الأحد، 30 يونيو 2019

الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة التاسعة عشر الجزء الأول السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

الفقرة التاسعة عشر : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه :"و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، ولا الكافر في كفره، و الشخص واحد."
قال رضي الله عنه :" (وإذا دفنت) يا أيها الإنسان (فيها)، أي في الأرض (فأنت فيها) مظروف (وهي ظرفك)، أي دعائك.
قال تعالى: "منها خلقناكم (وفيها نعيدكم )" [طه: 55]، يعني بالدفن فيها، فإذا عادوا إليها التحقوا بها وعادت أبعاضهم التي خلقت منها إليها، فزال عن تلك الأبعاض قيد المغايرة للأرض.
فعند عودهم إليها لم يبق إلا للأرض وحدها، كما هي قبل أن يخلقوا منها فكأنهم لم يخلقوا منها، وكأنها لم يخلق منها شيء، والأرض كذلك خلقت من الماء، فإذا بدلت الأرض غير الأرض، فكأنها ما خلقت من الماء.
وكأن الماء ما خلق منه شيء، وكذلك الماء مخلوق من الدرة البيضاء والدرة من النور المحمدي، وهو من نور الله فعند ذهاب قيد المغايرة من كل طور من هذه الأطوار يرجع الأمر إلى حقيقة الحق تعالی وتنكشف عن ذاته سبحانه حجب الأغيار الاعتبارية .
كما قال تعالى: "وإليه يرجع الأمر كله" [هود: 11]، "وإليه ترجعون " [البقرة: 245]، "وإليه المصير" [المائدة: 18] "وإليه تقلبون" [العنكبوت: 21].
فيظهر قوله عليه السلام: «لو دليتم بحبل لهبط على الله ». وقوله تعالی :" له ما في السموات وما في الأرض" [البقرة: 255].
(ومنها)، أي من هذه الأرض المذكورة ("نخرجكم تارة أخرى") [طه: 55] .
وهذا الخلق والإعادة والإخراج في كل لمحة مع الأنفاس، ومتی کشفه الله تعالی انكشف، ولا ينكشف إلا بعد الموت الاختياري أو الاضطراري.
وإنما اختلفت هذه الأطوار الثلاثة : طور الخلق وطور الإعادة وطور الإخراج (لاختلاف الوجوه) الإلهية، فكل وجه يعطى حالا غير الآخر.
واختلاف الوجود الاختلاف النسب بين الكون والمكون، واختلاف النسب لاختلاف الاستعداد في الممكن، فالتجلي واحد والممكن يستعد للخلق، فتظهر نسبة بينه وبين مكونه، فيتميز بسبب تلك النسبة وجه خاص للمكون يعطي ذلك الوجه خلق ذلك الممكن.
وكذلك الإعادة والإخراج وقوله : ("ومن الكافرين") متعلق بواجب الحذف صفة مقدمة المفعول ولا تذر على الأرض ، وهو قوله بعد ذلك "ديارا" [نوح: 26] (الساترین) بنفوسهم وأجسامهم حقائق أرواحهم، وبأرواحهم حضرات ربهم الحق سبحانه
(الذين "واستغشوا")، أي طلبوا أن تغشاهم أي تسترهم ("ثيابهم ") وهي صورهم العقلية والحسية والمنسوبة عندهم إليهم وإلى كل شيء و("جعلوا أصابعهم في اذانهم ") [نوح: 7] حتى لا يسمعوا وصف الحق تعالی (طلب) منهم (للستر)، أي ستر الحق عنهم حتى تبقى ذواتهم متنعمة بالوجود خوفا من أن تمحق منها ذرة سطوة الشهود، فإن من جعل إصبعه في أذنيه سمع خرير الكوثر كما ورد في الحديث .
وهو نهر الوجود الكوني، وحالهم هذا كان عين إجباتهم لما دعاهم لأجله (لأنه)، أي نوح عليه السلام (دعاهم) إلى عبادة الله تعالى (ليغفر) الله تعالى (لهم) لا اليكشف لهم.
(و الغفر) هو (الستر) فستر الله تعالى لهم بهم حقائقهم التي قام بها ما سترهم به فكفروا الحق تعالی فأغرقهم في طوفانه حتى رجعوا إليه ("ديارا") أي (أحدا حتى تعم المنفعة) كل واحد منهم بأن يصادف حقيقة نفعه في عين ما هو نافر عنه (كما عمت الدعوة)، لكل واحد منهم (إنك) یا رب "إن تذرهم"، أي (تدعهم وتتركهم) من غير إغراق لهم في عين ما نفروا عنه من نفعهم المحض ("يضلوا عبادك ") [نوح: 27] .
الذين هم دونهم في المرتبة (أي يحيروهم) في معرفتك (فيخرجوهم من) ذل (العبودية) الظاهرة منهم (إلى) عزة (ما فيهم)، أي في عبادك
(من أسرار الربوبية) الباطنة عنهم من حيث قيومية الحق تعالى عليهم (فينظرون أنفسهم) حينئذ (أربابا) كل رب له حضرة خاصة، والرب واحد ولكن كثر وتعدد بكثرة مظاهره الآثارية في حضراته الإلهية (بعدما كانوا عند أنفسهم عبيدا) مختلفين بالأحوال والأوصاف.
(فهم العبيد) باعتبار كل معقول منهم ومحسوس وهم: (الأرباب) باعتبار ما غاب عن ذلك من الأسرار (ولا يلدوا أي ولا ينتجون) بتزاوج عقولهم لنفوسهم (ولا يظهرون) من مواليد الخواطر والأقوال والأعمال .
(إلا فاجرا أي مظهرا) بخلقه (ما ستر) في سريرته (کفار) مبالغة في الكفر وهو الستر (أي ساترا) بصورته من الكمال (ما ظهر) من قبح سريرته (بعد ظهوره) منه.
(فيظهرون)، أي هؤلاء الكفار والفجار ما ستر فيهم من قبح السريرة فيشهدونه (ثم سترونه) بكمال خلقهم عنهم فيسمونه حسنا (بعد ظهوره) لهم قبيحا (فيحار الناظر) فيما يرى .
فإنه يرى کمالا مستورا بقبح سريرة وقبح سريرة مستورا بكمال .
(ولا يعرف قصد الفاجر) الساتر كماله بقبحه (في فجوره) ذلك، فإن كل ذي كمال من عادته کشف كماله لا ستره (ولا يعرف قصد الكافر) الساتر قبحه بکماله ماذا قصده (في كفره).
أي ستر قبحه مع تمكنه من كشفه بلا نقصان فيه عند أمثاله (والشخص) الموصوف بالفجور والكفر (واحد) لا اثنان وهو الذي ينتجونه بتزاوج عقولهم لنفوسهم، ويظهرونه بخواطرهم وأقوالهم وأعمالهم على معنى أنه الذي يعرفونه فيما بينهم، ويعرفون بعضهم بعضا موصوفين بذلك، وهو الشخص الكامل المشاكل لهم، فإن المرء مرآة أخيه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : (فإذا دفنت فيها) بالموت الإرادي (فأنت فيها) مع الحق (وهي ظرفك) فأشار نوح عليه السلام إلى هذا المقام الأعلى .
والي أهله من المؤمنين كما أراد بالمفهوم الأول الكافرين وجاء دفنك في الأرض والإخراج منها بعد الدفن في قوله تعالی : "وفيها" أي في الأرض ("نعيدكم") بالموت الإرادي ليوصلكم إلي ("ومنها نخرجكم تارة أخرى ") حتى تظهروني و ترشدون عبادي إلي .
وإليه أشار بقوله: (لاختلاف الوجوه) فإن الإعادة لها وجه والإخراج له وجه فاختلاف الوجوه اقتضى ذلك ثم رجع إلى آية نوح عليه السلام فقال : (من الكافرين) أي "لا تذر على الأرض من الكافرين" (الذين "واستغشوا ثيابهم") [نوح: 27] . أي الذين ستروا وجوداتهم بوجود الحق.
("جعلوا أصابعهم فى أذانهم ") [نوح: 7] و جعل الأصابع في الآذان في حقهم عبارة عن مباشرة أسباب أفنائهم قواهم الظاهرة حتى لا يسمعوا غير الحق.
كما أن الكفار تصامموا حتى لا يسمعوا الحق وإنما فعلوا ذلك (طلبا للستر) أي لأجل طلبهم الستر من دعوة نوح عليه السلام فالمؤمنون طلبوا ستر وجودهم بوجود الحق في الأرض المعنوية وهي باطن الملك كلها .
كما أن الكافرين طلبوا ستر وجوداتهم بوجود الحق في الأرض الصورية فتجلى الله لهم بالنهارية وإنما طلبوا الستر (لأنه) أي لأن نوحا (دعاهم ليغفر لهم والغفر الستر) ففهموا منه كل واحد منهم على حسب ما يليق بحالهم فطلبوا الستر على حسب فهمهم فدعا عليهم على حسب طلبهم.
(دیارا) أي لا تذر من طالب السن من المؤمنين والكافرين أحد (حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة) المؤمنين والكافرين فإن المنفعة الدعوة الإيصال إلى المدعو إليه.
وهذه المنفعة وإن حصلها الكفار لكن لم تنفع لعدم وقوعه في أوانه .
فلما دعا نوح عليه السلام من الله إهلاك قومه عرض على الله تعالی مسببا دعائه عليهم فقال : ("إنك إن تذرهم" أي تدعهم وتترکهم) على حال بشريتهم على الأرض (يضلوا عبادك أي يجبروهم ويخرجونهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم) بسبب خروجهم من عبوديتهم (أربابا بعد ما كانوا عند نفوسهم عبيدا).
فإذا كان كذلك (فهم العبيد الأرباب "ولا يلدوا" أي ما ينتجون ولا يظهرون "إلا فاجرا" أن مظهرا ما ستر) على البناء للمفعول أي مظهرا ما ستره الحق من الربوبية في مظاهره (كفارا أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره فيظهرون ما ستر) من الربوبية (ثم يسترونه بعد ظهوره) بحسب اقتضاء المقامين من الربوبية والعبودية يعني تكلموا تارة عن وحدة الوجود وآثارها وأحكامها من الربوبية ويظهرون للسامعين أسرار الربوبية فيهم وتارة تكلموا من الكثرة والعبودية.
(فيحار الناظر) السامع لكلامهم (فلا يعرف) الناظر (قصد الفاجر) أي قصد المظهر ما ستر الحق من الربوبية (في فجوره) أتي في إظهاره سر الربوبية (ولا الكافر في كفره) ولا قصد الساتر في ستره .
(والشخص واحد) والحال أن المظهر والسائر وأحد كيف يناقض نفسه فلما دعاهم إلى الله تعالى ليغفر لهم أي ليستر لهم ودنا عليهم بالستر دعا لنفسه ولاتباعه بالستر وهو عين ما دعاهم إليهم .
فنوح عليه السلام ما أراد لغيره شيئا إلا ما يريد لنفسه فكان دعاؤه عليهم الله تعالی لا لمراده نفسه من الانتقام وغيره . ولو كان المراد لنفسه لما دعا لنفسه بمثل ما دعا عليهم.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
"وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم" تارة أخرى" (طه: 55) لاختلاف الوجوه.
"من الكافرين الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم" (نوح: 7) طلبا للستر لأنه دعاهم ليغفر لهم والغفر الستر. "ديارا" (نوح: 26) أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
"إنك إن تذرهم" أي تدعهم و تتركهم "يضلوا عبادك" أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب.
وقوله: إن نوحا دعاهم ليغفر لهم وما دعاهم ليكشف لهم، فكأنه قال إن استعدادهم كان يطلب الكشف، والمغفرة مشتقة من الغفر وهو الستر ومنه اشتق المغفر الذي يستر في الحرب فما احبوا الستر لأنه حجاب فمطلوبهم كان الكشف.
"ولا يلدوا" أي ما ينتجون ولا يظهرون "إلا فاجرا" أي مظهرا ما ستر،
"كفارا" (نوح: 27) أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره، فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره، ولا الكافر في كفره، والشخص واحد.
"رب اغفر لي" أي استرني واستر من أجلى فيجهل مقامی وقدری کما جهل قدرك
في قولك: "وما قدروا الله حق قدره" (الأنعام: 91 " ولوالدي" من کنت نتيجة عنهما وهما العقل والطبيعة.
ثم أخذ يبين معنى قوله : "لا تذر على الأرض من الکافرین دیارآ" (نوح: 29) أحدا يسكن الديار قال: حتى إذا أخذهم إليه كلهم عمت المنفعة بجميعهم كما عمت الدعوة جميعهم.
ثم أخذ يبين معنى قوله تعالى«إنك إن تذرهم» (نوح: 27) وتتركهم ولا تغمرهم بالوحدانية يضلوا عبادك فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية.
وسبب ذلك أن من غمره التوحيد ينسى الفرق الأسمائي، فأما إن تركهم وشركهم دعوا الناس إلى الفرق، فأضلوهم بإخراجهم عن العبودية إلى تحقق أنهم عين الأرباب بل عین الرب .
وذلك هو نظرهم إلى أنفسهم أي يرون حقيقة أنفسهم، فيجدونها ليست غیر معبودهم، فينتقلون إلى الربوبية من العبودية ولذلك ذکر "عبادك" في قوله: "يضلوا عبادك" ولم يقل: يضلوا خلقك.
ثم انتقل إلى معنى قوله: "ولا يلدوا" (نوح: 27)، معناه: ولا يظهرون إلا فاجرا أي مظهرا من قولك فجرت النهر ونحوه، فإن الظهور يلزمه والكفار هو الذي يتكرر منه الكفر وهو الستر . والمراد هنا ستر خاص وهو ستر ما أظهره بفجوره کالانكار بعد الإقرار .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : "فإذا دفنت فيها فأنت فيها ، وهي ظرفك "وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى " لاختلاف الوجوه" .
يعني رضي الله عنه : ظهورهم في ظاهرية أرض المظهر بالفرق من جهة كثراتهم بتعيّناتهم في صور الخلق والفرق في أحدية عين الحق .
قال رضي الله عنه : من الكافرين الساترين الذين " اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ "  و "جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ" ، طلبا للستر ، لأنّه « دعاهم ليغفر لهم » . والغفر :الستر .
" دَيَّاراً " أحدا حتى تعمّ المنفعة ، كما عمّت الدعوة ، " إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ " أي تدعهم وتتركهم " يُضِلُّوا عِبادَكَ " أي يحيّروهم فيخرجوهم من العبوديّة إلى ما فيه من أسرار الربوبيّة ، فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا ، فهم العبيد الأرباب .
قال العبد : عبّاد صور الأسماء في حجابيّات الأشياء من عمرة مواطن الشقاء لو تركوا مع الأهواء فلا يتحرّكون إلَّا إلى الأطراف الحائرة ، ولا يسكنون إلَّا إلى تعمير بقاع يفاع بقاع الحجابية الغامرة ، ولا يعبدون إلَّا الكثرة والتفرقة في صنميات الطواغيت البائرة ، ويدعون أهل الاستعداد من العباد إلى ما هم فيه من المهالك ، ويكونون عليهم أعوان الشيطان في ذلك ، فإذا رأوا داعي الله يدعو إلى التوحيد وتنزيه التحديد.
فلا يدعونهم بل يدعونهم إلى الكثرة التعديد والتفرقة فيضلَّونهم ضلالا بعيدا ويحيّرونهم تحييرا شديدا ، فيهلكون ويهلكون طلبة الحق ، في فيافي حجابية الخلق ، غرقى في بحار الفرق كلّ الغرق ، ويلبسون عليهم وجوه الرجحان والتمييز والفرق ، فصلاحهم وصلاح من بعدهم أن يسترهم في بطون الأرض ، كما استتروا عن استماع نداء العرض .
ويغرقهم في طوفان بحار الكشف والجمع ، فيرأب ما بهم من الفرق والصدع ، والمستعدّون المؤهّلون لإجابة دعائك ، يتفرّغون لإجابة ندائك ، فلا يحارون في الأمر ، ويعبدونك أبد الدهر ، فلا يرون أنفسهم أربابا ، ولا يفتحون في عبادتهم وعبوديّتهم إلى ربوبيّتك أبوابا .
قال رضي الله عنه : " وَلا يَلِدُوا "  أي وما ينتجون ولا يظهرون " إِلَّا فاجِرا " أي مظهرا ما ستر " كَفَّاراً " اي ساترا ما ظهر بعد ظهوره ، فيظهرون ما ستر ، ثمّ يسترونه بعد ظهوره ، فيحار الناظر" ، فلا يعرف  قصد الفاجر في فجوره ، ولا الكافر في كفره والشخص واحد ".
يعني رضي الله عنه : أنّ أولاد الكفّار الساترين بتعيّناتهم الإلهية الواحدة ونتائجهم أي صور أسرارهم التي هي إخراج جمع التوحيد إلى التكثير والتحديد لو عمّرتهم للتعمير أبد الدهور ، وغمرتهم بنور الوجود والظهور .
وغمرت إنّيّاتهم بهويّتك في مواطن النور ، ما زادوا غير الفجور ، وهو شدّة الظهور ، بما يجب ستره من الأمور ، في مواضع إرخاء الستور ، بتظاهر هم بدعوى الربوبيّة المعرضة الكامنة فيهم بالظلم والزور ، وسترهم عن ربوبيّتك الذاتية الحقيقية بعد كمال الظهور ، بأحدية جمع جميع الأمور بالكفور .
والمراد من الخلق هو أن تعرف ولا تنكر ولا تكفر ، بل لتظهر ، فما خلقتهم إلَّا لتعبد لا لتجحد ، وهؤلاء وإن عبدوك فلم يعبدوك إلَّا في أنفسهم وأهوائهم فرقا ، وجحدوك في أحدية جمع لاهوتك في أفكارهم وآرائهم .
وقد تناهوا في طغيانهم بالفجور ، حتى أظهروا النسب العدمية أعيانا وجودية ، وعبدوها أربابا بكلّ عبودية ، وستروا حقيقة أحدية جمعك في أعيان طواغيت صنميّات الظهور ، خلف الحجب الظلمانية والنورانية والكيانية من الستور ، فانهاهم عن هذا التناهي في الطغيان ، ونهاهم عن الفجور والكفر والعصيان .
وتداركهم بنور الكشف وطوفان العيان ، وأدركهم بالغرق ، وخلَّصهم عن درك الفرق ، وأطلع ما غاض في أرض تعيّناتهم من النور ، فهي تفور بالتنّور ، وأنزل عليهم ما فاض من العذاب فاض كالبحر المسجور ، ففتحنا عليهم أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : ( فإذا دفنت فيها فأنت فيها وهي ظرفك ) فأنت فان في باطنيته " وفِيها نُعِيدُكُمْ ومِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى " لاختلاف الوجود ) عند الإعادة فيها بالباطنية .
وهي استهلاك تعيناتهم وكثرة أنياتهم الظاهرة في صورة الخلق بظاهر أرض الفوق ، في أحدية عين الحق ، وعند الإخراج منها بالظاهرية في المظاهر الخلقية ، وصور التعينات المختلفة ( من الكافرين ) أي الساترين وجه الحق بسترات استعداداتهم ( الذين استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم طلبا للستر ) لأنهم فهموا بحكم احتجابهم من الغفر ذلك كما ذكر وهو معنى قوله ( لأنه دعاهم ليغفر لهم والغفر الستر ) .
قوله : ( " دَيَّاراً " أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة ) معناه أنه عليه السلام إنما دعا
المحتجبين بالكثرة الذي هم عباد صور الأسماء عن الوحدة لينقذهم عن مهلكة الشقاء الذي هو اختلاف وجوه الأسماء إلى منجاة السعادة التي هي أحدية وجه الذات ، وعن ظلمانية الجلالية إلى نور جمال الذات.
فلما تحقق أنهم أهل الحجاب الذين لا يعبدون إلا صور الكثرة الأسمائية ، ولا تزيدهم الدعوة إلا زيادة الاحتجاب لقوة الشيطنة ونفاذ حكم الإرادة الإلهية فيهم بالعزة ، دعا ربها الناصر له باسم القهار المنتقم ليستر صور اختلافهم وتعيناتهم الظاهرة في ظاهر أرض الفوق بأحدية اسم الباطن في باطنها .
كما ستروا وجود استعداداتهم واستتروا عن سماع دعائه ، فتعم منفعة أثر الدعوة وهي صلاحهم بالرد عن الكثرة إلى الوحدة والمنع عن التمادي للتفرقة والبعد ، فإن نفاذ الفساد صلاح لهم وصلاح من بقي بعدهم من المؤمنين ، فلا يضلوهم ولا يهلكوهم ويحيروهم كما عمت الدعوة جميعهم.
قال رضي الله عنه : (" إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ " أي تدعهم وتتركهم " يُضِلُّوا عِبادَكَ " أي يحيروهم ، فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية ، فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند نفوسهم عبيدا ، فهم العبيد الأرباب ) أي إن هؤلاء إن تركتهم مع أهوائهم ، تظاهروا بأنياتهم التي هي هوية الأحدية المنصبغة بأنوار مظاهرهم .
فلا يتحركوا إلا إلى الغلو والطغيان ، فيخرجوا عبادك بدعوتهم إلى الأنية الشيطانية من العبودية التي هم عليها إلى ما فيهم من معنى الربوبية مع كونهم عبيدا فيتحيروا ويكونوا شر الناس كما قال عليه الصلاة والسلام « شر الناس من قامت القيامة عليه وهو حى » .
فإن الهادي يدعو إلى طاعة الرحمن ، ليتفانوا عن حياة الهوى وينسلخوا عن رسومهم فيموتوا عن أنياتهم الحاجبة للحق ، فيحيوا بالحياة الحقيقية الأبدية ، والمضل يدعو إلى طاعة الشيطان ، فيمدهم إلى طغيانهم بتقوية أنانيتهم ، فيطلعهم على سر الربوبية .
فهم مع بقاء الهوى وحياة الأنية والأنانية ، أي الأحدية المنصبغة بلون الكثرة وأحكام الإمكان التي هم بها عبيد ، فينظرون أنفسهم أربابا مع كونهم عبيدا ، فيكونون شر الناس عبيدا أربابا عند أنفسهم ، وذلك عين الحيرة والضلال والهلاك ، بخلاف حيرة المحمدي ، فإنها بعد فناء الأنية في الأحدية والموقت الحقيقي والنظر إلى نفسه بأنه لا شيء محض.
(" ولا يَلِدُوا " أي ما ينتجون ولا يظهرون " إِلَّا فاجِراً " أي مظهرا ما ستر "كَفَّاراً " أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره) أي لأنهم فاجرون بإظهار أنانيتهم الشيطانية ودعوى الربوبية ، كفارون بستر الحقيقة الإلهية بأنانياتهم فلا يكون أولادهم إلا على صور أسرارهم .
كما قال عليه الصلاة والسلام « الولد سر أبيه » فلا يلدوا إلا مظهرا لأنانيته بدعوى الربوبية المستورة فيه زورا وكذبا ، ساترا بأنانية الحقيقة الإلهية التي ظهرت بصورته بعد ما ظهرت ، فيكون متلبسا على عباد الله في دعواه.
( فيظهرون ما ستر ثم يسترونه بعد ظهوره ) أي فيظهرون بالدعوى ما ستر من الربوبية المستورة ، ويدعون بأنانيتهم أنهم الرب ، يعنى يدعون أن الأنانية الظاهرة هو الرب المستور فيهم زورا وكذبا.
ثم إنهم على الحقيقة لا يرون الذي يدعون ظهوره بعد ظهورهم في صورهم على الحقيقة ( فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ولا الكافر في كفره والشخص واحد ) أي يحار الناظر الطالب للحق في الإظهار والستر .
ولا يعرف أن الفاجر في إظهار الربوبية بدعواه إياها ساتر لها في سترها هو ذلك المظهر كذبا وزورا والحال أن الشخص المظهر الساتر واحد وهو عين الضلال والتحير .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
يقول الشيخ رضي الله عنه : (فإذا دفنت فيها فأنت فيها وهي ظرفك). أي، فإذا دفنت في الأرض بالموت الإرادي، فأنت في الأرض مع الحضرة الإلهية. كما قال، صلى الله عليه وسلم: (موتوا قبل أن تموتوا).
وبالموت الطبيعي أيضا، إذا كنت ممن عرف المقامات وظهورات هوية الحق. كما قال: (الموت تحفة المؤمن). وتلك الأرض ظرفك و ساترك عن عيون أهل العالم.
(وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى). إشارة إلى قوله تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى).
أي، كما أخرجناكم من عالم الملكوت إلى عالم الملك، كذلك نعيدكم إليه ونخرجكم تارة أخرى ليوم القيامة وابتداء الدورة الأخروية من البقاء بعد الفناء فيه بالوجود الحقاني السرمدي. هذا على الأول من معنيي (الأرض).
وعلى الثاني، أي نعيدكم إلى ملكوت الأرض بالموت الإرادي أو الطبيعي، ومنها نخرجكم تارة أخرى مكتسيا خلع الأعمال الحسنة و ملتبسا بهيئات العلوم الحقيقية التي صارت ملكة في نفوسكم، وذلك (ليقضى الله أمرا كان مفعولا). فيستقر كل من السعداء والأشقياء مكانه.
(لاختلاف الوجوه) أي، يخرج كل واحد منكم من الأرض، تارة أخرى، على صورة تقتضيها هيئاته الغالبة على نفسه حال انتقاله إلى باطن الأرض، لاختلاف الوجوه والهيئات التي بها تستحق النفس صورة من واهب الصور وتستعد لها. ولاختلاف وجوه الحق وأسمائه المقتضية للإحياء والإماتة والإعادة في النشأة الأخروية. ويجوز أن يكون تعليلا لقوله: (يدعو عليهم أن يصيروا في باطنها) .
أي، دعا على أممه كلهم، العامة منهم والخاصة، بدعاء واحد يشملهم ليعطى الحق كلا منهم حقه، لأن الكافرين منهم من عرف الله وستره، ومنهم من أنكره وجحد، فاختلف وجوههم.
ولما كان الأمر كذلك، دعا عليهم بدعاء واحد يستر الخواص منهم، كما ستروا الحق عن أعين الأغيار، جزاء لهم، ويستر العوام المنكرين بالإفناء في وجوده وصفاته، ليتيقنوا الإلهية ويقروا بوحدانيته.
يقول الشيخ رضي الله عنه : ("من الكافرين" الذين "استغشوا ثيابهم".) أي، لا تذر على الأرض من الكافرين الذين ستروا بوجوداتهم وجود الحق و بصفاتهم صفاته وبافعالهم أفعاله. (وجعلوا أصابعهم في آذانهم) وما قبلوا كلام الأنبياء ودعوتهم.
(طلبا للستر) أي، لأجل طلبهم منه ستر وجوداتهم وإفناء ذواتهم في وجوده وذاته، لتبقوا بالبقاء الأبدي. (لأنه "دعاهم ليغفر لهم" والغفر، الستر). تعليل لقوله: (طلبا للستر.)
(ديارا) أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة). تتمة من الآية. أي، لا تذر أحدا في دياره، ودياره أنانيته ووجوده وما يصير به هو هو، حتى تعم المنفعة على أنواع الكافرين والساترين وجه الحق ووجوده بوجوههم، ووجودهم ليكون لكل منهم نصيب، ولا يحرم أحد منها، كما عمت الدعوة عليهم.
يقول الشيخ رضي الله عنه : ("إنك" إن"تذرهم" أي، تدعهم وتتركهم "يضلوا عبادك" أي، يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية).
أي، إن تذرهم على حالهم يضلوا عبادك ويحيروهم فيك وفي ظهوراتك، فيخرجهم من مقام عبوديتهم بإظهار أسرار الربوبية لهم، كما ظهر لنفوسهم، فيظهرون بالأنانية و يتفرعنوا بظهورهم بأنفسهم.
(فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند نفوسهم عبيدا) فيدعون الألوهية، ويظهرون بالربوبية لغلبة مقام الوحدة عليهم وهم عبيد بالنسبة إلى تعيناتهم. ولا يجوز للعبد دعوى الربوبية مطلقا، لذلك يظهر شرف نبينا، صلى الله عليه وسلم.
بقوله: (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله). وقال عيسى: (إني عبد الله آتاني الكتاب والحكم والنبوة).
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا تدعني إلا بـ " يا عبدها "، فأنه أشرف أسمائي).
(فهم العبيد الأرباب) أي، فهم حينئذ عبيد من حيث تعينهم وتقيدهم للحق المطلق، وأرباب لما تحت حيطتهم وأحكامهم، فهم العبيد والأرباب بالاعتبارين.
("ولا يلدوا" أي، وما ينتجون ولا يظهرون "إلا فاجرا" أي، مظهرا ما ستر).
(مظهر) اسم فاعل من (الإظهار). (ستر) على البناء للمفعول. أي، مظهرا ما ستره الحق من أسرار ربوبيته في مظاهره.
("كفارا" أي، ساترا ما ظهر بعد ظهوره) كما يعلمون اليوم في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).
فإنه صريح في أن ما في الوجود غيره، و يأولونه على مبلغهم من العلم بحسب عقولهم، كتأويلهم قوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم). وأمثال ذلك.
(فيظهرون ما ستر) من الأسرار الإلهية. (ثم يسترونه بعد ظهوره). مرة أخرى. إما خوفا من الجهلاء، أو غيرة على الله.
(فيحار الناظر ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره ولا الكافر في كفره). أي، يحار الناظر في كلامهم، ولا يعرف مقصود المظهرين في إظهارهم ولا مطلوب الساترين في سترهم، كما يصدر اليوم من العرفاء.
وذلك الإظهار إنما يحصل من غلبة الوحدة عليهم، والستر لا يكون إلا عند رجوعهم إلى أنفسهم وغلبة الكثرة عليهم. ولا بد أن يكون الأمر كذلك إلى أن يظهر خاتم الأولياء وينكشف الأمر على الكل.
(والشخص واحد) أي، والحال أن الفاجر المظهر هو الذي يستر ما أظهره ويكفر نفسه في زمان آخر. كما هو مشهور عن أبى يزيد في قوله: "لا إله إلا أنا"، و"سبحاني ما أعظم شأني " فكيف إذا كان المظهر غيره قد كما أفتى الجنيد بقتل الحلاج، رضى الله عنهما. ويحار الناظر، إذ لو كان المظهر غير الساتر، ربما كان لم يقع الناظر في الحيرة.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (و إذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة.
«إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، و لا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
قال رضي الله عنه : (وإذا دفنت فيها فأنت فيها و هي ظرفك: «و فيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» لاختلاف الوجوه. «من الكافرين» الذين «استغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم» طلبا للستر لأنه «دعاهم ليغفر لهم» والغفر الستر. «ديارا» أحدا حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة. «إنك إن تذرهم» أي تدعهم وتتركهم «يضلوا عبادك» أي يحيروهم فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب. «و لا يلدوا» أي ما ينتجون و لا يظهرون «إلا فاجرا» أي مظهرا ما ستر، «كفارا» أي ساترا ما ظهر بعد ظهوره. فيظهرون ما ستر)
قال رضي الله عنه : ثم أشار إلى ترتيب التجليات ليتضح أن هذا آخر المقامات فقال: (فإذا دفنت فيها) أي: في الأرض يعني: علقت روحك بهذا الجسد الترابي (فأنت فيها) لا ترى الحق أصلا كيف، (وهي ظرفك) فتكون حجبها الظلمانية محيطة بك، وليس معك عقل بالفعل فتدرك به الحق مع الحجاب النوراني فهذا مقام الفرق الأول، وهو رؤية الخلق بلا حق،(" وفيها نعيدكم" [طه: 55]).
إلى الجمع الذي كنتم فيه حال الفطرة الروحانية،("ومنها نخرجكم"  [طه:55]).  
إلى الفرق بعد الجمع ("تارة أخرى" [طه:55])لأنه نسبة من وجه الفرق الأول، وليس هذا من القرآن بل هو اقتباس لطيف موهم، وكل ذلك (لاختلاف الوجوه).
أي: وجوه التجليات الفرق الأول، ثم الجمع.
ثم الفرق الثاني ربما ألا يذر على الأرض ("من الكافرين" [الشعراء: 19]).
أي: السائرين للخلق بنفيهم إياهم بالكلية في مقام الجمع.
ولذلك بينهم بقوله: (الذين "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم "[نوح: 7] طلبا للستر) عن المبصرات والمسموعات، بل عن عالم الخلق إجابة لدعوة نوح عليه السلام .
قال رضي الله عنه : (لأنه دعاهم ليغفر لهم، والغفر) في أصل اللغة: (الستر)، وهذا أيضا بطريق الإشارة فأوجب عليهم أولا أن يطلبوا الستر؛ ليحصلوا في مقام الجمع، ثم دعا أن يحصلوا في مقام الفرق بعد الجمع لترتبه عليه فدعا ألا يذر على الارض منهم ("ديارا" [نوح: 26]).
أي: (أحدا حتى تعم المنفعة) أي: منفعة حصول التلوين للكل (كما عمت الدعوة) إلى جميع وجوه التجليات، وهذا كله بطريق الإشارة، ومفهوم العبارة إنما هو الدعاء على الطغاة بالاستئصال الكلي.
ثم بين تعليل ذلك بطريق الإشارة أيضا في ضمن تعليل دعاء الاستئصال على الطغاة بطريق العبارة بقوله: ("إنك إن تذرهم" [نوح: 27] أي: تدعهم وتتركهم) في مقام الجمع المحض ("يضلوا عبادك" [نوح: 27]، أي: يحيروهم) بعبادتهم الموهمة لإلهية الكل (فيخرجوهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعدما كانوا عند نفوسهم عبيدا)، مع أن انقلاب الحادث قديما، وغير خالق السماوات والأرض خالقا لهما من المحالات الصريحة.
وإذا امتنع الانقلاب، (فهم العبيد الأرباب) عبيد من حيث الحدوث، والتعدد أرباب من حيث ما فيهم من سر الربوبية مع أن الحدوث مناف للقدم، والتعدد مناف للوحدة .
فيتحيرون عند ذلك فدعا أن يزول عنهم ما يوجب هذه الاتهامات الفاسدة المفيدة لحصول مقام الفرق بعد الجمع("ولا يلدوا" [نوح: 27]، أي: ما ينتجون) في اعتقاداتهم عن استغراقهم في مقام الجمع.
قال رضي الله عنه : (ولا يظهرون) في كلماتهم عن ذلك ("إلا فاجرا" [نوح: 27]، أي: مظهرا) على العامة (ما ستر) عنهم من أسرار الربوبية (" كفارا" [نوح: 27] أي: ساترا ما ظهر) من تلك الأسرار منهم .
(بعد ظهوره) في كلماتهم (فيظهرون) أولا على العامة (ما ستر) أي: ما يجب ستره عنهم لقصورهم.
قال رضي الله عنه : (ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر و لا يعرف قصد الفاجر في فجوره ، ولا الكافر في كفره، و الشخص واحد.)
ولذلك قال العارفون: إفشاء سر الربوبية كفر، (ثم يسترونه بعد ظهوره) عليهم بإظهار تأويل لما صدر عنهم من تلك الكلمات . مع أنهم لقصورهم لا يقدرون على التطبيق بينهما. (فيحار الناظر) من العامة إلى كلماتهم، (ولا يعرف قصد الفاجر) المظهر (في فجوره ولا الكافر) أي: الساتر (في كفره) أي: لا يعرف لم يظهره، ثم يستره.
أخذ الفاجر من الفجر، وهو الصبح لما فيه من الإظهار.
والكافر من الكفر وهو الستر بطريق الإشارة.
وكذا معنى الولادة على ما هو دأبه لقصده بيان سائر المفهومات بعد المفهوم اول، ويزيده تحيرا أن (الشخص) المظهر الساتر (واحد) ""أي بالذات وإن تعدد بالاعتبار، وهذا عين الإضلال والتحير"" ، إذ لو كانا اثنين لربما ظن أن في اعتقادهما اختلافا فإذا رآه من شخص واحد يحار في شأنه هل هو مجنون؟ أم له في كل من ذلك قصد؟.
ولما فرغ عن دعاءه طلب الكمال لكمل أمته في ضمن دعاء الاستئصال على الطغاة دعا لنفسه ما هو غاية الكمال فقال("ربي اغفر لي " [نوح:28]). ولما كان المفهوم الأول طلب غفران الذنوب، وهو عليه السلام معصوم فسره بقوله : (أي: استرني) أي: استر ذاتي بحيث تصير باطني، والحق ظاهري.
(واستر من أجلي) كمالاتي بغاية ظهورها فإن الشيء إذا جاوز حده ما ورث ضده (فيجهل مقامي) منك، (وقدري) في كمالاتي.
(كما جهل قدرك) مع غاية ظهورك إذ لا تحقق لشيء بدون إشراق نورك عليه، وفي كل شيء آية تدل عليك , على ما أشرت إليه (في قولك: "وما قدروا الله حق قدره" [الأنعام: 19])أي: ما عرفوه حق معرفته.

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: