الجمعة، 28 يونيو 2019

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الأولي الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الأولي الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الأولي الجزء الثاني .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الأولي : الجزء الثاني
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
(الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم)، الحمد: إظهار کمالات الذات، وما يتعلق بها من الأفعال والصفات، والله علم للفرد الموجود من واجب الوجود بالذات، اعتبرت معه الصفات أم لا، وقيل: مع جميع الصفات .
"فاعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن الحمد و الثناء له ثلاث مراتب: حمد الحمد و حمد المحمود لنفسه، وحمد غيره له وما ثم مرتبة رابعة.
ثم في الحمد الذي يحمد الشيء نفسه، أو يحمده غيره تقسیمات، إما أن يحمده بصفة فعل، وإما بصفة تنزيه وما تم حمد ثالث بهذا التقسيم."
والإنزال لغة: تحريك الشيء من علو إلى سفل، استعير لإظهار أمر في السوافل بعد کمونه في العوالي، والحكم: جمع حكمة، وهي العلم اليقيني بحقائق الأشياء وأحكامها مع العمل بمقتضاه، والقلب جوهر مجرد في ذاته، متصرف في البدن بواسطة النفس، التي هي جسم لطيف، تنبعث عنه القوى المدركة والمحركة، متوسط بينها وبين الروح الذي هو من عالم الأمر، وهو الجوهر المجرد في ذاته وأفعاله.
والكلم: جمع كلمة، وهي اللفظ الموضوع المفرد، استعيرت لحقيقة الإنسان الكامل لجمعها ظهورات الأسماء الإلهية والحقائق الكونية مثل جمع الكلمة للحروف، وقد تستعار الحروف للحقائق البسيطة حمدا لله تعالى على إنزال الحكم لإفادتها السعادة الأبدية بتکمیل القوة النظرية والعملية، واعتبر إنزالها على القلوب؛ لأن الإنزال عليها إنما يكون بعد الإنزال
على الأرواح، والإنزال عليها قد لا يسري أثره إلى القلب عند تكدره، والنفس غير قابلة له إلا إذا تنورت بنور القلب بعد كمال التركية، فحينئذ يسري نور القلب إليها، ثم منها على سائر الأعضاء، فإن امتلات نورا سرى على نفوس من يناسبهم، ثم على سائر ما في العالم، حتى يتم صلاح بتمامه.
ولذلك خص الحمد بإنزال الحكم على القلوب، وخص قلوب الكمل إذ قلوب غيرهم غير مستعدة لقبول الحكم على الكمال؛ إذ لا تخلو عن شائبة الوهم والخيال، ولا يتأتى العمل منها بمقتضاها.
"اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن القلب عبارة عن النشأة الجامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية، وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسية، وهو جوهر برزخي له وجه إلى جميع الأطراف وله مقام المضاهات، وأن يتسع لانطباع التجلي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى والأسفل بما اشتملا عليه."
(بأحدية الطريق الأمم)، الطريق: ما يوصل السير فيه إلى المقصد، وأحديته جمعه فوائد الطرق، كأنها تصير بعد تفرقها واحدة والأمم الأقرب، وذلك طريق الكشف الجامع فوائد طرق النقل والعقل من الوصول إلى المقصد، وهو تحصيل الكمالات العلمية والعملية مع الحلو عما يلزم طريق النقل من التقليد، وطريق النظر من الشبهات الموجبة للتفرقة والبعد بترتيب المقدمات.
ولذلك لا يكاد يرتفع اختلاف مذاهب أرباب النظر (من المقام الأقدم)، أي: منزلها من التعين الأول المتضمن للعلم بالذات، ومن التعين الثاني المتضمن للعلم بالأسماء والصفات، وهما وإن ترتبا عقلا فهما أقدم من غيرهما في الوجود مساوقان فيه في الواقع.
وإنما اعتبرنا انهما؛ لأنه لا بد للكل من العلم بالذات والصفات جميعا على وجه لا يحتمل الغلط والقصور، وسائر المقامات لا تخلو عن أحدهما، ومقام الإطلاق لا يعتبر فيه العلم أصلا ؛ فهو إنما ينزل من أحد التعينين على القلوب المناسبة له، وهي التي أجازته مع غاية الصفاء فيها.
"أعلم في قوله: (من المقام الأقدم): أي أقدم من القديم، وهو أحدية الذات التي هي منبع فیضان  الفيض الأقدس على الأعيان الثابتة. وإنما قال : من المقام الأقدم؛ لأن أحدية الذات أقدم من أحدية الأسماء المسماة بالواحدية القديمة التي هي مرتبة الألوهية، فافهم."
(وإن اختلفت الملل و النحل)، أي: ملل من أنزلت عليهم من الأنبياء ونحل أممهم، فإن ذلك لا يخل بأحدية طريقهم في جمعها فوائد سائر الطرق في الإيصال إلى المقصد المذكور، ولا تكون علومهم من المقام الأقدم، بل غاية ذلك اختلاف وجوه مشيهم فيه، وذلك لاختلاف استعدادات (الأمم)، فالأحكام الفرعية المتعلقة بالجوارح أو القلوب، وإن اختلفت باختلاف الاستعدادات؛ فهي نازلة من المقام الأقدم، معدة في الإيصال إلى المقصد لمن جعلت طريقا لوصوله حين جعلت، ثم سندت على من بعدهم بعدما كانت منفتحة لمن تقدمهم، ولهذا لا يتأتي في الاعتقادات الأصلية أصلا.
" فما زلنا من الخلاف؛ لأنهم: أي أهل التحقيق قد خالفوا المختلفين، ولذلك خلقهم، فما تعدی کل خلق ما خلق له، فالكل طائع في عين الخلاف.
وهنا مسألة دورية ذكرها الشيخ رضي الله عنه في «الفتوحات»: وهي إن الشرائع اختلفت لاختلاف النسب الإلهية، واختلاف النسب الاختلاف الأحوال، واختلاف الأحوال لاختلاف الأزمان، واختلاف الزمان لاختلاف الحركات الفلكية، واختلاف الحركات الفلكية الاختلاف التوجهات، واختلاف التوجهات الاختلاف المقاصد، واختلاف المقاصد الاختلاف التجليات، واختلاف التجليات الاختلاف الشرائع، واختلاف الشرائع لاختلاف النسب الإلهية، فدار الدور، انتهى كلامه ."


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)

شرح خطبة المؤلف
(الحمد لله منزل الحكم ) الحمد عند التحقيق عبارة عن تعريف حدود المراد , والإبانة عن غاية كمال المحمود ومنتهى مقامه في آيات ذوات أفراد وأعداد ثمّ إنّ لتلك الآيات والأفراد - من حيث التفرقة الكونيّة العالميّة وظهور سلطان التعيّن فيها - وجهين من الدلالة والإشعار :
أحدهما نحو الإظهار : وهو الذي يلي الإطلاق الذاتي الوجودي فيه لسان الحمد .
والآخر نحو الإخفاء : وهو الذي يلي التقيّد العدمي الكوني فيه لسان التسبيح .
والأوّل لظهوره يفهمه كل أحد - دون الثاني - كما ورد في التنزيل : " وَإِنْ من شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ." 
وبيّن أن تلك الأشياء متخالفة بحسب ظهورها بالوجهين وغلبة أحكام الإطلاق والتقيّد : فمنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بلسان التسبيح فقط ومنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بلسان الحمد فقط ومنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بهما .
وإذ قد تقرّر أنّ التسبيح حقّه هو الَّذي يؤدّى بالحمد ، وذلك هو اللائق بجنابه الأقدس ، فإنّ تنزيهه تعالى ليس ممّا يقابل التشبيه .

كما ستطلع عليه في طيّ الكتاب وقد عرفت ممّا سلف لك من البيان أن قلب الكمّل هو المختصّ بذلك أتى بالكلام المعرب الجامع بين الكثرة الكونيّة المسبّحة والوحدة الوجوديّة الحامدة  وهو المعبّر عنه بالحكم - حمد الله على إنزاله إيّاها .
وكأنّك قد نبّهت على أنّ موضوع ما في هذا الكتاب من الأبحاث إنّما هو ذلك بحسب تدرّجه في مراقي الكمال وتطوّراته ، إلى أن بلغ الرتبة الختميّة فلذلك قال : ( على قلوب الكلم ) إشارة إلى ما هو بصدد تحقيقه إجمالا ، على ما هو دأب أئمّة التأليف وأدبهم . والمراد من « الكلم » هو الكمّل من الأنبياء - كما لا يخفى على الواقف بمصطلحاتهم .
ثمّ هاهنا تلويح :
وهو أنّ لل « حكم » إلى « القلب » مناسبة بيّنة يتبيّن لأهله بأدنى تأمل :
( ا ا ف يم ) ، وكذلك لل « منزل » و « الكلم »  ، ولكن أبعد ، وفق ما لهما من 132 النسبة إليه : ( يم ون ا ا م ) ، ( ا ف يم ا ) ، ( ا ف ا م يم ) ، ( ا ف يم ا ).
ثمّ إنّ القلب بحسب ظهور الرابطة الجمعيّة المذكورة فيه ، والرقيقة الاتحاديّة التي فيها - على ما نبّهت إليها في المقدمة - قد انفرد بقرب من الطريق لا يتطرق لفنائه طوارق النسب والأبعاد ، به يعبد وقرب من المكانة ينطوي عنده بساط أعداد الوسائط والمناسبات  ، به يحمد . وأشار إلى طريقه المعبّد ومقامه المحمود ، منبّها إلى تحقيق طريق الإنزال ، وتبيين مبدئه ، ثمّ إلى منتهاه وغايته قوله :
(بأحديّة الطريق الأمم من المقام الأقدم ) فـ « من » ابتدائيّة ، أي أنزل من حيث أقدم وأعلى من أن ينسب إليه القدم المقابل للحدوث بطريق هو أقرب وأدنى من أن يشار إليه بالقرب المقابل للبعد فالباء فيه معنى الظرفيّة ، متعلَّق بـ " المنزل " ، كقولهم : « حججت بطريق الكوفة » .
وقد جاء الإنزال بمعنى الإظهار كقولهم : " أنزل ببني فلان سور " . واستعماله بـ « على » قرينة له .
ثمّ إنّ الاختلاف الَّذي هو دليل غلبة أحكام التعيّن الموجب للقصور عن أداء التسبيح والتحميد حقّهما ، موجود في قلوب الكمّل ، التي هي أصول أغصان الظهور والإظهار وبحور جداول الشعور والإشعار ، بحسب تباين استعدادات ما يتفرّع عنها من الأمم ، وتقابل مقتضيات مشاربهم ومقترحات نيّاتهم ومقاصدهم .
فقوله : ( وإن اختلفت الملل والنحل لاختلاف الأمم ) إشارة إلى ذلك وتنبيه على أنّ الأحديّة هذه ليست مما تنافيه وجوه التكثّر أو تقابله - بل تجمعها وتتحقّق بها - ف « إن » هاهنا للتوكيد .
وقوله : « لاختلاف الأمم » علَّة للاختلاف الأوّل وبيان أنّ ذلك الاختلاف مما لا بدّ منه بأصوله وتفاريعه وشعبه وشوارعه ، ضرورة تكثّر الوجوه بها ، وتنوّع ألسنة التسبيح والتحميد منها  .
فلولاه ولو لأنا ....      لما كان الَّذي كانا
وفيه إشارة إلى غاية الإنزال ونهايته ، يعني : اختلاف الأمم المتفرّع عن اختلاف الملل المتأصّل له ضرورة أنّه سببه .
وحيث أنّ مبدأ طريق الإنزال ومنتهاه الأمم ، فيه تلويح بشيء من معاني « ا ل م » - فلا تغفل .
تلويح :
حاء حقيقة الحقّ إذا اكتسى بصورة الدال الدالَّة على دولة الظهور ودوران أحكامه ، فالمركَّب إنّما يدلّ على الغاية من أطرافها ونهايتها - وهو " الحد " - فإذا ظهر عليه واو الهويّة وهاؤها هو « الوحدة » الكاشفة عن غاية رتبة الوصول إلى الوجود ، وكنه طرف البطون منه ، كما أنّه إذا امتزج بـ « ميم » الجمعيّة العلميّة والكمال هو « الحمد » الدالّ على تمام مرتبة الإظهار .
وممّا يؤيّد هذا تأييدا بيّنا أنّ ما بطن في « لله » من بيّنات أصله هو الظاهر في الحمد بعينه  كما لوّح إليه .
على أنّ الحاء والميم اللتين هما تمام الأسماء الإحصاء والألف واللام والميم ، التي هي تمام مرتبة الإظهار - كما اومي إليه - قد انطوت في " الحمد " مع الدال ، على الصورة الجمعيّة لها.
ثمّ إنّ الحاء والميم كما أنّهما إذا ظهرتا بالدال هو « الحمد » كما بيّن كذلك إن أحاطتا بكاف كنه الكلّ هو " الحكم " .
ثمّ اعلم أنّ للألف تنزّلا من سماء قدس تجرّده الذاتي وعلوّ تنزّهه الحقيقي إلى أرض عرضه المزاجي ، وهي باء بسطها وبيانها ، وصورة ذلك هو « ل » وهو لام « الكلام »الذي إذا اختفى الألف في صورة جمعيّته وبسطه هو « الكلم » ومن ثمّة ترى عدده ( 30 ) باعتبار اختفاء نقطة الباء فيها ، وهو معنى الإنزال ، وحيث وصف طريقه بما هو بيّنات اللام إشارة خفيّة إلى هذا التلويح ، وبيّن أنّ وقوع أمثال ذلك في مطلع الكتاب من آيات تحقيق رؤياه وتصديق كشفه عند أهله .
ثمّ إنّ الحمد حسبما عرفت معناه ولخّصت مغزاه - لا يخفى عليك أنّه ما تنفّس عن مطلع الظهور صبح كماله إلَّا بميامن أنفاس الخاتم وأفعاله وأقواله ، وما سطع أشعّة تمام إظهاره من أعلام الإعلان إلَّا بتبيين ورثته من آله .
فلذلك اشتقّ من « التحميد » بمعنى المبالغة في الحمد صيغة معربة عن أنّه المحمود لا غير وله الفضل فيه ، ليكون اسما له .
فإنّه ما لم يعرب عن هذا الوجه يكون قاصرا عن أداء تمام الحمد ، ولا يكون الاسم مطابقا لمسمّاه كما بيّن تحقيقه في « الرسالة المحمدية » - ومن ثمّة ترى أئمّة التأليف يستردفون الحمد بالصلاة عليه وعلى آله .
تقرّبا إلى المنتسبين إلى حضرته المنيفة وتطفّلا إليهم بما يورث الوصول إلى مدارج أقدامهم الشريفة ، وتنبيها على أنّهم هم السابقون والمصلون في مضمار أداء الحمد ، والفاتحون لأبواب كماله ، الخاتمون عليها بخاتم التمام ، فهي إذن من الحمد ، كما أنّ تسميته بما ينبئ أنّه المحمود منه أيضا .


شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد) هو إظهار كمال المحمود إذ لا كمال إلا للحق سبحانه جمعا أو فرقا . وكذلك لا مظهر له إلا هو سبحانه جمعا أو فرقا، فجنس الحمد أي حقيقته المطلقة الشاملة كل حامدية ومحمودية إذا لوحظ الحمد بعين الجمع واستهلاك المظاهر في الظاهر.
أو في كل فرد منه إذا لوحظ بعين التفرقة واستنار الظاهر بالمظاهر، وكل فرد منه إذا لوحظ بعين جمع الجمع خالص (لله) أي الذات المطلقة المجردة من جميع النسب حتى نسبة الإطلاق والتجرد إليها فهو الحامد في كل مرتبة والمحمود بكل فضيلة ومنقبة لا حامد سواه، ولا يحمد أحد إلا إياه .
اعلم أنه لا يقع حمد مطلق من حامد إلا لفظا وإذا أضيف الحمد إلى اسم من أسماء الله فلا يكون ذلك إلا من حيث حضرة خاصة من حضرات الأسماء يدل عليها حال الحامد ويقيد بها .
ولما كان حال الشيخ رضي الله عنه في هذا المقام تقييد حمده بتنزيل الحكم، لأنه رضي الله عنه كان في صدد بيان الحكم المنزل على قلوب الأنبياء عليهم السلام، أردف اسم الله بقوله :
(منزل الحكم) وجعله وصفا له تصريح بما بشیر إليه حاله وهو اسم فاعل.
إما من التنزيل أو من الإنزال وتحققهما إنما هو باعتبار أن الحكم إنما تنزل من الحضرات العالية الإلهية المطلقة إلى مرتبة التقييد والتعبير أعني حقائق القلوب الكمالية الإنسانية .
لأن العلو الحقيقي لإطلاق الذاتي وحضرة الربوبية الفعالة والتقييد والانسفال للمرتبة العبدانية القابلة.
ثم إن جعله من التنزيل أولى لأنه ينبئ عن التدريج، ولا يخفى أن نزول العلوم والمعارف على كتاب استعدادات أرواح الأنبياء عليهم السلام وإن كان دفعيا لا يمكن ظهورها على قلوبهم بالفعل والتفصيل إلا على سبيل التدريج، وذلك إما باعتبار أن الحكم النازلة على قلب كل نبي إنما نزلت بحسب مصالح أمنه مدة بقائه فيهم.
وإما باعتبار أن بعض الحكم بعد القلب، فیضان بعض أخر فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر.
وإما باعتبار أن نزولها إما على طريق سنسنة الترتيب التي أولها العقل الأول والتدريج فيه ظاهر وما على طريق الوجه الخاص.
والتدريج فيه باعتبار أن النازل ينزل على الروح أولا بحسب الإجمالي ثم على القلب ثانية بالتفصيل.
والحكم الشرائع المشتملة على العلوم والمعارف التي هي الحكمة العلمية ، وعلى الأخلاق المرضية والأعمال الصالحة التي هي الحكمة العملية .
(على قلوب الكلم). القلب حقيقة جامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسانية .
والتجلي الخصيص بحدائق الجوهر الروحاني والنفساني مجلى متعین من حضرة القدس والنزاهة والوحدة و العلو والفعل والشرف والحياة و النورية.
والتجلي المخصوص بالجسم متعين بأضداد ما للروح والنفس.
وذلك لتعيين التجلي في كل قابل بحسبه .
فلما ظهرت الحقيقة القلبية بأحدية الجمع استعدت قبول محل إلهي وفيض جمعي كمالي إحاطي لا يمكن تعيينه في كل واحد من الجوهرين، ولا في حقائق كل من الطرفين على الانفراد .
وهذا الفيض المخصوص بالقلب إنما يكون تعينه من الحضرة الإلهية العمانية الجمعية ، وإذا تحققت ذلك فاعلم أن إنزال الحكم من الحضرة الأحدية الجمعية الإلهية إنما تكون على قلوب الأحدية الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح والنفس والجسم لا على الروح والنفس فقط، أو على القوى الجسمانية وحدها فلذلك خص القلوب بالذكر.
والمراد بالكلم التي هي جمع كلمة أعيان الأنبياء عليهم السلام ولذلك أضاف القلوب إليها .
قال الشيخ الكبير صدر الدين القونوي رضي الله عنه في كتاب : "النفحات" أن الصورة معلومية كل شيء في عرصة العلم الإلهي الأزلي مرتبة الحرفية ، فإذا صبغه الحق بنوره الوجودي الذاتي وذلك بحركة معقولة معنوية يقتضيها شأن من الشؤون الإلهية المعبر عنه بالكتابة .
تسمى تلك الصورة أعني صورة معلومية الشيء المراد تكوينه كلمة.
وبهذا الاعتبار سمي الحق سبحانه الموجودات كلمات.
ونبه على ذلك في غير موضع من كتابه العزيز فسمى عیسی على نبينا وعليه الصلاة والسلام كلمة .
وقال أيضا: "لا تبديل لكلمات الله" آيه 64 سورة  يونس.
وقال في حق أرواح عباده : "إليه يصعد الكلم الطيب" 10 سورة فاطر. أي الأرواح الطاهرة.
فإذا فهمت هذا عرفت أن شيئية الأشياء من حيث صرافتها شيئية ثبوتية في عرصة العلم ومقام الاستهلاك في الحق سبحانه .
وأنها بعينها في عرصة الوجود العيني باعتبار انبساط نور وجود الحق عليها وعلى لوازمها وإظهارها لها لا له سبحانه في كلمة وجودية.
فلها بهذا الاعتبار الثاني شيئية وجودية بخلاف الاعتبار الأول .
(بأحدية الطريق الأمم) الأمم بالفتحتين المتوسط بين القريب والبعيد.
قال ابن السكيت الأمم بين القريب والبعيد والمراد بالطريق :
إما طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء ومتابعيهم المشار إليه بقوله :وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام.
وتوصيفه بالأمم باعتباراته متوسط بين قرب التنزيه وبعد التشبيه .
وأما الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح الذي له القرب وبين حقائق الجسم الذي له البعد فإنها كالطريق لنزول الحكم من حضرة الأحذية الكمالية الإلهية على القلوب.
والمراد بأحدية الطريق إما وحدته النوعية التي تتحد فيها أفراده، وإما أحدية جمعه للمتقابلات، والباء إما للملابسة على أن يكون الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف.
أي تنزيه ملتبسة بأحدية الطريق، أو حالا من الحكم أو القلوب أو الكلم ولا يخفى وجه صحة كل منها لفظا ومعنى.
وإما للسببية متعلق بالتنزيل فإنه مسببة عن سلوك طريق التوحيد وعن اتصاف القلب بالجمعية الكمالية الإنسانية أيضا.
وإما متعلق به على ما يقتضيه معنى الإخبار، أي الله سبحانه وتعالى ينزل الحكم مخبرة بأحدية العريق.
وأما الظرفية كما في قولهم : حججت بطريق الكوفة، فإن كلا من طريق التوحيد والجمعية الإنسانية طريق التنزيل ومحله (من المقام الأقدم) من ابتدائية.
أي هذا التنزيل مبتدأ من مقام هو أقدم من أن يكون قدمه مقابلا للحدوث ، والمراد به مرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع لفيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانية.
وإنما كانت أقدم، لأن المراتب الإلهية وإن كانت كلها في الوجود سواء لكن العقل يحكم بتقدم بعضها على بعض الحياة على العلم والعلم على الإرادة والإرادة على القدرة وأقدمها الأحدية الذاتية (وإن اختلفت الملل) أي الأديان المتعددة بتعدد أصحاب الشرائع (والنحل) أي المذاهب المتشعبة من كل دين بتعدد المجتهدين.
وقوله : (لاختلاف الأمم) علة لاختلاف الأمم لاختلاف الملل والنحل.
أي هذا الاختلاف إنما وقع لاختلاف واقع بين الأمم في أمزجتهم و أحوالهم ومراتبهم وعرفهم وعاداتهم ومأخذ نظرهم ومعتقداتهم.
فاختلفت بشرائعهم ومذاهبهم في تلك الشرائع بسبب ذلك الاختلاف وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله والدین الحق.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: