الجمعة، 20 أكتوبر 2017

كتاب فصوص الحكم 11- فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية

كتاب فصوص الحكم 11- فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية

كتاب فصوص الحكم 11- فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية

الشيخ الاكبر محيي الدين بن عربي    

11- فص حكمة فتوحية في كلمة صالحية

من الآيات آيات الركائب‏ .....  وذلك لاختلاف في المذاهب‏
فمنهم قائمون‏ بها بحق‏ ......  ومنهم قاطعون بها السباسب‏
فأما القائمون فأهل عين‏......  وأما القاطعون هم الجنائب‏
و كل مِنْهُمْ يأتيه منه‏  .....   فتوح غيوبه من كل جانب  
اعلم وفقك اللَّه أن الأمر مبني في نفسه على الفردية و لها
التثليث، فهي من الثلاثة فصاعداً. فالثلاثة أول‏ «3» الأفراد. و عن هذه الحضرة الإلهية وجد العالم «3» فقال تعالى‏ «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» و هذه‏ «4» ذاتٌ‏ «5» ذاتُ إِرادة و قول. فلو لا هذه الذات و إِرادتها و هي نسبة التوجه بالتخصيص لتكوين أمر ما، ثم لو لا قوله عند هذا التوجه كن لذلك الشي‏ء ما كان ذلك الشي‏ء. ثم ظهرت الفردية الثلاثية أيضاً في ذلك الشي‏ء، و بها من جهته صح تكوينه و اتصافه بالوجود، و هي شيئيته و سماعه و امتثاله أمر مكونه بالإيجاد. فقابل‏ «6» ثلاثة بثلاثة: ذاته الثابتة في حال عدمها في موازنة ذات موجدها، و سماعه في موازنة إِرادة موجده، و قبوله بالامتثال لما أُمِرَ به من التكوين في موازنة قوله كن، فكان هو فنسب التكوين إِليه فلو لا أنه من- قوته التكوين من نفسه عند هذا القول ما تكوَّن. فما أوجد هذا الشي‏ء بعد أن لم يكن عند الأمر بالتكوين إِلا نفسه. فأثبت الحق تعالى أن‏
التكوين للشي‏ء نفسه لا للحق، و الذي للحق فيه أمره خاصة. و كذلك‏ «1» أخبر عن نفسه في قوله‏ «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فنسب التكوين لنفس الشي‏ء عن أمر اللَّه و هو الصادق في قوله. و هذا هو المعقول في نفس الأمر.
كما يقول الآمر الذي يُخَافُ فلا يعصى لعبده قمْ فيقوم العبد امتثالًا لأمر سيده. فليس للسيد في قيام هذا العبد سوى أمره له بالقيام، و القيام من فعل العبد لا من فعل السيد «4». فقام أصل التكوين على التثليث أي من الثلاثة «2» من الجانبين، من جانب الحق و من جانب الخلق. ثم سرى ذلك في إِيجاد المعاني بالأدلة:
فلا بد من الدليل أن يكون مركباً من ثلاثة على نظام مخصوص و شرط مخصوص، و حينئذ ينتج لا بد من ذلك، و هو أن يركب الناظر دليله من مقدمتين كل مقدمة تحوي‏ «3» على مفردين فتكون أربعة واحد من هذه الأربعة يتكرر في المقدمتين لتُرْبَط إِحداهما بالأخرى كالنكاح فتكون ثلاثة لا غير لتكرار الواحد فيهما «4».
فيكون المطلوب إِذا وقع هذا الترتيب على الوجه المخصوص و هو ربط إِحدى المقدمتين بالأخرى بتكرار ذلك الواحِد المفرِد الذي به يصح‏ «5» التثليث.
و الشرط المخصوص أن يكون الحكم أعمَّ من العلة أو مساوياً لها، و حينئذ يصدق، و إِن لم يكن كذلك فإِنه ينتج نتيجة غير صادقة «5». و هذا موجود في العالم مثل إِضافة الأفعال إِلى العبد معراة عن نسبتها إِلى اللَّه‏ «6» أو إِضافة التكوين الذي نحن بصدده إِلى اللَّه مطلقاً «6». و الحق ما أضافه الا إِلى الشي‏ء الذي قيل له كن. و مثاله إِذا أردنا «7» أن ندل أن وجود العالم عن سبب فنقول كل حادث فله سبب فَمَعَنَا «8» الحادث و السبب. ثم نقول‏
في المقدمة الأخرى و العالم حادث فتكرر الحادث في المقدمتين. و الثالث قولنا العالم، فأنتج أن العالم له سبب، و ظهر «1» في النتيجة ما ذكر «2» في المقدمة الواحدة و هو السبب. فالوجه الخاص‏ «3» هو تكرار الحادث، و الشرط الخاص‏ «4» عموم العلة «7» لأن العلة في وجود الحادث السبب، و هو عام في حدوث العالم عن اللَّه أعني الحكم. فنحكم‏ «5» على كل حادث أن له سبباً سواء كان ذلك السبب مساوياً للحكم أو يكون الحكم أعم منه فيدخل تحت حكمه، فتصدق النتيجة. فهذا أيضاً قد ظهر حكم التثليث‏ «6» في إِيجاد المعاني التي تقتنص بالأدلة. فأصل الكون التثليث، و لهذا كانت حكمة صالح عليه السلام التي أظهر الله في تأخير أخذ قومه ثلاثة أيام وعْداً غير مكذوب، فأنتج صدقاً و هو الصحيحة التي أهلكهم اللَّه‏ «7» بها فأصبحوا في ديارهم جاثمين. فأول يوم من الثلاثة اصفرت وجوه القوم، و في الثاني احمرت و في الثالث اسودت. فلما كملت الثلاثة صح الاستعداد فظهر كون الفساد فيهم فسمى ذلك الظهور هلاكاً، فكان اصفرار وجوه الأشقياء في موازنة إِسفار «8» وجوه السعداء في قوله تعالى‏ «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ» من السفور و هو الظهور، كما كان‏ «9» الاصفرار في أول يومٍ ظهورَ علامة الشقاء في قوم صالح. ثم جاء في موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى في السعداء «ضاحِكَةٌ»، فإِن الضحك من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه، فهي في‏ «10» السعداء احمرار الوجنات. ثم جعل في موازنة تغير بشرة الأشقياء بالسواد قوله تعالى‏ «مُسْتَبْشِرَةٌ» و هو ما أثره‏
السرور في بشرتهم كما أثر السواد في بشرة الأشقياء. و لهذا قال في الفريقين بالبشرى، أي يقول لهم قولًا يؤثر في بشرتهم فيعدل بها إِلى لون لم تكن البشرة تتصف به قبل هذا. فقال في حق السعداء «يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ» و قال في حق الأشقياء «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ»* فأثر في بشرة كل طائفة ما حصل في نفوسهم من أثر هذا الكلام. فما ظهر عليهم في ظاهرهم إِلا حكم ما استقر في بواطنهم من المفهوم. فما أثر فيهم سواهم كما لم يكن التكوين إِلا منهم. فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ «8». فمن فهم هذه الحكمة و قررها في نفسه و جعلها مشهودة له‏ «1» أراح نفسه من التعلق بغيره و علم أنه لا يؤتى عليه بخير و لا بشر إِلا منه. و أعني بالخير ما يوافق‏ «2» غرضه و يلائم طبعه و مزاجه، و أعني بالشر ما «3» لا يوافق غرضه و لا يلائم طبعه و لا «4» مزاجه. و يقيم صاحب هذا الشهود معاذير الموجودات كلها عنهم و إِن لم يعتذروا، و يعلم أنه منه كان كل ما هو فيه كما ذكرناه أولًا في أن العلم تابع للمعلوم، فيقول لنفسه إِذا جاءه ما لا يوافق غرضه: يداك أوْكَتَا و فوك نفخ. و اللَّه يقول الحق و هو يهدي السبيل.

 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق  

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: