السبت، 21 أكتوبر 2017

كتاب فصوص الحكم 20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية

كتاب فصوص الحكم 20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية

كتاب فصوص الحكم 20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية

الشيخ الاكبر محيي الدين بن عربي   

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية

هذه حكمة الأولية في الأسماء، فإن اللَّه سماه يحيى أي يحيا به ذكر زكريا.
و «لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا» فجمع بين حصول الصفة التي فيمن غَبَرَ ممن ترك ولداً يحيا به ذكرُه و بين اسمه بذلك.

فسماه يحيى فكان اسمه يحيى كالعلم الذوقي، فإن آدم حيي ذكره بشيث و نوحاً حيي ذكره بسام، و كذلك الأنبياء.
و لكن ما جمع اللَّه لأحد قبل يحيى بين الاسم العَلم منه و بين الصفة إلا لزكريا «4» عناية منه إذ قال‏ «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا» فقدم الحقَّ على ذكر ولده كما قدمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها «عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ» فأكرمه اللَّه بأن قضى حاجته و سماه بصفته حتى يكون اسمه تذكاراً لما طلب منه نبيه زكريا، لأنه عليه السلام آثر بقاء ذكر اللَّه في عَقِبِه إذ الولد سر أبيه.
 فقال‏ «يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» و ليس ثَمَّ موروث في حق هؤلاء إلا مقام ذكر اللَّه و الدعوة إليه.
ثم إنه بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم‏ ولد و يوم يموت و يوم يبعث حياً.
فجاء بصفة الحياة و هي اسمه و أعلم بسلامه عليه، و كلامُهُ صدق فهو مقطوع به، و إن كان قول الروح‏ «وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» أكمل في الاتحاد، فهذا أكمل في الاتحاد و الاعتقاد و أرفع للتأويلات.
فإن الذي انخرقت‏  فيه‏ العادة في حق عيسى إنما هو النطق، فقد تمكن عقله و تكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه اللَّه فيه.
و لا يلزم للمتمكن من النطق- على أي حالة كان- الصدقُ فيما به ينطق، بخلاف‏  المشهود له كيحيى.
فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه، و إن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه‏  من اللَّه في ذلك و صدقه، إذ نطق في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد.
فهذا أحد الشاهدين، و الشاهد الآخر هو الجذع اليابس فسقط رطباً جنيًّا من غير فحل و لا تذكير، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل و لا ذكر و لا جماع عرفي معتاد، لو قال نبي آيتي و معجزتي أن ينطق هذا الحائط، فنطق الحائط و قال في نطقه تكذب ما أنت رسول اللَّه، لصحت الآية و ثبت بها أنه رسول اللَّه، و لم يلتفت إلى ما نطق به الحائط. فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمه إليه و هو في المهد، كان‏ «8» سلام اللَّه على يحيى أرفع من هذا الوجه‏.
فموضع الدلالة أنه عبد اللَّه من أجل ما قيل فيه إنه ابن اللَّه- و فرغت الدلالة بمجرد النطق- و أنه عبد اللَّه عند الطائفة الاخرى القائلة بالنبوة.
و بقي ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد فتحقق ما أشرنا إليه.

 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق  

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: