السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة الثاني والثلاثون الجزء الثاني .سفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثاني والثلاثون الجزء الثاني .سفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثاني والثلاثون الجزء الثاني .سفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة الثاني والثلاثون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق. 
وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني. )

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم أعني صورته الظاهرة .
وقد علمت نشأة روح أدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق .  وقد علمت نشأة رتبته و هي المجموع الذي به استحق الخلافة . فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.]

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
فقد علمت حكمة نشأة جسد ابن آدم أعني: صورتها الظاهرة، فإن نشأته الصورية من حقائق العالم و صوره، وقد علمت نشأة روح آدم على صورته الباطنة إنما هو على الصورة .
قال الشارح القيصري رحمه الله: إن حكمة نشأة رتبته وهي المجموع لأن صورته الباطنة وحدها كما سيجيء في المتن.

فهو يجمع الصورتين الحق في الخلق: أي حق من حيث الباطن وخلق من حيث الظاهر وقد علمت نشأة رتبته: أي الخلافة وهي كالبرزخ بين الصورتين، وبكونه أنه مجموع استشرف على الطرفين كالبرزخ، ورأى نفسه بهذه المثابة، فرأى في نفسه أحكام النقيضين ذوقا، من حيث أنها ذات خليفة فهي الذات الخلافية لا ذات الخلق و لا ذات الحق .
ومن هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد
يعني: في نفسه ذوقا يشير إلى التحقيق بهذا المقام وبه كملت الصورة الإلهية وفيه شوهدت، فهو حسبه كما هو حسبه، ولهذا المقام أحكام متداخلة، وأسرار غامضة متعانقة .
قال تعالى: "إنّ اللّه على  كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 165]، فعلمنا به أن العقول قاصرة عن إدراك إطلاق هذه الآية :
ليس على الله بمستنكر   ..... أن يجمع العالم في واحد
و أن الله قادر على جميع الأضداد، بل هو جامع الأضداد فجمع الخليقة بأحكامه الظاهرة أحكام المستخلف عليه، و بأحكامه الباطنة أحكام المستخلف.
فجمع بين مقامي الاستفاضة والإفاضة، و التأثير و التأثر، و الفعل و الانفعال، فتمّ أمر الخلافة بهذا العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامع لجميع الحقائق إلا مكانة بالأصالة و الوجوبية الإلهية بالنيابة، و هو المظهر الأكمل القويم و المجلى الأجل الأجمل في أحسن تقويم .
فلهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: ما في الإمكان أبدع من هذا العلم لكمال وجود الحقائق كلها فيه، و هو العبد الذي يسمى خليفة و نائبا .
وهو غياب عزيز جعله الحق موضع أسراره و محل تجلياته، وهو الذي يعطي النزول و الاستواء المعية و الفرح و الضحك، و ما يفهم منه من أدوات التشبيه.

قال تعالى:" وهُو الّذِي فِي السّماءِ إلهٌ وفي الْأرضِ" [ الزخرف: 84] و كان آدم أول خليفة و نائب منه في الأرض .
قال تعالى: "وإذْ قال ربُّك للْملائكةِ إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خليفةً قالوا أتجْعلُ فِيها منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء ونحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك ونقدسُ لك قال إنّي أعْلمُ ما لا تعْلمُون" [ البقرة: 30]
وعلمه ما لم يعلم من علوم التأثيرات التي تكون من الأسماء الإلهية التي تختص بالأرض حيث كانت خلافته فيها، و له الأثر الكامل في جميع الكائنات.
و له المشيئة التامة في جميع الموجودات فإنه إقامة الظاهر بالاسم الظاهر، و إعطاؤه علم الأسماء من حيث ما هي عليه من الخواص و التأثيرات التي تكون عنها الانفعالات، فيتصرف بها في العالم الأعلى و الأسفل .

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": اختلف أصحابنا هل يصح أن يكون منه في الوجود شخصان فصاعدا؟ أو لا يكون إلا شخص واحد انتهى كلامه .
و نقول: قال تعالى: "إنّ اللّه لا يغفِرُ أنْ يشْرك بهِ ويغْفِرُ ما دُون ذلك" [ النساء: 48] فافهم .
قال رضي الله عنه شعرا وحكمة :
وما الناس إلا واحد بعد واحد .... حرام على الأدوار شخصّان يوجد .
قال الشارح القيصري قدّس سره في بيان هذا المتن:
إنما جعل الخلافة بالمجموع لأنه بالنشأة الروحانية أخذ من الله، و بالنشأة الجسمانية بلغ إلى الخلق و بالمجموع يتم دولته انتهى كلامه.
و هذا خلاف اقتضاء المتن السابق بل خلاف تفسيره السابق لأنه قال الشيخ رضي الله عنه: فهو الحق .
و قال الشارح: و هو الحق باعتبار روحه، و الخلق باعتبار جسمه، فكيف يقول أخذ من الله و أثبت أنه عينه؟!
بل الصواب أن يقال: إنه أخذ مستفيض من حيث إنه خلق مفيد مفيض من حيث إنه حق فما جني ثمرة غرسه إلا من شجرة نفسه فافهم  .

فلمّا قرر رضي الله عنه أن آدم هو الخليفة بالاستحقاق يريد أن يبين أن الخليفة على صورة المستخلف، و المستخلف ذات ظهرت منها المرتبة وهي الألوهية لأنها من اقتضاء ذاتي، وظهرت منها صور العالم كله أعلاه وأسفله فلذلك ينبغي أن يكون هذا الخليفة .
فقال: (فآدم و هو الإنسان) المفرد في كل إنسان، و لكن كانت في آدم أتم وأقدم لأنه كان ولا مثل له، ثم بعد ذلك استشاق منه الأمثال.
فخرجت على صورته، كما انتشل هو من العالم، و من الأسماء الإلهية فخرج على صورة العالم و صورة الحقية، فوقع الاشتراك بين الأناسي في أشياء و انفرد كل شخص بأمر يمتاز به عن غيره، و هذا الإنسان المفرد يقابل ذاته الحضرة الإلهية.
وقد خلقه الله تعالى من حيث شكله وأعضائه على جهات ست ظهرت منه، فهو في العالم كالنقطة في المحيط، وهو من الحق كالباطن، ومن العالم كالظاهر، ومن القصد كالأول، ومن النشأة كالآخر فهو أول بالقصد آخر بالنشأة، و ظاهر بالصورة، و باطن بالروح.

كما أنه خلقه تعالى من حيث طبيعته و صورة جسمه من أربع، فله التربيع من طبيعته إذا كان مجموع الأربعة الأركان، و أنشأ جسده ذا أبعاد ثلاثة من طول وعرض وعمق، فأشبه الحضرة الإلهية ذاتا وصفاتا وأفعالا، فافهم .
و لكن جعل الله تعالى هذا الإنسان المفرد خليفة عن الإنسان الكل الأول الأقدم، فالإنسان المفرد ظل الله في خلقه من خلفه فعن ذلك، هو خليفة، و الكمّل هم خلفاء عن مستخلف واحد . قال تعالى: "هُو الّذِي جعلكُمْ خلا ئف في الْأرضِ" [ فاطر: 39] .

قال القيصري رحمه الله تعالى: فآدم في الحقيقة هو النفس الواحدة، و هو العقل الأول و ليس كذلك لأن آدم الذي نحن بصدد بيانه من أول الكتاب إلى هنا آدم، من حيث إنه خليفة لا من حيث أنه إنسان فهو مجموع العالم مع الزيادة و العقل من بعض قواه بل العقل الأول ثم النفس الكل.
وهكذا على الترتيب .  فافهم حتى تعرف رتبة كلام الشيخ رضي الله عنه من بين الذواق .

و أمّا من قال: إنه آدم أبو البشر خالف كلام الشيخ، وهو الشارح الجامي رضي الله عنه حيث قال في نفس الفصوص: إن مرادي من آدم هو النوع الإنساني .
قال الشيخ  في "الفتوحات ": إنه أصل هذا النوع الإنساني، و أن هذه الحقيقة في كل إنسان كامل، و لكن امتاز آدم بالأولية كما سبق ذكره آنفا فافهم .
فإنه ما أراد في النفس (هو النفس الواحدة) من حيث الحقيقة لها أحدية الجمع وبها استحق الخلافة، فإنها من مقام برزخي التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
فإن هذا (النوع الإنساني) من حيث أنه نوع كالعقل الأول، و جرد آدم من حيث أنه خليفة فبثّ منهما أفرادا كثيرة ذكورا و إناثا.
فكما ظهرت من الذات المرتبة، و منها ظهرت صور العالم مؤثرات و متأثرات، كذلك آدم الخليفة ذات و مرتبة، و بث منهما أفرادا كثيرة ذكورا و إناثا و هو قوله: أي ما قلنا: إن الأصل نفس واحدة، و خلق منها كثيرا هو عين ما قاله سبحانه: "يا أيُّها النّاسُ" [ البقرة: 21] .

في هذا الخطاب إشارة لطيفة، و هي أن الناس المخاطبين بهذا الخطاب كلهم بعدوا عن مواطنهم، و نسوا مقتضى ذواتهم لأن النداء دعاء على رأس البعد و بوح بعين العلم و الحجاب لا الكشف، و ذلك أن الإنسان إذا رأى في نفسه هذا الكمال الذي قررناه في المباحث السابقة فخيف عليه أن يزهو على مقتضى النشأة لأنها مقتضى النشأة لأنها مقتضى ذلك بل أنه مشتق من النسيان يخاف أن ينسي عبوديته .

قال تعالى:" كلّا إنّ الِإنسان ليطغى"  [ العلق: 6] . "أنْ رآهُ اسْتغنى"  [ العلق: 7] بل أن الله تعالى خلقه على صورته، و كان في قوة الإنسان من أجل الصورة أن ينسى عبوديته و لذلك وصف الإنسان بالنسيان فقال في آدم فنسي والنسيان نعت إلهي، فما نسي إلا من كونه على الصورة .
"أنْ رآهُ اسْتغنى"  [ العلق: 7] بل أن الله تعالى خلقه على صورته، و كان في قوة الإنسان من أجل الصورة أن ينسى عبوديته و لذلك وصف الإنسان بالنسيان فقال في آدم فنسي و النسيان نعت إلهي، فما نسي إلا من كونه على الصورة . قال الله تعالى: "نسُوا اللّه فنسِيهُمْ" [ التوبة: 67] كما يليق بجلاله.
فلمّا علم الله أن هذا العبد للقوة الإلهية التي معه يبعد عن مقتضى النشأة و لا بد يدّعي في نعوت ما هو حق الله تعالى لأن الدعوى صفة إلهية و العبد مخلوق على الصورة .
قال تعالى: "إنّني أنا اللّهُ لا إله إلّا أنا فاعْبدْني" [ طه: 14] .
فادّعى العبد أنه لا إله إلا هو وهي دعوى صادقة، و من ادّعى دعوى صادقة لم يتوجه عليه حجة و كان له السلطان على كل من ادّعى عليه دعواه.
لأن الشدة، و الغلبة، و القهر، فإنها لا تقاوم فغار من المشاركة وحجر عليه بعض النعوت، وقال: من يتعدى هذه الحدود كالعظمة، والكبرياء، والجبروت فتضمنه .  و قال تعالى: "كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 35] .

عين الغيرة :
"" أضاف المحقق :الغيرة غيرة في الحق لتعدي الحدود.
والغيرة تشعر بثبوت الغير، ومشاهدته، ومن حيثية الغيرة تظهر لفواحش.
والغيرة إنما تظهر عند رؤية المنكر والفواحش، والأغيار الثابتة، فكثرتها إما نسب، وأحوال مختلفة معقولة قائمة بعين واحدة، لا وجود لها إلا في تلك العين.
وإما أثار استعدادات المظاهر في الظاهر فيها، فعلى التقديرين لا وجود في الأغيار مع ثبوت حكمها في العين الظاهرة بها.
فخذ من هذا التقريب من أين ثبوت نشأت الفواحش؟ ولم حرمت؟
والإنسان مأمور بأن يجعل نفسه وقاية للظاهر فيه، و الغيرة محمودة ومذمومة،
فالمحمودة: هي التي اتصف بها الحق، والرسل، وصالحو المؤمنين على أنها مرموزة في الطبع فلا بد منها.
و غيرة تطلق بإزاء كتمان الأسرار :
الأولى غيرة في الحق، وهذه غيرة على الحق، وهذه حالة الأولياء الأصفياء الذي يسعون في ستر أحوالهم ومقامهم على الخلق فلا يتميزون بعادهم وعبادهم عن العامة.
وغيرة الحق صفته على أوليائه وهم الضنائن
وهذه غيرة من الحق، ولهم خلف حجب العوائد الواصلة الدائمة، و عندية الحق معهم تقتضي أن يكون التمييز بين الظاهر، والظاهر أخفى، فهم عنده کهو عندهم، فأخفي العين في العين.""

أما ترى أنه جعله خليفة في الأرض لا في السماء مع وجوده على الصورة ، لأنه ربما يطغى و يقول: أنا ربكم الأعلى و لو طغى ما وقع الإنس و ما خلق إلا للإنس به فبهذه الاعتبارات نزّلهم بمنزلة من خرج عن الحضرة فناداهم .
وقال: يا أيها الناس، ولم يقل: يا أيها المؤمنون أو غيره من الألفاظ، للإشعار بالنشأة منهم و الاعتذار عنهم .
قال رضي الله عنه في كتاب القدس في مناصحة النفس: 
فالقوي منا المتمكن هو الذي يخرق حجاب سره يعني: مرتبة الخلافة الجمعية العامة الكبريائية بينه و بين رب.
أي لا يرى ألوهية نفسه، بل يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فيتعبد فيعرف عبوديته، فحينئذ يكون أقوى العالم و أشده لرفعه ذلك الحجاب الأقوى .
فتكون منزلته أعلى وقوته أعظم، وهناك يتميز ويتحارى مع العالم في الرفعة و الانحطاط، و هناك راتب مبلغ العارفين العالمين .
و أمّا هذا المدرك الذي أومأنا إليه فبعيد أن تسمعه من غير هذه الرسالة على درج هذا التحقيق .
ثم قال رضي الله عنه: و أمّا قبل أن تحرقه فإنه يثمر لك ما أثمر للجبارين .
قال تعالى فيهم: "كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 35] ختم عليه بالشفاء، فإذا خرقت حجاب الجمع العام الكبريائي استودعه فيك منه فنفدت من ورائه إلى عبوديتك، عاينت ألوهية الحق المقدسة، فوجدته و لم تشرك به شيئا .
قال تعالى: "إنّ اللّه لا يغْفِرُ أنْ يشْرك بهِ" [ النساء: 48] و هنا يجوز يهلك فيها عالم  كثير من أهل طريقتنا لعدم ذلك التحقيق، و وقوفهم مع سر الجمعية، فحجبتهم الرئاسة عن استيفاء العبودية، و الخدمة فافهم .

وأشار إلى هذا الأدب معلم الخير صلى الله عليه وسلم حيث قال : "والخير كله بيدك، والشر ليس إليك"  و لو لم يئس نفسه و لو أدخله الجوّاد في الميزان .
و قال: إنه خلقه على صورته، فيوازن بصورته حضرة موجدة ذاتا، و صفة، و فعلا، فلا يلزم من الوزن الاشتراك في حقيقة الموزونين فإن ما يوزن به الذهب المسكوك هو سنجة حديد، إذا وزنت نفسك بهذا الميزان عرفت نفسك و هو ميزان الشريعة و معرفة النفس، وزال عنك ما توهمته في الصورة من أنه ذات و أنت ذات أنك موصوف بالعلم و الحياة، و هو الحي العالم، و لكن أنت فقير محتاج، و هو الله الغني و هو الوجود، و أنت المعدوم المفقود، و كل من ادّعى الربوبية من كلمة فرعون إلى قول الإنسان: لو لا قلت كذا كان كذا، و لو لا همتي كان كذا .
و هذه كلها علل و أمراض من داء سر الألوهية، و كل واحدة من هذه الأصناف يعاقب و يعاتب على قدره، فهذه أدواء  كثيرة و دوائها التقوى .

قال رضي الله عنه: أعظم الفتن التي أفتن الله تعالى بها الإنسان الكامل تعريفه إياه بأنه خلقه على الصورة ليرى هل يقف مع عبوديته؟
و سواء داء مكانه، أو يزهو الأجل مكانه، و مكانة صورته، فإنه تعالى ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط، بل هي شرف وابتلاء، من ظهر يحكم الصورة على الكمال، أن يخرق حجاب سر الجمعية العامة الكبريائية حتى يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فقد حان الشرف بكلتا يديه، فإن الصورة الإلهية الكاملة لا يلحقها ذما بكل وجه .
و هذا هو أول قدم في الشريعة، فإن الشارع أول ما أتى به لا إله إلا الله، فلا يجيبه إلا من خرق سرّ الجمعية العامة الكبريائية منه، و بهذا ينتفي الاشتراك و يتبين أهل لا إله إلا الله على حسب رفع حجابهم، فمن الجماعة من يقولها ابتداءا من غير نظر و هو الإمام، و منهم من يقول معه بعد رؤية الدليل، فهذا جاهل بنفسه فإن لا إله إلا من مدركات العقل بالنور الإلهي توقفه على الدليل دليل على التقليد و فقد ذلك النور، و لكن قد يستعد بإجابته و لو بعد حين .

قال تعالى: "لا يسْتوي مِنْكُمْ منْ أنفق مِنْ قبْلِ الفتْحِ وقاتل أولئك أعْظمُ درجةً مِن الّذِين نأفقُوا مِنْ بعْدُ و قاتلوا وكُلًّا  وعد اللّهُ الحُسْنى واللّهُ بما تعْملون خبيرٌ" [ الحديد: 10] فافهم .
و من نقض هذا المقام الكمالي خرج مع فرعون و النمرود، و كان في حقه مكرا إلهيا، من حيث لا يشعر فلهذا قال صلى الله عليه وسلم : "إنها في الآخرة مندمة" لما يتعين على صاحبها حقوقا، و قد جعلنا رعاة .
فقال صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته" .
فمن جمعت له الصورة بكمالها، وهو يخرق حجاب السر الجمعي كما قلناه آنفا، فلم يسأل فإن الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هذا كله إذا كانت الخلافة بالتجلي، أما إذا كانت الخلافة بالتعريف الإلهي فإن متعلقه السمع وهو خير، وهذا الأمر آخر، ولا كلامنا فيه، فافهم .

ثم نرجع و نقول فلما كان هذا الإمكان إمكان النقص والنسيان في الإنسان فيه أمره بالتقوى .
و قال عزّ و جل: "ومنْ يتّقِ اللّه يجْعلْ لهُ مخْرجاً " [ الطلاق: 2] .
حتى يخرج العبودة مخرج الألوهة علما و كشفا، و تجمع السيادة في عين العبودية، و العبودية في عين السيادة، يكون عبدا ربا خلقا حقا، فظهر بالأصالة بين الطرفين وهما طرفا نقيض، فجمع الضدين، بل يكون عين الضدين على صورة من أنشأه.
فإنه على الصورة، فإنه حينئذ رزقه الله علم الفرقان، ويقف بذاته على القرآن هذا هو استظهار القرآن، وهذا لباس التقوى لباسا يوارى سوءاتكم، وهذا أدب يلبسكم لباس الأدباء .

قال تعالى: " ذلك خيْـرٌ ذلك مِنْ آياتِ اللّهِ لعلّهُمْ يذّكّرون" [ الأعراف: 27] فالمتقي يتولى الله تعليمه، فلا تدخل في علمه شبهة و لا مراءا، و كمال هذا لمن أخا بين الإيمان والعيان، ويعمل بمقتضى الإيمان مع العيان، كما قيل في بيان العارف و تعريفه: إن لا يطغى نور معرفته نور درعه .
ورد في الخبر ما أشار به إلى هذا المقام صلى الله عليه و سلم : "إنما الإيمان بمنزلة القميص يقمصه الرجل مرة و ينزعه مرة أخرى". رواه الحكيم و ابن مردويه عن عتبة بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده رضي الله عنه، فإنه يتقمّص به حين يتعمّل بالإيمان و ينزعه حين الكشف، و ما يجمعهما إلا الأقوياء، فافهم .

قال الشيخ رضي الله عنه: أنا الذي و آخيت بين الإيمان و العيان، و كمال هذا المقام ختم بالختمين .
أما ترى أنه صلى الله عليه و سلم وآله و سلم كان يحكمهم بالشاهدين، وهو عالم بحقيقة الأمر، وأشار إلى هذا بطرف خفي في قوله في حكاية مشهورة وهو : "لولا الإيمان لكان لي ولها أمر"   رواه الطبراني عن ابن عباس .
و ورد في الحديث : " لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه". رواه البخاري و مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع .
قال تعالى: "رّبكُمُ الّذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ" [ النساء: 1] وهى نفس آدم أبو البشر عليه السلام، يخاطب الحق ما تفزع منه .
قال تعالى: "وما أمْرنا إلّا واحِدةٌ" [ القمر: 50] وهى أمره .
و قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ ربكم واحد كما إنّ أباكم واحد".
لما كان حواء عين آدم لأنه عين ضلعه، فما كان إلا أب واحد في صورتين مختلفتين كما هو التجلي في تكرار العدد، فعين حواء عين آدم انفصال اليمين عن الشمال و هو عين زيد .

و قال الله تعالى: "و رفع أبوْيهِ على العرْشِ" [ يوسف: 100] . سمّاها أبي و ليس أبوك إلا من أنت عنه .
و قال رضي الله عنه في الباب العاشر من "الفتوحات" في آدم، ثم فصل عنه أبا ثانيا، فافهم .
قال تعالى: "وخلق مِنْها  زوْجها" [ النساء: 1] وهى حواء .
قال تعالى: "و مِنْ آياتهِ أنْ خلق لكُمْ مِنْ أنْـفُسِكُمْ أز واجاً لتسْكُنوا إليْها" [ الروم: 21] .
و ما أنشأ الله تعالى من كل شيء زوجين إلا ليعرف الله العالم بفضل نشأة الإنسان الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل .
فإن الذي هو الإنسان الكامل ظهر به ازدواج من لا يقبل لذاته الازدواج ما هو بالجعل، فضمن الوجود الإنسان الكامل الظاهر بالصورة، فصار الصورة بالصورة روحين فخلق آدم علي صورته فظهر في الوجود صورتان متماثلتان كصورة الناظر في المرآة ما هي عينه و لا هي غيره و لكن حقيقة الجسم الصقيل أعطى ذلك، فافهم .
فإنه لب المعارف، فلمّا أراد سبحانه إيجاد التناسل و التوالد و النكاح الصوري في دار الدنيا للاستئناس فاستخرج من ضلع آدم عليه السلام من أقصره حواء عليهما السلام، فقصرت بذلك عن درجة الرجل، و للرجال .
قال تعالى: "و للرجالِ عليْهِنّ درجةٌ" [ البقرة: 228] و هي درجة التقدم و الكلية في رتبة الوجود، فما تلحق بهم أبدا .
قال تعالي عزّ و جل: " الرجالُ قوّامُون على النِّساءِ" [ النساء: 35] قيام الكل علي الجزء، وللقيوم درجة   التقدم و الشرف .
أمّا السرّ الذي خلق منها زوجها إلا من خارج، حتى لا يخرج الأمر منه أصلا، و يكون الأمر منه إليه كالأصل و غيره منه عليه حتى لا يستأنس بالغير، و هكذا الأمر في الأصل أنه ما أظهر عينا للغير حتى لا يكون للغير عين، فافهم .
هذا سرّ الحديث المشهور في الغيرة الإلهية أنه قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ سعدا لغيور و أنا أغير منه و الله أغير مني"  فالغيرة صفته كما قال، فافهم .
قال تعالى: "وبثّ مِنْـهُما رجالًا كثيرًاً و نساءً" [ النساء: 1] فلمّا كان آدم نفسا واحدة و حواء خلقت منها فبثّ منهما، و أوجد، و نشر بنكاح صوري رجالا كثيرا و نساء  .
قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ" [ السجدة: 17] .

إنما أخّر النساء لتأخرها في الخلق و في الرتبة، يقال: نسأت الشيء إذا أخرته، ذكره في الصحاح و ذلك لأنها في مرتبة الانفعال، و لها التأخّر عن رتبة الفاعل.
وهكذا الأمر في العالم و إيجاده خلق في نفس واحدة، وهي نفس القلم الأعلى والروح الأعظم الأسنى وهو أول خلق إبداعي نفس النفس الكل وهي أول خلق انبعاثي كانبعاث حواء من آدم عليهما السلام في عالم الأجرام ليكون محلا للولادة المعنوية المحسوسة المشهودة لأهلها.
وكانت مما ألقي إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني الطبيعة و الهباء جميعا، فكانت أول أم ولدت توأمين، كما كانت حواء عليها السلام.
فأول ما ألقت هو الطبيعة أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة، فأنكح الطبيعة الهباء، كما كانت في أولاد آدم وحواء فولدت بينهما صورة الجسم الكل، وهو أول جسم ظهر في الوجود فكان أبوه الطبيعة و الهباء أمه.

وهي الهباء جوهرة مثبتة في جميع الصورة أثاثها، و ما من صورة إلا هي فيها، و إنما قلنا الذكور و الإناث، و أردنا الصورة الفاعلة و المنفعلة لأن الأمر لا يخلو من هاتين القوتين .
فأول الآباء العلوية معلوم: أي القلم الأعلى .
وأول الأمهات السفلية شبيه المعدوم الممكن، فهذا أب ساري الأبوة، و هذه أم سارية الأمومة.
والنكاح و الازدواج سار في كل  شيء والأولاد والنتيجة دائمة أبدا دنيا و آخرة .
فالمولدات أمور مختلفة لا تنحصر أشخاصها الطبيعة و العنصرية أبدا لأن الله تعالى قد وصفها على أمزجة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها، و إنا و إن كنا عن أصل واحد، و لكن جعلنا مختلفين لحكمة لا تخفى على الواقفين .
قال تعالى: "ولا يزالون مُخْتلِفِين" [ هود: 118] و لذلك خلقهم، فمنا الطيب و الخبيث الواسع و الضيق، نظم حضرة الشيخ رضي الله عنه شعر :
فالأصل فرد و الفروع كثيرة ......   فالحقّ أصل و الكيان فروع    .  فافهم .
و هكذا في المعاني في إنتاج العلوم إنما هو بمقدمتين موضوع التالي عين محمول المقدم، فإذا وقع بينهما نكاح معنوي وهو نسبة مخصوصة تعطي صحة النتيجة و حرية الأولاد كتكرار حد الوسط و غيره من شروط الصحة .
لقوله تعالى: "وتلك الْأمثالُ نضْربها للنّاسِ لعلّهُمْ يتفكّرُون" [ الحشر: 21] بل العالم كله بما فيه ضرب للأمثال للذين آمنوا ليعلموا منه أنه هو فجعله عليه، و أمرنا بالنظر فيه كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم، فإن قيل ما من شي ء في الوجود إلا و له استناد إلى الإلهيات، فإن العالم ظل و قوله تعالى: " ألمْ تر إلى ربِّك  كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] .
كما ورد في الخبر : "السلطان ظل الله في أرضه" .

و قال في هذا المعنى رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة في معرفة منزل السرّين: لم سمّي هذا المنزل منزل السرّين؟
و هو سرّ عجيب أن الشيء الواحد تثنية نفسه لا غيره في المحسوس و المعقول، فأمّا في المعقول فآدم ثناه ما فتح من ضلعه القصير من صورة حواء، فكان واحد في عينه فثناه نفسه و صار زوجا، و ليست سوى نفسه التي بها قيل فيه:  إنه واحد .

و أمّا في المعقول فالألوهية ليست غير ذاته، و معقول الألوهية خلاف معقول كونه ذاتا، فثنت الألوهية ذات الحق تعالى و ليست سوى عينها فكانت في الحس من آدم و من ثناه من ذاته رجالا و نساءا على صورة الزوجين .
كذلك بثّ من ذات الحق و كونه إلها للعالم على صورة هذين المعقولين صور كثيرة، أسماء مؤثرة و أسماء متأثرة ذكورا و إناثا.
فالعالم لتوالد أجزائه على صور مؤثر و مؤثر فيه فاعل و منفعل، كما جرى في المحسوس فإن الله تعالى ما خلق من آدم و حواء عليهما السلام أرضا و سماءا، بل ما خلق منهما الأمثال في الصورة و الحكم لأن الأصل واحد و ما ثناه سوى نفسه و لا ظهرت كثرة إلا من عينه الواحدة.
فكان له كل شيء من العالم يدل على أنه واحد فإن الوجود بثّ منه صورا كثيرة، و هي نسب أحكام الأعيان و استعدادات الممكنات في عين الوجود الواحد.
والنسب هي صورة الحقائق الأسمائية الفاعلية التي كثرت من نكاحاتها المعنوية في الحقائق الكونية، و كثرت منها صور النسب الواقعة بلفظ النسب بفتحتين، و هو مشتق من النسبة، فافهم .
و بثّ نسبا مؤثرة و متأثرة ذكورا و إناثا، و هذه هي النسبة الإلهية التي يرفعها يوم القيامة كما ورد في الخبر الصحيح : "اليوم أضع نسبهم وأرفع نسبي" 
و أمّا الإنسان الكامل من حيث طبيعته الحاضرة للمواليد كلها هو بمنزلة الأنثى لزوج معروف غير منكور.
و له ثلاث حالات معه قبول الولد و المخاض و الولادة.
فيعرف في كل نفس ما يلقي إليه فيه ربه و ما يخرج منه إلى ربه و ما فيه مما ألقي فيه من ربه، فإنه مأمور بمراقبة أحواله مع الله تعالى في هذه الثلاث المراتب، فالمحقق العارف يعرف زوجه و يعرف أنه بنكاح لا بسفاح بوليّ و شاهدين مع تلاوة:
"و لمْ يكُنْ لهُ كُفُوًاً أحدٌ" [ الإخلاص: 4] غيره فيعرف ما يلد و من يقتل ولده إذا ولد و من يربيه .
فلهذا السرّ : أي لأجل أنه أنثى لا يكون الكامل الفرد تحت الكامل لأن الفوقية للرجولية، و ليس فيهم رجل .

قال رضي الله عنه من هذا الذوق في بعض أشعاره يناجي فيها ربه :
إنا إناث لما فينا نولده فلنح  ..... مد الله ما في الكون من رجل
فنسمّى هذه الطائفة بالأفراد فافهم .
فإن المعارف الإلهية على هذا النمط و الأسلوب لا نجدها في غير كتب الشيخ رضي الله عنه

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: