الأحد، 30 يونيو 2019

الفقرة السادسة عشر السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة السادسة عشر السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة السادسة عشر السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

الفقرة السادسة عشر :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال رضي الله عنه : "«ولا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين» الذين أورثوا الكتاب، أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد والسابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه".
قال رضي الله عنه : ("ولا تزد الظالمين") يعني (لأنفسهم) بعدم إيفاء نفوسهم حقوقها مما تطلبه منهم من الحظوظ العاجلة والآجلة رغبة في إطاعة الرب سبحانه وتعالى، وأنها كافي مرضاته تعالى وهم قومه من حيث أسرارهم وأرواحهم لأنهم مطيعون من هذا الوجه إلا من حيث نفوسهم وأشباحهم.
لأنهم عاصون من هذا الوجه باعتبار أن الروح ناظرة إلى تقلب شؤون الرب والنفس ناظرة إلى اختلاف أفعال العبد، فالإيمان والمعرفة في الأرواح والكفر والضلال في النفوس والأشباح.
ونوح عليه السلام ناظر إليهم بعين الحقيقة وبعين الشريعة، وكلامه في حقهم صالح لهم في الحالتين ودعاء لهم وعليهم باعتبار الطورين المذكورين، وحيث كان طور النفوس والأشباح مما لا خفاء فيه على العامة فضلا عن الخاصة.
وكفرهم وضلالهم في هذه الطور معلوم لم يحتج المصنف رحمه الله تعالى إلى التعرض، وإنما تعرض للطور الآخر الخفي عن بعض أهل الخصوص فضلا عن أهل العموم، لأن كتابه هذا في بيان الحقائق والأسرار الإلهية للشرائع والأحكام الربانية لا في بيان الشرائع والأحكام فقط، مثل كتب علماء الرسوم التي علومهم هي علوم المؤمنين لا علوم خاصتهم (المصطفين) نعت للظالمين أنفسهم.
(الذين أورثوا)، أي أورثهم الله تعالى (الكتاب) الجامع للخلق والأمر في رتبة التفصيل والإجمال (فهم)، أي المصطفون الظالمون أنفسهم (أول الثلاثة) الذين اصطفاهم الله تعالى فأورثهم كتابه القديم، فنسب إليهم على حد ما ينسب إليه تعالی لزوالهم عن أنفسهم وأشباحهم وقيامهم في حضرته بأسرارهم وأرواحهم.
أما باعتبار حقائق ذواتهم وإن لم يشعروا بها وهم الصم البكم الذي لا يعقلون الحق الظاهر بهم له لا لهم، أو باعتبار شهودهم ذلك من حقائق ذواتهم، وهم الصم البكم العمى الذين لا يعقلون غير الحق تعالی الظاهر بهم له، ثم لهم وبحسب التفاوت في هذين المقامین انقسموا إلى ثلاثة أقسام.
قال تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " [فاطر: 32] . وهم جميع بني آدم بالاعتبارين المذكورين "فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخير بإذن الله" [فاطر: 32] .
(فقدمه)، أي الظالم لنفسه (على المقتصد والسابق) بالخيرات، لأنه شرفه عليهما باعتبار ظلم نفسه في مرضات الله ، ثم دون المقتصد وهو المتوسط الذي تارة يراعي حقوق الله وتارة يراعي حقوق نفسه، ثم ما دونه  السابق بالخيرات بإذن الله، وهو الذي يراعي حقوق نفسه فقط، فيعمل الخيرات ويسارع فيها لأجل حصول السعادة له في الدنيا والآخرة، وطمعا في النجاة من الله تعالی ورغبة في الثواب.
("إلا ضللا") [نوح: 24] فيك (أي حيرة) وهي الهداية لا جزم فيها بشيء معقول ولا محسوس، لأنه تعالى "ليس كمثله شيء".[الشورى : 11]
ولا حكم فيها بإثبات ولا نفي لأن كل مثبت بالعقل حادث وكل منفي بالعقل حادث أيضا، والحق سبحانه ثابت ثبوتا ليس محتاجة إلى مثبت (و) هذه الحيرة (في مقام الوارث المحمدي) يشير إليها قوله عليه السلام: (زدني) اللهم (فيك تحيرا) حيث كانت الحيرة هداية إليك، لأن الهداية في كل شيء بحسبه فالهداية إلى العظيم الحيرة في عظمته ومنه قوله تعالى: "ووجدك ضالا فهدى" (الضحى  7] أي متحيرا في عظمة ربك فهداك بحيرتك تلك إلى معرفته.
وقال تعالى في مقام الحيرة أيضا: ( و لما أضاء )، أي أشرق ("لهم") بهم من تجلي اسمه الظاهر، فتحققوا به ("مشوا") في عالم وجودهم الحسي والعقلي (فيه) فكانوا معدومین قائمين بموجود ("وإذا أظلم عليهم") فاستتر عنهم من تجلی اسمه الباطن فشهدوا أنفسهم وغفلوا عنه ("قاموا") [البقرة: 20] (له) على قدم العبودية مشتغلين بالعبادة فهم بين هذين المقامين مترددون لا يستقر بهم القرار في أحدهما فيهتدون.
(فالمتحير) الذي حيرته المعرفة الإلهية في ربه عز وجل (له الدور) كلما علم الله تعالی شعر أن الذي علمه حادث مثله من حيث إن الله تعالى قديم والقديم لا يوجد في علم غير القديم فينبغي ما يجده في علمه لشعوره بأنه حادث.
ثم يثبت ما يعلم أنه الله تعالى منزها عن كل تشبيه وتكييف مؤمنا به على حسب ما هو عليه في غيبه المطلق لضرورة إيمانه به.
ثم يشعر بأن الذي أثبته حادث مثله أيضا وإن كان منزهة عن مشابهة الحوادث، فإن هذا التنزيه حكم من حادث فلا يقع إلا على حادث.
فينفي ما ثبت ثم يثبت أعلى منه، ثم يشعر بحدوثه أيضا فينفيه وهذه كيفية السير إلى الله تعالى يضع قدمه ثم يرفعه ثم يضعه أرقى منه ثم يرفعه وهكذا.
كما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
قال لي حسن كل شيء تجلی    ….. بي تملى فقلت قصدي وراكا
فهو ينتقل دائما من حادث إلى حادث وفي زعمه أنه ينتقل من حادث إلى قدیم. فالقديم عنده موهوم والحادث متحقق، وذلك من ضرورة الإيمان بالله تعالى، وهو تشبيه الله تعالى ثم تنزيهه على حسب ما قدمناه.
وهذا معنى الدور المذكور (و) له أيضا، أي لصاحب الحيرة (الحركة الدورية) من كون إلى كون من نفسه إلى ربه  إلى نفسه، ثم يعود فيتحرك من كون إلى كون كذلك.
ولولا طلبه الله تعالى الذي لا يزول عنه ما كانت حركته الدورية مثل حركة الأفلاك العلوية (حول القطب) الراسخ على حقيقة عجزه الواقف على مركز اضطراره، لأنه كعبته التي يجب عليه أن يطوف بها وبيت ربه الذي يستقبله في صلواته (فلا تبرح منه)، لأنه قلبه الذي يدور عليه وحاكمه الذي يولى عليه.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
فدعى لهم نوح بذلك على زيادة حيرتهم بالعلم بقوله: ("ولا تزد الظالمين" [نوح: 28] أنفسهم ) فكل المراد من الظالمين في دعاء نوح هم الظالمون في قوله : فمنهم ظالم لنفسه .
لذلك وصف بقوله : (المصطفين "الذين أورثوا الكتاب") [الشوری: 18].
وهو قوله : "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)" سورة فاطر.
قال رضي الله عنه :. (فهم) أي الظالمون لأنفسهم أكمل الناس وأعرفهم فأشار نوح عليه السلام في دعائه لقومه بلسان الدم إلى هذه الطائفة فقال : "ولا تزد الظالمين " (إلا ضلالا إلا حيرة) في العلم حتى لا يقولوا: إلها ولا يحيروا القوم في تعداد الواحد بالوجوه .
فدعاء نوح عليه السلام لهذه الطائفة ازدياد التحير في العلم بالله تعالى بصورة الضلال وهو ما دعي به (المحمدي) بقوله :( زدني فيك تحيرا) فإن ازدياد التحير في الله تعالى لا يكون إلا عن زيادة علم وهو في حق الظالمين لأنفسهم من أمة محمد عليه السلام بلسان المحمدي .
وجاء ما أشار نوح عليه السلام في حق قوم موسى في قوله : ( لما أضاء لهم ) أي كلما تجلى الله تعالى لهم باسمه النور ("مشوا فيه") أي ذهبوا علما بسبب ضياء هذا النور إلى حضرة جنابه .
("وإذا أظلم عليهم" ) أي إذا قبض منهم ضياءه وخفي عليهم لظهور التجلي الجلالي عليهم ("قاموا") حیاری فكلما ازداد علمهم ازدادت حيرتهم هكذا حالهم إلى آخر عمرهم كان ذلك أول الثلاثة من كل أمة لا تختص أمة دون أمة.
فلما انجر كلامه إلى الحيرة وكان مقام الحيرة أعلى المقامات وأشرفها شرع إلى بيان مرتبة الحائر وأحواله فقال : (فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطبوهو الذي مدار الوجود عليه وهو الحقيقة المحمدية قطب العالم فالوجود دوري فإذا دار الحائر حول القطب (فلا يبرح منه) أي لا يزال ولا ينفك من القطب لأنه أينما تولى يرى وجه الله تعالى في دائرة الوجود ويرى أن مطلوبه معه في كل موجود وهو مقام الواصلين من أهل الله تعالى.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. "المصطفين "الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
"ولا تزد الظالمين" (نوح: 24 ) لأنفسهم. المصطفين الذين أورثوا الكتاب، أول الثلاثة.
فقدمه على المقتصد والسابق " إلا ضلالا" (نوح: 24 ) إلا حيرة المحمدی " زدني فيك تحيرا". "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" (لبقرة: 20).
فالمحير له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.
ففسر الظالمين بالذين وضعوا أنفسهم في بعض الاعتبارات في غير موضعها وهم خلفاء الله الكمل لأنهم الذين أورثوا الكتاب.
قال: وهم أول الثلاثة ويعني بالثلاثة قوله تعالى: "فمنهم ظالم لنفسه" وهؤلاء هم الأولون لأنهم قدموا على الفريقين الذين ذكروا بعدهم وهم المقتصد والسابق بالخيرات .
ثم أخذ يفسر قوله تعالى: "ضلالا" من قوله: "لا تزد الظالمين إلا ضلالا" فأشار إلى الضلال هنا بأنه الحيرة في الحق تعالى من قوله، عليه السلام: "رب زدني فيك تحيرا " فإن لم يكن هذا حديثا عن محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، فقد قاله المحمديون وهم أمته، عليه السلام.
قال: وقوله تعالى: "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" هو عنوان ما كانوا فيه من الحيرة وهذا هو كمالهم لأنهم محمديون وإليهم انتهى الكمال.
قال: وسبب حيرة المحمديين الدور والحركة الدورية التي ظاهرها الأفلاك وحركاتها، وباطنها دور حركة بواطنهم عليهم إذ ليس ورائهم مطمح يشتاقون إليه لقيامهم بمعاني الاستخلاف الإلهي وذلك هو معنى القطبية الكبرى
قال: وأما صاحب الحركة الدورية وهم المحمديون فليس لهم ابتداء فتلزمهم «من»، ولا لهم غاية فتحكم عليهم «إلى»، فلهم الوجود الأتم ولذلك أوتي، عليه السلام، جوامع الكلم وكذلك ورثته. وتعني بالحكم ما وافق لفظه معناه من غير خلل.
ثم أخذ بعظم أقدار من قبل فيهم: مما خطياتهم أغرقوا، وعبر عن الخطيئة بالخطوة التي خطت بهم إلى بحبوحة بحر الفناء في الله فغرقوا في ذلك البحر فحصل لهم العلم بالله تعالى من عين الحياة . فيه فادخلوا نارا في عين الماء وإنما سمي النار عين الماء لأن الشهود يقتضي ذلك.
قال النفري رضي الله عنه: «أوقفني في النار، فرأيت جيم الجنة جيم جهنم، فرأيت ما به يعذب عين ما به ينعم» ، ويجوز أن يحصل العطش الذي يتجدد لأهل الشهود في نفس الري.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال الشيخ رضي الله عليه :" وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم " المصطفين " الذين أورثوا الكتاب ، أوّل الثلاثة ، فقدّمه على السابق والمقتصد " إِلَّا ضَلالًا "  أي "حيرة ".
قال العبد : لمّا عدّدوا الواحد وفرّقوا الجمع ، ظلموا الألوهيّة بتفريقها وتكثيرها ، وهي حقيقة واحدة لربّ واحد تقتضي أن لا يكون إلَّا هو ، وهي له فيه هو ، لا إله إلَّا هو .
فلم تك تصلح إلَّا له    .....    ولم يك يصلح إلَّا لها
ولو رامها أحد غيره      ...... لزلزلت الأرض زلزالها
فلمّا شاهدوا من حيث شعروا ولم يشعروا - أحدية الكثرة وأنّ الواحد هو بحقيقته أوجب العدد ، فقد ظلموا ، أي أدخلوا النور في ظلمات لا تتناهى ، فأنارت بنور الوجود الواحد أعيان الظلمات العدميات ، وعدّل الربّ عند عدولهم بالواحد الأحد إلى الكثرة بعدله صور انحرافات الظلامات ، وظلموا أنفسهم أيضا لتضليلها في صور الفرق الحجابي ، عن أحدية الجمع الكتابي ، والفصل الخطابي.
ولكن إنّما ظلموا أنفسهم لأنفسهم ، لكونهم . ما حصروا الألوهيّة في الوحدة المقابلة للكثرة المضادّة للعدّة ، وما انحازوا بما حازوا ، عمّا ميّزوا ومازوا ولا امتازوا ، ولكن حازوا في الجمع بين كثرة النسب العدمية والوجود ، وبين وحدة العين والذات في الإله والمألوه .
فالظالم على هذا هو العبد المصطفى ، والمجلى الأخلص الأصفى ، أعطى الحقّ في كلّ حقيقة حقّه ، ووفى بالأوفى .
ولما كان المصطفى فردا ، ظهر الاصطفاء في هؤلاء الثلاثة الذين أورثوا الكتاب ، أعني كتاب الجمع والوجود ، لكون الثلاثة أوّل الأفراد .
فالظالم عدّد الأحد ، والسابق وحدّ العدد ، والمقتصد الجامع بين شهود الكثرة في الواحد الأحد وشهود وجود الواحد في أعيان العدد .
فالظالم الذي شهوده يكثّر الواحد له الضلال والحيرة أبد الأبد ، وحقّ الظالمين أن لا يزيدهم الله إلَّا ضلالا لهم في عين عين ، وارتفع من البين البين ، فقد ضلَّوا فيه لا إلى أمد ، بل أبد الأبد ، وهدوا إلى أحدية عين من عبد وعبد .
فذلك العبد الأوحد في زمانه ، المؤيّد من الله ببرهانه ، القائم في عبدانيّة الواحد الأحد في جميع شؤونه ، مقبلا على شأنه ، مقتبلا للأمر في إبّانه
قال رضي الله عنه : " المحمّديّ : زدني فيك تحيّرا " .
قال العبد : لأنّ اللذّة في النظر إلى الوجه الكريم في كل مجلّ وتجلّ ، وتدان
وتدلّ ، وإقبال وتولّ ، فكلَّما ازداده المشهود زاد الشهود ، وازدادت لذّات المشاهدة بذات المشاهد المشهود .
قال رضي الله عنه : " كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه ِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا " فالمحيّرون  لهم الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه " .
يعني رضي الله عنه : أنّ دأب العبد الحقّ المطلق أن لا يبرح عن المركز نظره إلى وجه الحق ، فهو يدور معه حيث دار وتحقّق ، كالحرباء مع الشمس ، والنيلوفر إذا طلعت تفتّح وجنح وصعق ، وإذا غابت أطبق على طبقاته وانطبق ، وكالفرقدين مع القطب يدور حوله أبدا ، فهو كذلك ناظر بعينه إلى عين الحق يضلّ به الناظر ، لكثرة المناظر ، فهو المنظور الناظر ، والمظهر الظاهر ، والأوّل والآخر ، والباطن الظاهر .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
وفسر الظالمين في قوله : " ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ " بالمحمديين الظالمين ( لأنفسهم من جملة المصطفين الذين أورثوا الكتاب ) أي كتاب العقل القرآنى وهو كتاب الجمع والوجود الأحدى وجعلهم ( فهم أول الثلاثة ) في قوله تعالى : " فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِه ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ "  لأنهم شاهدوا الواحد كثيرا فعددوا الواحد فساروا من الواحد إلى الكثير ، ولذلك قال ( فقدمه على المقتصد والسابق ) أي فضله باعتبار سيره ونظره من الواحد إلى الكثير .
بناء على ما أورده الترمذي في صحيحه عن أبى سعيد ، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في هذه الآية « هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة » وإنما فضله على الباقين لأن المقتصد هو الشاهد للكثرة في الواحد .
والواحد في الكثرة جامعا في شهوده بين الحق والخلق .
والسابق بالخيرات هو الذي شهد الكثير واحدا .
فوحد الكثير وسار من الكثير إلى الواحد ، فهما ليسا في الحيرة لكونهما معتبرين للخلق مع الحق ، وأما هذا الظالم فلا يرى إلا الواحد الحقيقي كثيرا بالاعتبار ، فله الضلال أي الحيرة أبد الآباد فمن حقه أن لا يزيده الله ( " إِلَّا ضَلالًا " إلا حيرة المحمدي ) أي إلا حيرة المحمدية بالإضافة في قوله ( زدني فيك تحيرا ) أو إلا حيرة بالتنوين ورفع المحمدي أي قال :
المحمدي زدني فيك تحيرا وهو أصوب وأوفق لقوله ضلالا – (" كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه وإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا ") هذا وصف حيرتهم .
فإنهم إذا تجلى نور الأحدية مشوا أي ساروا سير الله ، وإذا أظلم عليهم بالاستتار وظهور حكم الكثرة والحجاج وقفوا متحيرين ( فالحائر له الدور ) أي السير باللَّه ومن الله وإلى الله ، فسيره سير الله منه المبدأ وإليه المنتهى ، فلا أول لسيرة ولا آخر ( والحركة الدورية حول القطب ) شبه لقرب الحائر وملازمته للحضرة الأحدية ولذلك قال ( فلا يبرح منه ).

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا تزد الظالمين) لأنفسهم المصطفين الذين أورثوا الكتاب (أخذ)
(الظالمين) من قوله: (ولا تزد الظالمين إلا ضلالا). بمعنى الظالمين في قوله تعالى:
(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات). فاللام للعهد.
ونقل صاحب المعتمد، رحمه الله، عن الترمذي عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه: (إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قرأ: "ثم أورثنا الكتاب..." فقال: (وكلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة).
وذلك لأنهم ظلموا على أنفسهم وبإهلاكها ومنعها عن متابعة هواها الذي هو روحها وحياتها لأنفسهم، ليتحققوا بالأنوار والمعارف الإلهية والمكاشفات الروحية، كما قال عليه السلام: (اتبعوا أبدانكم لراحة أنفسكم.)
لذلك قال: (الذين اصطفينا). وأضاف إلى نفسه بقوله: (من عبادنا) تشريفا له وتعظيما لشأنهم.
(فهم أول الثلاثة، فقدمهم على (المقتصد) و (السابق)).
أي، الظالمين لأنفسهم أول الطوائف الثلاث المذكورين في الآية.
(فقدمه) أي قدم الحق (الظالم لنفسه) على (المقتصد) و (السابق بالخيرات)، لأنه ظلم نفسه لتكميل نفسه بعدم إعطاء حقوقها، فضلا عن حظوظها، حتى أوصلها إلى مقام الفناء في الذات، وجعلها موصوفة بكل الكمالات بخلاف (المقتصد)، فإنه متوسط في السلوك، غير واصل إلى مقام الفناء في الذات بل واقف في الفناء في الصفات، وبخلاف (السابق في الخيرات)، لأنه في مقام الأفعال الخيرية و التحلية بالأعمال الزكية، كالعباد والزهاد والمتقين من الأعمال الموجبة للبعد والطرد.
ولا شك أنهؤلاء الطوائف الثلاث كلهم من أهل الجنة وكلهم من المصطفين الأخيار.
فذكره بالظلم إثبات لمرتبة عظيمة، لا ذم في حقه.
("إلا ضلالا" إلا حيرة). (إلا ضلالا) تتمة لقوله: (ولا تزد الظالمين).
وفسره بالحيرة الحاصلة من العلم لا الجهل. (المحمدي: "زدني فيك تحيرا".) أي، كما قال الناطق المحمدي: (رب زدني فيك تحيرا). أي، رب زدني فيك علما، فإني كلما أزداد فيك علما، أزداد فيك حيرة من كثرة علمي بالوجوه والنسب التي لذاتك.
وإنما قال: (المحمدي)، بياء النسبة، ليشمل الأولياء التابعين لمحمد، صلى الله عليه وسلم.
وقلبه الناطق بقوله: (رب زدني فيك تحيرا). فإن للوارثين منه مقام الحيرة، لا يزالون يطلبون الزيادة منها، لالتذاذهمبها وبلوازمها وملزوماتها المعطية إياها.
قال الشيخ رضي الله عنه : (كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا.) أي، قد جاء في حق قوم موسى: (كلما أضاء لهم مشوا فيه). أي، كلما ورد لهم التجلي الإلهي الذي هوسبب إضاءة أرواحهم وقواهم الروحانية، سلكوا في المقامات وعرجوا إلى عالم القدس.
وإذا انقطع عنهم ذلك التجلي النوري وأظلم عليهم، قاموا، أي، وقفوا حيارى لظهور التجلي الظلماني عليهم وهو معد لاستعداداتهم لقبول التجليات النورانية مرة أخرى، بحيث لا يشعر المتجلى فيه به إلا عند زوال ذلك التجلي.
وقد خلق الله الليل والنهار آيتين لهذين النورين، قال الله تعالى: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة). فكان نوح، عليه السلام، أول من طلب هذا المقام لأمته، وحصل هذا المقام بكماله لهذه الأمة.
(فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه). أي، الحائر يتحرك بالحركة الدورية، لأنه يرى مطلوبه مع كل موجود يوجد في دائرة الوجود بوجه آخر، فيتحرك إليه، والوجود دوري فتقع الحركة دورية. والحركة الدورية لا يكون إلا حول القطب الذي مدار الوجود عليه، فالحائر لا تزال حركته دورية.
ولما يبرح من القطب، أي، لا ينفك منه لاستفاضته منه دائما وتوجهه إليه سرمدا. كالملائكة المهيمة في الجمال المطلق الإلهي.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال رضي الله عنه : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد والسابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا».)
هي الطريقة دعا له نوح عليه السلام بطريق الإشارة ألا يزيده الله (" إلا ضللا" [نوح:24]) فسره بطريق الإشارة بقوله: (إلا حيرة) أراد المحمودة وهي حيرة من كوشف بالأسرار الإلهية التي لا مثال لها في عالم المحسوسات والمعقولات.
والمذمومة حيرة من غلط في الاعتقاد أو العمل، وهي عين الضلال وليست مطلوبة للكمل، وإنما يطلبون أو يطلب لهم الحيرة المحمودة كما طلبها الداعي (المحمدي) بقوله: ("رب زدني فيك تحيرا").
ثم ذكر أن هذه الحيرة المحمودة كما فهمت بطريق الإشارة من الحيرة المذمومة من الآية المذكورة فهمت أيضا بطريق الإشارة من الآية الواردة في حق المنافقين بطريق العبارة البيان حيرتهم المذمومة.
أعني قوله تعالى: ("كلما أضاء لهم" [البقرة:20])، أي: لأهل الكشف عن مقامات الحق وأسراره في مقام البقاء ("مشوا فيه وإذا أظلم عليهم" [البقرة: 20])، بالفناء التام ("قاموا" [البقرة:20])هذا الطريق الإشارة، ومعناها بطريق العبارة كلما أضاء للمنافقين عن نور الإيمان مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم بظلمات الشبهات قاموا وسكنوا عن المشي في الإيمان وارتدوا.
قال رضي الله عنه : (فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القلب فلا يبرح منه،)
ثم أشار رضي الله عنه : إلى سبب دعاء نوح عليه السلام لهم بالحيرة المحمودة بقوله: (فالحائر له الدور) في سيرة حول الجناب الإلهي، وذلك أن له (الحركة الدورية حول القلب) الذي عليه مدار الموجودات، وهو الحق (فلا يبرح منه) لا في حال مشيه، ولا في حال قيامه؛ لأنه كلما رد إلى البقاء رأى نور الحق فيرد إلى الفناء؛ فهو مع الحق دائما بخلاف من لا حيرة له.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( " وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم ، المصطفين ، الذين أورثوا الكتاب أوّل الثلاثة ) .
بقوله تعالى " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا من عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِه ِ " [ 35 / 32 ] برفع أوصافها الامتيازيّة التي بها يتقوّم ذاتها وقلع مواد تشخّصاتها بالكلَّية ، حيث لا يبقى لها أثر ولا حكم ولا عين أصلا ، فيكون ظالما عليها في عدم إبقاء آثارها وإخفائها في ظلمات أوصافها العدميّة الكونيّة .
ثمّ إنّ ذلك لما كان في المآل ترقّيا لها إلى مراقي كمالها ، استعمل « الظلم » باللام تنبيها إليه ، فلذلك تراه أوّل من يرث الكتاب ( فقدّمه على « المقتصد » و « السابق » " إِلَّا ضَلالًا " [ 24 / 71 ] : حيرة  ) .
وأمّا ( المحمّديّ ) فطلب الزيادة في ذلك حيث قال : « ربّ ( زدني فيك تحيّرا » ) وجعل ذلك مقاما ، حيث حكى عن مثل المنافقين من قوم موسى: ( "كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيه ِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا " ) [ 2 / 20 ] .
ثمّ إنّ الإقامة مما لا يمكن في الوجود لأنّه حركة وسير كما قال تعالى : " بَلْ هُمْ في لَبْسٍ من خَلْقٍ جَدِيدٍ " [ 50 / 15 ]
وقال : " كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ"    [ 55 / 29 ] 
لكن الحركة أيضا مما لا يتصوّر للأعلى العالم ، فإنّها تستلزم الإعراض عن جهة ، والإقبال إلى ما يقابلها ، وذلك مما ينافي مشهد الأحديّ الجمعيّ الذي موطنه ، اللهم إلَّا أن يكون ذلك حركة دوريّة ، فإنّ كلّ جهة ونقطة يعرض عنها في تلك الحركة فهي التي يقبل إليها في عين الإعراض عنها ، فهذه الحركة هي المناسبة له .
فلذلك قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالحائر له الدور ، والحركة الدوريّة حول القطب ) ، حيث أنّ المتحرّك لم يختلف نسبته إلى القطب بالبعد والقرب ، وإن كان في كل لحظة معرضا عن جزء من أجزاء تلك المسافة ومقبلا إياها ، ولكن تلك الكثرة ما أثرت في وحدة نسبته إلى القطب ( فلا يبرح منه ) أي لا يتحرّك عنه أصلا ، فهي الجامع بين الحركة والسكون ، كما أنّ الحيرة جامعة بين العلم والجهل فهو معتنق الأطراف .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه.)
قال رضي الله عنه : («و لا تزد الظالمين» لأنفسهم. «المصطفين » الذين أورثوا الكتاب فهم أول الثلاثة. فقدمه على المقتصد و السابق. «إلا ضلالا» إلا حيرة المحمدي. «زدني فيك تحيرا»، «كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا». فالحائر له الدور و الحركة الدورية حول القطب فلا يبرح منه،)
قال رضي الله عنه :  ("ولا تزد الظالمين" لأنفسهم) بإفنائها في الحق سبحانه (والمصطفين الذين أورثوا الكتاب) كتاب الجمع والوجود (فهم)، أي الظالمون (أول الثلاثة) أراد الطوائف الثلاث المذكورين في قوله تعالى : " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ" [فاطر : 32].
(فقدمه) أي قدم الحق سبحانه الظالم لنفسه في الآية الكريمة (على المقتصد والسابق) بحسب الذكر لنقدمه عليهما بحسب المرتبة فإنه في مقام فناء الذات وهما في مقام فناء الصفات والأفعال ("إلا ضللا") ، أي (إلا حيرة)، هي الغاية القصوى في معرفة الحق سبحانه.
اعلم أن الحيرة على نوعين :
حيرة مذمومة وهي حيرة النظار وإليها أشار الحسین بن منصور الحلاج قدس الله سره بقوله:
من رامه بالعقل مسترشدا   …. أسرحه في حيرة يلهو
قد شاب بالتلبيس أسراره     …. يقول في حيرته هل هو
وحيرة محمودة وهي حيرة أولي الأبصار من توالي التجليات الإلهية ونتالي البارقات الذاتية وإليها أشار من قال :
قد تحيرت فيك خذ بيدي      …… با دليلا لمن تحير فیکا
والمراد ههنا الحيرة الأخيرة المحمودة.
(قال) الكامل (المحمدي) طالبة الزيادة في هذه الحيرة بـ (زدني فيك تحيرا) من توالي التجليات وكثرة تقلبات ذاتك في شؤونك وصفاتك وإلى هذه الحيرة أيضا يشير قوله تعالى: ("كلما أضاء لهم ")، أي برق التجلي فاهتدوا بنوره إلى المطلوب ولكن لا يغنيهم عن وجوداتهم فتخيلوا أن المطلوب مفقود في البداية موجود في النهاية (مشوا فيه)، أي ساروا في ضوء ذلك التجلي على الطريق المستطيل إلى المطلوب ("وإذا أظلم عليهم") ذلك البرق بأن أوقفهم في ظلمة العدم وأفناهم عن وجوداتهم وخلصهم عن حجب أنياتهم فصاروا مستعدين للتجليات الذاتية (قاموا) متحيرين ووقفوا هائمين من توالي تلك التجليات وتتابع بوارق تلك الظهورات.
(فالحائر له) وفي بعض النسخ: فالمحيرون لهم (الدور) يعني الحائر الذي لا يتعين مشهوده في جهة معينة ، حرکته دورية لا تختلف نسبتها إليه بالقرب والبعد فإنه کالقطب أو المركز لحركته الدورية (والحركة الدورية) تكون (حول القطب) أو المركز لا تختلف نسبتها إليه بالقرب والبعد.
وهذا معنى قوله : (فلا تبرح عنه) يعني لا تبعد عنه بعدها كانت قريبة منه.
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: