السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة الخامس والثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامس والثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الخامس والثلاثون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة الخامس والثلاثون : الجزء اثاني
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
إشارة إلى عناوين فصوص الكتاب حكمة إلهية في كلمة آدمية وهو هذا الباب)
قال العبد :
هذه الحكمة مخصوصة بحضرة الألوهية وإن كانت الحكم كلَّها إلهيّة ، ولكن بين آدم عليه السّلام وبين الله تعالى نسب جامع ، ونسب تعريفك بها لك نافع وذلك أنّ الإلهية كما مرّ أحدية جمع جميع الحقائق الوجوبية ، وآدم أحدية جمع جميع الصور البشرية الإنسانية .
وقد ذكر شيخنا الإمام الأكمل أبو الأولاد الإلهيّين الكمّل ، سند الورثة المحمدية ، سيد الإخوان في الوراثة الإلهية الكمالية ، صدر الحق والدين ، محيي الإسلام والمسلمين ، أبو المعالي ، محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف رضي الله عنه في كتاب له ، لطيف الحجم ، محيط بكثير من جمل هذا العلم ، قريب المأخذ لأولي الألباب وذوي الفهم .
ولم يحضرني عند تعليقي هذا الشرح ، وكان فيه غناء عن شرح هذه التراجم والفهرست ، ولكن وارد الوقت يملي على الكاتب ما يجب البحث عنه ممّا أشار إليه الشيخ ، وممّا يفتح الله للناس من رحمة .
" وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ".
من ذلك : أنّ " الألوهة " و " الألوهية " و " الإلهية " كلمات ثلاث دالَّات على أحدية جمع جميع الكمالات الوجوبية الواجبية الواجبة للنسب الذاتية وأسماء الربوبية وذلك بحسب الاختلاف التركيبي الواقع بين حروفها لفظا مع الاشتراك الأصلي في الدلالة ، كذلك أيضا دلالتها على هذه الحقيقة بحسب مراتبها في مشربنا وذوقنا .
فالألوهة : اسم لمعقولية المرتبة المطلقة التي لذات الله الواجب الوجود في مقابلة العبودة الذاتية ، التي هي اسم لمعقولية المرتبة المطلقة الخلقية التي للعالم المقيّد ، فكما أنّ العبودة مرتبة ذاتية للعبد معقولة ، كذلك الألوهة مرتبة لله معقولة سرّا اعتبرناها له متحقّقة به وجودا .
أو لم نعتبرها كذلك دالَّة على المرتبة الواجبية الفعّالة الموجدة لا غير ، وهي أحدية جمع جميع النسب الأسمائية من حيث معقوليّاتها وخصوصيّاتها ، ومن كونها في ذات الواجب عينها غير زائدة عليها .
والألوهيّة : اعتبار هذه الحقيقة المرتبية قائمة بالذات مضافة إليها ، ودلالتها دلالة أحدية جمعية بين معقولية المرتبة الأحدية الجمعية ، وبين الذات الواجبة من حيث أحديتها الجمعية الذاتية الخاصّة بالله فقط .
والإلهيّة : اعتبار هذه الحقيقة لله موجودة الأحكام والآثار ، ظاهرة النسب واللوازم والعوارض بالفعل في جميع الحضرات عرفا تحقيقيا . فاعلم هذه الفروق بين هذه الكلمات فإنّها لطيفة .
ومنها : أنّ آدم عليه السّلام كما هو صرة ظاهريّة الأحدية الجمعية الإنسانية البشرية ولهذا سمّي آدم اشتقاقا من أديم الأرض وأديم الوجه ، وهو ظاهرهما .
ويكنّى لذلك أبا البشر اشتقاقا من بشره الوجه ، وهي ظاهريته التي تباشرها الأبصار والعيون ، ووجه كل شيء حقيقته الأحدية الجمعية ، ووجه الإنسان مستقبلة وأحدية جمع حواسّه الخمسة الظاهرة كما علمت فالإنسانية الكمالية ، لها من صورة الله مثابة الوجه من صورة الإنسان ، وهي متحقّقة في جميع الختوم الكمّل كما ستعلم ذلك في شرح الحكمة الشيثية .
إن شاء الله تعالى والذي يختصّ بآدم من الجمعية الإنسانية الإلهية الكمالية هو ظاهريّتها الظاهرة لا غير ، فهو أبو البشر ، مؤمنهم وكافرهم ، موحّدهم ومشركهم ، أنبيائهم وأوليائهم وكذلك الإلهية ظاهرية المرتبة الأحدية الجمعية الربانية ، بخلاف الألوهية التي هي باطنها ، والألوهة التي هي معقولية المرتبة لا غير .
والحكم المنزلة على آدم عليه السّلام الواقعة في صورة حاله من دخوله الجنّة ، ونعيم الحقّ له ولزوجه فيها أوّلا ، ثم هبوطه إلى الأرض .
وتشهير نسبته إلى العصيان الظاهر ظاهرا ، وإلى الغواية المذكورة ، وغير ذلك كلَّها أحدية جمعية ظاهرة على الوجه الكمالي الإجمالي .
وفيه مترع للبسط فيه مجال ، وفيه أسرار وحكم كثيرة لا نذكرها في هذا الاختصار ، لكونها من الأسرار العالية التي لم يأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم الولاية الخاصّة المحمدية بكتابتها في هذا الكتاب ولكون أكثر الأفهام تنبو عنها لعلوّ مرتبتها ومجدها .
ولكن سنكشف هذه الأسرار في كتب توضع لذلك في وقته ، وفيما ذكرنا تنبيه وتلويح وتشويق ، والله وليّ التأييد والتوفيق .
قال رضي الله عنه : (ثم حكمة نفثية في كلمة شيثية).
قال العبد : اعلم :
أنّ الترتيب الواقع في هذا الفهرست ، إنّما هو ترتيب رتبي عيني ، وتأخّر وتقدّم وجودي عيني بين هذه الحكم بموجب المناسبة الرتبية .
وفصّ كل حكمة إنّما هو قلب ذلك النبيّ الكامل الذي أسندت تلك الحكمة إلى كلمتها الخصيصة بها ، والحكم نقوش العلوم الخاصّة بالأحكام التي أمر النبي أمّته بها ، وظهرت فيهم على الوجه الذي تقتضي تلك الحضرة ، ولكن ذكرها هاهنا من حيث الحضرة الأحدية الجمعية الكمالية الخصيصة بالمرتبة الختميّة  المحمدية في كل حضرة ، فافهم .
و « النفث » لغة نوع من النفخ ، وهو إرسال النفس من مخرج حرف الثاء مضموما إرسالا رخوا ، والنفث مخصوص بأهل علم الروحانية والنيرنج والعزائم والرقى شرعيّها وحكمتيّها .
وهو بثّ الروحانية وبسطها في النفس على ما ينطوي عليه الباطن من العزائم . قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسا لن تموت ، حتى تستكمل رزقها " .
ولمّا كانت الحكمة الجمعية الأحدية المبدئية الخصيصة بحضرة الألوهية قد كملت بآدم ،وتليه في المرتبة مرتبة الفيض الجودي والوهب الجودي بالنفس الرحماني.
وهذه المرتبة الوهبية مخصوصة بالكلمة الشيثية ، فإنّه أوّل إنسان نزلت عليه العلوم الوهبية الدينية ، فنزلت عليه علوم الروحانيات ، والملائكة الخصيصة بالتسخير والتصريف والتصرّف في الأكوان بالأسماء والحروف والكلمات والآيات وما شاكل ذلك.
فلهذه المناسبة الأصلية ، ذكر رضي الله عنه حكمة النفث بعد الحكمة الإلهية ، وأضافها إلى شيث عليه السّلام كما أضاف الحكمة الأولى إلى آدم .
و « شيث » في اللغة العبرانية هو الهبة ، وكان أوّل من وهبه الله آدم بعد تفجّعه على فقد هابيل ، فعوّض الله له عن هابيل شيثا ، وسيرد في داخل الفصّ تتمّة البحث .
قال رضي الله عنه : (ثم حكمة سبّوحية في كلمة نوحيّة.)
قال العبد أيّده الله به :
أمّا وجه إضافة هذه الحكمة إلى الحضرة السبّوحية فهو أنّ الغالب على الدعوة النوحية التنزيه والتقديس على ما سيجيء في شرح المتن .
وأولى تعيّن من المراتب الأسمائية بعد تعيّن المرتبة الإلهية هي مراتب أسماء التنزيه والإطلاق والتقديس ، ثم تتعين النسب الثبوتية .
وبعد تعين مرتبة الفيض والنفث ، إنّما وجد أوّلا عالم الأرواح والعقول والمجرّدات التي لها من معرفة الحق قسم التنزيه والتسبيح والتقديس .
ولهذا كان الحكمة الثالثة
فالأوّل حكم الجمع
والثاني مرتبة الفيض والوهب
والثالث إيجاد عالم التنزيه والتقديس .
ولأنّ الغالب على أمّة نوح عليه السّلام الأمور الظاهرة وعبادة أنواع الأصنام ، وجب أن تكون من الله دعوة نبيّهم إلى التنزيه والتطهير عن التحديد والتجسيم تعليما أنّ ما يعبدون لا يصلح للعبادة .
ولهذا نزلت هذه الحكمة على نوح ، وقلبه عليه السّلام محلّ نقش هذه الحكمة ، فهذا ما أردنا من تفسير قوله : فصّ حكمة سبّوحية في كلمة نوحية  .
قال رضي الله عنه : (ثم حكمة قدّوسيّة في كلمة إدريسية)
اعلم : أنّ « التسبيح » كما علمت حمد الحق تعالى والثناء عليه بالأمور السلبية ونفي النقائص عن الجناب الإلهي ، وتنزيهه عن التشبيه والتحديد والتقييد . وكذلك « التقديس » هو التنزيه عن النقائص وعن صلاحية قبول جناب الله تعالى ذلك وإمكانه فيه فإنّ ذلك مستحيل إضافته إلى جنابه تعالى لكونه غنيّا عن العالمين ولكون جنابه تعالى أحدية جمع الكمالات الإحاطية وجودا ومرتبة .
والفرق بين التنزيه النوحي والإدريسي :
أنّ دعوة نوح عليه السّلام وذوقه تنزيه عقلي .
وتنزيه إدريس عليه السّلام عقلي ونفسي .
فإنّ إدريس عليه السّلام ارتاض حتى غلبت روحانيته على طبيعته ومزاجه وتروحن ، وكان كثير الانسلاخ والمعراج ، وخالط الملائكة والأرواح ، وعاشرهم وخرج عن صنف البشر ستّ عشرة سنة ، لم ينم ولم يأكل حتى بقي عقلا مجرّدا ، وعرج به إلى السماء الرابعة .
بخلاف نوح عليه السّلام لأنّه كان قائما بحظَّ النفس والروح ، وتزوّج وولد له .
وهو الأب الثاني ، فتنزيه إدريس أبلغ وأتمّ .
فإنّه نزّه الحق من حيث تعيّنه في عينه عن أوساخ الطبيعة والجسمانية ، وبقي في نفسه عقلا مجرّدا ، وسقطت عنه شهوته ، كما يرد عليك ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة مهيمنيّة في كلمة إبراهيمية ) .
قال العبد :
هي شدّة العشق وغلبة الهيمان ، وهو عدم الانحياز إلى غرض معيّن ، بل إلى المحبوب في أيّ جهة كان لا على التعيين .
وهذه المرتبة تحقّقت أوّلا في الأرواح العالية المهيّمة ، تجلَّى لهم الحق في جلال جماله ، فهاموا فيه ، وغابوا عن أنفسهم فلا يعرفونها ولا غير الحق ، وغلب على خليقتهم حقيقة التجلَّي ، فاستغرقهم واستهلكهم وملكهم .
وتحقّق ذلك فيمن تحقّق من كمّل الأنبياء إبراهيم عليه السّلام لأنّه كان خليل الرحمن .
والخليل هو المحبّ الحبيب الذي يتخلَّل في خلال روح المحبّ والمحبّ في الحبيب .
كما قال : تخلَّلت مسلك الروح منّي .
ولهذا سمّي الخليل خليلا ، والخليل عليه السّلام غلبته محبّة الحق ، حتى تبرّأ عن أبيه في الحق وعن قومه ، وذبح ابنه في سبيل الله ، وخرج عن جميع ماله مع الكثرة المشهورة لله .
كما قيل عنه : إنّ ملائكة الله تعالى قالوا : لا بدّ مع هذا الخير والبركة والنعمة والمال والوجاهة والنبوّة والملك والكتاب الذي أعطى الله إبراهيم أن يحبّه وليس ذلك بجنب هذه العطايا كثيرا .
فقال الحق لهؤلاء الملائكة : جرّبوه ، فتجسّدوا له في صور البشر .
وذكروا الله له بالتنزيه ، فقالوا :سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح .
فلمّا سمع إبراهيم عليه السّلام هذه الكلمات ، أخذه الوجد والهيمان في الله تعالى ، واستدعى منهم أن يعيدوا عليه الكلمات .
فطلبوا من ماله أجراء على إعادة الكلمات ، فأعطى ثلث ماله .
فذكروا الذكر ، فاستعاده منهم كرّة أخرى ، وأعطاهم الثلث الثاني .
فسبّحوا له الله بالمذكور من الذكر ، فطاب وقت إبراهيم وازداد هيمانه فاستعاد الكلمات منهم ، وأعطاهم الثلث الباقي .
فأعادوا له ، فلمّا تمّ امتحانهم له ، ذكروا أنّهم ملائكة الله ، فلهذا نسبت هذه الحكمة إلى إبراهيم عليه السّلام .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة حقّيّة في كلمة إسحاقية ) .
اعلم : أنّ عالم المثال المقيّد وهو عالم الخيال إذا شوهدت فيه صورة وتجسّد له المعنى أو الروح في صورة مثالية أو خيالية ، ثم إذا رجع إلى الحسّ ، وشاهد حقّية ذلك على الوجه المشهود .
فقد جعله الله حقّا ، أي أظهر حقّية ما رأى في الوجود العيني حسّا ، فإنّ الخيال لا حقيقة له ولا ثبات ، كما قال يوسف عليه السّلام : " هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ من قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " .
وكان هذا حال إبراهيم عليه السّلام في مبدئه ، فكان لا يرى رؤيا إلَّا وجد مصداقها في الحسّ ، ورأي حقيقتها عينا ، فكان عليه السّلام لا يؤوّل رؤياه ، وهو نوع من الكشف الصوري .
وسرّ ذلك أنّ الوارد إذا نزل من الخارج على القلب .
ثم انعكس من القلب إلى الدماغ ، فصوّرته القوّة المصوّرة في المتخيّلة وجسدّته ، خرج على صورة الواقع لأنّ عكس العكس مطابق للصورة الأصلية ، فيشاهد صاحب الكشف المذكور شاهد الوارد مطابقا للصورة الأصلية على ما رآه في عالم المثال .
وقد شاهدت هذا من أبي رحمه الله في صغري كثيرا فكان رحمه الله يرى رؤيا ويحكيها لي ، ثم يقع في الحسّ على ما رأى ، فيتعجّب ويسرّ بذلك .
وكان مشاهد إبراهيم عليه السّلام على هذا ، وقد يعود ذلك ، ثم لمّا نقله الله إلى ما هو أعلى ، وتحقّق برتبة الكمال ، فصار قلبه محلّ الاستواء الإلهي وينبوع تنوّع التجلَّيات ومنبعث أنوار الواردات الخارجة إلى الكون .
فانبعث الوارد بمعنى القربان من قلبه إلى القوّة المتخيّلة ، فصوّرت له المصوّرة ذلك القربان وهو الكبش على صورة إسماعيل لكونه صورة السرّ الذي أوجب عليه القربان .
فلمّا استيقظ لم يفسّر رؤياه بموجب مقتضى عالم الخيال ، بل جرى على سيرته الأولى على ما اعتاده.
وكان مشهد إسماعيل عليه السّلام أيضا من هذا المشرب .
فلمّا قال له : "يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " أي لله قربانا ، فلم يزل إسماعيل عن معهود المشهود ، واستصحب الحال.
فقال :" يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ " .
فصرّح أنّ الوحي إليه كان بهذا الطريق ، ولهذا السرّ أضيفت هذه الحكمة الحقّية إلى الكلمة الإسحاقية ، وسنذكر في داخل شرح المتن سرّ الحقيقة .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة عليّة في كلمة إسماعيلية ) .
إنّما أسندت هذه الحكمة إلى الاسم « العليّ » لما شرّف إسماعيل عليه السّلام بقوله :
" وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا " ولأنّه كان صادقا في الوعد ، وذلك دليل على علوّ الهمّة في القول والفعل ، كما سنذكر .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية ) .
وحكمة إضافة هذه الحكمة إلى الروحية لأنّ الغالب على ذوق يعقوب عليه السّلام كان علم الأنفاس والأرواح ، حتى ظهر في وصاياه وإخباراته ، مثل قوله : "إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ".
ووصيّى بنيه فقال : " لا تَيْأَسُوا من رَوْحِ الله إِنَّه ُ لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ " وذوق أهل الأنفاس عزيز المثال ، قد جعل الله لهم التجلَّي والعلم في الشمّ .
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنّي لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن ".
قيل : إنّه عليه السّلام ، كنى بذلك عن الإبصار وهم صور القوى الروحانية التي نضرتهم على صور القوى الطبيعية ، واليمن أيضا من اليمين ، وهو إشارة إلى الروحية وعالم القدس .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية ) .
أضاف رضي الله عنه حكمة النور إلى الكلمة اليوسفية لظهور السلطنة النورية العلمية المتعلَّقة بكشف الصور الخيالية والمثالية .
وهو علم التعبير على الوجه الأكمل في يوسف عليه السّلام فكان يشهد الحقّ عند وقوع تعبيره ، كما قال " قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " فأشار إلى حقيقة ما رأى ، وأضاف إلى ربّه الذي أعطاه هذا الكشف والشهود .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة أحدية في كلمة هوديّة ) .
وجه نسبة هذه الحكمة إلى هود عليه السّلام هو أنّ الغالب عليه شهود أحدية الكثرة ، فأضاف لذلك إلى ربّه أحدية الطريق بقوله :"إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ".
وقال :" ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها " فأشار إلى هوية ، لها أحدية كثرة النواصي والدوابّ .
قال رضي الله عنه: ( ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية ) .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ حكمته منسوبة إلى الفاتح والفتّاح ، فانفلق الجبل له في إعجازه ، ففتح الله له عن الناقة ، وفتح الله له على قومه بذلك ، فكان موجب إيمان بعض أمّته وإهلاك بعضه في وجود الناقة ومدّتها .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية ) .
كان الغالب على دعوة شعيب الأمر بالعدل وإقامة الموازين والمكاييل والأقدار .
كما قال : " وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ " كلّ هذه الإشارات تدلّ على رعاية العدل وأحدية الجمع والاعتدال .
وكما أنّ العدل في حفظ صحّة جميع البدن وسقمه إلى القلب ، والقلب له أحدية جمع القوى الروحانية والقوى الجسمانية ومن القلب ينشعب الروح الطبيعي إلى كل عضو عضو من أعلى البدن وأسفله على ميزان العدل ، فيبعث لكل عضو ما يلائمه من الروح الطبيعي ، فافهم .
واستفاد منه موسى عليه السّلام علم الصحبة والسياسة ، وأمره بالتخلَّي عن العامّة إلَّا في وقت معلوم وقدر موزون ، وكان الغالب على موسى عليه السّلام الظاهر .
فحصل له بصحبته جميع مقام الجمع .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة ملكية في كلمة لوطيّة ) .
أضيفت حكمته إلى الملك من طلبه القوّة والركن الشديد ، فإنّ الملك القوّة والشدّة ، كما سيأتيك .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة قدرية في كلمة عزيزيّة ) .
أضيفت حكمة عزيرية عليه السّلام إلى القدر لطلبه العثور على سرّ القدر ، وكان الغالب على حاله القدر والتقدير ، " فَأَماتَه ُ الله مِائَةَ عامٍ "  ولما سأله الله تعالى : " كَمْ لَبِثْتَ " عن قد ما لبث ، قال بالتقدير : " لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ".
وقوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها "  استفهام استعظام وتعجّب عن كيفية تعلَّق القدر بالمقدور بالنظر الظاهر على ما سيأتيك نبؤه عن قريب .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة نبويّة في كلمة عيسوية ) .
أسند الشيخ حكمته إلى النبوّة لكون الغالب على عيسى عليه السّلام الإنباء عن الحق وإنباء الحق عنه له وعن نفسه ولعلوّه وارتفاعه الروحي والإلهي عن أبناء البشر ، كما ستعرف .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية ) .
أسندت حكمته إلى الرحمن لكمال ظهور أسرار الرحمة العامّة والخاصّة فيه صلَّى الله عليه وسلَّم على الوجه الأعمّ الأشمل وبالسرّ الأتّم الأكمل ، وجعل الله سعته في أمره وحكمه على أكثر المخلوقات ، وسخّر له العالم جميعا كما وسعت رحمة الرحمن جميع الموجودات ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة وجودية في كلمة داودية ) .
إنّما كانت حكمته وجودية لما تمّ في وجوده حكم الوجود العامّ في التسخير ، وجمع الله له بين الملك والحكمة والنبوّة ، ووهبه سليمان الذي آتاه التصرّف في الوجود على العموم ، وخاطبه بالاستخلاف ظاهرا صريحا ، فبلغ الوجود بوجوده كمال الظهور .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة نفسية في كلمة يونسيّة ) .
قال العبد : حاله عليه السّلام كان ضرب مثل لتعيّن النفس الناطقة بالمزاج العنصري وأهوال أحوال المزاج الطبيعي . وفيه رواية ، أنّ حكمته مستندة إلى النفس الرحماني بفتح الفاء لما نفّس الله عنه جميع كربه المجتمعة عليه من قبل أهله ونفسه وولده وماله .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة غيبية في كلمة أيّوبية ) .
جميع أحواله عليه السّلام من أوّل حالة الابتلاء إلى آخر مدّة كشف الضرّ عنه غيبيّ حتى أنّ الآلام كانت في غيوب جسمه ، وابتلي بغتة غيبا ، ثم كشف عنه الضرّ ، كذلك من الغيب من حيث لا يشعر ، فآتاه الله أهله الذين غيّبهم عنه " وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً " من الله غيبته ، كما سنومئ إلى ذلك عن قريب .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية ) .
نشأته عليه السّلام روحانية على وجه لا يقبل تأثير الموت ، فانفلق له جبل لبنان من لبانته في صورة فرس من نار ، فأنس بها وآنسها ، فأمر بالركوب عليها ، فركبها ، فنسب حكمته إلى إيناس نور أحدية الجمع في صورة نارية الفرق على ما يأتي .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية ) .
كان الغالب على حاله في كشفه وشهوده الإحسان ، وأوّل مرتبته الأمر بالعبادة على البصيرة والشهود ، كما أمر لقمان ابنه في وصيّته إيّاه " يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " نهاه عن الشرك للإخلاص في عبادته وعبوديته لله .
وهو أعلى مرتبة الإحسان ، ثم عرّفه بوصيّته تعالى الإنسان بالإحسان ،ولقد أحسن في بيان إحسان الله تعالى إلى المرزوقين ، كما ستقف على أسراره عن قريب.
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية ) .
كان هارون عليه السّلام إمام الأئمّة من الأحبار في بني إسرائيل كلَّهم ، وأمره موسى عليه السّلام أن يؤمّ أمّته ، واستخلفه عليهم ، ولقد صرّح بإمامته في القرآن ، وصرّح هو أيضا بذلك في طلبه الاتّباع والطاعة من قومه في قوله : " فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي " .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة علوية في كلمة موسوية ) .
أعلى الله مكانته ، وأخبره أنّه هو الأعلى ، فقال : " لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى " وأعلى الله كلمته العليا على من ادّعى العلوّ بقوله : " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " و " كانَ عالِياً من الْمُسْرِفِينَ " .
ثم قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية ) .
دعا إلى الأحد الصمد ، وكان قومه يصمدون إليه ويقصدونه في الملمّات والمهمّات ، فيكشف الله إيّاها عنهم بدعائه عليه السّلام  .
قال رضي الله عنه : ( ثم حكمة فردية في كلمة محمدية ) .
قال العبد :
جاء الوارد في هذه الحكمة بعبارتين دالَّتين على حقيقة واحدة :
إحداهما : حكمة كلَّية لكونها أحدية جمع جميع الحكم الجمعية الكلَّية المتعيّنة في كلّ كلّ منها كلَّية فهي كلّ كلّ منها .
والثانية : حكمة فردية لأسرار وحقائق يكشف لك عن أصولها وفصولها في شرح حكمته صلَّى الله عليه وسلَّم .
قال رضي الله عنه : ( وفصّ كلّ حكمة الكلمة التي نسبت إليها ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ محلّ نقش كلّ فصّ هو قلب ذلك الإنسان الكامل المذكور عند كلّ حكمة منها .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
حكمة إلهية في كلمة آدمية وهو هذا الباب ) ظاهر غنى عن التعريف
( ثم حكمة نفثية في كلمة شيثية
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية
ثم حكمة روحانية في كلمة سليمانية
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية
ثم حكمة جلالية في كلمة يحيوية
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية .
وفص كل حكمة الكلمة التي نسبت إليها .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
(حكمة إلهية في كلمة آدمية) وهو هذا الباب الذي مر قولنا فيه) أي، فمن جملة ماشهدته من الذي أودعته في هذا الكتاب ("حكمة إلهية في كلمة آدمية."
و (من) في (مما نودعه) بيان (لما). فقوله: (حكمة) مبتداء، خبره:
(مما شهدته). قدم عليه تخصيصا للنكرة. ثم يتلوه (الفص الشيثي) وهكذا إلى آخر الفصوص.
وسنذكر سبب تخصيص كل حكمة بكلمة منسوبة إليها في مواضعها، إنشاء الله تعالى.
(ثم، حكمة نفثية في كلمة شيثية.
ثم، حكمة سبوحية في كلمة نوحية
ثم، حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
ثم، حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية
ثم، حكمة حقية في كلمة إسحاقية
ثم، حكمة علية في كلمة إسماعيلية
ثم، حكمة روحية في كلمة يعقوبية
ثم، حكمة نورية في كلمة يوسفية
ثم، حكمة أحدية في كلمة هودية
ثم، حكمة فاتحية في كلمة صالحية
ثم، حكمة قلبية في كلمة شعيبية
ثم، حكمة ملكية في كلمة لوطية
ثم، حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ثم، حكمة نبوية في كلمة عيسوية
ثم، حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
ثم، حكمة وجودية في كلمة داودية
ثم، حكمة نفسية في كلمة يونسية
ثم، حكمة غيبية في كلمة أيوبية
ثم، حكمة جلالية في كلمة يحيوية
ثم، حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
ثم، حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
ثم، حكمة إحسانية في كلمة لقمانية
ثم، حكمة إمامية في كلمة هارونية
ثم، حكمة علوية في كلمة موسوية
ثم، حكمة صمدية في كلمة خالدية
ثم، حكمة فردية في كلمة محمدية)
وسنذكر سبب تخصيص كلمة "حكمة" بـ (الكلمة) منسوبة إليها في مواضعها، إنشاء الله تعالى.
"وفص كل حكمة الكلمة المنسوبة إليها"

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
وفص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها.
(حكمة إلهية) أي: علم يقيني يتعلق بظهورات الأسماء الإلهية (في كلمة آدمية) أي: حقيقة جامعة منسوبة إلى آدم أبي البشر العلي
وفيه إشارة إلى أنه وإن اقتصر فيه على ما حده له رسول الله.
فهو أمر جامع على وجه الإجمال لما ظهر في الحقيقة الجامعة، وفيه إشارة إلى أن المشاهد أمور جليلة من جملتها المذكور في هذا الفص.
ثم قال: وهو أي: ما حده لي رسول الله للإيداع في هذا الكتاب من الحكمة الإلهية في الكلمة الآدمية هذا الباب الذي إذا فتح انفتح عن خزائن العلوم الغيبية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
هذا شروع في بيان ترتيب الكتاب على ما ألَّف عليه ونظَّم فصوصه على ما اتّسق له ، بحيث يعلم منه وجه الحصر في أبوابه .
وذلك لأنّ المحدّد له لما كان هو الخاتم الذي أتى بجوامع الكلم المنحصرة مواد مفرداتها وامّهات أصولها في الثمانية والعشرين .
كما ستطلع على سرّه في غير هذا المجال إن شاء الله تعالى لا بدّ وأن يكون عدد أبواب هذا الكتاب على طبقها لكن لمّا كان الواحد منها ما يتعلَّق بخاتم الولاية.
وذلك ممّا لا يحتمل آن التأليف إظهاره ، جعل مطويّا عنه فيه ، وكأنّه أشار إلى ذلك الاعتذار بقوله : " ولا العالم الموجود الآن " .
ويمكن أن يجعل صورة جمعيّة الكتاب بإزاء ذلك الواحد ، لكن الأوّل أوفق ، فإنّ لهذه الصورة أيضا حرفا مركَّبا مستقلا كذلك بإزائها  .
فهو أنّه قد تكفّل لبيان حقيقة آدم بما أودع فيه من مبدأ فتح ظهوره إلى منتهى ختم كماله وقد بيّن أنّ ذلك منحصر في القبضتين :
إحداهما هي الشاملة للعالم بأجزائه المنتهية شجرة مراقي ظهورها إلى الإنسان .
والأخرى هي الشاملة للإنسان بجزئيّاته المنتهية شجرة معارج كمالها إلى الخاتم .
وقد عرفت أنّ الأمر التدريجي الواقع في القوس الأوّل من الدائرة الوجوديّة واقع في القوس الثاني منها بترتيبه ، على ما اقتضاه الأمر الدوريّ والحقيقة التامة الكماليّة .
فأوّل ما يجب أن يبيّن من الحكم هي الباحثة عن حقيقة العالم بجميع أجزائه عينا وعقلا إلى آدم - كما حقّقه هذا الفصّ .
( ثمّ حكمة نفثيّة في كلمة شيثيّة ) لأنّها كاشفة عن سر انبثاث الفيض الذاتي وانبساط النفس الرحماني على قوالب القوابل بحسبها ، وهو أوّل ما يترتّب على المرتبة الأحديّة الجمعيّة .
( ثمّ حكمة سبّوحيّة في كلمة نوحيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للملإ الأعلى والمبادئ المجرّدة ، من المعاني التنزيهيّة .
( ثمّ حكمة قدّوسيّة في كلمة إدريسيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للأرواح المطهّرة والنفوس المقدّسة من المعاني التقديسيّة .
( ثمّ حكمة مهيّميّة في كلمة إبراهيميّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للقلب الكامل من الجمعيّة بين معاني التقديس وصور التحميد .
( ثمّ حكمة حقيّة في كلمة إسحاقيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للخيال من الصور المثاليّة والأجساد الشبحيّة .
( ثمّ حكمة عليّة في كلمة إسماعيليّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للحواسّ من الصور الهيولانيّة  والأجرام الجسمانيّة .
( ثمّ حكمة روحيّة في كلمة يعقوبيّة ) لأنّها كاشفة عن سرّ ما للمزاج الجمعيّ من الهيئات التركيبيّة  والنسب الارتباطيّة .
( ثمّ حكمة نوريّة في كلمة يوسفيّة ) لأنّها كاشفة عما للسرّ الوجوديّ من الأنوار الجماليّة الباهرة والأسرار الكماليّة الظاهرة ، وبها تمّ سير الوجود في المظاهر الصوريّة والمجالي الجمعيّة النوريّة ، بحسب بروزه على المشاعر الشاعرة ، وخروج النفس الرحماني منه عن مكامن الباطن إلى مخارج الخارج ، فهذا السير من مبتدأ مفاتيح أبواب الظهور إلى منتهى ما أمكن منه في كمّل النوع الكمالي ، وهو أوّل الامتدادات الوجوديّة وأطولها .
ثمّ له سير آخر في هذا النوع بحسب إبرازه في شعار الشعائر وإخراجه بصور الأوضاع الكاشفة عن الكنه ، والدلائل عليه من الجهتين :
إحداهما في عرض أرضه الظاهر ، أعني الظهور على البلاد والعباد.
والأخرى في عمق بطنه الباطن ، أعني الكشف عن تلك الأوضاع والإبانة عن تمام المراد ، وبه يختم أبواب كماله .
وهاهنا تلويح له كثير دخل في هذا النظم ، وهو أنّ لآدم بما اشتمل عليه من العقد الكتابي التفصيلي على ما سبق تحقيقه ظهورا في السيرات الثلاث المذكورة في كلّ منها بذلك العقد ، لاشتماله على جميع المراتب التفصيليّة واحتوائه على كلَّها .
فلذلك لمّا بلغ منتهى مدارج السير الأوّل شرع في الثاني يعدّ مراقي كماله .
بقوله : ( ثمّ حكمة أحديّة في كلمة هوديّة ) لأنّها كاشفة عن الطريق إلى الله إجمالا ، لأنّ مبنى أمر الإظهار عليه - وضعا كان أو كشف .
( ثمّ حكمة فاتحيّة في كلمة صالحيّة ) لأنّها كاشفة عن طريق الإنتاج وفتح باب التوليد والاكتساب .
( ثمّ حكمة قلبيّة في كلمة شعيبيّة ) لأنّها كاشفة عن الطرق بشعبها وفروعها .
( ثمّ حكمة ملكيّة في كلمة لوطيّة ) لأنّها كاشفة عن الوصول إلى سلطنة الملك من قهر القوم ونفوذ أمر مجازاته فيهم .
( ثمّ حكمة قدريّة في كلمة عزيزيّة ) لأنّها كاشفة عن حفظ الصور الملكيّة عن الانحلال ومبدئه.
( ثمّ حكمة نبويّة في كلمة عيسويّة ) لأنّها كاشفة عن معظم أمر الإظهار من إحياء الموتى وانشاء الطير .
( ثمّ حكمة رحمانيّة في كلمة سليمانيّة ) لأنّها كاشفة عن تمام سلطان الإظهار ونفوذ قهرمان أمره في الثقلين .
( ثمّ حكمة وجوديّة في كلمة داوديّة ) لأنّها كاشفة عن مبدأ تلك السلطنة وأصلها بما اشتملت عليه ، لأنّ الحكمة الداوديّة مشتملة على السليمانيّة منها وزيادة ، حيث أنّ سليمان موهوب له ، على ما ورد في التنزيل : " وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ " وقوله : " وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا ".
( ثمّ حكمة نفسيّة في كلمة يونسيّة ) لأنّها كاشفة عن جامعيّة أمر الإظهار مع الاختفاء والاستتار ، إذ هو مع أنّه في ظلمات الخفاء مغمور ، له مرتبة إظهار الرسالة الكاملة بما ورد : وَأَرْسَلْناه ُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ".
وبها تمّ السير الذي في عرض الأرض الاعتدالي الإنساني نحو إظهار كمالاته الصوريّة .
فحان أن يشرع في السير الذي في عمق بطونه نحو كمالاته المعنويّة المنطوية عليها تلك الكمالات الصورية . فمن تمّ به هذا السير الأخير هو الخاتم للكمالات الوجوديّة كلَّها .
ولا شكّ أنّ بروز الكمالات المعنويّة والمعارف الكشفيّة عن مزارع ذلك الأرض مسبوق بتسلَّط قهرمان القهر على تلك المملكة وإفنائه أحكام ما به الامتياز ، فبحسب خفاء الأحكام الامتيازيّة يظهر المعارف والعلوم التي هي من الأحكام الاتّحاديّة .
فقوله : ( ثمّ حكمة غيبيّة في كلمة أيوبيّة ) إشارة إلى أوّل ما يتبيّن به أحكام تلك السلطنة ويكشف عن وجوه أوامره النافذة .
( ثمّ حكمة جلاليّة في كلمة يحياويّة ) لأنّها كاشفة عن أوّل ما يترتّب من الأحكام الوجوديّة والأوصاف الثبوتيّة على الإقهار تحت أحكام السلطنة المذكورة وأوامرها المفنية النافذة ، لما ورد : " لَمْ نَجْعَلْ لَه ُ من قَبْلُ سَمِيًّا " ، فبعد ذلك وقع الاهتداء به فيه .
( ثمّ حكمة مالكيّة في كلمة زكراويّة) لأنّها كاشفة عمّا يترتّب على تمام أمر الانقهار ، ولذلك قد انساق حاله إلى أن نصّف بالمنشار .
( ثمّ حكمة إيناسيّة في كلمة إلياسيّة ) لأنّها كاشفة عمّا يترتّب على ذلك الانقهار مما يبدو من أعلام منازل القرب وعلائم مقامات التداني ، بعد قطع فيافي البعد ومهامه التفرقة والهجر ، من المناجاة والمناداة ، ولذلك أعيدت هذه الكلمة مرّتين - كما ستقف عليه .
( ثمّ حكمة إحسانيّة في كلمة لقمانيّة ) لأنّها كاشفة عمّا يظهر لدى العروج على مراقي الإيقان ومدارج الإحسان والعرفان .
( ثمّ حكمة إماميّة في كلمة هارونيّة ) لأنّها كاشفة عمّا يشترك فيه الواصلون إلى حضرات المكالمة ومواقف المخاطبة من الرحمة الانبساطيّة النوريّة التي هي ظاهر الوجود ، وعليه عاجل أمره ، ولذلك يرى قومه عند خلافته يعبدون العجل .
( ثمّ حكمة علويّة في كلمة موسويّة ) لأنّها كاشفة عن خصائص موطن الكلام الموصل إلى كنه السلام .
( ثمّ حكمة صمديّة في كلمة خالديّة ) لأنّها كاشفة عمّا ينقطع عنده النسب ، ولذلك ما تمّ أمر رسالته وانقطع رابطة بلاغة إلى امّته بعصيانهم له .
( ثمّ حكمة فرديّة في كلمة محمّديّة ) لأنّها كاشفة عمّا يتبيّن به كليّة المراد وأحديّة جمع الحقائق ، من المبدء إلى المعاد .
وهاهنا تلويح وهو أنّ للفرد عقدا يشتمل عليه «طه» وهو عقد الختم ، فلذلك اختصّ به الكلمة المحمّديّة .
وقد علم بذلك خصوصيّات الحكم بكمالاتها ، وبيان الحصر فيها ووجه ترتيبها .
( وأمّا فصّ كلّ حكمة ) فهو ( الكلمة التي نسبت إليها ) تلك الحكمة ، فإنّ الهيئة الجمعيّة للحكمة وصورة فوقيّتها إنّما تتحقق عينا وبالذات في كلمتها ، وكتابا وبالتبعية في فصول هذا الكتاب.
فيكون الظرف هناك مستقرّا ، على أن يكون صفة للحكمة وأمّا وجه اختصاص كل حكمة بالكلمة المنتسبة هي إليها فسنبيّن في صدر كلّ فصّ إن شاء الله تعالى .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
حكمة إلهية في كلمة آدمية، و هو هذا الباب.
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبُّوحيَّة في كلمة نُوحِيَّة.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسيَّة.
ثم حكمة مُهَيَّميَّة في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حَقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة عليَّة في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يُوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شُعَيبيَّة.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قَدَرِية في كلمة عُزَيْرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نَفَسِيَّة في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
و فص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها.
(وفص كل حكمة)، أي محل انتقاشها (الكلمة التي نسبت) تلك الحكمة (إليها) من حيث القلب المودع فيها .
ففص كل حكمة هو القلب المضاف إلى الكلمة التي نسبت الحكمة إليها لا نفس الكلمة .
كما يشعر به قوله في أول الكتاب : منزل الحكم على قلوب الكلم.
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: