الأحد، 30 يونيو 2019

الفقرة العاشرة السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة العاشرة السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

الفقرة العاشرة السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

الفقرة العاشرة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : "ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل."
قال رضي الله عنع : ونوح عليه السلام (دعا قومه) إلى توحيد الله تعالى كما قال ("ليلا ") وهو ما غاب عنهم (من) حيث عالم (عقولهم) الفطرية (وروحانيتهم) الأمرية (فإنها)، أي عقولهم المذكورة وروحانيتهم (غيب) عنهم بحيث لا يشعرون بما تدریه وهو يدعوهم من هذه الحيثية بباطن کلامه (ونهارا دعاهم أيضا) وهو ما حضر عندهم وظهر لهم (من حيث ظاهر صورهم) النفسانية التي يعرفونها.
(وجثثهم) الجسمانية التي يشهدونها وهو يدعوهم من هذه الحيثية بظاهر کلامه (وما جمع) لهم (في الدعوة) بين الظاهر والباطن (بالتشبيه والتنزيه مثل) قوله تعالى ("ليس كمثله شيء")  [الشورى: 11] .
الجامع بين الظاهر وهو المثل المثبت والباطن هو الشيء الذي هو مثل المثل المنفي، والتشبيه بالأول والتنزيه بالثاني.
(فنفرت بواطنهم)، أي بواطن قوم نوح (لهذا الفرقان)، أي التمييز والتفصيل الذي جاءهم به، فإنهم دعاهم إلى التنزيه وحده من حيث عقولهم وإلى التشبيه أيضا وحده من حيث صورهم وأجسامهم.
ولم يجمع لهم بين الشيئين معا كما جمع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، فإن بعض الحق وحده إذا قرر وجدته النفوس نقصانا.
والحق الناقص ليس بحق، وهذا سبب نفور البواطن، فلو ذكر كله جملة أقبلت عليه، لأن عندها بعضه فتستأنس بما عندها فيما ليس عندها (فزادهم فرار) بكثرة دعوته إلى فرقانه و تکرار نفورهم من تفصيله وبيانه .
(ثم قال) نوح عليه السلام (عن نفسه دعاهم)، أي قومه (ليغفر)، أي ليستر الله تعالى (لهم) ما ظهر من التشبيه الذي هو بعض الحق (لا ليكشف) الله تعالى (لهم) ما ستر عنهم من التنزيه الذي هو بقية الحق الذي عندهم (وفهموا)، أي من حيث عقولهم الفطرية وروحانيتهم الأمرية لا من حيث عقولهم الخلقية وروحانيتهم الحيوانية (ذلك).
أي طلب الستر لهم عما كشف لهم من بعض الحق (منه)، أي من نوح عليه السلام (لذلك)، أي لأجل ما ذكر (وجعلوا أضيعه في آذانهم ) [نوح: 7].
حتى لا يسمعوا منه دعوة ترك بعض الحق الذي هم فيه من حيث أن ذلك كفر منهم ( استشواه)، أي طلبوا أن يكون غشاهم أي سترتهم عنه (ثيابهم) التي يلبسونها .
وهذه الأفعال التي صدرت منهم (كلها) هي (صورة الستر التي دعاهم إليها)، أي لأجلها كما قال :"لتغفر لهم".
أي لتسترهم (فأجابوا) هم من حيث ظهور الحقيقة الإلهية بهم وإن كانوا لا يشعرون (دعوته)، التي هي طلب المغفرة من الحق تعالی بهم (بالفعل) كما هو أبلغ إجابة من الحق تعالى لدعاء عبده فسترهم بأصابعهم و بثيابهم (لا بلبيك) التي هي إجابة من الحق تعالى لكل دعاء في العموم.
(ففي) قوله تعالى في دعوة نبينا محمد لأمته: (وليس كمثله، شيء ) [الشورى : 11] على زيادة الكاف، أي ليس مثله شيء أو على أصالتها، أي ليس مثل مثله شيء ومثل مثله (إثبات المثل) مفروضة في الأول ثم منفية وبلا نفي في الثاني
(ونفيه)، أي نفي المثل المفروض أولا والمنفي مثله ثانية، لأن نفي المثل نفي لمثله أيضا، ففي هذه الآية تشبیه وتنزيه معا وهو الكمال في الدعوة إلى التوحيد (ولهذا قال) نبينا (صلى الله عليه وسلم عن نفسه)، فيما ورد عنه في الحديث (أنه أوتي)، أي آتاه الله تعالی
(جوامع الكلم)، أي الكلمات الجوامع فكل كلمة من كلماته صلى الله عليه وسلم جامعة لعلوم كثيرة وأسرار غزيرة وإن حصرت علماء الرسوم جوامع الكلم في أحاديث مخصوصة فهو من القصور.
فإن كل حديث للنبي صلى الله عليه وسلم جامع للمعاني الكثيرة يعرف هذا أهل المعرفة الإلهية من غير ارتياب (فما دعا) نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا) أي غيبة على حدة (ونهارا) أي شهادة على حدة (بل دعاهم) صلى الله عليه وسلم ("ليلا")، أي غيبة والمراد تنزيهة في نهار)، أي شهادة .
والمراد في تشبيه (ونهارا)، أي شهادة وتشبيها (في ليل)، أي في غيب و تنزيه فجاء نبينا صلى الله عليه وسلم بالآيات والأحاديث المشتملة على التنزيه في التشبيه والتشبيه في التنزيه .
يعرف هذا أهل المعرفة الإلهية المتبحرون في الكشف عن معاني الكتاب والسنة دون القاصرين من علماء الرسوم.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (ونوح دعا قومه ليلا) إلى التنزيه (من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها) أي العقول (غيب) لا يكون الدعوة إلى مقام التنزيه إلا بها .
(ونهارا) إلى مقام التشبيه (دعاهم أيضا من حيث صورهم وجثثهم) فإنها ظاهر موجب للتشبيه (وما جمع في الدعوة بينهما مثل "ليس كمثله، شيء" فنفرت بواطنهم) أي عقولهم وقلوبهم .
(بهذا الفرقان) و لخشونة طبعهم المانعة للإجابة (فزادهم فرارا) فظهر الفرق بين المقام المحمدية والنوعية .
لأن دعوة محمد عليه السلام علة تامة مؤثرة موجبة للإجابة وأما دعوة نوح عليه السلام فليست علة تامة مؤثرة بل هي جزء من علة مؤثرة .
لذلك أسند الشيخ عدم إجابتهم ونفرتهم إليها فكان نوح على النصف من الدعوة .
لذلك لم يؤثروكم بين دعوة محمد صلى الله عليه وسلم  ودعوة نوح عليه السلام. فالمقصود بيان تفاوت المراتب فمقام نوح عليه السلام مرتبة من المراتب الإلهية ومر التنزيه يظهر منه الأحكام الإلهية بمقتضى مرتبة من غير نقص منها ولا زيادة عليها .
على أن الزيادة نقص .فعدم الجمع كمال بالنسبة إليه .والجمع نقص بالنسبة إلى مرتبته ومقامه. وهو تفضيل التنزيه إذ لا تفضيل في الجمع .
فلو أتي بالجمع فقد نقص عن مقامه لعدم إتيانه بالتنزيه على وجه التفضيل كما أن محمد عليه السلام لو لم يأت بالجمع لنزل عن درجته .
فمعنى قوله لو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه أي لو كان مرتبة نوح عليه السلام مقام الجمع لأجابوه فزال توهم النقص .
العقول الضعيفة فلو جاء محمد صلى الله عليه وسلم في زمن نوح وغيره من الأنبياء عليه السلام لأجاب قوم هذا الزمان لجمعه بين الدعوتين.
(ثم قال عن نفسه) أي ثم أخبر عن دعوته قومه (أنه دعاهم ليغفر لهم) أي ليستر لهم الحق حقيقة الأمر (لا ليكشف لهم وفهموا ذلك منه) أي قصد نوح عليه السلام من دعوته.
(فذلك) أي لأجل فهمهم معنى الدعوة (جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وهذه كلها صورة السر التي دعاهم إليها) هذا هو المعنى الذي يفهمه الخواص (فاجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك ففي " ليس كمثله شيء" إثبات المثل ونفيه) عند أهل الله تعالى لأن وجود المماثل عندهم اشتراك الغير في وصفه تعالى فكان الكاف حينئذ عندهم على تقدير عدم الزيادة لإثبات المثل في صفة لا لغيره .
وما هذا إلا وهو بعينه مذهب أهل الشرع لذلك أورد الدليل عليه بقوله : (وبهذا) أي بسبب كون إثبات المثل ونفيه في " ليس كمثله شيء". (قال) أي أخبر (عن نفسه) عليه السلام (أنه) أي الرسول (أوتي جوامع الكلم) وهو قوله: "أوتيت جوامع الكلم" يعني ما أنزل الله تعالى علي في حق نفسه أية بل نصف آية إلا وهي جامعة بين التنزيه والتشبيه .
ومن جملتها قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى : 11 . فإذا أوتي جوامع الکلم (فما دعا محمد عليه السلام قومه ليلا ونهارا) أي تفريقا بين الجمع (بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل) . أي دعاهم بالجمع بين الدعوتين.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلملذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية.
و نوح، عليه السلام، دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل "ليس كمثله شيء" فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.
ثم قال عن نفسه إذ دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم، لذلك "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" (نوح: 7) وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي "ليس كمثله شیء" إثبات المثل و نفيه، وبهذا قال عن نفسه، صلى الله عليه وسلم، إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم، قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.
فقال نوح في حكمته لقومه: " يرسل السماء عليكم مدرارا" (نوح: 11) وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، و يمددكم بأمواله أي بما يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه.
فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم وعالم.
وولده وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة، بعيد عن نتائج الفكر. "إلا خسارا"(الإسراء: 82) . "فما ربحت تجارتهم" (البقرة: 16) فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم، وهو في المحمديين
"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" (الحديد: 7) وفي نوح "ألا تتخذوا من دوني وكيلا". آية 2 الإسراء.
قال:  ولذلك أوتي، عليه السلام، جوامع الكلم وكذلك ورثته. وتعني بالحكم ما وافق لفظه معناه من غير خلل.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : « ونوح عليه السّلام دعا قومه ليلا ونهارا من حيث عقولهم وروحانيتهم ، فإنّها غيب ، ودعاهم أيضا ظاهرا صورهم وجثّتهم ، وما جمع في الدعوة مثل « ليس كمثله شيء » فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادتهم فرارا » .
قال العبد الغيب غيبان : حقيقي وإضافي .
والغيب الإضافي عالم الأمر والإبداع ومن الأرواح والعقول والنفوس ، ودعوة نوح من هذه الحيثيّة إلى ما تقتضيه النزاهة والقدس والتوحيد والتجريد وموجبات الانسلاخ عن الكدورات البشرية العنصرية والأوساخ .
فهي ليل من وجه باعتبار أنّ الحجب فيها متراكمة ، وأحكام الإمكان كظلمات مدلهمّة ، وعالم الإبداع والأمر أيضا ليل من وجه آخر من كونه غيبا بالنسبة والإضافة إلينا ، ونهار باعتبار أنّه أوّل مراتب الظهور والشهادة بالنسبة إلى الغيب الحقيقي وعالم المعاني .
ثمّ النهار بالاعتبار الحقيقي هو عالم الظهور التامّ والملك والشهادة ، ودعوتهم نهارا إنّما تكون بلسان عالم الشهادة بحكمه إحكام أحكام المصالح الجسمانية ، والاهتمام بإقامة إلهام الصورية المعيشية . وكانت دعوة نوح أوّلا على الوجه الأوّل ، وثانيا على الوجه الثاني ، ولم تكن بلسان الجمع بين الدعوتين في الحالين ، كما مرّ ، فوقعت منهم الإجابة كالدعوة بالفرق فعلا وقولا في صورة الردّ ، فتذكَّر وتدبّر .
قال سلام الله عليه : " ثمّ قال عن نفسه : إنّه دعاهم ليغفر لهم ، لا ليكشف لهم ، وفهموا ذلك منه عليه السّلام . لذلك " جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ "
قال العبد : أمّة نوح عليه السّلام ومن شاكلهم من عمرة حجابية عالم الملك والشهادة ، وعبدة صنميّات الصور التعيينية والطواغيت الظاهرة كانوا في ستر وحجاب عن ليالي غيبهم وملكوتهم ، وعن كل دعوة تقتضي تغليب طرف الروحانية والقدس والنزاهة والبساطة العقلية والأسرار الروحانية تعين أنوار نهار الكشف ، وشهود جهار التجلَّي من عالم الشهادة والملك ، مقبلين بوجوههم وقلوبهم على مقتضى الحال ومقام التجلَّي الكلَّي العامّ ، المقتضي لبقاء هذا النظام ، من عمارة موطن الدنيا والقيام بصورة المقام .
ولمّا دعاهم نوح عليه السّلام وغيره من الأنبياء عليهم السّلام ليلا يعني بلسان الغيب إلى الغفران والستر ، فهموا عنه ما يجب عليهم من الإجابة ، ولم يفهموا جلية الأمر على وجه الإصابة ، علموا ما يلزمهم من الإقلاع من الهوى ، والاتّباع للهدى .
ولم يعلموا أنّ الدعوة إلى الكشف المعنوي والنهار الحقيقي العقلي والاطَّلاع على حقائق الوحدة والبساطة ، وذلك هو النهار النوري الذي لا يشوبه كدر الظلمة ، لا كنهارهم الحجابي الذي يشينه السدن والظلمات المدلهمّة ، فإنّ النور فيها ممزوج بالظلم ، وجليّات تجلَّيات الوجود والشهود بها في جلباب صورة تمثّلية من نسب لنسب إلى العدم ، وإنّما كانت دعوتهم كذلك إلى التنزيه والوحدة والبساطة لكل الأمم يخطون بسير الكمال الجمعي والإحاطة و " كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه ِ " والمثل يميل إلى شاكلته.
فلمّا كان مقتضى حقائق الأنبياء الظهور بموجب التجلَّي الخاصّ بأهل الكمال من صور أحديّة الجمع الإنساني النبوي في مرتبة الفرقان الروحاني العقلي النوري ، والدعوة إلى النور والوحدة والنزاهة والجمع ، كذلك مقتضى حقائق الكفرة والمردة والفراعنة الظهور في المقابلة بموجب التجلَّي العامّ في عالم الحجاب والكثرة والفرقان والصدع .
فظهروا بصورة الحجاب والستر ، فوقعت الإجابة بالفعل إلى عين ما دعاهم من السّتر والغفران ، ولكن بصورة الردّ والصدّ والنكران ، والكفر والكفران ، فاستغشوا ثيابهم وجعلوا أصابعهم في آذانهم ليستروا عن استماع ندائه ، فلو وقعت الإجابة لدعوته ببواطنهم وعقولهم قولا ، لانقادت ظاهريّاتهم إلى ما استجابت بواطنهم فعلا ، ففازوا
بسرّ من أسرار الجمع ، ولكن غلب عليهم حكم الفرق والصدع ، فلم يفهموا أنّ الدعوة إلى حضرة الكمال والجمع .
قال الشيخ رضي الله عنه : « وهذه كلَّها صورة الستر الذي دعاهم إليه فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبّيك . وفي " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ "  إثبات المثل ونفيه وبهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم عن نفسه : إنّه أوتي جوامع الكلم .
فما دعا محمّد عليه السّلام قومه ليلا ونهارا ، بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل " .
يعني رضي الله عنه : أنّ دعوة من أوتي جوامع الكلم تجمع صيغ كلّ دعوة ، وتشرّع صور أوضاع كلّ شرعة ، يدعوهم جهرا إلى الستر ، وسرّا إلى الجهر في عين سرّ في صورة الجهر ، وجهر في صورة الستر .
وغيبا في الشهادة إلى غيب الأمر إلى التنزيه الحقيقي في عين التشبيه ، وإلى التشبيه في عين التنزيه ، والإثبات في النفي ، والعرف في صورة النكر ، بخلاف دعوة غيره من المرسلين .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : " ونوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب ، ونهارا دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وجئثهم ، وما جمع في الدعوة مثل – " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ " - فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا " ظاهر مما سلف لأنه تقرير له.
قال رضي الله عنه : " ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم ، لذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ، وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها ، فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك " .
لأن الكشف إنما يكون لمن غلبت روحانيته ونورانيته بغلبة نور الوحدة والقوة العقلية على ظلمة الكثرة والقوة الحسية وهم أهل الهيئات الظلمانية المحتاجون إلى سترها بالنور القدسي.
فلذلك فهموا من الستر بمقتضى حالهم الستر الصوري ، فأجابوا دعوته في صورة الرد والإنكار بالستر لغلبة حكم الحجاب عليهم وكونهم أهل علتهم وكونهم أهل المعصية المقبلين على عمارة عالم الملك والاحتجاب .
كما قال تعالى :« إنى جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم » فهم مدبرون بالطبع عما دعاهم إليه مقبلون إلى ضد جهته ، فلا تكون إجابتهم إلا في صورة التضاد إجابة فعلية ( ففي – " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ " - إثبات المثل ونفيه . وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلَّم إنه أوتى جوامع الكلم ، فما دعا محمد عليه الصلاة والسلام قومه ليلا ونهارا بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل ) أي في هذه الآية جمع بين التشبيه والتنزيه فهو كالنتيجة لما سبق التقرير له وبهذا الجمع أخبر عن نفسه أنه أوتى جوامع الكلم أي الأسماء الإلهية ومقتضياتها كلها ، فما دعا إلى الظاهر وأحكامه فقط وإلى الباطن وأحكامه ، بل جمع بين الباطن والظاهر بأحدية الجمع باطنا في الظاهر وظاهرا في الباطن ، أي الكل من حيث أنه واحد متجمل فيهما .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم.
لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك.
ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم.
فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (و نوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم و روحانيتهم، فإنها غيب، ونهارا دعاهم أيضا، من حيث صورتهم وحسهم) وفي بعض النسخ: (وجثثهم) جمع(الجثة). أي، أبدانهم.
ومعناه: تارة دعاهم من حيث عقولهم المعطية للتنزيه إلى مقام التنزيه، وأخرى من حيث صورهم الموجبة للتشبيه إلى مقام التشبيه.
(وما جمع في الدعوة بينهما مثل "ليس كمثله" فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا). معناه ظاهر، وقد مر تقريره أيضا.
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم قال، عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه، صلى الله عليه وسلم، لذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها، فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك). أي، أخبر عن نفسه كما قال: (إني دعوتهم لتغفر لهم). فدعاهم ليغفر لهم الحق، وما دعاهم ليكشف لهم حقيقة الأمر، والمغفرة، الستر والإخفاء.
فلما فهموا مقصوده ،أجابوا دعوته بمثل ما دعاهم به من الستر، فجعلوا أصابعهم في آذانهم، أي، ما قبلوا دعوته بالسمع والإطاعة بالقول.
واستغشوا ثيابهم، أي، طلبوا الاستتار بثياب وجوداتهم وحجب إنياتهم واستتار صفاتهم، لتظهر غيرة الحق فتفنيهم عن وجوداتهم ويستر في ذاته لذواتهم، واستتروا بالثياب المعهودة لقصور فهمهم عما أشار إليه نوح، أو الاستهزاء به مع فهمهم المقصود.
(ففي "ليس كمثله شيء" إثبات المثل ونفيه. وبهذا قال عن نفسه، صلى الله عليه وسلم، أنه أوتى جوامع الكلم). (أنه) بفتح الهمزة، إذ قال عن نفسه.
معناه: أخبر عن نفسه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (فما دعا محمد، صلى الله عليه وسلم، قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار و نهارا في ليل). أي، جمع الله للنبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله: (ليس كمثله شئ) بين الإثبات للمثل وبين نفيه في آية واحدة، بل في نصف آية.
و(بهذا) أي، بسبب هذا الجمع بين التشبيه والتنزيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوتيت جوامع الكلم، أي، جميع الحقائق والمعارف. ولهذا جمع القرآن جميع ما أنزل من المعاني التي في كتب الأنبياء، عليهم السلام.
فدعا، صلى الله عليه وسلم، قومه إلى الظاهر في عين الباطن، وإلى الباطن في عين الظاهر. وهو المراد بقوله: (ليلا في نهار ونهارا في ليل).
أو إلى الوحدة في عين الكثرة، وإلى الكثرة في عين الوحدة. و (ما دعا ليلا ونهارا) أي، إلى الغيب والوحدة وحده، و إلى الشهادة والكثرة وحدها.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا.)
قال رضي الله عنه : (ونوح الی دعا قومه ليلا) أي: إلى الباطن (من حيث عقولهم وروحانيتهم، فإنها غيب) فهي مظاهر الاسم الباطن .
(ونهارا) أي: إلى الظاهر (دعاهم أيضا من حيث) ظاهر (صورهم وحسهم) مظاهر الاسم الظاهر، (وما جمع في الدعوة) بين الظاهر والباطن في لفظ واحد (مثل) جمع (" ليس كمثله شيء" [الشورى:11]، فنفرت بواطنهم) أي: أرواحهم، وإن لم تشعر بذلك نفوسهم وقلوبهم (لهذا الفرقان) بين الظاهر والباطن في اللفظ حيث لم تجد ما كانت مقيمة فيه من الجمعية،
ولم تقدر على الانتقال من التفرقة؛ لغلبة الحجب النفسانية، وجودا بها عليها، (فزادهم فرارا) لما لم يجدوا المعشوق الروحاني الذي كانت أرواحهم مقيمين فيه فصعب عليهم ترك معشوق نفوسهم الأمارة من اللذات السفلية، فزادوا نزولا إلى أسفل سافلين.
قال رضي الله عنه : (ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه)
ثم أشار إلى أنه كان لأرواحهم منفر آخر وراء الفرقان المذكور، فقال: (ثم قال عن نفسه: إنه دعاهم ليغفر لهم) أي: ليستر عنهم المظاهر السفلية التي عشقوها لا من حيث هي مظاهر بل من حيث هي مفيدة لنفوسهم من اللذات السفلية الشاغلة عن اللذات العلوية.
(لا ليكشف لهم) عما فيها من أسرار الظهور الإلهي التي نزلت أرواحهم في أبدانهم؛ لكشفها لكن غفلوا عن جهة المظهرية فجعلوها مقاصد بالذات فأمرهم؛ ليطلبوا الستر عنها ليكشف لهم عن الذات الإلهية، لا في هذه المظاهر لما رآها شاغلة لهم عنها بالكلية، (وفهموا) أي: أرواحهم وإن لم تشعر بها قلوبهم ونفوسهم (منه ذلك صلى الله عليه وسلم ، لذلك " جعلوا أصابعهم في آذانهم  واستغشوا ثيابهم " . فهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل). أي: بفعل الستر لا بالطريق الذي أمرهم به، وهو الرياضة والاشتغال بحيث يسترهم ذلك عن المحسوسات، وهؤلاء اقتصروا على ظاهر الستر في غير الصورة المطلوبة عنادا منهم عند عدم رؤية الجمعية في الظاهر (لا بلبيك)، وهي الإجابة في الصورة المطلوبة بالطريق المأمور به.
فبهذا ظهر الفرق بين الدعوة النوحية الفرقانية، والدعوة المحمدية القرآنية ("ففي ليس كمثله شيء" [الشورى:11])، الذي هو دعوة محمد صلى الله عليه وسلم (إثبات المثل) بدلالة المطابقة، (ونفيه) بدلالة الالتزام، وإثبات المثل دليل الظهور ونفيه دليل البطون فجمع بينهما كما جمع بين التنزيه والتشبيه.
قال رضي الله عنه : (وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (ولهذا قال محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه: إنه أوتي جوامع الكلم) جمع بلفظ واحد بين التنزيه والتشبيه والظهور والبطون، وإذا كان محمد أوتي جوامع الكلم، (فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا) على سبيل التفرقة بين الظاهر والباطن، (بل دعاهم ليلا في نهار) فإن الباطن، إنما عرف بظهوره في الأرواح والعقول، فصار ظاهرا (ونهارا في ليل)، فإن الظاهر إذا تم ظهوره خفي فصار باطنا على أن الظهور في المظاهر موجب؛ لتقيد صوره بتلك المظاهر فهي حاجبه عن حقيقة الذات.
ولما أمرهم نوح عليه السلام التي بطلب الستر عن المحسوسات، وعدهم على ذلك حصول المعارف العقلية والتجليات الإلهية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ونوح دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانيّتهم ) دعوة تنزيه ( فإنّها غيب ) بالنسبة إلى هذه النشأة ( ونهارا ) أيضا ( دعاهم من حيث ظاهر صورهم وحسّهم) دعوة تشبيه ( وما جمع في الدعوة ) بينهما ، وما جعل الأمرين أمرا واحدا ، على ما هو مقتضى كمال الحقيقة الإنسانيّة ( مثل " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " [ 42 / 11 ] ، فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا ) حسبما يقتضيه الفرقان من التفرقة  .
( ثمّ قال ) معتذرا ( عن نفسه : إنّه دعاهم ليغفر لهم ) على ما هو مقتضى أمر قهرمان الوقت ودعاء ألسنة استعدادات أهاليه من الستر ، فإنّه مبدأ ظهور سلطان النبوّة وإظهار ما اتّفق عليه كلمة أعيان تلك الدولة ، يعني وضع الصور وإسبال الستائر ( لا ليكشف لهم ) على ما هو مقتضى أمر الولاية وسلطانها ، فإنّه إنّما يمكن ظهوره بعد ختم السلطنة الأولى .
واعتذر عن قومه أيضا بأنّهم عرفوا لسان دعوته (وفهموا ذلك منه صلَّى الله عليه وسلَّم ، لذلك "جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ" ، وهذه كلَّها صورة الستر التي دعاهم إليها ، فأجابوا دعوته بالفعل ، لا بلبّيك ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ففي " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " [ 42 / 11 ] إثبات المثل ونفيه ) على ما سبق بيانه بحسب المعنى الواحد ، لا على أن يكون الكاف زائدة على أحد التقديرين ، فإنّه يلزم أن يكون دلالته على المعنيين بحسب الوضعين المتغايرين وهو خلاف المقصود ، فإنّ المقصود أنّه جمع بين المتقابلين في معنى واحد ( ولهذا قال عن نفسه عليه السّلام أنّه أوتي جوامع الكلم ) بين المغفرة والكشف ، والإظهار والستر .
( فما دعا محمّد قومه ليلا ونهارا ) أي إخفاء وإظهارا (بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل) " يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ " [ 22 / 61 ] .
وإذ كان أمر نوح دعوته بالاستغفار وقد بيّن الاختلاف والتفاوت بين ما أتى به نوح عليه السّلام وما جاء به محمّد عليه الصلاة والسّلام في أصل التوحيد .
شرع يبيّن وجه سريانه في سائر ما يتفرّع عليه من الحكم ، من جملة ذلك ما أشير إليه بقوله :


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
قال رضي الله عنه : (فلو أن نوحا يأتي بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة، بل في نصف آية. ونوح دعا قومه «ليلا» من حيث عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب.
«ونهارا» دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم، وما جمع في الدعوة مثل «ليس كمثله شيء» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فرارا. ثم قال عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك )
(فلو أن نوحا) عليه السلام (أتي بمثل هذه الآية)، أي بما يماثلها (لفظا) وعبارة في الدلالة على التنزيه والتشبيه معا (أجابوه) كما أجاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم (فإنه)، أي محمد (شبه ونزه)، أي جمع بين التشبيه والتنزيه (في آية واحدة بل في نصف آية)، فلو جمع نوح عليه السلام أيضا كذلك أجابه قومه.
(ونوح عليه السلام دعا قومه ليلا من حيث عقولهم وروحانينهم)، وإنما جعلنا الليل إشارة إلى هذه الحيثية (فإنها)، أي عقولهم و روحانيتهم (غيب) غير مدرك بالحس فيناسب أن يجعل الليل إشارة إليها بغيبوبة الأشياء فيه عن الحس (ونهارا دعاهم أيضا من حيث صورهم وجثثهم) فإنها شهادة فيناسب أن يجعل النهار إشارة إليها. ومعناه : أنه عليه السلام دعاهم تارة من حيث عقولهم وأرواحهم المجردة القدسية المنزهة عن المواد الجسمانية إلى التنزيه ، فإنهم بهذا الاعتبار كان في استعدادهم إدراك التنزيه ذوقا ووجدانا فعاقتهم العوائق.
ودعاهم تارة أخرى من حيث صورهم وموادهم إلى التشبيه لأنهم بهذا الاعتبار کانوا مستعدين لإدراكه ذوفا (وما جمع) نوح عليه السلام بينهما (في الدعوة).
بل أداها بعبارة واحدة ليفهم منها (بالتنزيه) في عين التشبيه (والتشبيه) في عين التنزيه (مثل"ليس كمثله، شيء" فنفرت بواطنهم) عن دعوته (لهذا الفرقان) عنها لأنهم بحسب فطرتهم كانوا في القرآن كما سبق (فزادهم) هذا الفرقان (فرارا) عن قبول دعوته.
ثم قال نوح عليه السلام مخبرا (عن نفسه إنه دعاهم ليغفر لهم لا ليكشف لهم) بالبناء للمفعول أو الفاعل، أي ليغفر لهم الحق سبحانه ويستر عنهم حقيقة الأمر لا ليكشف لهم عنها (وفهموا ذلك)، أي كون الدعوة للستر لا للكشف (منه)، أي من نوح (عليه السلام لذلك) الفهم
قال رضي الله عنه : («جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «ليس كمثله شيء» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه ليلا ونهارا.  بل دعاهم ليلا في نهار ونهارا في ليل.)
أي من نوح (عليه السلام لذلك) الفهم ("جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم") [نوح:7 ] لئلا يصل إلى استماعهم لدعائه إياهم.
وقال بعضهم قدر الله أسرارهم جعلوا أصابعهم، أي صور النعم الجزئية الكونية التفصيلية التي هي فروع للأيادي الكلية الإلهية الجمعية في آذانهم، أي في حال استماع ما دعاهم إليه من تلك الأيادي الكلية فحرموا نسب اشتغال قابليتهم بتلك النعم الجزئية عن الإقبال على قبول هذه الأيادي الكلية.
"استغشوا ثيابهم" استتروا بثياب تعیناتهم وغشاوة إثباتهم فلا يصل إلى أسماعهم الصمايه إياهم إلى المرتبة الجمعية، ولا يظهر على أبصارهم أنوار ظهور جماله في المظاهر الكونية (وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم) نوح عليه السلام (إليها فأجابوا دعوته) إلى الستر (بالفعل لا بلبيك).
وقوله رضي الله عنه : (ففي " ليس كمثله شيء") [الشورى : 11]، كالنتيجة لما قبله و تمهيد لما بعده، أي في هذا الكلام الذي هو نصف اية (إثبات المثل) والتشبيه على تقدير كون الكاف"كمثله" غير زائدة (ونفيه)، أي نفي العلم والتنزيه على تقدير كونها "الكاف فى "كمثله" زائدة أو بناء على أن انتفاء، مثل المثل يستلزم انتفاء المثل .
(ولهذا) النوع من الإيجاز الجامعية في الكلام.
(قال صلى الله عليه وسلم) مخبرا (عن نفسه أنه أوتي جوامع الكلم) حيث قال : "أوتيت جوامع الكلم"، أي الكلمات الجامعة بين المعاني الكثيرة متقابنة كانت أو غير متقابلة (فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه) تارة (لي) إلى التنزيه (و) تارة (نهارا) إلى التشبيه كما دعا نوح قومه كذلك.
(بل دعاهم ليلا في نهار) إلى التنزيه في عين التشبيه (ونهارا في ليل)، أي التشبيه في عين التنزيه .
.
يتبع

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: