السبت، 29 يونيو 2019

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة التاسعة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
الفقرة التاسعة :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله) لا مني لأني عند نفسي هالك إلا وجه ربي إلي.
كما قال تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه " آية 88 سورة القصص.
فوجه ربي إلي هو الظاهر في وإن کنت موجودة عندكم.
فذلك تلبيس من الله تعالى عليكم.
(فاسمعوا) أيها الناس الذين أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إليهم "بفصوص الحكم" لينتفعوا به ما أخرج إليكم به من حضرة غيبي إلى شهادتي من علوم الله النافعة لكم.
(وإلى الله ) لا إلى نفوسكم
(فارجعوا) فيما سمعتموه مني فإنكم إليه ترجعون "وإليه يرجع الأمر كله " 123 سورة هود.  " وإليه تقلبون" آية 21 سورة العنكبوت. " وإليه المصير" آية 18 سورة المائدة. "وإلى ربك يومئذ المساق" آية 30 سورة القيامة.
(فإذا ما سمعتموا ما)، أي الذي أو شيئا
(أتيتم) بالبناء للمجهول، أي أتيتكم (به) من العلوم الإلهية في هذا الكتاب
(فعوا) ذلك وتثبتوا في سماعه واصغوا إليه ولا تنتقدوا شيئا منه، فإني ما وضعته لكم إلا نافعة لا مضرة بإشارة الرسول صلى الله عليه وسلم كما سبق.
فلا تأخذوه بلا وعي فتجهلوه وتجحدوا ما جهلتموه.
في هذا الكتاب فتظنون أنكم تعلمونه وأنتم لا تعلمون فتحرمونه وتفترون عليه ما ليس فيه .
قال الشاعر :
إذا لم تستطع شيئا فدعه    …. وجاوزه إلى ما تستطيع
(ثم) بعد وعيه (بالفهم) النوراني
(فًصٍلوا) ما تجدونه فيه من (مجمل القول) فإن المسألة إذا بنيت على مقدمات كثيرة منطوية في علم المتكلم بها يصعب عليه في وقت ذکرها تفصيل جميع مقدماتها، فهو يفصلها في موضع ويجملها في موضع آخر لسعة العلم.
ومثل هذا الكتاب ليس مصنفة للقاصرين عن معرفة العلوم الظاهرة.
بل هو لأهل البداية في علم الحقيقة المشرفين على أنوار الطريقة.
بل للعارفين الكاملين في مرتبة حق اليقين.
ولهذا قال :
(واجمعوا) إذ هم أهل الجمع والتفصيل، وأما الذين يعلمون ظاهرة من الحياة الدنيا فإنهم ينظرون إلى ظاهر هذا الكتاب وهم عن آخرتهم غافلون.
وإذا كان الله تعالى المنزه
عن كل نقصان وقع في قلوب الجاهلين سوء الظن به.
كما قال تعالى :"وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)" سورة الفتح . فكيف بهذا الكتاب والله أعلم بالصواب.
والقصور العالية ليست مبنية لسكنى الحمير
والدواب بل لهم الحضيض الأسفل من الساحات والأعتاب وأن يربطوا في الأبواب.
(ثم منوا)، أي أحسنوا وأسعفوا وتكلموا (به)،
أي بما فهمتم مفصلا من مجمل هذا الكتاب ولا تكتموا شيئا منه .
(على طالبیه) إذا وجدتموهم
(لا تمنعوا) ذلك عنهم كما قيل: لا تعطوا الحكمة
غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)"سورة البقرة.
وقال الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في معشراته :
بینوا أمرنا لكل لبيب      ….. في كتاب إن شئتم أو خطاب
غير أن الإنسان إذا لم يجد طالبا لذلك، أو وجد جاهلا منتقد على ما هنالك، فليكتم ما عنده صيانة الأسرار الله تعالى أن يعبث بها الجاهلون ويخوض فيها المغرورون.
وهذا كله فيمن بقي مع نفسه ، وأما المغلوب بحاله فهو مع الوقت كيف كان والحق مستولي على قلبه ولسانه، فلا حرج في كل آن.
وبالله التوفيق والمستعان.
(هذه)، أي الحضرة الإلهية التي فصلتموها بأفهامكم من مجمل هذا الكتاب وجمعتموها في بصائركم المنورة .
هي (الرحمة) الربانية (التي وسعتكم) وجميع المخلوقات .
كما قال تعالى :" ورحمتي وسعت كل شيء" آية 156 سورة الأعراف.
(فوسعوا) بها على عباد الله
تعالى بهذه الطريقة التي شرحتها لكم في هذا الكتاب ولا تضيقوا على أحد منهم.
واعلم أن الله تعالى من حيث هو في ذاته موصوف بصفات لا نهاية لها، كلها غیب مطلق عنا.
وكل صفة منها، في حال اتصافه بها يتصف بكل صفة غیرها اتصافة مخصوصة لائقة بتلك الصفة.
فكل صفة لها كل صفة على وجه مخصوص، ولم يظهر من صفاته تعالى من حيث هو في ذاته إلا صفة الرحمة.
وباقي الصفات كلها من حيث هو متصف بها في ذاته لم يظهر منها شيء.
فجميع العوالم ما كان منها وما لم يكن إنما هو موجود کائن في حضرة صفة الرحمة فقط .
وأما في باقي حضرات صفاته تعالى فلا وجود لشيء مطلقا ولا يكون ذلك أبد الآبدين ودهر الداهرين.
ولا يمكن ذلك إذ باقي الأوصاف غير الرحمة لا يثبت معه شيء فلا يوجد معه شيء.
وأما الرحمة فهي المثبتة للأعيان الكونية والممدة لها.
ثم إن الرحمة المذكورة موصوف ربنا تعالى المتجلي بها في حضرة تجليه بها على عالم الإمكان بجميع الأوصاف الباقية فهو تعالی علیم، قدیر، جبار، متکبر، قهار، وهاب ، ضار، نافع إلى غير ذلك.
لكن كل ذلك من حضرة الرحمة المذكورة فقهره وجبروته وضره تعالى من حضرة الرحمة.
ولهذا تبقى الآثار مع ذلك ولا تنمحق ولا تهلك مع أنها هالكة بالنسبة إلى غير الرحمة من باقي الحضرات الصفاتية
كما قال تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه" آية 88 سورة القصص.
ونقل عن أبي يزيد البسطامي قدس الله سره أنه سمع قارئا يقرأ "إن بطش ربك لشديد " آية 12 سورة البروج.
فقال: بطشي أشد من بطشه، لأن بطشه مشوب بالرحمة وبطشي لا رحمة فيه.
ولهذا قال تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء" 156 سورة الأعراف.
وكان استوائه تعالى، أي صفة تجليه على العرش
بالرحمة لا غيرها من الصفات كما قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى "آية 5 سورة طه.
وجمعية الرحمن بجميع الأوصاف من قوله تعالى : "
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"آية 110 سورة الإسراء.
فالأسماء الحسنى لله والأسماء الحسنى للرحمن.
وكذلك لكل اسم من الأسماء الحسنى أيضا الأسماء الحسنى كلها.
والتي ظهرت بظهور الأكوان
إنما هي الأسماء الحسنى التي للرحمن لا مطلق الأسماء الحسنی.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله فاسمعوا    ….. وإلى الله فارجعوا)
إخبار في صورة الإنشاء عن إفناء وجوده في الله بالكلية في إبراز الكتاب بحيث لا يبقى من الوجود الكلي أثر ولو كان عدمية .
وإشارة إلى أنه قد وقع بعد تكميل النفس وقطع مراتبها يعني إذا سمعتم الفاظة من لساني فاسمعوا فقد سمعتم من الله لا مني لفناء المنية فيه .
وإذا رجعتم في إدراك معانيه وكشف أسراره وحل مشكلاته باستمدادکم من روحانیتي فارجعوا فقد رجعتم إلى الله لا إلي .
لفناء مرجعيني فيه نفي أي شيء سمعتم ورجعتم فقد سمعتم من الله ورجعتم إليه فإني فاني في الله بالكلية في إبراز هذا الكتاب.
فهذا اختصاص إلهي به دون سائر كتبه فعظموه واعلموا قدره بإدراك معانيه وكشف أسراره وتعليمه إلى طالبيه .
"فإذا ما سمعتم"، ما زائدة لتأكيد العموم "ما أتيت به فعوا" أمر للطالبين يعني خذوه مني، كما أخذت من رسول الله وانظروا ما فيه وأدركوا معانيه الكلية واحفظوا في قلوبكم .
وهو مرتبة علم اليقين ثم أمرهم بعد ذلك إلى درجة عين اليقين حتى لا يقنعوا به.
فقال : "ثم بالفهم" أي بسلطان القوي ثم لبعد الدرجتين في الفصل .
الحاصلة في قلوبكم إجمالا ما تشتمل عليه تلك الأصول من الفروعات ثم أمر إلى درجة حق اليقين.
بقوله: "واجمعوا" ثم اجمعوا في الإدراك بين الإجمال والتفصيل بحيث لا يحجب إدراك أحدهما عن إدراك الآخر.
وإذا أدركتم بهذا المقام وتحققتم به فقد حصلتم المساواة بيني وبينكم في رتبة الإحاطة وأخذتم الكتاب مني كما أخذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه بشارة عظيمة للطالبين اللهم ارزقنا فإذا حصل المساواة .
فقد وجب عليكم الإفاضة للطالبين فإذا أفضتم فقد حصلتم المساواة في الإبراز .
وهو معنى قوله : "ثم منوا به"، أمر بالتعليم أي بتعليمكم خالصة مخلصة عن الأغراض النفسية يعني ألقوا معاني الكتاب وأسراره "على طالبيه" كما ألقى الله عليكم بمنه ورحمته .
والمراد بالطالب کل مؤمن يصدق الكتاب ويشتغل بقراءته من أهله طلبا للاطلاع بحقائقه وأسراره .
سواء استحق بالفعل أو لم يستحق "ولا تمنعوا هذه الرحمة التي وسعتكم".
بقولكم لغير المستحقين أي للطالبين الغير المستحقين اذهب واكتسب الاستحقاق بالرياضات ثم اطلب .
أو للمستحقين أنتم قد وصلتم درجة الحقيقة والكشف فما حاجة لكم به.
فإذا يخاف عليكم استحقاق الذم (فوسعوا) فإذا وسعتم فقد أرشدتم الطالبين الناقصين إلى درجة الكمال ببركة تعليم الكتاب وتعلمه وافدتم الكاملين الفائدة الجديدة التي لم تحصل لهم بدون هذا الكتاب .
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
قلت: يعني أن هذا الكلام معناه هو من الله تعالى لا مني فإن الله تعالی عند لسان كل قائل. وبقية الأبيات مفهومة
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
قال الشيخ رضي الله عنه :
فمن الله فاسمعوا    ....... وإلى الله فارجعوا
يعني : لمّا لم يكن لي تصرّف في ذكر ما أذكره في هذا الكتاب ، فلا تسمعوا منّي واسمعوا من الله الذي فنيت فيه فناء لا ظهور لي أبدا ، وإذا اشتبه عليكم شيء منه ، فارجعوا فيه إلى الله .
قال :" فإذا ما سمعتم " أي من الله  " ما أتيت به " أو ما أتيتم " فعوا " أي احفظوه في وعاء القلوب .
قال : ثم بالفهم فصّلوا      ..... مجمل القول واجمعوا
يعني : أنّي أجملت القول في المقامات الكمالية ، وذكرت في أثناء ذوق كل نبيّ بحقيقة الأمر على ما هو عليه في نفسه ، وهو أعلى مراتب الرحمة وأكملها وأفضلها .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
والفاء في البيت الأول للسببية وتقديم الصلة للتخصيص ، أي إذا كان ما أقوله إنما يكون بالإلقاء السبوحى فلا تسمعوه إلا من الله لا منى وإليه فارجعوا لله لا إلى.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا * وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما * أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا * مجمل القول وأجمعوا
ثم منو به على * طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي * وسعتكم فوسعوا)
قوله: "فمن الله فاسمعوا وإلى الله فارجعوا" جواب شرط مقدر.
أي، إذاكان ما بينته من الأنوار وكشفته من الأسرار من الله، من غير تصرف منى، وأنا مأمور بإبرازه: "فمن الله فاسمعوا" لا منى "وإلى الله فارجعوا" عند سماعكم مالا طاقة لكم بسماعه لعدم علمكم بحقيقة الأمر، وعدم استبانتكم في بعض أسراره لا إلى.
فإنه ميسر كل عسير ليطلعكم بمعانيه كما هي، بإشراق أنواره فيقلوبكم.
وفيه تنبيه على أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مظهر لهذا الاسم الجامع، لأنه هو الآمر بالإبراز والإظهار.
"فإذا ما سمعتم ما أتيت به فعوا". "عوا" أمر من وعا، يعى إذا حفظ.
أي، فإذا سمعتم ما أتيت به من الله، لا منى، بفنائي فيه وبقائي به، فعوا واحفظوا بدرك معانيه وبتحقيق أسراره.
"ثم بالفهم فصلوا مجمل القول وأجمعوا" أي، إذا سمعتم وفهمتم معناه وتحققتم بعلمه، فصلوا ما فيه من الإجمال وفرعوا عليه التفاريع المترتبة عليه.
لأن أسرار هذا الكتاب أصول كلية، ومن علامات العلم بالأصول تعدى الذهن منها إلى تفاريعها، فمن لم يتفطن بتفاريعها لم يكن عالما بهذا الفن الذوقي و لا بهذا الكتاب.
و "أجمعوا" أي، تلك التفاريع في أصولها لتكونوا عالمين بالفروع في عين الأصول.
وبالأصول في عين الفروع، فتعلموا أن الحق سبحانه وتعالى.
يعلم جزئيات الأشياء في عين كلياتها: "ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء".
أو فصلوا مجمل القول الذي ذكرته من المراتب والمقامات، وأجمعوا بين كل مقام وأهله من الأنبياء والأولياء بتنزيل كل في مقامه .
ثم منوا به على طالبيه ولا تمنعوا) (٦٤) أي، منوا بما سمعتم وفهمتم معناهعلى طالبيه بإرشادهم وتنبيههم على المعاني المودعة فيه. أي، أعطوهم عطاءامتنانيا غير طالبين منهم عوضا لتكونوا داخلين فيمن قال تعالى فيهم: (وممارزقناهم ينفقون).
ولا تمنعوهم ضنة وبخلا: "فإن رحمة الله قريب من المحسنين".
الذين لا يبخلون بما رزقهم الله.
واعلم، أن المنة على قسمين:
محمودة : وهي المشار إليها بقوله: "بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان".
ومذمومة: وهي المنبه عليها بقوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى".
ولما كانت الأولى صفة إلهية وبها يسمى الحق بـ "المنان" أمرنا، رضى الله عنه، بها لنتخلق بالأخلاق الإلهية ونتحقق بالصفات الحقانية.
قوله : (هذه الرحمة التي وسعتكم فوسعوا)
أي، هذه الأسرار والمعاني التي فاضت عليكم من الله رحمة عليكم وسعتكم وشملتكم، فوسعوا أنتم أيضا تلك الرحمة على الطالبين لتكونوا شاكرين لنعمه، مؤدين لحقوقه، مقتدين برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما قال: "اللهم ارزقني وارزق أمتي فتلحقوا بالوارثين."
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله)، لا مني فاسمعوا هذا الكتاب، (وإلى الله فارجعوا)، فإن فائدة السماع من الله لا تتم بدون الرجوع إلى الله في الفهم، (فإذا ما سمعتم ما أتيت به) من عند الله "و رسوله"، (فعوا) أي: فاحفظوه كما يحفظ القرآن والأخبار النبوية.
(ثم) أي: بعد الرجوع إلى الله، وحفظ ما سمعتم يحصل لكم فهم في أسراره، فعند ذلك (بالفهم فصلوا مجمل القول)، أي: ما أجمل فيه من الأسرار التي تضيق عنها العبارات الصريحة
(واجمعوا) أي: اعزموا في توجيه الهمم إلى درك أسراره التي تضيق عنها أفهام أكثر أرباب العقول فضلا عن العامة.

(ثم) أي: بعد حصول كمال الفهم لأسراره لا قبل ذلك (منوا به) أي: بإظهاره مع ما فيه من الأسرار (علی طالبية)، ليفوزوا برتبة التكميل بعد الفوز برتبة الكمال.
وطالبوه من ينتفع به في طريق الآخرة، فيدعوه إلى المساعي الباطنة مع تزيين الظاهر بظواهر الأعمال، فيؤكد في حقه ظاهر الشرع باطنه، وباطنه ظاهره.
لا من يعطل الجوارح من الأعمال، ويرى باطن الشرع مخالفا لظاهره، والحقيقة على خلاف الشريعة فإنه إلحاد وكفر.
فكل شريعة بلا حقيقة عاطلة، وكل حقيقة بلا شريعة باطلة، وإياك ثم إياك أن تضيعه بإعطاء أهل الأهوية.
فإنه كبيع السيف من قاطع الطريق إذ يرى أدنى الشبهات غنيمة، ولا يرضى بتأويل الكتاب بما يوافق الشرع، وإن كان أقرب من تأويله، وأكثر طلبة هذا الكتاب في هذا الزمان ممن استولى عليه الشيطان، وأغرقهم في بحر الطغيان، والله المستعان.
(لا تمنعوا) طالبيه من تحصيله، فإن من منح الجهال علما أضاعه، ومن منع المستوجبين فقد ظلم.
وأشار إلى هذا الظلم بقوله: (هذه الرحمة التي وسعتكم) بحيث لا تنقص بالاتفاق مثل نقصان المال به (فوسعوا) فإن منعه ظلم أشد من ظلم من منع ماله الجائع الذي تعذر عليه سد جوعته بغير ماله؛ لأنه ينقص ماله بالإنفاق.
ولذا قال صلى الله عليه وسلم : "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار". والمراد إذا كان السائل مستحقا لتحصيل ذلك العلم.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
قال رضي الله عنه : "فمن الله فاسمعوا   .... وإلى الله فارجعوا" في متفرقات الصور الكونيّة الخلقيّة ، رجوع جمعيّة واطمئنان
" وإذا ما سمعتم  ما أتيت به " من حديث الجمعيّة - ( فعوا ) أي احفظوه في وعاء جامعيّة القلب مصونا عن أن يتطرّق إليه شيء من شوائب الثنويّة والتفرقة .
ثمّ إنّ العقل بأفعاله الخاصّة به - من الفكر والفهم والنظر - وإن كان غير متمكَّن من الوصول إلى تلك الجمعيّة ولا محتاجة إليه عند انتهاج الطالب ذلك المسلك ، لكن بعد الوصول إليها عند تكميل إجمالها بالتفصيل الحكمي وجمعه معها ، على ما هو مقتضى تمام التوحيد الختمي - كما حقّق أمره في غير هذا المجال - يحتاج إلى أفعاله المميّزة وقواه المفصّلة والمخصّصة ، فقوله :
(ثمّ بالفهم فصّلوا   .... مجمل القول واجمعوا )
إشارة إليه . ثمّ إنّ سريان حكم الأصل يقتضي - حسبما حكم قهرمان الوقت - أن يظهر هذه الحقائق على مشاعر العيان ومشاهد الإعلان ، حسب الاقتدار والإمكان ، لذلك ختم وصاياه للمخفين تلك الحقائق جريا على مقتضى الأزمنة السالفة بقوله :
(لا تضنّوا به على ....    طالبيه فتمنعوا )
لعدم فهمهم لسان الوقت الدال على قصور استعدادهم عنه وفي بعض النسخ:
ثم منوا به على   .... طالبيه لا تمنعوا
على صيغة المعروف و فيه التحريض على الإظهار أكثر كما في الأول المنع عن الإخفاء أكيد.
(هذه) الحقائق والحكم هي . ( الرحمة التي   .... وسعنكنم فوسعوا )
أي : وسعوها قلوب القوابل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا من في الأرض" .
أي من دونكم في الرتبة "يرحمكم من في السماء". أي من هو فوقكم فيها.
وذلك لأن الرحمة التي هي الوجود في عرفهم لها مرتبتان :
إحداما في الخارج , والثانية في الدهن وهو لم يبلغ مرتبة اليقين المسماه بالذوق و الشهود .
لا يكون من الوجود في شيء , بل من الصور الكونية وظلاله المنسوبة إليه كما أومانا إليه , وتوسعها عبارة عن الإمداد الطالبين بما يعدهم له.
و إذ قد تقرر من أصولهم أن تصدى لأمر الإرشاد و النهوض بلوازمه من أمر السالكين بما يعدّهم في الطريق ، ونهيهم عمّا يعوقهم فيه - على ما علم في طيّ نظمه - إنّما يتيسّر لمن استجمع له شرائط ذلك ظاهرا وباطنا .
فإنّه يتوقّف على تأييد باطنه أولا بوساطة شيخ مؤيّد من عند الله ، كذلك إلى أن ينتهي إلى الخاتم وقبوله ذلك وصلاحيّته للوساطة ، وعلى تقييد ظاهره ثانيا بالشرع المطهّر المحمّدي وتقيّده به وصلاحيّته لتقييد غيره من المنتسبين إليه .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا)
(فمن الله) الذي فنيت به فناء لا ظهور لي أبدا (فاسمعوا و) إذا اشتبه عليكم شيء منه (إلى الله فارجعوا) ليطلعكم عليه بإشراف نوره على قلوبكم (وإذا سمعتم) من الله لا مني لفنائي فيه (ما أتيت به) صورة والآتي به هو الله حقيقة (فعوا) أمر الجماعة المخاطبين من وعى يعي إذا حفظ، أي احفظوه بدرك معانيه وتحقيق أسراره.
(ثم بالفهم فشلوا.. مجمل القول واجمعوا) مفصله أي فصلوا ما كان مذكورة فيه على سبيل الإجمال .
فرعوا عليه فروعه وأجملوا ما كان مذكورة فيه على التفصيل .
ولاحظوه على وجه الكلية والإجمال .
لتكونوا عالمين بالفروع في عين الأصول وبالأصول في عين الفروع.
أو فصلوا مجمل القول الذي ذكرته في المراتب والمقامات وأجمعوا بين كل مقام وأهله بتنزيل كل في مقامه.
(ثم منوا به على.. طالبيه) المستعدين المستحقين له، أي أعطوهم إياه عطاء إمتنانية غير طالبين منهم عوضة (لا تمنعوا)، أي لا تمنعوه بخلا وظنة بل اعملوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرني بإبرازه وإظهاره للانتفاع.
إن هذه الأمور الفائضة عليكم من الحقائق والأسرار هي (الرحمة التي وسعتكم)، أي شملتكم (فوسعوا) أنتم أيضا تلك الرحمة على الطالبين وكونوا أعوان الله ورسوله في إيصاله إليهم.
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: