدة معقدة ، تعميهم عن حقيقة أرواحهم ، وتصرفهم إلى ألوان من البحث العقيم .
 
( 3732 ) نظر الانسان إلى ما بعد عنه يعميه عما هو قريب منه .
يسعى الانسان إلى معرفة إلى بالعقل والأدلة العقلية ، مع أن القلب هو خير وسيلة لمعرفة الله ، وأقرب طريق اليه . فمن الناس من يترك السبيل القريب ( سبيل القلب ) ، ويلجأ إلى السبيل البعيد ( سبيل العقل والأدلة العقلية ) .
وهذه الغفلة عن القلب وجلاله وجماله شبيهة بغفلة انسان ينام في قصر ، فلا يشعر بما حوله من رونق وبهاء .
 
( 3733 ) أوضح الشاعر هنا ما كان يقصده بالنظر إلى البعيد .
ويتجلى ذلك عنده في الولع بدقيق الكلام ، والتعشق لحل المشكلات الكلامية ، عن طريق الجدل والبحث النظري .
 
( 3734 - 3735 ) هذا النظر العقلي ، المجرد من الشعور والاحساس الروحي ، يزيد الأمور تعقيدا ، ويزيد الانسان سعيا إلى الايضاح ، فلا يكاد يدركه ، ويأخذه في وضع القواعد التي يظنها موصلة إلى الحل المنشود ، فكأنما هو طائر يشغل نفسه بشباك تأسره ، يحل عقدها ، ثم يعود إلى ربطها ، ظانا أنه بذلك يصبح مكتمل البراعة .
 
( 3736 - 3737 ) من شغل نفسه بالجدل العقلي العقيم ، وحرم نفسه من جمال الروح ، وتأمل مباهجها ، شبيه بذلك الطائر الذي شغل
 
“ 597 “

نفسه بحل عقد الشباك ، وإعادة ربطها ، فحُرم بذلك من الغياض والمروج ، وضاع عمره في معالجة العقد . فمثل هذا الطائر العنيد يتكسر جناحاه من معاناة العقد ، وهو في حقيقة الأمر لا يصل إلى شئ من مراده ، لأن الشباك تبقى موجودة برغم جهوده . وهكذا حال من أضاع حياته في الجدل والنظر الخاوي من الشعور ، فهو يعيش أسير الجدل ، ولا يتحقق له حل المعضلات .
 
( 3738 - 3739 ) أقلل من هذا الصراع الذي لا جدوى منه ، وإضاعة الجهد في أمور لا يتحقق من روائها شئ سوى العناء . فهذا الصراع المرير ، المبنى على الحيلة والذكاء ، لم يق الانسان مما يخشاه من العوارض والمخدورات . ولقد أقعده انشغاله بمثل هذا الصراع عن التحليق في آفاق الروح الفساح .
 
( 3740 ) ان الدهاء والحذر والعمل على مغالبة القضاء ، كلها لا تمكن المرء من الخلاص مما قدر له . ويستهشد الشاعر على ذلك بقوله تعالى :
“ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص “ . ( 50 : 36 ) .
ومما هو جدير بالانتباه هنا أن الشاعر لا يدعو إلى الاستسلام وترك الجهد ، وانما هو يدعو إلى احساس الروح بسلطان الخالق ، وابتعاد الانسان عن الظن بأن في وسعه أن يصنع لفنسه شيئا لا يريده له الله . وهذا هو التوكل بمعناه الروحي ، الذي عبر عنه ابن عربى بقوله :
“ انه اعتقاد القلب على الله ، مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم . ( الفتوحات المكية ، ج 2 ، 264 ) .
 
( 3743 ) “ أيها المتنازعون المتصارعون كالطيور التي تصطرح على القوت . ليتكم استمعتم إلى نداء الله بأرواحكم ، كما يستع الباز إلى دعاء المليك حين يقرع له الطبل ، اذن لا ستجبتم جميعا لهذا النداء ، وزوال كل ما بينكم من أسباب الفرقة والصراع “ .
 
“ 598 “
 
( 3746 ) غفلة الروح عن المحبة الإلهية تجعلها عمياء بعيدة عن النضح ، حالها كحال الطير التي غفلت عن معرفة سليمان .
 
( 3747 ) الغفلة عن المحبة الإلهية تجعل أصحابها على خلاف مع العارفين . يعيش هؤلاء بأرواحهم‌فيعالم الروح ، على حين أن الغافلين من أسارى الحس يتعلقون بعالم مآله إلى الخراب . وهؤلاء الحسيون في عداوتهم للعارفين شبيهون بالبوم التي تتعلق بالخراب ، وتظهر العداء للبيزان المحلقة في آفاق السماء .
 
( 3748 ) في هذا البيت ايضاح للرمز في الأبيات السابقة عليه .
 
( 3749 ) جماعة العارفين الذين استناروا بالمحبة الإلهية ، كيف يقترفون إساءة إلى مخلوق ؟
 
( 3751 ) قصة سليمان وبليقس والهدهد مذكورة في القرآن الكريم . ( سورة النمل ، 27 : 20 - 23 ) . 
والهدهد هو الذي جاء إلى سليمان بنبأ بلقيس .
وقد أصبح الهدهد رمزا للعارف في الشعر الصوفي ويتجلى ذلك في الدور الذي أسنده اليه الشاعر فريد الدين العطار في منظومته الصوفية “ منطق الطير “ ، حيث جعله قائد الطير في بحثها عن العنقاء .
 
( 3752 ) ان أدنى أهل العرفان منزلة - وهو من يكون بينهم كالغراب بين الطير - يكون بريئا من الزيغ والضلال .
 
( 3755 ) من هؤلاء العارفين من هو سعيد كالبلبل في الحديقة ، لكن سعادته تكون مستمدةمن حديقة باطنه التي تفتحت فيها الورد فحديثه المبتهج افصاح عن الباطن ، وليس انفعالا بالظاهر .
 
( 3756 ) “ البيغاء “ في الشعر الصوفي كثيرا ما تستخدم رمزا لمعنى رفيع ، هو الروح الذي أفنى ذاته في الخالق ، فأصبح صدى للإرادة الإلهية ، يفصح عنها افصاحا أمينا ، كما تفعل الببغاء بما تسمعه من الأصواب . والعارف الذي وصل إلى تلك المكانة ينطلق في التعبير عن
 
“ 599 “

احساسه الباطني ، بدون حاجة إلى ما يغريه بذلك ، كما يكون من اغراء الببغاء بالسكر . فمثل ذلك الروح يكون مفعما باللذة والبهجة الخالدة .
 
( 3757 ) سيقان الطواويس تعد مثالا للقبح . ومع ذلك فسيقان هذه الطواويس التي تنتمى إلى العرفان ، أبهى من أجنحة طواويس الدنيا .
ومعنى ذلك أن أدنى ما عند العارفين يفوق في بهائه أسمى ما عند أهل الحس .
 
( 3758 ) منطق الطيور الدنيوية ليس الا صدى ومحاكاة ، أما منطق طيور سليمان فمن نوع فريد ، لأنه من الهام الله . و “ الطيور الملكية “ فرمز للعارفين .
 
( 3759 ) أنى لك أن تعرف نداء الروح ، إذا كنت لم تنعم بلحظة واحدة من الأنس بالخالق .

( 3760 ) ان العارف تتجاوز دعوته حدود المكان ، ولا تبقى أسيرة لمشرق ولا لمغرب . وأسمى لون من العرفان رسالات الأنبياء .
 
( 3761 ) مثل هذا العارف لا تحجبه آدميته عن الوصول إلى الخالق . فهو بين الخلق ، وروحه مع الخالق ، في الوقت ذاته .
 
( 3762 ) “ سبيل سليمان “ رمز سبيل الله . وما دام سبيل الله هو الطريق إلى النور واليقين ، فمن تخلى عن هذا الطريق فهو عاشق للكفر والجهل والضلال ، وهو في عشق الظلمة شبيه بالخفاش .
 
( 3764 ) “ لو خطوت نحن الله خطوة واحدة لغدا سلولك هو السلوك المثالي الذي يقاس عليه “ .
 
( 3766 - 3787 ) في هذه الأبيات تمثيل رمزى للأصل الروحي للانسان ، والكيان المادي الذي يحجب عنه ادراك حقيقة هذا الأصل .
وقد رمز الشاعر للعالم الروحي بالبحر ، ولعالم الدنيا بالبر . والانسان طائر بحرى ، تربى في البر فنسى أصله . والشاعر يدعو الانسان إلى

 
“ 600 “

التسامى إلى أصله ، بعد التعرف على حقيقة ذاته .
( 3767 ) “ انك من أصل روحي ، لكن واقعك المادي يربطك بالمادة ويجعلك متعلقا بها “ .


( 3768 - 3769 ) النزعة الروحية في الانسان مصدرها أصله الروحي . أما النزعة المادية فمصدرها ذلك العالم الحسيّ الذي غذاه وربى جسده .
 
( 3771 ) يريد “ بالأم “ هنا المربية ، وهي الأم الحسية ، التي تصرف الانسان عن التطلع إلى أصله الروحي .


( 3772 ) الانسان في حقيقته قادر على الوصول إلى عالم الروح ، برغم ارتباطه الجسدي بعالم الحس .
 
( 3773 - 3774 ) فسر الشاعر قوله تعالى : “ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر “ ( الاسراء ، 17 : 70 ) ، على أنه رمز إلى أن الله كرّم الانسان بأن جعله منتميا إلى عالمي الروح والحس في وقت واحد .
 
( 3775 ) الجمع بين الروح والحس هو السرّ في تفضيل الانسان على كل من الملائكة ، وهي كائنات روحية ، والحيوانات ، وهي كائنات حسية .
 
( 3777 - 3778 ) الأنبياء والرسل هم المثل العليا للكمال الانساني .
وهؤلاء يعيشون في الأرض بهيكل ترابىّ ، وتدور أرواحهم في فلك روحي .
 
( 3779 ) قال جلال الدين في ديوان شمس تبريز :خلق جو مرغابيان زاده ز درياى جان * كي كند اينجا مقام مرغ كزين بحر خاست( الخلق طيور مائية ، ولدت من بحر الروح ، فيكف يقيم هنا طائر انطلق من ذلك البحر ) .
 
( 3782 ) ان الله حاضر أمام الجيمع ، لكن غيرته تحجب بصيرة من يتعلقون بسواه . فالله لا يتجلى الا لمن وهب القلب كله للخالق .


( 3783 - 3786 ) الجهل والغفلة والفضول ، كلها صفات تصرف
 
“ 601 “
 
الانسان عن الله ، وتجعله يغفل عن نبع الوجود كله ، ويتعلق ببعض الأسباب ، غافلا عن مسبب الأسباب .
( 3784 ) العقل الذي لا يستطيع أن يتخطى الظاهر المحسوس يبقى متعلقا بهذا الظاهر ، غافلا عما استتر وراءه من المعنى .
 
( 3785 ) المتعلق بالحس لا يستطيع تصور لذة خارج العالم الحسى .
ولهذا فان نفسه تبقى متعلقة بما يحيط به ، عاجزة عن التحرر منه .
 
( 3788 ) بدأ الشاعر هنا رواية قصة زاهد رآه الحجاج في الصحراء ، يصلى غير عابىء بالقيظ ، فلما عجبوا من أمره وجدوا الماء يقطر من يديه .
ولما سألوه عن سرّ ذلك دعا ربه فأمطرت السماء مطرا غزيرا ، وشرب الحجاج وملؤوا قربهم . ومثل هذا النوع من الكرامات يرد في تراجم أقطاب الصوفية . ومن أمثلة ذلك ما يُروى عن إبراهيم بن أدهم في وصف انصرافه عن الدنيا . قال : “ توجهت إلى مكة ، فبينا أنا في البادية ، إذا برجل يسير ، وليس معه اناء ولا زاد ، فلما أمسى وصلى المغرب ، حرك شفتيه بكلام لم أفهمه ، فإذا أنا باناء فيه طعام ، واناء فيه شراب ، فأكلت وشربت ، وكنت معه على هذا أياما ، وعلمني ( اسم الله الأعظم ) ثم غاب عنى وبقيت وحدى “ 1 “ . . . “


 أما قول الشاعر : “ وكان مستغرقا في العبادة كأهل عبادان “ فيشير إلى ما يروى عن عبادان ( الجزيرة الواقعة في دلتا شط العرب ) من أنها كانت موضعا “ فيه قوم مقيمون للعبادة والانقطاع ، وكانوا قديما في وجه الثغر ، ويسمى الموضع بذلك “ . ( ياقوت : معجم البلدان ، مادة عبادان ، ج 4 ، ص 74 ) .
 
تمت شروح الكتاب الثاني من المثنوي
.................................................................
( 1 ) السلمى : طبقات الصوفية ، ص 30 .

*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.

* * *

شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 3687 - 3788 على منتدى إتقوا الله ويعلمكم الله 


واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: