السبت، 21 أكتوبر 2017

كتاب فصوص الحكم  23 - فص حكمة إحسانية  في كلمة لقمانية

كتاب فصوص الحكم 23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية

كتاب فصوص الحكم 23- فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية

الشيخ الاكبر محيي الدين بن عربي  

23 - فص حكمة إحسانية  في كلمة لقمانية

إذ شاء الإله يريد رزقاً    .....       له فالكون أجمعه غذاء
و إن شاء الإله يريد رزقاً   ......     لنا فهو الغذاء كما يشاء
مشيئته إرادته فقولوا        .....   بها قد شاءها فهي المشاء
يريد زيادة و يريد نقصاً   .....   و ليس مشاءَه إلا المشاءُ
فهذا الفرق بينهما فحقق‏    .....   و من وجه فعينهما سواء

قال تعالى‏ «وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ: وَمَنْ يُؤْتَ‏ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً». فلقمان بالنص ذو الخير الكثير بشهادة اللَّه تعالى له بذلك.
و الحكمة قد تكون متلفظاً بها و مسكوتاً عنها مثل قول‏ لقمان لابنه‏ «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ». فهذه حكمة منطوق بها، وهي أن جعل اللَّه هو الآتي بها، وقرر ذلك اللَّه في كتابه، ولم يردّ هذا القول على قائله.
و أما الحكمة المسكوت عنها و عُلِمَتْ بقرينة الحال، فكونه سكت عن المؤتَى إليه بتلك الحبة، فما ذكره، وما قال لابنه يأت بها اللَّه إليك ولا إلى غيرك.
فأرسل الإتيان عاماً و جعل المؤتَى به في السموات إن كان أو في الأرض تنبيهاً لينظر الناظر في قوله‏ «وَ هُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ».
فنبه لقمان بما تكلم و بما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم، لأن المعلوم أعم من الشي‏ء فهو أنكر النكرات.
ثم تمم الحكمة و استوفاها لتكون النشأة كاملة فيها فقال‏ «إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ‏ فمن لطفه و لطافته أنه في الشي‏ء المسمى كذا المحدود بكذا عينُ ذلك الشي‏ء، حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ والاصطلاح.
فيقال هذا سماء و أرض و صخرة و شجر و حيوان و ملك و رزق و طعام. و العين واحدة من كل شي‏ء و فيه.
كما تقول الأشاعرة إن العالم كله متماثل بالجوهر: فهو جوهر واحد، فهو عين قولنا العين واحدة.
ثم قالت و يختلف بالأعراض، و هو قولنا و يختلف و يتكثر بالصور و النسب حتى يتميز فيقال هذا ليس هذا من حيث صورته أو عرضه أو مزاجه كيف شئت فقل. و هذا عين هذا من حيث جوهره، و لهذا
يؤخذ عين الجوهر في كل حد صورة و مزاج: فنقول نحن‏ إنه ليس سوى الحق، و يظن المتكلم‏ أن مسمى الجوهر و إن كان حقاً، ما هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف و التجلي.
فهذا حكمة كونه لطيفاً. ثم نعت فقال «خبيراً» «5» أي عالماً عن اختبار و هو قوله‏ «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ» و هذا هو علم الأذواق. فجعل الحق نفسه مع علمه بما هو الأمر عليه مستفيداً علماً. و لا نقدر على إنكار ما نص الحق عليه في حق نفسه: ففرَّق تعالى ما بين علم الذوق و العلم المطلق، فعلم الذوق مقيد «5» بالقوى. و قد قال عن نفسه إنه عين قوى عبده في قوله «كنت سمعه»، و هو قوة من قوى العبد، «و بصره» و هو قوة من قوى العبد، «و لسانه» و هو عضو من أعضاء العبد، «و رجله و يده».
فما اقتصر في التعريف‏ على القوى فحسب حتى ذكر الأعضاء: و ليس العبد بغير لهذه‏ الأعضاء و القوى. فعين مسمى العبد هو الحق، لا عين العبد هو السيد، فإن النسب متميزة لذاتها، و ليس المنسوب إليه متميزاً، فإنه ليس‏ «8» ثَمَّ سوى عينه في جميع النسب. فهو عين واحدة ذات نسب و إضافات و صفات. فمن تمام حكمة لقمان في تعليمه ابنه ما جاء به في هذه الآية من هذين الاسمين الإلهيين «لطيفاً خبيراً»، سَمَّى بهما اللَّه تعالى.
فلو جَعَلَ ذلك في الكون- و هو الوجود- فقال «كان» لكان أَتَمَّ في الحكمة وأبلغ. فحكى اللَّه قول لقمان على المعنى كما قال: لم يزد عليه شيئاً- و إن‏
كان قوله‏ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ من قول اللَّه- لما «1» علم اللَّه من لقمان أنه‏ لو نطق متمماً لتمم بهذا.
و أما قوله‏ «إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» لمن هي له غذاء، و ليس إلَّا الذَّرَّة المذكورة في قوله‏ «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».
فهي أصغر متغذٍ و الحبة من الخردل أصغر غذاء. و لو كان ثم أصغر لجاء به كما جاء بقوله تعالى‏ «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها.
ثم لما علم أنه ثَمَّ ما هو أصغر من البعوضة قال‏ «فَما فَوْقَها» يعني في الصغر. و هذا قول اللَّه- و التي في «الزلزلة» قول اللَّه أيضاً. فاعلم ذلك فنحن نعلم أن اللَّه تعالى ما اقتصر على وزن الذرة و ثَمَّ ما هو أصغر منها، فإنه جاء بذلك على المبالغة و اللَّه أعلم. و أما تصغيره اسم ابنه فتصغير رحمة: و لهذا أوصاه‏ «4» بما فيه سعادته إذا عمل بذلك. و أما حكمة وصيته في نهيه إياه أن‏ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏ «5»، و المظلوم المقام حيث نعته بالانقسام «6» و هو عين واحدة، فإنه لا يشرك معه إلا عينه و هذا غاية الجهل. و سبب ذلك أن الشخص الذي لا معرفة له بالأمر على ما هو عليه، و لا بحقيقة الشي‏ء إذا اختلفت‏ «6» عليه الصور في العين الواحدة، و هو لا يعرف أن ذلك الاختلاف‏ «7» في عين واحدة، جعل الصورة مشاركة للأخرى في ذلك المقام فجعل لكل صورة جزءاً من ذلك المقام. و معلوم في الشريك أن الأمر الذي يخصه مما وقعت فيه المشاركة «8» ليس عَين‏ «9» الآخر الذي شاركه، إذ هو للآخر «10».
فإذن ما ثم شريك على الحقيقة، فإن كل واحد على حظِّه مما قيل فيه إن بينهما مشاركة فيه. و سبب ذلك الشركةُ المشاعة، و إن كانت مشاعة فإن التصريف من أحدهما يزيل الإشاعة. «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ‏» هذا روح المسألة. 


الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق  

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: