الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

 الفتح الرباني والفيض الرحماني "12" المجلس الثاني عشر

الفتح الرباني والفيض الرحماني "12" المجلس الثاني عشر

 الفتح الرباني والفيض الرحماني "12" المجلس الثاني عشر

عبد القادر الجيلاني قدس الله تعالى سره    

المجلس الثاني عشر

 وقال رضي الله تعالى عنه يوم الأحد بكرة بالرباط ثاني ذي القعدة سنة خمس وأربعين وخمسمائة :
‏  يا غلام   ما صحت إرادتك للحق عز وجل ولا أنت مريد له ، لأن كل من يدعي إرادة الحق خل وعلا ويطلب غيره فقد بطلت دعواه .

مريدو الدنيا فيهم كثرة ، ومريدو الآخرة فيهم قلة ومريدو الحق عز وجل الصادقون في إرادته أقل من كل قليل هم في القلة والعدم كالكبريت الاحمر ، هم آحاد أذ افراد في الشذوذ والندور ، حتى يوجد منهم واحد ، هم نزع العشائر ، هم معادن في الأرض ملوك فيها .
هم شحن البلاد والعباد ، بهم يدفع البلاء عن الخلق ، وبهم يمطرون وبهم يمطر آلة السماء ، وبهم تنبت الارض ، في بداية أمرهم ، يفرون من شاهق إلى شاهق ، من بلد إلى بلد ، من خراب إلى خراب .
كلما عرفوا في موضع تحولوا منه , يرهون الكل ورا، ظهورهم ، ويسلمون مفاتيح الدنيا إلى أهلها ، لا يزالون كذلك إلى أن تبنى القلاع حواليهم ، وتجري الانهار إلى قلوبهم ، ويحاط بهم جنود من قبل الحق عز وجل ، كل منهم ينفرد إليه بالحراسة فيكرمون ويحفظون ، و يولون على الخلق ، كل هذا من وراء عقولهم ، فحينئذ يصير إقبالهم على الخلق فريضة ، يصيرون كالأطباء وبقية الخلق مرضي .  
ويحك   تدعى أنك منهم ما علامتهم عندك ؟
ما علامة قرب الحق عز وجل ولطفه ؟
في أي منزلة أنت عند الحق عز وجل وفي أي مقام ؟
ما اسمك وما لقبك في الملكوت الأعلى ؟
علام يغلق بابك كل ليلة ؟

طعامك وشرابك هو حلال طلق ، تضاجع الدنيا أو الآخرة أو قرب الحق عز وجل . من أنيسك في الوحدة   من جليسك في الخلوة ؟
يا كذاب أنيسك في الوحدة نفسك وشيطانك وهواك والتفكر في دنياك ، وفي الجلوة شياطين الانس الذين هم أتوان السوء واصحاب القيل والقال .
هذا شيء , لا يجيء بالهذيان ومجرد الدعوى كلامك في هذا هوس لا ينفعك عليك بالسكون والخمول بين يدي الحق عز وجل وترك إساءة الأدب .
ان كان ولا بد من الكلام في هذا فيكون كلامك فيه على سبيل التبرك به والتبرك بذكر أهله , لا أنك تدعيه بظاهرك مع خلو قلبك منه ، كل ظاهر لا يوافقه الباطن فهو هذيان ، أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" ما صام من يأكل لحوم الناس ".
وقد بين صلى الة عليه وسلم أن ليس الصيام ترك الطعام و الشراب والمفطرات فحسب . بلى حتى يضاف إليه ترك الآثام .
احذروا من الغيبة فإنها تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .
ما تعودها من أفلح قط . ومن عرف بها قلت حرمته عند الناس .
واحذروا من النظر بشهوة فانه يزرع المعصية في قلوبكم , وعاقبته غير محمودة في الدنيا والأخرة .
 واحذروا من اليمين الكاذبة فإنها تترك الديار بلاقع , تذهب بركة الأموال والأديان .
ويحك   تنفق مالك باليمين الكاذبة وتخسر دينك لوكان لك عقل لعلمت أن هذه هي الخسارة بعينها تقول والله عز وجل ما في هذه البلدة مثل هذا المتاع ولا عند أحد مثله ، والله إنه يسوى كذا وكذا ، وإنه علي بكذا وكذا ، وأنت كاذب في كل ما قلته ثم تشهد بالزور وتحلف بالله عز وجل إنك صادق ، عن قريب يجيئك العمى والزمن .
 تأدبوا رحمكم الله تعالى بين يدي الحق عز وجل ، من لم يتأدب بآداب الشرع أدبته النار يوم القيامة ؟
سأله سائل فقال : من فيه هذه الخمس خصال أو بعضهم تحكم ببطلان صومه ووضوئه ، فقال صومه ووضوئه لا يبطل ، ولكن هذا جاء على سبيل الوعظ والتحذير والتخوف .

‏  يا غلام   لعل غدا يأتي وانت مفقود من ظهر الأرض غير موحود ، أو لعل هذا يكون ساعة أخرى ، أيش هذه الغفلة ما أقسى قلوبكم ، صخور أنتم أقول لكم وغيري يقول لكم وأنتم على حالة واحدة .
القرآن يتلي عليكم ، وأخبار الرسول وسير الأولين تقرأ عليكم ، وأنتم لا تعتبرون ، ولا تتجنبون ولا تتغير أعمالكم ، كل من يحضر ببقعة ولم
يتعظ فهو في شر الأهل .
‏  يا غلام   استهانتك بأولياء الله عز وجل من قلة معرفتك بالله عز وجل تقول هؤلاء متهمون لم لا يتعيشون معنا ؟ لم لا يقعدون معنا ؟
تقول هذا لجهلك بنفسك , لما قلت معرفتك بنفسك قلت معرفتك بأقدار الناس ، على قدر قلة معرفتك بالدنيا وعاقبتها تجهل قدر الآخرة وعلى قدو قلة معرفتك بالآخرة تجهل الحق عز وجل .
 يا مشتغلا بالدنيا عن قريب الخسران و الندامات عندك ظاهرة عليك في الدنيا والآخرة تظهر ندامتك يوم القيامة ، يوم التغابن يوم الفضيحة يوم الندامات والخسران ، حاسب نفسك قبل مجيئ الأخرة ، ولا تغتر بحكم الله عز وجل عنك وكرمه عليك أنت قائم على أسوا الأحوال من المعامي والزلات وظلم الناس ، المعامي بريد الكفر ، كما أن الحمى بريد الموت .
عليك بالتوبة قبل الموت قبل مجيء ، الملك الموكل بأخذ الأرواح .
‏  يا شباب   توبوا . أما ترون الحق عز وجل يبتليكم بالبلاء حتى تتوبوا وأنتم لا تعتلون وتمرون على معاصيه ؟
ما يبتلى أحد في هذا الزمان إلا آحاد أفراد .
الكذب نقمة لا نعمة عقوبة للذنوب لا زيادة في الدرجات و الكرامات.
القوم يبتلون لترفع درجتهم عند ملكهم يصبرون معه لأنهم يريدون وجهه ، إذا تم لهم هنا فقد تم لهم الملك.
وإذا لم يتم لهم هذا اعتقدوا انهم في هلك .
اللهم لا هلك   نسألك القرب منك ، والنظر إليك في الدنيا والآخرة ، في الدنيا بقلوبنا وفي الآخرة بأعيننا.
‏  يا قوم   لا تيأسوا من روح الله عز وجل وفرجه فإنه قريب ، لا
تيمأس فان الصانع الله .
‏  لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرأ   .
لا تهرب من البلاء فإن البلاء مع الصبر أساس لكل خير . أساس النبوة والرسالة والولاية والمعرفة والمحبة البلاء ، فإذا لم تصبر على البلاء فلا أساس لك .
لا بقاء لبناء إلا بأساس , أرأيت بيتا ثابتا على مزبلة ربوة ، انما تفر من البلاء والآفات لكونك لا حاجة لك في الولاية والمعرفة والقرب من الله عز وجل ، اصبر واعمل حتى تسري بقلبك وسرك وروحك إلى باب القرب من ربك عز وجل .
العلماء والأولياء والأبدال وراث الأنبياء ، الأنبياء السماسرة , وهؤلاء المنادون بين أيديهم .
المؤمن لا يخاف غير الله عز وجل , ولا يرجو غيره ، قد أعطى القوة في قلبه وسره ، كيف لا تكون قلوب المؤمنين قوية بالله وعز وجل وقد اسوى بها إليه ؟
لا تزال عنده القلوب ؟ والقالب في الأرض ، قال الة تعالى :
" إنهم عندنا من المصطفين الاخيار " .
يصطفون على أهاليهم وأهل زمانهم ، تتميز معانيهم وتتنور مبانيهم ، ولهذا فارقوا الخلق وزهدوا في المألوفات , ساروا إلى قدام ونبت العشب ورائهم , ما بقي لهم رجوع استأنسوا بالوحدة ؟
اختاروا الخراب وسواحل البحار والبراري والقفار ,
لا العمران يأكلون من بقول الصحارى ويشربون من غدرانها .
يصيرون كالوحش ، هنالك يقرب قلوبهم ويؤنسها به ، توقف مبانيهم مع مباني المرسلين والصديقين والشهداء ، ويوقف مبانيهم معه لا يزالون وقوفا في الخدمة ليلهم ونهارهم خلوة وراحة المشتاقين وطيبة المستأنسين بالله عز وجل .
‏  يا غلام لا بد من الحلاوة والمرارة والصلاح والفساد والكدر والصفاء ، فإن أدرت الصفاء الكلي ففارق بقلبك الخلق وواصله بالحق عز وجل .
فارق الدنيا ودع أهلك وسلمهم إلى ربك عز وجل وأخرج قلبك عريانا عن الكل ، واقوب من باب الآخرة ثم ادخلها ، فإن لم تجد ربك
عز وجل فيها فاخرج منها هاربا طالبا للقرب منه ، إذا وجدته وجدت كل الصفا عنده ، ما يفعل المحب لله عز وجل بغيره الجنة دار طالبي الدرجات ، دار التجار باعوا الدنيا بها ، ولهذا قال الله عز وجل :
"وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين" .
ما ذكر القلب ، ما ذكر السر ، ما ذكر المعنى . الجنة للصوام القوام التاركين الزاهدين في الشهوات والملذات ، باعوا صوما بصوم ، بستانا ببستان ، دار بدار ، أريد منكم أعمالا بلا كلام .
العارف العامل لوجه الله عز وجل سندان يدق عليه وهولا ينطق . أ
رض يمشى عليه وتغير وتبدل وهو أخرس .
القوم لا يبغون غير الله عز وجل ، لا يسمعون من غيره ، لهم جنان بلا لسان ، هم فانون عنهم وعن غيرهم لا يزالون كذلك ، وإذا شاء الله أنشرهم جعل الجنان لسانا كأنهم مبنجون ، يأخذوهم الملك إليه بيد رأفته ورحمته , يصوغهم له وينشئهم له لا لغيره ، يصنعهم لنفسه كما صنع موسى عليه السلام حيث قال له :
و اصطنعتك لنفسي "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"  .
جعل راحة بلا تعب ، أنسا بلا وحشة ، نعمة بلا نقمة ، فرحة بلا بغضة ، حلاوة بلا مرارة , ملكا بلا هلك .
هنالك الولاية لله الحق.
من وصل إلى هذه الحالة تعجلت له الراحة ، وأما مع ما أنت عليه لا تجد راحة في الدنيا لأنها دار الكدر دار الآفات لا بد لك من الخروج منها ، فعليك بإخراجها من قلبك ومن يدك ، فإن لم تقدر فاتركها في يدك ، وأخرجها من قلبك .
 فإذا قويت فأخرجها من يدك وأعطها للفقراء والمساكين عيال الحق عز وجل ومع ذلك ما لك منها لا يفوتك لا بد من إتيانه سراء كنت غنيا أو فقيرا زاهدا أو راغبا .
الدائرة على صحة قلبك وسرك وصفائهما أنهما يصفوان بتعلم العلم والعمل به والام خلاص فيالعمل والصدق في طلب الحق عز وجل .
‏  يا غلام   أما سمعت : تفقه ثم اعتزل ، تفقه بالفقه الظاهر ثم اعتزل إلى الفقه الباطن ، اعمل بهذا الظاهر حتى يقربك العمل الى علم لم تكن تفعله ، هذا العلم الظاهر ضياء الظاهر والباطن ضياء الباطن .
هو ضياء بينك وبين ربك عز وجل ، كلما عملت بعلمك قربت طريقك إلي الحق عز وجل واتسع الباب بينك وبينه ورفع مصرع الباب الذي يخصك .
" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا عذاب النار"    

 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق  

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: