السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الرابعة والعشرون الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة الرابعة والعشرون : الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و لا نشك أنا كثيرون بالشخص و النوع و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد .  فكذلك أيضا، و إن وصفناه بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق ] .

قال الشارح رحمة الله :
( و لا تشك أنا ): أي أهل العالم كثيرون بالشخص و النوع لأنك أشخاص غير متناهية تحت أنواع متناهية .
( و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا) تلك الحقيقة الواحدة في الواحدية لأن أفراد الجنس مثلا على كثرتها و عدم تناهيها يجمعنا النوع الكلي و هو الإنسانية و لكن لو لم يكن في كل فرد فرد معنى آخر زائد عن الأصل الكلي لما اختلفت الأفراد و الأشخاص باللوازم الشخصية و الخواص.
( فتعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض) كما تميزت الأنواع بعضها عن بعض، و لو لا ذلك التمييز ما كانت الكثرة في الوحدة: أي ما ظهرت الكثرة موجودا في العالم مع أن الأصل واحد، فعرفنا به أن التمييز الفارق ظهور العالم و صوره المتكثرة المتنوعة مع أن الأصل واحد، فكذلك أيضا: أي الحال في الإلهيات كثرة مع الفرقان في عين واحدة .

( و إن وصفناه ): أي الحق تعالى (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق) لما شبه، أو لا .
حيث قال رضي الله عنه: فوصف نفسه لنا بنا، فأراد أن ينزهه هنا ليجمع بين الحسنين التنزيه و التشبيه كما هو عادة الأولياء و سنن الأنبياء عليهم السلام، فأثبت الفارق .
و ذلك أنه لما قيل في الإنسان الكامل أنه على الصورة فما نقصه من الكمال  شيء، و بقي حكم وجوب الوجود للتمييز بين الحق و العالم إذ لا يرتفع ذلك: أي التمييز بين الحق و الإنسان بوجوب الوجود من حيث أنه إنسان و لا يصح له فيه قدم، فافهم .

و له تمييز آخر ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات ": 
و ذلك أن الحق يتقلب في الأحوال و لا تتقلب عليه الأحوال لأنه يستحيل أن يكون للمحال عليه .
و أمّا تقلب الحق في الأحوال فمعلوم بالاستواء و النزول و المعية و الضحك و الفرح و الرضا، و كل حال وصف به نفسه فهو يتقلب فيها بالحكم و هو التحول في الصور، فهذا الفرق بيننا و بين الحق تعالى و هو أوضح الفروق و أعلاها أن يكون الفروق بالحدود الذاتية التي بها يتميز الحق و الخلق و حدود الكون بأسره هو الحد الذاتي بواجب الوجود، هذا المشهد غاية العارفين و أهل الرؤية .

قال تعالى: "و فوق  كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76] فالعلماء بالله فوق هذا الكشف و المشهد، فإنهم في هذا المقام على حكم الحق فيه كما يرى المحجوب فينكرون النكرة، و يعرفون المعرفة و الحدود الذاتية عندهم للأشياء كالعامة، فافهم . 
فإنهم أهل تمييز و صحو، و أمّا أهل الرؤية قدّس سرهم يحافظون على هذا المقام لسرعة نقلته من قلوبهم، فإن من لم يستصحب الرؤية دائما مع الأنفاس لا يكون من هؤلاء الرجال . 
و هذا مقام من يقول غير الله قط، و أمّا من عرف الحق، و الحق سمعه و بصره و جميع قواه عليه هذه الرؤية لأنه بقواه يرى الأشياء كما هي، و يعلم الأمر كما هو فعرف بالحق و الخلق، و يرى الحدود الذاتية الفارقة للذوات حقا و خلقا . 
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب الحادي والخمسين وثلاثمائة:
إن من لهذا المقام فلا يحاد به أحد في علمه بالله، فهذا هو العالم المميز بالحد الذاتي و العالم الفارق الذي لا نقال عنه، فافهم

قال المصنف رضي الله عنه : [وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.]
قال الشارح رحمة الله : ( و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود، و توقف وجودنا عليه لا مكاننا) . 
قال الله تعالى: "يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ" [ فاطر: 15] فافهم.
أنه وصفنا بما وصف به نفسه، توهم الاشتراك وهو لا اشتراك فيه، فإن الرتبة قد ميزته فيقبل كل واحد ذلك الإطلاق على تعطيه الرتبة التي يتميز بها فإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التي بأيدينا تطلق علينا . 
كما قال تعالى في حق النبي صلى الله عليه و سلم:بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] كما تطلق على الحق تعالى أن نسبة تلك الأسماء التي وقع الاشتراك في اللفظ بها إلى الله غير نسبتها إلينا، فما انفصل عنا إلا بربوبيته، و ما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا فمن لزم منا رتبته فما جني على نفسه، بل أعطي الأمر حقه فقد بان لك الحق تعالى و بان لك الخلق، فتل ما شئت . 
فالفارق من جهة الحق الوجوب الذاتي ومن جهة العبد الافتقار، وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
قال تعالى: "و اللّهُ هُو الغني الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
و قال تعالى: "و اعْلمُوا أنّ اللّه غني حمِيدٌ" [ البقرة: 267] .
و قال تعالى: "فِإنّ اللّه غني عنِ العالمِين" [ آل عمران: 97] . للدلالة عليه لظهوره بنفسه للعالم، فاستغنى أن يعرف بالعالم ولا يدل عليه الغير، بل هو الدليل على نفسه بظهوره لخلقه، فمنهم من عرفه و ميزه من خلقه، و منهم من معارفيه فلم يدر ما هو؟.
 كأبي يزيد قدّس سره : فإنه علم أن ثمة تميزا و لكن ما عرف ما هو حتى سأل .
وقال: يا ربّ بماذا أتقرب إليك؟ 
فقال تعالى: بما ليس لي، فقال: يا رب وما ليس لك وكل شيء لك؟ .
فقال تعالى: الذلة والافتقار حتى سكن ما عنده قدّس سره وهذه المحتملات الثلاثة من محتملات كلمة جمع جوامع الكلم صلى الله عليه و سلم .
فإنه قال : "من عرف نفسه فقد عرف ربه"  .
أمّا تعليق محال على محال هذا من مقام الحيرة، و أمّا من مقام العلم بصحو و تميز كالمحققين من الكمّل .
وأمّا من مقام العرفان أنه ما يرى الغير، فإذا عرف نفسه بهذا الاعتبار فهو عين معرفة الرب، فافهم .
وهنا لسان آخر و ذوق غير ذلك الذوق من أذواقه رضي الله عنه، قال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ الذكْرى تنفعُ المُؤْمِنين" [ الذاريات: 55] .
فاعلم أن الله تعالى غنيّ عن العالمين بالعالمين كما يقال في صاحب المال: إن الله غني عن المال بالمال، فهو الموجب له الغنى .

وهي مسألة دقيقة لطيفة الكشف فإن  الشيء لا يفتقر إلى نفسه فهو الغني عن نفسه بنفسه .
قال تعالى: " يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ و اللّهُ هُو الغنِي الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
الذي يرجع إليه عواقب الثناء، و ما يثني الأبناء من وجودنا، و أمّا تنزيهه عما يجوز علينا، فما وقع إلينا عليه تعالى إلا بنا، فهو غنيّ عنا فلا بد منا بثبوت هذا الغنى له بقاء، و من أراد أن يقرب عليه تصور هذه المسألة فلينظر إلى ما سمّي به نفسه سبحانه من كل اسم يطلبنا فلا بد منا.
فلهذا لم يمكن الغنى إلا بنا إذا حكم الألوهية بالمألوه، وحكم الربوبية بالمربوب والمريد بالمراد، والقادر بالمقدور، والقول بالمقول وهكذا الأمر.

قال المصنف رضي الله عنه : [ فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.]
قال الشارح رحمة الله : 
(فبهذا ): أي بهذا الغنى الذاتي، و عدم الاحتياج بالوجود لأن الوجود عينه و الشي ء لا يكون مفتقر إلى نفسه، فإنه غني عن نفسه بنفسه، فلو كان فقيرا يلزم أن يكون  الشيء الواحد من حيث ما هو غني و هو محال، و إن كان الاسم الإلهي المغني، هو معطي الغنى للعبد، فهو الغني بالله عنه .
أخبر تعالى أنه:كُلّ يوْم هُو فِي شأنٍ" [ الرحمن: 29] و العالم شؤونه، و هو متحول فيه و به، و أخبر أنه يوم القيامة يوم عموم الكشف و العيان .
قال تعالى: " لكل امْرئٍ مِنْـهُمْ يوْمئذٍ شأنٌ يُـغنيهِ " [ عبس: 37] فالكل يحمد الله مستغني به عنه كالحق أنه الغني عن العالمين، و لكنّ العلم بالله داهية دهماء و فتنة عمياء صماء فإنه يعطي، الزهو على عباد الله، و يورث الجهل بالعالم و بنفسه.
كما قال صاحب جنيد قدّس سره حين عطس.
و قال: الحمد لله، فقال له حينئذ: أكمل بقول رب العالمين .
قال: ما العالم حتى نقرنه مع الله؟
وإن كان هذا القول قول صاحب حال و لكن ناقص العيار لأن الله تعالى قد قارن معه، وقارن رب العالمين وهو تعالى حكيم عليم ما خاطب العالم إلا بالقول الأتم، فبتنوع خطابه ليتسع الأمر ويعم .
فالفقر ذاتي، و الغنى أمر عرضّي و من لا علم له يغيب عن الأمر الذاتي لشهود الأمر العرضي، فافهم .
وأسند الغني إلى الغنى عن العالمين لتكون أديبا فإن العبد عبد فقير تحت أمر سيده، و الله هو الغني الحميد، فافهم .

( صحّ له الأزل) و هو نفي الأولية بمعنى: افتتاح الوجود عن عدم، و نسبة الأزل إلى الله تعالى كنسبة الزمان إلينا و هو نعت سلبي لا عين له، فيكون  كالزمان نسبة متوهمة الوجود لا موجودة لأن كلّ شيء تفرضه يصحّ عنه السؤال بمتى، و متى سؤال عن زمان فلا بد أن يكون الزمان أمرا متوهما لا موجودا و لهذا أطلقه الحق على نفسه .
قال تعالى: " و كان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً " [ الأحزاب: 40] .
ورد في الخبر عن صاحبي :  "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق و أمثالهما". 
فعرفنا أن هذه الصيغ ما تحتها أمر وجودي و إلا ما صحّ تنزيه الحق عن التقييد الزماني إذا كان حكم الزمان بقيده .
أما ترى تذيل الحديث المشهور :  "كان الله و لم يكن معه  شيء". 
فذيله عارف بقوله: و الآن كما  كان، فتوهم في الحديث زمانا، و قال: و الآن كما كان .
(و القدم الذاتي) و إنما قلنا: الذاتي لأن الأرواح القاهرة و الأعيان لها القدم و لكن بالزمان لا بالذات الذي: أي القدم .
( انتفت الأولية التي افتتاح الوجود عن عدم فلا ينسب إليه ): أي الأولية بهذا المعنى فهو افتتاح الوجود عن العدم مع كونه الأول و لكن بمعنى آخر، و هو كونه مبدأ لما سواه، كما أنّ آخريته عبارة عن  كونه يرجع إليه عواقب الأمور .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: