السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثانية عشر الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة الثانية عشر : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:

قال المصنف رضي الله عنه :  ( ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس.  وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه.  فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قال المصنف رضي الله عنه : [ ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس و التسبيح .  وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبحت ربها بها و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه ] . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
( ثم لم يقفوا مع التجريح) و هو قولهم: "منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30] . 
لم يكن ينبغي لهم ذلك لأن الله تعالى قال: "و لا يغتبْ بعْضُكُمْ بعْضاً أ يحِب أحدكُمْ أنْ يأكُل لحْم أخِيهِ ميْتاً فكرهْتمُوهُ واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه توّابٌ رحِيمٌ " [ الحجرات: 12] . 
( حتى زادوا في الدعوى) يعني: وقفوا مع التجريح إلى أن زادوا في الدعوى و كل مدع مطالب بالبرهان على صحة دعواه فإن البينة على المدّعي، فاحتاجت إلى البينة و الشهود و الشهود و لا بد له من التزكية، فزّكّت أنفسها بلا شهود وغفلت عن قوله: " فلا تزُّكوا أنْـفُسكُمْ " [ النجم: 32] فمن التزكية و نعت في الدعاوي و التجريح من حيث لا تشعر .
( بما هم عليه من التسبيح و التقديس ) و هو قوله سبحانه: "ونحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك ونقدسُ لك" [ البقرة: 31] . 
مع أنه تعالى أخبر: إن كل شيء يسبح بحمده، و لكن هنا فرق آخر، و هو: إن تسبيح العالم يثبت بشهادة الله تعالى . 
حيث قال: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا يسبِّحُ بحمْدِهِ" [ الإسراء: 44]: أي بحسب علمهم و قدر معرفتهم، فيكون ضمير بحمده راجعا إلى كل  شيء لأنهم قدّروا الله حق قدره، و تسبيحهم بأدعيائهم . 
وإن كان في نفس الأمر يحتمل أن يكون موافق الحق.
و لكن ما نعلم أن اختيارهم بهذا من الاتفاقات الحسنة و من التعريف الإلهي لأن المسبح أثبت على نفسه الحجاب، و لا يكون المسبح في حالة الشهود لأن الشهود فناء، و العالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس، فدلّ أن العالم لا يزال محجوبا، و طلبهم بذلك التسبيح هو المشاهدة.
فخلق الإنسان على صورته و أعطاه دوام المشاهدة، و عرف الملائكة بمرتبته السنية، و أخبرهم: إن لهم بهذه الكرامة .

أما ترى قول الشيخ الأكبر رضي الله عنه في "الفتوحات" أنه قال: 
كل العالم يسبح غير الإنسان الكامل لأن التجلي له دائم، و حكم الشهود له لازم يا ليت شعري!
لو قالت: نسبحك بحمدنا: أي بما نحن عليه كان يخلصهم لأن كل أحد ما يسبح إلا بحمده: أي بقدر علمه و كشفه . 
قال تعالى تنبيها لذلك"و ما قدروا اللّه حقّ قدْرهِ " [ الأنعام: 91] فافهم . 
( و عند آدم الأسماء الإلهية) من حيث التحقق و التخلق، لا من حيث التخلق، و بأنوار هذه الأسماء يظهر مسمياتها خلقا و خلقا مما يتعلق بالذات و الصفات و الأفعال في الإلهيات و مما يتعلق بأجناس الممكنات و أشخاصها جملة تفصيلا، و هذه الأنوار التي كانت لآدم خلقا حين علم جميع الأسماء، و تحقق بها حيث علم كيفية التأثير في الوجود بالأسماء كانت له بالتعليم أو بالوضع الإلهي لا بالتعليم بالاصطلاح المعتاد، و في ذلك تكون الفضيلة و الاختصاص، فقد أحضر الله تعالى أعيان المسميات، فقال تعالى: "فقال أنبئوني بأسْماءِ هؤُلاءِ إنْ كُنْتمْ صادِقين" [ البقرة: 31] .  
من جملة المسمّين أعيان الملائكة عليهم السلام فما عرفوها ذوقا، فإن علوم الأكابر ذوق، و الذوق إنما يكون عن تجلّ إلهيّ لا عن تعريف، و لا لهم هذا التجلي فلا لهم ذوقه .
فقالوا: "لا عِلْم لنا" فعلم آدم الأسماء الإيجادية كلها، و أسند إلى نفسه إيجادهم بالأسماء التي هم مظاهرها، و التي أوجد بها الملائكة المتعرضين، و استندوا إليها، فافهم . 
إن هذا تعليم الأسماء المؤثرة في الكون، و هذا هو التعليم الإلهي الذي وقع في نفس الأمر لا ما يحتمل عقلا، و يمكن و هما كما هو المتبادر لإفهام القاصرين، و الفائدة إنما هي فيما وقع لا فيما يمكن، و هذا هو الفرق بين أهل الكشف مما يقولون، و بين أهل النظر و الفكر مما يتوهمون، فافهم . 
حتى نعلم رتبة الملك عن آدم، فإنه متأثر عن مؤثر، و لآدم رتبة الإيجاد عليها فافهم . 
و هذا حيث ألاح له لوائح القدم يعني: عطاء مرتبة الوجود ، و أخرجه غير حيطة الإمكان، فجعله خلافا للملائكة فافهم . 
في صفائح العدم، و رجع قهقري بالسبك، و الفك إلى البساطة بتحليل التركيب و فناء البناء و الرسم، و ذلك رجوع بالعرفان لا بذهاب العين و الاسم . 
و ما كلّ عين بالجمال  قريرة .....   و ما كلّ من نودي يجيب

إذا ( ما لم تكن الملائكة عليها ): أي على الأسماء الإلهية التي استند إليها المشار إليهم بهؤلاء في إيجادهم و أحكامهم، كأنه تعالى يقول توبيخا لهم و تقريرا: هل سبحتموني بهذه الأسماء، و قدّستموني بها؟
حيث ادعوا نحن نسبح بحمدك، و نقدّس لك . 
( فما سبحت ربها بها ): أي بالأسماء الإيجادية التي بها الإله إله، و بها يؤثر في الكون ( و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه) لأنه سبحه كل إنسان و هو الدليل عليه بكل برهان، و المعلم بكل الأسماء .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و من جملة الأسماء التي توجّهت لإيجاد الملائكة، و بيان ذلك التجلي في الأنوار الطبيعية المختصّة بآدم عليه السلام فهو التجلي الصوري المركب، فيعطي من المعارف بحسب ما ظهر فيه من الصور وهو يعمّ الملك والفلك وغيرها . 
قال رضي الله عنه: ومن هذا التجلي نعرف صلاة كل صورة وتسبيحها، وكل قد علم صلاته وتسبيحه، وهو كشف جليل . 
و من هنا يدرك أن كل  شيء يسبح بحمده تسبيحا ذاتيا و لكن على قدر علمه بنفسه، فينزه من كل ما هو عليه من الحوادث به أعني: الحوادث المختصّة به لا مطلقا . 
و لهذا السرّ يختلف تنزيه الحق و تسبيحه، و أن تسبيح آدم تسبيح عن التسبيح و تقديس عن التقديس كما حمد الله، و سبح نفسه . 
و قال: "ليس  كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] نزه و شبه في تلك الآية . 
أشار إلى هذا المعنى ما ورد في الخبر في تفسير الآية: "و سبِّحْ بحمْدِ ربِّك" [ الطور: 48]:
أي قل: سبحان الله و الحمد لله إنه صلى الله عليه و سلم جعل التسبيح بالحمد بين تنزيه و تشبيه، فافهم هذه الإشارة، فإن هذا هو تسبيحه بحمده نفسه، فتسبيحه إياه تسبيحه . 
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  [ فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده و نتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به و حاوون عليه بالتقييد فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح؟]

قال الشارح رضي الله عنه: 
(فوصف الحق لنا ما جرى) للملائكة من المعارضة (لتقف عنده و تتعلم الأدب مع الله تعالى) . 
ورد في الأثر المأثور :  "السعيد من وعظ بغيره" 
قيل في المثل: إياك أعني و اسمعي يا جارة . 
بل كان هذا الخبر من الله من قبيل حفظ الصحة على آدم و بنيه قبل قيام العلة، فإنه من ألطف حفظ الصحة، و هو أن يحفظ المحل قبل أن يقوم به مرض وعلة لأنه كان في الاستعداد قبول المرض . 
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
و ذكر هذه الحكاية منه تعالى لنا من أتمّ المواعظ، وأعلى المنن والاغتناء لتكون من السعد الذين وعظوا بغيرهم . 
( فلا تدّعي ما نحن متحققون به) مع أن الدعوى له حق، و التحدي به صدق كخاتم النبوّة صلى الله عليه و سلم أنه علم علم الأولين و الآخرين . 
و مع هذا قال : "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". لا يدّعي العلم والكشف مع العلم والكشف . 
و هكذا الولاية المحمّدية فإنه خاتم الولاية، و لا يصرّح القول بدعواه و النص عليه أصلا . 
( و حاوون عليه بالتقييد ): أي فلا ندّعيه و هو مختص بنا، و نحن مشتملون عليه أما ترى أن للإنسان الكامل ظهورا في المرتبة، و مع هذا نصب عينيه حكم ليس لك من الأمر  شيء، بل إذا ظهرت عليه أحوال.
وصدرت منه آثار وأفعال يقول: هي لله تعالى الظاهر بأسمائه، فما لنا و الدعوى فنحن لا شيء في حال كوننا مظاهر له و في غير هذا المحال، فللعبد ترك الدعوى و التبري عنه أولى، و إن كان ترك الدعوى من الدعوى، ولكن التبري من الدعوى بالدعوى أليق و أحرى، وهذا كله لتعلم شؤم الدعوى وراحة تركها.

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 
هذا المقام يسمّى راحة الأبد و القائم فيه مستريح و هذا الذي وفى الربوبية حقها لأن الحكم للمرتبة لا للعين . 
فالزهو و الدعوى من أين؟
كالسلطان المتحكّم في المملكة إنما هي المرتبة لا عين ذلك الإنسان، أما ترى حين عزل ما يؤّوّل إليه حاله، فالناصح نفسه لا ينخدع من نفسه، و يرى أن الحكيم وضع خلافته في الأرض . 
و قال:" إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً" [ البقرة: 30] و لم يقل: في الأرض و السماء مع أنه هكذا، كما أنه في السماء إله، و في الأرض إله حتى لم يزل في مقام الذلة و العبودية في نفسه و لا تحجبه مرتبة الخلافة بالصفات التي أمدّه بها عن رتبة عبوديته، بل منهم من الأدباء الذين يجعلون بينهم و بين نعوت الحق تعالى عند التخلق بأسمائه ما وصف به الملأ الأعلى من تلك الصفة.
فيأخذونها من حيث هي صفة لعبيد من عباد الله مطهّرين، لا من حيث هي صفة للحق أدبا مع الله تعالى حتى لا يكونوا تخلقوا بأخلاق الله تعالى، فهم لا يرجعون من مقام العبودية ولا يجدون طعما للربوبية التي تستحقها هذه الأسماء . 
و هذا الذوق في العارفين عزيز و هو من شيم الأولياء الكرماء الأخفياء الأبرياء، و هذا هو التأسّي بسيد الخلق مع سيادته يقول :  "أنا عبد و أنا بشر مثلكم".
و أيّ أسوة أعظم من هذا التأسّي لمن عقل عن الله تعالى، رحم الله امرؤ عرف قدره و لم يتعدّ طوره، فطوبى لمن كان على صورة تقتضي له المنزلة من العلو و السيادة، و لم يؤثر فيه و لا أخرجته عن عبوديته .
كما قال سيد أرباب الآداب صلى الله عليه و سلم بالأمر الإلهي و التأديب الرباني: " إنما أنا بشرٌ مِثْـلكُمْ" [ الكهف: 110] .
فتلك عصمة و حظ أ وفر، حققنا الله و إياكم بهذا المقام المطلق و الحال المحقق بمنه و فضله الحق . 
( فكيف أن تطلق في الدعوى فتعمّ بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح ): أي عند الله و بين أيدي عباده العالمين بحقائق الأمور، أما ترى الإنسان الكامل و إن وصفه الحق بما وصف به نفسه من جميع الوجوه يعلم أنه لا بد من فارق و ليس إلا افتقاره إليه في الوجود، و  توقف وجوده عليه لإمكانه و غناه . 
فبهذا الاتصاف صحّ له الاتصاف بالأدب و الاقتداء، و لم يفتضح عند كشف الغطاء، و لذلك إن الأكابر منهم لا يتحدثون إلا عن مواجيدهم كل ذلك خوفا من الفضيحة بعد الكشف . 
قال الله تعالى تأديبا لعباده:" فلم تحاجون فِيما ليْس لكُمْ بهِ عِلْمٌ و اللّهُ يعْلمُ و أنْـتمْ لا تعْلمُون[ آل عمران: 66] رفع عنهم رأسا . 
و قال تعالى: "فلا تمارِ فيهِمْ إلّا مِراءً ظاهِرًاً ولا تسْتفْتِ فِيهِمْ مِنْـهُمْ أحداً " [ الكهف: 22] . 
فالناصح نفسه اللبيب الأديب ينبغي أن يقف مع الله، و يترصّد أعلامه تعالى، فإن كان من أرباب التجلي فيترقب التجليات الإلهية بواسطة أو بغير واسطة لأن طرق العلم انحصرت بهذه المراتب حتى لا يفتضح حيث افتضح غيره و يلتحق بالسعداء الذين وعظوا بغيرهم . 

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: