الأحد، 30 يونيو 2019

الفقرة الرابع عشر الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي  جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الرابع عشر الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الرابع عشر الجزء الثاني السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله


الفقرة الرابع عشر: الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز.  وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال رضي الله عنه : "فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: "والعجز عن درك الإدراك إدراك"، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالم بالله. وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء"
قال رضي الله عنه : (فاختلط الأمر) أي: أمر التجلي الذاتي في نفسه، (وانبهم) على المتجلى له؛ فلا يتميز عنده تجلي الذات عن تجلي الأسماء والصفات؛ لعدم المغايرة الموجبة للتمييز بينهما إلا بطريق الذوق لبعض الكل.
وإليه الإشارة بقوله: (فمنا) أي: من أهل تجلي الذات (من جهل في علمه) تمييز تجلي الذات عن تجلي الأسماء والصفات، فقال: العجز عن درك الإدراك أي: عن تميز التجلي الذاتي عن الأسمائي إدراك لما عليه أمر التجلي من الاختلاط والإبهام، والعجز عن الدرك نفس الجهل ومن ملزوماته، وقد جعله عين الإدراك الذي هو العلم.
ومنا من علم أي: ميز بين التجلي الذاتي والأسمائي مع هذا الاختلاط والإيهام بأن أحدهما، وإن لم يكن غيرا للآخر؛ فليس أيضا عينه، ولم يقل مثل هذا لاستلزامه جعل أحد النقيضين أو ملزومه عين الآخر.
وهو أي: التمييز بينهما على القول أي: أصوب الاعتقادات (بل) عطف على قوله: لم يقل (أعطاه العلم السكوت) عن بيان ذلك؛ لضيق العبارة، وخوف ضلال العامة، وإنما أخره عن قوله، وهو أعلى القول؛ لأنه لو قدمه عليه التوهم أن المسكوت عنه أعلى الاعتقادات، وهو باطل بل الأعلى هو أجزم، وإن كان مما ينبغي أن يسكت عنه عند حضور العامة، وهذا الذي ميز بين التجليين، وسكت عن بيانه عند العامة (أعلى عالم بالله) يطلع على تجلياته، ويراعي الأدب معه؛ فلا يعبر عن أسراره بما يوهم العامة خلاف الواقع تقية منه، فإن العلم بالله موجب للتقوى منه "إنما يخشى الله من عباده العلماء " [فاطر:28]، فهو بهذه المعرفة، وهذا السكوت جميعا صار على عالم بالله، فلذلك أخر هذا الكلام عن قوله، بل أعطاه العلم السكوت.
قال رضي الله عنه : (وليس هذا العلم) أي: تمييز التجلي الذاتي عن الأسمائي مع عدم المغايرة بينهما بطريق الكشف على وجه الأصالة، لغاية كماله (إلا لخاتم الرسل، وخاتم الأولياء) لكونهما أجمع لأسرار الرسالة والولاية، فناسبهما هذا العلم بالذات، وخاتم الولاية شخص يظهر في آخر عهد عيسى عليه السلام ، فيشهد له عیسی، و کفی به شهيدا على ما صرح به الشيخ في كتابه المسمی بـ "عنقاء المغرب في معرفة ختم الأولياء، وشمس المغرب " ، وجعل في «الفتوحات» خاتم الولاية المطلقة عيسى، وخاتم الولاية المحمدية رجلا من العرب، ويجب تأويله بأن عیسی خاتم الولاية التي للأنبياء، والرجل المذكور يظهر بالولاية المخصوصة بمحمد دون ولاية سائر الأنبياء.
قال رضي الله عنه: "وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إلا من مشكاة خاتم الأولياء."
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز.  وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
(فاختلط الأمر وانبهم؛ فمنا من جهل في علمه) لغلبة حكم الإمكان والمظهرية عليه.
فقال: (والعجز عن درك الإدراك إدراك) مفصحا عما يقتضيه مشهده الذاتي من تعانق الأطراف وجمعية الأضداد.
( منا من علم) أن ذلك الجهل الذي في العلم هو منتهی مراتب العلم ، إلا أن القول بذلك الكلام يدل على عدم وصوله إلى هذا العلم ، (فلم يقل مثل ذلك) مع أنه هو الكلام الكاشف عن كنه مقتضى هذا الموطن .(وهو أعلى القول ، بل أعطاه العلم السكوت ، ما أعطاه العجز) لعدم انقهاره تحت أحكام الإمكان ومظهريته الخلقية ؛ ( وهذا هو أعلى عالم بالله ) حيث لم ينقهر بقوة استعداده الذاتي لمقتضيات ذلك المشهد العظيم من تجاذب الأطراف المتعانقة ، وتخالف أحكامها المتضادة ، بل أحاط بالكل علما ، ولم يتأثر من تلك الأحكام وهو أعلى عالم بالله . .(وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء) فإنهما هما الواصلان في الحقائق والمعارف إلى أقاصي كمالها بجزئياتها وكلياتها ، وصورها ومعانيها ، وهي حضرة متعانق الأطراف ومجتمع الأضداد ، كما علم من آثارها ، حيث أن الجهل في عين العلم بها ، والعجز عن إدراكها هو إدرا کہا ، وأن معلوميتها تقتضي الخفاء ومجهوليتها الإظهار إلى غير ذلك وهذه الحضرة هي المسماة في لسان الاصطلاح بالهوية المطلقة والتعين الأول ، يقال لها بهذا الاعتبار الحقيقة المحمدية ، فإن الحقيقة من كل أحد هي مستند المعرفة التي له من الحق .
ولذلك قال رضي الله عنه : ( وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم ، وما يراه أحد من الأولياء إلآ من مشكاة الولي الخاتم ) .
ثم إن هذا العلم لما كان من الكمالات المعنوية والحقائق الكلية التي لا تتحول أحكامها بتبدل أجزاء الزمان ، ولا ينقرض بانقراض تنوعاته ، يكون من خصائص أطوار الولاية ولوامع أنوارها ، فكل من أظهر لمعة منه إنما يكون ذلك من عين الولاية مقتبسة من مشكاة خاتمها ضرورة .
 
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز.  وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.)
قال رضي الله عنه :  "فاختلط الأمر و انبهم: فمنا من جهل في علمه.
 فقال: "و العجز عن درك الإدراك إدراك"، و منا من علم فلم يقل مثل هذا و هو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت، ما أعطاه العجز و هذا هو أعلى عالم بالله."
قال رضي الله عنه : (فاختلط الأمر)
 أمر المرآة و الرائي والمرئي. (وانبهم) أن كل واحد منهما حق أو عبد (فمنا من جهل) ولم يميز بين هذه المراتب (في) عين (علمه) بها بطريق الذوق والوجدان .
(فقال: والعجز عن درك الإدراك إدراك)، أي التحقق بالعجز عن الحق إدراك ما لا يدرك غاية الإدراك والعجز عن حصول العلم بما لا يعلم نهاية العلم به.
وفي الأساس طلبه حتى أدر که ، أي ألحق به وأدرك منه حاجته، وبلغ الغواص درك البحر وهو قعره ومنه درك النائر .
وفي الصحاح : القعر الآخر درك وذرك. وفي النهاية في غريب الحديث في الحديث : "أعوذ بك من درك الشقاء". الدرك : اللحان والوصول إلى الشيء أدر کته إدراك ودركا .
(ومنا من علم) تلك المراتب و میز عينها . فإنه علم أن مراتب الحق سبحانه لأنيتك الوجودية باعتبار ظاهر وجوده وأنت الرائي والمرئي فإنك ترى نفسك فيه بل هو الرائي والمرئي ولكن فيك .
ومرآتيته لعينك الثابتة باعتبار باطن علمه وأنت الرائي والمرئي بل هو ولكن فيك.
وكذلك علم أن مرآتيتك تلحق سبحانه إنما هي باعتبار وجودك العيني أو العلمي والراني هو الحق سبحانه إما من مقامه الجمعي أو منك.
والمرئي أيضا هو الحق سبحانه لكن باعتبار خصوصية صفة أو اسم أنت مظهره، فإن الوجود الحق باعتبار إطلاقه لا يسعه مظهر (فلم يقل مثل هذا القول) المنبئ عن الاعتراف بالعجز .
(وهو)، أي والحال أن القول بالعجز (أعلا القول)، أي عذر ما يقال في هذا المقام وجعل بعض الشارحين الضمير لعدم القول.
وقال : معنى أعلا القول أعلا من القول، ولا يبعد أن يقال معناه حينئذ أن عدم القول بالعجز أعلا ما يقال في هذا المقام .
فإن عدم القول بالعجز على لسان الحال بكمال العلم (بل أعطاه)، أي من علم (العلم السكوت ما أعطاه)، أي من جهل في علمه العلم العجز والاعتراف به (وهذا)، أي الذي أعطاه العلم السكوت (هو أعلى عالم بالله) و مراتب تجلياته والتمييز بينها. وليس هذا العلم الذي يعطي صاحبه السكوت بالأصالة.
قال رضي الله عنه :  "و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، و ما يراه أحد من الأنبياء و الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة و النبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ".
قال رضي الله عنه :  (إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء وما يراه)، أي يرى هذا العلم والشهود وما يأخذه.
(أحد من الأنبياء والرسل) من حيث أنهم أولياء لا من حيث أنهم أنبياء ورسل، فإن هذا العلم ليس من حقائق النبوة إلا من مشکوة الرسول الخاتم من حيث ولايته (ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم) التي هي جهة باطنية الرسول والخاتم .
(حتى أن الرسل) أيضا من حيث أنهم أولياء (لا يرونه متى رأوه إلا من مشكوة خاتم الأولياء) التي هي مشكوة ولاية الرسول الخاتم.
وإلا لم يصح كلا الحصرین معا حصر رؤية المرسلين أولا في مشكوة خاتم الأنبياء وحصرها ثانية في مشكاة خاتم الأولياء فمشكاة خاتم الأنبياء في الولاية الخاصة المحمدية وهي بعينها مشكوة خاتم الأولياء، لأنه قائم لمظهريتها وإنما أسند هذه الرؤية إلى مشكاة خاتم الأولياء.
(فإن الرسالة والنبوة) اللتين هما جهة ظاهرية الرسول الخاتم (أعني نبوة التشريع ورسالته) التي هي تبليغ الأحكام المتعلقة بحوادث الأكوان لا نبوة التحقيق التي هي جهة باطنية .
وهي الإنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب.
(ينقطعان) بانقطاع موطن التكليف بل بانقطاع الرسول الخاتم عن هذا الموطن فكيف يستند إليه ما لا ينقطع.
(والولاية لا تنقطع أبدأ)، فإنها من الجهة تلي الحق سبحانه وهي باقية دائمة ابدا سرمدا وأكمل مظاهرها خاتم الأولياء فلهذا أسندت الرؤية المشار إليها إليه .
ولا يخفى عليك أنه لو فرض عدم انقطاع النبوة لا يصح إسناد هذا العلم إليها أصلا فإنه من حقائق الولاية لا النبؤة .
فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه من العلم الذي يعطى صاحبه السكوت (إلا من مشكوة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء وإن كان خاتم الأولياء) بحسب نشأته العنصرية .
.



كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «والعجز عن درك الإدراك إِدراك، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز.  وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه.
وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء. )
قال المصنف رضي الله عنه : (فاختلط الأمر و انبهم فمنا من جهل في علمه . بل أعطاه العلم السكوت كما أعطاه العجز . و هذا هو أعلى عالم بالله، و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل و خاتم الأولياء، و لا يراه أحد من الأنبياء الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، و لا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء .)

قال الشارح رحمة الله :
( فاختلط الأمر ): أي أمر الوجود و أيهم فإنه لأحب لوائح القدم في صفائح العدم، فظهرت أشياء في مجالي الحق صورا في الوجود، فتداخلت الصفات و الأسماء الإلهية و الكونية، فأنبهم الأمر، و التفت الساق بالساق و صارت الحيرة الكبرى المساق .
و بيان ذلك أنه لما صحّ على الحادث من حيث هو حادث أنه فقير متأخر، و أنه مرآة القديم الواجب في رؤية أسمائه .
و على القديم أنه مرآة الحادث في رؤية نفسه: أي في بروزه له و ليس أحدهما غير الآخر من حيث الوجود، فاختلط الأمر (و أنبهم) على أهل الأفكار و العقول المعقولة، فقصروا عن هذا الإدراك، و هم لا يشعرون أن فضورهم من نسبة تجلي الذات لها باسم من أسمائها التي ظهر الكون بهم، و هو الاسم المانع، فبطن هذا العلم عنهم، فكان لهم غيبا .

فلهذا قال رضي الله عنه: قمنا: أي من الكمل من جهل في علمه: أي علمه بأنه عينه، فقال: و العجز عن درك الإدراك بإدراك الحق الحيرة بالإدراك و العلم لأنه علم أنه لم يعلم، فلمّا علم من علوم مقام الحيرة لأهل التجلي، فأعطاه مقام العلم .
ورد في الخبر الصحيح : " رب زدني فيك تحيرا".
و لو لا التحير علم لما سأل صلى الله عليه و سلم الزيادة فيه لأنه أمر يقل رب زدني علما، هذا إذا كان الإدراك بمجرد الاستدلال أو بالتعريف الإلهي، و أما إذا كان يتجلى إلهي، إمّا من قرب النوافل أو قرب الفرائض فلم يعجز عن الإدراك .

قال رضي الله عنه في الباب الخامس و الثلاثين و ثلاثمائة:
فالقول بالعجز و إن كان هذا القدر هو المسمى بمعرفة الله، و لكن لوجودي بقوله صاحب هذا القول، فإنه لا يرى الله أبدا،  كما لا يعلمه أصلا، إلا أنه يبدي له من الله ما لم يكن يحتسب و يعلم ما لم يعلم، و يرى ما لا يراه كما ورد في الأثر : " إنه يرى ما لا رأت عين"
فإنه يرى و يعلم أنه هو، فإن الصحيح: إنه تعالى يعلم و يرى و لو بعد حين، و يتصف العبد بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم بالدليل لا به .
فلهذا قال رضي الله عنه: (و منا من علم و ذلك) من مقام المشاهدة التي هي الصمت و الخرس و السكوت، (فلم يقل مثل هذا ): أي بالعجز .
ورد في الأثر الصحيح أنه قال صلى الله عليه و سلم: " إن الله ليلوم على العجز فأنل من نفسك الجهد فإن غلبت فقل توكلت على الله أو حسبي الله ونعم الوكيل ". الحديث رواه عوف بن مالك رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . والطبراني في مسند الشاميين
و في حديث: "أحزان الله ليلوم على العجز قاتل من نفسك الجهد" الحديث . رواه أبو إمامة ذكره في جمع الجوامع لأنّ القول بالعجز دعوى القوة و المقابلة من حيث لم يشعر بل هذا مقام ليس له لسان لأنه من مقام توحيده إياه توحيده .
و كما قيل: إنّ التوحيد بحر و الكلام ساحله، و توحيده الحقيقي توحيده لنفسه بنفسه من غير أثر لسواه إذ لا سوى هناك، فافهم .

( و هو على القول ): أي القول و الذهاب إلى ترك القول أعلى القول لأن المقام ما يعطي القول و الكلام، فإنه خروج عن المتصد
بل أعطاه العلم بأنه عينه السكوت و هو العجز عن القول لا العجز عن الإدراك، فافهم .
حتى تفرق بين العجزين عجز هو عين القوة، و عجز استفيد منه .
كما ورد في الخبر: أعوذ بك من العجز و الكسل".  الحديث
و إنما قال رضي الله عنه: السكوت و لم يقل: الصمت، و الخرس للمغلوب بخلاف السكوت فإنه لصاح قادر علىالكلام، و سكوته لحكمه أرادها، و كما أعطاه العجز : أي العجز عن درك الإدراك، فافهم .
فإني ترجمان لسان الحقائق لا يقيدها بالعلل و الأعراض و لأنه نسبها بالأغراض و لا يتقيد بالإنكار و الأعراض .

( و هذا أعلى عالم بالله) لأنه علم الحق بعلمه بنفسه، فعلم ما في نفسه سبحانه كما علم ما في نفسه، و لم يصرح بالعجز لأنه ما حاول أمر العجز عن حمله و إدراكه، و كيف لا! و قد قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا ليعْبدُونِ" [الذاريات: 56] .
قال العارف بالله: أي ليعرفون كلامه إمّا للغاية وإمّا للحكمة، فلو كانت المعرفة محالة فلم تقع غاية الخلق مع أنه ورد في الحديث: " من عرف نفسه فقد عرف ربه".
و أعرفكم بالنفس أعرفكم بالله، و أمثال هذا كثيرة في القرآن و الأحاديث .
كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم : "انتقال أن هذا الأمر إلى الله فمن يسّره للهدى تيسر و من يسّره للضلالة كان فيها"  رواه الواقدي و ابن عساكر عن سعد بن عمر و الهذلي مرسلا، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
والضلالة هي: الحيرة كما ورد في القرآن: "إنّك لفِي ضللاك القدِيمِ" [ يوسف: 95]: أي حيرتك القديمة، فافهم .
( و ليس هذا العلم ): أي العلم الذي أعطي العالم به السكوت إلا لخاتم الرسل بالأصالة و خاتم الأولياء بالجمعية، و هو المعتني الفرد الذي انفرد بهذا العلم من أقرانه و إخوانه من المخمدين .

( و ما يراه ): أي العلم الذي يعطي السكوت، و هو العلم بأنه عينه أحد من الأنبياء و الرسل من حيث أنهم أنبياء و رسل إلا من مشكاة الرسول الختم، و لا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم هذه أسوة حسنة للخاتم في الخاتم .
و ذلك من مقام باطن النبوة المحمدية و هي: الشعرة التي في خاتم الولاية من خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم بل في ذلك يقع الميراث .

قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل الحل والعقد والإكرام والإهانة ونشأة الدعاء في صورة الإخبار وهو منزل محمدي :
ومن نور مشكاتهم عرفناه لأن الله رزقنا الاتباع الإلهي والاتباع النبوي.
فأما الاتباع الإلهي فهو قوله تعالى "وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ" فالله في هذه المعية يتبع العبد حيث كان فنحن أيضا تتبعه تعالى حيث ظهر بالحكم.
فنحن وقوف حتى يظهر بأمر يعطي ذلك الأمر حكما خاصا في الوجود فنتبعه فيه .
ولا نظهر في العامة بخلافه كسكوتنا عن التعريف به أنه هو إذا تجلى في صورة ينكر فيها مع معرفتنا به. فهو المقدم بالتجلي.
وحكم الإنكار فنحن نتبعه بالسكوت وإن لم ننكر ولا نقر فهذا هو الاتباع الإلهي .
وأما الاتباع النبوي الذي رزقنا الله فهو قوله "لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" [ الأحزاب: 21] .
ثم إنه أتبعنا وتأسى بنا في صلاته إذا صلى بالجماعة فيكون فيها الضعيف والمريض وذو الحاجة فيصلي بصلاتهم فهو صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم المتبع والمتبع اسم مفعول واسم فاعل .

ثم أمرنا أن نصلي إذا كنا أئمة بصلاة إلاضعف فاتبعنا الرحمن بما ذكرناه فنحن التابعون .
واتبعنا الرحمن بما تعطيه حقائقنا من الاحتياج والفاقة فيمشي بما نحن عليه فنحن المتبوعون فانظر ما ذا تعطي حقائق السيادة في العبيد وحقائق العبادة والعبودية في السيادة .أهـ انتهى كلامه رضي الله عنه .

( حتى أن الرسل) الذين هم الأفضلون على الإطلاق إلا من مشكاة خاتم الأولياء لأنه خارج الولايات المحمدية و الهبات و العطايا الختمية، و كما عرفت أنه قد أحاط بكل  شيء علما و وجودا بل هو عين الأشياء علما و وجودا لأنه تجلى له كل شي ء في كل شيء فعلم كل شيء بعلمه بنفسه، ثم يعلمه بنفسه علم الحق لأنه تعالى عين كل  شيء .
و قال خاتم الأولياء رضي الله عنه كما قال سيده خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم : " إنه تجلى له كل شيء فعرف كل شيء"
كما ورد في الحديث بلفظه، فاستحق خاتم الخاتم بهذا الأمر بإتمام مكارم الأخلاق مع الله تعالى و هو إمام قد جعل الله تعالى أمور الخلق طرا بيده من خليفة إلى عريف و وضيع و شريف وصاحب و صاحبه ووالد ووالده و خادم ودابة وحيوان ونبات وجماد في ذات وصفات وجوهر وعرض.
فراعى جميع ذلك مراعاة الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل فما صرف الأخلاق الإلهية إلا في سيده .
فلما كان بهذه المثابة قيل فيه ما قيل في خاتم الرسل: "و إنّك لعلى خُلقٍ عظِيمٍ" [ القلم: 4] فكان ذا خلق و لم يكن ذا تخلق .

ذكر رضي الله عنه في الباب الرابع و الثلاثين وخمسمائة من الفتوحات:
إنّ هذه الآية تليت علينا تلاوة تنزّل إلهي من أول السورة إلى قوله:"عتل بعْد ذلك زِنيمٍ" [ القلم: 13] عرّفنا الحق في هذه التلاوة المنزلة من عند الله في المبشرة التي أبقاها الله علينا من الوحي النبوي وراثة نبوية لله الحمد، ورثته فيها من قوله تعالى: "ولا تكُ في ضيْقٍ مِمّا يمْكُرون" [ النحل: 127] .
و في قوله تعالى: "و لقدْ نعْلمُ أ نّك يضِيقُ  صدْرك بما يقُولون" [ الحجر: 97] .
و قوله تعالى: "فأعْرضْ عنْ منْ توّلى عنْ ذكْرنا ولمْ يردْ إلّا الحياة ُّ الدنيا" [ النجم: 29] .
فشكرت الله على ما حققني  به من حقائق الورث النبوي، و أرجو أن أكون ممن لا ينطق عن هوى نفسه، جعلنا الله منهم، فإنّ ذلك من عين العصمة الإلهية انتهى كلامه .

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: