الجمعة، 28 يونيو 2019

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الثالثة الجزء الأول .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

   
الفقرة الثالثة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب.
فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
(وبعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في) رؤيا (مبشرة)، أي مغيرة لصورة البشرة من حزن وکرب إلى فرح وسرور.
وهو من قوله عليه السلام: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات» وذلك في عالم التجريد عن العلائق البشرية وتبديل الصورة الحيوانية بالصورة الإنسانية.
وسبب ذلك ركود الحواس وصفاء الروحانية، إما بالمنام المعروف أو باليقظة الحقيقية .
(أريتها)، أي أراني إياها الله تعالى (في العشر الآخر من شهر المحرم الحرام) من شهور (سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق) الشام .
وكانت محط رحال الشيخ رضي الله عنه وموضع إقامته من دون سائر البلاد بعد أن سار في جوانب الأقطار، ثم استقرت به الدار في ربوة ذات قرار لما علمه فيها من خفايا الأسرار.
(و) الحال أن (بیده)، أي بید رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كتاب فقال لي: هذا كتاب فصوص) بضم الفاء جمع فص بالفتح ويأتي بيانه إن شاء الله (الحكم) جمع حكمة .
(خذه)، أي تناوله مني .(واخرج به)أي بمصاحبته من عقلك الصرف إلى الممزوج بالنفس .
وهو معنى قوله (إلى الناس)، لأن عقولهم ليست صرفة كعقول الملائكة عليهم السلام بل ممزوجة بأنفسهم، إما متساوية أو راجحة أو مرجوحة لا تحصل الاستفادة التامة إلا ممن يجانس ويشاكل .
ولهذا قال: (ينتفعون به)، أي بهذا الكتاب، فتكون تسمية هذا الكتاب "بفصوص الحکم" تسمية من النبي صلى الله عليه وسلم .
كما وقع للشيخ شرف الدين عمر بن الفارض رضي الله عنه في تائيته التي سماها له النبي صلى الله عليه وسلم «نظم السلوك» في رؤيا أريها حكيت في ديوانه.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب.
فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
فقال : "فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم له في مبشرة أريتها في العشر الأخير من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة" أي رؤيا صالحة لوجود شرائطها في رائيها .
(بمحروسة دمشق) إشارة إلى عزلته عن الخلق بحيث لا عوائق له من الظاهر في ذلك الزمان (وبيده صلى الله عليه وسلم ) خبر (کتاب) مبتدأ .
أي هذا الكتاب مختص بید رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يشترك فيه بل غيره وهو أعظم كمالاته المختصة به .
والمراد بيان عظمة شأن الكتاب وعلو قدره وتنزهه عن المس الشيطاني باختصاصه وإضافته إلى يد رسول الله في رؤيا صالحة.
(فقال لي رسول الله عليه السلام هذا كتاب فصوص الحكم) إضافة المسمى إلى اسمه فسمى الكتاب الحسي باسم الكتاب المثالي لتطابقهما معنى من غير زيادة ولا نقصان (خذه) فیضه عليه السلام وإلقائه ما في الكتاب على قلب الشيخ (وأخرج به إلى الناس) أمره بالإفاضة ونظم المعاني والألفاظ على الهيئة المأخوذة في الترتيب خالصة مخلصة عن الأغراض النفسانية والتلبيسات الشيطانية بعين ما وصل إليه.
يدل ذلك على أن كل ما ذكر قبل الشروع في إبراز الفصوص ليس من عند نفسه وتصرفاته بل هو داخل في الكتاب المعطی به من بد رسول الله المشار إليه
بقوله : "هذا كتاب فصوص الحكم" فيصدق على الكلام المذكور قبل الفصوص أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس .
فيصدق هذا الكلام على نفسه وعلى كل جزء من الكتاب الصوري الشهادي من البسملة و الحمدلة والتصلية وغير ذلك .
لذلك قال : "فأول ما ألقاه المالك" بالفاء المؤذن للارتباط إشارة إلى أن المذكور بعدها متمل بما قبلها يعني كل ذلك ظهر مني بأمر الرسول والإلقاء السبوحي (ينتفعون به) علة للإخراج أمر الناس بالانتفاع في صورة الأخبار وفيه من المبالغة ما ليس في الإنشاء .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
و قوله رضي الله عنه : "أما بعد: فإني رأيت رسول الله، عليه السلام، في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده، صلى الله عليه وآله وسلم، کتاب، فقال لي: هذا «کتاب فصوص الحکم» خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به."
قلت: قوله، عليه السلام، هذه إشارة إلى معاني هذا الكتاب الذي أظهرها له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عالم الكشف وأما العبارة فهي للشيخ، رضي الله عنه.
ولذلك قال في دعاءه رضي الله عنه : "حتى أكون مترجما لا متحكما" فهو مترجم والترجمان هو الذي ينقل المعاني إلى لغة يعرفها من يترجم له بها.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قال العبد أيّده الله له : صحّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنّه قال : « من رآني فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي »
وفي رواية « لا يتكوّنني » أي ليس في قوّته أن يتظاهر بصورتي ، ولا يتمكَّن في الترائي للأمّة بها . والتكوّن هو التكلَّف في الشخص أن يكون على صورته التي كان عليها حال حياة الدنيا .
فمن رآه في تلك الصورة كامل الخلقة ، فقد رآه حقيقة ، وليس للشيطان أن يظهر بها أبدا .
مع أنّ الشيطان قد يتظاهر بصورة الربوبية ودعوى الإلهية ، وذلك لسعة الحضرة والصورة الإلهية المحيطة بصورة الاسم الهادي المرشد .
وصورة الاسم المضلّ فإنّ الله - تعالى - كما هو ربّ للمهتدين والمؤمنين والهادين ، فكذلك هو ربّ الضالَّين والمضلَّين والكافرين والمشركين ، لا إله إلَّا هو ، ولذلك جعله من المنظرين ، وأعطاه التمكين في الإضلال والإغواء .
فقال : " وَاسْتَفْزِزْ من اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ في الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً " آية 17 سورة الإسراء .
والشيطان يظهر للضالَّين والكفرة والمشركين والفجرة والملحدين بصورة الاسم المضلّ وهو اسم
من أسماء الله تعالى قال الله تعالى : " يُضِلُّ من يَشاءُ وَيَهْدِي من يَشاءُ " آية 8 سورة فاطر.
- وسائر الأسماء في حضرة المضلّ بحسبها كما هو الأمر في غيرها من الحضرات ، ولكن ليس للشيطان أن يظهر بصورة الاسم الهادي ولا بصورة الاسم الجامع المحيط المتجلَّي بصورة الهادي الذي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على صورته قال الله - تعالى - :
"وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِراطِ الله الَّذِي لَه ُ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ " آية 52-53 سورة الشوري.
فإنّ الضدّ لا يظهر بصورة الضدّ أبدا ، هذا ما لا يكون .
وكذلك النقيض لا يظهر بصورة نقيضه عصمة من الله في حقّ الرائي ، وإلَّا لجاز انقلاب الحقائق ، وتغيّرت الفصول ، وانخرمت الأصول ، وانحرفت العقول ، فافهم هذا السرّ فإنّه من لباب التحقيق . وفي هذا المقام أسرار أخر غامضة جدّا ليس لعقول البشر ، وأرباب الفكر والنظر أن يحيطوا بها إلَّا بنور الوهب والكشف والتأييد ، والله وليّ التوفيق والتسديد .
وأمّا من رأى صورة في الرؤيا ، وتيقّن في تلك الحالة أنّه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو يقال : إنّه هو ، ولا يطابق ما رآه صورته الأصلية صلَّى الله عليه وسلَّم في الصور ، وسلَّم الثابتة في الصحيح من الأحاديث ، أو يكون مخالفا ، أو مطابقا من وجه ومخالفا من وجه ، فذلك صورة نسبة الرائي من الصورة الشرعية المحمدية .
فمن كان مقتديا به صلَّى الله عليه وسلَّم من كلّ وجه ، مهتديا بهديه  صلَّى الله عليه وسلَّم على الوجه الأكمل ، واتّبعه حقّ المتابعة في العلم والعمل ، وكان له ورث تامّ من حاله ومقامه .
يكون ما يرى في وقائعه يقظة ومناما وما بينهما أكمل في المطابقة وأبين وأوضح في الشخص والتمثّل في شهوده ورؤيته لكمال اتّباع الرائي الوارث له في جميع الأخلاق والأوصاف والأحوال والسير والأعمال .
ويصحّ من مثله أن يقول : رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  .
وأمّا من رآه على صورته الخصيصة به فما رآه ، وما رأى إلَّا صورة نسبية لا غير .
ثم اعلم : أنّ الرؤية أعمّ من الإبصار لأنّه شهود المبصرات بحاسّة البصر ، والرؤية شهود المشهودات كلَّها - سواء كان مبصرا أو متخيّلا أو ممثّلا أو معقولا أو معلوما رؤية غير متقيّدة بحاسّة البصر .
بل بعين البصيرة والعلم والقلب ، ويصدق الإبصار في المتخيّلات والمتمثّلات لكونها مدركة بقوّة الإبصار ، وإن كان بصره مكفوفا عن ملاقاة سطح المبصر .
فلمّا قال رضي الله عنه  : « رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم » وهو أعلم القوم بالحقائق علمنا أنّه رآه حقيقة .
فرآه بعين البصيرة ما منه صلَّى الله عليه وسلَّم مشهود بعين البصيرة والقلب ، وهو صورته الحقيقية والمعنوية .
ورآه  بعين روحه - رضي الله عنه - صورته الروحانية .
ورآه بعينه النورانية الإلهية صورته النورانية الإلهية ، ورأى بباطن بصره صورته المتمثّلة المحسوسة المبصرة فإنّ له ذلك على التعيين.
ولرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يظهر لمن كملت درايته منه - محسوسا مبصرا في عالم الحسّ لأنّه لا يتقيّد في عالم وليس محبوسا في برزخ من البرازخ .
وكذلك وارثه وكلّ من كملت وراثته منهما ، وصحّت نسبته معهما في العلم والحال والمقام والخلق والعمل ، وتوجّه إلى أرواحهما ولم يعرج إلى برازخهما ، نزلا إليه لطفا وعطفا ، وفي هذه الرواية والتنزّل تتفاوت مراتب الورثة .
سمعت سيّدي الشيخ صدر الدين محمد بن يوسف رضي الله عنه :
أنّه اجتمع هو والشيخ إسماعيل بن سودكين تلميذ الشيخ خاتم الأولياء مع شيخ الشيوخ سعد الدين محمد بن المؤيّد الحموي بمحروسة دمشق في سماع .
فقام الشيخ سعد الدين رضي الله عنه في أثناء السماع والناس في مواجيدهم إلى صفّة في ذلك البيت .
وبقي واقفا واضعا يديه على نحره مطرقا إطراق إجلال وتعظيم ، متأدّبا إلى أن انقضى السماع وقد سرى سرّ جمعيته وحاله في ذلك الجمع.
ثم قال في آخر المشهد وقد غمّض عينه : "أين صدر الدين ؟ أين شمس الدين إسماعيل ؟ "
قال الشيخ رضي الله عنه فبادرنا إليه أنا والشيخ شمس الدين إسماعيل فتعانقنا وضمّنا إلى صدره .
ثم فتح عينه في وجوهنا ولحظنا مليّا ، وقال : "حضر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوقعت بين يديه كما رأيتموني الآن فلمّا انصرف ، أحببت أن أفتح عيني في وجوهكما ، فقد كانت في شهود وجه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم " .
وأمّا خاتم الأولياء الخصوصي فقد رأته بعد وفاته رضي الله عنه من بان له رضي الله عنه  بها عناية من بعض سراريه وهي على الباب .
فلمّا رأته ، قالت : سيّدي ، سيّدي .
فقال لها الشيخ : كيف أنت ؟
وعبّر عنها ، فصاحت ، واجتمع أهل البيت عليها .
فقالت : عبر سيّدي عليّ إلى هذا الصوب فنسبها من لا تحقيق له إلى الجنون .
وأمّا أنا فكنت في دار السلام بغداد حرسها الله تعالى ، وكان نزيلي شخصا ادّعى أنّه المهديّ عليه السّلام وقال لي : اشهد لي .
فقلت : أشهد عند الله أنّك غيره ولست إلَّا كذّابا ، فعاداني وجمع عليّ الملاحدة والنصرية ، وآثار عليّ جماعة منهم وقصد إيذائي.
فلجأت إلى روحانية خاتم الأولياء ، وتوجّهت إليه رضي الله عنه بجمعية كاملة ، وراقبته في ذلك ، فرأيته رضي الله عنه وقد أخذ بيديه يدي ذلك المدّعي ورجله اليمنى وشماله:
وقال : أضربه على الأرض ؟
فقلت : يا سيّدي لك الأمر والحكم ، فانصرف عنّي وقمت وخرجت إلى المسجد ، فإذا المدّعي مع أتباعه مجتمعين مجمعين على ما نووا ، فلم أتلفت إليهم وجزت إلى المحراب وصلَّيت صلاتي ، ثم لم يقدروا عليّ ، ودفع الله عنّي شرّه ، ثم تاب على يدي وسافر عنّي ، والحمد لله .
فهؤلاء الكمّل يظهرون في عالم الحسّ مهما شاؤوا بأمر الله ، وقد أقدرهم الله على ذلك ، وليس غيرهم من النفوس البشرية ، المفارقة كذلك فإنّ الأكثر الأغلب محبوسون في برازخهم ، لا يظهرون ولا يتشخّصون إلَّا في المنام أو يوم القيامة ، فافهم هذا إن كان لك قلب ، أو ألق السمع وأنت شهيد ، وآمن فلا تكن من الممترين والمفترين .
واعلم : أنّ هذه الرؤية الأحدية الجمعية الكمالية الجامعة لجميع مقامات الرؤية بالنسبة إلى الحق وأكمل الخلق - صلَّى الله عليه وسلَّم وسائر الكمّل وغيرهم مخصوصة بالختمين وورثتهما من الأولاد الإلهيين والندّر من الأفراد المكمّلين ، والحمد لله ربّ العالمين .
قال الشيخ رضي الله عنه : « في مبشّرة أريتها في العشر الآخر من المحرّم سنة سبع وعشرين وستّمائة [ 627 ] ".
قال العبد : « المبشّرة » فيما عرفها الناس وتعارفوها هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو يرى لغيره .
كما نطقت به النبوّة الختمية للجمهور ، ومشرب التحقيق الختمي الكمالي الخاصّ يقضي بأنّها أعمّ.
فقد يبشّر الله أولياءه بغير الرؤيا يقظة وإلقاء وإعلاما وتجلَّيا كفاحا وواردا إلهيّا روحانيّا ملكيّا وغير ذلك على ما يعرفها أهلها ويتعارفونها بينهم .
وقوله : « أريتها » دالّ على أنّ الله أراها قصدا خاصّا اختصّه الله بذلك .
والمحرّم من المشهور اختصّ بهذه المبشّرة لأنّه - رضي الله عنه - فتح له في أوائل فتحه في المحرّم أيضا على ما روّيناه عن الشيخ رضي الله عنه بالخلوة  الخلق أوّل مبشّرة في إشبيليّة من بلاد أندلس تسعة أشهر لم يظهر فيها ، دخل في غرّة المحرّم ، وأمر بالخروج يوم عيد الفطر ، وبشّر بأنّه خاتم الولاية المحمدية ، وأنّه وارثه الأكمل في العلم والحال والمقام .
قال رضي الله عنه : « وبيده كتاب ، فقال لي : هذا كتاب فصوص الحكم ، خذه واخرج به إلى الناس ، ينتفعون به " .
قال العبد : « اليد » مظهر العطاء والمنع والقبض والبسط والأعمال الصالحة ، وهي صورة القدرة .
وكون الكتاب بيده إشارة إلى أنّ هذه العلوم والحكم التي يتضمّنها هذا الكتاب من خصوص أذواق كمّل الأنبياء - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيده وقبضه من كون أحدية جمع جمع الختمية النبويّة جامعة ومحيطة بها جميعا على التخصيص .
و " الكتاب" فعال - بكسر الفاء - يعني به المكتوب من الكتب وهو الجمع لكون كلّ كتاب جامعا بين جمل وفصول ، وفروع وأصول ، ومعان وعبارات ، وسور وآيات ، وحروف وكلمات ، وحقائق ودقائق وإشارات .
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : « هذا كتاب فصوص الحكم » المنزلة على الكمّل المذكورين .
وفيه إجمال مضمون الكتاب لمن عقل عن الله وذلك أنّ الفصوص تدلّ على معان وحقائق معلومة للخاصّة.
ككون الفصوص محالّ النقوش والعلامات الاسمية التي يختم بها على الخزانة .
وأنّ النقوش التي في هذه الفصوص إنّما هي نقوش الحكم الإلهية الكلَّية الكمالية الأحدية الجمعية الختمية المحمدية المتفصّلة في قابليّات قلوب كمّل الأنبياء المذكورين في الكتاب .
فإنّ هذه النقوش الحكمية وإن نزلت على قلوبهم من الحضرات الإلهية الأسمائية بحسب استعداداتهم الخصيصة بكل حضرة حضرة منها .
ولكن أحدية جمع هذه الحكم والنقوش من حيث الأصل والمحتد في قبضة خاتم الرسل صلَّى الله عليه وسلَّم ، وتفصيلها وتبيينها وتوصيلها وتعيّنها .
إنّما يكون على يدي خاتم الأولياء المحمدي الخاصّ خاصّة .
لكون هذه الحكم إنّما تؤخذ من الوراثة الخاصّة المحمدية الختميّة ، وكونه رضي الله عنه هو وارثه صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه الختمية الخصوصية .
وإن كان الكاملون جميعا ورثته في المقامات الكلَّية المحمدية المتفصّلة في جميع الأنبياء والأولياء لكن هذه الوراثة الختمية وارثة خاصّة ، لها ذوق خاصّ ، منه يعرف أذواق جميع الأنبياء والأولياء.
ولا يعرف من ذوق أحدهم ولا من أذواق الكلّ ، ويوجد في ذوقه مزيد أسرار وحكم على أذواق أهل المقامات .
يعرف ما أشرت إليه المحيط بأذواقهم ومشاربهم أوّلا ، الجامع لزوائد ما جاء به هذا الخاتم رضي الله عنه ثانيا ، والله الموفّق .
قال الشيخ - رضي الله عنه - : « خذه واخرج به إلى الناس ، ينتفعون به  ".
قال العبد : أمره عليه السّلام بأخذ هذا الكتاب إشارة إلى أنّه رضي الله عنه هو الخاتم المخصوص بختمية ولأنّه المخصوص .
وذلك لأنّ الحكم التي في ضمن " فصوص الحكم " المخصوصة بمقامات الختمية المحمدية المتعيّنة في كل مقام من مقامات الكمالات الخصيصة بالحضرات الأسمائية الإلهية التي هي لهؤلاء الأنبياء المذكورين فيه  جملة تجلَّياتها وعلومها وأحكامها ، فأمر خاتم الأنبياء بإخراج هذه الحكم الختمية يجب أن يكون لوارثه الأكمل في الختمية الجمعية إذ حقائق الختمية وعلومها لا تكون إلَّا للمتحقّق بالختمية ، فافهم الإشارة فإنّها لطيفة .
وهو مثل قوله - تعالى - لموسى بن عمران " فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها " .
يعني في زعمهم ومبلغ علمهم ، وإلَّا فكلّ ما فيها أحاسن ومنها تنبعث المحامد والمحاسن .
وقوله : « واخرج به إلى الناس ينتفعون به »
إشارة إلى أنّ هذه الحكم الأحدية الجمعية الكمالية المحمدية الختمية إنّما يظهرها الله به وعلى يديه ولسانه  صلَّى الله عليه وسلَّم .
وسياق الكلام يقتضي ظاهرا أن يكون قوله : « ينتفعون به » مجزوما بإسقاط نون " ينتفعون " لكونه جواب الأمر ، وهو ظاهر ، ولكنّه صلَّى الله عليه وسلَّم بشّر الشيخ رضي الله عنه بأنّ الناس أي المتحقّقين بالإنسانية إلى يوم القيامة ينتفعون به، ويخرّج على أنّه ليس جواب الأمر ، ولكنّه إخبار ابتدائي منه صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك .
أي بصورة الحال الجارية لمزيد إعلام وبشارة .
فهو جواب سؤال مقدّر لو سئل صلَّى الله عليه وسلَّم : إنّ هذه الحكم تعلو وتجلّ عن فهم الناس الحيوانيين  بأنّ فيهم ناسا مؤهّلين للكمال ينتفعون به .
قال الشيخ رضي الله عنه : "فقلنا السمع والطاعة لله ورسوله ولأولي الأمر منّا ، كما أمرنا ".
المفهوم الظاهر ظاهر ، وهو امتثال أمر الله ورسوله وأولي الأمر بعد الرسل من المؤمنين والخلفاء والأئمة الذين يلون الأمر وباطنه وسرّه .
إنّه رضي الله عنه أشار في كلّ ذلك إلى طاعة الله الظاهر المتجلَّي في المظهر المحمدي الأكمليّ ، وإلى طاعته أيضا من حيث إنّه رسول الله.
ثم من كونه صلَّى الله عليه وسلَّم وليّ الأمر على جميع الكمّل ، فيخرّج أنّ طاعته رضي الله عنه أيضا في هذه الوجوه الثلاثة كلَّها لله في أكمل مظاهره وهو رسول الله من ثلاث حسنات كلَّية ، فافهم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
المبشرة في الأصل صفة الرؤيا ، وهي من الصفات الغالبة التي تقوم مقام الموصوف فلا يذكر معه الموصوف كالبطحاء فلا يقال رؤيا مبشرة كما لا يقال أرض بطحاء .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قوله: "أما بعد، فإني رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مبشرة)(أريتها في العشر الآخر من المحرم لسنة سبع وعشرين وستمأة" هذا تمهيد عذر لإظهار هذا الكتاب إلى الخلق، فإن الأولياء أمناء الله تعالى.
والأمين لا بد لهمن أن يحفظ الأسرار التي أؤتمن عنده ويصونها عن الأغيار.
كما قال:
يقولون خبرنا فأنت أمينها      ..... وما أنا إذ خبرتهم بأمين
اللهم إلا أن يؤمروا بإظهارها، فحينئذ يجب عليهم الإظهار والإخبار.
و لما كانت الرؤية إما بالبصيرة أو بالبصر، والكمل لهم الظهور في جميع العوالم حيثما شاء الله لعدم تقيدهم في البرازخ كتقيد المحجوبين.
نبه أنها كانت في"مبشرة"، أي في رؤيا مبشرة، وهي لا يكون إلا بالبصيرة، وهي عين الباطن.
قال، عليه السلام، عند إخباره عن انقطاع الوحي: "لم تبق بعدي من النبوة إلا المبشرات".
فقالوا: "وما المبشرات يا رسول الله؟" قال: "الرؤيا الصالحة يراها المؤمن".
وهي لا يستعمل مع موصوفها، فلا يقال: رؤيا مبشرة.
كما لا يقال: أرض بطحاء.
قوله: "أريتها" على صيغة المبنى للمفعول من "الإراءة". أي، أرانيها الحق من غير إرادة منى وكسب وتعمل، ليكون مبرأ من الأغراض النفسانية ومنزها عن الخيالات الشيطانية.
قوله: (بمحروسة دمشق وبيده، صلى الله عليه وسلم، كتاب).
(فقال لي: "هذا كتاب فصوص الحكم". خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به).
متعلق بقوله:
"رأيت" أي، رأيته في محروسة دمشق. وفي قوله: "بيده كتاب" إشارة إلى أن الأسرار والحكم التي يتضمنها هذا الكتاب إنما هي مما في يد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وملكه وتحت تصرفه.
كما يقال: هذه المدينة في يد فلان. أي في تصرفه. وهي مظهر التصرف بالأخذ والعطاء.
وقوله: "هذا كتاب فصوص الحكم" يحتمل أن يكون إخبارا منه، صلى الله عليه و سلم، بأن اسمه عند الله هذا.
وأن يكون سماه، صلى الله عليه وسلم، بذلك ولابد أن يكون بين الاسم والمسمى مناسبة ما عند أهل التحقيق.
فهذا الاسم يدل على أن مسماه خلاصة الحكم والأسرار المنزلة على أرواح الأنبياء المذكورين فيه، إذ فص الشئ خلاصته وزبدته، كما سنبين إنشاء الله تعالى.
وأيضا، لما كان مراتب تنزلات الوجود ومعارجه دورية وقلب الإنسان الكامل محلا لنقوش الحكم الإلهية، شبهها بحلقة الخاتم.
والقلب بالفص الذي هو محل النقوش، كما قال في آخر الفص الأول: "وفص كل حكمة الكلمة التي نسبت إليها".
وسمى الكتاب بفصوص الحكم، لما فيه بيانها وبيان حكمها.
قوله: "خذه واخرج به إلى الناس" أي، خذه منى في سرك وغيبك واخرج به إلى عالم الحس والشهادة بتعبيرك إياه وتقريرك معناه بعبارة تناسبه وإشارة توافقه لينتفع به الناس ويرتفع عنهم حجابهم.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
أما بعد: (فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة) هي الرؤيا الصالحة؛ لأنها تبشر بالغيب عن الحق بريئا عن شوائب الوهم والخيال الباطل؛ ولذا جعلت جزءا من النبوة في قوله صلى الله عليه وسلم : "لم يبق من النبوة إلا المبشرات".
قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وسلم : "الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له".
و أشار بذلك إلى أن هذا الكشف يشبه کشف النبوة؛ فلا يسوغ إنكاره.
كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله ".
(أريتها)، أي: أرانيها الله تعالى، ولم يكن ذلك من نفسي، (في العشر الأخير من محرم)، أي: حين كان لي هجرة إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، بعد حصول الكمال لي في ذلك.
كما أشار إليه بالعشر الأخير، فإن العشرة عدد كامل، وكونها الأخيرة إشارة إلى انتهائه في ذلك، (سنة سبع وعشرون وستمائة) بين التاريخ ليعلم أنه من أواخر کشوفه الحاصلة له حالة الكمال.
(بمحروسة دمشق)، أشار بذلك إلى أنه إنما استفاد ذلك بواسطة من دفن فيه من الأنبياء عليهم السلام - وإلى أنه حين أظهره كان بين أظهر أعلام الإسلام المشددين على الملوك وغيرهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومع ذلك لم يقدروا على إنكار شيء منه على وجهه، ولا محو كتبه لغيبته، (وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب)، أشار بذلك إلى أنه كالملك له؛ فلا يصل إليه غيره إلا بواسطته .
وما حصل للشيخ رضي الله عنه بواسطته فهو أتم مراتب الكشف، وأشار إلى هذا المعنى بقوله: (فقال لي: هذا كتاب «فصوص الحکم»).
أي: علوم تتزين بها بقية العلوم كما نزين الخاتم بالفص، أو علوم هي غايات كمالات أذواق الحمل من الأنبياء عليهم السلام؛ إذ الفص ختم للخاتم، ونهاية لكماله، خص الشيخ رضى الله عنه  بإعطاء ذلك في هذه الأمة التي علماؤها كأنبياء بني إسرائيل؛ فهو من أكابر أولئك العلماء.
ولأمر ما قال له صلى الله عليه وسلم : («خذه واخرج به إلى الناس») ، الأمر بأخذه أولا ليفوز برتبة الكمال، ثم بإخراجه إلى الناس ليفوز برتبة التكميل.
وهذه الجملة تكمل المشابهة بالأنبياء عليهم السلام، فإن من الأولياء من يعطى الأسرار، ولا يؤمر بإخراجها إلى الناس، وفيه تمهيد لعذره في إخراج هذه الأسرار بأنه لم يخرجها ما لم يجب عليه إخراجها بأمر الله تعالى، فإن الأمر الرسول ، ورؤيته كأمر الله تعالی ورؤيته: "من يطع الأول فقد أطاع الله" [النساء: 80]، حديث الطبراني: «ومن رآني، فقد رأى الحق» .
ثم علل ذلك بقوله: (ينتفعون به)، بأن يطلعوا بذلك على كمالات الأنبياء عليهم السلام، وغاية علومهم وأذواقهم، ويرون مع ذلك فضل نبينا صلى الله عليه وسلم عليهم في تلك المراتب فيزدادون به إيمانا، ويطلعون بذلك على بعض أحوال الناس.
وفي قوله: "إلى الناس ينتفعون به" إشارة إلى أن من لا ينتفع به، فليس من الناس بل من البهائم أو السباع أو الشياطين؛ فافهم.
فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأولي الأمر منا)، لما كان أمره صلى الله عليه وسلم أمر الله تعالى للآية المذكورة .
مع أن الكامل لا يرى شيئا إلا يرى الله فيه أو معه أو قبله أو بعده، قال: السمع والطاعة لله ولرسوله، ولما كانت المشايخ تابعين له صلى الله عليه وسلم كان أمره صلى الله عليه وسلم موجبا لإجازتهم هو إشارة إلى إجازتهم بطريق الإلزام في إظهار الأسرار.
(كما أمرنا)، إشارة إلى قوله تعالى: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " النساء: 59 ، وهم المشايخ والعلماء في جميع الأمور.
قال: منا وكذا الأمراء في بعض الأمور، وهو فيما أمروا أن يأمروا بذلك.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قال رضي الله عنه : "أمّا بعد فإنّي رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مبشّرة أريتها في العشر الأخير من المحرّم ، سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق وبيده صلَّى الله عليه وسلَّم كتاب " .
المبشّرة - لغة - : الريح التي تبشّر بالغيث ، وفي عرفهم يطلق على ما يرى السالك من الصور المثاليّة المبشّرة له بجلائل الفتوحات .
ثمّ إنّ الفيض الواصل إلى العبد له مدرجتان : إحداهما من الرحمة الوجوبيّة التي يسلك إليها العبد بمساعي قدمي جدّه واجتهاده ، وعلمه وأعماله ، والثانية من الرحمة الامتنانيّة التي إنما تنساق إلى العبد بدون توسّل عمل منه ولا توسّط سعي واجتهاد وفي عبارتي « رأيت » و « أريتها » ما يدلّ على أنّ  الفيض المذكور لجلالة قدره جامع بين نوعيهما ، حائز لكماليهما .
وفي لفظ « الكتاب » إشارة إلى أنّ ما انطوى عليه من الحقائق هو الذي يتعلَّق بطرف الولاية خاصّة ، فإنّ للكتاب اختصاصا به ، كما أنّ للكلام اختصاصا بما يتعلَّق بطرف النبوّة منها ، ويؤيّد ذلك ما في اللغة من أنّ الأوّل فيه معنى الجمعيّة ، كما أنّ في الثاني ما يستتبع التفرقة ، وسيجئ ما يلوّح إلى زيادة تحقيق لهذا البحث .
وقوله « وبيده » فيه إشعار بأنّ ما تضمّنه الكتاب من الخصائص الختميّة المكنونة التي هي في قبضته إلى الآن ، فإنّه كما أنّ الفم مصدر فتح أبواب انبساط الكتاب وما انطوى عليه على صحائف العيان ، فإنّ اليد مورد طيّه وقبضه ، ومحلّ ختمه وكتمه .
وممّا يلوّح عليه أنّ « اليد » هو « الختم » على طريقة التحليل ( 14 ) .
وأيضا : فإنّ الزمان والمكان المذكورين يلوحان على أنّ ما تولد منهما من الحقائق على مجالي المشاهد والمدارك من الفضائل الختميّة الزائدة على مشهودات الكمّل وخصائصها المحرّمة عليهم ، تلويحا ظاهرا ولذلك ما كاد يبرز من تلك الحقائق شيء ما لم يصدر من ذلك المصدر مرسوم بإبرازه وإظهاره ، على ما أشار إليه بقوله :
قال رضي الله عنه : "فقال لي : هذا كتاب فصوص الحكم ، خذه وأخرج به إلى الناس ينتفعون به " .
وفي تسميته صلَّى الله عليه وسلَّم بـ « فصوص الحكم » إشعار بأنّ ما انطوت عليه من نقوش الحقائق إنّما هو من الخصائص الختميّة على ما لا يخفى على الفطن .
ثمّ إنّ ما يؤخذ به الكتب - أخذا يعتدّ به ويعوّل عليه - من الآلات والجوارح هو السمع الذي فيه صور المعلومات ، كما أنّ ما يخرج به هو باقي الجوارح والأعضاء .
وأيضا : فإنّ المذكور هو قول الخاتم وأمره ، وفي مقابلة القول : السمع ، وفي مقابلة الأمر : الطاعة .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب. فقال لي: هذا "كتاب فصوص الحکم" خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به.)
قال رضي الله عنه : "أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة"، أي رؤيا صالحة وهي لا تستعمل مع موصوفها .
فلا يقال : رؤيا مبشرة (أريتها) بأراءتها الحق سبحانه إياي من غير قصد وتعمل مني فتكون مبرأة عن الأغراض النفسية و الخيالات الشيطانية (في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة).
واختص المحرم من الأشهر بهذه المبشرة لأنه رضي الله تعالی عنه فتح له في أوائل فتحه من المحرم أيضا على ما روى عنه رضي الله عنه أنه اتخذ الخلوة مرة بإشبيلية من بلاد الأندلس تسعة أشهر لم يفطر فيها دخل في عشرة المحرم وأمر بالخروج عند عيد الفطر .
وبشر بأنه خاتم الولاية المحمدية (بمحروسة دمشق وبيده ) التي هي مظهر تصرفه بالأخذ والإعطاء (کتاب فقال صلى الله عليه وسلم في هذا) إشارة إلى ما بيده من الكتاب (کتاب فصوص الحكم) إخبار بأنه عند الله مسمي بهذا الاسم أو تسمية من عنده صلى الله عليه وسلم أو حكما منه بأنه كتاب مشتمل على بيان خلاصة الحكم المنزلة على قلوب الأنبياء عليهم السلام أو بيان محالها.
وفي هذه القلوب فإن فص الشيء خلاصته .
وفص الخاتم ما ينقش عليه اسم صاحبه .
وتكون التسمية به من الشيخ رضي الله عنه .
(خذه) في سرك وعينك (واخرج به ) في الحس والشهادة (إلى الناس) المتحققين بالإنسانية (ينتفعون به) وسياق الكلام يقتضي أن يكون قوله : ينتفعون مجزومة بإسقاط النون لكونه بحسب الظاهر جوابا للأمر لكنه صلى الله عليه وسلم جعله إخبارا ابتدائية بأن المتحققين بالإنسانية ينتفعون به إلى يوم القيامة.
لمزيد إعلام وبشارة للشيخ رضي الله عنه ، وهو جواب سؤال مقدر كأنه صلى الله عليه وسلم سئل أن هذه الحكم تجل وتعلو عن أن يخرج بها إلى الناس الحيوانيين.
فأجاب صلى الله عليه وسلم بأن فيهم ناسا مؤهلين للكمال ينتفعون به.
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: