الخميس، 5 أكتوبر 2017
Fusus-AlHikam
من هو محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري؟

محمد بن عبد الجبار بن الحسن بن أحمد النفَّري من اعلام التصوف
مولده :
ولد
ببلدة نفر في العراق وإليها ينسب ، عاش في العصر العباسي . كان من كبار
الصوفية وتنقل كثيرا بين العراق ومصر، ومن أشهر كتبه كتاب المواقف
والمخاطبات. ومن فرط تواضعه لم يكتب ما كان يقول، إنما كان يؤلف كتابه
شفهيا لمريديه، ويكتفى بذلك. من أشهر ما ذكر عنه أنَّه قال "كلما اتسعت
الرؤية، ضاقت العبارة."
ونِفَّر مدينة سومرية تسمى نيبور؛ وهي مبنية على ضفاف الفرات الشرقية، وكانت مركزاً دينياً مهماً قبل أربعة آلاف سنة، وكان فيها معبد آكور الذي يُعبَد به الرب إنليل،
سيد الهواء. ومن بعدُ أصبحت مركزاً للديانة المانوية، ثم المسيحية في القرن السابع الميلادي. توفي النفَّري في عام 375 هـ/965 م،.
كما ذكره التلمساني الشارح لكتاب المواقف والمخاطبات على هامش الغلاف من المخطوطة المصرية. ويقول رينولد نيكلسون إن النفَّري "درويش جوَّاب آفاق، مغامر في أقطار الأرض".
ويقول التلمساني إنه توفي في القاهرة، ولا يؤكد ذلك، مكتفياً بالقول: "الله العالم في مماته."
وتكلم عنه دكتور مصطفى محمود في كتابه رأيت الله :
لم يكن النفري يعلم أنه وبعد قرون من وفاته ستكون إحدى مكاشفاته في كتابه المعروف بالمواقف مدخلاً من مداخل من يتقول بالحداثة في الأدب وبخاصة الحداثة الشعرية فموقفه الذي يقول فيه.
"كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" أعطى للبعض ذريعة من تراث غني بأشكال الإبداع لتبرير ما لا ينطبق عليه قول النفري أو بالأحرى تركيب موقف النفري على ادعاء مجاراة المنهج الذي كتب فيه رؤيته من الماورائيات والحياة.
و ما كان الرجل يعرف أنّ هذه الجملة ستحقّق صيتاً واسعاً، وأن استعمالها سيتكرر إلى حد أنّ النفري كله سيقيم في أحشائها ولعل الاهتمام الذي يلقاه النفري منذ عقود، يوازي الإهمال الذي تعرض له طوال قرون.
ويعزو العديد من الباحثين والمؤرخين ذلك إلى الطابع الغامض والمنغلق لنصوصه الصوفية نفسها.
لم يكن النفري صوفياً عادياً إلى حد أنّ اسمه لا يحضر إلى جانب غيره من المتصوفة، في المصنفات الصوفية الكبرى. كما أنّ المعلومات التي ذكرتها بعض المصادر بشأن حياته شحيحة، ولا تكفي لرسم صورة واضحة المعالم له.
ويرى كثيرون أنّه لولا إشارات لابن عربي في »الفتوحات المكية« ورسالة عين الأعيان، لما تأكد اللاحقون من نسب المواقف والمخاطبات إلى النفري وجه النفري الجديد الذي ألبسه له أصحاب نظرية الحداثة يختلف اختلافاً جذرياً عن المنهج الذي أدخلوه فيه فهو من دون أدنى شك مبدع من الدرجة الممتازة أرادوا من خلاله تبرير تخبطهم ما بين الشكل الغربي وعدم القدرة على إثبات الذات وفق أسس راسخة يعتمد عليها والذي يعرف تراث النفري لن يأخذ هذا الإيحاء على محمل الطرافة فقط.
إذ كثيراً ما اعتُبرت نصوص النفري، وخاصة مؤلَّفه الأشهر المواقف شعراً أو نوعاً مبكراً وفريداً من الشعر. حتى إن أدونيس تبنّى فكرة أن يكون النفري السلف الشرعي لقصيدة النثر العربية.
ثم راج استخدامه رأس حربة في مواجهة المشككين في شعرية قصيدة النثر وأصلها غير العربي. والمعروف أن أدونيس ذهب أبعد من ذلك، فبحث في دراسة مشوّقة ومبتكرة عن التشابه الممكن بين الصوفية والسريالية« بحسب ما عنون كتاباً له. فأدخله في ساحة غير ساحته بعد أن وجد أن أسلوب النفري في مواقفه أو مخاطباته اختلف عن أسلوب القصيدة الموزونة المقفاة معتقداً أنه ومن خلال هذا المدخل سيُفضّل القارئ النفري الناثر على النفري الشاعر، فهو أكثر شعرية في نثره بما لا يُقاس مع غيره من الشعراء.
إن حياة النفَّري غامضة في ولادته وموته وسيرته، على كل الأصعدة؛ وليس لدينا أي مصدر يذكر تفاصيل حياته. إلا أن من المؤكد أنه عاش في القرن الرابع الهجري، وعاصر محنة الحلاج التي أثَّرت على أهل التصوف ودَعَتْهم إلى التحفظ والكتمان والتقية الشديدة. وقد اكتشف كتابَ المواقف والمخاطبات للنفَّري المستشرقُ آرثر جون آربري سنة 1934. ويبدو أن عدم ذكر النفَّري في مصادر أهل التصوف والعرفان يرجع إلى عدة أسباب أهمها:
تأثير محنة الحلاج على جيل المتصوفة الذي تستر بالتحفظ والكتمان.
التخوف من الفقهاء الذين دأبُهم أن يشنوا حملة قاسية من التكفير والتفسيق على "أهل الطريق" ويحرضوا السلطات عليهم. تبنى النفَّري أفكاراً خاصة به تدعوه إلى الغياب التام وعدم الظهور؛ وقد تكون هذه طريقة خاصة بالنفَّري وأصحابه. يبدو أن النفَّري شيعي المذهب؛ وهو ما يبدو من خلال نصِّه الأخير في المواقف والمخاطبات الذي يشير فيه إلى الإمام المنتظر الذي يظهر وأصحابَه في آخر الزمان، بحسب الرواية الشيعية. والاعتقاد الشيعي بخصوص الإمام المنتظر متطابق مع مفردات النص النفَّري، وتؤكد ذلك طريقتُه العرفانية.
ذلك أن العرفاء الشيعة لا يميلون إلى الظهور، ولا يهتمون بالتدوين، ولا يقدِّسون المشايخ، ويؤمنون بتعدد المشايخ أو السلوك بدون شيخ في هذا الطريق. ولا يظهر العرفاء الشيعة إلا بزيِّ الفقيه، كما جرت العادة، لعدم انفصال المؤسَّسة الفقهية عن هذا الحقل المعرفي. وأهل هذا الطريق يتخوَّفون من هؤلاء الفقهاء؛ وقد عانوا منهم أشد المعاناة، وخاصة أهل العرفان الشيعة. وإذا صحَّ أن ولادة النفَّري كانت في مدينة نِفَّر العراقية فإن ذلك يقوِّي الظنَّ بتشيُّعه. فمدينة نِفَّر تجاوِر الكوفة وبابل؛ ومن المعروف أن الكوفة والمدن المحيطة بها أكبر المراكز العلمية والتجمعات الشيعية في العراق، في الماضي كما في الحاضر .
خلاصة القول:
تبقى حياة النفَّري ومماته يكتنفهما الغموض؛ وليس لدينا أي دليل واضح على تفاصيلهما.
قضي النفري حياته في البحث والاختبار والأسفار، و التدوين والكتابة وتفريغ ذاته المتكاملة في الخطاب الإلهي. فالكتابة أقرب الدلالات المجردة إلى حقيقة النفَّري، لأنها ساكنة، تحتاج إلى البحث عنها، وصامتة في حضورها.
عشق النفَّري اللغة وعشقته اللغة، لأنهما يتكلمان بعمق واحد. وأراد النفَّري التشبُّه بالله، فاختار لغته مختزلةً، تسعى كذلك إلى التشبُّه بالله وإلى أن تكون على غرار روحانية الكتب المقدسة، حاملة نفس العمق الجوهري للخطاب الإلهي .
فنصوص النفَّري لأهل الخاصة من أهل طريق العرفان الذين يعلمون أسرار الكتابة والتدوين على صفحات وجودهم، ويقرأون ذواتهم كجزء متكامل داخل هذه النصوص الإلهية. إن النفَّري يحاور ويتحدث حديثاً داخلياً تكامَل في ذاته: فهو يسمع، وينصت، ويصمت، ويتحدث؛ وكل هذه العملية الحوارية تتم داخل دائرة ذاته. فلا محلَّ للآخر إلا إذا أصبح ضمن مفردات هذا الخطاب، ومن ضمن عملية اتصاله التي دوَّنت خطابه. فكأنه يتحدث لذاته في غياب تام إلا من الذات الإلهية المخاطِبة. لهذا تحمل نصوص النفَّري حرية الاتساع والإطلاق في العبارة، وامتداد المعنى، وبساطة أسلوبية، وعمقاً محسوساً لا يُسبَر غورُه.
فاللغة في نصوص النفَّري منتشية، لانصياعها واستسلامها ليد المبدع وصاحب لبخيال الفذ. والصياغة اللغوية للنفَّري ذات سياقات تحمل صفات دوامها.
مقامات النفري
هذه المقامات و الاحوال أصبحت من الثوابت التي تُلزِم كلَّ صوفي بالخوض فيها. والمقامات كسبية، يسعى الصوفي لتحقيقها في مناهج سلوكه؛ أما الأحوال فأمور وهبية، وتحصيل حاصل للمقامات. تبدأ مقامات الصوفية بالتوبة، وتنتهي بالتوحيد؛ وبينهما الخوف، والرجاء، والصبر، والزهد، والفقر، والمحو، والإثبات، والتوكل، والتسليم، والرضا. أما الأحوال فهي واردات ترد على القلب، فتبرق وتختفي، ليستأنف الصوفي السير والسلوك.
تنقسم المقامات إلى مقامات "مادية" وأخرى "معنوية". فالمقامات التي ذكرناها آنفاً هي من المقامات المادية في السير والسلوك؛ أما بعد التحقق بمقام التوحيد والدخول في الولاية فتبدأ المقامات المعنوية.
ولكل عارف مقاماته وتسمياته الخاصة، رغم أنها تصب في بحر واحد. من أهم مقامات النفَّري المعنوية الخاصة نختار مقامين اثنين هما: "مقام الوقفة" و"مقام الرؤيا"؛ وسنوضح، باختصار، الملامح العامة لهذين المقامين:
أ. مقام الواقف والوقفة:
الواقف هو المنتظِر والمنتظَر داخل لحظة تكاملت في زمن الذات الإلهية وتهيأت وسكنت لتلقِّي الخطاب الإلهي المطلق. والواقف هو ذلك الذي تسلَّق قمة سُلَّم التجريد، والذي تجرَّد من التجرُّد ذاته؛ فهو يدور في عوالم الغيب والشهادة بدون حجب أو أستار. ويحقق الواقف أعلى مراتب الفناء في سُلَّم المقامات المعنوية عند أهل الطريق .
ب. مقام الرؤيا:
إن الرؤيا في معارف وخيال الصوفية والعارفين أهم المنافذ المجردة والذاتية للارتباط بالخطاب الإلهي، ومشاهدة الحقائق المجردة، والالتقاء بالأسرار المعنوية.
والرؤيا أعلى مراتب الكشف؛ فهي تنزُّلات التجلِّي الإلهي على الفؤاد ليرى الحقيقة، كما هو وارد في القرآن الكريم: "ما كذب الفؤاد ما رأى" (سورة النجم 11).
فمقام الرؤيا آخر أبواب مقام الواقف في سُلَّم المعنى الذاتي الإلهي. ومفتاح الرؤيا اللحظة المطلقة، بلا ذاكرة، ولا عنوان، ولا تسميات؛ فهي القدرة الذاتية والكمالية لاختراق كل شيء وسلب شيئيَّته، وإزاحة محجوبيَّة كل الحجب والموانع والأستار، وإزاحة الألوهية كل غيرية وسوائية عن ذاتها المستقلة. فمن خلال مقام الرؤيا يستطيع الواقف أن يرى كل شيء من وراء كل شيء، وأن يرى الحقيقة الإلهية من وراء كل الأشياء والحجب، كما يقول النفَّري في المواقف:
وقال لي: لا يكون المنتهى حتى تراني من وراء كل شيء .
وقال لي: نَمْ لتراني، فإنك تراني؛ واستيقظ لتراك، فإنك لا تراني .
وقال لي: كل واقف عارف، وليس كل عارف واقف .
وقال لي: فإن العارف كالمَلِك يبني قصوره من المعرفة فلا يريد أن يتخلَّى عنها.
وقال لي: المعرفة نارٌ تأكل المحبة .
وقال لي: من علوم الرؤيا أن تشهد صمت الكل، ومن علوم الحجاب أن تشهد نطق الكل .
ونِفَّر مدينة سومرية تسمى نيبور؛ وهي مبنية على ضفاف الفرات الشرقية، وكانت مركزاً دينياً مهماً قبل أربعة آلاف سنة، وكان فيها معبد آكور الذي يُعبَد به الرب إنليل،
سيد الهواء. ومن بعدُ أصبحت مركزاً للديانة المانوية، ثم المسيحية في القرن السابع الميلادي. توفي النفَّري في عام 375 هـ/965 م،.
كما ذكره التلمساني الشارح لكتاب المواقف والمخاطبات على هامش الغلاف من المخطوطة المصرية. ويقول رينولد نيكلسون إن النفَّري "درويش جوَّاب آفاق، مغامر في أقطار الأرض".
ويقول التلمساني إنه توفي في القاهرة، ولا يؤكد ذلك، مكتفياً بالقول: "الله العالم في مماته."
وتكلم عنه دكتور مصطفى محمود في كتابه رأيت الله :
لم يكن النفري يعلم أنه وبعد قرون من وفاته ستكون إحدى مكاشفاته في كتابه المعروف بالمواقف مدخلاً من مداخل من يتقول بالحداثة في الأدب وبخاصة الحداثة الشعرية فموقفه الذي يقول فيه.
"كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" أعطى للبعض ذريعة من تراث غني بأشكال الإبداع لتبرير ما لا ينطبق عليه قول النفري أو بالأحرى تركيب موقف النفري على ادعاء مجاراة المنهج الذي كتب فيه رؤيته من الماورائيات والحياة.
و ما كان الرجل يعرف أنّ هذه الجملة ستحقّق صيتاً واسعاً، وأن استعمالها سيتكرر إلى حد أنّ النفري كله سيقيم في أحشائها ولعل الاهتمام الذي يلقاه النفري منذ عقود، يوازي الإهمال الذي تعرض له طوال قرون.
ويعزو العديد من الباحثين والمؤرخين ذلك إلى الطابع الغامض والمنغلق لنصوصه الصوفية نفسها.
لم يكن النفري صوفياً عادياً إلى حد أنّ اسمه لا يحضر إلى جانب غيره من المتصوفة، في المصنفات الصوفية الكبرى. كما أنّ المعلومات التي ذكرتها بعض المصادر بشأن حياته شحيحة، ولا تكفي لرسم صورة واضحة المعالم له.
ويرى كثيرون أنّه لولا إشارات لابن عربي في »الفتوحات المكية« ورسالة عين الأعيان، لما تأكد اللاحقون من نسب المواقف والمخاطبات إلى النفري وجه النفري الجديد الذي ألبسه له أصحاب نظرية الحداثة يختلف اختلافاً جذرياً عن المنهج الذي أدخلوه فيه فهو من دون أدنى شك مبدع من الدرجة الممتازة أرادوا من خلاله تبرير تخبطهم ما بين الشكل الغربي وعدم القدرة على إثبات الذات وفق أسس راسخة يعتمد عليها والذي يعرف تراث النفري لن يأخذ هذا الإيحاء على محمل الطرافة فقط.
إذ كثيراً ما اعتُبرت نصوص النفري، وخاصة مؤلَّفه الأشهر المواقف شعراً أو نوعاً مبكراً وفريداً من الشعر. حتى إن أدونيس تبنّى فكرة أن يكون النفري السلف الشرعي لقصيدة النثر العربية.
ثم راج استخدامه رأس حربة في مواجهة المشككين في شعرية قصيدة النثر وأصلها غير العربي. والمعروف أن أدونيس ذهب أبعد من ذلك، فبحث في دراسة مشوّقة ومبتكرة عن التشابه الممكن بين الصوفية والسريالية« بحسب ما عنون كتاباً له. فأدخله في ساحة غير ساحته بعد أن وجد أن أسلوب النفري في مواقفه أو مخاطباته اختلف عن أسلوب القصيدة الموزونة المقفاة معتقداً أنه ومن خلال هذا المدخل سيُفضّل القارئ النفري الناثر على النفري الشاعر، فهو أكثر شعرية في نثره بما لا يُقاس مع غيره من الشعراء.
إن حياة النفَّري غامضة في ولادته وموته وسيرته، على كل الأصعدة؛ وليس لدينا أي مصدر يذكر تفاصيل حياته. إلا أن من المؤكد أنه عاش في القرن الرابع الهجري، وعاصر محنة الحلاج التي أثَّرت على أهل التصوف ودَعَتْهم إلى التحفظ والكتمان والتقية الشديدة. وقد اكتشف كتابَ المواقف والمخاطبات للنفَّري المستشرقُ آرثر جون آربري سنة 1934. ويبدو أن عدم ذكر النفَّري في مصادر أهل التصوف والعرفان يرجع إلى عدة أسباب أهمها:
تأثير محنة الحلاج على جيل المتصوفة الذي تستر بالتحفظ والكتمان.
التخوف من الفقهاء الذين دأبُهم أن يشنوا حملة قاسية من التكفير والتفسيق على "أهل الطريق" ويحرضوا السلطات عليهم. تبنى النفَّري أفكاراً خاصة به تدعوه إلى الغياب التام وعدم الظهور؛ وقد تكون هذه طريقة خاصة بالنفَّري وأصحابه. يبدو أن النفَّري شيعي المذهب؛ وهو ما يبدو من خلال نصِّه الأخير في المواقف والمخاطبات الذي يشير فيه إلى الإمام المنتظر الذي يظهر وأصحابَه في آخر الزمان، بحسب الرواية الشيعية. والاعتقاد الشيعي بخصوص الإمام المنتظر متطابق مع مفردات النص النفَّري، وتؤكد ذلك طريقتُه العرفانية.
ذلك أن العرفاء الشيعة لا يميلون إلى الظهور، ولا يهتمون بالتدوين، ولا يقدِّسون المشايخ، ويؤمنون بتعدد المشايخ أو السلوك بدون شيخ في هذا الطريق. ولا يظهر العرفاء الشيعة إلا بزيِّ الفقيه، كما جرت العادة، لعدم انفصال المؤسَّسة الفقهية عن هذا الحقل المعرفي. وأهل هذا الطريق يتخوَّفون من هؤلاء الفقهاء؛ وقد عانوا منهم أشد المعاناة، وخاصة أهل العرفان الشيعة. وإذا صحَّ أن ولادة النفَّري كانت في مدينة نِفَّر العراقية فإن ذلك يقوِّي الظنَّ بتشيُّعه. فمدينة نِفَّر تجاوِر الكوفة وبابل؛ ومن المعروف أن الكوفة والمدن المحيطة بها أكبر المراكز العلمية والتجمعات الشيعية في العراق، في الماضي كما في الحاضر .
خلاصة القول:
تبقى حياة النفَّري ومماته يكتنفهما الغموض؛ وليس لدينا أي دليل واضح على تفاصيلهما.
قضي النفري حياته في البحث والاختبار والأسفار، و التدوين والكتابة وتفريغ ذاته المتكاملة في الخطاب الإلهي. فالكتابة أقرب الدلالات المجردة إلى حقيقة النفَّري، لأنها ساكنة، تحتاج إلى البحث عنها، وصامتة في حضورها.
عشق النفَّري اللغة وعشقته اللغة، لأنهما يتكلمان بعمق واحد. وأراد النفَّري التشبُّه بالله، فاختار لغته مختزلةً، تسعى كذلك إلى التشبُّه بالله وإلى أن تكون على غرار روحانية الكتب المقدسة، حاملة نفس العمق الجوهري للخطاب الإلهي .
فنصوص النفَّري لأهل الخاصة من أهل طريق العرفان الذين يعلمون أسرار الكتابة والتدوين على صفحات وجودهم، ويقرأون ذواتهم كجزء متكامل داخل هذه النصوص الإلهية. إن النفَّري يحاور ويتحدث حديثاً داخلياً تكامَل في ذاته: فهو يسمع، وينصت، ويصمت، ويتحدث؛ وكل هذه العملية الحوارية تتم داخل دائرة ذاته. فلا محلَّ للآخر إلا إذا أصبح ضمن مفردات هذا الخطاب، ومن ضمن عملية اتصاله التي دوَّنت خطابه. فكأنه يتحدث لذاته في غياب تام إلا من الذات الإلهية المخاطِبة. لهذا تحمل نصوص النفَّري حرية الاتساع والإطلاق في العبارة، وامتداد المعنى، وبساطة أسلوبية، وعمقاً محسوساً لا يُسبَر غورُه.
فاللغة في نصوص النفَّري منتشية، لانصياعها واستسلامها ليد المبدع وصاحب لبخيال الفذ. والصياغة اللغوية للنفَّري ذات سياقات تحمل صفات دوامها.
مقامات النفري
هذه المقامات و الاحوال أصبحت من الثوابت التي تُلزِم كلَّ صوفي بالخوض فيها. والمقامات كسبية، يسعى الصوفي لتحقيقها في مناهج سلوكه؛ أما الأحوال فأمور وهبية، وتحصيل حاصل للمقامات. تبدأ مقامات الصوفية بالتوبة، وتنتهي بالتوحيد؛ وبينهما الخوف، والرجاء، والصبر، والزهد، والفقر، والمحو، والإثبات، والتوكل، والتسليم، والرضا. أما الأحوال فهي واردات ترد على القلب، فتبرق وتختفي، ليستأنف الصوفي السير والسلوك.
تنقسم المقامات إلى مقامات "مادية" وأخرى "معنوية". فالمقامات التي ذكرناها آنفاً هي من المقامات المادية في السير والسلوك؛ أما بعد التحقق بمقام التوحيد والدخول في الولاية فتبدأ المقامات المعنوية.
ولكل عارف مقاماته وتسمياته الخاصة، رغم أنها تصب في بحر واحد. من أهم مقامات النفَّري المعنوية الخاصة نختار مقامين اثنين هما: "مقام الوقفة" و"مقام الرؤيا"؛ وسنوضح، باختصار، الملامح العامة لهذين المقامين:
أ. مقام الواقف والوقفة:
الواقف هو المنتظِر والمنتظَر داخل لحظة تكاملت في زمن الذات الإلهية وتهيأت وسكنت لتلقِّي الخطاب الإلهي المطلق. والواقف هو ذلك الذي تسلَّق قمة سُلَّم التجريد، والذي تجرَّد من التجرُّد ذاته؛ فهو يدور في عوالم الغيب والشهادة بدون حجب أو أستار. ويحقق الواقف أعلى مراتب الفناء في سُلَّم المقامات المعنوية عند أهل الطريق .
ب. مقام الرؤيا:
إن الرؤيا في معارف وخيال الصوفية والعارفين أهم المنافذ المجردة والذاتية للارتباط بالخطاب الإلهي، ومشاهدة الحقائق المجردة، والالتقاء بالأسرار المعنوية.
والرؤيا أعلى مراتب الكشف؛ فهي تنزُّلات التجلِّي الإلهي على الفؤاد ليرى الحقيقة، كما هو وارد في القرآن الكريم: "ما كذب الفؤاد ما رأى" (سورة النجم 11).
فمقام الرؤيا آخر أبواب مقام الواقف في سُلَّم المعنى الذاتي الإلهي. ومفتاح الرؤيا اللحظة المطلقة، بلا ذاكرة، ولا عنوان، ولا تسميات؛ فهي القدرة الذاتية والكمالية لاختراق كل شيء وسلب شيئيَّته، وإزاحة محجوبيَّة كل الحجب والموانع والأستار، وإزاحة الألوهية كل غيرية وسوائية عن ذاتها المستقلة. فمن خلال مقام الرؤيا يستطيع الواقف أن يرى كل شيء من وراء كل شيء، وأن يرى الحقيقة الإلهية من وراء كل الأشياء والحجب، كما يقول النفَّري في المواقف:
وقال لي: لا يكون المنتهى حتى تراني من وراء كل شيء .
وقال لي: نَمْ لتراني، فإنك تراني؛ واستيقظ لتراك، فإنك لا تراني .
وقال لي: كل واقف عارف، وليس كل عارف واقف .
وقال لي: فإن العارف كالمَلِك يبني قصوره من المعرفة فلا يريد أن يتخلَّى عنها.
وقال لي: المعرفة نارٌ تأكل المحبة .
وقال لي: من علوم الرؤيا أن تشهد صمت الكل، ومن علوم الحجاب أن تشهد نطق الكل .
محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري
التسميات:
AlNafri
،
Fusus-AlHikam
مواضيع ذات صله :
Fusus-AlHikam
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
اشترك في قناتنا علي اليوتيوب
المشاركات الشائعة
-
كتاب عقلة المستوفز الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
-
مقدمة كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع في شرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية د. سعاد الحكيم
-
كتاب إنشاء الدوائر الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
-
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
-
المقالة الخامسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 2966 - 3023 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري
-
ثانيا شرح الأبيات 17 - 29 من القصيدة العينية .إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية
-
الفصل الثالث في بيان رموز هذه الشجرة وما في ضمن الدائرة المذكورة من التنبيه على الحوادث الكونية . كتاب الشجرة النعمانية للشيخ الأكبر ابن الع...
-
مقتطفات من الباب 559 من الفتوحات المكية .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية
-
28 - فهرس الموضوعات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتافهرس الموضوعات المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
-
من هو محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري؟ محمد بن عبد الجبار بن الحسن بن أحمد النفَّري من اعلام التصوف مولده : ...
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2017
(72)
-
▼
أكتوبر
(72)
- فصل تعلقت الأحرف "بالألف" ولا تعلق للألف بشيء من ا...
- فصل الالف لما كانت الألفة مشتقه منه ألف بين الحروف...
- فصل الباء هي النفس وهي حرف ظلماني كتاب الكهف والرق...
- فصل تقول النقطة للباء أيها الحرف إني أصلك لتركيبك ...
- فصل نقطة حرف الباء واحدة في عالم غيبها كتاب الكهف ...
- مقدمة كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن ال...
- كتاب فصوص الحكم 27- فص حكمة فردية في كلمة محمدية
- كتاب فصوص الحكم 26- فص حكمة صمدية في كلمة خالدية
- كتاب فصوص الحكم 25- فص حكمة علوية في كلمة موسوية
- كتاب فصوص الحكم 24- فص حكمة إمامية في كلمة هارونية
- كتاب فصوص الحكم 23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقم...
- كتاب فصوص الحكم 22- فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
- كتاب فصوص الحكم 21- فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية
- كتاب فصوص الحكم 20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية
- كتاب فصوص الحكم 19 - فص حكمة غيبية في كلمة أَيوبية
- كتاب فصوص الحكم 18 - فص حكمة نَفْسيَّة في كلمة يون...
- كتاب فصوص الحكم 17- فص حكمة وجودية في كلمة داودية
- كتاب فصوص الحكم 16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
- كتاب فصوص الحكم 15- فص حكمة نَبَوِيَّة في كلمة عي...
- كتاب فصوص الحكم 14 - فص حكمة قَدَرِيَّة في كلمة عُ...
- كتاب فصوص الحكم 13 - فص حكمة مَلْكية في كلمة لوطية
- كتاب فصوص الحكم 12- فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
- كتاب فصوص الحكم 11- فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية
- كتاب فصوص الحكم 10- فص حكمة أحدية في كلمة هودية
- كتاب فصوص الحكم 9 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
- كتاب فصوص الحكم 8 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية
- كتاب فصوص الحكم 7 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية
- كتاب فصوص الحكم 6- فص حكمة حقية في كلمة إِسحاقية
- كتاب فصوص الحكم 5- فص حكمة مُهَيَّمية في كلمة إِبر...
- كتاب فصوص الحكم 4- فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية
- كتاب فصوص الحكم 3- فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "12" المجلس الثاني عشر
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "11" المجلس الحادي عشر
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "10" المجلس العاشر
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "9" المجلس التاسع
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "8" المجلس الثامن
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "7" المجلس السابع
- العشق ماء الحياة "8" مختارات من ديوان شمس تبريز ال...
- الشكر للعدم"7"مختارات من ديوان شمس تبريز الجزء الا...
- المناجاة العطائية "5" إلهي وصفت نفسك باللطف والرأف...
- المناجاة العطائية "4" إلهي مني ما يليق بلؤمي ومنك...
- يوم موتي "6" مختارات من ديوان شمس تبريز الجزء الاو...
- ولدت من عشقها "5" مختارات من ديوان شمس تبريز الجز...
- مختارات من ديوان شمس تبريز ايتها الحسناء ..لقد جن...
- ذلك الذي يغمر حرمي السري الذي ابتنيته "1" مختارات ...
- ادراك ذلك الولي للمرض وعرضه الامر علي الملك "4"الج...
- لقاء الملك مع ذلك الولي الذي أبدي له في النوم "3" ...
- عشق الملك لجارية مريضة وتدبيره من اجل شفائها الجزء...
- العاشق والناي المثنوي الجزء الاول مولانا جلال الدي...
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "6" المجلس السادس
- الفتح الرباني والفيض الرحماني"5" المجلس الخامس
- الفتح الرباني والفيض الرحماني"4" المجلس الرابع
- الفتح الرباني والفيض الرحماني"3" المجلس الثالث فق...
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "2" المجلس الثاني
- الفتح الرباني والفيض الرحماني "1" المجلس الأول
- مختارات من ديوان شمس تبريز "3" مدينة السعداء
- مختارات من ديوان شمس تبريز "2" ماذا يقول الرباب
- مختارات من ديوان شمس تبريز "1" مثل موسى
- المناجاة العطائية الثالثة إلهي أن اختلاف تدبيرك وس...
- المناجاة العطائية الثانية إلهي أنا الجاهل في علمي...
- المناجاة العطائية المناجاة الأولى إلهي أنا الفقير ...
- كتاب فصوص الحكم المقدمة لابن عربي الحاتمي الطائي
- الامام محيي الدين ابن عربي الشيخ الاكبر لاعلام التصوف
- كتاب ايقاظ الهمم 2 - إرادتك التجريد مع إقامة الله ...
- كتاب ايقاظ الهمم 1- من علامة الاعتماد على العمل ن...
- كتاب فصوص الحكم 2 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثيَّة
- كتاب فصوص الحكم 1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدميَّة
- الإمام الشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلاني
- سلطان العاشقين عمر بن عليّ الملقب ابن الفارض
- مولانا جلال الدين الرومي
- محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري
- الحسين بن منصور الحلاج
-
▼
أكتوبر
(72)
تابعونا علي فيس بوك
https://www.facebook.com/groups/146820946026951/?ref=bookmarks
تغريداتي علي التويتر
التسميات
Abdelkader-Jilani
al-Junayd-al-Baghdadi
al-Kahf-Wa-al-Raqim
AlFateh-AlRabbani
AlMasnavi-Vol1
AlNafri
alnnadirat-aleiniat-eabd-alkarim-aljili
alsafar_alkhatum_fusus_alhikam
alshajara-alnumaniyya
altanazulat-almawsilia
Divan-Shams-Tabrizi
divine-manifestations
divine-providence
eabd-alkarim-aljili
farid-aldiyn-aleitar
Fusus-AlHikam
Hallaj
hikam
Ibn-AlFarid
Ibn-Ata-Allah
IbnArabi
mantiq-altayr
mathnawi-ma'nawi-Part1-iibrahim-aldasuqi
mathnawi-ma'nawi-Part1-muhamad-kaffafi
mathnawi-ma'nawi-Part2-iibrahim-aldasuqi
mathnawi-ma'nawi-Part2-muhamad-kaffafi
mathnawi-ma'nawi-Part3-iibrahim-aldasuqi
mathnawi-ma'nawi-Part4-iibrahim-aldasuqi
mathnawi-ma'nawi-Part5-iibrahim-aldasuqi
mathnawi-ma'nawi-Part6-iibrahim-aldasuqi
Mongah_IbnAtaAllah
Rumi
sharah-alkahf-walraqim-fie-sharah-bismi-allah-aljili
sharah-mushkilat-alftwhat-almakia
taj-altarajum
the-eighth-book-of-fusus-alhikam
the-fifth-book-of-fusus-alhikam
the-first-book-of-fusus-alhikam
the-fourth-book-of-fusus-alhikam
the-ninth-book-of-fusus-alhikam
the-second-book-of-fusus-alhikam
the-seventh-book-of-fusus-alhikam
the-sixth-book-of-fusus-alhikam
the-tenth-book-of-fusus-alhikam
the-third-book-of-fusus-alhikam
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق