الأربعاء، 3 يوليو 2019

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الثامنة عشر الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

09 - The Wisdom Of Light In The Word Of Joseph  

الفقرة الثامنة عشر : الجزء الأول
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال "2"  وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العنابة . يقول عائشة رضي الله عنها : « أول ما بديء )
___________________________________
1 - المناسبة :
بين هذه الحكمة وبين يوسف عليه السلام هو رؤيته عليه السلام أبويه وإخوته في الرؤيا على صورة الشمس والقمر والكواكب وهي أجسام نيرة والخيال نور فكان الجامع النورية .
فيقول الشيخ رضي الله عنه : اعلم وفقك الله أنه لولا النور ما أدرك البصر شيئا ، فجعل الله الخيال نورا يدرك به تصوير كل شيء أي أمر كان ، فنوره ينفذ في العدم المحض فیصوره وجودا .
فالخيال أحق باسم النور من جميع المخلوقات الموصوفة بالنورية، فنوره لا يشبه الأنوار، و به تدرك التجليات، وهو نور عين الخيال لا نور عين الحس .
والخيال لا يكون فاسدا قط ، فمن قال بفساده فإنه لا يعرف إدراك النور الخيالي ، فإن هذا القائل يخطئ الحس في بعض مدركاته وإدراكه صحيح والحكم لغيره لا إليه.
فالحاكم أخطأ لا الحس ، كذلك الخيال أدرك بنوره ما أدرك وما له حكم ، وإنما الحكم لغيره وهو العقل فلا ينسب إليه فلا ينسب إليه الخطأ ، فما ثم خیال فاسد قط بل هو صحيح كله ، فالخيال كله حق ما فيه شيء من الباطل.
ولما كان هذا الفص فيه ما يتعلق بتأويل بعض ما يرى في الخيال و كان يوسف عليه السلام قد خصه الله بالعلوم المتعلقة بصور التمثل والخيال فكانت المناسبة بين يوسف عليه السلام وبين الكلام على حضرة الخيال المقصودة بهذا الفص .
الفتوحات ج 1 /  306 - ج 2 / 103 ، 133 .

2 - حضرة الخيال
حضرة الإمكان في البرزخ بين الوجود والعدم ، وللمم?نات فيه أعيان ثابتة من الوجه الذي ينظر إليها الوجود المطلق ( أي الحق سبحانه ) .
ومن هذا الوجه ينطلق عليها اسم الشيء الذي إذا أراد الحق إيجاده قال له « ?ن فی?ون » وليس

ص 128

قال الشيخ رضي الله عنه : ( به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة . فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت منل على الصبح » نقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير .
وكانت المده له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك ، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : « إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا »، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبل ، وإن اختلفت الأحوال . فمضى قولها ستة أشهر ، بل عمره كله في الدنيا بملك المثابة : إنما هو منام في منام .
وكل ما ورد من هذا القبيل فهو المسمى عالم الخيال ولهذا يعتبر ، أي الأمر الذي هو في نفسه على صورة كذا ظهر في صورة غيرها ، فيجور العابر من هذه الصوره التي أبصرها النائم إلى سورة ما هو الأمر عليه إن أصاب كظهور العلم في صورة اللبن . فعبر في التأويل من صورة اللبن إلى سورة العلم فأول أي قال : مال هذه الصورة اللبنية إلى صورة العلم . ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه أخذ عن المحسوسات المعتادة فسجي وغاب عن الحاضرين عنده : فإذا سري عنه رد .
فما ادر?ه إلا في حضرة الخيال ، إلا أنه لا يسمى نائما . وكذلك إذا تمثل له الملك رجلا فذلك من حضرة الخيال ، فإنه ليس برجل وإنما هو ملك ، فدخل في صورة إنسان .)
____________________________________
له أعيان موجودة من الوجه الذي ينظر إليه من العدم المطلق (أي المستحيل ) ولهذا يقال له « ?ن » وكن حرف وجودي ، فإنه لو أنه كائن ما قيل له ?ن، وهذه الممكنات في هذا البرزخ بما هي عليه وما تكون إذا كانت مما تتصف به من الأحوال والصفات والأعراض والأكوان .
ومن هذا البرزخ وجود الممكنات ، وبها يتعلق رؤية الحق للأشياء قبل كونها ، ويقال له الوجود الخيالي .
يقول له الحق كن في الوجود العيني ويكون هذا السامع هذا الأمر الإلهي وجودا عينيا يدركه الحس ، أي يتعلق به في الوجود المحسوس الحس ?ا تعلق به الخيال في الوجود الخيالي .
فإذا انتقلنا من برزخ البرازخ وهو حضرة الإمكان من حيث أن الصور بما هي صور هي المتخيلات ، والعماء الظاهرة فيه هو الخيال المطلق ، وأنها حضرة علمية معقولة ، إذا انتقلنا إلى الوجود الحادث قلنا :
إن العالم عالمان ، والحضرة حضرتان .
وإن كان قد تولد بينهما حضرة ثالثة من مجموعهما ، فالحضرة الواحدة حضرة الغيب ، ولها عالم يقال له عالم الغيب أو عالم الملكوت وهو عالم المعاني والغيب

ص 129

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعبره الناظر العارف حتى وصل إلى صورته الحقيقية ، وقال هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .
وقد قال لهم ردوا على الرجل فسماه بالرجل من أجل الصوره التي ظهر لهم فيها . نم قال هذا جبريل فاعتبر الصورة التي مال هذا الرجل المتخيل إليها . فهو سادق في المقالتين : صدق للعين في العين الحسية ، وصدق في أن هذا جبريل . فإنه جبريل بلا شك . وقال يوسف عليه السلام : « إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين » : برای إخوته في سورة الكواكب ورأى أباه وخالته في سورة الشمس والقمر .
هذا من جهة بوسف ولو كان من جهة المرئي لكان ظهور إخوته في صوره الكواكب وظهور أبيه وخالته في سورة الشمس والقمر مرادا لهم . فلما لم يكن لهم علم بما رآه بوسف كان الإدراك من يوسف في خزانة خياله . وعليم ذلك يعقوب حين قصها علبه فقال : « يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا » تم برا أبناءه عن ذلك الكبد وألحقه بالشيطان ، وليس إلا عين الكبد . فقال : « إن الشيطان للإنسان عدو مبين » أي ظاهر العداوة .
ثم قال بوسف بعد ذلك في آخر الأمر : « هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا » أي أظهرها في الحس بعدما كانت في صورة الخيال "3" .
فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم  : « الناس نيام . فكان قول يوسف : « قد جعلها ربي حقا » بمنزلة من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤيا رآها تم عبرها . ولم يعلم أنه في النوم عينه ما برح ؛ وإذا استيقظ يقول رأيت كذا)
________________________________________
وهو عالم العقل .
والحضرة الثانية حضرة الحس والشهادة ويقال لعالمها عالم الملك أو عالم الشهادة والحرف وهو عالم الحس والظهور
 ، ومدرك هذا العالم بالبصر ومدرك عالم الغيب بالبصيرة .
والمتولد من اجتماعهما حضرة وعالم ، فالحضرة الخيال أو البرزخ ، والعالم عالم الخيال ويسميه بعض أهل الطريق عالم الجبروت ، وهو الذي بين عالم الملك وعالم الملكوت ، وهكذا هو عندي.
وحضرة الخيال أوسع الحضرات جودا لأنها تجمع العالمين فهي مجمع البحرین، بحر المعاني وبحر المحسوسات.
وحضرة الخيال التي عبرنا عنه بمجمع البحرین ، هو يجسد المعاني ويلطف المحسوس ويقلب في عين الناظر عين كل معلوم فيجمع عالم الغيب وعالم الشهادة .
الفتوحات ج 1 / 395 - ج 2 / 129 ، 311 -  ج 3 / 42 ،46 ، 361 - ج 4 / 211.

٣ - نفس الشرح   فتوحات ج 3 / ص 373 .

ص 130

كذا ورأيت ?انی استيقظت وأولتها بكذا . هذا مثل ذلك، فانظر كم بين إدراك محمد ا وبين إدراك يوسف عليه السلام في آخر أمره حين قال : « هذا تأويل رویای من قبل قد جعلها ربي حقا » . معناه حسا أي محسوسا ، وما كان إلا محسوسة ، وإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات ، غير ذلك ليس له . فانظر ما أشرف علم ورثه محمد صلى الله عليه وسلم "4" . وسأبسط من القول في هذه الحضرة بلسان يوسف المحمدي ما تقف عليه إن شاء الله فنقول : اعلم أن المقول عليه « سوى الحق » أو مسمى العالم هو بالنسبة
______________________________
4 - مقام الأنبياء وأذواقهم عليهم السلام  
يستحيل صدور ما جاء في هذه الفقرة عن الشيخ رضي الله عنه ، لأن ذلك يخالف تماما الأصول والقواعد التي أصلها في كتبه حيث يقول :
لا ذوق لأحد في ذوق الرسل ، لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل ، وأذواق الأنبياء مخصوصة بالأنبياء ، وأذواق الأولياء مخصوصة بالأولياء ، فبعض الرسل عنده الأذواق الثلاثة لأنه ولي ونبي ورسول .
"" تعقيب الجامع : الشيخ لم يقل شيئا خارج القول والعلم والذوق المحمدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" . ومن هذه العبارة "خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله" تفهم الشيخ افضل باننا ناخذ من بحر رسالة وذوق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأخذوا هم منه لأنه أتى بعدهم ونحن ورثته "".
حضرت في مجلس فيه جماعة من العارفين ، فسأل بعضهم بعضا :
من أي مقام سأل موسى الرؤية ؟
فقال له الآخر : من مقام الشوق ،
فقلت له : لا تفعل أصل الطريق أنها نهايات الأولياء بدايات الأنبياء ، فلا ذوق للولي في حال من أحوال أنبياء الشرائع، فلا ذوق لهم فيه .
ومن أصولنا أنا لا تتكلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبياء شريعة ، فبأي شيء تعرف من أي مقام سأل موسى الرؤية ربه ؟
نعم لو سألها ولي أمكنك الجواب ، فإن في الإمكان أن يكون لك ذلك الذوق ، وقد علمنا من باب الذوق أن ذوق مقام الرسل لغير الرسل ممنوع ، فالتحق وجوده بالمحال العقلي
ويقول : لا ذوق لنا في مقامات الرسل عليهم السلام ، وإنما أذواقنا في الوراثة خاصة ، فلا يتكلم في الرسل إلا رسول ، ولا في الأنبياء إلا نبي أو رسول ، ولا في الوارثين إلا رسول أو نبي أو ولي أو من هو منهم ، هذا هو الأدب الإلهي .
ويقول فيما يستفيده التابع في عروجه الروحي من يوسف عليه السلام :
التابع يتلقى من يوسف عليه السلام ما خصه الله به من العلوم المتعلقة بصور التمثل والخيال.

ص 131

قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلى الحق كالظل للشخص ، وهو ظل الله "5" ، وهو عين نسبة الوجود إلى العالم لأن الظل موجود بلا سك في الحس .
ولكن إذا كان بم من يظهر فيه ذلك الظل : حتى لو قدرت عدم من يظهر فيه ذلك الفلل : كان الظل معقولا غير موجود في الحس ، بل تكون بالقوة في ذات الشخص المنسوب إليه الظل . فمحل ظهور هذا الظل الإلهي المسمى بالعالم إنما هو أعيان الممكنات : عليها امداد هذا الظل ، فتدرك من هذا الظل بحسب ما امتد علبة من وجود هذه الذات . ولكن باسمه النور رفع الإدراك وامتد هذا الخلل على أعيان الممكنات في صورة الغيب المجهول ألا يرى الظلال نضرب إلى السواد سير إلى ما فيها من الحفاء لبعد المناسبة بينها وبين أشخاص من هي ظل له ؟.
وإن كان الشخص ابيض فظله بهذه المثابة .
الا ترى الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر تظهر سوداء وقد تكون في أعيانها على غير ما يدركها الحس من اللونية ، وليس ثم علة إلا البعد ؟.. و كزرقة السماء . فهذا ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام غير النيرة .)
______________________
وعرفه بموازينها ومقاديرها و نسبها ونسبها ، وما زال يعلمه تجسد المعاني في النسب في صورة الحس والمحسوس ، وعرفه معنى التأويل في ذلك كله إلى غير ذلك من العلوم التي يزيد التابع على الناظر بما أعطاه الوجه الخاص من العلم الإلهي .
الفتوحات ج 2 / 51 ، 275 -  ح 4 / 75 .
راجع كتابنا « الرد على ابن تيمية » ص 25

5 - الوجود الحادث هو ظل الله من الاسم النور
الخيال المطلق هو المسمى بالعماء ، وهو الحضرة الجامعة والمرتبة الشاملة ، وانتشاء هذا العماء من نفس الرحمن الذي هو أول ظرف قبل ?ینونة الحق ، وهو الحق المخلوق به كل شيء ، وفتح الله في هذا العماء صور كل ما سواه من العالم واختلاف أعيان المسكنات في أنفسها في ثبوتها والحكم لها فيمن ظهر فيها .
ألا إن ذلك العماء هو الخيال المحقق ، ألا تراه يقبل صور الكائنات كلها و تصویر ما ليس بكائن، هذا لاتساعه ، فهو عين العماء لا غيره ، وفيه ظهرت جميع الممكنات، وهذه الموجودات الممكنات التي أوجدها الحق تعالى هي للأعيان التي يتضمنها هذا البرزخ بمنزلة الظلالات للأجسام .
الفتوحات ج 2 / 310 ، 312

ص 132



قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهذا تأثير آخر للبعد.
فلا يدركها الحس إلا صغيرة الحجم وهي في أعيانها كبيرة عن ذلك القدر وأكثر كميات، كما يعلم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستين مرة، و هي في الحس على قدر جرم الترس مثلا. فهذا أثر البعد أيضا. "6"
فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، و يجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان ذلك الظل.
فمن حيث هو ظل له يعلم، و من حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه بجهل من الحق.
فلذلك نقول إن الحق معلوم لنا من وجه مجهول لنا من وجه: «أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا» أي يكون فيه بالقوة.
يقول ما كان الحق ليتجلى للممكنات حتى يظهر الظل فيكون كما بقي من الممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود. «ثم جعلنا الشمس عليه دليلا» وهو اسمه النور الذي قلناه، و يشهد له الحس: فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور.
«ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا»: و إنما قبضه إليه لأنه ظله، فمنه ظهر و إليه يرجع الأمر كله. فهو هو لا غيره."7"  فكل ما ندركه)
_____________________________
6 - الألوان
إن الزرقة التي تنسبها إلى السماء ونصفها بها ، تلك اللونية لجرم السماء لبعدها عنك في الإدراك البصري ، كما ترى الجبال إذا بعدت عنك زرقا وليست الزرقة لها إلا لبعدها عن نظر العين ، كما ترى الجبل البعيد عن نظرك أسود ، فإذا جئته قد لا يكون كما أبصرته، فإن الألوان على قسمين ، لون يقوم بجسم المتلون ، ولون يحدث للبصر عند نظره إلى الجسم لأمر عارض يقوم بين الرائي والمرئي ، مثل هذا ومثل الألوان التي تحدث في المتلون باللون الحقيقي لهيئات تطرأ ، فيراها الناظر على غير لونها القائم بها الذي يعرفه .
الفتوحات ج 3 / ص 459

7 - ألم ترى إلى ربك كيف مد الظل ... الآية
اعلم أن الممكنات التي أوجدها الحق تعالی هي للأعيان التي تضمنها حضرة الإمكان ، وهي برزخ بين حضرة الوجود المطلق والعدم المطلق ، بمنزلة الظلالات للأجسام ، بل هي الظلالات الحقيقية ، وهي التي وصفها الحق سبحانه بالسجود له

ص 133



قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو وجود الحق في أعيان الممكنات. فمن حيث هوية الحق هو وجوده، و من حيث)
____________________________________
مع سجود أعيانها ، فما زالت تلك الأعيان ساجدة له قبل وجودها . فلما وجدت ظلالاتها وجدت ساجدة لله تعالی لسجود أعيانها التي وجدت عنها ، من سماء وأرض وشمس وقمر ونجم وجبال وشجر ودواب وكل موجود ، ثم لهذه الظلالات التي ظهرت عن تلك الأعيان الثابتة من حيث تكونت أجساما ظلالات أوجدها الحق لها .
دلالات على معرفة نفسها من أين صدرت ، ثم أنها تمتد مع ميل النور أكثر من حد الجسم الذي تظهر عنه إلى ما لا يدر?ه طولا ، ومع هذا ينسب إليه ، وهو تنبیه أن العين التي في البرزخ التي وجدت عنها لا نهاية لها مما تتصف به من الأحوال والأعراض والصفات والأكوان .
فهو عالم لا يتناهی وما له طرف ينتهي إليه ، فإنه الحضرة الفاصلة بين الوجود المطلق والعدم المطلق.
وأنت بين هذين الظلالين ذو مقدار ، فأنت موجود عن حضرة لا مقدار لها ، ويظهر عنك ظل لا مقدار له.
فامتداده يطلب تلك الحضرة البرزخية ، وتلك الحضرة البرزخية هي ظل الوجود المطلق من الاسم النور الذي ينطلق على وجوده ، فلهذا نسميها ظلا ، ووجود الأعيان ظل ذلك الظل .
والظلالات المحسوسة ظلالات هذه الموجودات في الحس .
ولما كان الظل في حكم الزوال لا في حكم الثبات ، وكانت الممكنات وإن وجدت في حكم العدم سمیت ظلالات ، ليفصل بينها وبين من له الثبات المطلق في الوجود ، وهو واجب الوجود .
وبين من له الثبات المطلق في العدم وهو المحال ، لتتميز المراتب ، فالأعيان الموجودات إذا ظهرت ففي هذا البرزخ هي ، فإنه ما ثم حضرة تخرج إليه ، ففيها تكتسب حالة الوجود ، والوجود فيها متناه ما حصل منه ، والإيجاد فيها لا ينتهي ، فهذا مثل ضربه الله على دوام الخلق والتكوين وعلى العين الثابتة ثم ظهورها للوجود .
ففي قبض الظل ومده من اللطف ما إذا فكر فيه الإنسان رأی عظیم أمر ، ولهذا نصبه الله دليلا على معرفته ، فلا يدرك البصر عين امتداده حالا بعد حال، فإنه لا يشهد له حركة مع شهود انتقاله ، فهو عنده متحرك لا متحرك ، وكذلك في فيئه وهو قوله « ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا » فسنه خرج ، فانه لا ينقبض إلا إلى ما منه خرج ،

ص 134



قال الشيخ رضي الله عنه : ( اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات. "8" فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق. فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق، لأنه الواحد الأحد. و من حيث كثرة الصور هو العالم، فتفطن و تحقق ما أوضحته لك. و إذا كان الأمر على ما ذكرته لك فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، و هذا معنى الخيال .
أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس كذلك في نفس الأمر.
ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه، ويستحيل عليه الانفكاك عن ذلك الاتصال لأنه يستحيل على الشي ء الانفكاك عن ذاته؟
فاعرف عينك ومن أنت و ما هويتك و ما نسبتك إلى الحق، و بما أنت حق و بما أنت عالم و سوى و غير و ما شاكل هذه الألفاظ.   وفي هذا يتفاضل العلماء، فعالم وأعلم. فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير، وصاف وأصفى، كالنور بالنسبة إلى حجابه عن الناظر في الزجاج يتلون بلونه، وفي نفس الأمر لا لون له. ولكن هكذا تراه.
ضرب مثال لحقيقتك بربك. فإن قلت: إن النور أخضر لخضرة الزجاج صدقت وشاهدك الحس، وإن قلت إنه ليس بأخضر ولا ذي لون لما أعطاه لك الدليل، صدقت وشاهدك النظر العقلي الصحيح.
فهذا نور ممتد عن ظل وهو عين الزجاج فهو ظل نوري لصفائه.
كذلك المتحقق منا بالحق تظهر صورة الحق فيه أكثر مما تظهر في غيره. فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قوة وجوارحه بعلامات قد أعطاها الشرع)
_______________________
كذلك تشهده العين.
وقد قال تعالى وهو الصادق إنه قبضه إليه ، فعلمنا أن عين ما خرج منه هو الحق ، ظهر بصورة خلق ، فيه ظل يبرزه إذا شاء ، ويقبضه إذا شاء .
وقوله تعالى « ثم جعلنا الشمس عليه دليلا » الضمير في عليه يطلب الظل لأنه أقرب مذ?ور ، ويطلب الاسم الرب وإعادته على الرب أوجه ، فإنه بالشمس ضرب الله المثل في رؤيته يوم القيامة.
انظر إلى نقص ظل الشخص فيه إذا ... ما الشمس تعلو فتفنى ظله فيه
ذاك الدليل على تحريكه أبدا ... بدأ وفيئا وهذا القدر يكفيه
لو كان يسكن وقتا ما بدا أثر ... في الكون من كن وذاك الحكم من فيه
فالكون من نفس الرحمن ليس له ... أصل سواه فحكم القول يبديه
خلاف ما يقتضيه العقل فارم به ... فإن حكمة شرع الله تقضيه
ما أن رأيت له عينا ولا أثرا ... ولو يكون لكان العقل يخفيه
الفتوحات ج 1 / 458 - ج 3 / 46 ، 47 ، 269 - ج 4 / 238 .

8 - راجع وحدة الوجود فص 2 ص 45 فص 5 ص 84
وحدة الوجود - المرايا
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف المم?ن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له ?ن » وهو بمنزلة النظر « فی?ون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
?المرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.


وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606



ص 135

قال الشيخ رضي الله عنه : ( الذي يخبر عن الحق. مع هذا عين الظل موجود. "9"
فإن الضمير من سمعه يعود عليه: وغيره من العبيد ليس كذلك. فنسبة هذا العبد أقرب إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد.وإذا كان الأمر على ما قررناه فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه. )
_________________________________
9 - «كنت سمعه وبصره » الحديث
يقول تعالى : « ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ۰۰. الحديث »
اعلم أن العبد حادث فلا تنفي عنه حقیقته لأنه لو انتفت ، انتفت عينه ، وإذا انتفت عينه فمن يكون مكلفا بالعبادة .
ففي هذا الحديث أثبتك و نفاك ، فتكون أنت من حيث ذاتك ، ويكون هو من حيث تصرفاتك وإدراكاتك .
فأنت مكلف من حيث وجود عينك ومحل للخطاب ، وهو العامل بك من حيث أنه لا فعل لك .
إذ الحادث لا أثر له في عين الفعل ، ولكن له حكم في الفعل إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن .
إذ ليس إذا لم يكن العبد موجودا إلا الحق ، والحق تعالی عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه ، فلابد من حدوث العبد حتى يكون محلا لأثر الحق ، فإذا كان العبد ما عنده من ذاته سوى عينه بلا صفة ولا اسم سوى عينه ، حينئذ يكون عند الله من المقربين و بالضرورة يكون الحق جميع صفاته .
و يقول له : أنت عبدي حقا ، فما سمع سامع في نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حيي ولا قدر ولا تحرك ولا سكن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر عليه وعنه أمر ما هو عينه إلا وهو الحق لا العبد.
فما للعبد سوى عينه سواء علم ذلك أو جهله ، وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر في حق كل ما سوى الله لا أنهم صاروا كذا بعد أن لم يكونوا.
فالضمير في قوله «كنت سمعه» هو عين العبد . والسمع عين الحق في كل حال. فكشف له سبحانه عن ذلك فإن قوله « ?نت » يدل على أنه كان الأمر على هذا وهو لا يشعر .
فكانت الكرامة التي أعطاها هذا التقرب الكشف والعلم بأن الله كان سمعه وبصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه وهو يسمع بربه .
كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله وفي نفس الأمر إنما يسمع بريه ، ألا ترى نبيه الصادق

ص 136


قال الشيخ رضي الله عنه : (  مما تقول فيه ليس أنا خيال.فالوجود كله خيال في خيال. "10"
، والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته و عينه لا من حيث أسماؤه، لأن أسماءه لها مدلولان: المدلول الواحد عينه و هو عين المسمى، و المدلول الآخر ما يدل عليه مما ينفصل الاسم به من هذا الاسم الآخر و يتميز. فأين الغفور من الظاهر ومن الباطن، وأين الأول )
________________________________________
في أهل القليب كيف قال : ما أنتم بأسمع منهم ، فأثبت الله للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له .
وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد .
فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته وحق الخلق عبوديته .
الفتوحات ج 1 / 203 ، 305 ، 378 ، 397 ، 406 ، 407 ، 415 ، 434 ، 445 ، 468 ، 675 .
الفتوحات ج 2 / 65 ، 189 ، 323 ، 341 ، 479 ، 502 ، 513 ، 559.
إكمال فص 10 هامش 9

.
يتبع

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: