الأربعاء، 29 أبريل 2020

12 - شرح تجلي الفطرة للشيخ الأكبر كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي تعليقات ابن سودكين

12 - شرح تجلي الفطرة للشيخ الأكبر كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي تعليقات ابن سودكين

12 - شرح تجلي الفطرة للشيخ الأكبر كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي تعليقات ابن سودكين

كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
12. متن تجلي الفطرة
اعلم أن الإنسان ملك الهداية في أول نشأته وهي الفطرة التي فطره الله عليها وفطر الناس عليها  ، وهو ميثاق الذر .
وهذه الهداية ليس للإنسان من جهة ما يقتضيه طبعه وجه يقضي له التعشق بها فهو منافرٌ لها طبعاً والغواية لم يملك إياها وملكها الشيطان وهي تلائم الطبع الإنساني وتوافق مزاجه وله بها تعشق نفساني .
وسبب ذلك أن الإنسان لمّا كان ربانياً في أصله لم يحمل التحجير عليه والهداية والتحجير والغواية رفع التحجير وإظهار ربوبية الإنسان فلذلك لم يعصمه الله مع قناع السعادة التي هي ملكه بالشقاء لملائمته لطبعه في الوقت بدار الدنيا فإن السعادة تلائم طبعه أيضاً لكن في المستأنف فيعجل .
ولذلك قال تعالى : " مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ " [الإسراء : 18] .
فهذا التجلي إذا حصل فتحقق في الثبات فيه فإنه يثبتك على الفطرة والسعادة .

12- إملاء ابن سودكين على هذا الفصل :
«قال الإمام الراسخ رضي الله عنه، في أثناء شرحه لهذا التجلي ما هذا معناه :
اعلم أن الإنسان ملك الهداية في أول نشأته فهي فطرة له ، وهو ميثاق الذر.
وهذه الهداية ليس للإنسان بما يقتضيه طبعه وجه يقتضي التعشق بها ، فهو منافر لها طبعا والغواية ملكها الشيطان فهي تلائم الطبع الإنساني وله بها تعشق نفساني وسبب ذلك أنه لما كان الإنسان ربانيا في أصله لم يحمل التحجير عليه .
والهداية تحجير والغواية رفع التحجير ولما كان الإنسان نسخة جامعة لكل شيء لم يقبل التحجير بحقيقته.
فلما حجر عليه وجد المشقة والكلفة فيسمى هذا التحجير تكليفا :
فمن الناس من وقف تعشق مما كلف به واجتمع عليه فانصرف نظره عما تقتضيه ذاته من عدم التحجير لغلبة قرب الحق ومحبته له ، فيرتفع عن مثل هذا مشقة التكليف لصرف نظره عن مطالبة الطبع .
ومن الناس من غلب عليه طبعه ومزاجه فوقف مع إطلاق نشأته وعدم التحجير عليها بحكم الأصالة والنشأة فأجاب طبعه ولم يجب التكليف فوقف مع هواه .
ولما كانت الغواية بيد الشيطان لم يرض الحق أن يكون في مقابلته ، فجعل سبحانه الملك للهداية في مقابلة الغواية التي هي بيد الشيطان.
 فكانت الهداية بيد الملك والغواية بيد الشيطان .
وتفرد الحق سبحانه وتعالى بالعلم المجرد يلقيه على المحل بلا واسطة .
والله يقول الحق»


12 - شرح  تجلي الفطرة

181 - اعلم أن للماهية الإنسانية ، في شيئية ثبوتها التي لا تقبل الجعل بالنظر إليها ، من حيث هي مطلقة لا بشرط شيء فطرة .
وهي عبارة عن بدء خلوص متهيئ للتغير بالمزيد والنقص. وحكمها من حيث كونها ماهية إنسانية جامعة ، بالنسبة إلى المزيد والنقص ، بل بالنسبة إلى كل حكم واعتبار، على السواء ، فلا تقبل التقيد بحكم دون حكم من هذه الحيثية.
وللماهية الإنسانية بالنظر إليها من حيث انتقالها من شيئية ثبوتها إلى شيئية الوجود بمرجح لفطراتها، اعتبارات : منها اعتبارها عند اقتران الماهية بالوجود ، ومنها اعتبار قبولها، بعد الاقتران، تربية الأبوين . ومنها اعتبارها من حيثية وجهها الخاص بها وما يثمر لها، ومنها اعتبارها في تأثرها من الأسباب الخارجية.

182- فهي بالاعتبار الأول : بدء خلوص مختص بالوجود الذي هو ينبوع المزيد والخير كله، بمرجح وهي المشار إليه بقوله صلى الله عليه : «كل مولود يولد على الفطرة» أي على الفطرة المختصة بالخير.
ومن هذا الوجه ملك الإنسان الهداية ، وفيه ميثاق الذر.
وبالاعتبار الثاني : بدء خلوص متهيئ للتغير بقبول تربية الأبوين واكتساب الأوصاف والأخلاق والعقائد منهما، من حيث كون الولد سر أبيه .
ولهذا قال صلى الله عليه : «فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه» . صحيح البخاري و مسند أحمد
 
 و بالاعتبار الثالث : فهي بدء خلوص متهيئ للتغير بما يثمر لها الوجه الخاص بها من الأوصاف والأخلاق والعقائد الظاهرة في الولد المفقودة في أبويه على مقتضى : يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي كظهور الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر.
فهذا هو حكم الوجه الخاص الذي يعرفه المحققون من أهل الكشف والشهود، فإن للقلب في عندية مقلبه وجها خاصة يأخذ منه ، إما من حيثية الاسم الهادي» أو من حيثية الاسم «المضل»، أو تارة وتارة.
وبالاعتبار الرابع : بدء خلوص متهيئ للتغير إما بالمزيد أو بالنقص، ولكن باقتضاء الروحانيات الباقية المثمرة للحوادث الفانية بتوسط الحركات الفلكية والأوضاع الكوكبية المتجددة الزائلة .

183- ولما كانت فطرة الإنسان ، حالة انتقاله من شيئية ثبوته إلى شيئية الوجود مخصصة بالوجود الذي من سوانحه الهداية .
قال قدس سره : ( اعلم أن الإنسان ملك الهداية في أول نشأته) المعبر عنها بحالة اقتران ماهيته بالوجود بمرجح ؛ فالهداية فطرة له .
 (وهي الفطرة التي فطره الله عليها وفطر الناس عليها) إذ الهداية من سوانح الوجود الفائض على قابلياتهم ، إذا لم يزاحمها حكم غلبة الإمكانية .
 كما أن الضلالة من غلبة حكم الإمكانية ، إذا لم ترفعها غلبة حكم الوجود والوجوب. (وهو) أي اختصاص الإنسان في أول نشأته الوجودية ، بملك الهداية موقع (ميثاق الذر) وهو مبدأ الصورة الجامعة الوجودية للإنسان. غير أنه تعالی نظرة إلى مال أمر الذر جعل البعض في القبضة اليمني والبعض في القبضة اليسرى.
ثم قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي .( وهذه الهداية ) مع كونها اختصاصا إلهية و سانحة وجودية (ليس للإنسان من جهة ما يقتضيه طبعه) القاضي بإطلاقه و سراحه، (وجه يقتضي له التعشق بها) أي بجهة ما يقتضيه طبعه ، (فهو) أي الوجه الذي ليس يقتضي التعشق بها، (منافر لها طبعا) أي لجهة ما يقتضيه طبعه .

184- (والغواية لم يملك) الإنسان (إياها وملكها الشيطان) ولذلك قال عن ملكيته واقتداره : "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)". سورة ص. (وهي تلائم طبع الإنسان وتوافق مزاجه) لما فيها مما يتلذذ به ، (وله بها تعشق نفساني) لا محيد له عن ذلك إلا بحكم قاسر وسلطان مبين .
(وسبب ذلك أن الإنسان لما كان ربانية في أصله) حيث تحقق بمظهرية عموم الإلهية والإمكانية ، جامعا لما بطن وظهر من الحيثيين، متساوي النسبة إلى كل شيء في سوائيته، لا ميل له من هذه الحيثية إلى جهة تقيده و تحصره، (لم يحمل التحجير عليه ، والهداية تحجير، والغواية رفع التحجير) فإنها تقتضي الاسترسال والسراح طبعة ، (وإظهار ربوبية الإنسان) فإن الرب لا تحجير عليه، لا يسأل عما يفعل فشأنه أن يتصرف فيماشاء ، كيفما شاء، مهما شاء ، كما شاء. والإنسان إذا قام لرفع التحجير عن نفسه وإظهار إطلاق تصرفه، على مقتضى ما فيه من الربوبية ، استهلكت عبوديته في تعليته الطبيعية الحاكمة عليه.

185- (فلذلك من لم يعصمه الله تعالى) بالتزامه مشقة التحجير عليه واحتماله لوازم العبودية ، (باع السعادة التي هي ملکه) نظرة إلى فطرته في أول نشأته ، (بالشقاء لملاءمته لطبعه في الوقت الحاضر (بدار الدنيا) فإنه في الآجل غير ملائم؛ والسعادة بضده . (فإن السعادة) المكنى بها عن الهداية والتحجير، (تلائم طبعه أيضا، ولكن في المستأنف) أي في النشأة الآجلة ، (فتعجل) عطف على قوله «باع» أي فتعجل في نيل ما يلائم طبعه ، وإن أورث له الشقاوة الأبدية .
 (ولذلك قال تعالى: " من كان يريد العاجلة") "عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد(18)". سورة الإسراء.

186- (فهذا التجلي إذا حصل لك، فتحقق بالثبات فيه) إلى أن يعطيك حقوق مراسم مقامه ، (فإنه) إذ ذاك (يثبتك على الفطرة) التي كانت الهداية لازمها ، (والسعادة) التي كانت الفطرة في أول النشأة مالكها.
 .
التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: