الأحد، 30 يونيو 2019

الفقرة السابعة عشر السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة السابعة عشر السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة السابعة عشر السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

الفقرة السابعة عشر :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : "وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من وإلى وما بينهما . وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» ولا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم.
«مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته."
قال رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل) الذي لا رجوع له إلى مبتداه بل هو متوجه إلى غير نفسه ومقبل على ما سواه (مائل) دائمة، أي منحرف (خارج) بسبب میله ذلك عن المقصود الحق، لأن المقصود الحق عين المائل منه الخارج وهو لا يشعر من حيث هو مائل خارج، فداؤه عین دواه ومتمنيه حقيقة مناه (طالب ما)، أي المقصود الذي (هو فيه صاحب خیال) فکري لا کشف ذكري (إليه) أي إلى ذلك الخيال الذي يصحبه غايته التي يرجع إليها ويعول في أقرب أحواله علیها (فله) حقيقة معنی (من) الابتدائية (و) حقيقة معنى (إلى) الانتهائية (وما بينهما)، أي بين من وإلى من المسافة العقلية أو الحسية، لأن عنده المغايرة بينه وبين مطلوبه دائمة، فهو ينتقل من کون إلى كون من نفسه إلى ربه لا من ربه إلى نفسه إذ نفسه عنده من جملة الأغيار لربه (وصاحب الحركة الدورية) وهو الأول (لا بدء له) بشيء في سير، فيبتدىء من نفسه إلى ربه ثم من ربه إلى نفسه .
وهكذا فالمغايرة عنده اعتبارية وهمية، لأنه لو كان له بدء بشيء لكانت المغايرة عنده حقيقة (فيلزمه) حينئذ معنی (من) الابتدائية كما يلزم الأول (ولا غاية) له إلى شيء (لكمال حيرته) بتحقق عجزه (فيحكم عليه) حيث ينتهي إلى شيء معنی إلى الانتهائية
(فله)، أي لصاحب الحركة الدورية (الوجود) الحق (الأتم)، لأن وجوده انجلى عن ظلمة كونه وتجردت حقيقته المتنزهة عن صبغة لونه فهو المعروف وإن أنكره الجاهلون والنور الذي أشرق به كل شيء وإن عميت عنه المغضوب عليهم والضالون، لأن لبس عليهم ما يلبسون (وهو الموتى) من قبل أصله (جوامع الكلم) الإنسانية المركبة من الحروف النورية والنارية (و) جوامع (الحكم) الروحانية في جميع العوالم إذ الكل مخلوق من ذلك النور الواحد المنصبغ بلون كل كون فهم به منه وإليه يرجعون ("مما خطيئاتهم أغرقوا")، أي قوم نوح عليه السلام جمع خطيئة
(فهي التي خطت)، أي مشت (بهم) من أنفسهم إلى ربهم حيث كانت سبب هلاکهم.
(فغرقوا) حين وصولهم إلى ربهم (في بحار العلم بالله) تعالى ولما كان واحد منهم له علم بالله تعالی مخصوص على حسب استعداده كان العلم بالله تعالی بحار الأبحر واحدة (وهو)، أي العلم بالله تعالى حقيقة (الحيرة) في الله تعالی : (" فأدخلوا") ، أي أدخلهم الله سبحانه حين غرقهم ("نارا") [نوح: 25] تتأجج (في عين الماء) الذي يتموج فالذي غرقوا فيه ماء عند أهل الدنيا نار عند أهل الآخرة وحقيقة واحدة منصبغة بالصبغتين على حسب العالمين، فمن خرج عنها وجد الله عنده بمجرد خلع النعلين (و) هذا المقام (في) الوارثين (المحمديين).
قوله تعالى: ("إذا البحار")، أي الحقائق الإنسانية التي هي نفس العلم الإلهي ("سجرت") [التكوير: 6] .
شوقا ومحبة إلى نفسها وهي برد وسلام، فهي نار إبراهيم في خلته التي هي غاية المحبة، وهي نار موسى المكلمة له من حيث هي نور جذبته إليها بصورة حاجته التي هي النار، فأتاهم منها بقبس هو حقيقة ووجد على النار هدى هو معرفته على حسب ما ترجي ذلك.
فسجرت مشتق (من) قولك (سجرت التنور إذا أوقدته) بالحطب ونحوه.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه) أي نفسه في خارج وزعم أنه يوصل إلى مطلوبه مجردة عن المظاهر نهر صارف عمره فيما لا يمكن حصوله (صاحب خيال إليه) أي إلى الخيال (غايته) فهر وأصل إلى ما يتخيله نفسه لا إلى مطلوبه (فله) أي لصاحب الطريق المستطيل (من وإلى وما بينهما) أي له ابتداء وانتهاء ومسافة فابتداؤه من نفسه وانتهاؤه إلى خياله ومسافته ما بينهما .
فلا يصل إلى مطلوبه بهذا الطريق وهو الطريق العابدين من أهل الظاهر فهم ليسوا من الحائرين الذين نحن في بيانه (وصاحب الحركة الدورية لا بدء له) في حركته (فيلزمه) من نصب بإضمار أن (ولا غاية له) لمشاهدة مطلوبه في كل مظهر ولا نهاية للمظاهر فلا غاية لصاحب هذه الحركة (فنحكم عليه إلى) كناية عن الانتهاء (فله) أي لصاحب الحركة الدورية (الوجود الأتم) أي الإحاطة بمراتب الوجود كلها وشاهد مقصوده فيها.
قال رضي الله عنه : (وهو المؤتی جوامع الكلم والحكم) وهو محمد عليه السلام فمقام الحيرة جامع لجميع الحقائق الإلهية والحكم الربانية فأشار نوح عليه السلام في دعائه إلى هذا المقام بقوله : إلا ضلالا ثم رجع إلى الإشارات بقوله تعالى في حق قوم نوح عليه السلام .
(مما) أي من أجل (خطيئاتهم فهي التي خطئت) أي ساقت (بهم) وهي مجاهدتهم في السلوك بالتعدي حدود الله تعالى بأوامر أنفسهم (فغرقوا) بسبب ذلك (في بحار العلم بالله وهو) أي بحار العلم (الحيرة فأدخلوا نارا) أي نار المحبة (في عين الماء) وهو العلم وجاء كون النار في الماء.
(في المحمديين وإذا البحار سجرت. سجرت التنور إذا أوقدته) فكان المحمديون داخلين نارا في بحار العلم بالله فإذا أدخلوا نارا في عين الماء .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته، فله من وإلى وما بينهما، وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه "من"، ولا غاية فيحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتی جوامع الكلم والحكم.
"مما خطيئاتهم" فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، "فأدخلوا نارا" (نوح: 20) في عين الماء وفي المحمديين. "وإذا البحار سجرت" (الصف: 6) سجرت من التنور إذا أوقدته من، فلم يجدوا لهم "من دون الله أنصارا" (نوح: 20 ) فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد.
ثم أخذ بعظم أقدار من قبل فيهم: مما خطياتهم أغرقوا، وعبر عن الخطيئة بالخطوة التي خطت بهم إلى بحبوحة بحر الفناء في الله فغرقوا في ذلك البحر فحصل لهم العلم بالله تعالى من عين الحياة . فيه فادخلوا نارا في عين الماء وإنما سمي النار عين الماء لأن الشهود يقتضي ذلك.
قال النفري رضي الله عنه: «أوقفني في النار، فرأيت جيم الجنة جيم جهنم، فرأيت ما به يعذب عين ما به ينعم» ، ويجوز أن يحصل العطش الذي يتجدد لأهل الشهود في نفس الري.
وفي ذلك يقول شيخنا عبد القادر الجيلي فيما نقل لي عنه في قصيدة مذهبة وللأغيار مدهيه وهي شعر:
يرون أمرا أعطى الجمال قياده   …. فأصبح لا يلوى على اللوم والعتب
فلو أضحت السبع البحار مدامة   ….. يطوف عليه كأسها لم يقل حسبي
فهذا المعنى يجوز أن يحمل عليه في مذهب الصوفية قوله تعالى: "مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا" وليس ذلك بجائز على مذهب العلماء، رضي الله عنهم، ولي من جملة قصيدة في هذا المعنى :
وهو الوجود المستمر بذاته    ….. في نهج متفق الشؤون محکوم
يعطيك ریا ضمنه عطش به  ….. اسمعت بالمرحوم والمحروم
قد ضاق من سعة به ذرعا      ….. ففي إقامة الموجود کالمعدوم
قال رضي الله عنه، استشهادا لوجود النار في الماء بقوله تعالى: "وإذا البحار سجرت" (التكوير: 6) والبحار هي ماء وقد وصفها بصفة النار في قوله
"سجرت" والدليل على أنها صفة النار قولهم: سجرت التنور إذا أوقدت فيه النار، فصح قوله: إن قوله: فأدخلوا نارا أنها نار في ماء.
ثم أخذ يبين معنى قوله: "فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا" (نوح: 25) وحمله على أنهم وجدوا الله ناصرا لهم لا سواه تعالى، فكأنه قال إنه نصرهم الله تعالى وهو مخالف لما قاله أئمة التفسير، إذا هو سالك فيما ذكره مسالك أهل الطريق.
ولذلك رأى أن نصره تعالى لهم هو أنهم هلكوا فيه إلى الأبد ومعنى هلاكهم إلى الأبد. أنهم راوه وحده ليس معه غيره أزلا وأبدا، فشهدوا أن ما معه غيره وهم محو فيه وهذا المحو يعرفه أهله.
قال: فلو نزل بهم لحجبهم بطبائع أجسامهم فكانوا بذلك نازلين في سيف هذا البحر وسيف البحر هو الساحل.
ثم أنه أورد على نفسه تقدیر سؤال كأن قائلا قال له: فهذا السيف الذي هو الساحل إذا أنزلهم الحق تعالى إليه هل يخرجون بذلك عنه؟
فقال في الجواب: لا بل هو الله .
واضرب بقوله: «بل» عن قوله الله وبالله فإن ذلك يقال في مراتب محو به وهو هنا سمح بذكر الحقيقة على ما هي عليه.
ثم أخذ يذكر قول نوح، عليه السلام: «رب»، قال: وخص الرب لأنه مضائف للمربوب، وأما الإله المشتق من الوله فما فيه تقييد، فأما لو اشتقه من الإلهة التي هي العبادة لكان بمعنى الرب واشتقاق الآلهة في قوله تعالى في بعض الروايات: ويذرك وآلهتك في موضوع قوله: "ويذرك وآلهتك " (الأعراف: 127) فالاشتقاق من الوله يقتضي التنوع الذي به تحصل الحيرة وهي الوله

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : و صاحب الطريق المستطيل مائل ، خارج عن المقصود ، طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته " .
يعني رضي الله عنه : أنّ طالب الحق في وجهة أو أمر معيّن وجهة مائل بلا شكّ عن المركز إلى المحيط ، فحركته منقطعة لا تحيط ، فيكون له مبدأ حركة ، ونهاية سير وسلوك منه إليها سلكه .
قال رضي الله عنه : فله « من » و « إلى » وما بينهما   .
يعني رضي الله عنه : بداية حركة من الحقّ الحاصل المشهود في الوجود إلى غاية تخيّلها ، والحركة الكلَّيّة لها البركة الأصلية ، فلا غاية ولا نهاية لها ، فالمتخيّل للغاية غايته الخيال المتخيّل ، والحجاب عن المشهود المحصّل .
قال رضي الله عنه : وصاحب الحركة الدوريّة لا بدء له" .
يعني : في شهوده فيلزمه « من » ولا غاية فتحكم عليه " إلى " فله الوجود الأتمّ وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم " .
يعني رضي الله عنه : نبيّنا صلَّى الله عليه وسلَّم والمحمّديين من ورثته ، فإنّ مشهدهم "فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه ُ الله " و "يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ " . " قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ ".
قال رضي الله عنه : " مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ " فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله وهو الحيرة"
يعني رضي الله عنه : أنّ العباد هطت بهم الخطيئات عن خطط تعيّناتهم فأضلَّتهم عن حظوظهم وإنّياتهم ، ففنوا في شهود الواحد الأحد حيث تجلَّى وتعرّف ، وحاروا في أحدية التصرّف والمصرّف والمتصرّف ، كيف صرف وانصرف.
فغرقوا في بحار شهود العين ، عن التعيّن في حرف الغين ، الكائن في البين بين اثنين .
قال رضي الله عنه : " فَأُدْخِلُوا ناراً " في عين الماء " .
يعني رضي الله عنه : لمّا أشهدوا الوحدة في عين الكثرة وبالعكس ، فقد حصلوا في نار تجلَّي نور سبحات وجهه ، المحرقة من عين طوفان بحر حيرة شهود النفس .
قال رضي الله عنه : « في المحمّديّين وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ " ، من سجرت التنّور إذا أوقدتها ".
يعني رضي الله عنه : أنّ عين الحق الواحد المحيط وهو عين حياة الكثير وهويّته هي المتجلَّية في إنّيّات الصغير والكبير ، فهي تجيش بنار نور تجلَّيه ، فبحارها به مسجّرة ، وخائضوها غرقى محيّرة لا مخيّرة ومسخّرة مسجّرة " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ "


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
ثم قال رضي الله عنه : ( وصاحب الطريق المستطيل ) . أي الأدنى الجاهل المحجوب الذي تخيل أن الله بعيد منه ( مائل خارج عن المقصود طالب ماهر فيه صاحب خيال ) لأنه تخيل أن الله بعيد خارج عنه فيطلبه من خارج وهو فيه ( إليه ) أي إلى ذلك الخيال ( غايته فله من وإلى وما بينهما ) أي فله ابتداء من نفسه على ما يتوهمه وهو في الحقيقة من الله الحاصل فيه ، وانتهاؤه إلى غاية الخيال الذي تخيله وما بينهما من المسافة التي توهمها وحسبها الطريق إلى الله.
فهو يبعد بسيره عن الله دائما (وصاحب الحركة الدورية لا بداية ) أي لسيرة في شهوده ( فيلزمه من ولا غاية فتحكم عليه إلى فيلزمه ) منصوب جوابا للنفي وكذا فتحكم أي لا ابتداء لسيرة حتى يلزمه من ، ولا انتهاء حتى تحكم عليه إلى ( فله الوجود الأتم ) أي المحيط بكل شيء ، فسيره سير لله في الله باللَّه ( وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم ) يعنى نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام ومن اتبعه من المحبوبين من أمته المحبين الذين أراد الله بخطابه لنبيه " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله " .
فإن مشهدهم الحق – " فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه الله " – " قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ " – " مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ " يريد حيرة المحمديين والجمع باعتبار تعددهم وكثرتهم ولهذا وصفها بقوله ( فهي التي خطت لهم ) أي حازت بهم من خطط تعيناتهم وأنياتهم ( فغرقوا في بحار العلم باللَّه وهو الحيرة ).
أي في الأحدية السارية في الكل المتجلية في صورة الكثرة المحيرة بتعينها في كل شيء مع لا تعينها في الكل وإطلاقها وتقييدها ( " فَأُدْخِلُوا ناراً " في عين الماء ) أي نار العشق بنور سبحات وجهه المخترقة بجميع التعينات والأنيات في عين بحر ماء العلم باللَّه ، والحياة الحقيقية التي يحيا بها الكل من وجه ويفنى بها الكل من وجه ، فلا حيرة أشد من الحيرة في شهود الغرق والحرق مع الحياة والعلم والفناء مع البقاء ( في المحمديين " وإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ " ) من سجرت التنور إذا أوقدته . فإن عين بحار العلم باللَّه في الكل عين إيقاد نار العشق المحرق.


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه) أي، إلى الخيال. (غايته: فله (من) و (إلى) وما بينهما. وصاحب الحركة الدورية لا بدأ له، أي لا بدأ له في سيره وسلوكه، فيلزمه (من) ولا غاية) لكماله (فيحكم عليه (إلى)). (فيلزمه)، (فيحكم عليه). منصوبان بإضمار (إن) لوقوعهما بعد (الفاء) في جواب النفي. أي، صاحب الحركة المستطيلة خارج عن طريق الحق مائل عن مقصوده، لأنه ما يرى الحق في المظاهر،بل توهم أن مطلوبه خارج عن هذه المظاهر، فيتحرك بالحركة المستطيلة للوصول إليه، ومقصوده معه وهو لا يشعر.
فهذا المتحرك طالب لما هو معه وفي نفسه، وهو يطلب خارجا من الموجودات، فهو صاحب خيال وتوهم، لأن الحق مجردا عن المظاهر لا نسبة بينه وبين العالم، كما قال: (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار). فلا يمكن إدراكه إلا في المظاهر.
قوله: (إليه غايته). أي، إلى الخيال غايته ومقصوده، فيلزم لصاحب
هذه الحركة (من) و (إلى) وما بينهما، فله بداية ونهاية. ولصاحب الحركة الدورية لا بداية ولا نهاية، لأنه يشاهده في جميع المظاهر الروحانية والجسمانية دنيا وآخرة، ولا نهاية للمظاهر، فلا نهاية لشهوده فيها، فلا يلزمه (من) ولا يحكم عليه (إلى.)
وإنما قال: (صاحب الطريق المستطيل) ولم يقل: المستقيم. لأن الصراط المستقيم يطلق على الطريق المستطيل وعلى غيره، كما يقال: فلان على الطريق المستقيم.
إذا كان أقواله وأفعاله على سبيل الصواب وطريق السداد. وصاحب الطريق المستقيم، بهذا المعنى، هو الذي يرى الحق في كل شئ ويعظمه تعظيما لائقا بظهور الحق في ذلك الشئ ويعطى حق جهة حقيته وخلقيته، لذلك صارت الاستقامة أصعب الأشياء.
وإليه إشارة النبي، صلى الله عليه وسلم،بقوله: (شيبتني سورة هود). إذ أمر فيها بالاستقامة. قال تعالى: (فاستقم كما أمرت). في السير من الخلق إلى الحق، وإن كان يلزم (من) و (إلى) لكنه غير مذموم، لأن السالك يسلك في الحقيقة من نفسه إلى نفسه وعينه الثابتة التي هي ربه، ليعرفها فيعرف ربها.
فحركته من جهة عبوديته إلى جهة ربوبيته، فليسك المحجوب الطالب لربه خارجا عن نفسه وعن سلسلة الموجودات الممكنة جميعا، كالمتفلسف والمتكلم.
(فله الوجود الأتم وهو الموتى جوامع الكلم والحكم). أي، فلصاحب الحركة الدورية، الإدراك والوجدان التام. ف (الوجود) بمعنى (الوجدان)،كقوله تعالى: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما).
أو فله الوجود المحيط بكل شئ بتمامه، لأنه يشاهد الحقيقة الوجودية في جميع مظاهرها. وهو الذي أوتى جوامع أنوار الكلم الروحانية والحكم الربانية.
("ومما خطيئاتهم" فهي التي خطت بهم، فغرقوا في بحار العلم بالله و هو الحيرة) أي، جاء في حقهم و (مما خطيئاتهم أغرقوا).
(فأدخلوا نارا) (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا). و "الخطيئة"، الذنب.
وفي قوله: (فهي التي خطت بهم) أي، ساقهم وسلك بهم إشارة إلى أنها مأخوذة من (الخطو)، لأنه يخطو ويتعدى أوامر الله، فيقع في الذنب. وواحدة: (خطوة)، وجمعه: (خطوات).
أي، خطواتهم وقطع مقاماتهم بالسلوك هي التي خطت بهم إلى بحار العلم بالله، فغرقوا فيها و حاروا. أو ذنوبهم وخطاياهم هي التي أوجبت عليهم أن يغرقوا. والتأويل الأول لا ينافي ظاهر المفهوم منها، لأنه بالنسبة إلى الكمل من أمته، وما يفهم منه ظاهرا إنما هو بالنسبة إلى الكافرين به و المحجوبين عن دينه.
والضمير في قوله: (وهو الحيرة) راجع إلى (الغرق). أي، ذلك الغرق
هو الحيرة. ويجوز أن يرجع إلى (العلم بالله).
وإنما قال كذلك لأنها يلزم العلم بالله كما يلزم العجز. فحملها عليه مجازا، حمل اللازم على الملزوم، كما حملا لإدراك على العجز مجازا في قولهم: (العجز عن درك الإدراك إدراك). حملا لملزوم على اللازم، لأن العجز عن إدراك الحق على ما هو عليه وحقيقته، إنما يلزم من غاية العلم بالله وجهاته المتكثرة المحيرة للناظر فيها.
("فأدخلوا نارا" في عين الماء). أي، فادخلوا في نار المحبة والشوق حال كونهم في عين الماء. أو نارا كائنة في عين الماء، ليفنيهم عن أنفسهم و يبقيهم بالحق.
وإنما قال: (في عين الماء) لأن نار المحبة المفنية لهم بأنوار سبحات وجه الحق، حصلت لهم واستولت عليهم في عين العلم بالله. و (الماء) صورة العلم.
(في المحمديين: (وإذا البحار سجرت) من سجرت التنور إذا أو قدته.) أي، جاء في حق المحمديين: (وإذا البحار سجرت) أي أوقدت.
تقول: سجرت التنور إذا أو قدته. والغرض، أن بحار الرحمة الذاتية التي هي خاصة بالكاملين يظهر بصورة النار، وهي نار القهارية التي بها يقهر الحق الأغيار و يفنيهم ليبقيهم بذاته، كما جاء: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات). فظاهر الشهوات ماء وباطنه نار، وظاهر الجنة نار وباطنه ماء.
لذلك قال بعض العارفين من الصحابة - حين قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أنا القاسم بين الجنة والنار)(يا قاسم الجنة والنار، إجعلني من أهل النار.)
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (تريد أن تكون من أصحاب القيامة الكبرى.)


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : (وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من وإلى و ما بينهما. وصاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» ولا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
وذلك أن له (الحركة الدورية حول القلب) الذي عليه مدار الموجودات، وهو الحق (فلا يبرح منه) لا في حال مشيه، ولا في حال قيامه؛ لأنه كلما رد إلى البقاء رأى نور الحق فيرد إلى الفناء؛ فهو مع الحق دائما بخلاف من لا حيرة له.
وهو (صاحب الطريق المستطيل) في السير إلى الحق فإنه غلط؛ لأنه (مائل) عن الصراط المستقيم الذي هو رؤية الحق في البداية والنهاية (خارج عن المقصود)؛ لأن المقصود من السير : هو الإحاطة بأسرار الحق وتجلياته في البداية والنهاية، وهو يقصد أمرا يختص بالنهاية، ولا يوجد في البداية.
فهو (طالب ما هو فيه) في البداية لو صدق في طلبه؛ لكنه (صاحب خیال) يتخيل أن بينه، وبين مقصوده مسافة فصار مقصوده غير مقصوده (إليه) أي: إلى ذلك الخيال (غايته) فلا يحصل له من الحق إلا الصورة المتخيلة.
(فله) أي: ابتداء سير (من) غير الحق (وإلى) أي: انتهاء سير إلى ما تخيل من صورة الحق في الغاية، (وما بينهما) من المسافة التي يتوهم أنها مقامات السير إلى الله، ومنازله (وصاحب الحركة الدورية الذي يدور حول الحق في البداية والغاية متحيرا فيه (لا بدء) في سيره من غير الحق (فيلزمه «من») أي: ابتداء سير من أمر ليس معه من الحق شيء.
(ولا غاية) لسيره ينقطع فيه السير (فيلزمه «إلى») أي: انتهاء إلى الحق بحيث ينقطع السير بعده بالكلية مع أنه لا نهاية للسير فيه، وإذا لم يكن له بداية ونهاية فهو مع الحق أبدا (فله الوجود الأتم) لاستنارته بنور الحق في جميع أحواله وصاحب الطريق المستطيل في البداية مع غير الحق فهو في ظلمة من ذلك.
وفي النهاية صاحب خيال فهو في ظلمة الخيال، (وهو المؤتي جوامع الكلم) الدالة على أسرار الموجودات (والحكم) أي: العلوم المحكمة التي تتعلق بذات الواجب وصفاته مما لا يتبدل بتبدل الأزمنة والأحوال وإنما أوتي جوامعها؛ لأن ما يفاض عليه إنما هو من حضرة الجمع.
ثم أشار إلى سبب ذلك بما يفهم بطريق الإشارة في حق الكمل من آية نزلت بطريق العبادة في حق الطغاة منهم، وهي قوله تعالى: ("مما خطيئاتهم" [نوح: 25]). أي: من خطيئات هؤلاء الظالمين المصطفين أرباب الحيرة في سيرهم هذا بطريق الإشارة من الخطوة المناسبة بوجه من الوجوه للخطيئة، وهي المغضبة المفهومة بطريق العبادة في حق الطغاة؛ فلذا قال: (فهي التي خطت بهم) أي: سارت هم وحركتهم حول الجناب الإلهي بالحركة الدورية المفيدة للتنور بالنور التام الإلهي الكاشف عن علمه الشامل للكل شمول البحر أغرقوا في ذلك البحر العلمي كما أغرق الطغاة بخطيئاتهم.
أي: بمعاصيهم في البحر المحسوس.
(فغرقوا) أي: هؤلاء الظالمون المصطفون المتحيرون بالحيرة المحمودة.
(في بحار العلم بالله، وهو) أي: الفرق فيها هو (الحيرة) المحمودة الحاصلة لهؤلاء الظالمين المصطفين المتحركين بالحركة الدورية حول الجناب الإلهي ("فأدخلوا نارا" [نوح:25]). أي: نار المحبة بكشف جمال تلك الحقائق مع عدم الانتهاء في الإحاطة بها فلا ينقطع السوق في تحصيلها أبد الآباد، فالإدخال في تلك النار إدخال (في عين الماء) أي: ماء العلم الذي به حياة الروح.
وهذا أيضا بطريق الإشارة المأخوذة من إغراق الطغاة في البحر المحسوس وإدخالهم نار جهنم، ثم استدل على جعل بحر العلم عين نار المحبة بما ورد في كتاب (المحمديين) من قوله تعالى: ("وإذا البحار سجرت" [التكوير: 6])، أي: أوقدت فجعلت نارا؛ لأنه (من سجرت التنور إذا أوقدته)، وهذا التسجير كما يكون للبحار المحسوسة يوم القيامة يكون في بحار العلم بالله للكمل من المحمديين وغيرهم في الدنيا التي هي مزرعة الأخرة (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا"[نوح: 5]).
وهذا لكونه كالسالبة في صدقها مع وجود الموضوع تارة وعدمه أخرى يدل على عدم وجود الناصر لهم أصلا، وهو في حق الطغاة وعلى عدم غير الله ناصرا، أخرى: وهو في حق الكمل (فكان الله عين أنصارهم) نصرهم لوجوده على وجودهم الباطل فأفناهم عنهم (فهلكوا فيه إلى الأبد) كما هلك الطغاة في جهنم إلى الأبد.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وصاحب المستطيل ) يعني الأدنى الذي يتخيّل صورة متعيّنة ويجعلها قبلة التوجّه ، وينتهض إليها معرضا عن الكلّ ، فإنّه إنّما يتصوّر ذلك في الحركة المستطيلة المستلزمة للإعراض عمّا هو المطلوب من التعيّنات والجهات ، فهو أبدا ( مائل ،خارج عن المقصود ،طالب ما هو فيه) ، كما قيل : "أراك تسأل عن نجد وأنت بها "
قال الشيخ رضي الله عنه : ( صاحب خيال ) أي مثال متخيّل من الصور المجعولة له ( إليه غايته ، فله « من » و « إلى » وما بينهما ) ممّا فيه من المدارج والمقامات المختلفة بنسبة القرب والبعد .
( وصاحب الحركة الدوريّة لا بدء ) لسيرة ( فيلزمه « من » ولا غاية فيحكم عليه « إلى » ، فله الوجود الأتمّ ) الذي لا يقبل الزيادة أصلا من حيث الرتبة الذاتيّة التي له ، وجمعيّة الأطراف ، ( وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم ) بما ورثه أولا من الكتاب يعني القرآن الجمعيّ الفرقيّ .
ومن جملة تلك الحكم قوله فيهم أيضا : " مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً " [ 71 / 25 ] ( ممّا خطيئاتهم ) أي صور أعمالهم وأحكام تعيّناتهم الباطلة التي هي الخطاء ( فهي التي خطت بهم ) إمّا من « الخطو » ، أي تلك الصور هي التي ساقتهم ، وإمّا من « خطَّ بالقلم » ، أي الصور الكثيرة المتولَّدة عنهم في طيّ المراتب والمقامات تولَّد الصور الكتابيّة من القلم هي التي أعدّتهم لأن يغرقوا في بحار العلم باللَّه .
وهي الصور الكتابيّة التي أنزلت على الأنبياء وأرسلوا بها ، فإنّها هي التي أوردتهم مخاض العرفان ( فغرقوا في بحار العلم باللَّه ، وهو الحيرة ) التي لا تبقى معها صورة من الصور العلميّة والحقائق أصلا ، فإنّها " لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ " [ 74 / 28 ] ("فَأُدْخِلُوا ناراً " في عين الماء ) .
و ( في المحمّديّين ) من هذه الحكمة ما يؤدّيه قوله : ( " وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ " [ 81 / 6 ] سجّرت التنور : إذا أوقدته ) ولا يخفى على الفطن ما بينهما من التفاوت في الجمعيّة القرآنيّة .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما.
و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم. «مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين. "و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
قال رضي الله عنه : "و صاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه صاحب خيال إليه غايته: فله من و إلى و ما بينهما. و صاحب الحركة الدورية لا بدء له فيلزمه «من» و لا غاية فتحكم عليه «إلى»، فله الوجود الأتم و هو المؤتى جوامع الكلم و الحكم.
«مما خطيئاتهم» فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله، و هو الحيرة، «فأدخلوا نارا» في عين الماء في المحمديين".
قال رضي الله عنه (وصاحب الطريق المستطيل) الذي تخیل مطلوبه مفقودا من البداية موجودا في الغاية (مائل خارج عن المقصود) الذي ترکه بحسب خياله في البداية (يطلب ما هو فيه)، أي يطلب الشيء الذي ذلك الشيء فيه هو في ذلك الشيء.
(صاحب خیال إليه)، أي إلى التخيل (غابته)، أي تنتهي غاية سلوكه إلى ما تخيلة في الحق سبحانه من التقييد والتعيين، فلا يتجلى له الحق سبحانه إلا في صورة ما تخيله واعتقده فيه (فله)، أي لصاحب التخيل (من) الدال على المبدأ وفقدان الحق فيه.
(وإلى) الدال على الغاية ووجدان الحق سبحانه فيها (وما بينهما) من المسافة التي سلك عليها في طلب الحق من غیر وجود الحق معه بحسب خيانه (وصاحب الحركة الدورية لا بدء)، أي لا بداية لسيره .
(فيلزمه) حينئذ معنى من الابتدائية (ولا غاية لكماله فيحكم عليه) حيث ينتهى (إلى) معنی الانتهائية (فله)، أي لصاحب الحركة الدورية (الوجود)، أي الوجدان (الأتم) والذوق الأشمل الأعم لأنه دائر مع الحق سبحانه يجده في كل شيء ويشهده في كل نور.
(وهو الموتي جوامع الكلم) الروحانية (والحكم) الربانية ثم أشار رضي الله عنه إلى قوله : ("مما خطيئاتهم أغرقوا" فهي) [نوح: 25] ، أي الخطيئات هي الذنوب والخطايا التي أدتها أولا بصورهم وحثهم إلى الغرق في الطوفان فأغرقوا في الدنيا وأدخلوا نار في الآخرة وهي بعينها الأمور (التي خطت)، أي سلكت (بهم) وساقتهم من حيث نفوسهم وأرواحهم ثانيا إلى الغرق في بحر العلم والشهود إذ بها حصل لهم الخلاص من ظلمات الجثث والأبدان و آثارهم ولو بعد مرور الدهور والأحقاب.
(فغرقوا) بعد خلاصهم بغرق الجثث وحرقها وزوال آثارها (في بحار العلم بالله) و فنوا في شهود أحديته ("فأدخلوا نارا") من نور سبحات وجهه المحرفة حجب أنياتهم (في عين الماء)، أي عين ماء العلم وشهود أحديته سبحانه .
قال الشيخ رضي الله عنه :. ("و إذا البحار سجرت": سجرت التنور إذا أوقدته.)
وفي قوله الشيخ رضي الله عنه : عين الماء إبهام لا يخلو عن عذوبة (وهو)، أي الغرق في بحار العلم بالله هو (الحيرة) وكل ذلك بناء على ما ذهب رضي الله عنه من أن ما آن حال أجل الشفاء إلى السعادة ولو كانوا خالدين في دار الشقاء في قوله : خطت بهم توهمت إشارة أن الخطيئات مأخوذة من الخطو لأن صاحب الخطيئة يخطو وينعدی بارتكابها أوامر الله تعالى فيقع في الخطية .
وإنما يصح ذلك على أحد احتمالي إلى قراءة خطياتهم بتشديد الياء بلا همز فإنه حينئذ يحتمل أن تكون الخطية من الخطو خطيئاتهم بالهمز فذكر لفظة خطت لمناسبة تقطته لا لبيان الاشتقاق .
(وجاء في المحمديين) ما يدل عني إدخالهم النار في عين الحق له تعالى ("وإذا البحار سجرت " [تکویر: 6].
تقول: (من سجرت التنور إذا أوقدت بها)، أي إذا سجرت بحار علمه وشهود وحدته بنار نور سبحات وجهه المحرقة حجب التعيينات.

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: