الجمعة، 28 يونيو 2019

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" الفقرة الأولى  فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" الفقرة الأولى فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي



موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية 

بسم الله الرحمن الرحيم النقطة ليست حرف ولا رقم ولا كلمة ولكنها الحقيقة السارية لايجاد واظهار كل حرف و رقم و كلمة , نقطة الباء أشارة الى الإنسان الكامل وإشارة الى هو المطلق.
اعلم أيدك الله بنور علمه وتوفيقه اختار الله تعالى محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب وليا لله ونبيا وخاتم المرسلين وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا, افتتح الحق سبحانه خلق الخلق بنور محمد واختتم رسالة الشرائع بـ محمد ابن عبد الله , واختار من الحروف العاليات محمد ابن على ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي فجذبه الى ذرى أعلى قلل نور نبيه فجعله من أولياؤه المخلصين ووهبه الأستعداد والقابلية للمقام المحمدي وأتمه إنسانا كاملا وأقامه خاتما للأولياء المحمديين خاصة.
فأشار إليها الختم رضي الله عنه مخبرا:
كنا حروفاً عاليات لم نقل ……. متعلقات في نرى أعلى القلل
أنا أنت فيه ونحن أنت وأنت هو … والكل في هو هو فسل عمن وصل

قال تعالى : "اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ" 13 الشورى و " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ " 179 آل عمران.
فلما سألنا عمن وصل عرفنا انه ختم الأولياء المحمديين خاصة وليس بنبي رسول لكنه وارث ولآخرته حارث. وحسنة من حسنات خاتم المرسلين والوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وأن مشيئة الله ورسوله تكليف ختم الأولياء المحمديين بإخراج " كتاب فصوص الحكمإلى الناس لينتفعوا به. فلما ترجم الأمر محققا الأمنية.
فأقبلنا عليه فاستفتح لنا بحمد الله يعلمنا شاديا بـ :
(الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم, بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم. 
وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، وبالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم. أما بعد:
فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وآله وسلم كتاب.
فقال لي: هذا «كتاب فصوص الحكم» خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به. 
فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا. فحققت الأمنية و أخلصت النية و جردت القصد و الهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من غير زيادة و لا نقصان، و سألت الله تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، و أن يخصني في جميع ما يرقمه بناني و ينطق به لساني و ينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي و النفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي، حتى أكون مترجما لا متحكما، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس. 
وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي، فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به علي.
ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث.
فمن الله فاسمعوا ... وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول وأجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا
و من الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد و قيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد و قيد، وحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته.
فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك :  )
الفقرة الأولى :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
(بسم الله الرحمن الرحيم) لما كانت علوم الشهود والإلهام تنزلات معاني القرآن العظيم على قلب التابع المحمدي صاحب مقام الإسلام صدر كتابه المنزل على قلبه بما صدر به نبیه کتابة المنزل عليه من ربه ليلتحق التابع بالمتبوع وتنبت على أصولها الفروع.
وقد أشار إلى ذلك النبي عليه السلام بقوله: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أقطع".
ولفظة كل تفيد العموم والأمر واحد لا عموم فيه كما قال تعالى : "وما أمرنا إلا وجه لمح البصر " آية 50 سورة القمر.
ولكن لما قيده بذي بال، أي شأن خاص عند صاحبه بحسب قوة استعداده تعدد بالقيد، فالأمر واحد وقيوده كثيرة، فهو بحسب كل قيد غيره بحسب القيد الآخر، وباقي الكلام على البسملة يطول إذ هي مما أفرد بالتصنيف، وغرضنا الآن بیان مهمات الكتاب فلا نطيل في غير ذلك.
(الحمد لله) ويقال في الحمد لله كما قيل في البسملة، وأشار إلى ذلك النبي عليه السلام بقوله في رواية أخرى: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع".
ولما كان وجود النعمة بالبسملة وبقاؤها بالحمد لله قدم ما به الوجود على ما به البقاء .
وبيان ذلك أن كل شيء موجود من العدم باسم من أسماء الله تعالى، مشتق من صفة من صفاته .
فالاسم باطن الشيء والشيء ظاهر الاسم.
كما أن الصفة باطن الاسم والاسم ظاهر الصفة.
والذات باطن الصفة والصفة ظاهر الذات.
وكل شيء باقي إلى أمده المعلوم بتكرار الأمثال غير ذلك لا يكون.
قال تعالى في الآية السابقة : "وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر"آية 50 سورة القمر.
وكل شيء قائم بأمر الله تعالى، فكل شيء كلمح البصر، وتكرار وجود الشيء زيادة على وجوده الأول.
والله تعالى يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم " آية 7 سورة إبراهيم.
والشكر : هو الحمد الاصطلاحي، فبالبسملة ظهر الوجود و بالحمد لله بقي كل موجود.
(منزل) بسكون النون وكسر الزاي اسم فاعل من أنزل
قال تعالى : "سبحان الذي أنزل على عبده الكتب"  أو بفتح النون والتشديد للزاي مكسورة من نزل مشددة .
قال تعالى: "وله تنزيلا" آية 106 سورة الإسراء.
والإنزال غير التنزيل الاختلاف الصيغتين، فصيغة أنزل تقتضي مطلق الانتقال من موضع إلى آخر.
وصيغة نزل بالتشديد تقتضي المبالغة في ذلك، وكلاهما فعلان متعدیان.
(الحكم) جمع حكمة , وهي العلم المتقن الكاشف عن حقائق الأشياء على ما هي عليه من غير شائبة توهم في الإدراك.
قال تعالى: " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا " آية 269 سورة البقرة .
وقد تطلق الحكمة على النبوة ، كما قال تعالى في داود عليه السلام: "وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ" (20) سورة ص.
ومعنى الإنزال والتنزيل المذكورين هو معنى الإيتاء هنا، والثلاثة تقتضي انتقالا من موضع إلى آخر إلا أن الأولين للانتقال من علو فقط دون الثالث.
وانتقال العلم القديم من ذات الحق تعالى إلى غيره ممتنع عقلا ونقلا.
وكذلك الكلام القديم، فلا بد لذلك من معنى يدخل في الإمكان.
وذلك أن علم الحق تعالی وكلامه وإن تعلقا بجميع الواجبات والمستحيلات والجائزات كما تقرر في موضعه .
ولكن لا بد أن نقول إن هذا التعلق بالنسبة إلى عقولنا التي نحن مكلفون بسببها.
إذ الواجبات التي نقول إنهما متعلقان بها مجرد معاني مفهومة لنا حادثة فينا.
وكذلك المستحيلات مجرد أمور مفروضة يحكم العقل بامتناعها في حقه تعالى، وكذلك الجائزات فأخرجنا في تقسيم الحكم العقلي إلى الأقسام الثلاثة عن المعاني الجائزة .
فأين الواجبات وأين المستحيلات من محض الجائزات.
إلا أن التكليف الإلهي للعباد يقتضي هذا التقسيم، ولولاه لما كان في الخلق كفر ولا إيمان جملة واحدة.
إذ لم يقع جحود الجاحدين إلا على ما تصوروه، فكذلك إيمانهم، وكل ما تصوره الحادث فهو معنى حادث، و ليطل أمر الله ونهيه وهو أمر مستحيل.
فثبت أنه لا بد أن تكون جميع محكومات العقل معانی حادثة.
فالإله المنزه الذي في الاعتقادات مأمور بإثباته كل مكلف، وهو غير الإله الحق الذي لا يتعلق به حکم للعقل لا بإثبات ولا بنفي.
كما أن الشريك والمثيل والصاحبة والولد المتصورات في العقل مأمور بنفيها عن الحق تعالى کل مکلف.
وإنما هي مستحيلات التصور العقلي لا المستحيلات الحقيقية فإنها ممتنعة عن حكم العقل إثباتا ونفيا .
وسيأتي بقية الكلام على إله المعتقدات في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
فيبقى معنى الانتقال المذكور انتقال من عدم إلى وجود، فحادث منتقل إلى حادث.
غير أن هذا الحادث المنتقل من العدم إلى الوجود ، محكوم عليه بجميع أحكام القديم.
ومسمى بجميع أسمائه ، و موصوف بجميع أوصافه حكمة إلهية لا المناسبة فيه ولا لمشابهة بينه وبين القديم تعالى .
وإليه الإشارة بقوله تعالى : "ولله المثل الأعلى"آية 60 سورة النحل.  في السموات والأرض.
فالمثل : هو الواجب العقلي الخاص.
والأعلى: أي عن المستحيل العقلي ، ذكر السموات والأرض هو الجائز ولفظة في إشارة إلى أن هذا الواجب والمستحيل لم يخرجا عن الجائز.
إذا علمت هذا وتحفظت من الخطأ في فهمه على حسب ما أريده ظهر لك معنى تنزل القرآن القديم .
ومعنی نزول الرب تعالى إلى سماء الدنيا ، وغير ذلك من مشكلات الدين.
(على قلوب الكلم)، جمع كلمة , والمراد بها الذات الإنسانية الكاملة، وتسميتها كلمة جاءت في القرآن العظيم .
قال تعالى في حق عيسى عليه السلام : "وكلمته ألقاها إلى مريم" آية 171 سورة النساء.
وقال تعالى في إيمان مریم بسائر الأنبياء عليهم السلام: "وصدقت بكلمات ربها وكتبه"الآية 12 سورة التحريم.
وقال تعالى : " النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته" آية 158 سورة الأعراف.
فيجوز إطلاق الكلمات على النفوس الكاملة في فضيلتي العلم والعمل.
والمعنى في ذلك أن الكلمة التي ينطق بها الإنسان مجموع حروف تركب بعضها مع بعض.
فحملت معنی زائدة على معاني تلك الحروف في أنفسها بل لا معنى لتلك الحروف في أنفسها متفردة مما يناسب معنى الكلمة المركبة منها.
ولا شك أن الحروف الخارجة من فم المتكلم هي في نفسها هواء دخل إلى الجوف ثم خرج فسمي نفسه.
لأنه ينفس عن القلب كربه. أي حرارته في قصد المعاني وما هناك إلا المعاني.
لا تفرغ من القلب الحيواني تميزت بالعقل أو لم تتميز كقلوب الدواب ونحوها.
ثم إن ذلك الهواء إذا مس القلب انبعث من القلب توجه طبيعي لدفعه عنه باعتبار سخونة في الحال مخافة أن يحترق بها ثم يطلب هواء باردة غيره.
وهكذا إلى أن لا يقدر على الطلب فتحرقه حرارته الغريزية ويموت الإنسان لذلك، ومثله الحيوان كما ذكرنا .
فإذا أراد القلب أن يظهر ما فيه من المعاني المتميزة عنده بالعقل أخرج ذلك الهواء الذي مسه على كيفية خاصة بتعليم إلهي .
كما قال تعالى : "وعلمه البيان " آية 4 سورة الرحمن.
فعند ذلك يمر ذلك الهواء المسمى نفسه على مخارج الحروف التي في الجوف أو الحلق، أو اللسان أو الشفتين، فينسكب ذلك الهواء في قوالب تلك المخارج ويخرج من الفم متكيفة بكيفيات تسمى حروف.
ثم تترتب في الخروج فيمسي ترکیبا.
ثم تصل وهي متكيفة كذلك بتموج ذلك الهواء لقوة اندفاعه من الصدر إلى أذن السامع ويخلق الله في نفسه حينئذ معنى تلك الكلمة الذي قصده المتكلم.
فيقال : سمع المخاطب الكلمة و فهمها .
إذا علمت هذا فاعلم أن ما نحن بصدده من كلمات الله تعالى التامات الفاضلات، نزلت إلينا وأصلها روح واحدة عظيمة.
ومن هنا يسمى الهواء روح وريحا بقلب الواو ياء، وهذا الروح العظيم هو أول مخلوق خلقه الله تعالى ليس بينه وبين أمر الله تعالى واسطة.
كما قال تعالى : "و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" آية 85 سورة الإسراء.
ثم إن هذا الروح للحق تعالی بمنزلة الهواء الذي يسمي نفسه بالتحريك للمتكلم بالكلمات.
وقد ورد تسميته نفسه في حق الله تعالى
كما قال النبي عليه السلام: «إني لأجد نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن». رواه أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
"وكذلك قوله: "إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن" أخرجه أحمد فى مسنده"
"وكذلك قوله:" إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" رواه الطبراني في الكبير وأحمد بن حنبل عن أبي هريرة"
"وصححه الألباني  بلفظ: "إني أجد نفس الرحمن من هنا - يشير إلى اليمن"."
فكان الأنصار، وسماهم نفسا بالتحريك ولم يسميهم كلمات لعدم تضمنهم بشيء من المعاني قبل إسلامهم.
ولمحو صور وجودهم عند أنفسهم لما جاؤوا لنصرته عليه السلام مؤمنين به مذعنين له منقادين إليه تاركين التدبير معه حتى دخلوا في دينه كذلك وتفتحت أقفال قلوبهم.
ثم إن هذا الروح الذي هو أول مخلوق يسمى نور محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار، ويسمى عقلا وعرشا باعتبار آخر.
كما سنقرره في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى إذا جاءت له مناسبة أو تعرض له الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في أثناء هذه الفصوص الحكمية.
وحيث كان هذا الروح المذكور للحق تعالی بمنزلة الهواء للمتنفس المتكلم وإن كان بينهما بون بعيد، فإن الهواء في المتنفس المتكلم يدخل إلى جوفه
ثم يخرج.
لأنه جسم لطيف يدخل في جسم کثیف بينهما بعض المباينة، وليس في الله تعالی جسمية لأن هذا الروح المذكور ليس جسم لطيفا ولا كثيفا ولا مناسبة بينه وبين الأجسام وهو حادث مخلوق.
والله تعالى لیس جسم ولا جوهرا ولا عرضا ولا يشبه هذا الروح المذكور ولا غيره.
ولكن المقصود من ذلك مجرد ضرب المثل للاعتبار فقط بأنه إذا كان هكذا في الحادث ففي القديم بالأولى.
وقد أومأ إلى ذلك قوله تعالى: «فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"آية 23 سورة الذاريات.  بعد ذكر آية الرزق الحسي والمعنوي.
فالرزق الحسي من السماء وهو معلوم والرزق المعنوي من السماء أيضا وهو رزق الأرواح وهو المعارف الإلهية والأول رزق الأجسام.
ثم إذا علمت کون هذا الروح المذكور بالنسبة إلى الحق تعالى بمنزلة الهواء للمتنفس المتكلم على الوجه الخالي من التشبيه.
وعقلت هذا المثل الذي ضربه الله لك لا ضربته أنا لك، غير أني كنت أمينا عليه فأديته إليك كأمثلة .
قال تعالى: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"آية 43 سورة العنكبوت .
يعني لا يقدر أن يستخرج التنزيه الذي اشتملت عليه من التشبيه المفهوم من ظاهرها إلا العالمون بالله تعالى.
وفيه إشارة إلى لزوم اتباع غير العالمين للعالمين الذين عقلوها.
فاعلم الآن أن الحق تعالی أول ظهور استيلائه ومن كونه متکلمة على هذا الروح الأول المذكور من غير مماسة ولا مباينة كما هو مقرر في عقائد غير أهل الشهود مفصلا.
وأما أهل الشهود فلا يحتاجون إلى ذكره لوضوحه عندهم.
قال تعالى : "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن تقول له كن فيكون"آية 40 سورة النحل. والقول هو الكلام فبالقول ظهر الشيء.
والشيء المراد في حضرة العلم الأزلي یعنی معناه لا ذاته.
كما أن معنى الكلمة في علم المتكلم لا ذاتها .
ثم إنه تعالى جعل الحروف التي استخرجها من ذلك الروح الأعظم الذي هو بمنزلة النفس بالتحريك له تعالى كما ذكرنا على قسمين:
القسم الأول: الألف وهي أصل الحروف كلها ، وهي بمنزلة اللوح المحفوظ الذي فيه كل شيء وهي الكتاب المبين وهي الرق المنشور، ومخرجها الجوف وهو باطنية الحق تعالى يعني من اسمه الباطن .
والقسم الثاني : باقي الحروف، وأعلاها الواو المدية، والياء المدية المناسبتهما للألف من جهة خروجهما من الجوف.
فالواو هي العرش الجسماني ولهذا سكنت بعد رفع الياء حقيقة الملائكة الأربعة ولهذا سكنوا بعد خفض ما قبلهم، ثم ظهرت الباء والتاء والثاء واختلفت بالنقط .
فالنقطة الأولى نقطة زحل في حرف السماء الأولى، والنقطتان والثلاث باقي السيارات غير القمر فإنه مجلى الشمس لا نقطة الوجود.
ثم ظهرت باقي الحروف في الأسباب الباقية وتركبت فظهرت الكلمات الطيبة والكلمات الخبيثة كما فصلته في كتابي : (كوكب الصبح الإزالة ليل القبح )والمراد هنا بيان الكلمات الطيبات وهي كلمات الله الفاضلة التي حقت على الكافرين وربما يأتي لهذا الكلام زيادة بيان في مواضع مناسبة من هذا الكتاب.
(بأحدية) متعلق بمنزل (الطريق) إلى الله تعالى (الأمم)، أي المستقيم، وأحدية هذا الطريق اجتماع الروحانيات الفاضلة في الروح الكل المذكور، وهو طريق الله تعالى لا طريق إليه غيره، وهو في كل حقيقة كونية بتمامه.
ولهذا ورد في الحديث : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» ولما كانت معرفة النفس مختلفة ظهر الاعوجاج على حسب المعرفة والمعرفة الصحيحة بإلهام من الله تعالى، وهي الاستقامة في الطريق الموصل إليه تعالى.
(من المقام الأقدم)، أي حضرة الله تعالى وهو بيان للطريق الأمم حيث لا واسطة بينه وبين الحق تعالی فكان منه.
ولهذا قال تعالى: "قل الروح من أمر ربي" آية 83 سورة الإسراء .
(وإن اختلفت الملل) جمع ملة وهي الدين.
(والنحل) جمع نحلة وهي المذهب.
(لاختلاف الأمم) فإن لكل أمة ملة تليق بهم نزلت على نبيهم فبلغهم إياها .
ثم لما ماتت كل أمة نسخت ملتهم بما بعدها، لأن المخاطبين بها كانوا مخصوصين في علم الله تعالى حتى ظهرت ملتنا.
و المخاطبون بها كل المكلفون من بعثة نبينا عليه السلام إلى يوم القيامة ولهذا لم تنسخ.
ومراده بقوله : وإن اختلفت إلى آخره، يعني: الاختلاف المذكور ولا يمنع أحدية المأخذ.
فإن استعداد المخاطبين يعطي هذا الاختلاف، واتحاد الكاملين يعطي اتحاد الطريق والمأخذ.
كما قال الشاعر:
عبادتنا شتى وحسنك واحد      ….. وكل إلى ذاك الجمال يشير

شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
الحمد لله على دين الإسلام، وعلى توفيق الإيمان، والصلاة على محمد عليه السلام، وعلى آله العظام، وأصحابه الكرام.
( الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم) ولما أنزل الله تعالى الحكم على قلب الشيخ وكان إنزاله مسببا عن الإنزال على قلوبهم خص الحمد بإنزال الحكم على قلوبهم لأن هذا المطلع أكمل الكمالات وأعظمها قدرة ومنزلا بالنسبة إليه .
فيجب تخصص الحمد به في أول كتابه، وتخصيص الحكم والكلم بالحكم والأنبياء المذكورين في الكتاب انسحب من التعميم فاللام للعهد.
والإنزال ههنا الإبداع لقوله : ولما أطلعني الله تعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر وهو الروح الكلي فلا يحتمل التنزيل فضلا عن أن يكون أولى.
(باحدية الطريق الأمم) إنزالا ملتبسا باتحاد الطريق المستقيم في أصل الدين وهو التصديق بما جاء من عند الله تعالى والعمل بمقتضاه اتحاد الأشخاص في الأنواع
واتحاد الأنواع في الأجناس .
وبه حصل الحب الله تعالى بين الناس الذي يوجب محبة الله إياهم التي توجب رحمة الله عليهم .
ولو لم ينزل الحكم بطريق الاتحاد لرفع الاختلاف والعداوة بينهم، التي توجب عداوة الله عليهم فيستحقون عقابه .
فأحدية الطريق أعظم نعمة ورحمة من الله لنا لذلك خص الحمل بها (من المقام الأقدم ) أي من المقام الأقدس عن شائبة الكثرة .
المراد تنزیه شأن الحكم بأبلغ النزاهة (وإن اختلف الملل والنحل لاختلاف الأمم) أي وإن اختلف الدين والعقيدة في فروعات الأصل اختلاف مسببا من اختلاف الأمم بعد اتفاقهم في الأصل.
وهذا الاختلاف أيضا نعمة عظيمة ورحمة واسعة لنا من الله تعالی و به ترتفع المضايقة وتحصل الوسعة في الطريق التي توجیه استراحة الأبدان والأرواح.
لذلك خص الحمد به فالمراد بإنزال الحكم إيداعه في قلوبهم روح الشريعة المختصة بهم متضمنة بالاتحاد في الأصل والاختلاف في العوارض.شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحیم
رب أعني الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخص من بينهم محمد قطب محيطهم الذي بعهد الأكمليات وفي، وآله وسلم
يقول العبد الفقير إلى الله الغني سليمان بن على بن عبد الله بن علي العابدي عرف بالتلمسانی عصمه الله به عن سواه وجعل في قدسه لا في نفسه مثواه: إنني لما رأيت أخي وولي قلبي السيد الأجل أبا القاسم عبد الكريم بن الحسين بن أبي بكر الطبري متعه الله بما أعطاه وبلغه من شرف الارتقاء النهاية من مناه ممن يجب حقه، ويتعين ويظهر بين طلاب الحضرة الإلهية صدقه ويتبين، جعلته سبب شرحي لفصوص الحکم وخصوص الكلم الذي تناوله شيخنا ختم الأولياء من خاتم الأنبياء، صلى الله عليه وسلم
قال شيخنا، رضي الله عنه، وجعلنا له به منه: (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل الاختلاف الأمم وصلى الله على ممد الهمم من خزائن الجود والكرم، وبالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم).
قلت: الكلم هنا من عينه من الأنبياء عليهم السلام، في هذا الكتاب، والحكم المعارف الإلهية ما ذكره منها في هذا الكتاب وما لم يذكره.
قوله: (بأحدية الطريق الأمم)
قلت: الطريق الأمم هنا هو المطلع وهو ما يجمع بين الظاهر والباطن والحد الذي يكون بين الظاهر والباطن، فالظاهر هو المنقول والمعقول من العلم النافع الذي يكون به العمل الصالح، والباطن هو المعارف الإلهية التي هي روح تلك العلوم المنقولة والمعقولة.
والحد هو حقيقة ما يتميز به العلم عن المعرفة.
وأما المطلع فهو معنى يتحد فيه الظاهر والباطن فيكون طريقا إلى الشهود الذاتي، وهو الطريق الأقوم الذي سماه الشيخ الأمم.
و قوله: (من المقام الأقدم).
قلت: هي حضرة الحق تعالى التي طلبها الأمم كلهم وإن اختلفوا في مللهم ونحلهم في الطلب.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قال المؤيّد رحمه الله :
في خطبة الكتاب ستّ عشرة كلمة تحتوي على مثلها مباحث كلَّية .
وإن استلزمت مباحث أخر ضمنيّة تفصيليّة على ما سيرد عليك ذكرها ، وينكشف عند التدبّر والتأمّل سرّها
البحث الأوّل من مباحث خطبة الكتاب في "الحمد"
البحث الثاني من مباحث خطبة الكتاب تحقيق في وجوه تسمية الاسم "الله"   
البحث الثالث من مباحث خطبة الكتاب في سرّ " إنزال الحكم "
البحث الخامس من المباحث الكلَّية التي تحويها خطبة الكتاب ما وقع على "قلوب الكلم"
البحث السادس من مباحث الخطبة "سرّ الكلم "
البحث السابع من مباحث خطبة الكتاب "أحديّة الطريق الأمم"
البحث الثامن من المباحث الكلية الستّة عشر "من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم "
البحث التاسع من المباحث الكلية الستة عشر وصلَّى الله على "ممدّ الهمم"
البحث العاشر من الستة عشر : "في إمداد الهمم القابلة للترقي"
البحث الحادي عشر من الستة عشر: "في الهمم"
البحث الثاني عشر من الستة عشر "خزائن الجود والكرم"
البحث الرابع عشر من الستة عشر محمّد وآله وسلَّم
البحث الخامس عشر من الستة عشر في " الآل "
البحث السادس عشر من الستة عشر  آخر شرح الخطبة
كل هذه البحوث مشروحة فيما يزيد على 120 صفحة فلتراجع هناك وليس محلها هذا الكتاب
المقصود فيه التركيز على شرح الفصوص مباشرة.
شرح الفصوص الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحيم
( الحمد لله ) حمدا لله على ما أنعم به من معرفة الحكم المنزلة على قلوب أنبيائه ، التي بيتها وفصلها في فصوص كتابه ، فلذلك وصفه بما دل على مقصده مراعاة لبراعة الاستهلال .
وهو قوله: ( منزل الحكم على قلوب الكلم ).  والحكم جمع الحكمة وهي العلم بحقائق الأشياء وأوصافها وأحكامها على ما هي عليه بالأقوال والأفعال الإرادية المقتضى لسدادها وصوابها ، فإن من العلوم ما لا يتعلق بالأفعال كمعرفة الله تعالى والحقائق المجردة من الأسماء الإلهية ، وعلوم المشاهدات والمعارف الذوقية من المعاني الكلية ، وهي علوم الأرواح .
ومنها ما يتعلق بها ولا يقتضي إتقانها وسدادها كعلوم النفوس الجزئية المذكرة بقواها .
ومنها الجامعة للكليات والجزئيات الفائضة أصولها من الأرواح المضبوطة جزئياتها وفروعاتها ، المحكمة بانطباق كلياتها على جزئياتها ، المبقية جزئياتها بكلياتها وهي حكم القلوب المتوسطة بين الأرواح والنفوس والكلم مستعارة لذوات الأنبياء والأرواح المجردة عن عالم الجبروت المسمى باصطلاح الإشراقيين الأنوار القاهرة.
إما لأنهم وسائط بين الحق والخلق تصل بتوسطهم المعاني التي في ذاته تعالى إليهم كالكلمات المتوسطة بين المتكلم والسامع لإفادة المعنى الذي في نفس المتكلم للسامع .
أو لتجردها عن المواد وتعينها بالإبداع وتقدسها عن الزمان والمكان الموجودة بكلمة كن في عالم الأمر إطلاقا لاسم السبب على المسبب .
والدليل على الاستعمال بالمعنى المذكور قوله تعالى : " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وكَلِمَتُه " .
وقوله عن الملائكة : " إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه " .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعواته :
« أعوذ بكلمات الله التامات ، وأعوذ باسمك الأعظم وبكلمتك التامة ».
وهنا مخصوصة بذوات الأنبياء بقرينة إضافة القلوب إليها . وقد تطلق الكلمة على كل موجود يصدر من الله تعالى لدلالتها على معان في ذاته ولهذا قيد المجردات بالتامات
( بأحدية الطريق الأمم ) الطريق الأمم :
الصراط المستقيم لأن الأمم القرب وأقرب الطرق المستقيم ولا يكون إلا واحدا أي الطريق التوحيد الذاتي المشار إليه في سورة هود بقوله تعالى :  "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
يعنى بالقائها ( من المقام الأقدم ) الذي هو أحدية الذات المنزهة عن تكثر الأسماء والصفات إلى قلوبهم بلا واسطة ، فإن الأحدية سارية في الكل وسريانه بذاته صراطه المستقيم ، ولا أقدم من الذات فوصف الطريق بالأمم وصف بالمصدر ، كما
يقال طريق قصد ، قال تعالى : " وعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ ".
وقوله بأحدية متعلق بمنزل إما بمعنى الظرفية كقولك حجبت بطريق الكوفة ، وإما بمعنى اللام وتضمين الإنزال معنى الإخبار ، والأمر كقولك أنزل القرآن بتحليل البيع وتحريم الربا ، أي آمرا ومخبرا بأن الطريق الأقرب واحد ليس إلا التوحيد الذاتي .
كقوله تعالى :" قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ " - الآية .
قوله ( وإن اختلف الملل والنحل )  إشارة إلى اعتراض جوابه
( لاختلاف الأمم ) كأنه قيل إن كان طريق نزول الحكم إلى قلوب الأنبياء هو المراد من إنزال الحكم طريقا واحدا فلم اختلفت أديانهم ؟
فأجيب بأنه لاختلاف استعدادات الأمم اختلفت صور سلوك طريق التوحيد وكيفية سلوكها ، مع أن المقصد والمراد وحقيقة الطريق واحد كالخطوط الواصلة بين المركز ونقط المحيط ، فإنها طرق شتى باعتبار اختلافات محاذيات المركز لكل واحدة من النقط المفروضة في المحيط ، مع أن الكل طريق من المحيط إلى المركز ، وكالمعالجات المختلفة التي يعالج بها طبيب واحد لأمراض مختلفة ، فإن المراد واحد وهو الصحة وكلها في كونها طريقا في رد المرض إلى الصحة واحد ، فطريق نزول الحكم إلى الأنبياء واحد والمراد منه هو الهداية إلى الحق ، فطريق التوحيد واحد لكن اختلاف استعداداتهم اقتضى اختلاف الملل والنحل ، فإن إصلاح كل أمة يكون بإزالة فساد يختص بها ، وهدايتهم إنما تكون من مراكزهم ومراتبهم المختلفة بحسب طباعهم ونفوسهم .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قول الشيخ، رضي الله عنه: (الحمد الله منزل الحكم على قلوب الكلم)
شروع فيما يجب على جميع العباد من الحمد لله والثناء عليه، لذلك صدر الحق تعالى كتابه العزيز بقوله: (الحمد لله رب العالمين) تعليما للعباد وتفهيما لهم طريق الرشاد.
ولما كان (الحمد) و (الثناء) مترتبا على الكمال، ولا كمال إلا لله ومن الله، كان الحمد لله خاصة، وهو قولي وفعلي وحالي:
أما القولي، فحمد اللسان وثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه على لسان الأنبياء، عليهم السلام.
وأما الفعلي، فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء
لوجه الله تعالى وتوجها إلى جنابه الكريم، لأن الحمد، كما يجب على الإنسان باللسان، كذلك يجب عليه بحسب كل عضو، بل على كل عضو، كالشكر،
و عند كل حال من الأحوال.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله على كل حال".
وذلك لا يمكن إلا باستعمال كل عضو فيما خلق لأجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لأمره، لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاتها.
وأما الحالي، فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية.
لأن الناس مأمورون بالتخلق بلسان الأنبياء، صلوات الله عليهم، لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم.
وفي الحقيقة هذا حمد الحق أيضا نفسه في مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له.
وأما حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي قولا، فهو ما نطق به في كتبه و
صحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية. وفعلا، فهو إظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه إلى شهادته ومن باطنه إلى ظاهره ومن علمه إلى عينهفي مجالي صفاته ومحال ولايات أسمائه.
وحالا، فهو تجلياته في ذاته بالفيض الأقدس الأولى وظهور النور الأزلي.
فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا،كما قيل:
لقد كنت دهرا قبل أن يكشف الغطاء أخالك إني ذاكر لك شاكرفلما أضاء الليل أصبحت شاهدا بأنك مذكور وذكر وذاكر وكل حامد بالحمد القولي يعرف محموده بإسناد صفات الكمال إليه، فهويستلزم التعريف.
وذكر الشيخ اسم (الله) لأنه اسم للذات من حيث هي هي باعتبار، و اسمها من حيث إحاطتها بجميع الأسماء والصفات باعتبار آخر، وهو اتصافها بالمرتبة الإلهية، فهو أعظم الأسماء وأشرفها.
والحمد المناسب لهذه الحضرة، بعد حمد الله ذاته بذاته، هو الذي يصدر من الإنسان الكامل المكمل الذي له مقام الخلافة العظمى.
لأنه حينئذ يكون منها ولها، إذ الكامل مرآة تلك الحضرة و مظهرها .
وقوله: (منزل الحكم) بفتح النون من (التنزيل). أو بإسكانه من (الإنزال).
والأول أولى، لأنه إنما يكون على سبيل التدريج والتفصيل، بخلافالإنزال.
والأنبياء، عليهم السلام، وإن كان نزول الحكم على كتاب استعداداتهم دفعة واحدة، لكن ظهورها بالفعل لا يمكن إلا على سبيل التدريج.
والإنزال والتنزيل، كلاهما، يستدعيان العلو والسفل.
ولا يتصور هنا العلو المكاني، لأنه منزه عن المكان، فتعين علو المكانة والمرتبة.
وأول مراتب العلو مرتبة الذات، ثم مرتبة الأسماء والصفات، ثم مرتبة الموجود الأول، فالأول بحسب الصفوف إلى آخر مراتب عالم الأرواح.
ثم مراتب السفل من هيولى عالم الأجسام إلى آخر مراتب الوجود.
ولكل من مراتب العلو سفل باعتبار ما فوقها إلا للعلو المطلق، ولمراتب السفل علو باعتبار ما بعدها إلا السفل المطلق.
وقوله: (على قلوب الكلم) وتخصيصه بالقلب يؤيد ما ذهبنا إليه: فإن العلوم والمعارف الفائضة على الروح لا يكون إلا على سبيل الإجمال.
وفي المقام القلبي يتفصل ويتعين، كالعلوم الفائضة على العقل الأول إجمالا ثم على النفس الكلية تفصيلا.
ولذلك جعل مظهر العرش الروحاني الذي هو العقل الأول في عالم الملك فلكا غير مكوكب وهو (الفلك الأطلس)، ومظهر الكرسي الروحي الذي هو النفس الكلية فلكا مكوكبا ومتفاوتا في الصغر والكبر والظهوروالخفاء وهو فلك الثوابت ليستدل بالمظاهر على الظواهر.
كما قال تعالى: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب."
وإنما قال: (الحكم) ولم يقل: المعارف والعلوم.
لأنهم، عليهم السلام، مظاهر الاسم (الحكيم)، إذ (الحكمة) هي العلم بحقائق الأشياء، على ما هيعليه، والعمل بمقتضاه ولذلك انقسمت الحكمة إلى العلمية والعملية.
والمعرفة هي إدراك الحقائق، على ما هي عليه، والعلم إدراك الحقائق ولوازمها، ولذلك يسمى التصديق (علما) والتصور (معرفة).  كما قاله الشيخ ابن الحاجب في أصوله.
وأيضا، المعرفة مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم بخلاف العلم، لذلك يسمى الحق بالعالم دون العارف.
فلما كان العلم والعمل به أتم من كل منهما، أي من العلم والمعرفة جعلهم الحق مظاهر اسم الحكيم عناية عليهم ولاقتضاء مرتبتهم ذلك.
ولكون كل نبي مختصا بحكمة خاصة مودعة في قلبه وهو مظهر لها جمع فقال: (منزل الحكم على قلوب الكلم).
وقد مر تحقيق (القلب) في المبادئ.
والمراد بـ (الكلم) هنا أعيان الأنبياء، عليهم السلام، لذلك أضاف إليها (القلوب.) وقد يراد بها الأرواح.
كما قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب) أي، الأرواح الكاملة.
ويسمى عيسى (كلمة) في مواضع من القرآن مع أن جميع الموجودات كلمات الله، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا".
ولكون صدور الأشياء من المرتبة العمائية التي أشار إليها النبي، صلى الله عليه وسلم، عند سؤال الأعرابي  عنه: "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟" بقوله: "كان في عماء ما فوقهواء ولا تحته هواء".
أي، في مرتبة لا تعين لها ولا اسم ولا نعت، فتعمى عنهاالأبصار والفهوم، بواسطة (النفس الرحماني) وهو انبساط الوجود وامتداده.
والأعيان الموجودة عبارة عن التعينات الواقعة في ذلك النفس الوجودي.
سميت الأعيان كلمات، تشبيها بالكلمات اللفظية الواقعة على النفس الإنساني بحسب المخارج. وأيضا، كما يدل الكلمات على المعاني العقلية، كذلك تدل أعيان الموجودات على موجدها وأسمائه وصفاته وجميع كمالاته الثابتة له بحسب ذاته ومراتبه.
وأيضا، كل منها موجودة بكلمة (كن). فأطلق (الكلمة) عليها إطلاق اسم السبب على المسبب.
قوله: (بأحدية الطريق الأمم) متعلق بقوله: (منزل الحكم). و (الباء) للسببية.
أي، بسبب اتحاد الطرق الموصلة إلى الله بالتوجه والدعوة إليه وسلوك طريق يوجب تنور القلوب، نزل الحكم والمعارف اليقينية على قلوب الكلم الربانية، فإن اختلاف الطرق يوجب الغواية والضلال.
قال عز من قائل: "وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله". أوبمعنى (في). أي، منزل الحكم على قلوب الحكم في أحدية الطريق الأمم.
أو لتضمين التنزيل أو الإنزال معنى الإخبار، كقوله: "أنزل القرآن بتحريم الربا وتحليل البيع". أي، أخبر به.
فالباء للصلة. أي، مخبر الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم.
أو للملابسة. أي، منزل الحكم متلبسا بأحدية الطريق الأمم. و (الأمم)، بفتح الهمزة، المستقيم.
واعلم، أن الطرق إلى الله إنما يتكثر بتكثر السالكين واستعداداتهم المتكثرة .
كقوله تعالى: "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها. إن ربى على صراط مستقيم".
وكقوله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
ولهذا قيل: "الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق" وكل منها في الانتهاء إلى الرب مستقيم.
إلا أنهالا توصف بالاستقامة الخاصة التي أريد بقوله تعالى: "إهدنا الصراط المستقيم."
فاللام هنا للعهد، والمعهود طريق التوحيد ودين الحق الذي جميع الأنبياء ومتابعيهم عليه، وبه تتحد طرقهم.
كما قال تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله". لا ما ذكر في سورة هود، عليه السلام: " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) سورة هود.
وإلا يكون طرق أهل الضلال أيضا موجبا لإفاضة الحكم، وبيان الحق للصراط المستقيم
بقوله: "صراط الذين أنعمت عليهم"- الآية، يدل على ذلك. ولذلك صدق اللاحق منهم السابق، وما وقع بينهم التخالف في التوحيد ولوازمه.
والاختلاف الواقع في الشرائع ليس إلا في الجزئيات من الأحكام بحسب الأزمنة ولواحقها.
فأحدية الطريق عبارة عن استهلاك كثرة طرق السالكين من الأنبياء و الأولياء في وحدة الصراط المستقيم المحمدي وشريعته المرضية عند الله.
كقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه". و "إن الدين عند الله الإسلام".
هذا بحسب اقتضاء الاسم الظاهر. وأما بحسب الاسم الباطن فطريقان جامعان للطرق الروحانية كلها:
أحدهما، طريق العقول والنفوس المجردة التي هي واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني إلى قلوبنا.
وثانيهما، طريق الوجه الخاص الذي هو لكل قلب به يتوجه إلى ربه من حيث عينه الثابتة ويسمى طريق السر ومن هذا الطريق أخبر العارف الرباني بقوله: "حدثني قلبي عن ربى".
وقال سيد البشر، صلى الله عليه وآله: "لي مع الله وقتلا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل". لكونه من الوجه الخاص الذيلا واسطة بينه وبين ربه.
ولا شك في أحدية الطريق الأول. وكذا في الثاني. إذ لا شك في وحدة الفياض وفيضه.
كما قال: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".
وتكثر قوابل الفيض لا يقدح في وحدة الطريق، كما لا يقدح تكثر الشبابيك في وحدة النور الداخل فيها.
والسالك على الطريق الأول هو الذي يقطع الحجب الظلمانية وهي البرازخ الجسمانية، والنورية وهي الجواهر الروحانية، بكثرة الرياضات و المجاهدات الموجبة لظهور المناسبات التي بينه وبين ما يصل إليه من النفوس والعقول المجردة إلى أن يصل إلى المبدأ الأول وعلة العلل.
وقل من يصل من هذا الطريق إلى المقصد لبعده وكثرة عقباته وآفاته.
والسالك على الطريق الثاني، وهو الطريق الأقرب ، هو الذي يقطع الحجب بالجذبات الإلهية. وهذا السالك لا يعرف المنازل والمقامات إلا عند رجوعه من الحق إلى الخلق.
لتنوره بالنور الإلهي وتحققه بالوجود الحقاني،حينئذ، فيحصل له العلم من العلة بالمعلول ويكمل له الشهود بنوره في مراتب الوجود، فيكون أكمل وأتم من غيره في العلم والشهود.
وقوله: (من المقام الأقدم) إشارة إلى المرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع فيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانيا.
وإنما قال على صيغة أفعل التفضيل، لأن للقدم مراتب وكلها في الوجود سواء، لكن العقل باستناد بعضها إلى البعض يجعل قديما وأقدم.
كترتب بعض الأسماء علىالبعض، إذ الشئ لا يمكن أن يكون مريدا إلا بعد أن يكون عالما، ولا يمكن أن يكون عالما إلا بعد أن يكون حيا، وكذلك الصفات.
وجميع الأسماء والصفات مستندة إلى الذات، فلها المقام الأقدم من حيث المرتبة الأحدية وإن كانت الأسماء والصفات أيضا قديمة .
قوله: (إن اختلفت الملل والنحل لاختلاف الأمم) للمبالغة. و (الملة) الدين، و (النحلة) المذهب والعقيدة.
أي، أصل طرق الأنبياء واحد، وإن اختلفت أديانهم وشرائعهم لأجل اختلاف أممهم.
وذلك لأن أهل كل عصر يختص باستعداد كلي خاص يشمل استعدادات أفراد أهل ذلك العصر وقابلية معينة كذلك ومزاج يناسب ذلك العصر.
والنبي المبعوث إليهم إنما يبعث بحسب قابلياتهم واستعداداتهم فاختلفت شرائعهم باختلاف القوابل.
وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله ودين الحق، كما لا يقدح اختلاف المعجزات في وحدة حقيقة المعجزة.
ولذلك كان معجزات كل منالأنبياء، عليهم السلام، بحسب ما هو غالبة على ذلك القوم: كما أتى موسى بما يبطل السحر لغلبته عليهم.
وعيسى، عليه السلام، بإبراء الأكمة والأبرص، لماغلب على قومه الطب.
ونبينا، صلى الله عليه وسلم، بالقرآن الكريم المعجز بفصاحته كل مغلق بليغ ومصقع فصيح، لما كان الغالب على قومه التفاخر بالفصاحة والبلاغة.

يتبع
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: