السبت، 29 يونيو 2019

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثامنة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثامنة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثامنة الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 
الفقرة الثامنة : الجزء الثانيكتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما پنزل به علي.
ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث).
قال الشيخ رضي الله عنه: [و أرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي فما ألقي إلا ما يلقي إلي، و لا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به عليّ، و لست بنبيي رسول و لكني وارث و لآخرتي حارث : 
فمن الله فاسمعوا    .... وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما   ..... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا    ..... مجمل القول واجمعوا
ثم منوا به على     ..... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي  ...... وسعتكم فوسعوا
و من الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد، و قيد بالشرع المحمدي المطهّر فتقيد و قيد، و حشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته. فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك ] . 
حيث قال صلى الله عليه و سلم :  "وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد".  
مع تحققه صلى الله عليه و سلم أنه هو، فأرجو من العامل بمنزلة عيسى عليه السلام و لعلّ من الحق تعالى فإن لأمر المحقق.
(و أرجو) و لا يخفى على الله خافية فإن المحقق قد علم و شهد و ما عند الله، بل علم نفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد، فافهم أنه رضي الله عنه من الذين سبقت لهم منا الحسنى و زيادة.
( أن يكون الحق) إنما قال: الحق و لم يقل اسما آخر إذ لا يطلب الحق و لا يعطي إلا بالحق لأنه أعطى كل شي ء خلقه و هو ما يستحقه، فالسائل لو لم يكن مستحقّا استحقاقا ذاتيا ما أعطاه . 
( لما سمع دعائي قد أجاب ندائي) أنه سميع الدعاء يقال: دعوت فلانا: أي صحت به نداء و دعوت الله له و عليه دعاء، و النداء الصوت و ناداه مناداه و نادى: أي صاح به، ذكره في الصحاح . 
دعا رضي الله عنه امتثالا بقوله تعالى: "ادْعوني أسْتجِبْ لكُمْ " [ غافر: 60] . 
قال تعالى: "أجِيبُ دعْوة الدّاعِ إذا دعانِ" [ البقرة: 186] و ما دعاؤه رضي الله عنه إياه تعالى إلا عين قوله: يا الله و هو لله و جوابه لبيك، فهو الدعوة و به يسمّى داعيا . 
قال رضي الله عنه: هذا لا بد من الله في حق كل سائل، ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء و قد وقعت الإجابة، و أمّا ما طلب من الحوائج فلم يضمن إجابتها عناية و رحمة بهم لأنه قد يسأل مما لا خير فيه . 
قال تعالى: "ويدعُ الِإنسانُ بالشّر دُعاءهُ بالخيْرِ" [ الإسراء: 11]، . 
أما ترى بلعام بن باعوراء قد أتاه الله العلم بخاصة آية من آياته، و دعا على موسى عليه السلام فأجاب تعالى دعاءه فشقي الدّاعي شقاوة و انسلخ، و جعل مثله كمثل الكلب، فقضاء ما طلب من الحوائج بالمشيئة . 
قال الله تعالى: "وأيُّوب إذْ نادى رّبهُ أنِّي مسّني الضُّر وأنت أرحمُ الرّاحِمِين " فاسْتجبْنا لهُ فكشفْنا ما بهِ مِنْ ضُّر" [ الأنبياء: 83 – 84 ].
وقال تعالى في عبده الصالح يونس عليه السلام: "فنادى في الظُّلماتِ" [ الأنبياء: 87] فاستجاب له .
فإن المريض أو المضرور إذا قال: يا الله يعني يا شافي اشفني، و يا مغيث أغثني و هكذا هنا أجاب تعالى ندائه رضي الله عنه بلبيك و دعائه و طلبه بالسمع و القبول، فافهم . 
ثم اعلم أن الدعاء والطلب و السؤال لا يقتضي المنازعة .
كما ذهب إليه سهل، و الفضيل ابن عياض قدّس سرهما حيث ما أراد الله، فإن الدعاء ذلة و افتقار، و النزاع رئاسة و سلطنة فمن لم ينازع فما هو مقهور، و لا الملك عليه بقهار . 
قال رضي الله عنه: إنه ما تجلى له الحق تعالى بحمد الله من نفسه في اسمه القهار، و إنما رأى في مرآة غيره لأن الله تعالى عصمه منه في حال الاختيار، و الاضطرار فلم ينازع قط و كلما يظهر منه من صورة النزاع فهي تعليم لا نزاع، و لا ذاق من نفسه صورة القدر الإلهي قط لمناسبة ذكر بعض الأخبار و الآثار حتى يقرع سمعك مثل هذه الأسرار . 
اعلم أن من النزاع الخفي الصبر على البلاء، و عدم البلاء إذا لم يرفع إزالته إلى الله تعالى كما فعل سيدنا أيوب عليه السلام، و قد أثنى الله تعالى عليه بفعله مع شكواه .
فقال تعالى: "إنّا وجدْناهُ صابرًاً نعْم العبْدُ إنّهُ أوّابٌ" [ ص: 44] . 
و لهذا قلنا: إن الدعاء لا يقدح ولا يقتضي المنازعة بل هو أعلى، وأثبت لقدم العبودية من تركه . 
ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يرد القدر إلا الدعاء " الحديث رواه ابن ماجه. والترمذي وأحمد  و الطبراني في الكبير.
وأما الرضا والتسليم فهما نزاع خفي لا يشعر به إلا أهل و خاصته و ذلك لأن متعلق الرضا ميزان شرعي خاص لا يدرك إلا بالكشف، فافهم . 
هكذا أبانه في "الفتوحات" فما ألقي إليكم إلا ما يلقى، ولا أنزل هذا المسطور إلا ما ينزل به عليّ، ألقي إليه كتاب كريم.
فألقي إليكم الكتاب القويم و هو مرتب مسموع مقروء، و أنزله في هذا المسطور كما نزل عليه رضي الله عنه في الرقّ المنشور، و بلغ ما أنزل إليه فلم يعدل عن سورة ما أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم، و أبقى صورته كما أنزل عليه فإنه ما نزلت المعاني الصرفة عليه من غير تركيب بل بتركيب الحروف و ترتيب الكلمات و نظم الحكايات و إنشاء الفصوص من  كل فص باسم صاحب ذلك الفص المسمّى مجموعة بفصوص الحكم .
فلمّا أقام رضي الله عنه نشأة هذا الكتاب "الفصوص "، و أظهره بين أظهر الناس فأبصرته الأبصار، و سمعته الآذان من التائبين، و قرأته الألسنة عند التلاوة و ليس الكتاب إلا هذا المجموع و المسموع المبصر المقروء .
وذلك تبليغا منه وتنبيها للناسين، فلا ينبغي لأحد أن يعترض على ما تضمنه الكتاب و يعترض لأحكامه بسوء الخطاب فيحكم عليه بأحكام يقتضيها الحجاب الله أعلم حيث يجعل رسالاته و ما على الرسول إلا البلاغ.
و سدد هذا الكلام منه رضي الله عنه كله لتأنيس الناسين الذّاهلين، و تنبيه الغافلين الساهين بأنه كتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، بل في بعض كتبه يحلف رضي الله عنه بالإيمان تحريضا و تحريصا على القبول و الإذعان لأهل الإيمان . 
كما في "الفتوحات" في الباب الثالث و ثلاثمائة فإنه يقول: فو الله ما كتبنا حرفا إلا من إملاء إلهي أو إلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني.
و هذا مثل ما قال صاحب موسى عليهما السلام، و ما فعلته عن أمري حتى يرد الأمر و ثبت الحاس، فالعمل في هذا الإقعاد و مشوا على سنن سيدهم . 
حيث يقول تعالى: "لا أقسِمُ بيوْم القِيامةِ" [ القيامة: 1] . 
و الشمس و الليل و الضحى، و كل ذلك شفقة و رحمة من الله و من عباده الأمناء العارفين على عباده الضعفاء المترددين . 
( و لست بنبيّ و لا رسول ): أي نبي مكلف، و رسول مشرع فإنهما انقطعا برسول الله صلى الله عليه و سلم، فلا رسول بعده و لا نبي . 
قال رضي الله عنه: إنما قلت لئلا يتوهم متوهم، فلا رسول بعده، إني ادّعيت النبوة و الرسالة لا و الله ما بقى إلا ميراث و سلوك على مدرجة الرسول، و الاقتداء به صلى الله عليه و سلم خاصة . 
وأمّا النبوّة و الرسالة اللتان ليستا بتكليف ولا تشريع جديد فأبقى الله تعالى أحكامها في الورثة.
""أضاف المحقق :  قال سيدي علي وفا قدس سره:
النبوة مظهرية الربوبية، والروح الناطق الحكيم وجه رب الحق المبين، فمن ظهر فيه فقد أوتي النبوة في كل مقام بحسبه.
من ظهر فيه الروح الحكيم بإدراكه وفعله في دائرة التدبير والتكوين معا فهو رسول في كل مقام.
من ظهر فيه الروح الحكيم بادراکه لا فعله فهو ولي .
فالنبوة حيطة الإحاطة الربانية. والرسالة منها للفرقان. والولاية للجمع، في كل مقام بحسبه .
وقال : غاية كل شيء نهايته وختامه، وغاية النبوة الربوبية، فخاتم النبيين وسطهم جامعهم غايتهم
وقال : فقيل للسيد: متى وجبت لك النبوة؟
قال: «كنت نبيا و آدم منجدل في طينته».
وفي رواية: «إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم بين الروح والجسد»."" أهـ
وأشار صلى الله عليه و سلم إليه في قوله : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل".
ويشير إلى هذين المقامين الشيخ ابن الفارض قدّس سرّه في شعر : 
وعالمنا منهم نبيّ و من دعي    ..... منا إلى الحق قام بالرسلية
جعل الله ورثته صلى الله عليه و سلم في منازل الأنبياء و الرسل.
فأباح لهم الاجتهاد في الأحكام فهو تشريع محقق من خبر الشارع الصادق المحقق فكل مجتهد نصيب،  كما أن كل نبيّ معصوم عن الغلط و السهو ليحصل لهم نصيب وافر من التشريع . 
ورد في الخبر  "إن لله عبادا ليسوا بأنبياء" : أي أنبياء التشريع و التكليف و لكن أنبياء علم و سلوك اهتدوا فيه بهدى أنبياء التشريع غير أنهم لا يقبلون الاتباع لوجهين.
وجه لسواد وجوههم في الدنيا والآخرة فهم أصحاب راحة عامة لا يدرون أحد، ولا يدريهم أحد. 
الوجه الآخر أنهم يريدون راحة يوم الفزع الأكبر يوم يحزن الأنبياء على أممهم لا على أنفسهم . 
و فيهم قال تعالى: "لا يحْزنـهُمُ الفزعُ الْأكْبرُ وتتلقّاهُمُ الملائكةُ" [ الأنبياء : 103].المهيمون في جلال الله، العارفون الذين لم تفرض عليهم الدعوة إلى الله تعالى، و هم في البشرة بمنزلة الأرواح الهائمة في الملك، فافهم . 
قال رضي الله عنه في الفصل الثالث و الثمانين في "الأجوبة في الفتوحات" : 
قد حدّثني أبو البدر البغدادي، عن الشيخ بشير من ساداتنا بباب الأزج، عن إمام  
بالسجود لآدم، و شرعه لهم لأنه نبيّ ذلك الوقت، و يؤيد ذلك إضافة الرب إليه في قوله: "وإذْ قال ربُّك للْملائِكةِ إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خليفةً" [ البقرة: 30].
و تيسير خطاب البسط بلسانه في قوله: "وإذْ قُـلْنا للْملائكةِ اسْجُدُوا لِآدم" [ البقرة: 34]، و قس على هذا.  
العصر، عن عبد القادر الكيلاني قدّس سره أنه قال : "معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا" .
فأمّا قوله أوتيتم اللقب: أي حجر علينا إطلاق لفظ النبي، و إن كانت النبوّة العامة سارية في أكابر الرجال . 
و أما قوله: و أوتينا ما لم تؤتوا هو عين قول الخضر عليه السلام الذي شهد الله بعدالته و تقدمه في العلم، و أتعب الكليم المصطفى المقرب موسى عليه السلام في طلبه . 
إن العلماء أجمعوا على أنه أفضل من الخضر عليه السلام، فقال له: أنا على علم علمنيه الله لا تعلم أنت، فهذا عين ما قال السيد عبد القادر قدّس سره، فافهم أن هذه النبوة العامة غير منقطعة دائما أبدا . 
و قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": و هذه ما أدري عن قصد منهم كان ذلك، أو لم يوفقهم الله عليها، أو ذكروها و ما وصل ذلك إلينا، و الله أعلم بما هو الأمر عليه . 
( و لكني وارث) اعلم أن الوارث اسم إلهي، و الوراثة نعت إلهي، فإنه قال تعالى عن نفسه أنه خير الوارثين: "وأنت خيْـرُ الوارثين" [ الأنبياء: 89] .
قال: "إنّا نحْنُ نرثُ الْأرض ومنْ عليها " [ مريم: 40].
فورثها ليورثها من يشاء من عباده، فالولي الوارث لا يأخذ ورث النبوّة إلا بعد أن يرثها الحق منه.
ثم يلقيها إلى الولي ليكون ذلك أتم في حقه حتى ينسب في ذلك إلى الله تعالى لا إلى غيره.
وبعض الأولياء يأخذونه وراثة عن النبي صلى الله عليه و سلم وهم الصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوه، أو من رآه في النوم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الخامس و الخمسين و مائة من "الفتوحات" : .
و لهذا قيل: إن كنت وارثا فلا ترث إلا الحق.
فإن قيل: ولا يصح الميراث لأحد كان ممن كان إلا بعد انتقال المورث، و أمّا ما حصل لك من غير انتقال فليس يورث، و إنما ذلك وهب و أعطية و منحة أنت فيها نائب وخليفة لا وارث. 
وأيضا إن المورث لا يكون إلا بتملك قهري على المورث كان ما كان، أراد المورث، أو لم يرد، و كان من كان، فكيف حكم هذين الحكمين في الإلهيات التي أثبت فيها الميراث ؟ 
قلنا: صدقت، و لكن إذا أشهدك الحق غناه عن العالمين فقد ترك العالمين، فهم تركة إلهية لا يرثها إلا أنت إن كنت صاحب هذا الكشف و الشهود، فافهم . 
وأيضا أن جميع ما نحن عليه من الصفات وصف نفسه بها، ثم نزه نفسه عنها . 
فقال تعالى: "سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180]، فأخذنا هذه الصفات التي كنا نصفه بها بعد تنزيهه عنها بحكم الوارث لأنه قد وصف نفسه، و وصفناه بها، فقام التنزيه بعد ذلك مقام الموت لنا، فهو يرثنا بالموت، و نحن نرثه بالتنزيه، فافهم . 
و أيضا أن الله تعالى قال: " ما يكُونُ مِنْ نجْوى ثلاثةٍ إلّا هُو رابعهُمْ" [ المجادلة : 7].
فإذا جاء الرابع منا انتقل إلى المرتبة الخامسة، و خلي له المرتبة.
فورثها هذا وارث العموم، وأمّا في ميراث الخصوص، فإنه رابع أربعة في حال كونك أنت رابع أربعة لأنك على الصورة.
فورث الخاص الوجود، و بطن المورث بورث الظاهر الوجود . 
قال رضي الله عنه: إن أطيب ما يورث من العلم ما يرثه العالم من الأسماء الإلهية . 
و يشير إلى هذا قوله صلى الله عليه و سلم : "تخلقوا بأخلاق الله" .  
، و ظهور الأخلاق لا يكون إلا في عالم التشبيه للخليفة، فاستخلف الخليفة و استعان بذاته و تحجّب بحجاب العزة لاستحالة جمع المستخلف و المستخلف، و لا يجمع المورث و الوارث، فافهم . 
أمّا قولك: إن الميراث من تمليك  قهري فذلك لأن الإرث بحكم الاستعداد وبتحكّم القابلية، و الاستحقاق الذاتي . 
و من هذا المقام قال سبحانه في طائفة: "لهُمْ أجْرٌ غيْـرُ ممْنونٍ " [ الانشقاق: 25] إلا منه روع لأنه اقتضاء ذاتي . 
و قال في الآخرين: "وما ظلمْناهُمْ ولكِنْ كانوا أنْـفُسهُمْ يظلِمُون " [ النحل : 118] .
و كما أن المال الموروث من غير كسب، و تصنع من الوارث، كذلك هنا أن علومه آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من غير كسب واستفادة .
و هنا  مشرب آخر دون ذلك وهو: إن تعلم أن الورث ورثان، ورث نبوّة أن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "الأنبياء ما ورثوا دينارا و لا درهما و إنما ورثوا العلم ".
فمن أخذه بحظ وافر، فلم يبق الميراث إلا في العلم والحال والعبارة عمّا قصدوه من الله تعالى في كشفهم، وهو على نوعين صوري ومعنوي. 
أمّا الصوري: منه ما يتعلق بالألفاظ و الأفعال و ما يظهر من الأحوال، فإن الوارث ينظر إلى ما كان يفعله النبي صلى الله عليه و سلم ما أبيح للوارث الاقتداء به فيه.
فيأتيها على حد ما وردت لا نزيد و لا يزيد و لا ينقص منها، و إن اختلفت الروايات فليفعل بكل رواية وقتا بهذا و وقتا بهذا و لو مرة واحدة، و يدوم على الرواية القوية إذا أمكن له و لا ينقص أصلا ثابتا . 
و من هذا الذوق روي عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: إنه ما أكل البطيخ حتى مات لأنه ما بلغه كيف أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و أما المعنوي: فكان ما يتعلق بباطن الأحوال من تطهير النفس، و التخلق بمكارم الأخلاق، فإنه قال صلى الله عليه و سلم :  "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . 
وهذا الإتمام على نوعين :
الأول: للعامة بتبديل المذام بالمكارم .
والنوع الثاني: بخصوص و هذا إلحاق السفساف بالمكارم، فإن الأخلاق كلها مكارم و ليس في الوجود إلا الله، فافهم . 
أما الوارث الثاني هو الموروث الإلهي، فهو ما يحصل لك في ذاتك من صور التجلي الإلهي عند ما يتجلى لك فيها فإنك لا تراه إلا به.
فإن الحق بصرك في ذلك الموطن، فإن لم يتكرر عليك صورة التجلي فقد انتقل عنها، و ورثك أمر تظهر به في ذاتك و في ملكك، فإذا أردت شيئا تقول له كن فيكون، فمثل هذا من الورث الإلهي هو الورث النبوي، فإنه ما حصل هذا إلا بالاتباع، و الاقتداء، و المحبة . 
و الأنبياء لا يورثون عليهم السلام حتى ينقلبوا إلى الله تعالى من هذا الدار و كل ما له من نبي انتقل، فذلك علم موروث .
أما ترى قوله تعالى عن زكريا عليه السلام: " وإنِّي خِفْتُ الموالي مِنْ ورائي" [ مريم :5]: أي بعد موتي، و انتقالي إلى البرزخ فطلب من لدنه وليا يرثه من بعده حتى لا يضيع الذين بعده، و هل كان ذلك الإرث إلا بعد الانتقال؟ . 
ثم اعلم أن كل وارث علم في زمان يرث من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام، و هذه الأمة لما كان نبيها آخر الأنبياء عليهم السلام صحّ للوارث منهم أن يرث الجميع.
ولا يكون ذلك بغير هذه الأمة، فلهذا خير أمة أخرجت للناس، و كل علم لا يكون عن ورث فإنه ليس بعلم اختصاص كعلم الحكماء وأصحاب الفترات، فافهم . 
و لو كانوا علماء و لم يكونوا متبعين لنبي، فنزلوا عن درجة الاختصاص و التفاوت بين العلمين بون عظيم، و تميز ذوقي مشهود، جعلنا الله و إياكم من الوارثين، و لآخرتنا حارثين و لآخرتي حارث . 
قال تعالى: "منْ كان يريدُ حرْث الْآخِرِة نزدْ لهُ في حرْثهِ ومنْ كان يريدُ حرْث ُّ الدنيا نُـؤْتهِ مِنْها وما لهُ في الْآخِرِة مِنْ نصِيبٍ"[ الشورى: 20]. 
و الزيادة في الحرث هو التوفيق للعمل الصالح، فلا يزال ينتقل من حسنة إلى حسنة، فإذا كسب نال ما اقتضاه العمل و الزيادة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهو ذوق، فهذه زيادة الحرث في الآخرة فينال به في الآخرة جميع الأغراض و زيادة لم يبلغه أمله لعدم توجهه إليه . 
وأما قول الشارح القيصري قدّس سره: إنه لا يريد أجر الآخرة من دخول الجنة وغيرها، فإن الكمّل لا يعبدون الله للجنة، انتهى كلامه. 
فكأنه اشتبه عليه الفرقان بين من يعبد الله للجنة، وبين من يشتهي الجنة و أجرها مع أنه رضي الله عنه ذكر في "الفتوحات ": إن النفس الناطقة تلتذ بجميع ما تعطيه القوة الحسية، فتشتهي اللذات الجنانية . 
والناس على أربع مراتب في هذا الاشتهاء فمنهم:
من يشتهي الجنة و لذاتها و تشتهيه الجنة .
كما ورد في الخبر :  "إن الجنة اشتاقت إلى علي، و بلال، وعمار رضي الله عنهم" وهم من أكابر رجال الله من رسول ونبيّ و وليّ كامل مكمّل . 
ومنهم: من يشتهي بالضم و لا يشتهي بالفتح، و هم أصحاب الأحوال من رجال الله الهائمين في جلال الله الذين غلب معناهم على حسبهم.
وهم دون الطبقة الأولى، فإنهم أصحاب أحوال . 
ومنهم: من يشتهي بالفتح و لا يشتهى بالضم و هم عصاة المؤمنين . 
ومنهم: من لا يشتهي و هم المكذّبون بيوم الدين، والقائلون بنفي الجنة المحسوسة، ولا خامس لهؤلاء الأربعة أصناف . 
قال رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و أربعمائة من "الفتوحات ":
إن العالم لا يرى شيئا من الأحوال، و يعظم ما عظمه الله، و يحقّر ما حقّره الله، و لا يغلب عليه الحال، فإن أكثر الناس لا يعلمون، بل هم بهذا القدر جاهلون و عنه عمون.
وهذا هو الذي أدّاهم إلى ذم الدنيا و ما فيها، والزهد في الآخرة وما فيها من النعيم واللذات، و انتقدوا على من شغل نفسه بمسمّى هذه اللذات كلها، و جعلوا في ذلك ما حكي عن الأكابر في هذا النوع متأولا، و حملوا ألفاظهم على غير وجه تعطيه الحقيقة.
وأرادوا أن كل ما سوى الله حجاب و كيف لا تكون شهوة الجنة وهي دار القربة و محل الرؤية، و هي دار الشهوة و عموم اللذات، و لو كانت حجابا لكان الزهد و الحجاب فيها، فالرحل كل الرحل من ظهر بالصورة و هو وراء أحكام العبودية الطبيعية، فافهم. انتهى كلامه رضي الله عنه . 
قال رضي الله عنه في الباب الخامس والثمانين وثلاثمائة من "الفتوحات "
إن احتقار شيء من العالم لا يصدر من تقي يتقي الله.
فكيف من العالم بالله علم دليل أو علم ذوق؟!
فإنه ليس في العالم عين إلا وهو من شعائر الله من حيث ما وضعه الحق دليلا عليه، و وصف من يعظم شعائر الله، فإنها من تقوى القلوب.
فمن حقّر الوجود و استهانه، فإنما حقّر و استهان خالقه و مظهره، فافهم .
فقوله رضي الله عنه: ولآخرتي حارثأي أطلب الأجر لأنه ظهر على الصورة، و أوّل أجر ظهر طلبه في الوجود أجر إيجاد الممكن . 
فقال: الممكن للواجب في حال عدمه أريد منك عمل الإيجاد، فقال: الواجب فلي عليك حق إذا علمته لك ما طلبت من العمل، و أظهرتك في الوجود . 
فقال: لك أن أعبدك و لا أشرك بك شيئا، فلما أظهره، و لم يجعل نفسه في إيجاده متبرعا فقال: اعبدني، و سبح بحمدي فسبحه و عبده . 
فسري حكم طلب هذا الأجر في جميع الممكنات، بل هو ذاتي للأعمال لأن الأعمال تطلب الأجر بذاتها . 
ورد في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم قال :  "حق الله على العباد أن يعبدوه، و لا يشركوا به شيئا، ثم قال: أتدرون ما حقهم عليه سبحانه و تعالى إذا فعلوا ذلك؟   أن يدخلهم الجنة". 
ذكره رضي الله عنه في الباب السادس و السبعين و ثلاثمائة من " الفتوحات" . 
ولهذا السرّ قالت الأنبياء عليهم السلام: إن أجرنا إلا على الله، فأخبروا أن لهم الأجور، و أمر سبحانه لسيدنا و نبينا صلى الله عليه و سلم . 
حيث قال تعالى: "قلْ لا أسْئلكُمْ عليْهِ أجْرًاً إلّا المودّة في الْقُرْبى"  [ الشورى: 23] باستثناء متصل، فما عمل عامد كان من  كان إلا بالهجر، فافهم 

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: