الجمعة، 28 يونيو 2019

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثانية الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 


الفقرة الثانية :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(وصلى)، أي أنزل رحمته الله سبحانه وتعالى
(على ممد الهمم) جمع همة وهي الباعث القلبي المصمم على الشيء وإمداد جميع الهمم من حضرة الذات المحمدية التي هي كناية عن الروح الكل المذكور
(من خزائن)  متعلق بممد (الجود) الإلهي
(والكرم) الرباني، إشارة إلى أن هذا الإمداد في الحقيقة من الله تعالى وإن كان هو السبب فيه .
كما قال : «إن الله هو المعطي وأنا القاسم».
(بالقيل)، أي القول متعلق بممد أيضا .
(الأقوم)، أي المستقيم الذي لا اعوجاج فيه وهو حقيقة الصدق.
إشارة إلى أن الإمداد إنما هو بالقول من حروف و کلمات كما ذكرنا، ويجوز أن يراد بذلك أن الحديث النبوي يمد أصحاب البدايات في طريق السعادات .
(محمد) ابن عبد الله المكي القرشي
(وعلى آله) أي أهل بیت نبوته ممن دخل حرم اصطفائه وطاف بكعبة ذاته ووقف تحت لوائه .
ولهذا قال عليه السلام: «سلمان منا آل البيت» مع أنه فارسي، والنبي عليه السلام عربي، ولم يذكر الصحابة لأن في ذكر الآل وما يريده منهم كفاية عنهم.
إذ المراد بالآل ما ذكرنا ، فيشمل الصحابة رضي الله عنهم .
(وسلم) معطوف على صلى بصيغة الفعل الماضي فيهما .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(وصلى الله على ممد الهمم) على قلوب الأمة بحسب استعداداتهم والتوجهات القلبية التي تبتني عليها جميع السعادات العلمية والعملية.
أي همة الرجال التي تقلع بها حجب جبال النفسانية وتنجذب القلوب إلى الله تعالى وتصل إلى المقصود.
(من خزائن الجود والكرم) أخذ الرسول عليه السلام بقلبه من الخزائن الثلاثة الكلية الذاتية والأسمائية والصفاتية فيفيض على قلوبهم بلسانه الأفصح بقدر استعداداتهم ومناسباتهم بالخزائن .
والمراد تنزيه الهمم وتقديسها (بالقيل الأقوم) أي بالكلام الأبلغ الأفصح الجامع بين التشبيه والتنزيه على وجه الاعتدال .
بحيث لا ميل فيه إلى أحد طرفيه وهو القرآن الكريم بالنسبة إلى سائر الكتب السماوية ثم كلام الرسول بالنسبة إلى كلام الأنبياء من قبله .
فلا قصور في الإمداد أصلا وإنما القصور لو كان لكان في استعداد الناس فهذا الإمداد المخصوص أعظم سعادة ونعمة لنا من رسول الله .
لذلك خص التصلية به فلا يحتمل أن يكون اللام في الهمم للاستغراق إلا باعتبار أن محمدا صلى الله عليه وسلم مظهر الاسم الأعظم (محمد وآله وسلم) .
يجوز أن يعطف الآل على ممد الهمم فيخرج عن الأمداد وعلى محمد فيدخل فيه وراثة وكلا المعنيين حسن.
ولما فرغ من الحمد والتصلية شرع في بيان سبب التأليف وكيفيته كما هو دأب المصنفين .
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلَّى الله على ممدّ الهمم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمّد وآله وسلَّم ) .
قوله: (ممد الهمم من خزائن الجود والكرم بالقيل الأقوم).
قلت: قد عينه الشيخ، رضي الله عنه، هذا المدد أنه بالقيل الذي هو القول.
فأما مدد العوام من أهل الطريق بالقول الأقوم فهو ما في الحديث النبوي المختص بالعبادة وذلك هو العلم النافع المقتضي للعمل الصالح.
وأما ما يختص بالخواص من أهل الطريق وهم الصوفية فالقيل الأقوم الذي هو المدد المذكور فهو ما في الحديث النبوي من الإرشاد إلى مكارم الأخلاق، فإن التصوف خلق وما في الحديث أيضا من النهي عن سفساف الأخلاق، إذ هو أيضا مما يرشد إلى تبديل كل خلق دني بكل خلق سني .
قال صلى الله عليه وسلم عليه السلام: "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وأحكام هذين الإرشادين هي كلها من المنقول والمعقول فالقيل الأقوم هنا هو في مراتب المنقول والمعقول.
أما ما يختص بخاصية الخاصة هنا هو ما في الحديث النبوي من الإشارات إلى التوحيد المستفاد من تجلياته تعالى المخصوص بها، عليه السلام.
مثل قوله صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» وهو أيضا مدد بالقيل الأقوم.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :( قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : وصلَّى الله على ممدّ الهمم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمّد وآله وسلَّم ) .
ولنشرع الآن - بعد حمد الله أوّلا وآخرا وباطنا وظاهرا ،
والصلاة والسلام على الختوم الكمّل ، وعلى إخوانهم من كل إمام مكمّل وهمام مؤمّل .
ولا سيّما على سيّدهم محمد المصطفى ، وعلى عباده الذين اصطفى .
في شرح باقي الكتاب ، والله الموفّق للصواب .

شرح فصوص  الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلَّى الله على ممدّ الهمم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمّد وآله وسلَّم ( .
( وصلى الله على ممد الهمم من خزائن الجود والكرم ) الهمة قوة القصد في طلب كمال يليق بحال العبد ، فعلة من الهم بمعنى القصد ، أي نوع منه كالجلسة من الجلوس ولكل طالب استعداد خاص يطلب بهويته لما يليق به وتلك الاستعدادات من مقتضيات أسماء الله تعالى وكل اسم يقتضي استعدادا خاصا فهو خزانة كمال يقتضيه ذلك الاستعداد في الحضرة الواحدية التي ظهرت فيها الأعيان وفصلت فتلك الأسماء خزائن الجود والكرم .
ولما كان محمد الخاتم صلى الله عليه وسلم ، صاحب الاسم الأعظم الشامل لحقائق جميع الأسماء ، كان ممد الكل همة بما في خزانة الاسم الذي يرب الحق تعالى صاحب تلك الهمة به .
قوله ( بالقيل الأقوم ) متعلق بالممد فهو القول الحق الذي هو أعدل الأقوال ، من قام إذا اعدل واستوى ، يقال أقام العود إذا قومه وعدله ويسمى القيام من الركوع الاعتدال
( محمد وعلى آله وسلم ) وإنما كان قوله أقوم الأقوال ، وإن كان قول كل نبى حقا لأنه
أكملهم وأمته خير الأمم ومصدر قوله التوحيد الذاتي من مقام " قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِه ما أَوْحى ".
- وهو المقام الأقدم المقوم لكل اسم ، فيفيض بقوله منه ما في كل اسم من المعاني والحقائق على كل استعداد ما يطلب بهمته ، وأما سائر الأنبياء فيفيض كل منهم بقوله ما في بعض الأسماء ، فعسى أن يكون في أمته من يطلب بهمته معنى لم يكن عند سائرهم فيقوم قوله بحاجة البعض دون البعض ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلَّم فيقوم بمطلوب الكل فيكون قوله أقوم .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
قوله: (وصلى الله على ممد الهمم) إتيان بما يجب بعد حمد الحق تعالى منالصلاة على من هو فصل الخطاب والواسطة بين أهل العالم ورب الأرباب علما وعينا، كما مر بيانه في الفصل الثامن. قيل: "الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء."
واعلم، أن الرحمة من الله يتعلق بكل شئ بحسب استعداد ذلك الشئ و
طلبه إياها من حضرة الله تعالى: فالرحمة على العاصين المذنبين، الغفران والعفو عنهم، ثم ما يبتنى على المغفرة من الجنة وغيرها.
وعلى المطيعين الصالحين، الجنة والرضاء ولقاء الحق تعالى، وغير ذلك (مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
وعلى العارفين الموحدين مع ذلك، إفاضة العلوم اليقينية والمعارف الحقيقية.
وعلى المحققين الكاملين المكملين من الأنبياء والأولياء عليهم السلام، التجليات الذاتية والأسمائية والصفاتية، وأعلى مراتب الجنان من جنات الأعمال والصفات والذات،  وأعنى بجنة الذات والصفات ما به ابتهاج المبدأ الأول من ذاته وكمالاته الذاتية.
فالرحمة المتعلقة بقلب النبي، صلى الله عليه وآله، وروحه، هي أعلى مراتب التجليات الذاتية والأسمائية لكمال استعداده وقوة طلبه إياها، وفيضها من الاسم الجامع الإلهي الذي هو منبع الأنوار كلها لأنه ربه.
لذلك قال تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي". ولم يقل: إن الرحمن والرحيم أو غيرهما.
ولما كانت الملائكة مظاهر الأسماء التي هي سدنة الاسم الأعظم، والسادن لا بد له من متابعة سيده، حصل له الفيض من جميع الأسماء، واستغفر له مظاهرها بأسرها.
ودعاء المؤمنين له، صلى الله عليه وسلم، إنما هو مجازاة ذاتية يقتضى أعيانهم الثابتة بلسان استعداداتهم الذاتية ذلك.
وكما كان، صلى الله عليه وسلم، واسطة لوجوداتهم في العلم والعين ماهية ووجودا، كذلك كان واسطة لكمالاتهم.
قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
وممد لكل عين، وهمتها بإيصالها إلى كمالها كفرا كان أو أيمانا، إذ من ربه يفيض ما يفيض
لحقائق العالم.
فاللام في (الهمم) لاستغراق الجنس، لأنه الجمع المحلى بالألف واللام،وهو يفيد الاستغراق، كما تقرر عند علماء الظاهر.
وإن جعلنا إمداده مخصوصا بالكمال السابق في الذهن بحسب الظاهر، فاللام للعهد.
أي، يمد الهمم القابلة للكمال بإرشاده طريقه وإيضاحه تحقيقه، وتسليكه سبيلا يوجب الكشف والشهود وترغيبه فيما يوجب الذوق والوجود.
وأمره بالعبادات والأخلاق المرضية ونهيه عما يوجب النقص والرين من المنهيات الشرعية ليترقى الهمم العالية إلى أوجها وذروتها ويتخلص من قيود الحضيض بذكر مقامها الأصلي ونشأتها.
و (الهمم) جمع (الهمة)، وهي مأخوذة من (الهم)، وهو القصد. يقال: هم بكذا. إذا قصده.
قال تعالى: "ولقد همت به وهم بها".
وفي الاصطلاح، توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جناب الحق لحصول الكمال له أو لغيره.
قوله: (من خزائن الجود والكرم) متعلق بقوله : (ممد الهمم). والخزائن هي الحقائق الإلهية المعبر عنها بالأسماء والصفات.
ولما كان كل من هو الجواد الكريم لا يعطى ما يعطى إلا من خزائنه بحسب جوده وكرمه، أضاف "الخزائن" إلى "الجود والكرم". و (اللام) فيهما عوض عن الإضافة.
أي، من خزائن جوده وكرمه تعالى.
وقيل: "الفرق بينه وبين الكرم، أن الجود صفة ذاتية للجواد ولا يتوقف بالاستحقاق ولا بالسؤال بخلاف الكرم، فإنه مسبوق بالاستحقاق القابل والسؤال منه"
وإمداد النبي، صلى الله عليه وسلم، الهمم من خزائن الجود والكرم التي للحضرة الإلهية، إنما هو لقطبيته وخلافته: فالخزائن لله والتصرف لخليفته  
قوله: (بالقيل الأقوم) متعلق بـ "ممد الهمم" بالقول الأصدق الأعدل الذي لا انحراف فيه بوجه من الوجوه.
، لأنه مظهر الاسم الجامع الإلهي، وهو بلسان استعداد مرتبته الواقعة على غاية الكمال والاعتدال يستفيض من الحق فيفيض على الهمم بحسب استعداداتهم.
وهو أصدق الألسنة وأفصحها كما قيل: لسان الحال أفصح من لسان القال.
ولسان الحال والقال يتبع لسان الاستعداد، فإذا كان الاستعداد في غاية الكمال، يكون القال والحال في غاية الصدق.
فقوله، صلى الله عليه وسلم، أقوم الأقوال وحاله أصدق الأحوال.
قوله: (محمد وآله وسلم) عطف بيان "ممد الهمم".
وهذا إشارة إلى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، يمد أرواح جميع الأنبياء السابقين عليه بحسب الظهور والزمان حال كونه في الغيب، لكونه قطب الأقطاب أزلا وأبدا.
كما يمد أرواح الأولياء اللاحقين به بإيصالهم إلى مرتبة كما لهم في حال كونه موجودا في الشهادة ومنتقلا إلى الغيب، وهو دار الآخرة .
فأنواره غير منقطعة عن العالم قبل تعلق روحه بالبدن وبعده، سواء كان حيا أو ميتا.
و (آله)، عليهم السلام، أهله وأقاربه.
والقرابة إما أن يكون صورة فقط، أو معنى فقط، أو صورة ومعنى.
فمن صحت نسبته إليه صورة ومعنى فهوالخليفة والإمام القائم مقامه، سواء كان قبله، كأكابر الأنبياء الماضين، أو بعده، كالأولياء الكاملين.
ومن صحت نسبته إليه معنى فقط، كباقي الأولياء السابقين عليه كمؤمني آل فرعون وصاحب يس، فهو ولده الروحي القائم بما تهيأ لقبوله من معناه.
لذلك قال، صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا" إشارة إلى القرابة المعنوية، ومن صحت نسبته إليه صورة فقط، فهو إما أن يكون بحسب طينته، كالسادات والشرفاء، أو بحسب دينه ونبوته، كأهل الظاهر من المجتهدين وغيرهم من العلماء والصلحاء والعباد وسائر المؤمنين.
فالقرابة المعتبرة التامة هي القرابة الجامعة للصورة والمعنى، ثم القرابة المعنوية الروحية، ثم القرابة الصورية الدينية، ثم القرابة الطينية.
و "التسليم" من الله عبارة عن تجليه له، عليه السلام، من حضرة الاسم" السلام" الموجب لسلامته عن كل ما يوجب النقص والرين المهيئ للتجليات الجمال المخلص عن سطوات الجلال.
ومن المؤمنين قولا، الدعاء له، وفعلا، الاستسلام والانقياد طوعا لا كرها.
كما قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(وصلى الله على محمد الهمم) :"أي أفاض الاسم الجامع لجميع الكمالات رحمته لجامع جميع التجليات ذاتا واسما وصفة، فلما كان المقام مقام الدعاء عدل من الجملة الإسمية إلى الجملة الفعلية؛ ليدل على التجدد والاستمرار، يشير إلى أن الصلاة من الله تعالى مجدد دائما ابدا على ممد الهمم."
لما أوجب تحصيل الحكمة بطريق الكشف والعيان؛ إذ طريق النظر مخطر، وذلك بتوجيه القصد والهمة بعد تصفية القلب، وتزكية النفس، ولا يتأتى ذلك لغير الكامل بالذات إلا بواسطة الكامل لوجوب المناسبة بين المفيض والمستفيض توسل بالروح الأكمل الذي له إمداد همم المستعدين للكمال بإيصالها إلى أقصى النهايات مصونة عن أغاليط الأوهام والخيالات بأفضل الوسائل التي هي الصلاة المفيدة.
وصلته بربه ليستفيض منه، فيفيض على من يناسبه من (خزائن الجود والكرم)، الجود: إفادة ما ينبغي، لا لعوض ولا لغرض، والكرم: الابتداء بالنعم من غير موجب وخزائنهما الأسماء الإلهية.
وفيه إشارة إلى أن إمداد الهمم إنما يتأتى لمن له التصرف في الخزائن الإلهية بالاستفاضة منها للإفاضة على المستعدين، حتى يتم به صلاح العالم.
وهذا هو سبب بعثة الرسل إذ المصالح الدنيوية لا تنتظم إلا بشرع وضعه شارع مستحق الطاعة؛ لتميزه عن غيره بآيات تدل على أنه من عند ربه، مع وعد الثواب والعقاب للموافق والمخالف، لئلا يقع الهرج فيما بين الناس بمعارضة الشهوة، والغضب، و المصالح الأخروية، لا يستقل العقل بدركها كعدم استقلال نور البصر بالإبصار بدون نور الشمس.
(بالقيل الأقوم) وهو القرآن الذي دل إعجازه، وهي أنه للعلم الأزلي أوفق، والأخبار النبوية التي دل القرآن المجيد على أن صاحبها :"وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [النجم: 3 ،4] .
يمد الهمم بذلك من حيث إن تدبره يكشف عن أكثر العلوم، على أن الأمور الكشفية إنما يتحقق صدقها وبراعتها عن الأوهام والخيالات باستعانته، والاستشهاد منه، وتأخيره عن قوله من خزائن الجود والكرم يدل على أنه إنما نزل من
خزائن الجود والكرم، وعلى أن الخزائن الإلهية إنما تعرف عنه؛ لأنها توقيفية، فلا تعرف إلا بواسطته، أو بواسطة الإجماع الذي دل على صدقه.
(وآله وسلم) توسل بآله ، صلى الله عليه وسلم لبعد ما بيننا وبينه من المناسبة، فلا بد في تحصيلها من واسطة.
والمعلوم بذلك إذ لا أكمل منهم بعده ثمراته طلب السلامة له، ولهم في تحصيل تلك الكمالات وإفاضتها على المستحقين ليسلم عن القصور؛ فافهم، والله الموفق والملهم.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
فلذلك اختتمه بقوله: ( وصلَّى الله على ممدّ الهمم من خزائن الجود والكرم بالقيل الأقوم ، محمّد ، وعلى آله وسلَّم ) كما أنّ لكلّ أحد بحسب صورته الخارجيّة هويّة عينيّة يتميّز بها عند الحسّ ، ويتحقّق تشخّصه بين بني نوعه بانفراده بها ، كذلك بحسب حقيقته الجمعيّة له هويّة معنويّة يتميّز بها في نفسه وعند الكمّل من المتطلَّعين عليها ، وهو قصده ونيّته لاستخراج ما استجنّ فيه من الكمالات الواقعة تحت رؤيته ، منتهى مدى بصيرته المقصورة على اعتقاده حسب استعداده ، وهو  الهمّة ، وهذا هو المبدء والروح لسائر ما يتحقّق به الهويّة العينيّة ، من الأعمال والأحوال والعوارض الخارجيّة - كما أشار إليه صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله :" إنّما الأعمال بالنيّات" .

ثمّ إنّه صلَّى الله عليه وسلَّم لما اختصّ بين الكمّل من الأنبياء بإتيان القرآن العربي ، المعرب عمّا عليه الوجود إجمالا وتفصيلا - بما فيه من الميزان القويم الذي له نهاية الاستقامة وتمام العدل والصدق ، إفرادا وتركيبا .
مقطعا وموصلا كان صلَّى الله عليه وسلَّم ممدّا لسائر الهمم من قولهم : « أمدّ الجيش بالعدد والعدد » أي زاد في موادّه  فإنّه صلَّى الله عليه وسلَّم يمدّ الكل في مواد مراقي كمالهم ومعدّات معارج علمهم واستيهالهم ، بما يربي على مقترحات ألسنة استعدادهم ، ويفضل على مقتضى أسئلة قابليّاتهم . ضرورة أنّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو المادّة الأولى ، الفاتحة للرحمة العامّة للعالمين ، والصورة الآخرة الخاتمة للرحمة الخاصّة بالكمّل منهم بما لا مزيد عليه في الإمكان ، فيكون ذلك الإمداد من خزائن الجود والكرم ، لا من ديوان مجازاة العدل والحكم .
"درجات العلماء من ورثة الأنبياء  "
ثمّ إنّه مما يستوجبون اشتمال فواتح التآليف عليه ، التنبيه على جلالة شأن ما تضمّنته من المطالب ، تحريضا للطالبين ، وتنبيها للمبطلين من الذاهلين والمنكرين ، ولا يستراب أنّ الاطلاع على محتد أذواق الكمّل من الأنبياء في العلم باللَّه ، والوقوف على مبلغ مكاشفات الكلّ فيه - كما تكفّل ببيانه هذا الكتاب - ممّا اختصّ بنيله الحضرة الختميّة ، ضرورة أنّ هويّتها هي أحديّة جمع الكلّ علما وشهودا - على ما عرفت .
ثمّ إنّ الوارثين لعلومها تتفاوت مبالغ سهامهم منها حسب تفاوتهم في درجات القرابة إليها ، واختلافهم في استجماع وجوه الانتساب بها ، فمن كانت رقائق النسب والقرابة منه إليها مقصورة على الروابط المعنويّة منها فله من تلك السهام حقائق المعارف ببساطتها.
ولطائف العلوم بصرافة كلَّيتها بدون أن يكون لها من تلك الحضرة صورة كاشفة ولا وضع نبوي مبين .
كما للحكماء من أهل النظر ومن كان مستجمعا معها للوجوه الصوريّة والتزام الهيئات النبويّة والشعائر الشرعيّة مستنبطا من الصور السماويّة المنزلة إليها لطائف تلك الحقائق ، فله من قداح تلك السهام ما تلبّس بالصورة المنبئة ، وارتدى بالشعائر الشرعيّة المشعرة للمشاعر .
وهم متفاوتون في ذلك ، متخالفون في حيازة درجات كماله ، فمنهم من استحصل منها قدرا يستأهل به أن يستفيض من تلك الحضرة في سجال إفضالها شيئا من الحقائق حينا ومنهم من بذل الجهد فيه إلى أن وصل إلى ما يستأهل به أن يستمطر من هطل سحائب كمالها ديم العوارف من خصائص المعارف دائما .
وقد ينتهى أمر تلك المقاربة إلى أن يستفيد من صورتها المشخّصة بجميع ما  يشخّصها من اللواحق كالزمان والمكان والوضع مشافها لها ومكافحا إيّاها ، جملة جامعة وكتابا كاملا يحتوي على ما تضمّنته الحقيقة الختميّة من الحكمة الشاملة والعلم المحيط بسائر الأذواق والمشارب ، على ما اقتضى ذلك الوقت إظهارها وإشاعتها ، واستدعى ألسنة استعداد أبنائه الاغتذاء بها وإفاضتها .
وهذا هو الغاية في القرابة وما يستتبعها من الوراثة ، فهو الخاتم لتلك الوراثة خاصّة ، وهو الشيخ المؤلَّف - كما علم من تصفّح كلامه في كتبه - وإلى ذلك كلَّه أشار بقوله :

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.)
(صلی الله) أي أفاض رحمته بالتجليات الذاتية والأسمائية والصفائية (علی ممد الهمم) القابلة للترقي في مراتب الكمال وذلك الإمداد إنما يكون بتبيين المقام
الذي تعشقت به الهمة ، والكمالي الذي تعلقت به، وتعريف ما هو أعلى وأفضل وبیان حالة هي أعز وأكمل وذلك الإمداد إنما هو (من خزائن الجود والكرم) وهي الحضرات الأسمائية الإلهية (بالقيل الأقوم) الأعدل بين تعریض و تصریح وكتم وإفشاء وإيجاز و إسهاب وبشارة ونذارة (محمد وآله) الذين تؤول إليهم أموره صلى الله عليه وسلم و مواريثه العلمية والمقامية والحالية (وسلم) عليه بإسم السلام يسلم إليه فيه حقائق الكمال ويعطيه السلامة عن سطوات تجليات الجلال ويهبه السلامة عن الانحرافات والتحقق بحقائق المرتبة الاعتدالية .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: