السبت، 7 أكتوبر 2017

كتاب فصوص الحكم 2 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثيَّة

كتاب فصوص الحكم 2 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثيَّة

2- فص حكمة نفثية في كلمة شيثيَّة


 فص حكمة نفثية في كلمة شيثيَّة         

اعلم أن العطايا و المنح الظاهرة «2» في الكون على أيدي العباد        
و على غير أيديهم على قسمين: منها ما يكون عطايا ذاتية و عطايا أسمائية و تتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن و عن سؤال غير معيّن. و منها ما لا يكون عن‏  سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية. فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه  و غير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف و كثيف. و السائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا. و الصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال‏ «2»، فيقول: فلعل‏ «3» ما نسأله فيه‏ «4» سبحانه يكون من هذا القبيل،
فسؤاله احتياط لما «5» هو الأمر عليه من الإمكان: و هو لا يعلم ما في علم اللَّه و لا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان. و لو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل. فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون‏ «6» فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم، و صنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف. و من هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإِمكان، و إِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ». فهو العبد المحض، و ليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، و إِنما همته في امتثال أوامر سيِّده. فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا «7» اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به،

ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه اللَّه عنهم.
و التعجيل بالمسئول‏ «1» فيه‏ «2» و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.
و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال. فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه. و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال «3». و إِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء. فهم‏ «3» قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم‏ «4». و من هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به و هو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم‏ «5» علم اللَّه به من أين حصل. و ما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى و أكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر و هم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا، و الذي يعلمه مفصلًا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، و إما أن يكشف له عن‏ «6» عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إِلى‏

ما لا يتناهى‏ «1» و هو أعلى: فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إِذا «2» أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق‏ «3» إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها. فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه‏ «4» المساواة في إِفادة العلم. و من هنا «5» يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب. و غاية المنزه أن يجعل‏ «6» ذلك الحدوث في العلم للتعلق‏ «7»، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. و بهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود «4».
ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية. فأما المِنَح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا «8» عن تجل إِلهي. و التجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي‏ «9» له و غير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه: كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي‏

ليعلم المتجلَّى له أنه‏ «1» ما رآه. و ما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا. و أجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور «2» المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة. هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، و الأمر كما قلناه و ذهبنا إِليه. و قد بينا هذا في الفتوحات المكية «5» و إِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع و لا تتعب نفسك في أن ترقى في‏ «3» أعلى من هذا الدرج‏ «4» فما هو ثَمَّ أصلًا، و ما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، و أنت مرآته في رؤيته‏ «5» أسماءه و ظهور أحكامها و ليست سوى عينه. فاختلط الأمر و انبهم: فمنا من جهل في علمه فقال: «و العجز عن درك الإدراك إِدراك، و منا من علم فلم يقل مثل هذا و هو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. و هذا هو أعلى عالمٍ باللَّه. و ليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل و خاتم الأولياء، و ما يراه أحد من الأنبياء و الرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، و لا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ «6» الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإِن الرسالة و النبوة- أعني نبوة التشريع، و رسالته- تنقطعان، و الولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء «6»، فكيف من دونهم من الأولياء؟ و إِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. و قد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد

ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم‏ «1» فيهم، و في تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي‏ء و في كل مرتبة، و إِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه. و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه و سلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً. و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين‏ «2»، و اللّبِنُ من ذهب و فضة. فيرى اللبنتين اللتين‏ «3» تنقص الحائط عنهما و تكمل بهما، لبنة ذهب و لبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. و السبب الموجِب لكونه رآها «4» لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر و هو موضع اللبنة الفضة «5»، و هو ظاهره و ما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن‏ «6» اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة «7» متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا و هو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي‏ «8» به إِلى الرسول. فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي‏ء «9». فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، و إِن تأخر

وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، و هو قوله صلى اللَّه عليه و سلم: «كنت نبياً و آدم بين الماء و الطين». و غيره من الأنبياء ما كان نبياً «1» إِلا حين بُعِثَ.
و كذلك خاتم الأولياء كان ولياً و آدم بين الماء و الطين، و غيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد «2»». فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته‏ «3» مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء و الرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي.
و خاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب. و هو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه و سلم مقدَّمِ الجماعة و سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة. فعيّن حالًا خاصاً ما عمم. و في هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية «7»، فإِن الرحمن ما شفع‏ «4» عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين. ففاز محمد صلى اللَّه عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
و أما المنح الأسمائية: فاعلم‏ «5» أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، و يعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني. و إِما رحمة «6» ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، و هو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي‏ «7» لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض و ما أشبه ذلك. و تارة يعطي اللَّه‏

على يدي الواسع فيعم، أو على‏ «1» يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب‏ «2»، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب‏ «3» تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي‏ «4» الجبار فينظر في الموطن و ما يستحقه، أو على يدي‏ «5» الغفار فينظر المحل و ما هو عليه. فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً و معتنى به و محفوظاً و غير ذلك مما شاكل هذا النوع. و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه‏ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ‏» على يدي العدل و إِخوانه‏ «6». و أسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- و ما يكون عنها غير متناهٍ- و إِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء «8». و على الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ و الإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية. و الحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك‏ «7» الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم‏ «8» عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، و سبب ذلك تميُّز الأسماء. فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر أصلًا «9». هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد «10» لكل من يتكلم في‏

مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ «1» فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري. فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ «2»، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ «3» غير. فيعلَم لا يعلم، و يدري لا يدري، و يشهد لا يشهد. و بهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه. فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها و نِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: و ما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. فمنه خرج و إِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. و كل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من اللَّه شي‏ء، و ما في أحد من سوى نفسه شي‏ء «11» و إِن تنوعت عليه الصور. و ما كل أحد يعرف هذا، و أَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه. فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى. فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف و تمنحه‏ «4» ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ «5» من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، و المتحركة متحركاً. و قد تعطيه‏


انتكاس صورته من حضرة خاصة، و قد تعطيه عينَ‏ «1» ما يظهر «2» منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، و قد «3» يقابل اليمينَ اليسارَ و هو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: و بخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ و يَظهر الانتكاس. و هذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، و ما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، و إِن كان يعرفه مجملًا. إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه.
و لهذا عدل بعض النظار «4» إِلى نفي الإمكان و إِثبات الوجوب‏ «5» بالذات و بالغير. و المحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكنَ ما هو الممكن و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.
و على قدم شيث‏ «6» يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني «12». و هو حامل أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون‏ «7» رأسه عند رجليها. و يكون مولده بالصين و لغته لغة أهل‏ «8» بلده. و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.

 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق  

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: