السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة الثامنة الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثامنة الجزء الثاني .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة الثامنة :الجزء الثاني
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.
وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فهو الإنسان الحادث الأزلي و النشؤ الدائم الأبديّ، و الكلمة الفاصلة الجامعة .  فتم العالم بوجوده]

قال الشارح رحمة الله :
(فهو الحادث ): أي من حيث صورته، و تعينه (الأزلي ): أي من حيث عينه و ذاته . 
أمّا الأزل نفي الأولية، و نسبة الأزل للحق كنسبة الزمان الماضي للخلق، فلهذا يقال: كان ذلك في الأزل، فحدوثه باعتبار نشأته الظاهرة الجسمانية، و أزليته باعتبار الحقيقة و الروحانية
قال رضي الله عنه : 
حقق بعقلك إن فكرت    ...... نفيا لنفي و إثباتا لإثبات
من أعجب الأمر أني لم أزل  ..... و إنني مع هذا محدث الذات
و سرّ ذلك أن الإنسان الكامل منخلعا عن نفسه، مختلعا بخلعة الصور الإلهيّة .
وهو كالظل للشخص الذي لا يفارقه على كل حال غير أنه يظهر الحس تارة و يخفى تارة أخرى، فإذا خفي فهو معقول فيه، و إذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه، فالإنسان الكامل في الحق معقول فيه كالظل إذا خفي في الشخص، فلا يظهر فلم يزل الإنسان أزلا، فلهذا كان مشهودا للحق من كونه موصوفا بأن له بصرا و هو الإنسان، فإنه معبر عنه كما ذكر في المتن . 
و على الجملة أن في العلم الأول لما تميزت عنده الحقائق المعنوية فهي: أي تلك الحقائق المجردة للحق معلومات و للخلق معقولات و لا وجود لها في الوجوب الوجودي و لا في الوجوب الإمكاني، فيظهر حكمها في الحق، فتنسب إليه، و سمّيت أسماء إلهية، فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق تعالى، و ينسب أيضا إلى الخلق ما يظهر من حكمها فيه، فينسب إليها من نعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق فهي: أي الحقائق المذكورة هي الحادثة القديمة، و الأبدية الأزلية فافهم .

قال رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين و ثلاثمائة: 
إن الإنسان الكل الكامل الكلي لم يزل مع الله، فلا يزال مع الله، فهو باق ببقاء الله، و ما عدا الإنسان الكامل، فهو باق بإبقاء الله تعالى . 
و هنا مسألة أخرى أذكرها لتعريف الفرق بين الأزلين و هي:
إن الموصوفين بالأزل نفيا، أو إثباتا لا بتقدم أحدهما على الآخر لأن الأزل لا يصح فيه التقدّم و التأخّر، و لكن الفرق بينهما أن أزلية الأعيان هي دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجود عن العدم بكونها من غيرها، و أزلية المبدع نعت سيي ينفي الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العين لأنه عين الوجود، فافهم . 
( و النشؤ الدائم الأبدي) و الأبد نفي الآخرية و عدم انتهائها، و كل أزلي أبدي و لا بالعكس، و أمّا النشؤء هو إنما أعم من أن يكون من النشأة الدنيوية، أو الأخروية . 
أمّا في النشأة الدنيوية فنشؤه ظاهر بدنا و روحا، إمّا بدنا في النشأة الدنيوية فلأنه دائم التحليل، فدائم الغذاء لبدل ما تحلل منه، فدائم الزيادة و النشأ و النمو . 
أمّا باعتبار الروح في النشأة الدنيوّيّة، فلأن غذاؤها العلوم و المعارف، و هما على الدوام و إن لم يظهر لكل أحد . 
قال رضي الله عنه: إن الإنسان في زيادة علم أبدا دائما من جهة ما تعطيه حواسه و تقلبات أحواله في نفسه و خواطره، فهو مزيد علوم . 
و أمّا النمو البدني من جهة الآخرة، فإن الغذاء قد ثبت بالأخبار الصحيحة و الغذاء هو ما يصير جزء للمتغذي . 
و أمّا ما سمّي غذاء أما ترى أن الخبر الصادق كيف عين مخارج الفضلات في النشأة الأخروية إنما تخرج عرقا، و لو لا الغذاء المعتاد في دار الآخرة ما عين هذا فافهم . 

و إنما نموّه  و زيادته في الآخرة من حيث الروحانية والعلم، فقد ورد في الأخبار ما يدل عليه كحديث الرؤية: " وإن لنا في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت "الحديث ، و يحصل هذا من غير تقدم علم به، هذا زيادة في العلم . 
و قوله صلى الله عليه و سلم : "إنه يحمد الله في يوم القيامة عند سؤاله في الشفاعة بمحامد لم يعلمها الآن".
لأنها يقتضيها الموطن، و هذا كله نشأ و نما، و زيادة في الباطن و الظاهر في الدنيا و الآخرة، فافهم . 
( و الكلمة) و هي مجموع من الحروف العاليات، و هي روح الكامل تسمّى كلمة لأثرها في العالم، سمّي بذلك عيسى عليه السلام كلمة الله الفاصلة بين الحق و الباطل، يتميز الفرق بينهما تارة بنظر الجمع، و تارة برؤية الفرق، و تارة بالجمع بينهما .
فلهذا قال رضي الله عنه: (الجامعة) بين الحق و الباطل برؤية الجمع في الكل، و هو جمع الجمع .
ومن هذا الذوق ما حكي عن بعض المشايخ، أو الشيخ أبي مدين قدّس سره  قال رضي الله عنه :
لا تنكر الباطل في طوره   ...... فإنه بعض ظهوراته
فسدّ جفاء الفرق، و الفصل بلطف الجمع و الوصل، فافهم . 
( فتمّ العالم بوجوده) بأتم ما يكون إذ لا أكمل من صورته . 

قال الإمام الغزالي رحمه الله من هذا المشهد: ما في الإمكان أبدع ما كان، فدار العالم، و ظهر الوجود الإمكاني بين نور، و ظلمة، و طبيعة، و روح، و غيب، و شهادة، و سنن، و نفي، و إثبات . 
فما ولي من الوجود المحض كان نورا، و روحا، و ما ولي من العدم المحض، كان ظلمة، و جسما، و بالمجموع تكون الصورة، و به تحقق الكون الجامع، و المجلى المجلو الساطع، و لا ينظر الله إلا إليه و هو الحجاب الأعلى، و الستر الأزهى، و القوام الأبهى فلما حذاه حذوا معنويا على حضرة الأسماء الإلهية بعد ما حصلت فيه قواها، فظهر بها في روحه، و باطنه، فظاهر الإنسان خلق، و باطنه حق . 
قال المصنف رضي الله عنه :  ( فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، الذي هو محل النقش و العلامة التي بها يختم الملك على خزانته، و سماه خليفة من أجل هذا . 
لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه، فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قال الشارح رضي الله عنه : 
( فهو من العالم) لما وجّه وجه كونه إنسانا، أراد رضي الله عنه أن يوجّه كونه خليفة .
و قال : إن الإنسان الكامل من العالم (كفص الخاتم للخاتم و هو محل النقش و العلامة) . 
كما أن الفص محل النقش، كذلك الإنسان الكامل محل ظهور صور الأسماء الإلهية، وكما أن في الفص علامة تدل على صاحب الخاتم، كذلك العالم بمنزلة الخاتم، و فصّه الإنسان الكامل، وفيه علامة تدل على الحق تعالى لظهور جميع أسمائه فيه الدّالة عليه . 
فمن هذا ورد في الخبر: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

قال رضي الله عنه في الفصل الثامن و مائة من "الفتوحات ": 
إن الإنسان الكامل يدل بذاته من أول البديهة على ربه لأنه على الصورة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و قال أبو يزيد قدّس سره: من هذا الذوق إما دلّ على هويته من كلمة الله عليها، و كذلك سمّاني كلمة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
وقال صلى الله عليه و سلم : "إن أولياء الله الذين إذا رأوا ذكر الله". فالكامل من أعلى العلامات التي تدل عليه.
"سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أولياء الله -تعالى-؟ 
قال: الذين إذا رأوا ذكر الله حنت قلوبهم إليه". المطالب العلية للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
حديث عبد الرحمن ابن غنم: " خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ". أخرجه أحمد ابن حنبل و في إتحاف المهرة للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
( التي بها يختم الملك على خزائنه): أي العلامة التي تحفظ الملك بالختم بها ما في الخزائن من نفائس الجواهر، والعروض . 
يريد رضي الله عنه أن يمثل تمثيلا يناسب الإنسان الكامل، بل الأكمل الفرد الختم مع العالم، و يتبين فيه نسبته معه :
و عني بالتلويح مفهم ذائق      ...... غنى عن التصريح للمتعنت
فإن نسبته الأكمل الكل مع العالم نسبة الختم على الخزانة، فكما تختم الخزانة المشحونة بنفائس الجواهر التي فيها عن تناول أيدي النفود و الفناء، و لا يجسر كل أحد أن يتصرف فيها . 

كذلك الإنسان الكامل الكل، فإنه ختم به على خزائن العالم على النفاد، و لا تجسر أيدي الحوادث، و أيدي الزمان على فكّ هذا الختم بالتغير و الإنسان . 
( و سمّاه خليفة من أجل هذا ): أي من أجل أنه استخلفه، يحفظ ما في خزائن العالم و الوجود أنه حفيظ عليم، سمّاه خليفة، و الخليفة صورة مستخلفة، فما حفظ إلا بنفسه، فاحتفظت نفسه بنفسه، فبنفسه عين العلامة على نفسه، فافهم . 
( لأنه سبحانه الحافظ) خلقه من حفظ  الشيء نفسه لأن الوجود عينه، و ما في العالم سواه . 
( كما يحفظ الختم الخزائن) بالعلامة التي في الختم، و هي صورة اسمه، و الاسم عين المسمّى، و بالعين يحرس العالم . 
و الختم ثلاثة :
ختم الولاية العامة الظاهرة في هذه الأمة، و هو المهدي . 
و ختم الولاية المطلقة و هو عيسى عليه السلام . 
و ختم الولاية المحمّدية، فأمّا ختم الولاية المحمّدية، و هو الختم الخاص، فيدخل في ضمنه الختمان السابقان، و إن كان مطلقين و عامين.
فهما مختومان، و تحت الختم المحمّدي، و له التحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات و الألوهية لأن ختمية النبوّة تختص بحضرة الألوهية، و له جمع الجمع لا جامع بعده مثله و لا حائز لكل الموارث غيره، و له كمال الآخرية المستوعبة، فله حكم الكل دون سواه، فلهذا لا يعرفه غير مولاه، و هو أعلم الخلق بالله، لا يكون في زمانه، و لا بعد زمانه، أعلم بالله، و بمواقع الحكم منه، فهو و القرآن إخوان، كما أن المهدي و السيف إخوان . 

قال رضي الله عنه: علمت حديث هذا الختم المحمّدي بـ "فاس" من بلاد المغرب، و هو شعرة واحدة من جسده صلى الله عليه و سلم.
و لهذا يشعر به إجمالا، و لا يعلم تفصيلا إلا من أعلمه الله، أو من صدّقه أن عرّفه بنفسه دعواه، ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات" .
( فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه) فالختم دائما أبدا دنيا و آخرة، فإن الختمية ثابتة غيرمزالة، فافهم الإشارة تكن من أولي الألباب فإن هذا التمثيل خلاصة الخلاصة، و لباب هذا الباب فإن توهّمت فرض الإزالة في النشأة الدنيوية فهي ثابتة من وجه آخر لا محالة و هو النشأة الأخروية، فالختم دائما أبدا، فافهم . 
( فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا فيه ما دام فيه هذا الإنسان) الذي هو الختم الدائم الجامع السرمدي، و ذلك العبد هو المقصود من العالم النائب عن العالم كله الذي لو غفل العالم كله أعلاه، و أسفله زمنا عن ذكر الله، و ذكره هذا العبد، قام في ذلك الذكر عن العالم كله، و حفظ به على العالم وجوده، و لو غفل العبد الإنساني المذكور عن الذكر زمنا فردا لم يقم العالم مقامه في ذلك و خرب منه . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "لا تقوم الساعة و في الأرض من يقول الله الله"  .
إشارة إلى ذلك الذكر، قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين من "الفتوحات ": 
إن في العالم قطبا ينظر الحق تعالى إليه، فيبقى به هذا النوع الإنساني في هذا الدار، و لو كفر الجميع و هو ذا جسم طبيعي، و روح موجود يجسّده، و حقيقته يتغذى بجسمه و روحه، و هو مجلى الحق من آدم إلى يوم القيامة .
كما أبقى الله بعد الرسول صلى الله عليه و سلم أربعة من الرسل أحياء في هذه الدار الدنيا:
و هو عيسى، و إدريس، و إلياس، و خضر عليهم السلام، و هذه المعرفة التي أبرزنا عينها للناظرين لا يعرفها من أهل طريقتنا إلا منا، فيبقى الأمر محفوظا بهؤلاء الأحياء و ثبت الدين قائما بحمد الله ما انهدم منه ركن إذا كان له حافظ يحفظه، و إن ظهر الفساد في العالم إلى أن يرث الأرض و من عليها، و هذه نكتة فاعرف قدرها، فإنك لست تراها في كلام أحد أبدا، و لو لا ما ألقى عندي في إظهارها ما أظهرتها لسرّ يعلمه الله ما أعلمنا به، و لا يعرف ما ذكرناه إلا نوّابهم خاصة لا غيرهم من الأولياء . 
فاحمدوا الله يا إخواننا حيث جعلكم الله ممن قرع سمعه أسرار الله المخبؤة في خلقه التي اختصّ الله بها من يشاء من عباده، انتهى كلامه . 
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: