السبت، 7 أكتوبر 2017

كتاب ايقاظ الهمم 2 - إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية

كتاب ايقاظ الهمم 2 - إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية

2 - إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية،
وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية

قلت التجريد في اللغة هو التكشيط والإزالة تقول جردت الثوب أزلته   

عني وتجرد فلان أزال ثوبه وجردت الجلد أزلت شعره وأما عند الصوفية فهو على ثلاثة أقسام تجرد الظاهر فقط أو الباطن فقط أو هما معاً فتجريد الظاهر هو ترك الأسباب الدنيوية وخرق العوائد الجسمانية والتجريد الباطني هو ترك العلائق النفسانية والعوائق الوهمية وتجريدهما معاً هو ترك العلائق الباطنية والعوائد الجسمانية أو تقول تجريد الظاهر هو ترك كل ما يشغل الجوارح عن طاعة الله وتجريد الباطن هو ترك كل ما يشغل القلب عن الحضور مع الله وتجريدهما هو أفراد القلب والقالب لله والتجريد الكامل في الظاهر هو ترك الأسباب وتعرية البدن من معتاد الثياب وفي الباطن هو تجريد القلب من كل وصف ذميم وتحليته بكل وصف كريم وهو أي التجريد الكامل الذي أشار إليه شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب بقوله
اقارئين علم التوحيد ... هنا البحور إلى تغبي
هذا مقام أهل التجريد ... الواقفين مع ربي

وأما من جرد ظاهره دون باطنه فهو كذاب كمن كسى النحاس بالفضة باطنه قبيح وظاهره مليح
ومن جرد باطنه دون ظاهره أن تأتي ذلك فهو حسن كمن كسى الفضة بالنحاس وهو قليل إذ الغالب أن من تنشب ظاهره تنشب باطنه
ومن اشتغل ظاهره بالحس أشتغل باطنه به والقوة لا تكون في الجهتين
ومن جمع بين تجريدي الظاهر والباطن فهو الصديق الكامل وهو الذهب المشحر الصافي الذي يصلح لخزانة الملوك
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي اله عنه آداب الفقير المتجرد أربعة الحرمة للأكابر والرحمة للأصاغر والإنصاف من نفسك وعدم الإنتصار لها
وآداب الفقير المتسبب أربعة موالاة الأبرار ومجانية الفجار وإيقاع الصلاة في الجماعة ومواساة الفقراء والمساكين بما يفتح عليه
وينبغي له أيضاً أن يتأدب بآداب المتجردين إذ هو كمال في حقه
ومن آداب المتسبب إقامته فيما أقامه الحق تعالى فيه من فعل الأسباب حتى يكون الحق تعالى هو الذي ينقله منها على لسان شيخه إن كان أو بإشارة واضحة كتعذرها من كل وجه
فحينئذ ينتقل للتجريد فأرادته التجريد مع أقامته تعالى له في الأسباب من الشهوة الخفية
لأن النفس قد تقصد بذلك الراحة ولم يكن لها من اليقين ما تحمل به مشاق الفاقة فإذا نزلت بها الفاقة تزلزلت واضطربت ورجعت إلى الأسباب فيكون أقبح لها من الإقامة فيها فهذا وجه كونها شهوة وإنما كانت خفية لأنها في الظاهر أظهرت الإنقطاع والتبتل وهو مقام شريف وحال منيف لكنها في الباطن أخفت حظها من قصد الراحة أو الكرامة أو الولاية أو غير ذلك من الحروف ولم تقصد تحقيق العبودية وتربية اليقين وفاتها أيضاً الأدب مع الحق حيث أرادت الخروج بنفسها ولم تصبر حتى يؤذن لها وعلامة إقامتها فيها دوامها له مع حصول النتائج وعدم العوائق القاطعة له عن الدين وحصول الكفاية بحيث أذا تركها حصل له التشوف إلى الخلق والإهتمام بالرزق فإذا انخرمت هذه الشروط انتقل إلى التجريد قال في التنوير والذي يقتضيه الحق منك أن تمكث حيث أقامك حتى يكون الحق تعالى هو الذي يتولى أخراجك كما تولى إدخالك وليس الشأن أن تترك السبب بل الشأن أن يتركك السبب قال بعضهم تركت السبب كذا وكذا مرة فعدت إليه فتركني السبب فلم أعد إليه قال ودخلت على الشيخ أبي العباس المرسي وفي نفسي العزم على التجريد قائلاً في نفسي أن الوصال إلى الله تعالى على هذه الحالة التي أنا عليها بعيد من الأشتغال بالعلم الظاهر ووجود المخالطة للناس فقال لي من غير أن أسئله صحبني إنسان مشتغل بالعلوم الظاهرة ومتصدر فيها فذاق من هذا الطريق شيئاً فجاء إلى فقال لي يا سيدي أخرج عما أنا فيه وأتفرغ لصحبتك فقلت له ليس الشأن ذا ولكن امكث فيما أنت فيه وما قسم الله لك على أيدينا فهو لك واصل ثم قال الشيخ ونظر إلى وهكذا شأن الصديقين لا يخرجون من شيء حتى يكون الحق سبحانه هو الذي يتولى إخراجهم فخرجت من عنده وقد غسل الله تلك الخواطر من قلبي ووجدت الراحة بالتسليم إلى الله تعالى ولكنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم اه قال رضي الله عنه إنما منعه من التجريد لشره نفسه إليه والنفس إذا شرهت للشيء كان خفيفاً عليها والخفيف عليها لا خير فيه وما خف عليها إلا لحظ لها فيه ثم قال فلا يتجرد المريد في حال القوة حتى تفوت إن أراد أن يستفيد نفسه فإن جردها في حال القوة أتاه الضعف فيعقبه الخصمان ويشوشونه ويفتنونه وربما إذا لم يدركه المولى بلطفه سامح في الخلطة ويرجع إلى ما خرج منه حتى يسيء ظنه بأهل التجريد ويقول ليسوا على شيء كلنا دخلنا البلد وما رأينا شيئاً والذي يثقل عليه التجريد أولاً هو الذي ينبغي له أن يتجرد لأنه ما ثقل عليها إلا حيث تحققت إن عنقها تحت السيف مهما حرك يده قطع أوداجها انتهى المقصود منه وأما المتجرد إذا أراد الرجوع إلى الأسباب من غير إذن صريح فهو إنحطاط من الهمة العلية إلى الهمة الدنية أو سقوط من الولاية الكبرى إلى الولاية الصغرى قال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه قال لي شيخي سيدي العربي يا ولدي لو رأيت شيئاً على من التجريد وأقرب وأنفع لأخبرتك به ولكن هو عند أهل هذه الطريقة بمنزلة الأكسير الذي قيراط منه يغلب ما بين الخافقين ذهبا كذلك التجريد في هذه الطريق اه وسمعت شيخ شيخنا رضي الله عنه يقول معرفة المتجرد أفضل وفكرته أنصع

لأن الصفا من الصفاء والكدر من الكدر صفاء الباطن من صفاء الظاهر وكدر الباطن من كدر الظاهر وكلما زاد في الحس نقص في المعنى وفي بعض الأخبار إذا أخذ العالم شيئاً من الدنيا نقصت درجته عند الله وإن كان كريماً على الله وأما من إذن له في السبب فهو كالمتجرد إذ صار حينئذ سببه عبودية والحاصل أن التجريد من غير أذن سبب والسبب مع الإذن تجريد وبالله التوفيق تنبيه هذا الكلام كله مع السائرين وأما الواصلون المتمكنون فلا كلامة عليهم إذ هم رضي الله عنهم مأخوذون عن أنفسهم يقبضون من الله ويدفعون بالله قد تولى الحق تعالى أمورهم وحفظ أسرارهم وحرس قلوبهم بجنود الأنوار فلا تؤثر فيها ظلم الأغيار وعليه يحمل حال الصحابة في الأسباب رضي اله عنهم ونفعنا ببركاتهم آمين وأعلم أن المتسبب والمتجرد عاملان لله إذ كل واحد منهما حصل له صدق التوجه إلى الله تعالى حتى قال بعضهم مثل المتجرد والمتسبب كعبدين للملك قال لأحدهما أعمل وكل وقال للآخر إلزم أنت حضرتي وأنا أقوم لك بقسمتي ولكن صدق التوجه في المتجرد أقوي لقلة عوائقه وقطع علائقه كما هو معلوم ولما كانت همة الفقير المتجرد لا تخطيء في الغالب لقوله عليه السلام أن لله رجالاً لو أقسموا على الله لا برهم في قسمهم قال شيخنا ولله رجال إذا إهتموا بالشيء كان بإذن الله وقال أيضاً عليه السلام أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله خشى الشيخ أن يتوهم أحد أن الهمة تخرق سور القدر وتفعل ما لم يجر به القضاء والقدر
فرفع ذلك بقوله
التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: