الاثنين، 27 أبريل 2020

خطبة الشارح وتأويل البسملة كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي تعليقات ابن سودكين

خطبة الشارح وتأويل البسملة كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي تعليقات ابن سودكين

خطبة الشارح وتأويل البسملة كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي تعليقات ابن سودكين
كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
خطبة الشارح رضي الله عنه :-
01 - الحمد لله الذي رفع طلاسم الغيوب بتجلياته وكشف خدور الكمون عن أسرارها المصونة فيها بتنزلاته . فتق رتق ماقدر في الظلم برش نوره . 
وكتب بقلمه الحروف والكلم الكامنة في النون ، على الرق المنشور، نقلا من كتابه المكنون إلى مرقومه ومسطوره . 
أدرج ما يعرفه الكون وما لا يعرفه في الرقيم ، المكنى عنه تارة بقلب الكون، وتارة بقلب القرآن ، وتارة بأكمل قابل ظهر به الاسم الأعلى في أحسن تقویم . 
ثم استنطق فيه معنی : " ما فرطنا في الكتب من شیء " [ الأنعام :28 ] .
 فنطق المعنى بلسان كل فرد فيه ، ما لأفراد مجموع الأمر كله ، ونور سر الكون، إذ ذاك ، في اسفراره عن الظل والفيء. 
ففهم المستبصر الألمعي علم الكتاب ؛ وجاد عليه من غيب الجمع والوجود بغیر حساب ، وهو علم سير الوجود من الحق إلى الحق ، وعلم طريقه الذي هو على الحقائق ، إلى أن يجمعها قدم الجبار وقدم الصدق.

02 -  فقل : رب زدني علما ، ولا تقصد في طلبك غاية ، وتحول في صورة ما علمت، وتعلم إلى الأبد. ولا تبرح عن مركز فلك الولاية . 
واصحب الحق في صور معتقدك وعلمك مع الآنات. ولا تطمع في ضبط ما لا ينضبط ، وقل : رب زدني تحيرة، فإن إدامة مزيده عليك هي إدامة التجليات، فإذا استشرحت أحوال الوجود ، في وضع الكشف والشهود ، فكن على مطالعة تنوع الصور، في عالمي البدو والحضر.
إذ بتنوعها لك تتنوع اللطائف ؛ وبتنوع اللطائف تتنوع المأخذ، وبتنوع المأخذ تتنوع المعارف، وبتنوع المعارف تتنوع التجليات ، ويتنوع التجليات تستمر لك صحبة الحق وشهوده مع الآنات.

03 - والصلاة على من ابتدئ به رش النور، وعلى ما قدر في الظلمة للظهور، وختم بتقویم صورته كمال الصورة ، وسيرتفع في دورته عن المعنى المطوي فيها هذه الحجب المنشورة سیدنا محمد، الموصل من أصله الشامل صلة كل محمول وحامل ، وعلى آله وصحبه بغية كل طالب وغنية كل آمل.

04 - وبعد: كان في كتاب «التجليات» المنطوي على المطالب العلية ، المعزة إلى المشارب الختمية ما لا تتسلق إلى حل أغلاقه الأفهام السقيمة ، ولا تظفر بمطاوي أعلاقه إلا الأذهان السليمة.
وقد رام شایم برقه أن يرى   …..    من خلال سحب حروفه ودقا  
وكان هو من أوجب له بعشرته المرضية على ذمتي حقا ، فأوقع قرعة طلبه علي ، وأطال أعناق رومه إلي، وقد كان له في الكتاب دخل وقيل ، وفي ساحة فهمه جانب ومقيل
فلما رأيت حد شغفه ماضيا ، وجد طلبه في التزامي الأمر قاضيا، أجبت داعيته ، ملتزما وفاء حقه وجزاء صدقه . 
فعلقت له هذه الحاشية عليه ، وهي مع كونها لطيفة الحجم، توشك أن تفي بحله، وتحصي بأنامل التحقيق فرائد سمطه المقصودة إليه ، وترفع بأيادي البسط والأطناب ربات حجاله، وترشده بما رشح البال فيها من الرغائب الوهبية إلى أعذب مناله وأجزل نواله . 
وسميته : بکشف الغايات في شرح ما اكتنفت عليه التجليات
وإني أسأل الله المعونة في تبيين الغرض، وتمهيد ما يميز بين ما هو المقصود لذاته، وبين ما هو المقصود بالغرض وهو السامع المجيب
وإني وإن أصبت الحق فيما تحیت ، فيه أتحرى وبه أصيب.

تأويل البسملة 
رشح البال لكشف المنال ورشف الزلال في قوله قدس سره في مبدأ الكتاب وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم 

05 - اعلم أن العالم بما فيه من الحقائق المتطورة في الخلق الجديد، والصور المتعينة الظهور أنها المقدرة، في نشأتها المختلفة، والحصص الوجودية المفصلة، في الأجناس والأنواع والأفراد، بحسبها في طور الإنسان : 
هو کتاب جمع الوجود وقرآنه  .

06 - والإنسان بما لحقيقته وصورته المتطورة في المراتب التفصيلية حسب رقائقه المتصلة بتفصيلها وتفصيل كل شيء، في طور العالم المقول عليه السلام" سنريهم آیتنا في الأفاق وفي أنفسهم [فصلت : 53 ] .  هو کتاب تفصيل الوجود وفرقانه

07 - فنسخة الجمع والتفصيل المقروءة من وجهين: "كتاب مرقوم يشهده المقربون [المطففين:20-21]. وهو الكتاب المقول فيه ما فرطنا في الكتب من [الأنعام:28]. ونسختهما من حيث صورهما مطلقا : "وكتب مسطور .في رق منشور" [الطور:2-3]. ومن حيث حقايقهما الثابتة في عرصة غيب العلم : في كتب مكنون د يمها إلا المطهرون [الواقعة : 78 - 79].

08 - فالقرآن منزل من حيث فرقانيته ، بمطابقة تفصيل الوجود . فإنه بآياته التي فصلت مبين أحواله «الوجود» التفصيلية . ومن حيث قرآنيته ، منزل بمطابقة جمعه «جمع الوجود» حتى يعود تفصيله الجم بيانا إلى جمعه وقرآنه ، بل إلى سورة منه لا بل إلى البسملة ، وهي أربع كلمات إلهية ، لا بل إلى بائها، لا بل إلى نقطته المقول فيها "لو أردت لبثت في نقطة باء بسم الله سبعين وقرا". نسب القول إلى الإمام علي كرم الله وجهه (لطائف الأعلام 124 )

09 - فـ "بالبسملة " منزلة في مبتدأ الكتاب المحيط بالمحيطات ، كلماتها أربعة إلهية مصدرة بالباء ومختتمة بالميم، حروفها المقدرة والملفوظة اثنان وعشرون ، نقطها أربعة ، حركاتها عشرة : 



ستة منها سفلية وأربعة منها برزخية ، سكونها أحد عشر: الميت من ذلك سبعة ، والحي أربعة. 
فلعل من هذه المذكورات وغيرها مما أهمل ذكره ، إحاطة كلية تنطوي على كل ما احتمل الوجود من الأحوال ظاهرة وباطنة، بدءا وغاية ، تنزلا وترقية ، نقصان وكمالا ، تفصيلا وجمعة، بمطابقة ما هو مقول فيه : " ما فرطنا في الكتاب من شىء [الأنعام : 38].

10 - فها أنا أشرع أولا متلقية من نتائج سبق العناية ، في تحقيق ما اشتملت عليه نقطها، في بنائها الكشفي وعطيتها الفتوحية الإلقائية ، متحذلقا في مآخذ فيض الوجود لتلقي العطایا الجودية والنوادر القدسية والسوانح الحدسية ، فيما أحاطت به کلية استيعابها من الأحوال المذكورة بتلويحات تفي بالمقصود. ثم تتبعه الأخرى ، إلى أن ينتهي الأمر إلى غاية يتبين فيها مرام السائل وتترتب عليها غنية العائل.

النقطة 
11- اعلم أنها في المعنى المطلق الكامن في الغيب المطلق ، سر أقدس هو محل سکون مد الوجود المتقلب، بعد ظهوره في أصلاب الحدود والقيود والعدد والمعدود. 
وهي أصل هو محل سكون الألف ، مع كون حقيقتها معنى في الألف متقلبة في صلبه الفائت عن درك النطق مرة، منتقلة في تقليها إلى صلب الباء ، متولاة منه على استيعاب وإحاطة ، تنتقد له في أنهى غاية انبساطه وتنزله ، ومنتقلة أيضا إلى أصلاب الحروف فيها ، ومتقلبة تقلب الواحد أولا في صلب الاثنين ، الذي هو مبدأ الكثرة ، ثم في أصلاب الآحاد والعشرات والمئات والألوف.

12 - فـ "بالألف" في التحقيق لسان حل النقطة في فوت کنهها، والباء لسان حل تفصيلها وقلم خطها في تشكيلها ومبدأ بسطها في تنزيلها.

13 - ولما تجلت الحضرات الأربع في البسملة من حيث كلية إحاطتها العليا بـ «الباء»، واستقام فيها الباء عن صورته المعترضة لاحتضانه وحدانية الألف وقيامه باطنا، تعلق الباء بالسين الذي ذاته ساته الثلاث رقما ، وهو بسناته بناء ذات الألف المحتضن في الباء ، وبناء حقائقه الثلاث : أعني نقطة الأصل المبدوء بها في خطه ونقطة الغاية ونقطة الفصل بينهما.

14 - فملفوظ السين بمطابقة مرقومه في التثليث ، وذلك لظهور جوامع تفصيل ذات الألف في حس لطيف هو منال السمع. كما أن الميم هو تمام أظهر منال حس هو حظ العين.


15 - فمحل تفتح جوامع تفصيلها ذات الألف ، من حيث كونها منال السمع، هواء النفس الذي هو في مصادر النطق مداد المسموعات الجمة . ومحل تفتح تمام أظهر منال حس هو حظ العين ، ماء هو في المراتب الكونية مداد الكتاب المسطور في الرق المنشور .



16 - فينبوع هواء النفس ، الحامل صور حروف المقولات الجمة ، في حضرة اسم الاسم الذي له المبدئية في البسملة التي هي جوامع التفصيل الكتابي ، صادر من حقيقة النقطة البائية التي هي في سويداء القلب الإنساني ، نزلة أجمع الجوامع وأغمضها. 
ولذلك نزلت في نقطة سويداء أول أفراد النوع الإنساني جوامع الحروف الجمة ، التي منها وجوه تفاصيل أسماء الأسماء وعلم تأليفها بجوامع المناسبات.

17 - وينبوع الماء، الذي هو في المراتب الكونية التفصيلية مداد التدوين والتسطير، إنما هو من حقيقة نقطة نون الرحمن ، التي هي حقيقة حاق وسط طرفيه العماء، التي منها انتشاء النشات الكونية وما فيها . 
والرحمن هو المتجلي بالباء لإفضاء الرحمة العامة إلى عموم القابليات. 
فإن الباء هو صورة السبب الأول الموصل لما إليه الحاجة شهودة ووجودة . 
ولذلك كان عرش الرحمن على الماء الذي جعل منه كل شيء حي. وكل شيء ثم حي ناطق عرف الرحمن بحسبه وسبح بحمده .

18 - وينبوع الهواء والماء جمعة من حقيقة نقطتي ياء الرحیم. وهو بناء حقيقة وسطية إذا ظهرت في إحاطة متنزل الوجود دنوا ، يضاف إليها بالياء كل شيء إضافة حقيقية ؛ إذ الياء بناء هذه الإحاطة المذكورة .

19 - فنقطة الباء والنون لتخصيص عموم رحمة الوجود، وهما في ياء الرحيم لعموم تخصيصها. 
ولذلك ثل علم الأولين والآخرين بضربه في نقطتين : 
نقطة بين كتفيها، حيث وجدت برد الأنامل ، في نقطة أخرى بين ثدييها . 
وهذا العلم إنما ينتقد لمن يجد الكون مطلعة في غيب إحاطة الباء عن تجلي الحقيقة . 
ولذلك قال العارف : ليس للكون ظهور أصلا عند تجلي الحقيقة ، وإنما ظهوره بالباء لأنه ثوبها السابغ.

20 - فهذه النقاط الأربع المنزلة مطابقة الحضرات الأربع المبنية عليها ، تبين حکم کتاب الوجود جمعة في تفصيل وتفصيلا في جمع لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

21 - ولما كان الباء به ظهر الحق وبه وجد الكون الجسم، خرج على الصورة في كونه ثوب ظاهر الوجود من باطنه المجتمع فنظر الحق لظهوره وظهور حقائقه إليه ، فكان موقع نظره ظاهر نقطته التي هي بناء تدليه المنتهي إلى إحاطة أنهی متنزله القائم لتحقيق الجلاء والاستجلاء. 
ونظر الكون الصادر منه في مد ذاته الذي هو مد ظل وحدانية الألف ، مستجلية فيه محل عود حقائقه إليه ، بعد تنزلها عنه وتلفعها بالصور ؛ فكان موقع نظره باطنها الذي هو بناء تدانية المنتهي إلى إحاطة أنهى غاياته العليا التي إليها المنتهی .

22 - فاجتمع النظران في أنية المثل الأعلى القائم في منصة الجلاء والاستجلاء بتوفيه حكم الجمع ظهرا وبطنا، ومطلعة وإحاطة واشتمالا ، فيما بعد المطلع. فكان موقع نظره إذ ذاك فيه محل نقطة الوصل الجامع لنقطتي الظاهرية والباطنية . فلذلك تثلیت نقطة الباء في نفسه حكمة، وفي الثاء الذي هو منتهی تنزله عينة

23 - وهذا التثليث هو تثليث النقط التي هي حقائق الألف القائم. وبهذا التثليث كان وسع الباء موقع النكاح الأول الساري ، وبه سمي النكاح باء. فالباء بهذا التثليث النقطي قام بإزاء كل شيء فكأنه يقول في كل شيء: بي قام كل شيء. 
وهذا قول من قال : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الباء مكتوبة عليه». فالتحقيق الإمعاني شاهد بدوران فلك الوجود ظهورة على تثليث النقطة التي هي رأس خط قائم الألف الوحداني المنفصل عن كل شيء في أوليته وفوته . 
وهذه النقطة واقعة في مبدأ طور التفصيل، تحت الباء الذي له العمل في نون الرحمن ونقطته، الانبساط رحمة الرحمانية العامة . 
والنون ونقطته ، من حيث كونهما معمول الباء ونقطته ، مبدأ تسطير كتاب الوجود وتدوينه بالقلم، قرآنا وفرقانا . فإن كان تثلیث النقطة بناء ظاهر الوجود وباطنه والجامع بينهما ، فهو ظهر به أيضا في طور المفعولات ، عالم الرفع بالميل الأيمن، وعالم الخفض بالميل الأيسر، وعالم السواء بالاستقامة والاستواء.

24 - فمنتهی تقلب النقطة ، التي هي بتثليثها أم كتاب العوالم الثلاث ، نقطة مركز الاستواء. وهي الوسطية المختصة بالإنسان الذي هو بنقطة سويداء قلبه نسخة جمع العوالم وإليه إيماء تفصيلها . 
وهو الذي ظهر به أيضا، في طور المقولات ، ألف الميل الأيمن والأيسر والسواء، وما يتحرك إلى كل منها من الحروف . 
فمنتهی تقلب النقطة في هذا الظهور في أصلاب الحروف ، نقطة الضاد الذي انفرد أفصح من نطق به في الأكملية بالنقطة الوسطية الغائية ، فأوتي فيها جوامع الكلم ، فنطق بكل نطق في كل علم من كل رؤية ، في كل وصف بكل حقيقة.

25 - وإن كان تثليثها في صورتها الخطية ، فلها تنزلان ، تنزل في صور حجابية الحروف بتنوع تعويجاتها ، إلى أن ظهرت في صور حجابية الحروف الجمة . فتفصل فيها تثليث النقط التي هي أصل الخط ، ما بين واحدة وثنتين ، من فوق الحروف ومن تحتها ، إلى أن ظهر تثليثها جملة، كما في الثاء والشين . 
ثم انتهت الحروف بالتراكيب المختلفة إلى الكلمات، إلى الكلام ، إلى الآيات ، إلى السور ، إلى الصحف ، إلى الكتب ، إلى الكتاب المحيط بالمحيطات ، إلى أم الكتاب ، إلى البسملة ، إلى الباء ، إلى النقطة ، فمن النقطة سلسلة المقولات الجمة ، 
وتنزل في تثلیث نفسها ، أعني الصورة الخطية وانبساطها عرضا إلى صورة حجابية السطح، والسطح في تثليثه وانبساطه عمقا إلى صورة حجابية الجسم فيتم بالجسم تنزلات المفعولات الجمة المستتبعة الحقائق الروحانية بحسب نشأتها . ثم ينتهي الجسم إلى أبعاده الثلاث التي هي فيه صورة حجابية تثليث النقطة التي منها سلسلة المفعولات كلها.

26 - وإن كان تثليثها في دوامه المطلق ، تقلبت في أصلاب أدوار الأزل والآن والأبد ، ثم في أصلاب الآنات إلى ساعة الجمعة المشبهة بالنكتة السوداء في وجه المرأة ، ثم إلى الوقت المبجل وهو أن لا يسع فيه لصاحبه مع الحق ملك مقرب ولا نبي مرسل.

27 - فعلى ما تقرر وتحرر تكون النقطة البائية بإشارتها إلى حقيقة وحدانية حقية ، تنطوي على الحقائق الجمة إحاطة واشتمالا بذرة نبتت في الأرض الأريضة الإمكانية شجرة الكون فروعة وأصولا وأوراقا وأزهارة وأثمارة، في آن ينطوي على الدهر العظيم الذي لا مبدأ له ولا منتهى إلا الأزل والأبد، فهي الشجرة الكلية التي ثمرتها :"إنى أنا الله رب العالميين" [القصص: 30].

28 - ومن أصل هذه النقطة، وعلى صورتها، الدرة البيضاء المودعة في عرش الاستواء. وهي حاق وسط طرفيه العماء . 
ثم النقطات الصورية الغاسقة والنورية : كمغرس السدرة، وموقع بیت المعمور، وبيت العزة ، والكعبة، ومراكز الأفلاك، والقطبين، وصور الذراري، وموقع قبة أرين، وذر الميثاق، وكثيب الرؤية، والهباء، ونكت سويداء القلوب، وصور الحبوب، وقطر الأمطار، وصور المتكبرين المحشورين يوم القيامة على صور الذر، ونحوها. حتى انتهت إلى ختم النبوة ، ثم إلى النقطة الغائية في القلب الأقدس المحمدي ، المسماة بالسويداء . 
فإن سائر النقطات ، في سائر البدايات والأوساط والغايات ، برقيقة نسبة ما، صورية ومعنوية ، خفية وجلية تنتهي من نقطة الأحدية إلى نقطة السويداء المحمدية . فإن منتهى كل شيء ، في الأحدية ، نقطة خفية معنوية ، تشمل كل نقطة منها على الجميع.

29 - فمن اطلع على أسرار هذه العوالم النقطية ، كان مطلعة على أسرار وحدة الوجود في مراتبه وأحواله وأحكامه التفصيلية . 
بل مطلعة على جمعها وتفصيلها في نقطة واحدة ، فإن جميع ما كتب بالقلم الأعلى بتقدير المدير المفصل، في لوح القضاء إجمالا، وفي لوح الفدر تفصيلا، إنما كتب من نقطة النون التي هي مرکز کرة الوجود. 
وفي كل نقطة منها من حيث كونها حاق وسطها ، علم ما في جميعها فافهم نجوى ذي نفس ، أتاك من نور الهدى بقبس.

الباء 

30 - في صدارته وقيامه بنساء ألف الذات ، الذي لا يتعلق بشيء في قيامه ووحدانيته المطلقة . 
وحيث كان الإطلاق الألفي ، في قيامه الذاتي ، غير مناف لتعلقه بما بطن فيه من وجه وظهوره به ، تعين لكلية الظهور بـ "الباء" المنبسط منه ، المتعين في الرتبة الثانية بالأولية . 
فبحقه قدر ما خلق ، وبعدله خلق ما قدر. فاقتضى عدله التكافؤ في عدده ؛ فصار الواحد من عدده الاثنين، مصدر انبساط الوجود المفاض على الأعيان الغيبية ،
وصار الآخر مصدر انبساطه على الأعيان الشهادية ؛ ونقطته الموتر شفعهما، مجمع ما بطن من الحقائق الغيبية . 
وظهر في الصور الشهادية ، فسری حکم عدله في الأزواج وحكم جمعه في الأفراد ؛ فقام بعدله ما تعين في مراتب الأزواج من المعدودات ، وقام بجمعه ما تعين في مراتب الأفراد منها .
فهو موجودي ، انبسط عرضة لظهور الحقائق الحقية ووجود الحقائق الإمكانية الخلقية . 
إذ في مده العرضي حق ما ترجح ظهوره ووجوده ؛ وفي المد الطويل الألفي الذي لا مبدأ له في الأزل ولا غاية له في الأبد، حق كل ذلك مع ما بقي في صرافة الوجوب والإمكان أزلا وأبدا من غير مرجح لظهوره ووجوده .

31 - فلما انحصر الوسع البائي على ما يظهر ويوجب ، اختص بالمد العرضي، فإن العرض أقصر وأقل من الطول مقدارة. 
وحيث كان حكم الوجود في قيامه المطلق الذاتي بالنسبة إلى شؤونه الباطنة والظاهرة والكامنة في صرافة أحدية جمعه ، والبارزة للظهور عنها على السواء، خص الألف الذي هو بناؤه بالقيام طولا وصار حكمه بالنسبة إلى سائر الحروف على السواء. 
وحيث كان حكم الوجود في امتداده عرضا، في ثاني مرتبة قيامه المطلق ظهر الباء ، الذي هو بناء امتداده العرضي ، في ثاني مرتبة الألف الذي هو بناء قيامه المطلق في الهجاء.

32 - ولما كان للألف التثليث بتثلیث نقطه ، تكرر المد العرضي ثلاثة وانتشر على الاثنين منها نقطة الثلاث. فللباء منها واحدة سفلية ، فإنه بناء السبب الأول القاضي بتنزل الوجود الذي دل على سوائيته الألف. 
وللتاء ثنتان من فوق ، فإنه بناء انتهاء السبب البائي تنزلا إلى أدناه ؛ فإذا انتهى تنزله إلى أدناه عاد تسبيبه ترقية إلى أعلاه : 
كالذنب الذي هو سبب سقوط المذنب في مهواة الهلاك ، إذا انتهى إلى الغاية عاد ترقية إلى التوبة المنجية منها، فتفوقت عليه نقطتان وتشت، لتشعرا بتنزل السبب وترقية إلى الغاية . 
ولذلك صار التبيان في كشف الأمور أغنى من البيان . وهذان المدان محل تفریق نقط الألف. 
وللثاء الثلاثة : فإنه بناء جمع السببين وثمرتهما ؛ فهو اسم لما أفادته دائرة الأسباب ظاهرا وباطنا تنزلا وترقية. ألا ترى أن سبية الحسنة باطنا وظاهرة ا انتهت إلى الغاية ، أثمرت المثوية التي هي موقع الثاء؟ وكذلك السيئة أثمرت المثلة .

33 - فحيث كان الباء الذي يشار به إلى الوجود العام المنبسط في الكون دليلا على تقيده بتعيين الموجود الأول الإمكاني الذي هو السبب الأول في الإيجاد ، كان الباء سببا لما إليه الحاجة کمدلوله . 
وحيث كان مدلوله في كونه السبب الأول أصلا شاملا تتفرع منه الأسباب والمسببات الجمة صدق الباء ، الدال عليه على كل شيء تفرع منه مسببة عن سبب ، أو سبب الوجود مسببة إذ لا شيء من المسببات إلا وقد صدق عليه أنه سبب لكذا.
ولا شك أن الأوائل في سلسلة الأسباب ، سبب للأواخر.  فالسببية هي الباء المكتوب على كل شيء . 
وحيث كان السبب الأول في اشتماله الذاتي ، مستوعبة لما تفصل منه ويتنصل إلى الأبد، وبه انبسط الوجود العام عليه، ومنه كانت فاتحة ظهوره، قال من قال : بالباء ظهر الوجود. 
ومن هنا سماه بالحق المخلوق به .

34 - والباء في الحقيقة مبدأ والكثرة زوجا وفردة، فلا توجد الثلاثة التي هي مبدأ الأفراد إلا بوجود الباء فيه . فهو للظرفية : ملاحظة استيعاب السبب الأول واشتماله على جميع ماهو بصدد التفصيل . 
وللإلصاق : بملاحظة اقتران الوجود العام ومروره بالتعينات الحكمية لإيجادها. وللاستعانة : بتوقف وجود کون ما عليها، في التقدير الأزلي: كإظهار الواحد وجود الثلاث، بمساعدة الاثنين فلا تبديل لكلمات الله . 
وللتبعيض : ملاحظة ظهور الوجود العام البائي في تعيين يقوم بحق مظهريته ، من بعض الوجوه.

الألف المقدر بين الباء والسين والميم 
35 - هذا الألف في الحقيقة همزة وصل، لكن سميناه ألفا لسكونها الميت وسقوط حركتها بالدرج. 
ولما كان الألف من حيث قوته ، سكونة ميتا لم يكن معه شيء، ولم تقبل في سكونه شؤونه المكنونة حركة الظهور وأثر الإيجاد، قام عنه الباء قيام مثل يتفصل من عموم صفاته ؛ لقيامه أعني الألف الفائت ثوبا سابغة.
يبطن قيامه كنها ويظهره فيما تفصل من عموم انبساطه وجودة. 
فاستبطن الباء بقيامه مقام حقيقة ، هي العالم بالكل : الهمزة ، لتكون الظاهر له ، ويكون هو الباطن لها . 
وهي مع كونها حد فوت لألف ، وبدء إحاطته ، وظاهر تعينه الذاتي المنطوي على شؤونه المكنونة في سكونه الميت ، لم تقم في تحقيق المطلوب قيام الباء ، إذ لا صورة لها في سلسلة الحروف رقمة، كما لا ظهور لأحدية حقيقتها في عين الكثرة ، من حيث كونها كثرة ؛ فلم تكن ، لقيام الألف ، القائمة حركته بالكل ، ثوبا سابغة، لا سيما عن تحققها بالفوت في سقوط حركتها بالدرج، فإنها بسقوط الحركة مفقودة .

36 - فلما ظهرت مكنونات سكون الألف ومستودعات فوته ، تنزة وتفصيلا ، بالباء المتنزل المشعر بتنزله حركته ونقطته السفلية ، ظهرت على ثلاثة أنحاء : نحو يختص بما هو حظ السمع ؛ ونحو يختص بما هو حظ العين ، ونحو يختص بما هو حظ الفؤاد فما ظهرت منها بـ "الباء" على النحو الأول ، فهو حروف كتابه المنطوق ، التي بناء مجموعها في نفس الإنسان السين . 
فـ "السين" بناء كلية حس لطيف هو منال السمع . 
ولذلك قال المحقق الحرالي : الميم هو تمام ما ينتهي إليه الظهور في الأعيان ، والسين تمام ما ينتهي إليه الظهور في الأسماع واتصال الباء بالسين» أولا لتصدر ما هو حظ السمع في عموم الإيجاد . 
وما ظهرت منها به على النحو الثاني ، فهي حروف كتابه المرقوم والمسطور، التي بناء مجموعها في نفس الرحمن آدم ، وفي نفس الإنسان الميم ، فـ "الميم" تمام أظهر منال حس هو حظ العين. 
فأما كتاب الباء إنما تفضل إلى السين بما في سلسلة المقولات وإلى الميم بما في سلسلة المفعولات ، فانتهى إليهما ظهور الباء وتطوره الكلي ، في دائرة اسم الاسم.
فـ "الباء" بنقطته نسخة جامعة، وألف الدرج كذلك ؛ والسين والميم معا كذلك. 
ثم انتهى هذا التنزل البائي إلى الميم ، وهو حرف دوري ينعطف آخره على أوله ، وكذلك نون السين ، كما ينعطف التجلي البائي من منتهي هذه الدائرة إلى أصله ، فتتم بذلك حيطتها . 
وما ظهرت منها به على النحو الثالث هو معاني حروف کتابه المذكورة في النحوين الأولين ، وما اختص بها من الأسرار الوجودية ؛ إذ من شأن الفؤاد أن يدركها إما تعقلا أو كشفا أو شهودة جمعة أو تفصيلا.

37 - ولما كان الألف ذات الحروف الجمة التي هي وما يتألف منها حظ السمع ؛ والسين بسناته الثلاث المشعرة بتثليث النقطات الألفية بناءه وقع السين ساكنا ليطابق الدال المدلول سكونة. غير أن سكون المدلول میت ، وسكون الدال حي ، إذ المقصود من دلالة الدال ظهور المدلول ووضوحه ، فلو كان سكون السين ميتة لاجتمع في الدال والمدلول ساکنا موت ، فلم يتحقق المقصود بالدلالة.

38 - وقد تحرك الميم بالحركة السفلية ليشعر بأن الإحاطة البائية في التنزل والظهور مع انعطافها على مقتضى دور الميم في مرتبة الاسم إلى مبدئها لم تنته إلى الغاية بل لا بد لعملها في التنزل والظهور من تنزلات : منها تنزلها إلى مرتبة الاسم القائم مقام المسمى ، وهكذا حكم تعريفه .

39 - وقد طلب الباء ألف الدرج تنزلا وظهورة في مرتبة اسم الاسم، لا يثار شفعه بباطن له السوائية الحاكمة بعدلها على ما ظهر من الحيطة البائية على اثنين ، كالغيب والشهادة ، والأعلى والأسفل ، والجمع والتفصيل، والنور والظلمة ، ونحوهما ، ولا تتم الإحاطة البائية إلا بالثالث الموتر شفعها ، إذ التثليث شعار الباطن والظاهر والجامع . فبهذه الثلاث تمت الإحاطة وعمت .

40 - وألف الدرج طلب السين ليخرج ذخائر تثلیث نقطه، في تثليث ذات السين من كمون الفوت وسكون الموت . وطلب السين الميم ، وذلك كطلب الشيء نفسه . 
إذ الميم في كونه حرفا دوريا أربعة ميمات : 
میمان بطرد اسمه ، وميمان بعكس اسمه ؛ والقائم من المجموع عددا مائة وستون . فالماية هي غاية مبلغ الميم ، فإن أربعين بما تضمن من العقود ماية ، فما بقي من المجموع ستون، وهو مطلوب السين من الميم.

41 -  فـ"الباء" في «بسم» دیوان الإحاطة والاشتمال ؛ وله العمل في ديوان الإحصاء؛ فإن الوجود العام المنبسط في الكون الذي هو في المرتبة الثانية من الغيب المطلق ، مشتمل على جميع ما هو بصدد التفصيل إلى لا غاية .

42 - و«الميم» فيه هو ديوان الإحصاء، فإن قسم الوجود الماية بتمامها منتهية إليه؛ فإن أربعين كما ذكر آنفا يتضمن ماية ، فآدم عليه السلام في منتهى دور الإيجاد الموازي رتبة الميم في بسم ، واجعين الوجود في الأسماء المعروضة بحسبها . ومحمد صلى الله عليه وسلم في منتهى سير الوجود الموازي رتبة ميم الرحيم، واجد الأسماء في عين المسمى بحسبه .

43 - بل آدم واجد الأسماء عن المسمى الغايب . إذ لا حكم لخلافته إلا في غيبة المستخلف عنه . ومحمد صلى الله عليه وسلم واجد المسمى مع الأسماء الجمة ، ولذلك كانت وطأته ورميه وبيعته للحق المتجلي له جلاء واستجلاء. 
ولهذا السر وصف صلى الله عليه وسلم بالرؤوف الرحيم 
وهو المقول فيه :
رحیم بین رحمانين  …. كنهر بين بستانين 
وتلميذ حديد القلب    …. ملقى بين أستاذين 
فقل للحاذق النحرير  ….  إن السر في هذين 

فـ "الرحیم" بكونه بين الرحمانية المطلقة الذاتية وبين الرحمانية الإحاطية الصفاتية ، هو كنهر ينشئ بقوته الذاتية كمال ظهور الجمعين المعبر عنهما بالبستانين . 
وهو أيضا كتلميذ يستدعي منهما بألسنة ما في قابليته الأولى ، مدد الوجود جلاء واستجلاء، ليتحقق بذلك من فاتحته المقول عليها "کنت نبيا" ، 
""الحديث : "کنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " . انظر تخريجه في كتاب الشريعة للآجري"".
ومن خاتمته المقول عليها : « لا نبي بعدي»حظ عموم الكون من الوجود 
""انظر الأحاديث الخاصة بختم محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعا في كتاب الشريعة للآجري ص 456""

44 -  فـ "الرحيم" في بينونة الجمعين الأخذ والعطاء مطلقا، وجودة وظهورة وسرهذا الإيماء بين رحمن البسملة وبين الرحمن .علم القرآن [الرحمن:1-2] فافهم. 
فإن نور الوضوح من منصة جلاء الروح تنفس بأنفس أجناس الفتوح ؛ ودام فيض ديمها للجنان حتى ظهرت ينابيعها منه إلى القلم واللسان.

الله
45 - اعلم أن الاسم كل تكل ظهر من غيب الوجود وتميز عنه ، أي تميز و ظهور کان . 
فهو علامة على مسماه ليعرف بحسبها واللفظ الدال على الظاهر المتميز الدال على المسمی هو اسم الاسم. فالاسم الله هو الظاهر المتميز عن الحق باعتبار تعينه في شأن کلي ، تحكم فيه على شؤونه القابلة منه أحكامه وآثاره . 
وهذا الشأن الكلي هو حقيقة جامعة ، هي كيفية تعينه تعالی في علمه بنفسه .

46 - والملحوظ في التسمية بالله ، الوجود مع المرتبة ؛ وبالرحمن الوجود من حيث انبساطه على العموم؛ وبالرحيم من حيثية انقسام الوجود حسب تخصيص الاستعدادات هذا نص كلام أهل التحقيق. 

47 - ولما انتهى تنزل الباء بعمله في الاسم الاسم إلى غاية انعطفت في المعنى إلى أولها، ظهر بعمله أيضا في الاسم الذي قام مقام المسمى ، حيث كان انبساط الوجود العام البائي قاضية بظهور عموم الإلهية . 
فحصل بسراية عمله في نظم البسملة التي هي المنزل الجامع والمدون المحيط بالمحيطات جميعا ، كمال الاتصال بين الاسم واسم الاسم، بل بين الميم واللام. 
فإن الميم بهذا الاتصال طلب مقامه في مستوى سلك اللام الذي هو نظير مسافة ملك الظهور، ونظير مواقع تفصيل الوجود ، أجناسة وأنواعة وأصنافا وأفرادا، غيبة وشهادة . 
فإن الميم هو بناء كمال الصورة التي هي مطلوب عموم الإلهية في منتهی مسافة ملك الظهور، أو قل : في منتهى سلك اللام . 
فهذا المنتهى المختص بكمال الصورة ، مقام هو مطلوب الميم من اللام ومخرجه .

49 - والهمزة الدارجة في اتصال الميم واللام ، هي شاهد الحق باعتبار تعينه أولا في شأنه الكلي الجامع للشؤون الجمة . 
وقد أخفيت بالدرج، لتعود بخفائها وسقوط حركتها إلى فوتها الأصلي وانقطاعها عن اللام ، المشعر بتفصيل ماقدر وجوده في مسافة ملك الظهور، وذلك لتحقيق سر: "كان الله وليس معه شيء" مع ظهوره في كل ماظهر وتميز وتعدد . 
""حديث : "كان الله ولا شيء معه"، وقد أخرجه البخاري في باب : التوحيد وبدء الخلق ، وابن حنبل في مسنده""
ولذلك اتصل الألف باللام لفظا بعده ، ليترتب على السر المذكور سر. والآن كما كان.

49 - واللام بناء ملك الظهور مطلقا. وهو حد فاصل يستجمع في مستوى سلکه التطورات الألفية النفسية في صور الحروف الجمة . ويشعر أيضا بتطورات الوجود في مسافة ملك الظهور جمعة وتفصيلا . 
واللام لامان : مدغم ومدغم فيه . فإن ملك الظهور الذي هو مساق التنزلات البائية ، غيب وشهادة . 
والغيب مدغم في الشهادة ، إذ لا تقوم الصور إلا بحقائقها الباطنة ، فكما أن الشهادة بصورها معرفة وموضحة للمستبصر عن أحوال الحقائق الغيبية وأحكامها، فكذلك الحقائق معرفة وموضحة للأسرار الوجودية المستجنة فيها. 
والأسرار الوجودية شاهدة بظهور الحقيقة المطلقة في اختفائها بتعينات الأسرار الوجودية والحقائق الغيبية والصور الشهادية . 
وقد حرك اللام بالحركة السوائية الفتحية ليشعر بأن القيومية الظاهرة في ملك الظهور اللامي القائمة بعدلها السماوات والأرض ، إنما هي من معدن فوت الجمع والوجود: فإن الحركة السوائية مادة الألف الذي له قيومية الحروف الجمة . 
ولما كان اللام في مستوى مد الألف النفسي بين حدي الهمزة والميم ، كان من مستوى اللام إلى حد الهمزة من معارج الغيب ومنه إلى حد الميم من مدارج الشهادة.

ولذلك صار اللام بوسطيته الجامعة، وسادة ظهور الألف الذي له أحدية الجمع في موقع الالتفاف والتعانق

50 - فإذا ظهر الألف من معدن من الوجود في القوة المنطقية على اللام بالتقدم والحكم تعينت باجتماعهما تطورات الوجود في الأعيان الوجودية في مسافة الظهور وتحققت. 
وإذا ظهر اللام بانضغاط التجلي الكلامي بين نقطتي الجوزهر بين الرأس والذنب في القوة النطقية على الألف بالتقدم والحكم، كان التفافهما لإذهاب التطورات الوجودية وطيها مطلقا. 
وإليه إيماء المحقق حيث قال :
تعانق الألف العلام واللام مثل الحبيبين فالأعوام أحلام والتفت الساق بالساق التي عظمت فجاءني منهما في اللف إعلام
إن الفؤاد إذا معناه عانقه بداله فيه إيجاد وإعدام فلما كان للاسم «الله» بتضخيمه وتضعيف لامه وتحركه بالحركة العلوية ، ظهور لا يدانيه الخفاء عصم عن التنكير ولذلك من تحقق بعبودية الله لزمته الشهرة . 
وحيث أخلى الإله عن التضعيف والتضخيم، لم يعصم عن ذلك. 
فالمتحقق بعبوديته بعبودية الإله ، وقد يكون ظاهرة وقد يكون خامة مجهولا لا يعبأ به .

51 - فأحدية الاسم التي هي مدلول ألفه المتصل، قاطعة تعلقه بالكون فمسماه من هذا الوجه أول لا يقبل الثاني ، ومطلق لا يقبل التقييد ، وواحد لا يقبل الكثرة. فهو اسم قاطع نسب الشركة في تسمية الخلق به بحق أو باطل . 
وحيث كانت التسمية به باعتبار تعين مسماه بالشأن الكلي الجامع الذي بعض وجوهه عموم الإلهية القاضية بوجود المألوهات وظهورها رجعت الأسماء السائلة ، بالسنة المحاضرة ، وجود مظاهرها من الأعيان الإمكانية إلى حضرته العليا وحيطته الوسعی وهكذا الأعيان السائلة منها ظهور الأسماء لوجودها فمن هذه الحضرة إجابة السائلين . 
ألا ترى أن العائل والسقيم إذا سألا الكفاية والشفاء من حضرتي الكافي والشافي ليست قبلة سؤالهم إلا الله؟ 
فيقول أحدهما عند ابتهاله إليه : يا الله ! والمقصود بذكره الكافي والشافي.

52 - وأما الألف المتصل باللام ، الذي هو محل تفصيل ما ظهر وتميز عن كل ما بطن، فشاهد بصحة هذه المحاضرة الأسمائية ، وبتعلق الاسم الله بإنشاء الكون على مقتضى السؤال الاسمائي ، بألسنتها المعنوية عند المحاضرة. 
فإن تحقيق الإجابة إنما هو باقتران الوجود والمرتبة أولا وليس ذلك إلا بالتجلي المختص بالاسم الله . 
والاقترانات التفصيلية بين الوجود والمراتب إلى لا غاية ، إنما هي منتشئة من الاقتران الأول فيه فانفصال الألف من اللام أولا، واتصاله به ثانيا، هو بناء انطلاق الاسم في انحصاره وانحصاره في انطلاقه، فهو في رتبته العليا الجمعاء باطن مستبين ، متصل في انفصاله ، منفصل في اتصاله .

53 - وأما اتصال الهاء به «اللام» رقما فمشعر بأن الظهورات التفصيلية اللامية بعد انتهائها إلى غاية تقتضي كمال الصورة ، تنتهي إلى غيب ، أنبأ عن إحاطته الوسعی هاء الاسم. 
وهو باطن مغيب في الظاهر المشهود کجوامع أحوال الوجود وأحكامه الآجلة إلى الأبد. 
ولذلك ينقلب في مبتدأ دولة هاء الاسم وهو ظهور أشراط ختام أمر العاجل، ما في قبضة كمون الهوية وطيها الآن، ظاهرة وجليا . 
وهو المقول فيه :"يوم تبلى السرائر" [الطارق:9] .
فيطرأ إذ ذاك على الظاهر الآن سواد الخفاء ، وعلى الباطن الآن شعشعة كمال الوضوح والظهور : طريان الليل على النهار والنهار على الليل . ""يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ"" [الزمر : 5].
ألا ترى غيب الهاء آجلا كيف ينقسم على الدارين انقسام الهاء في الكلمات على القوسين؟

54 - فدولة هاء الاسم إنما تحفظ بالهوية المطلقة الكامنة في الكون العاجل أصول العوالم الخمس عليه . 
وهي الغيبان : المطلق والمضاف ؛ والحستان : المطلق والمضاف ؛ والجامع المحيط بالجميع. ولا حكم لعدده في الكون الآجل . 
فإن الكشف المطلق يبدي فيه الكثرة بلا عدد ، ويظهر في كل شيء كل شيء، حتى يظهر كل فرد من أفراد شؤون مجموع الأمر كله بصورة الجميع ووصفه وحكمه ، بحيث يضاهي كل شأن من الشؤون الشأن الكلي الجامع، الذي به تسمى الحق بالاسم الله . فافهم . 
و«الهاء» بكونه حرفة إحاطية، دارت أحدية الاسم بالتجلي من نفسها إلى نفسها ؛ وبحركته السفلية من نفسها إلى الغير. 
ولذلك اتصل في التلفظ بالراء» المشعر بانقسام عالم الظهور الرحماني بالكون العلوي والسفلي فللعلوي ، من الرحمة الرحمانية ، الدرجات الماية ؛ وللسفلي منها ، الدركات الماية .

55 - ولما كان عدد حروف الاسم بعد إسقاط حروفه المكررة ستة وثلاثين حكم الاسم بتجليه على الدهر أن يكون منه لرفيع الدرجات ، في كل دور سنوي ثلاثمائة وستون دورة يوميا طبق عدد الرفيع ويكون عشر ذلك مطمح تجليه الوحداني القائم بتفصيل مراتب التوحيد وهو ستة من شوال و " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان " [البقرة:185] ، المشتمل على ستة وثلاثين آية ، توضح مراتب التوحيد طبق عدده المذكور.

56 - فمنها توحيد الهوية كقوله تعالى: " الله لا إله إلا هو" [البقرة :200] 
ومنها توحيد "أنا" كقوله تعالى : "إني أنا الله لا إله إلا أنا " [طه:14] 
ومنها توحيد «أنت» كقوله تعالی :" فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت " [الأنبياء:78].
ومنها توحيد الاسم نفسه كقوله تعالی "إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون " [الصافات /30].
ومنها توحيد الصلة كقوله تعالی : "قال، أمنت أنه لا إله إلا الذي أمنت به بنو  إسرائيل" [يونس:90].

57 - و"الألف" الذي هو فاتحة الاسم، مع اقتضائه في أوليته كمال الانقطاع عن غيره ، إذ لا نسبة بين الذات والسوي إلا العناية ولا زمان إلا الأزل ، كان من حيث معنى يرجع باعتبار منه إلى ظهوراته في مصادر النطق ، يطلب اللام طلب الذات المطلقة شأنا كليا فيه أفراد مجموع الأمر كله . 
ولذلك جمع اللام في اسمه حرفي مبتدأ سلسلة المصادر ومنتهاها ، ليكون ما بينهما مستواه . 
كما حاز الشأن الكلي المنبه عليه في كماله الوسطى ، كمال فاتحة الظهور المقول عليها : «کنت نبيا»، وكمال خاتمته المقول عليها : «لا نبي بعدي»، ليختص به حاق وسط الكمالين المقول عليه من وجه : "أوتيت جوامع الكلم ". رواه مسلم واحمد والبيهقي وابي يعلى وابن ابي شيبة وغيرهم 
ومن وجه آخر: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» الموطأ والمقاصد الحسنة و ومسند البزار و البيهقي والسيوطي فى الجامع الكبير
و" اليوم أكملت لكم دينكم " [المائدة : 3] .

58 - وطلب اللام الظاهر اللام المدغم فيه طلب الشيء نفسه ، ولكن بصفة تقابل صفة ظهوره كما طلبت الشهادة الملكية غيب الملكوت المدغم فيها لتنبعث الآثار والأحكام الوجودية من الحقائق الباطنة إلى الصور القابلة لها . 
وطلب اللام الألف المتصل به تلفظة ليعم حكم اللام في تقدمه عليه ، حكمه في تأخره عنه ، بإذهاب الموضوعات الوجودية ، وبتعينها وتحققها كما عم حكم الاسم بالمشيئة في المحو والإثبات : "يمحو الله مايشاء ويثبت " [الرعد: 39] .

59 - وطلب الألف الهاء طلب الشيء إحاطته العليا، فإن الهوية المطلقة التي هي باطن الهاء ، إليها المنتهى مع اختفائها في لبس الأنيات ظاهرة وكمال ظهور ألف الذات في حجاب نفس الرحمن في العوالم الخمس المنبه عليها من قبل والدال عليها من الاسم عدد الهاء فافهم وحاول من سوانح الكرم، في حيطة هذا الاسم الشريف ، نقد ما لا يجهل ولا يعلم وحاصل كل معرب ومعجم.

الرحمن 

60 - لكل اسم إلهي وجهة في إطلاق وجوده ، هو فيها مطلق في تقيده ، مقيد في إطلاقه. فـ "لنفس الرحمن" سکون في وجهته المطلقة، وسكون في انبساطه باطنا على عموم القابليات.

61 - فسكون الألف واللام في رحمن البسملة ، حالة اندراجهما، بناء سكون النفس في الحالتين. 
وإنما ظهرت الحركة العلوية مع التضعيف في رائه المبتدأ به ، لتشعر ببسط الرحمة الوجودية الرحمانية باطنة وظاهرة على كل ما تطور به وظهر مد النفس الرحماني فإن الراء في نفس الإنسان لتطوير تكرر في مستوى سلك اللام المتطور بصور الحروف التي هي صفير تقاطعه في المخارج. ولذلك تخرج الراء من مصدر النطق مكررة . فهو ظاهر اللام ، من حيث كونه معبرة عن تطور مستواه بصور الحروف.

62 - ولما كان مد النفس من مستوى اللام على قسمين : 
قسم يلي مبتدأ امتداده ، وقسم يلي منتهاه 
فالأول معارج الترقي ؛ والثاني أدراك التردي ؛
فقسم الرحمة الماية الرحمانية، 
في القسم الأول درجات ماية "مائة"؛ وفي الثاني درکات ماية "مائة" . 
فشمول حيطة الراء على القسمين بتكرره جمع من العدد مائتين . 
في "الألف" الفائت في الرحمن ، لعموم الرحمة وإطلاقها . 
و«اللام» الساكن ، سلسلة الحكمة باطنة. و"الراء" سلسلة انتظام الأطوار والأكوان حسب اقتضاء الحكمة ظاهرا. فافهم.

63 - وأما «الحاء» فهو عماد الحيطة الرحمانية وحامل سر الحي القيوم فيها . فإن بسط الرحمة المطلقة الرحمانية على القابليات الكائنة إنما يتوقف أولا على نفخ الروح الأعظم امتنانة في قابلية الموجود الأول الظاهر بكماله الجمعي الإجمالي في حاق وسط العماء.

64 - وسر هذا العماد في الروح المنفوخ في القابل الأول الحياة التي هي كماله الأول، وفي الحياة الروح الذي به قيامها . 
وظهور هذا السر من الموجود الأول باعتبار انطباعه في الصورة الأولى الطبيعية العرشية التي هي مستوى الرحمن . 
ولكن في عماد قام من مركز محيط العرش إلى فوقیته المسماة من وجه بالمستوى الأعلى . فهذا العماد هو مسرى الروح والحياة والقيومية . 
وهو ساق حامل في طور تنزل الوجود الرحماني أعباء الحي القيوم ؛ وفي طور ترقيه ، أسرار ذي المعارج .  وهو المقول عليه :"يوم يكشف عن ساق" [القلم :47] . 
فمنه تنبسط الروح والحياة إلى أقطار الكون وأنحائه . 
فالصورة العدلية القائمة بحقوق مظهرية هذا الروح والحياة والقيومية، صورة إنسانية نشأت من طينة نقطة الكعبة التي هي في أديم الأرض محاذية لمركز محيط العرش ولنقطة فوقيته ، المعبر عنها بالمستوى . 
وهذه الصورة التي هي محط أعباء الحياة والقيومية في طور التنزل الغائي ، هي التي خلقت في أكمل الوجوه وأعدلها على صورة الرحمن.
""إشارة لحديث : " خلق الله آدم على صورته ". أخرجه البخاري ومسلم وطبقات الحنابلة "".

65 - ولما اتصل الساق من الحيثية الفوقية بالمستوى العرشي الذي هو أول الأجرام الطبيعية المشتملة على الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ؛ ومن الحيثية التحتية بنقطة الكعبة المحاذية لمركز العنصريات التي منه انفتق الأسطقسات الأربع ، أخذ "الحاء"، المحمول بسره على الساق من العدد ثمانية . ""الأسطقسات الأربع = العناصر الأربعة الماء الهواء التراب والنار""
وحيث امتد الساق من مستوى العرش الذي هو محل انطباع لوح القضاء ومستوى الرحمن ومجمع الأركان الأربع الطبيعية ،
على الكرسي الذي هو محل انطباع لوح القدر ومستوى الرحيم وموقع تفصيل كل شيء، مما ظهر من الاعتدالات الطبيعية القائمة من أركانها الأربع؛ 
وسری حكم العرش في الكرسي وحكم الكرسي في العرش، بكون أحدهما سقف الجنة والآخر أرضها، صارت الثمانية "الحائية" ، الروحية ، الحياتية عدد "أبوابها"، وصارت دارها مقولا فيها : "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان" [العنكبوت : 64] . وحيث امتد ساق العرش على السماوات السبع ، وسری سر "الحاء" بروحه وحياته فيها، تكرر "الحاء" في "الحواميم" التي هي من صدور الكتاب السماوي سبع مرات. 

وقد امتد الساق الحامل بسر "الحاء" مادة الحياة والقيومية إلى أن صار منتهاه مرتبة الإنسان الأكمل الفرد الظاهر بصورته من طينة "الكعبة" ؛ فإن مرتبته في المراتب الكلية الإلهية والكونية ثامنة وهذه المراتب الكلية هي : 
الإلهيات والآمريات والطبيعيات والعنصريات والمعادن والنبات والحيوان والإنسان.
التفصيلية التي هي سر الحاء ، كان في مراتب تنزل الوجود ثامنا. وذلك من العقل الكل، إلى النفس الكلية ، إلى الهيولى الكل، إلى الطبيعة الكلية، إلى الجسم الكل، إلى الشكل، إلى العرش، إلى الكرسي . 
وكذلك باعتبار ترقي الوجود في المراتب السماوية : فمن سماء القمر التي هي للسماوات كالمركز إلى الثانية ، إلى الثالثة ، إلى الرابعة ، إلى الخامسة ، إلى السادسة، إلى السابعة ، إلى الكرسي.

67 - وقد سكن الحاء في الرحمن سکون حي ، ليشعر بخفاء الروح الذي منه مادة الحياة ومعنى القيومية فيما ظهر وتطور في معارج الترقي وأدراك التردي.

68 - ولما كان مخرج الميم منقطع النفس ومحط خصایص التقاطع المخرجية وأنهی منزل الألف ، ألحق بالحاء الرحمن ليشعر بكمال انبساط الرحمة العامة الرحمانية ، في اللطيفة الروحية المحتجبة بالحقيقة الإسرافيلية القاصدة بنفخها إيصال مد نفس الرحمن إلى «میم» مرکز الصورة العامة ، من «میم» محيطها فإن محيطها فم قرنها فافهم.

69 - والمخلص من البيان الأوضح، أن الميم في منقطع النفس بناء انبساط الرحمة ظاهرة على عالم الخفض كـ "الياء" من «الميمات» الثلاث ، التي هي أنباء عموم فيض الوجود على العوالم الجمة : عالم الرفع والخفض وعالم السواء ولذلك كانت مفردات عالم الخفض کعدد «الياء» مع عدد مراتبه سبعة عشر 
لأن سنخ الطبيعة له أركان أربع نزيهة، كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ؛ وأركان أربع عنصرية ، كالنار والهواء والماء والتراب ؛ والمخلوق من الأربع الأول ، العرش والكرسي، وهما محلا انطباع لوحي القضاء والقدر؛ والمخلوق من الأربع الثانية ، السماوات السبع ، وهي محال انطباع لوح المحو والإثبات ، فالمجموع سبعة عشر.

70 - في «الياء» بعدده وعدد مراتبه بمطابقة هذه المفردات سبعة عشر. إذ عدده عشرة، وله في مرتبته ومراتب الجيم والميم والسين والشين والعين والغين سبعة . ولذلك يكرر الميم بمضاهاته إياه في الصدور المنزلة سبعة عشر مرة ، لكل عين في تمام صورته ، ميم.

71 - فانبساط الرحمة الرحمانية يكون أولا على الأركان الأربع الطبيعية في الصورة المحيطة العرشية ، المنعطف أولها على آخرها وآخرها على أولها ؛ ثم على الكرسي المحيط على عموم الحصص الوجودية ؛ ثم على المحيطات السماوية المخلوقة من الأركان الأربع العنصرية؛ ثم على المركبات المنحصرة أنواعها في المواليد الثلاث ؛ ثم على القابليات الإنسانية ؛ ثم على القائمة منها بحقوق كمال الوجود جمعة وتفصيلا، ثم على قابلية غائية ، يدور فلك كمالها جمعة في تفصيل ، وتفصيلا في جمع ، من نفسها على نفسها، حيث تجد فيها كل شيء ، بل تجد في كل شيء كل شيء. فافهم.

72 - فهذه القابلية الغائية التي هي في منتهی مساق الرحمة العامة الوجودية ، هي رحمة الكافة وصلة القابليات الجمة والوصلة الرافعة كثرة الجمهور.

73 - فالجمعية الميمية هي الجمعية بعد التفصيل الألفي بصور الحروف في النفس الإنساني كجمعية الإنسان بعد تفصيل شؤون أحدية الجمع في صور أعيان النفس الرحماني. 
ولما كانت جمعية الميم بعدية ، خلت إحاطته عن الجمعية قبل التفصيل؛ فاتصل الألف به تتميمة وتكميلا لإحاطته . 
فإن جمعية الألف قبلية، فإن صلاحياته إنما تنفصل بعد ظهوره بصور الحروف . 
كما أن صلاحيات نفس الرحمن إنما تظهر في تطوره في المراتب التفصيلية بصور الأكوان. 
ولما حصلت للميم بجمعيته الإحاطية في أدنى المراتب طبية عالم الخفض، في كونها مقيدة بـ "الباء" المختص بالكون الأسفل، ومقتضی منزلة القطب في كماله الجمعي الإحاطي، سوائية لا تنحصر في ميل وقيد وعلامة ، كقطبية الواو الرافعة بقيامها وسوائيتها ميل الأيمن والأيسر، فأيدت قطبية الميم في الإحاطة الرحمانية أولا بانتصابه بالفتحة التي هي مادة سوائيته التي لا تقبل الانحصار في حكم وثانية بنقل ألفه المتصل به من قوته وسكونه الميت المنافي له، في کونه قطبة لدائرة منتهى الظهور، إلى سكون حي يناسب مقامه ظهورة.

74 - وأما «النون» فقد جعل في «الرحمن» أم الكتاب المفصلات الرحيمية المخصصة بالحصص الوجودية ، ولذلك حرك بالخفضة ليشعر ذلك بتنزل الرحمة الرحمانية إلى حيطة رحيمية ، تقبل التحصيص والتخصيص إلى لا غاية . 
واتصل «النون» بـ "الراء"، حاملا سر حرف التعريف باطنا، ليظهر بقلم تطوير «الراء» مفصلا ما بطن في سواد إجماله جمعا فإن «النون» ظاهرا نصف دائرة ، تشعر نقطته الوسطية بنصف آخر معقول ، به تتم الدائرة، فيكون النصف المعقول غيبة ، والنصف المحسوس شهادة. 
ولكن تفصيل ما في قوسه لا ظهور له في سواد إجماله إلا بقلم تطوير الراء ، القاضي بتخصيص الحصص وتقييدها على حكم المراتب في الدرجات المالية والدركات الماية .

75 - فالتجلي الوجودي الرحماني بمقتضی حیطة النون ، إنما دار على فلك الباطن والظاهر، وتطور على مقتضی حیطة الراء بحقائق الصور وصور الحقائق حتى إذا ظهر في قوس الظاهر عين من حروف نفس الرحمن مع حرف من حروف نفس الإنسان قابله من قوس الباطن اسم من أسمائه ، إلى أن انتهت سلسلة وجوده المنبسط إلى أنهی منزلة منحصرة مراتبها الكلية على عدد حروف النفس الإنساني ، وهو ثمانية وعشرون.

76 - فما ظهر أولا من حروف نفس الرحمن في مبدأ قوس الظاهر الرحماني ، الموجود الأول، المسمى بالعقل الكل والقلم الأعلى ولوح القضاء وحضرة التدبير والتفصيل ، بنسبة "الهمزة" في أول مخارج نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الرحماني الاسم «البديع»، ثم النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ ولوح القدر، 
ثانيا : بنسبة «الهاء» في نفس الإنساني . 
فقابلها من قوس الباطن الاسم «الباعث». ثم الطبيعة الكلية ، 
ثالثا : بنسبة «العين» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الباطن» . 

ثم الهباء المسمى بالهيولى : بنسبة «الحاء» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن الاسم "الآخر"، 
ثم الشكل : بنسبة «الخاء» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن ، الاسم «الظاهر» ،
ثم الجسم الكلي : بنسبة «الغين» في نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الحكيم» ، 
ثم العرش بنسبة «القاف» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «المحيط»، 
ثم الكرسي بنسبة «الكاف» في نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الشكور» ، 
ثم الأطلس : بنسبة «الجيم» في نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الغني»، 
ثم المنازل : بنسبة «الشين» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن الاسم «المقتدر»، 
ثم سماء الكيوان : بنسبة «الياء» في نفس الإنسان ، فقابله من قوس الباطن "الرب"، 
ثم سماء المشتري : بنسبة «الضاد» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن الاسم "العليم" ، 
ثم سماء المريخ : بنسبة «اللام» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «القاهر»، 
ثم سماء الشمس : بنسبة «النون» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «النور»، 
ثم سماء الزهرة : بنسبة «الراء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المصور»، 
ثم سماء عطارد : بنسبة «الطاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المحصي»، 
ثم سماء القمر: بنسبة "الدال" في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المبين»،
ثم الأثير : بنسبة «التاء» في نفس الإنسان ، فقابله من قوس الباطن «القابض»، 
ثم الهواء : بنسبة «الراي» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «الحي»، 
ثم الماء : بنسبة «السين» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المحيي» 
ثم التراب : بنسبة «الصاد» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المميت» 
ثم المعدن : بنسبة «الظاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «العزيز»، 
ثم النبات : بنسبة «الثاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «الرزاق» ، 
ثم الحيوان : بنسبة "الذال" في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المذل»، 
ثم الملك : بنسبة «الفاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «القوي»، 
ثم الجن : بنسبة «الباء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «اللطيف»،
ثم الإنسان : بنسبة «الميم» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن "الجامع"
ثم المرتبة : بنسبة «الواو» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «رفيع الدرجات» وقد أخرنا «الواو» في هذا الترتيب عن «الميم» ليكون بناء المرتبة ، فتصح الآخرية في ترتيب الأعيان للإنسان و«الواو» عند البعض آخر الشفويات.


جدول تجلیات نفس الرحمن في قوسي الباطن والظاهر 

القوس الباطن                                                القوس الظاهر

1 -  البديع              العقل الأول              **         الهمزة  :      الشرطان 
2 - الباعث            اللوح المحفوظ            **         الهاء  :       البطين 
3 - الباطن            الطبيعة الكلية             **          العين   :       الثريا
4 -  الآخر             الهباء                     **         الحاء   :       الدبران
5 -  الظاهر         الجسم الكل                  **          الغين    : رأس الجوزاء 
6 - الحكيم            الشكل                      **          الخاء     :   النحية 
7 - المحيط           العرش                     **          القاف     :  الذراع
8 - الشكور           الكرسي                   **          الكاف     :  النثرة
9 - الغني             الفلك الأطلس             **          الجيم      : الطرف
10- المقتدر            فلك المنازل            **          الشين      : جبهة الأسد
11 - الرب             السماء الأولى          **         کیوان      : السبت إبراهيم
12 - العليم            السماء الثانية            **        الضاد    :  الخميس موسی
13 - القاهر           السماء الثالثة            **        العوا     :  الثلاثاء هارون
14 - النور            السماء الرابعة           **       السماك   :   الأحد  إدريس
15 - المصور        السماء الخامسة          **       الغفر     :  الجمعة يوسف
16 - المحصي       السماء السادسة          **       الزبانا    : الأربعاء عیسی
17 - المبين          السماء السابعة           **       الإكليل    : الاثنين   آدم 
18 - القابض         الأثير                    **       التاء        القلب    
19 -  الحي          الهواء                    **       الزاي     الشولة
20 - المحيي         الماء                     **       السين     الناعيم
21 - المميت         التراب                   **       الصاد     البلدة
22 - العزيز         المعادن                   **       الظاء      سعد الذابح
23 -  الرزاق         النبات                   **         الصاد     البلدة
24 - المذل           الحيوان                  **         الذال      سعد السعود
25 - القوي          الملائكة                  **         الفاء       سعد الأخبية
26 - اللطيف        الجن                     **         الباء       المقدم من الدال
27 -  الجامع           الإنسان               **         الميم       الفرع المؤخر
28 - رفيع الدرجات  تعين المراتب         **         الواو       الرشا 

دائرة تجليات النفس الرحمن في عالمي الإبداع و الإمكان

77 - و"الألف" و"اللام" في «الرحمن» لما كانا زائدين سقطا عند اتصال"الهاء" بـ "الراء" في الدرج لطلب الذات الإلهية نفسه ، من حيث الرحمانية والرحيمية . ولذلك اتصل "الهاء" بـ "الراء" اتصال الهوية التي هي الباطن المجتمع الواحداني ، بالظهور المفصل ؛ واتصل «النون» بـ "الراء" اتصال المداد بقلم التدوين والتسطير.

78 - وقد طلب «الألف» في «الرحمن» «لامه» بالنسبة المذكورة في الجلالة . وطلب "اللام" «الراء» ، فإن مستوى سلكه من مبدئه إلى غايته ، موقع تطوير الراء ، فمستوی سلکه محل تفتح التطويرات الرائية ، وجهه جمعها؛ ولذلك كان سلك «اللام» من مستواه إلى المبدأ، موقع الدرجات الماية ؛ وإلى الغاية موقع الدركات الماية ."المائة"

79 - وقد طلب «الراء» «الحاء» طلب الصور المشخصة ، حسب جذب جبلاتها، مادة الحياة من الروح المنفوخ فيها . 
فإن حصول كمال كل شيء إما عن يسر أو عسير، فالحاء» بناء حصوله عن يسر كالروح ، فإن حصول كمال الحياة له لذاته؛ و«الخاء» بناء حصوله عن عسر كالخبئ والخبرة ، فإن استخراجه إنما يكون عن جهد مشق؛ وتمام الخبرة عن التزام الاختبار والامتحان.

80 - وقد طلب «الحاء» «الميم» طلب الروح أدنى الصور، لتمام ظهوره فيها فإنها إنما تكون له كمحط الرحال ، كالإنسان في أدنى المراتب الوجودية فإن الروح مع ظهوره في الصور الجمة إنما يظهر في الصورة الإنسانية أكمل الظهور . 
ولذلك أوتيت الصورة الإنسانية من القوى النطقية والتسخیر جوامعها؛ فإن نطق كل شيء وتسخيره بحسب قوة حياته ؛ وقوة حياته بحسب ظهور الروح فيه .

81 - وحيث طلب صلى الله عليه وسلم تأیید روح القدس بالأمر الإلهي ، جعل شعاره : «حم». وطلب الميم» بوساطة «الألف» «النون»، طلب قطب الأيسر القطب الأيمن بسر النصائف ، بوساطة القطب الجامع القائم بينهما، في لبس الوأد ، الدال على قطبية الفرد الجامع في ولاية العلم والأبد على استواء لا يزاحمه الميل القاسر وخفض النون مشعر بتنزل الوجود العام الرحماني إلى محل عموم التحصيص والتخصيص الرحیمي فافهم إن كنت من أهله ؛ واشرب هنيئا ما همی لك من وابل الفهم وطله.

الرحيم

82 - اعلم أن الحضرة الرحيمية ، التي بها تمت البسملة ، وبتمامها تم كتاب الوجود المنطوي على سوره وآياته وكلماته وحروفه جميعا ، لها سکونان : 
سكون باعتبار قوت الحقيقة الذاتية الرحيمية في مظاهر الأعيان ، مع ظهورها فيها ؛ فإن الحق تعالی من حيث كونه موصوفة بالوحدة والتجريد والألوهية، غير مدرك في مظاهره حقيقة وعينة، بل المدرك منه تعالى في أعيانها الوجودية ، حكمه لا عينه ؛
وسكون باعتبار استهلاك الأعيان المخصصة، في التجلي الرحيمي لتلقي فيض الوجود وحصصه بالكلية ، بحيث تخفي آنيات تلك الأعيان في الوجود الظاهر بها وفيها ، على مقتضی "کنت له سمعا وبصرا ويدا "، ولكن يظهر حكمها فيه، كما خفيت حقيقة الحق في السكون الأول وظهر حكمها فيه.

83 - في «الألف» و«اللام» بسكونهما الميت في «الرحیم» ، بناء سکونيه ؛ وسکون مظاهره بكونها شؤونه الذاتية في الحقيقة سكونه .

84 - وأما «الراء» فهو بناء تطور تجلي «الرحیم» تخصيصا وتحصيصة. وتضعيفه بناء موقع الدرجات الماية والدركات الماية في مسافة انبساط الوجود، على مقتضى التطوير. 
وفتحته مفتاح غيب الجمع والوجود الفاتح أبواب الفيض الوجودي ، المنصب على المتطورات الكونية ، المتخصص بحسبها : باطن وظاهرة، خلقا وإبداعة.

85 - و«الحاء» بعده بناء اختصاص كل صورة في مسافة التطوير بروح الحياة وحياة الروح وسر القيومية . 
ولاختصاص الكرسي بالتجلي الرحيمي ، صار الكرسي مورد الصورة الطبيعية التفصيلية ، ومقسم الأبواب الثمانية الجنانية ، ومحل الاستحالات المستحسنة الكونية الخالصة عن شرب الفساد، إلى لا غاية . 
وحركته السفلية بناء نزلة الروح الأعظم الحامل سر القومية العامة ، إلى «یاء» الإضافة في الكون الأسفل، في أنزل الأعيان الوجودية وأجمعها، وهو الإنسان الأكمل الفرد الموصوف في مقسم القيومية العامة بالرؤوف الرحيم. 
ولذلك يضاف بالياء» إلى حقيقته المنفردة في حضرة الجمع والوجود بالإحاطة والاشتمال ، كل شيء إضافة حقيقية ، فإنه أصل شامل تفرع منه كل شيء. 
فإذا سقط «یاء» الإضافة من هذا الإنسان، بتحققه بسواد الفقر المطلق ، يلزمه الفقد الكلي بفناء «یاء» الإضافة فيه ، وفناء نسبته أيضا إلى كل شيء، في تحقيق توحيد العين الذي هو عين الظاهر والباطن . 
فهو حالتئذ بقيامه حكما لا عينا في محل «یاء» الإضافة ، برحمة الكافة مستبين و "بالمؤمنين رؤف رحیم" [التوبة :128] . 
وحيث يكون قيامه في ذلك المحل حكما لا عينا ، يرجع حكم الإضافة خالصة إلى عين الحق، فيتبين إذ ذاك سر " لمن الملك اليوم " [غافر:16].

86 - ولما كان «الحاء» الذي هو بناء روح الحياة ، القائم بقيومية الكافة ، من حيث عدد اسمه طلب «الياء» طلب الشيء نفسه ، كانت كلية تطورات الروح الأعظم، الذي منه اشتعال 
القابليات الجمة بالأنوار الوجودية ، حسب معالم ظهوراته الكلية ، عشرة نطق بها الكتاب المحيط بالمحيطات. وتطوراتها الكلية معبر عنها بالأسماء العشرة وهي :
روح القدس ، كما قال تعالى : "وأيدناه بروح القدس" [البقرة:87] . 
والروح الأمين ، كما قال : نزل به الروح الأمين . على قلبك" [الشعراء: 193-194]  . 
وروح الله ، كما قال : " إما المسيح عيسى ابن مريم رشول الله وكلمته ألقتها إلى مريم وروح منه "[ النساء :171] . 
وروح الأمر، كما قال :"ويسألونك عن الروح قل الروح من أمرربي" [الإسراء:85] . 
وروح الإلقاء ، كما قال : " رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده" [غافر:15]. 
وروح الوحي، كما قال: "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" [الشوری:52] .
وروح التمثيل، كما قال : "فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا" [مريم:17] .
وروح الإنشاء، كما قال :" أنشأنه خلقا آخر" [المؤمنون:14]. 
وروح التنزل ، كما قال: "تنزل الملائكه والروح فيها" [القدر :4] . 
وروح الإضافة ، كما قال : "ونفخت فيه من روحی" [الحجر:29].

87 -  فـ " الياء" المتصل بـ "الميم" هو بناء تعميم سر القيومية الظاهر من الإنسان الأكمل الموصوف بالرحيم» المخلوق في أحسن تقویم؛ حيث ظهر به العدل الذي به قامت السماوات والأرض ، وبه صلحت القابليات لقبول فيض الوجود . 
فإن أنواع العالم طبق عدد «الياء» عشرة لأنه إما جوهر أو عرض ، والعرض تسعة أنواع ، 
عاشرها الجوهر فانقسام عدد القيومية من الإنسان الظاهر بالعدل طبق عدد الياء ، يعم أنواع العالم  ولذلك انتقل هذا الإنسان من النشأة العاجلة إلى الآجلة عن تسعة نسوة كانت نفسه عاشرهن ، وهو جوهر من باب : "الرجال قومون على النسآء" [النساء:34].

88 - فـ "التسعة" صور أنواع الأغراض القائمة بالجوهر وهو روح الجوهر القائم بنفسه المقيم لغيره . 
ألا ترى أن «الياء» طلب «الميم» الذي به تمام البسملة وتمام الرحيم فيها . فإن كمال ظهور الإنسان الموصوف به ، والعالم الذي قام بعدله في الصورة الحسية الظاهرة في منتهی تنزل الوجود من الأركان الأربع الطبيعية .
فإذا ضربت الأنواع العشر العالمي في الأركان الأربع الطبيعية قام من ذلك «الميم» الذي هو بناء صور العالم، وتمام صور الإنسان المختتم بها تنزل الوجود.

89 - ولما كان لـ "الميم" الإحاطة والاشتمال والتمام في منتهی تنزلات الحرفية، حيث صار مخرجه منقطع امتداد النفس؛ وللإنسان المنبه عليه الإحاطة والاشتمال والتمام، في منتهی سلسلة الوجود، حيث تمت به النبوة والرسالة ومكارم الأخلاق، وكملت به الديانة والشرعة والصورة ، قام في اسمه من البسملة التي هي أم كتاب المبادي والبواطن والغايات الظواهر، 
ثلاثة «میمات» : 
«میم» من منتهی اسم الاسم، آدم ، مشعرا بانتهاء علم الأسماء فيه، 
و«میم» حاق وسط الإحاطة الرحمانية ، مشعرة بقيامه رحمة الكافة عليه وكمال ظهورها به؛ 
و«میم» منتهى دائرة الرحيمية : مشعرة بدوران فلك التحصيص والتخصيص والتدبير والتفصيل على حقيقته مع «الحاء» الذي هو الثوب السابغ لروحه الأعظم في عالم القول. 

وقام «الدال» من تربيع «الرحيم» الذي هو وصفه الخاص، أو من تربيع حضرات البسملة التي هي بتجليها وتنزلها وتدليها ، منتهية إلى عين موصوف بـ "الرحیم" ، مقصود في التدبير والتفصيل ، مبينة بالسنة الإشارة حقائقها وأحوالها جملة وتفصيلا، في آيات أم كتاب أوله «باء» وآخره «میم». 

90 - ولولا مخافة التطويل ، لمهدت لك ما يفهمك كمية حقائقه القائمة بذاته، وكيفية أحواله السنية الراجحة في قسطاس كمال الوجود، وكونه من أكرم الطوائف وأشرفهم ؛ وكونه من طينة نقطة أرضية منها حيت أقطارها ، وهي صارت أمنتها . ومواد هذا التمهيد إنما تحصل من مطاوي ما في إحاطات «ألف» البسملة و«لامه» و «میمه» . 
ومن سلك شجون التحقيق وجد في نقطة «بائها» ما احتملت حيطة الظهور والبطون جمعا وتفصيلا . 
فافهم وتعقل ماقرع سمعك ؛ وعن موقع الإشارة لا تغفل.
وهذا آخر ما ورد في معاني البسملة ولطائف إشاراتها ، من السوانح الغيبية واللوائح الفتحية ، المقتبسة من الإشراقات الإشراقية . 
وهذا مبدأ الشروع في شرح الخطبة وحل رموزها وفتح أبواب كنوزها، حسب التيسير، كما يهب ويعطي من هو لكل فضل جدیر.
  .

الفص المحمدي على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله
التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: