السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة العشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة العشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة العشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة العشرون :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه. )


فقال المصنف رضي الله عنه : [ و لا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه و افتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار، و لا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر، و هو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فأنتسب إليه،]

قال الشارح رضي الله عنه :
( ولا شك) لما  فرغ رضي الله عنه عن التوطئة و التمثيل، أراد أن يذكر الارتباط الحقيقي الواقع بين العالم و الحق، و هو لمناسبة لولاها لم يلتئم، و لم يظهر له وجود، و لم يكن له ظهور أصلا .
و لهذه المناسبة لم كان العلم من العالم على صورة المعلوم، و خرج المعلوم للزوم المطابقة بينهما لأن العلم تابع المعلوم على صورة العلم حيث العلم عين الذات في مرتبة وحدة العالم و المعلوم و العلم، و إن لم يكن كذلك فمن أين يقع التعلق و الارتباط؟
فلا تصح المنافرة من جميع الوجوه أصلا، فلا بد أن تتداخل الأمور الموجودة للارتباط الذاتي الذي في الوجود بين الأشياء كلها .
فافهم ما أشرت به إليك في هذا الارتباط، فإنه يبنى على أمر عظيم إن لم تتحققه زلت بك قدم الغرور في مهواة من التلف .
فإنه من هنا يعرف ما معنى قول من قال بحدوث العالم، و من قال بقدمه مع الإجماع بأنه ممكن، وأن كل جزء منه حادث، بل هو بجملته و أجزائه في خلق جديد، فلو لا الارتباط ما صحّ هذا أصلا، فكل حقيقة لها حكم في العالم ليس للأخرى، فنسبة العالم إلى حقيقة العلم غير نسبته إلى حقيقة القدرة، فالمعلوم غير نسبته إلى حقيقة القدرة، فالمعلوم غير المقدور .
فإذا نظرته بعين الغنى والعزة قلت: لا مناسبة بين الله تعالى و بين عباده، أين التراب، و رب الأرباب؟ .
وإذا نظرت بعين الارتباط و الاحتياج أثبت النسبة بين الله و بين العالم، فإنها موجودة في جميع الموجودات كالمربوب بالرب، والمالوه بالإله فإنهما من ألفاظ التضايف.
و ذلك لأن للحق حكمين الحكم الواحد ما له من حيث هويته إلا رفع المناسبة بينه و بين عباده، و الحكم الأخر هو الذي به صحّت الربوبية الموجبة للمناسبة بينه و بين خلقه، و بها أثر في العالم الوجود، و بها تأثر بما يحدث في العالم من الأحوال، و أين أنت عن واثق العرى و أقوى الروابط؟! .
و إذا نظرت بعين الارتباط و الاحتياج أثبت النسبة بين الله و بين العالم، فإنها موجودة في جميع الموجودات كالمربوب بالرب.
و المالوه بالإله فإنهما من ألفاظ التضايف و ذلك لأن للحق حكمين الحكم الواحد ما له من حيث هويته إلا رفع المناسبة بينه و بين عباده، و الحكم الأخر هو الذي به صحّت الربوبية الموجبة للمناسبة بينه و بين خلقه، و بها أثر في العالم الوجود، و بها تأثر بما يحدث في العالم من الأحوال، و أين أنت عن واثق العرى و أقوى الروابط؟! .
قال تعالى: "يحِّبـهُمْ و يحِبُّونهُ" [ المائدة: 54] .
هل يمكن الرابط الوثيقة أقوى من المحبة من الجانبين، وأيضا أن الحق هو الوجود والأشياء صور الوجود، فارتبط الأمر ارتباط المادة بالصورة، فلمّا كان الارتباط بين الأمر من مقتضى الجهتين فعلمنا أن كل واحد من الأمرين مرتبط بالآخر بارتباط حي الذي قائم بكل من الحق و الخلق .
قال تعالى : "أحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لأعرف" فكل واحد من المعارف و المعروف طالب و مطلوب .
ومن أغرب الغرائب أن الحق محبّ محبوب، و العبد محبوب محب، و من شأن المحبوب أن يبتلي ويتحكّم .
قال تعالى: فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ "(249) سورة البقرة.
و قال الله تعالى في حديث مشهور عن عبده: "وما ترددت كترددي في قبض نفس عبد يكره الموت"  الحديث رواه أحمد وأبو نعيم و الحكيم الترمذي.  
فالكل مبتلي هذا من مقتضى كمال الجمال والحب، فافهم، وتكتم وعلى هذا يقتضي هذا الأصل الأصيل.
قلنا: لا يصح الوجود و الإيجاد أصلا إلا عن أصلين:
الأصل الواحد: الاقتدار و هو الذي يلي جانب الحق،
و الأصل الثاني: القبول و هو الذي يلي جانب الممكن، فلا استقلال من أحد الأصلين بالوجود ولا بالإيجاد أصلا فالأمر المستفيد ما استفاد الوجود إلا من نفسه بقبوله إياه، و ممن نفد فيه اقتداره وهو الحق، غير أنه لا يقول في نفسه: إنه موجد نفسه .
بل يقول: إن الله أوجده و الأمر على ما ذكرناه .
فما وصف الممكن نفسه بنسبة الإيجاد إليه أعطاه الظهور بالصورة جزاء لذلك و غيره منه تعالى، فافهم .
فإني ذكرت لك هاهنا أسرارا عجيبة غريبة هائلة خذها و لا تخف، فإنا لا نترجم إلا عمّا وقع من الأمر لا عمّا يمكن فيه عقلا أو وهما .
و الفائدة إنما هي وقع لا فيما يمكن، فافهم

فالخفاء كالحقائق يعني لها عين في الخارج سواء لأن الأسماء إضافات و نسب، و الإضافات و النسب ما لها عين في الخارج، بل هي أمور عدمية .
و هكذا الأعيان الخارجية أحكامها، و هنّ غائبات العين ظاهرات الأحكام و الآثار، و لم يتبرجن تبرّج الجاهلية، و يبدين زينتها إلا لأهلها، فافهم .
هذا هو الواقع كما في الإلهيات كالعلم فإنه أمر نسبي، و آثاره و أحكامه ظاهرة في الخارج، فافهم فإذا فهمت ما ذكرنا عرفت
بـ (لا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه)  فإذا (ثبت حدوثه، ثبت) افتقاره.
و(افتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه، فوجوده من غيره فهو مرتبط به ارتباط افتقار)، و (لا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته، غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر)، فإذا ارتبط الأمران كما قلنا، فلا بد من جامع كما ذكرناه، وهو الرابع .
و ليس الاقتضاء ذاتي من كل واحد من الحق و الخلق، و لا محتاج إلى أمر وجودي زائد، فارتبطا لمناسبة نفسه لأنه ما ثمة إلا حق و خلق، فلا بد أن يكون كلاهما، و من الحال أن ينفرد واحد منهما، فإن المناسبة التي قررناها من الجانبين و مع هذه المناسبة و الارتباط فما هما مثلان، بل كل واحد مثلهما ليس كمثله شي ء فلا بد أن يتميز بأمر ليس في الآخر، و هو الافتقار و الغنى فلا افتقار موجب للميل، و قبول الحركة و الغنى ليس حكمه كذلك، فارتبطا بوجه .

قال تعالى: "يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ واللّهُ هُو الغني الحمِيدُ" [ فاطر: 15] جمع الله وجه الافتراق في هذه الآية، فافهم .
( وهو ): أي المستند إليه الواجب  الوجود .
( الذي أعطي الوجود بذاته لهذا الحادث، فانتسب إليه و لما اقتضاه بذاته كان واجبا به ): أي واجبا بواجب الوجود لأن الذاتيات لا تتخلف عن ذواتها، و الأشياء إذا اقتضت الأمور لذواتها لا للوازمها و إعراضها لم يصح أن تتبدل ما دامت ذواتها .
و الذوات لها الدوام في نفسها لنفسها فالمقتضى الذاتي كذلك، فإني أدرجت لك في هذه العبارة إشارات لم يسعها أواني الألفاظ و ظروف الحروف، و أدرجت فيها معان غير واهية، و تعيها أذن واعية، فافهم .
فكما أن الواجب أعطاه الوجود وجوب الوجود، كذلك الممكن أعطي الظهور لأنه به ظهر فيه كان بصيرا، و كما كان لكل واحد من الأمور الكلية الخارجية حكم و أثر على الآخر كذلك هنا .
قال الله تعالى : "جعلت الصلاة بيني و بين عبدي" .
قال صلى الله عليه و سلم في ليلة المعراج : "إنه سمع صوتا قيل له: قف إن ربك يصلي"  فالأمر من الطرفين .
قال تعالى: "كُلٌّ  قدْ علِم صلاتهُ و تسْبيحهُ" [ النور: 41] .
قال تعالى:" فاعْبدْني وأقمِ الصّلاة لذكْري" [ طه: 14] فأثر في العبد هذا الحكم، فعبد الله و أقام الصلاة، و لذلك قال العبد: اغفر لي واعف عني، فغفر له وعفا عنه .  أما ترى أن العفو من أثر الدعاء .
قال تعالى"ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ "[ غافر: 60] وهذا تأثير رتبة العبد في سيده و إدلاله على مولاه، و التأثر قيام السيد بمصالح عبده ليبقى عليه حكم السيادة.
و من لم يقم بمصالح عبده، فقد عزلته المرتبة فإن المراتب لها حكم التولية، و العزل بالذات لا بالجعل كانت لمن كانت، و هذا من تمام المعرفة الموضوعة في العلم بالله في هذا المقام .
و أيضا أن للجسم في الروح آثارا معقولة لما يعطيه من علوم الأذواق ما لم يمكن أن يعلمها إلا بالذوق، و أن الروح لها آثار في الأجسام محسوسة يشهدها كل حيوان من نفسه كذلك العالم مع الله تعالى فيه آثار ظاهرة، و هي ما يتقلب فيه العالم و ذلك من حكم اسمه الدّهر أنه حول قلب .
فإن للعالم أحكاما لولا تعريفه تعالى إيانا بها ما عرفناها و ذلك أنه إذا اتبعنا رسوله فيما جاءنا به من الطاعة أحبنا، و أرضيناه فرضي عنا .
قال تعالى: "رضِي اللّهُ عنْـهُمْ" [ المجادلة: 22]، و إذا خالفنا و لم نمتثل أمره أسخطناه و أغضبناه، و كذلك إذا دعونا أجابنا، فالدعاء من أثره، و الإجابة من أثرنا لتعلموا أنه ما ظهر شيء إلا من صورة ما هو عليه مؤثر و متأثر.
فإذا فهمت هذا المساق علمت معنى: التفت الساق بالساق، و عرفت الأمر هكذا على الإطلاق فافهم .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: