السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة الثالث والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالث والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالث والثلاثين الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة الثالث والثلاثين : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو)، أي ما ذكرناه (قوله تعالى) في القرآن العظيم (" يا أيها الناس") الخطاب للمؤمن والكافر والمنافق ("اتقوا ربكم") بالإحسان والإيمان والإخلاص ("الذي خلقكم") قدركم ثم أوجدكم طبق ما  قدرکم ("من في واحدة ") وهي آدم عليه السلام ("وخلق منها ")، أي من تلك النفس الواحدة (" زوجها") وهي حواء ("وبث ")، أي أخرج ("منهما")، أي من تلك النفس الواحدة وزوجها ("رجالا ونساء") بطریق تولد البعض من البعض .
فقوله :("اتقوا ربكم") 1 سورة النساء. معناه بحسب ما ذكر من حكمة نشأة جسد آدم عليه السلام ونشأة روحه المعبر عنهما باليدين و بالصورتين.
(اجعلوا ما ظهر منكم) لكم وهو الجسد والنفس وهو اليد الشمال وهو صورة العالم التي خلق ظاهركم عليها (وقاية لربكم)، فانسبوا إليكم جميع ما ظهر منكم من خواطر الضلال وأقوال الخطباء وأعمال الشر والسوء.
وإن كان ذلك كله مخلوقة لله تعالى ولا تأثير لكم (واجعلوا ما بطن منكم) عنكم وهو العقل والروح في عالم الخلق.
(وهو ربكم) في عالم الأمر وهو يد اليمين وهو صورة الحق تعالى التي خلق باطنكم عليها كما مر بیانه.
(وقاية لكم) فانسبوا إليه تعالى جميع ما ظهر فيكم من الحقائق والمعارف والعلوم اللدنية، فإنها لا تصدر إلا عن الحق تعالى لا عنكم.
وكذلك جميع أعمال الخير والهدى وإن كان ذلك بكسبكم وواسطة توجه قدرتكم وإرادتكم من غير تأثير منکم.
(فإن الأمر) الظاهر منكم عملا واعتقادا له (ذم) شرعة (وحمد) كذلك.
(فكونوا وقايته) تعالى (في) نسبته (الذم) من الأقوال والأعمال والاعتقادات إليكم لا إلى ربكم.
(واجعلوه) سبحانه وتعالى (وقايتكم في) نسبة (الحمد) من نسبة جميع ذلك إليه تعالى لا إليكم (تكونوا) حينئذ (أدباء) مع الله تعالى (عالمين) به تعالى وبما يليق بجلاله وعظمته كما علم الله تعالى نبيه عليه السلام ذلك.
بقوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" 79 سورة النساء.
وقال له قبل ذلك بقوله :" وقل كل من عند الله" 78 سورة النساء.
وقال إبراهيم عليه السلام: "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) " سورة الشعراء.
فنسب المرض إلى نفسه، ولم يقل : وإذا أمرضني، وكذلك الخطيئة نسبها إلى نفسه.
ومثله الخضر عليه السلام لما كان خرق السفينة شرا في الظاهر نسب إلى نفسه حيث قال: فأردت أن عيبها، وبناء الجدار لما كان خير نسبه إلى الله تعالى وبرأ نفسه حيث قال: فأراد ربك، وأما الغلام فلما كان في الحال غير كافر وفي المال کافرا لم يكن قتله خيرا محضا ولا شرا .
فقال : فخشينا ، وأبهم الأمر بينه وبين ربه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
(وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو) أي قولنا معنى (قوله تعالى :" يا أيها الناس") أي النوع الإنساني"اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" وهي الخليفة المسمى بالإنسان الكامل والعقل الأول .
( وخلق منها زوجها ) النفس الكلية (" وبث منهما رجالا كثيرا ") عقولا ("ونساء") نفوسا .
(فقوله " واتقوا ربكم" ) معناه (اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي انسبوا ما فعلتم من النقائص والشرور إلي أنفسكم و نزهوا ربكم عنها.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم) أي انسبوا الكمالات إلى ربكم لا إلى أنفسكم .
(فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين) .فقد ظهر أن المراد بتفسير الآية الأدب السالكين.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" (النساء: 1).
فقوله تعالى: "اتقوا ربكم" أي اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين."
قلت: يعني اتقوا سوء الأدب مع ربكم بأن تعتمدوا معه الأدب الذي يليق بكم معه .
والمراد: ان كل واحد من ولد آدم له أيضا جمعيته في ذاته للأسماء الإلهية باطنة وله جسم ظاهر ولا بد لكل أحد أن يمدح أو يذم في وقت ما فيجب عليه بأن يعطي المدح منه لما فيه من الأسماء الإلهية فإن المدح يصلح لها وأما ظاهره وهو جانب الكون منه.
فلو أعطى المدح بظاهره مع كون المدح لجانب الحق لزمه أن يكون شريكا للحق تعالى في صفاته، فلما صرف هو المدح لمستحقه وقاه الحق تعالی عن نقيضه أن يظهر بصفة مشاركة ربه، عز وجل.
الذي من ادعاها فهو ظالم، لوضعه الشيء في غير موضعه، فإن الظلم في لغة العرب هو وضع الشيء في غير موضعه، فيستحق اللعنة بقوله تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين" (هود: 18).
فنعود ونقول وأن يعطى الذم لظاهره وقد كان الذي ذمه أو شتمه إنما يذم أو يشتم جملته، فيجب عليه أن يخصص الذم بظاهره دون باطنه.
فيكون وقاية لربه تعالى ولأسماء ربه، تعالی عن أن يصل إليها ذلك الذم، وإذا فعل هذا كان أديبا عالما.
أما أنه أديب: فظاهر، وأما أنه عالم: فلأنه علم مواضع الصفتين، فوضع كل صفة في موضعها وكان عالما بالأدب أيضا.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
(وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
قال تعالى : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ".
فأظهر الله من هذين الأبوين صور كليات صور أحديات جمعيات جميع الحقائق الجمعية المظهرية الإنسانية .
فكانت حوّاء تنتج للأب ولدين في كل بطن بمقتضى الأصل الذي كان في بطنه صور الحقائق الفعلية والانفعالية معا وهو حقيقة الحقائق والتعيّن الأوّل ، فافهم إن شاء الله تعالى .
ثم قال رضي الله عنه : " فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ " اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربّكم ، واجعلوا ما بطن منكم وهو ربّكم وقاية لكم فإنّ الأمر ذمّ وحمد ، فكونوا وقايته في الذمّ ، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين " .
قال العبد :
لمّا كان ظاهرية آدم من مجموع العالم الكياني ، والعالم من حجابيته مجمع النقائص والمذامّ الخصيصة بالمقام الإمكاني ، فالأفعال والأخلاق والأحكام الصادرة عن الإنسان ، إن كانت قبيحة يستحقّ عليها المذمّة إمّا عرفا أو عقلا أو شرعا .
فالأحرى والأليق أن ينسبها إلى نفسه أدبار وتحقيقا ، ناظرا في ذلك نظرا دقيقا فإنّ الصادر من الحق خير محض ، وهو الواحد لا غير فإنّه بالنسبة إلى من وجد به خير محض ، والنقائص والقبائح راجعة إلى الكيان من حضرة الإمكان .
والعدم الذي يلي أحد جانبي الإمكان بالنسبة إليه أولى ، وما كان فيها من الكمال والفضائل والمحاسن والمحامد أضاف إلى الحق لأنّها في الحقيقة راجعة إلى الوجود الحق .
وحينئذ يكون العبد قد جعل نفسه وقاية للحق في إضافته المذامّ إلى نفسه كما قال : " ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ " .
والحقّ أنّ الحقّ وقاية لنفسه في إضافة المحامد إليه ونفي المذامّ عنه من وجهين وباعتبارين جمعا وفرادى ، وإليه يرجع عواقب الثناء ، وهذا مقتضى التحقيق الأتمّ ، والكشف الأعمّ ، والأدب الكامل الأهمّ ، ولمثل ذلك فليعمل العاملون .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
فإن الخطاب للأفراد المخلوقة من النفس الواحدة ( وخلق منها زوجها ) أي خلق من الروح الكلى التي هي النفس الواحدة زوجها .
وهي النفس الكلية والرجال والنساء المبثوثة منها قوله تعالى " وبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً ونِساءً ".
هي أشخاص النوع قوله في تفسير قوله تعالى (فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ ".
اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم ، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم ، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين )معناه اتخذوا وقاية لأنفسكم تتقون بها من يربكم .
ولما كان الرب هو الظاهر والباطن كانت ربوبيته لظواهركم من اسمه الظاهر بإمداد الحفظ والرزق وجميع ما يتعلق بالرحمة الرحمانية من الأسماء وربوبيته لبواطنكم من اسمه الباطن بإمداد العلم والحكمة وجميع ما يتعلق بالرحمة الرحيمية من الأسماء ، فعليكم بالاستمداد بالربوبية وتهيؤ الاستعداد القابلة من الوجهين .
وذلك بالتأدب بين يديه بآداب الحضرة فاتخذوا وقاية لأنفسكم مما ظهر منكم تتقون بها ربكم الظاهر أن يمنع ألطافه الظاهرة من الرزق والحفظ وأمثالهما .
وينتقم منكم في سوء أدبكم بنسبة الشرور والمعاصي إليه فتحرموا مدد الحفظ والرزق .
وفي الجملة ألطاف الربوبية الظاهرة لفساد المربوبية بظهور صفات النفس ونسبة الشرور إليه ، واتخذوا وقاية لأنفسكم مما بطن منكم تتقون بها ربكم الباطن أن يمنع ألطافه الباطنة من الرحمة الرحيمية بسوء أدبكم بنسبة الكمالات المعنوية والمعارف والحكم إلى أنفسكم فتحجبوا بصفاتكم وظهورها عن قبول أنوار صفاته .
وتحرموا إمداد الفيض العلوي والألطاف الباطنة لفساد استعداد المربوبية بحسب الباطن .
فظهر أن لفظ الاتقاء يساعده ما فسره الشيخ رضى الله عنه به من المعنى لاشتقاقه من الوقاية ، يقال اتقاه فاتقى أي اتخذ الوقاية يتقى بها بمعنى حذره .
فحذر إذ الحذر هو اتخاذ الوقاية ، قال تعالى " خُذُوا حِذْرَكُمْ " .
كأن الحذر آلة تتقى بها كالترس ونحوه مما يتقى به .
والوقاية مصدر سمى به ما يتقى به.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء".)
الضمير عائد إلى المعنى الذي ذكره من قوله: "فآدم هو النفس الواحدة" إلى آخره. 
أي، هذا المعنى المذكور هو معنى قوله تعالى: (يا أيها الناس...) - الآية. ومعناها بالنسبة إلى عالم الجبروت:
(اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة). أي، من عين واحدة، هو العقل الأول.
(وخلق منها زوجها) التي هي النفس الكلية.
(وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) أي عقولا ونفوسا مجردة.
وبالنسبة إلى عالم الملكوت: خلقكم من ذات واحدة، هي النفس الكلية، وخلق منها زوجها، أي الطبيعة الكلية، وبث منهما رجالا كثيرا، وهي النفوس الناطقة المجردة، ونساء، وهي النفوس المنطبعة، وباقي القوى. وبالنسبة إلى عالم الملك فظاهر.
(فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم و حمد: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين).
لما استشهد بالآية، ذكر مطلعها وعلم السالك التأدب بين يدي الله تعالى لتزداد نوريته ولا يقع في مهالك الإباحة.
فإن توحيد الأفعال يقتضى إسناد الخير والشر إلى الله تعالى. فالسالك إذا أسندهما إليه قبل زكاء النفس وطهارتها، يقع في الإباحة.
وبعد طهارتها، يكون مسيئا للأدب بإسناد القبائح إليه. ولكون (الاتقاء) مأخوذا من (وقى، يقي) كما يقال: وقيته وقاء فاتقى. أي، إتخذ الوقاية.
فسر (اتقوا) بقوله: (إجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي، آلة الوقاية.
كما قال تعالى: "خذوا حذركم". أي آلة الحذر،كالترس وغيره من السلاح.
فالمراد بـ (ما ظهر) هو الجسد مع النفس المنطبعة فيه. أي، انسبوا النقائص إلى أنفسكم لتكونوا وقايته في الذم.
واجعلوا ما بطن منكم، وهو الروح الذي يربكم وقاية لكم في الحمد.
أي، انسبوا الكمالات إلى ربكم، كما قال عن لسان الملائكة: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا".
 وعند نسبة الكمالات إلى الله تعالى يكون لكم الخلاص من ظهور إنياتكم وأنفسكم، ولا يكون للشيطان عليكم سلطان.
وإنما جعل الظاهر وقاية للباطن في الذم، والباطن وقاية للظاهر في الحمد، وأثبت الربوبية للباطن: فإن الظاهر من حيث النفس المنطبعة منبع النقائص ومحل التصرفات الشيطانية، وهو عبد مربوب أبدا.
والباطن منبع الأنوار ومرأة التجليات الرحمانية، فله ربوبية من حيث اتصافه بالكمالات وإن كان له عبودية من حيث إنه يستفيض من الرب المطلق دائما.
فلا يقال، إنه جعل الرب آلة الاتقاء، لأن المتقى اسم مفعول. لأن الباطن الذي جعله آلة الاتقاء هو عبد من وجه. وأيضا، جعل الباطن تارة آلة الاتقاء والظاهر متقى، وأخرى الظاهر آلة الاتقاء والباطن متقى. والظاهر والباطن كلاهما حق، فهو المتقى والمتقى به،كما قال، عليه السلام: "أعوذ بك منك."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
وهذا (وهو معنى قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساء [النساء: 1])، من حيث إن نفسه كانت مشتملة على صورتين صورة الحق وهي الفاعلة، وصورة الخلق وهي القابلة، والزوج هي الصورة القابلة الكلية، "وبث منهما" من حيث اشتمال صورته على الأسماء الكثيرة الإلهية والحقائق الكثيرة الكونية، "رجالأ كثيرا ونساء"، فالرجال مظاهر الأسماء الإلهية من حيث الفاعلية، والنساء مظاهر الحقائق الكونية من حيث القابلية.
وإن كان كل منهما مظاهر الأسماء الإلهية والحقائق الكونية جميعا من جهات أخر والتقوى من الوقاية، وهي لإطلاقها وقاية من الظاهر الذي هو مجموع الصورتين من حيث أن الصورة في المرآة لا بد وأن تكون ظاهرة.
وإن كانت الأمر باطن ظهر في مرآة معنوية، وإن كان في تلك الصورة أيضا خفاء كالأرواح للباطن المطلق الذي هو الحق ووقاية من الباطن المذكور للظاهر الذي هو مجموع الصورتين، وهو الإنسان، وللظاهر الذي هو العالم.
(فقوله: "اتقوا ربكم" اجعلوا ما ظهر منکم) من مجموع الصورتين أو من سورة العالم (وقاية لربكم) بنسبة النقائض إلى ذلك الظاهر، (واجعلوا ما بطن منکم) أي: ما ترجع إليه صورتكم الباطنة، (وهو ربكم) الذي فاض منه الصورة الروحانية عليكم وعلى العالم (وقاية لكم) بنسبة الكمالات إلى ذلك الباطن المطلق الذي ترجع إليه صورتكم الباطنة.
ثم علل ذلك بقوله: (فإن الأمر) أي: الأمر ما ينسب إليكم من النقائض والكمالات، (ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم)، فانسبوه إلى أنفسكم لا إليه، (واجعلوا وقايتكم في الحمد)، فانسبوه إليه لا إلى أنفسكم.
(تكونوا أدباء) أي: مراعين للأدب بنسبة الكمال إلى الرب، والنقص إلى أنفسكم (عالمين) بحقائق الأشياء، فإن الحقيقة الإلهية تقتضي الكمالات، والحقيقة الكونية تقتضي النقائص.
ولذلك ورد: "من وجد خيرا؛ فليحمد الله، ومن وجد الآخر، فلا يلومن إلا نفسه".
ولا شك أن نسبة خلق الخنزير والقاذورات إلى الله تعالی سوء أدب؛ فكيف لا يسوء في نسبة قبائح أفعال الإنسان إليه؟
وإن كان الكل مخلوقا له تعالى، لكنه إنما خلقه بحسب اقتضاء أعيان الحوادث ذلك،

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
قال رضي الله عنه : ( و ) ذلك ( هو ) مؤدّى ( قوله : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ").
هذا هو المناسب لما مهّد في تحقيق معنى آدم ولا يخفى على من له أدنى وقوف عليه أنّه لا يمكن أن يحمل آدم هاهنا على الروح الكلي والعقل الأوّل ، كيف وقد بيّن إحاطته بسائر المراتب والنشآت ، واشتماله على تمام اليدين و ظهوره بالصورة الجسديّة نعم ، يمكن أن يكون ذلك وجها من وجوه تأويلات الآية.
ولو أفيض فيها أمكن استخراج وجوه أعلى من ذلك :
منها أن يجعل « النفس الواحدة » إشارة إلى الحقيقة المحمّديّة التي هي مبدأ الكلّ ، وزوجها الذي خلق منها خاتم الولاية ، المنبثّ منهما أعيان الصور والمعاني ، وممّا يؤيّد هذا الوجه ذكر خلق الزوج منها بعد خلق الأعيان والأشخاص .
ومنها أن يجعل النفس الواحدة إشارة إلى المبدء الفاعل ، وزوجها هو القابل المنبثّ منهما سائر الحقائق من مواليد العالم .
ومنها أن يجعلها إشارة إلى الطبيعة الكلَّية التي هي هيولى العالم عند المحقّقين والزوج هي الصورة المشخّصة المنبثّ منهما سائر الجواهر والأعراض .
إلى غير ذلك من الوجوه ، كالجنس والفصل بالنسبة إلى الأنواع ، والماهيّة والتشخّص بالقياس إلى الأشخاص ، والجوهر والعرض بالقياس إلى الأعيان .
وقد لوّح في المقدّمة على وجوه عالية من التلويحات التي لآدم ، ولهذا الموضع دقيقة منها لا بدّ من التلويح عليه ، وهو أنّ آدم باشتماله على العقد الكامل قد انطوى على المرتبة الجامعة لسائر مراتب الكثرة .
ولذلك ترى النفس والواحد الكاشفين عنه قد ظهر فيها ذلك العقد ولذلك فيما خلق منها يعني النوع الإنساني فإنّه مشتمل على تلك المرتبة بعينها من وجه وعلى ضعفها من حيث الزوجيّة ، فإنّ زوج الشيء صورة ضعفيّته . تأمّل .
ثمّ إذ قد أفاد هذا البيان من الإجمال ما لا يخفى على الفطن "في بيان الأدب مع الله"، حان أن يشرع في تفصيله ، فقال مستنبطا من نفس تلك الآية ( فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ " أي اجعلوا ما ظهر منكم ) .
وهو النسب العدميّة الإمكانيّة كالافتقار والاحتياج وأمثاله ( وقاية لربكم ) عن أن يصيبه شيء من تلك النسب والإضافات ( واجعلوا ما بطن منكم وهو ربّكم ) .
يعني الوجود الحقيقي وما يستتبعه من الأوصاف الوجوديّة ( وقاية لكم ) عن أن ينسب إليكم (فإنّ الأمر ذمّ وحمد ) لأنّ ما نسب إلى الشيء فعلا كان أو صفة لا يخلو من أن يكون مبدأ تلك النسبة هو الإمكان أو الوجوب والأوّل يسمّى الذم ، والثاني الحمد .
( فكونوا وقايته في الذم ، واجعلوه وقايتكم في الحمد ، تكونوا أدباء ) في وقايتكم له في الذم ، (عالمين) في وقايته لكم في الحمد .
ثمّ بعد تبيين ما اشتمل عليه آدم من أجزائه الوجوديّة وتفصيل ما تضمّنته نشأة ظهوره "باليدين " لا بدّ من الإبانة عن مراتبه الشهوديّة وتحقيق مراقي كمالاته الشعوريّة تكميلا لما هو بصدده .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
"و هو قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً».
ما يدل عليه قوله تعالى : ("يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" )، أي ذات واحدة يعني آدم ("وخلق منها")، أي من ضلعها الأيسر ("زوجها ")، يعني حواء ("وبث منهما")، من أدم وزوجه بالتوالد والتناسل ("رجالا كثيرا ونساء" ) .
ثم نبه رضي الله عنه على بعض معاني الآية بما لم يتنبه له أهل الظاهر
"فقوله اتَّقُوا رَبَّكُمُ اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، و هو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذمٌ و حمدٌ: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين."
فقال : (فقوله : " اتقوا")، أمر من الاتقاء بمعنی جعل الشيء وقاية لشيء.
و الشيئان ههنا المخاطبون والرب تعالى .
فإن جعلت الشيء الأول المخاطبين
و الشيء الثانيالرب  لاحظت إضافة الوقاية إليه .
كان المعنى: اجعلوا أنفسكم وقاية ربکم.
وإن جعلت الشيء الأول الرب والشيء الثاني المخاطبين.
كان المعنى : اجعلوا ربکم وقاية أنفسكم.
فلما كانت الآية تحتمل المعنيين جمعهما الشيخ رضي الله عنه .
كما هو رأيهم في الآيات القرآنية في الجمع بين جميع المعاني المحتملة التي لا يمنع من إرادتها الشرع والعقل.
فعلى هذا يكون معنى قوله :" اتقوا (ربكم) الذي خلقكم" آية 1 سورة النساء.
أي أوجدكم باختفائه بصوركم فأنتم ظاهره وهو باطنكم .
(اجعلوا ما ظهر منكم)، وهو أحدية جمع روحكم وبدنكم (وقاية ربکم)، أي ألة ووقاية .
كما في قوله تعالى : "خذوا حذركم "آية 71 سورة النساء . أي آلة حذركم.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقابة لكم فإن الأمر) المنسوب إلى ربكم بوجه وإليكم بوجه من الصفات والأفعال.
إما (ذم) يذم به لم ينسب إليه (و) إما (حمد) يحمد به .
بتصف به وكل واحد منهما كما يقتضيه توحيد الصفات والأفعال مسند إلى الله تعالى.
لكن إسناد المذام إليه قبل زكاء النفس وطهارتها وقوع في الإباحة وبعدهما إساءة للأدب (فكونوا وقايته) عن نسبة النقص إليه (في الذم) بأن تنسبوه لكم لا إليه (واجعلوه وقايتكم) عن ظهور أنياتكم.
(في الحمد) بأن تنسبوه إليه لا إليكم (تكونوا أدباء) حين تنسبون المذام إلى أنفسكم لا إليه (عالمين) بحقيقة الأمر على ما هو عليه حين تنسبون المحامد إليه تعالی.
فإن الأمور كلها مستندة إليه تعالى بالحقيقة، وتحذرون مما يلحقكم بإسنادها إلى أنفسكم من ظهور أنياتکم.
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: