الأحد، 30 يونيو 2019

الفقرة الخامسة عشرة الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الخامسة عشرة الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الخامسة عشرة الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

الفقرة الخامسة عشرة: الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : "فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. ولهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة وشجرا وكوكبا.
ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله ولا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» والأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «وبشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة، «وقد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب."
قال رضي الله عنه : (فالأدنى) من العابدین له سبحانه (من تخيل فيه) عز وجل (الألوهية) فإن كل من عبد شيئا تخيل فيه ذلك (فلولا هذا التخيل) للألوهية في العابد المتخيل ذلك في معبوده (ما عبد الحجر) المنحوت صنم (ولا غيره) من كل ما عبد من دون الله تعالی
ولهذا قال تعالى لنبيه عليه السلام في حق عباد الصنم وغيره : "وجعلوا لله أندادا" [إبراهيم: 30] (قل) لهم ("سموهم") [الرعد: 33].
أي أذكروا أسماء هذه الأنداد  عندكم فإنها في شهودكم مغايرة للحق تعالی.
(فلو سموهم) وأظهروا ما في شهودهم ورؤيتهم من مغايرة ما عبدوه للحق تعالى كما يعلمه الله تعالى منهم حيث أكفرهم بذلك وحكم بأنهم عبدوا غيره (لسموهم حجرا وشجرا وكوكبا) ونحو ذلك كالملائكة وعيسى ابن مريم.
فظهر حينئذ أنهم عبدوا غير الله باعتبارات في نظرهم، واعتقادهم أنهم عبدوا غير الله تعالى وإن سموه عندهم الله تعالی جهلا منهم بمعرفته تعالى.
فإنه بعد الحكم بالمغايرة في إدراكهم لا عبرة بالتسمية، وإن لم يكن ثمة غير الله تعالى في حقيقة الأمر كما سبق، ولكن هذا في شهود المؤمنين الكاملين، وأما الكافرون فإنهم اخترعوا بعقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة غير الله تعالی وعبدوه من دون الله تعالی.
فستروا الله تعالى باعتبار ما بأنفسهم فكفروا بذلك الستر، فإن الكفر هو الستر فلو عرفوا الله تعالى في كل شيء كمعرفة المؤمنين الكاملين لوجدوا أنفسهم عابدین له تعالى في عین عبادتهم لما سواه حين كانوا جاهلین به تعالی.
(و) مع ذلك (لو قيل لهم)، أي لعباد الأصنام وغير الأصنام (من عبدتم لقالوا) عبدنا (إلها)، أي معبودا والله تعالی معبود كل شيء .
وله ظهور خاص بالنسبة إلى كل شيء فهو إله واحد عند المؤمنين بالغيب من حيث هو غيب غير الكل، وهو آلهة كثيرة متعددة مختلفة من حيث ظهوره المخصوص بالنسبة إلى كل عابد لا يؤمن بالإله الواحد الغيب.
ولهذا قال تعالى لنبيه عليه السلام:" فاعلم أنه لا إله إلا الله" على معنى أن كل إله هو الله يعني من حيث ظهور هذا الغيب المطلق الذي هو معبود أهل الإيمان من حيث إطلاقه.
فإن ظهوره الخاص معبود أهل الكفر (كما كانوا يقولون) عبدنا (الله) لأنهم ما عبدوا الله الذي هو الغيب المطلق وهو الإله الحق، وأما معبودهم فهو ظهور من ظهورات الله تعالی وظهور الله ليس هو الله.
لأنه بحسب استعداد الظاهر له ولهذا قالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" [الزمر: 3] .
وقالوا : "لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا" [الأعراف: 70].
وقالوا :"أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب " [ص: 5].
(ولا) كانوا يقولون: عبدنا (الإله)، لأن الإله بالألف واللام هو الغيب المطلق وهو الله تعالى وهم ما عبدوا الله تعالى بل عبدوا الظاهر لهم في مظهر خاص على حسب استعدادهم .
وهو إلههم الذي عبدوه من دون الله وهو المنحوت لهم بقوة استعدادهم.
قال تعالى : " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون" [الصافات: 95 ۔ 96]. (والأعلى) من العابدین له تعالى (ما تخيل) في الله تعالى شيئا، لأنه لو تخيل شيئا من ألوهية أو غيرها لعبده ظاهرة في مظهر مخصوص مثل عباد الأصنام وغيرهم (بل قال) عن كل معبود ظهر له من كوكب أو حجر أو شجر وغير ذلك.
(هذا مجلى)، أي مظهر لأجل تجل (إلهي) مخصوص (ينبغي) لكل مؤمن بالغيب المطلق الذي هو الله تعالى (تعظيمه) من حيث هو مجلى مخصوص لا من حيث هو أثر مخلوق حقیر .
فإن للحق تعالى في كل شيء وجها مما يلي صفاته تعالى وهو الوجه الباقي وهو توجه الحق تعالى على إيجاد ذلك الشيء من الأزل، وهو الحق تعالى لا غيره في حضرة مخصوصة بحسب استعداد ذلك الشيء.
والوجه الآخر لذلك الشيء مما يلي حضرة الإمكان، وهو الهالك الذي قال تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه " [القصص: 88].
(فلا يقتصر) ذلك الأعلى من العابدین علی مجلى دون مجلى بل يعتقد أن الكل مجالي ومظاهر تبدو وتخفى على ممد الأوقات.
(فالأدنى) من العابدين الله تعالى (صاحب التخيل) المذكور فيما سبق (يقول) كما حكى الله تعالى ذلك عنه في القرآن العظيم بقوله: (وما تعبدهم)، أي الأصنام ("وإلا ليقربونا إلى الله زلفى") [الزمر: 3].
لأن لهم وجوها خاصة إلى ذلك الموجود وهم مأمورون بتعظيم تلك الوجوه فقط من حيث إنها وجوهه تعالى لا مأمورون لعبادتها من دون الله تعالى المطلق عنها. (والأعلى) من العابدین لله تعالى (العالم) بالله تعالی الذي لم يتخيل في الله تعالى شيئا وإن كان التخيل من ضرورته، لأنه معترف بعجزه عن المطابقة لما هو الأمر في نفسه.
(يقول) في ذلك كما حكى الله تعالی عنه بقوله : "أنما إلهكم" ، أي الذي يجب عليكم أن تعبدوه ("إله واحڈ") لا تعدد له غیب مطلق عن جميع القيود الحسية والعقلية ("فله، أسلموا")، أي انقادوا و أذعنوا في بواطنكم وظواهركم بحيث لا تبقى فيكم حركة إلا به وله (حيث ظهر) لكن في جميع مظاهره المحسوسة والمعقولة، فليكن إسلامكم وانقیادكم إلى الظاهر بالمظهر الذي ظهر لكم فيه وعبادتكم للباطن الذي لا يقيده الظهور بذلك المظهر الذي أسلمتم له.
("وبشر") يا أيها المأمور بأن يقول لأمته ذلك (" المخبتين") [الحج: 34] ممن اتبعك في العمل بما قلت (أي الذين خبت)، أي أطفأت وخمدت (نار طبيعتهم) التي خلفت نفوسهم وأجسامهم منها، وحيث خمدت نارهم انقلب نورا (فقالوا) نعبد (إلها) باطنا وننقاد ونذعن ونسلم لنور ظاهر من قبيل قوله تعالى : "الله نور السماوات  والأرض" [النور: 35] .
(ولم يقولوا) نعبد (طبيعة) فننقاد ونذعن ونسلم لها لأن الطبيعة نار الله الموقدة وهم مأمورون بتوقيها كما قال تعالى : "قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها" [التحريم: 6].
وقال عليه السلام: «اتقوا النار ولو بشق تمرة».
قال نوح عليه السلام عن الأصنام المذكورة (وقد أضلوا كثيرا) يعني من أمته (أي حيروهم)، وأوقعوهم في عدم الاهتداء إلى وجه الصواب حيث اندهشوا (في تعداد) الإله (الواحد) الذي هو الغيب المطلق تعداد حاصلا (بالوجوه) الكثيرة التي له تعالى إذلة.
وإلى كل شيء وجه خاص من ذلك الوجه ظهرت صورة ذلك الشيء (والنسب) المختلفة التي من كل شيء إليه تعالى، فلكل شيء نسبة إليه تعالی حقيقية.
وأما نسب الأشياء بعضها إلى بعض فهي مجازية فالله واحد، لأنه الغيب المطلق وکثیر متعدد، لأنه الظاهر بتوجهه إلى كل شيء وبنسبة وجود كل شيء إليه وقال نوح عليه السلام أيضا.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. 
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : (فالأدني) كانت مرتبة العابدین متفاوتة أي فأدني العابدین مرتبة (من تخيل) بالبناء للفاعل (فيه) أي في معبوده (الألوهية).
يعني لا يعلم يقينا أنه مظهر للاسم الإلهي ولا يصدق أنه إله بل تخيل (فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره) إذ لا سبب للعبادة لمثل هذا غير التخيل لأنه جماد لا تأثير له بشيء أصلا يعلم عابده أنه ليس بآلة فما عبد الحجر إلا للتخيل (ولهذا) أي ولأجل كون عبادة الحجر للتخيل لا لغيره (قال الله تعالى لنبيه إلزاما) للعابدين إليه (قل سموهم فلو سموهم السموهم حجرا أو شجرة أو كوكبة ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا "نعبد إلها" ) بالنكرة لعدم علمهم ربهم إلا بالتخيل .
وزعمهم أن الأرباب متفرقة لا مجتمعة في الحضرة الواحدية المعبودة لكل العابدین (ما كانوا يقولون) نعبد (الله ولا إلا إله) فلو لم يتخيلوا الألوهية لقالوا عند السؤال نعبد الله تعالى أو نعبد الله تعالى أو نعبد الإله بالاسم الجامع المعرف والمعين للمعبودية للكل.
فإذا قالوا إلها بالنكرة المجهولة علمنا أنهم ما عبدوهم إلا لتخيل الألوهية (والأعلى) أي وأعلى العابدین (ما تخيل) أي لا يتخيل الألوهية فيه (بل قال هذا مجلي إلهي ينبغي تعظيمه) على كل أحد كما إذا سئلنا: لم صلیتم إلى الكعبة.
قلنا: هذه أعظم مظهر من المظاهر الإلهية فعظمناها لأجل ذلك فأما عبادتنا فلا يكون إلا لله في أي مظهر کان لا من حيث كونه في ذلك المظهر (فلا يقتصر) هذا العابد عبادته للحق في مظهر دون مظهر بل يعبده من حيث ظهوره في جميع المظاهر لعلمه بالله وبأسمائه .
(فالأدنى) أي أدنى العابدین (صاحب التخيل) عطف بيان إذا سئل وقيل : إذا كان حجرة لأي شيء عبدتم (يقول) في جوابه ("ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" [الزمر: 3]) وهم المشركون أي قربا.
(والأعلى العالم) بخبر عن مشاهدته على ما كان عليه الأمر مخاطبة لصاحب النخيل (ويقول: "إنما إلهكم إله واحد" [النحل: 22]) ظاهر في جميع المظاهر لا إلهة متعددة متفرقة (فله أسلموا) أي انقادوا واعبدوا (حيث ظهر) أي في أي مظهر ظهر لا إلى غيره .
إذ لا إله غيره حتى يعبد فلا تقتصروا مظاهره إلى أصنامكم واعلموا أن جميع الأشياء كلها مظاهره واعبدوه من حيث ظهوره في جميع المظاهر.
ولما فرغ عن ذكر ما وجب عليه أراد أن يشرع إلى بيان إشارات نوح في دعائه لقومه وأورد آية مناسبة لما قبلها في المعنى ليبني عليها بيان إشاراته ("وبشر المخبتين" الذين خبت نار طبيعتهم) أي طفئت .
(فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة) يعني كانت طائفة من عباد الله طفئت نار طبيعتهم بحيث لا يصدر منهم من الآثار الطبيعية شيء فظهر لهم من كل طبيعة الصفات الإلهية والأنوار الذائبة فغابوا عن طبائع الأشياء ولم يميزوا الإله.
والمألوه ولم يروا المألوه ولم يدركوا الطبائع فإذا سئلوا عنها أخبروا عن ما شاهدوه من آثار الألوهية فقالوا : "إلها" ولم يقولوا طبيعة أي حجرا أو شجرا أو غير ذلك من الطبائع.
ولا يقولون مجلي إلهي ينبغي تعظيمه إذ لم يروا غير الإله شيئا يغلبه تجلي الذات حتى أخبروا عن أسمائها .
وإذا قالوا : "إلها" أشار نوح في دعائه لقومه إلى هذه الطائفة الشريفة وجمع في الدعوة مع قومه للمناسبة الصورية بينهما في إسناد الألوهية إلى الطبائع فدل دعاؤه بالمفهوم الأول على المشركين . و بالمفهوم الثاني على هذه الطائفة الشريفة .
يعني هذه الدعوة تدل على كليهما بحسب الدلالتين فلما لم يقل المخبتون الطبيعة بل قالوا إنها (وقد ضلوا كثيرا) أي المحجوبين من أهل العالم كإضلال من يعبد الأصنام بقولهم: "لا تذرن آلهتكم" [نوح: 23].
(أي حيروهم) أي أعطاهم حيرة الجهل بقولهم إلهة (في تعداد الواحد بالوجوه والنسب) فلا يعلمون أن إلههم واحد حقيقي والكثرة والتفرقة كأعضائنا في صورنا المحسوسة فتحيروا في علمه فوقعوا في حيرة بسبب استماع كلامهم.
فكانوا أي المختبين ظالمين بوجهين ظلم لأنفسهم بإطفاء مقتضيات أنفسهم من الهوى بالمجاهدة وظلم لغيرهم بإيقاعهم في حيرة الجهل بسبب قولهم إلها، ولم يقولوا طبيعة.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
فالأدنى صاحب التخيل يقول: " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " 3 الزمر. والأعلى العالم يقول: "فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) " سورة الحج.  حيث ظهر "وبشر المخبتين"  (الحج: 34).
الذين خبت نار طبیعتهم، فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة. "وقد أضلوا كثيرا" أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب.
فقال: فالأدنى وهو الضعيف النظر من تخيل في الأصنام الألوهة، قال ولولا هذه التخيل ما أقدم على عبادة الحجر ونحوه مع حقارة الحجر عنده ومن أجل الحقارة ورد في الكتاب العزيز توبيخا لهم بما تقرر عندهم أنهم غالطون "خأطئون".
وهو قوله تعالى: "قل سموهم" فإنهم إذا سموهم قالوا حجر أو شجر أو كوكب، فإنهم عبدوا الأصنام المتخذة من الحجارة والأصنام المتخذة من الخشب والأصنام التي هي کواکب، فقد عبدوا هذه الأنواع فطالبهم الرسول بأن يسموهم ليحصل لهم الإفحام لكن عذرهم أنهم تخيلوا أنهم آلهة لا حجارة وخشب وكواكب.
فلو قيل لهم في صنم وأحد مثلا: من عبدتم؟
لقالوا: آلها !. ولا كانوا يقولون الله ولا الإله
إذ ليسوا جاهلين بمرتبة معبودهم الحق الذي هو الله تعالى أو الإله الحق وهو الله تعالی
ثم أخذ يبين حال من هو أعلى مقاما من هؤلاء الذين تخيلوا أن هذه الأصنام آلهة، فقال: والأعلى ما تخیل وهم الذين هم أفضل عقلا من أولئك قال فإنهم ما تخيلوا بل قالوا: هو مجلي " إلهي ينبغي تعظيمه فما اقتصروا على ما اقتصروا عليه أولئك الذين سماهم أدنى.
ثم أخذ يشرح حال هذا الأدنى بقوله: فالأدنى صاحب التخيل لما لم تعبد بالأصنام أنها الله تعالی لكن اعتقد أنها آلهة.
فكأن سائلا سأل فقال إذا لم تعتقد أنها الله تعالى فلأي شيء تعبدها؟
فكان جواب السؤال المقدر أن يقول"ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"(الزمر:3).
ثم رجع إلى الأعلى عقلا من هذا، فقال: والأعلى العالم يقول: "فإلهكم إله واحد له أسلموا وبشر المخبتين" (الحج: 34).
ثم أخذ يبين حال المخبتين، فقال: هم الذين خبت نار طبيعتهم أي خمدت حتى قالوا في كل صنم من الأصنام: إنه إله ولم يقولوا: طبيعة حجر أو خشب أو كوكب.
ثم أخذ يبين حال هؤلاء وهو الأدنون، فعظمهم في تفسير قوله تعالى فيهم: وقد أضلوا كثيرا" (نوح: 24) أي حيروهم إذ كان هؤلاء المذكورون يرون الوحدة في عين الكثرة فصرحوا بما رأوه.
فأضلوا بذلك قوما کثيرين ممن لا يرى الوحدة في عين الكثرة بل يرى الكثرة ولا يرى الوحدة لقصورهم في الإدراك.
فقد حيروهم إذن بالوجوه الثابتة للواحد، فإنه ما يتكثر بالوجوه كما لا يتكثر الشخص الواحد بأنه نصف الإثنين وثلث الثلاثة وربع الأربعة.
وكذلك إلى غير النهاية وبأنه أب لزيد وأخ لعمرو وولد لخالد وأشباه ذلك، فهذه وأمور أخرى مما لا يتناهى هي وجوه كلها لا تكثر الواحد.
ثم أخذ في اعتبار قوله "ولا تزد الظالمين" ففسر الظالمين بالذين وضعوا أنفسهم في بعض الاعتبارات في غير موضعها وهم خلفاء الله الكمل لأنهم الذين أورثوا الكتاب.
قال: وهم أول الثلاثة ويعني بالثلاثة قوله تعالى: "فمنهم ظالم لنفسه" وهؤلاء هم الأولون لأنهم قدموا على الفريقين الذين ذكروا بعدهم وهم المقتصد والسابق بالخيرات .
ثم أخذ يفسر قوله تعالى: "ضلالا" من قوله: "لا تزد الظالمين إلا ضلالا" فأشار إلى الضلال هنا بأنه الحيرة في الحق تعالى من قوله، عليه السلام: "رب زدني فيك تحيرا " فإن لم يكن هذا حديثا عن محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، فقد قاله المحمديون وهم أمته، عليه السلام.
قال: وقوله تعالى: "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" هو عنوان ما كانوا فيه من الحيرة وهذا هو كمالهم لأنهم محمديون وإليهم انتهى الكمال.
قال: وسبب حيرة المحمديين الدور والحركة الدورية التي ظاهرها الأفلاك وحركاتها، وباطنها دور حركة بواطنهم عليهم إذ ليس ورائهم مطمح يشتاقون إليه لقيامهم بمعاني الاستخلاف الإلهي وذلك هو معنى القطبية الكبرى
قال: وأما صاحب الطريق المستطيل وهو السالك إلى جهة واحدة فإنه مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه كمن ولده على كتفه وهو يسأل عنه.
قال: ومن هذه حاله هو صاحب خيال وإلى الخيال رجوعها فهو غايته فله بداية وله نهاية.
وإلى هذا المعنى أشار، رضي الله عنه، بقوله: فله من وإلى وما بينهما، فإن «من» هي لابتداء الغاية و«إلى» هي لانتهاء الغاية.
قال: وأما صاحب الحركة الدورية وهم المحمديون فليس لهم ابتداء فتلزمهم «من»، ولا لهم غاية فتحكم عليهم «إلى»، فلهم الوجود الأتم ولذلك أوتي، عليه السلام، جوامع الكلم وكذلك ورثته. وتعني بالحكم ما وافق لفظه معناه من غير خلل.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال الشيخ رضي الله عنه : « فالأدنى من تخيّل فيه الألوهيّة ، فلو لا هذا التخيّل ما عبد الحجر ولا غيره .
ولهذا قال : " قُلْ سَمُّوهُمْ " ، فلو سمّوهم لسمّوهم حجرا وشجرا وكوكبا .
ولو قيل لهم : من عبدتم ؟
لقالوا : إلها ما كانوا يقولون : « الله » ولا « الإله » .
والأعلى ما تخيّل ، بل قال : هذا مجلى إلهيّ ينبغي تعظيمه ، فلا يقتصر .
والأدنى  صاحب التخيّل يقولون : " ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى " ، والأعلى  يقول : " فَإِلهُكُمْ إِله ٌ واحِدٌ فَلَه ُ أَسْلِمُوا " حيث ظهر " وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ " الذين خبت نار طبيعتهم . فقالوا : إلها ، ولم يقولوا : طبيعة " .
قال العبد : العباد والعبّاد انقسموا إلى عارف بالله حيث تجلَّى وظهر ، عالم به كيف تعرّف وتنكَّر ، مشاهد لوجهه الكريم في كل وجهة وجهة تولَّى ونظر ، " فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه ُ الله " الأكرم الأزهر ، محقّق في شهوده ، متحقّق بمشهوده ، فهو الأعلى ، لأنّه العابد ربّه الأعلى .
والأدنى هو أن لا يشهد الحقّ الظاهر في المعبود المشهود ، ولكن يعبده تخيّلا أنّ فيه الألوهيّة ، فهو غالط جاهل بالإله ، فإنّه ما من إله إلَّا إله واحد ، " أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه ُ " فلمّا لم ير ذلك ، وليس له الكشف بالحق من حيث الشهود العقلي ، فتحيّر وتخيّل تقليدا أنّ فيه الألوهيّة ، فكفر ، أي ستر الألوهية الظاهرة في مألوه ومعبود ، فتخيّل أنّ عبادة هؤلاء في الوجود ليست إلَّا لإلهيّة فيهم ، والحق أنّه ليس من الله في شيء ، وليس هو بكلَّيته فيهم ، فما له تحقيق ولا تحقّق بالحق حيث كان ، فهو الذي عبد تخيّله وتحيّله وعكف على صنمية حجابيّة الطاغوت بالخذلان ، وهو عن الحق المشهود الموجود في الحرمان ، أعاذنا الله وإيّاك بإحسانه إنّه بحسبان .
والأعلى شهوده " أَنَّما إِلهُكُمْ إِله ٌ واحِدٌ " ، فالألوهية رتبة في حقيقتها واحدة لا تقتضيها إلَّا ذات واحدة هي عينها لا زائدة عليها ، فحيث وجدت عبدت ، وأينما شهدت وشوهدت ، شهدت لها بالألوهية ، وسجدت بالهوية اللاهوتية وحكمها من العباد والعبّاد الانقياد الكلَّي والإسلام الجبلَّي والاستسلام الفطري الأصلي .
وكمال الانقياد لله أن نعبده ونطيعه في الكلّ بكل عبادة وطاعة ، ونعرفه ونعرّفه بكل جهد وجدّ واستطاعة ، لكونه لا ينحصر في جهة ، ولا يتقيّد في وجهة ، فمن كان مشهده على هذا الوجه ، فهو الكامل الذي وجهة وجهه وجه الله ، لا يغيب عنه طرفة عين ونظرة ، ولا يحصره ولا يقيّده حضرة دون حضرة تقييد الأدنى صاحب التخيّل ، أو المقلَّد المعتقد الممثّل ، وحصره ، فافهم .
قال الشيخ سلام الله عليه : " وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً " أي حيّروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب"

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه :  ( فالأدنى من تخيل فيه الألوهية ) أي الجاهل المحجوب أي معنى الألوهية فهو أن يصور فيه هيئة مخصوصه متخيلة فإن الخيال لا يدرك إلا مشخصا فعبد ذلك المتخيل ( فلو لا هذا التخيل ) أي تخيل معنى الألوهية فيه ( ما عبد الحجر ولا غيره ولهذا ) أي ولأن الله أراد أن يبصرهم أنهم إنما يعبدون خيالهم .
( قال : " قُلْ سَمُّوهُمْ "  فلو سموهم لسموهم حجرا أو شجرا أو كوكبا ) فافتضحوا وانتهوا عن الشرك ( ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ) بناء على ما تخيلوا فلزمهم تعدد الآلهة لأنهم ( ما كانوا يقولون الله ولا الإله ) إذ لم يرد الله الواحد المتجلى في صورة الكثرة ( والأعلى ) أي العالم العارف الكاشف بالحق ( ما تخيل ) نفى أي لم يتخيل ( بل قال هذا مجلى إلهى ينبغي تعظيمه فلا يقتصر ) أي على ذلك المتعين بل يرى كل شيء مجلى له ، فيرى تعدد المجالى من تجليه الأسمائى وأحدية المتجلى من تجلى وجهه فيها أي ذاته ( فالأدنى صاحب التخيل يقول : "ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى ) لأنه تخيل في كل واحد منها إلها صغيرا وتخيل ما سمى الله إلها متعينا أكبر ، فلم يعبد إلا ما تخيله من الآلهة المجعولة ( والأعلى العالم يقول : فَإِلهُكُمْ إِله واحِدٌ فَلَه أَسْلِمُوا " حيث ظهر ) أي انقادوا أو سلموا وجوداتكم له بالفناء فيه ( وبشر المخبتين الذين خبت نار طبيعتهم ).
أي المتذللين الخاشعين من الانكسار والتواضع لعظمة الله ، وقوله خبت ليس من الإخبات بل من الخبو لأن العلو والتكبر إنما يكون من الطبيعة النارية كما قال إبليس : " أَنَا خَيْرٌ مِنْه خَلَقْتَنِي من نارٍ "  فإذا خمدت الطبيعة النارية فيهم انكسرت الأنانية الحاجبة لله تعالى ( فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة ) لخبوها إذا لم يعرفوا إلا ما هو الغالب فيهم ، فإذا خبت نار الطبيعة ظهرت الإلهية وغلبته ( وقد أضلوا كثيرا أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب ) ولما غلب عليه التوحيد الذاتي المحمدي.
في قوله رضي الله عنه : « عرفت الأشياء باللَّه حين سئل بم عرفت الله » حمل الآية على صورة حاله .
وفسر إضلال الأصنام أي صور الكثرة لمن نظر فيها بعين التوحيد بالتحير لشهود الواحد المطلق الحقيقي متعددا بحسب الإضافات إلى المظاهر حتى ترى أي الوجه الواحد وجوها مختلفة باختلاف المظاهر التي هي مراياه كما قال المحمدي :
وما الوجه إلا واحد غير أنه .....   إذا أنت أعددت المرايا تعددا
فتحير بين أحديته وكثرته .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر.
فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية) أي، فالأدنى مرتبة من العابدين من تخيل- على البناء للفاعل - في معبوده الألوهية، أي، ما علم يقينا أنه مظهر من مظاهرالحق، بل توهم فيه الألوهية. وأما على البناء للمفعول،
فمعناه: وأدنى مرتبة في مرتبة من مراتب المعبودين من تخيل فيه أنه إله. والأول أنسب لقوله بعده:
قال الشيخ رضي الله عنه : (والأعلى ما تخيل) على النبأ الفاعل. (بل قال: هذا مجلي). (فلو لا هذا التخيل) أي تخيل الألوهية. (ما عبد الحجر ولا غيره) لأنه جماد ظاهر لا حس له ولا حركة، فلو لا أنه تخيل هذا العابد فيه الألوهية، ما عبده أصلا. (ولهذا قال)
أي، الحق لنبيه إلزاما للكفرة وإفحام لهم: ("قل سموهم" فلو سموهم، لسموهم شجرا أو حجرا أو كوكبا. ولو قيل لهم: من عبدتم؟ لقالوا: إلها). أي، ربا من الأرباب المتفرقة، أو إلها من الآلهة المتكثرة.
(ما كانوا يقولون الله ولا الإله). ما كانوا يقولون: نعبد الله الجامع للآلهة والأرباب، ولا نعبد الإله ،أي، المعبود المعين الذي هو معبود الكل.
قال الشيخ رضي الله عنه : (والأعلى ما تخيل، بل قال: وهذا مجلي إلهي ينبغي تعظيمه. فلا يقتصر.) أي، الأعلى من العابدين والأعرف منهم لم يتخيل، كما تخيل الجهال العابد ون بالتوهم.
بل يقول: هذا مجلي إلهي ومظهر من مظاهره، يجب تعظيمه لوجوب تعظيم شعائر الله.
فلا يقتصر أن يعظمه بنفسه ويعبده، بل يأمر غيره أيضا بعبادته وتعظيمه.
أو لا يقتصر الحق في معبوده الذي جعله مجلي إلهيا، بل قال:
إنه مجلى من مجاليه ومظهرا من مظاهره، واجب تعظيمه وعزته. فيجعل هوية الحق متجلية في صور الموجودات المتكثرة.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالأدنى صاحب التخيل يقول: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" والأعلى العالم يقول: "إنما إلهكم إله واحد فله أسلموا". حيث ظهر).
أي، غير العالم من العابدين يقول: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله). ووسائط، نعبدهم ليقربونا عنده تقريبا تاما. والأعلى العالم يقول: (إنما إلهكم إله واحد). وله أسماء ومظاهر مختلفة، فأسلموا له و انقادوه واعبدوه في جميع مظاهره الروحانية والجسمانية، كما قال تعالى: قال الشيخ رضي الله عنه : (فإلهكم إله واحد فله أسلموا، وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.)
("وبشر المخبتين" الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا: إلها، ولم يقولوا: طبيعة).
(خبت) من (الخبو). وخبو النار، خمودها وإطفاؤها.
و (الإخبات)، التواضع وكسر النفس. لما أورد الآية بقوله: (والأعلى العالم يقول: "إنما إلهكم إله واحد".) تممها بقوله : و (بشر المخبتين) وفسر بأنهم هم الذين خبت نار طبيعتهم، أي، بشر الذين أخبتوا أخمدوا نار طبيعتهم بالسلوك والمجاهدة، فإذا خمدت نار طبيعتهم وخبت، تجلت لهم الصفات الإلهية والأنوار الذاتية، فعرفوا الحق وأنواره وآثاره الصادرة من أسمائه وصفاته في العالم بالحق، فقالوا:
إلها. أي، سموه بالاسم الإلهي، وما سموه باسم غيره من الطبيعة، كما يقول المحجوب: إن الطبيعة فعلت كذا وكذا.
والطبيعة وإن كانت مظهرا من المظاهر الكلية، لكنها غير متخلصة عن رق العبودية وسمة الغيرية، فالموحد لا يسند إليها الآثار والأفعال.
قال الشيخ رضي الله عنه : ("وقد أضلوا كثيرا" أي، حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب.) أي، أضل قومه كثيرا من أهل العالم وحيروهم في تعداد الواحد الحقيقي بحسب الوجوه والنسب التي له. فإنهم اتبعوا عقولهم ودرجات عقولهم متفاوتة، فأدرك كل منهم من تلك الوجوه ما يناسب استعداده، ونفى ما أدركه غيره، فوقعوا في الحيرة والضلالة، كما يشاهد اليوم من أحوال أرباب النظر من تخطئة بعضهم بعضا. وكلهم مصيب من وجه ومخطئ من وجه آخر) .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا.
و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «و بشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية، فلو لا هذا التخيل ما عبد الحجر و لا غيره. و لهذا قال: «قل سموهم»، فلو سموهم لسموهم حجارة و شجرا و كوكبا. و لو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله و لا الإله. و الأعلى ما تخيل ، بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر. فالأدنى صاحب التخيل يقول: «ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى» و الأعلى العالم يقول: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» حيث ظهر «وبشر المخبتين» الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا إلها و لم يقولوا طبيعة، «و قد أضلوا كثيرا، أي حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه و النسب.)
قال رضي الله عنه : (فالأدنى من تخيل فيه الألوهية) فعبده لاعتقاد كونه إلها عنده بالحقيقة لا لكونه مظهرا إلها، فإن ذلك من الاعتقاد الأوسط وهو أيضا غالط من حيث تجویز عبادة المظهر، أو جعله قبلة (فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره)؛ لأنه لا يعرف المظهر، وقد بينا غلط من جوز عبادة المظاهر.
قال رضي الله عنه : (وهذا) أي: ولأجل أنه تخيل فيه الألوهية، وأراد الله تعالی بيان فساد هذا التخيل (قال) لنبيه : (" قل سموهم" [الرعد: 33])، أي: اذكروا ما وضع لها واضع اللغة من الألفاظ بإزاء ما فيها من المعاني، وقبل منه ذلك في الإعصار"العصور" كلها لموافقته الواقع (فلو سموهم لسموهم حجرا وشجرا وكوكبا) إذ لم يضع لها الواضع غيرها فدل على أنه ليس فيها شيء من معنى الألوهية.
ولكنهم يعتقدونها فيهم حتى (لو قيل لهم: من عبدتم، لقالوا: إلها) فيقال: قد ناقضتم واضع اللغة بل أنفسكم حيث لم تسموها بالألهة مع أنكم تعتقدون فيها الألوهية فتجعلونها إلها من الآلهة، وما عبدتموها على أنها مظاهر للإله الواحد؛ فلذلك
قال رضي الله عنه : (ما كانوا يقولون: الله) باسم العلم، (ولا الإله) بلام العهد الدال على الواحد المعهود فيما بين الموحدين؛ لأنهم يعلمون أنه ليس المسمى بذلك العلم، ولا ذلك الواحد المعهود فيما بين الموحدين.
(والأعلى) العالم بالله (ما تخيل) فيه الألوهية (بل) غايته إن (قال: هذا مجلي إلهي) كسائر ما في العالم، (يجب تعظيمه) من حيث المظهرية كسائر صور العالم .
(فلا يقتصر) على تعظيمه، كما يفعله عبدته بل إذا رأى منهم تعظیم ذاته ينبغي أن يغار عليه، فیکسر بل غاية تعظيمه أن يعتقد فيه أنه مسبح الله تعالى، وأنه حجاب العزة به احتجب الحق عن أهل الضلال.
فقهرهم بظهور عزته وجلاله (فالأدنى صاحب التخيل يقول: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" [الزمر: 3 ])؛ وذلك لأنهم عندهم آلهة صغار لا يمكن الوصول إلى الإله الأعظم بدون واسطتهم.
وهذا باطل إذ لا دليل على قربهم من الله تعالى مع قصور مظهريتهم، بل هم الأنبياء والأولياء، وكيف يتصور لهم قرب لو ادعوا مشاركته في الألوهية، كما زعم هؤلاء بل ذلك موجب للعداوة والخصومة.
"قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا" [الإسراء: 42]، "ولعلا بعضهم على بعض" [المؤمنون: 91].
قال رضي الله عنه : (والأعلى العالم) بالله (يقول: فإلهكم إله واحد فله أسلموا" [الحج: 34] حيث ظهر) بالانتقال من المظاهر إلى الظاهر، فلا يرون شيئا إلا يرون الله فيه، بل لا يرون في شيء إلا الله.
وسيأتي الكلام عليه عن قريب؛ ولكن لا يعبدون المظاهر، ولا الصور الظاهرة فيها من حيث هي صور، وإن ظهر منها تأثيرات كتأثير صورة الشمس الظاهرة في المرآة، فيما يقابلها من الماء.
والصورة الظاهرة فيه فيما يقابلها من الجدار كاعتقاد الطبائعية تأثيرات الطبائع في الأشياء.
فلذلك قال: ("وبشر المخبتين" [الحج: 34]، الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا) :  نری (إلها ) أي: وجها من وجوهه يؤثر في الأشياء.
(ولم يقولوا: طبيعة) فينسبون الكل إلى الله دون المظاهر بل يجعلونها كالقلم والكاغد لا منة لهما في جوائز السلاطين، بل لا يلتفتون إلى ذلك بالكلية؛ فلذلك حذف لفظة «نری»، كأنهم لا يلتفتون إلى رؤيتهم ولا إلى فنائهم، (وقد أضلوا ‘[نوح:24])، أي: أرواح الماکرین ("كثيرا"[نوح: 24]) من القلوب والنفوس، (أي: حيروهم) مع علمهم بأن الإله واحد، وقد ظهر في هذه المظاهر، فتوهموا أنها المظاهر لا غير، أو أنها المظاهر الكاملة التي تستحق العبادة، أو أنها عين الظاهر من كل وجه حتى وقعوا (في تعداد) الوجود (الواحد) الحق (بالوجوه والنسب) أي: بظهوره في كل مظهر من وجه خاص، وانتسابه إلى كل مظهر بنسبة خاصة، فتوهموا أنه يستحق العبادة فيها فجعلوا كل واحد إلها عن الحيرة المذمومة.
ويمكن أن يقال: ("وقد أضلوا" [نوح: 24] ) . أي: الأصنام المذكورة من حيث هي مظاهر جلالية كثيرا من أهل الحجاب أي: حيروهم الحيرة المذمومة بلسان الحال فأوقعوهم في تعداد الإله الواحد عند ظهوره فيها بالوجوه والنسب فاعتبارهم مظهريتها لما فيها من معرفة الحق المتجلي فيها لم يفدهم فائدة التعريف بل أوقعهم في الضلال والإضلال.
ويمكن أن يقال: "وقد أضلوا" [نوح:24]، أي: المخبتون "كثيرا" [نوح:24]، من العامة أي: حيروهم حين نطقوا بالتوحيد فتوهموا من ذلك إلهية الكل إذ تكلموا في تعداد الوجود الواحد بالوجوه والنسب .
يعني: أنهم أهل البشارة، وإن وقعت منهم هذه العبارة الموهمة عند غلبة التوحيد عليهم فعلی هذا هو ليس من قول نوح المحكي في القرآن، بل هو اقتباس موهم لطيف.
ثم ذكر ما يدل على الحيرة المحمودة بطريق الإشارة مما تدل العبارة على الحيرة المذمومة أخذا بظاهر القرآن وباطنه استيفاء بجميع مفهوماته، فنزل ما هو بطريق الإشارة في حق الكل والذي بطريق العبارة نازل في حق الطغاة فقال: ("ولا تزد الظالمين" [نوح: 28]) .، لم يتعرض للمفهوم الأول، وهو تفسير الظالم بالشرك أو القاطع حق الغير لظهوره، بل فسره بطريق الإشارة بما ورد في نص آخر بطريق التصريح.
وهو قوله تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم؛ لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " [فاطر: 32].
ليكون ما دعا به نوح عليه السلام دعاء شر على الطغاة بعينه دعاء خير للكل؛ لئلا يخلو عن دعاء الخير في ضمن دعاء الشرك لئلا يتوهم كونه من النفوس الشريرة التي لا بدل ما يصدر عنها من الخوارق على صدقها.
فقال: ("المصطفین" [ص: 47]، الذين أورثوا الكتاب) أي: أوتوا أسراره بطريق الوراثة لا الكسب والدراسة صاروا ظالمين لقطعهم على أنفسهم حظوظها من فضول الطعام و المنام والكلام، فصاروا مصطفين بإنباء أسرار الكتب السماوية، (فهم) أي: هذا الظالم المصطفی (أول الثلاثة) المذكورين في الآية المذكورة .
(فقدمه) لمزيد فضله لكونه من أرباب الوصول (على السابق) بالخيرات، وهو المقتصر على الأعمال الصالحة (والمقتصد) وهو السائر في الأقوال والمقامات التي هي الطريقة دعا له نوح عليه السلام بطريق الإشارة ألا يزيده الله (" إلا ضللا" [نوح:24]) فسره بطريق الإشارة بقوله: (إلا حيرة) أراد المحمودة وهي حيرة من كوشف بالأسرار الإلهية التي لا مثال لها في عالم المحسوسات والمعقولات.

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: