الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

الفتح الرباني والفيض الرحماني "10" المجلس العاشر

الفتح الرباني والفيض الرحماني "10" المجلس العاشر

الفتح الرباني والفيض الرحماني "10" المجلس العاشر

عبد القادر الجيلاني قدس الله تعالى سره     

المجلس العاشر

 وقال رضي الله تعالى عنه بكرة الأحد رابع عشر شوال سنة خمس وأربعين وخمسمائة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
أنا والأتقياء من امتي برآء من التكلف " .
التقى لا يتكلف عبادة الحق عز وجل لأنها صارت
طبعه ، فهو يعبد الله بظاهره وباطنه من غير تكلف منه .
وأما المنافق فهو في كل أحواله فيتكلف ، ولا سيما في عبادة الحق عز وجل ، يتكلفها ظاهرا ويتركها باطنا ، لا يقدر أن يدخل مدخل المتقين ، لكل مكان مقال , ولكل عمل رجال ، للحرب رجال خلقت .
 يا منافقون توبوا من نفاقكم ، وارجعوا من إباقكم ، كيف تتركون الشيطان يضحك عليكم ، ويشتفى بكم ؟
إن صليتم وإن صمتم فعلتم ذلك للخلق لا للحق عز وجل ، وهكذا إن تصدقتم وزكيتم وحججتم ، أنتم :
‏  عاملة ناصبة عن قريب تصلون نارا حامية
ان لم تتداركوا وتتوبوا وتعذروا . عليكم بالاتباع من غير ابتدع ، عليكم بمذهب السلف الصالح ، امشوا في الجادة المستقيمة ، لا تشبيه ولا ‏تعطيل ، بل اتباعا لسنة رسول اله صلى الله عليه وسلم من غير تكلف ولا تطبع ولا تشدد ولا تمشدق ولا تمعقل ، يسعكم ما وسع من كان قبلكم .
‏  ويحك   تحفظ القرآن ولا وتعمل به ، تحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعمل بها ، فلاي شيء تفعل ذلك ؟ تأمر الناس وأنت لا تفعل ، وتنهاهم وأنت لا تنتهي . قال عز وجل :
‏  كبر مقتا عند الله أن تقولوا مآ لا تفعلون   .
لم تقولون وتخالفون ما تستعون ؟
لم تدعون الايمان ولا تؤمنون ؟
الايمان هو المقاوم للآفات ، هو الصابر تحت ثقلنا ، هو المصارع ، هو المقاتل ، الايمان هو المتكرم بما عنده من الدنيا ، الايمان يتكرم لوجه الله عز وجل ، والهوى يتكرم لوجه الشيطان ولأغراض النفس .
من فاته باب الحق عز وجل قعد على أبواب الخلق ، من ضع طريق الحق عز وجل وضل عنها قعد على طريق الخلق .
 من أراد الله به خيرا أغلق أبواب الخلق في وجها وقطع عطاءهم عنه حتى يرده بذلك إليه.
 بقيمه من الغدر إلى الشط ، يقيمه من لا شيء الى شيء . 
ويحك  تفرح بقعودك عند الغدو في الشتاء ، عن قريب يجيء الصيف وينشف الماء الذي عندك فتموت مكانك الذي عند الشط.
 فإنه في الصيف ينقطع ماؤه ، وفي الشتاء يزيد ويكثر , كن مع الله عز وجل تكن غنيا عزيزا أميرا مؤمرا دليلا .
 من استغنى بالله عز وجل احتاج اليه كل شيء ، وهذا شيء لا يجيء بالنحلي و التمني ولكن بشيء وقو في الصدور صدقه العمل .
يا غلام   ليكن الخرس دأبك والخمول لباسك والهرب من الخلق كل مقصودك ، وإن قدرك أن تنقب في الأرض سربا تخفي فيه فافعل « يكون هذا دأبك الى أن يترعرع ايمانك ويقوى قدم إيقانك ، ويتريشجناح صدقك ، وتنفتح عينا قلبك , فترفع أرض بيتك وتطير الى جو علم الله ، تطوف الشرق والغرب ، البر والبحر والسهل والجبل ، تطوف السموات والأرضين وأنت مع الدليل الخفير الرفيق ، فحينئذ أطلق لسانك  في الكلام ، واخلع لباس الخمول ، واترك الهرب من الخلق ، واخرج من سربك إليهم فإنك دواء لهم غير مستضر في نفسك .
لا تبال بقلتهم وكثرتهم وإقبالهم وإدبارهم وحدهم وذمهم لا تبال ، اين سقطت لقطت وأنت مع ربك عز وجل .

‏  يا قوم   اعرفوا هذا الخالق وتأدبوا بين يديه ، ما دامت قلوبكم بعيدة عنه فأنتم سيئو الأدب عليه وإذا قربت حسن أدبها .
 هذيان الغلمان على الباب قبل ركوب الملك فإذا ركب جاء خرسهم وحسن أدبهم لأنهم قريبون منه ، كل منهم يهرب إلى زاوية .
الاقبال على الخلق هو عين الادبار عن الحق عز وجل ، لا فلاح لك حتى تخلع الأرباب وتقطع الأسباب وتترك رؤية الخلق في النفع والضر , أنتم أصحاء مرضى أغنياء فقراء ، أحياء موتى ، موجودون معدومون ، إلى متى هذا الاباق عن الحق عز وجل والاعراض عنه , إلى متى عمارة الدنيا وتخريب الآخرة ؟
إنما لكل واحد منكم قلب واحد فكيف يجب به الدنيا والأخرة ؟
كيف يكون فيه الخلق والخلق ؟
كيف يحصل هذا في حالة واحدة في قلب واحد ؟
هذا كذب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول !
"الكذب مجانب الايمان".
كل اناء ينضح بما فيه , أعمالك دلائل على اعتقادك , ظاهرك دليل على باطنك .
ولهذا قال بعضهم : الظاهر عنوان الباطن ، باطنك ظاهر عند الحق عز وجل وعند خواصه من عباده ، إذا وقع بيدك واحد منهم فتأدب بين يديه وتب من ذنوبك قبل لقائه ، تصاغر عنده وتواضع له .
إذا تواضعت للصالحين فقد تواضعت لله عز وجل , فتواضع فان من تواضع رفعه الله عز وجل ، أحسن الأدب بين يدي من هو اكبر منك , فان النبي صلى اله عليه وسلم قال :
"البركة في اكابركم"
فال : ما أراد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر السن فحسب ،  
بل حتى يضاف الي كبر السن التقوى في امتثال الأمر والانتها، عن النهى وملازمة الكتاب والسنة ، وإلا فكم من شيخ لا يجوز احترامه ولا السلام عليه وليس في رؤيته بركة .
الاكابر المتقون الصالحون المتورعون العاملونبالعلم المخلصون في العمل ، الاكابر القلوب الصافية المعرضة عما سوى الله عز وجل .
الاكابر القلوب العارفة وبالله عز وجل العالمة القريبة منه .
كلما كثر علم القلوب قربت من مولاها عز وجل.
كل قلب فيه حب الدنيا فهوعن الله محجوب ، وكل قلب فيه حب الأخرة فهوعن توبه الله محجوب بقدر رغبتك في الدنيا تنقص رغبتك في الآخرة .
وبقدر رغبتك في الأخرة تنقص محبتك للحق عز وجل ، اعرفوا أقداركم ولا تنزلوا أنفسكم منزلا لم ينزلها الا عز وجل فيه .
ولهذا قال بعضهم :   من لم يعرف قدره عرفته الأقدار قدره لا تقعد في موضع تقام منه ، إذا دخلت دارا فلا تقعدموضعا لم يقعدك فيه صاحب الدار.
فانك تقام منه بلا أمرك ، وإن امتنعت أقمت وأهنت وأخرجت .

يا غلام   قد ضيعت العمر في كتب العلم وحفظه من غير عمل , ايش ينفعك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم
"يقول الله عز وجل يوم القيامة للأنبياء والعلماء: انتم كنتم رعاة الخلق فما صنعتم في رعاياكم ويقول للملوك و الأغنياء انتم كنتم خزران كنوزي هل واصلتم الفقراء وربيتم الايتام واخرجتم منها حقي الذي كتبته عليكم".
‏  يا قوم اتعظوا بمواعظ الرسول صلى الله عليه وسلم واقبلوا قوله ، ما أقسى قلوبكم ! سبحان من أقدرني على مقاساة الخلق ، كلما رمت الطيران جاء مقص القدر وقص جناحي .
غير أني أتسلى كيف وأنا مقيم في براح الملك.
ويلك يا منافق تتمنى خروجي من هذه البلدة , لو تحركت تبدل الامر وانفصلت الاعضاء ، وتغير الحديث ولكن أخاف من عقوبة الله عز وجل لآجل العجلة , ما أنا مشمر بل على مثاقف من القدر ، فأناموافق له مسلم إليه ، اللهم سلاما وتسليما .

‏  ويحك   تستهزئ بي وأنا واقف على باب الحق عز وجل ، أدعوا الخلق إليه , موف ترى جوابك ، ابن إلى فوق ذراعا وإلى تحت ألاف ، سوف ترون يا منافقون عذاب الله عز وجل وعقابه دنيا والاخرة ، الزمان حبلى سوف ترون ما يكون منه .
أنا في يد تقليب الحق عز وجل تارة يصيرني جبلا ، وتارة يصيرني ذرة ، وتارة يصيرني بحرا وتارة يصير في قطرة ، وتارة يصيرني شمسا وتارة يصيرني لمعة وبرقة ، يقلبني كما يقلبالليل والنهار .
كل يوم هو في شأن   .
بل كل لحظة , اليوم لكم واللحظة لغيركم .
يا غلام إن أردت سعة الصدر وطيب القلب فلا تسمع ما يقول الخلق ،ولا تلتفت إلي حديثهم أما تعلم أنهم ما يرضون عن خالقهم فكيف يرضون عنك ؟ أما تعلم أن كثيرا منهم لا يعقلون ولا يبصرون ولا يؤمنون؟
بل يكذبون ولا يصدقون , اتبع القوم الذين لا يعقلون غير الحق وعز وجل ، ولا يسمعون من غيره ولا يبصرون غيره .
اصبر على أذية الخلق طلبا لرضا الحق عز وجل ، اصبر على ما يبتليك به بأنواع البلايا.
هذا دأب الله عز وجل مع عباده المصطفين المخبتين ، يقطعهم عن الكل ، ويبتليهم بأنواع البلايا والآفات والمحن يضيق عليهم الدنيا والأخرة وما تحت العرش إلى الثرى , يفنى بذلك وجودهم ، حتى اذا أفنى وجودهم أو~هم له لا لغيره , أقامهم معه لا مع غيره , ينشئهم خلقا آخر ، كما قال عز وجل :
ثم انشأكم خلقا اخر تبارك الله احسن الخالقين   .
و الخلق الأول مشترك وهذا الخلق مفرد ، يفرده عن إخوانه وأبناء جنسه من بني آدم يغير معناه الأول ويبدله ، يصير عالية سافله ، يصير ربانيا روحانيا ، يضيق قلبه عن رؤية الخلق ، وينسد باب مره عن الخلق ، يصور له الدنيا والآخرة والجنة والنار وجميع المخلوقات والاكوان شيئا واحدا.
 ثم يسلم ذلك الشيء الي يد سره فيبتلعه ولا يتبين فيه :
يظهر فيه القدرة كما أظهرها في عصا موسى عليه السلام ، سبحان من يظهر قدرته فيا يريد على يد من يريد ، بلعت عصا موسى أحالا كثيرة هن الحبال وغيرها من الأشياء ولم تتغير بطنها ، أراد الحق عز وجل أن يعلمهم أن ذلك قدرة لا حكمة ، لان ما فعله السحرة في ذلك اليوم كان حكمه وهندسة , وما
ظهر في عصا موسى عليه السلام كان قدرة من الحق عز وجل ، خرق عادة ومعجزة .
ولهذا قال أمير السحرة لواحد من أصحابه انظر إلى موسى في أي حالة هو؟ فقال له قد تغير لونه والعصا تعمل عملها فقال هذا من فعل الله عز وجل لا من فعله ، فإن الساحر لا يخاف من سحره والصانع لا يخاف من صنعته ، ثم آمن به وتبعه أصحابه .

‏  يا غلام   متى تقوم من الحكمة إلى القدرة متى يوصلك عملك بالحكمة إلى قدرة الله عز وجل متى يوصلك لخلاصك في أعمالك ال باب توبك من ربك عز وجل .
متى تريك شمس المعرفة وجوه قلوب العوام والخواص ، لا تهرب من الحق لأجل بلائه , إنما يبتليك ليعلم هل ترجع ال السبب وتترك بابه أم لا ؟
هل ترجع إلى الظاهر أو الى الباطن ؟
الى ما يدرك أو إلى ما لا يدرك ألي ما يرى أو إلى ما لا يرى .
اللهم لا تبتلينا اللهم ارزقنا القرب منك بلا بلاء .
اللهم توبا ولطفا ، اللهم توبا بلا بعد لا طاقة لنا على البعد منك ولا على مقاساة البلاء ، فارزقنا القرب منك مع عدم نار الآفات .
 فإن كان ولا بد من نار الآفات فاجعلنا فيها كالسمندل الذي يبيض ويفرخ في النار وهي لا تضره ولا تحرقه ، اجعلها علينا كنار إبراهيم خليلك أنبت حوالينا عشبا كما أتبت حواليه , واغننا عن جميع الأشياء كما أغنيته , وآنسنا وتولنا كما توليته واحفظنا كما حفظته آمين .
ابراهيم عليه السلام حصل الرفيق قبل الطريق ، والجار قبل الدار ،
والرضا قبل القضاء.
تعلموا من أبيكم إبراهيم عليه السلام ، اقتدوا به في أقواله وافعاله, سبحان من لطف به في بحر بلائه وكلفه السباحة في بحر البلاء وأيده معه , كلفه الحمل على العدو وهو مع رأس الفرس ، كلفه الصعود إلى موضع عال ويده في ظهره ، كلفة دعوة الخلق إلى طعامه والنفقة من عنه ، هذا هو اللطف الباطن الخفي .

‏  يا غلام   كن مع الله صامتا عند مجبئ قدره وفعله حتي ترى منه ألطافا كثيرة ، أما سمعت بغلام جالينوس الحكيم ؟
كيف تخارس وتساكت حتي حفظ كل علم عنده , حكمة الله عز وجل لا تجيء إلي قلبكمن كثرة هذيانك ومنازعتك له واعتراضك عليه .
اللهم ارزقنا الموافقة وترك المنازعة .
و "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا عذاب النار"   . 

 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق  

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: