الأحد، 30 يونيو 2019

الفقرة الرابعة عشر الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الرابعة عشر الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الرابعة عشر الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الرابعة عشر :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)

قال رضي الله عنه : "فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود."
قال رضي الله عنه : (فجاء) الوارث (المحمدي) في هذه الأمة داعيا لها (وعلم أن الدعوة إلى الله) تعالى التي هي مأمور بها إرثا محمدية (ما هي) فيه (من حيث هويته) الشخصية الإنسانية (وإنما هي من حيث أسماؤه) التي هي ظهور أسماء الله تعالى بحسب استعداده (فقال تعالى) في الإشارة إلى ذلك ("يوم نحشر")، أي نجمع العباد ("المتقين") المحترزين من مخالفتنا التي منها دعواهم الاستقلال بأسمائهم التي هي أسماؤنا الظاهرة لهم في نفوسهم ("إلى") الاسم ("الرحمن") الذي هو موصوف بالرحمة العامة المستوي بها على العرش ("وفدا") [مريم: 85].
أي زائرین راکبین على نجائب أجسامهم النورانية لابسين ثياب نفوسهم الراضية المرضية متزينين بحلی حواسهم الظاهرة والخفية.
(فجاء) سبحانه وتعالى في هذه الآية (بحرف الغاية) وهو إلى (وقرنها)، أي الغاية (بالاسم) الإلهي الرحمن لا بالذات الإلهية .
(فعرفنا) من ذلك (أن العالم) كله معقوله ومحسوسه (كان تحت حيطة)، أي تصرف (اسم إلهي) حاکم علیهم بمقتضاه وهو الاسم الرحمن وقد (أوجب عليهم) كلهم ذلك الاسم الرحمن المتحكم فيهم (أن يكونوا متقين) ليظهر أثر رحمته فيهم فكانوا متقين كما أوجب عليهم من حيث لم يكشف لهم مما هو مقتضى أرواحهم المتصرفة في أجسامهم بإذن الله .
وإن جهلوا ذلك وجحدوه في عين ما هم فيه قائمون ومعلوم بأن الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى لا ما فعل والمؤاخذة بما كسب القلب والغفلة والزيغ في القلب.
قال تعالى: "ولكن يؤاگم بما كسبت قلوبكم" [البقرة : 225]. وفي آية أخرى: "لها ما كسبت"، أي للنفوس "وعليها ما اكتسبت " [البقرة: 286] . والتكليف كله على النفوس بما قصدت لا على أعمال الجوارح من حيث هي فقط، فالعالم كلهم متقون يحشرون إلى الرحمن وفدا من حيث هم في وجودهم، ومنهم ما هو كذلك من حيث كشفهم عنهم واطلاعهم على نفوسهم.
ومنهم ليس كذلك بل هم مجرمون فتن الله تعالى أبصارهم وبصائرهم فأراهم خلاف الأمر عليه في نفسه و أطلعهم على ما اقتضى زيغهم وضلالهم، فهم يساقون إلى جهنم وردا كما أخبر تعالی عنهم، وأهل الظاهر مع الظاهر وأهل الحقيقة مع الباطن.
(فقالوا)، أي قوم نوح (في مكرهم)الكبار الذي مكروه بنوح عليه السلام "لا تذرن" أي لا تتركن "آلهتكم" التي تعبدونها من دون الله ("ولا تذرن")، أي لا تتركن (ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) [نوح: 23] . وهي أسماء الأصنام لهم
(فإنهم)، أي قوم نوح (إذا تركوهم)، أي تركوا هذه الأصنام (جهلوا من الحق) سبحانه (على قدر ما تركوا من هؤلاء) الأصنام لأنهم ما علموا من الحق تعالى إلا مقدار ما علموا من هذه الأصنام .
وقد علموها مشبهة ومكيفة مثل جميع العالم والعالم جميعه ظهور الحق تعالى، والحق تعالی كما هو منزه عن كل ما ظهر مشبه أيضا بكل ما ظهر .
فهو منزه مشبه كما تقدم ذكره وقد علموه مشبها في بعض ما هو مشبه به، والتشبيه بعض المعرفة به، فلو تركوا ما هم فيه من بعض معرفته جهلوا على مقدار ما تركوا.
فلهذا السر، المخفي عنهم لم يتركوا أصنامهم وإن كان تمسكهم بأصنامهم بالنظر إلى نياتهم كفرة وزيغ وضلالا لما قدمناه من أن بعض معرفة الشيء نقص ونقص المعرفة كفر.
فلا يجحد کون ذلك البعض معرفة قليلة، ولا يقال بقبول ذلك في دين الله تعالى، ولكن هذا كشف عن حقائقهم لا عن أحكامهم كما بينته في كتابي الرد المتين على منتقص العارف محيي الدين .
و (فإن للحق) سبحانه وتعالى من حيث ظهوره (في كل معبود) من صنم أو کوکب ونحو ذلك (وجها خاصة) هو من ذلك الوجه حقيقة الحق تعالی ظاهرة بصورة ذلك المعبود .
کما قبل الحق تعالى أن يكون عالما بصورة ذلك المعبود قبل ظهوره بها من غير أن يتغير هو سبحانه عما هو عليه في نفسه (يعرفه)، أي ذلك الوجه (من عرفه) لصفاء البصيرة (ويجهله من جهله) لكدر البصيرة وانطماسها (في) الأولياء (المحمديين) .
ولم يقل : ويجحده من جحده، لأن الأولياء لا يجحدونه وإن جهلوه وإنما يجحده بعض العوالم ممن يزعم أنه من علماء الرسوم لقصورها عن درك الحقائق كما يشير إليه قوله تعالى : ( وقضى ) من الأزل وقدر (وألا تعب وأه) یا أيها المكلفون كلكم (و إلا إياه ) [الإسراء: 23] وحده (أي حكم) وحكمه تعالی
نافذ على كل حال فكيف تتصور عبادة غيره تعالى حينئذ.
فالعالم من الأولياء المحمديين (یعلم من عبد) في وقت عبادة عباد الأصنام مثلا للأصنام هل عبدت على الحقيقة الصورة الظاهرة الممسوكة بقدرة الحق سبحانه، أي عبد الحق تعالی الظاهر بها .
(و) يعلم ذلك المعبود الحق سبحانه (فی أي صورة ظهر) بفعله لا بذاته (حتی عبد) عند جميع العالمين (و) يعلم (أن التفريق) والتمييز (والكثرة) في المعبود الواحد (کالأعضاء) الكثيرة المختلفة مثل اليدين والرجلين والأذنين والعينين ونحو ذلك (في الصورة) الواحدة (المحسوسة) فإن كثرة أعضائها لا تنافي وحدة حقيقتها في الإنسان الواحد .
(وكالقوى) جمع قوة (المعنوية) كقوة البصر وقوة السمع وقوة اللمس وقوة الذوق وقوة الفكر وقوة الحفظ وقوة الخيال وما أشبه ذلك (في الصورة الروحانية الواحدة التي هي في باطن الصورة الجسمانية المحسوسة .
(فما عبد) على الحقيقة (غير الله) تعالى (في كل معبود) وعبده عابد مطلقا .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه : (فجاء المحمدي) للدعوة والمراد محمد عليه السلام وإنما جاء بياء النسبي إشارة إلى أن الداعي هو الروح الظاهر في صورة الجسد المحمدي وهو الروح الجزئي المنسوب إلى الروح الكلي لا الروح الكلية المحمدية .
(وعلم) هذا المحمدي قبل أن يؤمر بالدعوة (إن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسمائه) فصدقه الله فيما علم.
(فقال يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا فجاء بحرف الغاية وقرنها بالأسم فعرفنا أن العالم كان نحت حيطة اسم إلهي أوجب) ذلك الاسم (عليهم) أي على أهل العلم كله (أن يكونوا) أي أهل العالم (متقين) أي حافظين محترزین عبادة غير هذا الاسم الإلهي من الأسماء التي تحت حيطة .
فما مکر قوم محمد عليه السلام معه لانعدام موجب المكر وهو التنبيه في الدعوة إلى هوية الحق فدعا قومه إلى الله من حيث أسمائه بلا تنبيه إلى هويته.
فما مكر في الدعوة حتى أجابوه مكرا بخلاف دعوة نوح عليه السلام ولو دعا قومه بمثل هذه الدعوة لأجابوه بلا مکر وكم بين الدعوتين .
وما علم الدعوة مثل ما علم محمد عليه السلام فلا يدعو مثل ما دعاه محمد عليه السلام فكانت إجابة كل قوم بحسب دعوة نبيه (فقالوا) بعضهم لبعض (في مكرهم) مع نوح عليه السلام: ("وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) ") [نوح: 23] كل ذلك أسماء الأصنام والآلهة شاملة لها .
وإنما قالوا ذلك (فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء) وإنما لزمهم الجهل من هذا الترك لأنهم حصروا التقريب إلى الله والعلم به في الأصنام لذلك قالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله" [الزمر: 3]. فليس في شأنهم عرفان بغير هذه الطريقة فلم يقبلوا دعوة النبي البتة حذرا عن الجهل.
(فإن للحق في كل معبود وجها) و هو اسم جزئي من أسماء الله داخل تحت حيطة الاسم الجامع بربه ذلك المعبود (يعرفه) أي وجه الحق (من عرفه) أي الحق وهو مرتبة الكاملين .
(ويجهله) أي الوجه (من جهله) أي الحق وهم لا يعرفون الحق ولا الوجه لكنهم قالوا ذلك عن جعل مكرا معه .
وإنما قال في كل معبود ولم يقل في كل موجود مع أن وجه الحق لا يختص بالمعبود إشارة إلى أن كل موجود معبود إما بشخصه أو بنوعه أو بجنسه .
فما جاءت في حقهم الدعية من عبادة الأرباب الجزئية إلى الاسم الجامع. وجاء ذلك (في المحمديين "وقضى ربك") [الإسراء: 23] . فإن رب محمد هو الاسم الجامع ("ألا تعبدوا إلا إياه") [الإسراء: 23] .
أي حكم بالعلم الأزلي أن العبادة في أي معبود کانت لا يكون إلا إياه إلى غيره في الحقيقة .
وإن كان إلى غيره صورة فكانت العبادة في صورة الأصنام إلى الله تعالى حقيقة وإلى الأصنام صورة بالنص الإلهي.
لكن مثل هذه العبادة غير مقبولة عند الله بالنص الإلهي كما إن العبادة لا تكون إلا لوجه الله تعالى بالنص "فأينما تولوا فثم وجه الله" البقرة : 115. لكن الصلاة لا يجوز بالنص إلا بالتولي إلى الكعبة فما جاء نوح عليه السلام بمثل هذا الحكم حتى لا يعبد قرمه الأسماء الجزئية فإن ربوبية الرب بحسب مربوبه (فالعالم بالله) أي بالاسم الجامع (يعلم من عبد) بضم العين (وفي أي صورة ظهر حتی عبد) فإنه يرى الوجه المطلق أي الاسم الجامع في الوجه الخاص يعبده فيه.
وأما الجاهل فعبادته عن جهله ولا يعلم أي شيء يعيده (و) يعلم (أن التفريق والكثرة) الأسمائية بالنسبة إلى الاسم الجامع وهو قوله : "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " [الإسراء: 110].
(كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية) يعني أن جميع الأسماء والصفات أمور مجتمعة في حضرة الذات الإلهية کإجتماع أجزائنا في صورنا المحسوسة و كاجتماع قوى أرواحنا في صورنا من العقل والوهم والمفكرة وغير ذلك فمن شاهد حضرة الجمع فقد شاهد فيها جميع الأسماء مجتمعة وعبد جميعها من حيث الجمعية لا من حيث الانفراد .
فإنه لا يصلح أن يكون معبودة فإن كان كثرة الأسماء بالنسبة إلى حضرة الجمع متصلة كأعضائنا لا أمورا منفصلة (فما عبد غير الله في كل معبود).
لأن الأسماء حينئذ عين المسمى من وجه ولا يعرف هذا إلا من عرف الحق بالمشاهدة فإذا كان العبادة في كل معبود إلى الله لا إلى غير الله تعالى .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه :"فجاء المحمدی وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسمائه.
فقال: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" 80 مریم. " .
فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقین. فقالوا في مكرهم: " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء.
فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله.
قال رضي الله عنه : "في المحمديين: " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" 23 الإسراء." أي حكم.
قال رضي الله عنه : "فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد"، وأن التفريق والكثرة کالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية.
قال رضي الله عنه : "فما عبد غير الله في كل معبود"، فالأدنى من تخيل فيه الألوهية فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره.
ولهذا قال تعالى: " قل سموهم" 33 الرعد. فلو سموهم لسموهم حجرا وشجرا وکوکبا.
ولو قيل لهم: من عبدتم؟
لقالوا إلها ما كانوا يقولون: الله ولا الإله.
والأعلى ما تخيل، بل قال: هذا مجلي إلهى فينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
وأما عنده من يري أن الشيء قبل وجوده ليس له ذات وهو صاحب المواقف، رضي الله عنه، وغيره من الأكابر، فهو يسميها ظهورات وبين القولين بون عظيم لمن يعرف غوره.
والجميع حق لعود مقاصدهم في التوحيد إلى ما لا يختلف، فتعود إلى معنى ما أشار إليه، رضي الله عنه، من أن هذه التي عددوها إنما هي مظاهر للحق تعالى، فلا جرم قالوا: "لا تذرن آلهتكم".
قال: لأنهم لو تركوها لجهلوا من الحق تعالى على قدر ما تركوه منها. قال وقد يكون مجهولا في أكثر المحمديين مع تلاوتهم قوله تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" (الإسراء: 23) . والقضاء حكم فقد حكم أن لا تعبد سواه، فما عبد أحد غيره تعالي غيرة منه ذاتية، وبين ذلك بقوله: وإن التفريق والكثرة کالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية ثم أخذ يبين اعتبارات القائلين بعبادة الأصنام وجعل منهم الأعلى والأدنى التفاوت عقولهم في الاعتبارات .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه : " فجاء المحمدي فعلم أنّ الدعوة إلى الله ما تكون من حيث هويّته" ,  وإنّما هي من حيث أسمائه فقال : " يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً " فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم ، فعلمنا أنّ العالم كان تحت حيطة اسم إلهيّ أوجب عليهم أن يكونوا متّقين " .
قال العبد : المشرب المحمدي الجامع لجميع الدعوات النبوية والأحكام التشريعية التكليفية هو أنّ الدعوة من حضرة إلى حضرة ، ومن مقام إلهيّ اسمي إلى آخر ، والمدعوّ إليه الله في الجميع إلَّا أنّ التعيّنات العينية في ملابس الصور العينية المقتضية للتمييز بـ « من » و « إلى » يتفاضل بعضها على بعض ، فالتجلَّي من حضرة أحديّة الجمع ليس كالتجلَّي في أحدية الفرق والصدع .
والداعون صنفان : أحدهما يدعو إلى الله بأمر الله ، وهمّه في القيام بما أمر من الدعوة ، ولا يلزمه كشف الحقائق على ما يقتضيها عند الله في نفس الأمر .
والثاني صنفان منهم : من كشف له الله حقائق ما أمر بتبليغه والدعوة ، ومنهم :
من ليس له ذلك وإنّما هو إنباء وإخبار من الله بذلك وأمر ونهي لا غير .
وهم أيضا على قسمين : قسم منهم من يكون إنباء الحق وإخباره له في الرؤيا والهاتف والوحي بواسطة الملائكة ، وهو غير مأمور بالتبليغ والرسالة . وصنف مأمور بالتبليغ والرسالة .
وهم صنفان : أولو العزم الذين أمروا أن يبلغوا إلى الأمم رسالة الله ، فإن لم يجيبوا بالمعجز قاتلوهم . وصنف ما عليهم إلَّا البلاغ ، فإن آمنوا أمنوا من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة أو فيهما معا ، وإن لم يؤمنوا لم يأمنوا كذلك .
والصنف الأوّل الأعلى هم الذين يدعون على بصيرة كمحمّد صلَّى الله عليه وسلَّم والمحمديين من الأنبياء والأولياء عالمين بأنّ الحق موجود في البداية والغاية .
وهو عين المدعوّ والداعي والمدعوّ إليه ، وهو على كشف وبصيرة أنّه مأمور بالدعوة والإبلاغ بأمر الله ومشيّته ، وأنّه تقع الإجابة ممّن شاء الله له ، وعنى منه الإجابة ظاهرا وباطنا ، وممّن لا يكون كذلك ، ولا تقع الإجابة إلى الداعي إلَّا في صورة الردّ والصدّ أو تكون الإجابة ظاهرا لا باطنا أو باطنا لا ظاهرا بالبعض أو بالكلّ ، ولا بدّ من ذلك .
وهو يدعو على بصيرة إلى اسم كلَّي محيط بكلّ مركَّب وبسيط ، وهو الاسم « الله » أو الاسم " الرحمن " ، " قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه ُ الأَسْماءُ الْحُسْنى " ، وأنّ مصير صور التفرقة والجمع إليه إنّما يكون على وجهين :
أحدهما : يوم نحشر المتّقين الذين اتّخذوا الله وقاية لهم عن آثار الأفعال والأحكام والأوصاف والأخلاق الحميدة في الإضافة فأضافوها إلى الله ، ففازوا بشهود الحق قائما على كل نفس بما كسبت ، وأنّ نواصيهم بيده تعالى والله هو الفاعل بهم وفيهم جميع أفاعيلهم فكلَّها من أعمال الله بهم وفيهم ، كما ثمّ أيضا كذلك.
" وَالله خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ "  فأضافوا ما أتوا به من المحامد والمحاسن والفضائل وصالحات الأعمال كلَّها إلى الله ، فخلصوا من ورطات الرياء والسمعة والشرك الخفيّ والجليّ وغير ذلك من العقبات الموجبة للعقوبات ، وجعلوا أنفسهم أيضا وقاية لله في إضافة النقائص والقبائح والمذام من الأعمال والأفعال والأخلاق والنعوت والأوصاف ، فحازوا بذلك أسرار شهود " وَما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ "  بكسر الميم .
وقوله : « والشرّ ليس إلَّا إليك ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلَّا نفسه » فنسبوا كلّ ذلك إلى أنفسهم ولم ينسبوا إلى الله .
ووقفوا وقاية عن إضافة النقائص من نقائص الكمالات التي اتّخذوا الله فيها وقاية ، فصار كل منهما وقاية لصاحبه مع أحدية العين في عين الفرق فبدّل الله سيّئاتهم حسنات ، لأنّه لا فاعل في الحقيقة إلَّا الله جمعا وفرقا ، حقّا وخلقا ، ففازوا بحمد الله بدرجة التحقيق وانتهجوا سواء الطريق ، والرحمن الذي وسعهم بحيطة بسط عليهم مضافا إلى ما بهم من النعم من بسطته .
والثاني : من أضاف الأفعال كلَّها إلى نفسه ، وهم على صنفين : منهم من سعد بالأعمال الصالحة والعبادات والطاعات ، فنجا .
ومنهم من شقي بأضداد أفعال أهل السعادة ، فهلك ولم يجد ملتجأ . والصنفان على أصناف لا يتدارك ولا يحصيها إلَّا الله ، وكلَّهم محجوبون ، ولأهل الكشف والحجب تماثيل وأمثله منصوبون ، وعند كشف الغطاء مطالبون ، فافهم والله الملهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : " فقالوا في مكرهم : لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا "، فإنّهم إذا تركوهم جهلوا من الحق قدر ما تركوا من هؤلاء ، فإنّ للحق في كلّ معبود وجها يعرفه من عرفه ، ويجهله من جهله."
قال العبد : لمّا كان الوجود الحقّ المتعيّن في خصوصيات قابليات كل معبود من حجر ومدر وشمس وقمر ظهورا ووجها خاصّا هو الوجه الحق الباقي إذا عادت حجابيّات الأشياء هالكة ، فمن أنكر وجهل وجه الحق في كل شيء ، فقد أنكر الحق المتعيّن في مظهريته ، والمتجلَّي من حقيقته لصور خلقيته.
فهو الظاهر في كل ظاهر ولا ظاهر إلَّا أفعاله ، فلا ظاهر إلَّا الله " وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله رَمى "  ، فظهرت الألوهية والمألوهية ، والعابدية والمعبودية ، والساجدية والمسجودية في كل عين عين ، فمن عبد حجابيّته وصنميّته ، أو عبد تخيّله وهواه في ذلك المعبود أنّه إله ، فقد عبد هواه ، وعبد الطاغوت ، وعبد صنميّات حجاب اللاهوت .
ومن عبد الله الواحد الأحد في كل ما عبد ، وعبد من غير حصر لله تعالى في صورة دون صورة وتعيينه في شيء دون شيء ، فذلك العارف الكاشف ، والعالم الواصف ، لا يحجبه شيء ، ولا يسعه نور ولا فيء ، ولا يحجزه ميّت ولا حيّ ، ولا يضرّه هداية ولا غيّ .
ذلك هو العبد الحقّ " في مَقْعَدِ صِدْقٍ " . " عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ "   فافهم .
وإذا علمت هذا فاعلم : أنّ لك نسبا في ربّك ليس لغيرك ، هو أحدية جمعك وبصورتك ظهر لك في كل معبود موجود ، وتجلَّى لك في كل مشهود معهود وغير معهود ، ولكن ظهوره بك في كلّ بحسب المظهر لا بحسبه ولا بحسبك ، فأنت حسبه إن كنت بحسبه ، وهو حسبك حسبا ، ونعم النسب التي بها جعل لك منه نسبا فأعطه ماله وهو أنت ، وخذه مالك وهو ربّك ، وقابل لتجلَّياتك لك به ، ولتجلَّياته بك لك من أحديّة جمع مظهريّتك عبدانيّة تناسب التجلَّي ، وقابل بكلَّك كلّ المتجلَّي ، تكن أديبا أريبا محبّا له في الكلّ حبيبا ، وقلبا كلَّيا متقلَّبا معه في شؤونه لبيبا ، تشاهد من تجلَّياته مشهدا غريبا ، وتكشف منك له حالا عجيبا ، والله الموفّق .
قال الشيخ رضي الله عنه :  "في المحمّديّين : " وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه ُ ".
أي حكم  فالعالم يعلم من عبد ؟ وفي أيّ صورة ظهر حتى عبد ؟
وأنّ التفريق والكثرة في الأعضاء كالصورة المحسوسة والقوى المعنويّة في الصورة الروحانيّة ، فما عبد غير الله في كل معبود".
قال العبد : جلّ جناب المعبود الحقّ أن يعبد سواه في كلّ معبود ، أو يوجد إلَّا إيّاه في كل موجود ، لأنّ الحقيقة تقتضي لذاتها أن تتفرّد بالوجود على الإطلاق ، وتقتضي بحقيقتها المعبودية بالاستحقاق ، فحيث وجدت الإلهة والعبادة ، فهي له والحقّ لها .
ولكنّ الكثرة المعهودة والتفرقة المشهودة تحجب العقول المنصبغة بأحكام العرف والعادة عن شهود الوجود الحقّ الواحد الأحد في الغيب والشهادة ، وتكون أحديّته الخصيصة بذاته المطلقة أحدية جمع لا تنافيها الكثرة ، والسلطان هو الواحد الحقّ المستوي ،والوحدة والإطلاق والتقيّد والكثرة هي المظاهر والعروش والأسرّة.
وكما أنّ صورتك المحسوسة واحدة ، لا شكّ في وحدتها جملة واحدة ، ولا تقدح في أحدية جملتك كثرة الأعضاء من حيث الاعتبار النسبي والتعقّل الإضافي المعهود ، لا في الوجود ، ولا في الأمر ، وليست في نفس الأمر كثرة إلَّا بالاعتبار ، عند ذوي العقول الرجيحة والاستبصار.
وكذلك صورتك الروحانية ولطيفتك الإنسانية جوهرة واحدة وحدة حقيقية ما فيها ما ينافيها ، ومع ذلك فوحدتها أحدية جمع أرواح وقوى كثيرة ، ولا تقدح كثرة قواها في أحدية هذه الجوهرة اللطيفة النورانية ،.
فكذلك لا تقدح كثرة مظاهر الأسماء وهم الأرباب في أحدية جمع الإله الربّ المعبود في الكلّ عند ذوي الألباب ، فهو المعبود في كل ما عبد ، والعابد في كل من عبد ، فأقرّ وما عند ، وهو الجاحد العاند فيمن جحد وعند ، فالكلّ منه وفيه وله ، وبه ومنه له ، وله فتنبّه أيّها الأنبل الأنبه ، فأنت المؤمّل المكمّل ، والمعروف المعرّف والمجهول المجهّل.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
ولهذا قال رضي الله عنه : ( فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته ) لأن الهوية الأحدية مع الكل سواء ( وإنما هي من حيث أسماؤه ) فيدعون من الاسم الخافض إلى الرافع ومن اسم المنتقم إلى الرحيم ومن اسم المضل إلى الهادي .
( فقال تعالى : " يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً " فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم ) ليعلم أن الرحمن اسم شامل لجميع الأسماء فيكون العالم تحت إحاطته ، إذ لا فرق بينه وبين اسم الله .
كما قال : " قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه الأَسْماءُ الْحُسْنى " وكل طائفة من أهل العالم تحت ربوبية اسم من أسمائه ومن كان تحت ربوبية اسم كان عبدا لذلك الاسم ، فيدعوهم رسول الله من تفرقة تلك الأسماء إلى حضرة جمع اسم الرحمن أو اسم الله وهي الدعوة على بصيرة .
لأنه تحصين من رق الآلهة المتشاكسة إلى عبودية الإله الواحد ، كما قال تعالى :" ضَرَبَ الله مَثَلًا رَجُلًا فِيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ "  واسم الرحمن يحكم على عباده بأن يكونوا متقين ويوجب عليهم التقوى ، وهو على معنى قوله :
( فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهى أوجب عليهم أن يكونوا متقين ) وحقيقة التقوى أن يجتنب الإنسان من إضافة الخيرات والكمالات والصفات الحميدة إلى نفسه أو غيره إلا إلى الله ، ويتقى به من أفعاله وصفاته فإنها شرور من معدن الإمكان ، فيطلع على سر قوله  : " وما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ " لأن الشرور أمور عدمية وأصله العدم ومنبعه الإمكان .
قوله ( فقالوا في مكرهم :" لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً "  فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء ، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله ) مر تقريره ( في المحمديين "وقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه " أي حكم ربك ) رب الكل أن لا موجود سواه فلا يرى في صورة الكثرة إلا وجهه فيعلم أنه هو الذي ظهر في هذه الصور فلا يعبد إلا الله لأن صور الكثرة في الوجود الواحد إما معنوية غير محسوسة كالملائكة وإما صورية محسوسة كالسماوات والأرض وما بينهما من المحسوسات .
فالأولى بمثابة القوى الروحانية في الصور الإنسانية ، والثانية بمثابة الأعضاء ، فلا تقدح هذه الكثرة في أحدية الإنسان وهو معنى قوله ( فالعالم يعلم من عبد وفي أيّ صورة ظهر حتى عبد ، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية ، فما عبد غير الله في كل معبود فالأدنى ) . أي الجاهل المحجوب.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فجاء المحمدي، وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته، وإنما هي من حيث أسمائه، فقال : "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا"). فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي (أوجب عليهم أن يكونوا متقين).
فجاء القلب المحمدي، أو الداعي المحمدي، وعلم أن الدعوة إلى الله ليست من حيث هوية الحق، لأنها موجود في كل موجود، وإنما هي من حيث أسمائه، أي، يدعوا الخلق من الأسماء الجزئية التي يعبدونها إلى الاسم الجامع الإلهي وهو (الله) و (الرحمن). كما قال تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا). أي، نحشر الذين يتقون من الأمور المقيدة الحاجبة لهم عن أنوار الاسم الجامع الموجبة للظلمة والضلالة، إلى الاسم الجامع الرحماني. (فجاء بحرف الغاية) وهو (إلى). و (قرنها بالاسم الرحماني). ليعلم أن العالم من حيث إنه
أسماء إلهية، أي مظهر أسماء إلهية جزئية كانت أو كلية، تحت إحاطة اسم إلهي وهو (الله) و (الرحمن) أزلا.
فأوجب ذلك الاسم على أهل العالم أن يكونوا متقين محترمين عن عبادة أسماء الجزئية دائما، ليعبدوا الله بجميع أسمائه، لأن العابد لله عابد لجميع الأسماء لأنها داخلة فيه، وأما عابد (المنعم) مثلا، ليس عابد (المنتقم) فما يعبد الله من حيث جميع أسمائه.
لذلك قال: (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فقالوا في مكرهم: "لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا". فإنهم إذا تركوهم، جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها، يعرفه من عرفه ويجهله من جهله). أي، قال قومه في مكرهم معه، ليدعو عليهم: (لا تذرن آلهتكم).
وهي (ود) و (سواع) و (يغوث) و (يعوق) و (نسر). لأن هوية الحق ظاهرة فيهم، كما في غيرهم. فلوتركوهم، جهلوا من مظاهر الحق على قدر ما تركوا، لأن للحق في كل معبود وموجود وجها، إذ الوجه الباقي مع كل شئ يعرفه، أي، يعرف هذا المعنى من
عرف الحق ومظاهره، ويجهله من جهل الحق ومظاهره.
(في المحمديين: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه". أي، حكم) وجاء في حق المحمديين: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه). أي، حكم أزلا رب محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو الاسم (الله) الجامع، أن لا تعبدوا إلا الله الجامع للأرباب، ولا تعبدوا الأرباب المتفرقة.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية). فالعالم بالله ومظاهره يعلم أن المعبود هو الحق في أي صورة كانت، سواء كانت حسية كالأصنام، أو خيالية كالجن، أو عقلية كالملائكة.
ويعلم أن التفريق والكثرة مظاهر لأسمائه وصفاته، وهي كالأعضاء في الصورة الإنسانية: فإن العين مظهر للإبصار، والأذن للسمع، والأنف للشم، واليد للبطش، وكالقوى الروحانية، كالعقل والوهم والذاكرة والحافظة والمفكرة والمتخيلة، فإنها كلها مظاهر لصفات الروح. (فما عبد غير الله في كل معبود). إذ لا غير في الوجود.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين.
فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم.
فالعالم يعلم من عبد، و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق و الكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال رضي الله عنه : (فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال: «يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا» فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين. فقالوا في مكرهم: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق و نسرا»، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه و يجهله من يجهله. في المحمديين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه» أي حكم. فالعالم يعلم من عبد. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فجاء) الداعي (المحمدي) لإزالة صورة المكر في هذه الدعوة مع دعاية أمر الإرشاد، ومنع المكابرة منهم.
(وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته) أي: تعيين الإلهية الشاملة للأسماء كلها اللطفية والقهرية، (وإنما هي من حيث أسمائه) يدعو من بعضها إلى بعض أي: من القهرية إلى اللطفية فاختار من اللطفية الاسم الجامع للأسماء اللطفية؛ (فقال: "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا " [مريم: 85]، فجاء) في هذه الدعوة (بحرف الغاية)، وهو إلى من غير مكر، وهو أنه (قرنها) أي: الدعوة إلى الغاية بالاسم الرحمن الشامل للأسماء اللطفية دون اسم الله الشامل لها ولغيرها.
والآية وإن وردت في الحشر فهو مرتب على أمر الدنيا، إذ هي مزرعة الأخرة. (فعرفنا) من هذه الدعوة المحمدية الجامعة لأنواع الكمالات الدالة على أنه، إنما يدعو إلى الاسم الجامع للأسماء المفيضة لأنواعها، وهو الذي رحم به الكل أولا فيجب الرجوع إليه آخرا؛ لأن النهاية هي الرجوع إلى البداية " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة: 48].
وهذا يشير إلى أن كل واحد من شرعته جاء في بدايته (أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي) كلي رحم به على الكل فأخرجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود، والرجوع إليه لا يمكن إلا بنور الفطرة.
ولذا قال الشيخ رضي الله عنه : (أوجب عليهم أن يكونوا متقين) عن الحجب الظلمانية الحاصلة من الاعتقادات الفاسدة، والهيئات الرديئة من المعاصي الفرعية؛ ليمكنهم الوصول بنور الفطرة إلى ذلك الاسم راكبين مطايا الاعتقادات الطيبة والهيئات الصالحة.
فلذلك قال : "يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا" [مريم: 85]، (فقالوا في مکرهم) في إجابة نوح لما دعاهم إلى من تنزه عن الكل مع ظهوره في الكل: (" لا تذرن آلهتكم " [نوح: 23])، إذ هي المظاهر لا غير في زعمهم أو هي الكاملة في المظهرية بحيث تستحق العبودية من المظاهر القاصرة، وقد غلطوا إن الإنسان أكمل منهم مع أن أصل المظاهر العبودية؛ فحقها أن تكون عابدة لا معبودة.
("لا تذرن" [نوح: 23])، على الخصوص (" ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" [نوح: 23]، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق) أي: من تجلياته (بقدر ما تركوا من هؤلاء) لانحصار المظهرية فيها في زعمهم، أو لكونها مظاهر كاملة عندهم مستحقة للعبادة، (فإن للحق في كل معبود وجها) خاصا من تجلياته أراد بذلك أن يعبد فيها (يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله).
وليس ذلك الوجه في سائر المظاهر، وإلا لعبدت أيضا، وغلطوا في ذلك فإن الحق إنما أراد أن يعبده فيها من كان بينه وبين الحق حجاب فلا يراه إلا في هذه المظاهر القاصرة، ويقتصر نظره عليها والدليل على أنه المعبود فيها بالحقيقة ما ورد في كتاب
قال الشيخ رضي الله عنه : (المحمديين)، وهو قوله تعالى: ( "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " [الإسراء:23])، أي: حكم
قال الشيخ رضي الله عنه : ولا تبدل الحكم الله لكن عبادته بذاته حق، وعبادة المظاهر باطلة لما فيها من التفرقة "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" [يوسف: 39].
(فالعالم) بظهور الحق فيها (يعلم من عبد) فيها بالحقيقة، وإن قصد الغير؛ لكن الجزاء إنما يترتب على القصد إذ له تأثير في المقاصد "إنما الأعمال بالنيات"، لا على ما وقع في الحقيقة ولو قصدوا عبادة الظاهر فيها، فإن قصدوا ذلك لاختصاصها بالمظهرية أو الكمال مظهريتها فهو أيضا غلط فاحش، وإلا فلا معنى لعبادتها.
قال رضي الله عنه : (و في أي صورة ظهر حتى عبد، و أن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة و كالقوى المعنوية في الصورة الروحانية،فما عبد غير الله في كل معبود.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وفي أي: صورة ظهر) من الصور الموجبة للحجاب، والكشف الموجب لاعتقاد استحقاقها العبادة له فيها، أو للمظاهر نفسها (حتی عبد) فالذات من حيث جلالها اقتضت ذلك، وأرادت أن تعبد في هذه المظاهر؛ ليقهر بذلك فيكمل ظهور قهره وجلاله، ولا معنى لجعلها كالقبلة.
لأن القبلة هي الجهة التي يتوسل بالتوجه إليها في الظاهر إلى توجه الباطن إلى الحق، وليس يحصل ذلك من هذه الأصنام بل عبادتها توجب ظلمات كثيفة نورت الميل إلى المحسوسات مع إنكار الكمالات الحقيقية، كإنكار النبوة والأمور الأخروية على ما هو المشاهد من أهلها، وإن كان المعبود في الكل واحد إذ لا تكثر هذه الصور المعبودة (فإن التفريق والكثرة) في صور المظاهر (كالأعضاء) أي: كتفريق الأعضاء وكثرتها (في الصورة المحسوسة) بجسد الإنسان.
(وكالقوى المعنوية) أي: وكتفريق القوى المعنوية وكثرتها (في الصورة الروحانية) مع أن مرجع الكل هو الإنسان الواحد بالشخص، وإذ كان مرجع الكل هو الله (فما عبد) في الحقيقة (غير الله في كل معبود).
فلذلك أرادت الذات الإلهية أن تعبد في كل معبود، وهو معنى قول أهل السنة: إن الله تعالى يريد الكفر من الكافر، ولكن لا يرضى إلا الإسلام والتوحيد لأنه إنما تكمل حكمته في الظهور لا في الحجاب.
فلذلك قالوا: إن جلاله عاشق لجماله، وإذا كان الكل يرجع إلى الحق الواحد مع التفريق فيه انقسم الناس إلى جاهل أدني يقتصر نظره على التفريق، وعالم أعلى يعلم رجوع الكل إلى الحق، وبينهما مراتب.

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: