الاثنين، 23 أكتوبر 2017

مقدمة كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة كتاب الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم

تأليف العارف بالله تعالى          
الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي
 767هـ  : 538هـ

مقدمة

الحمد لله الكامن في كنه ذاته، الكائن في عماء غياباته، الكامل في أسمائه وصفاته ، الجامع بألوهيته شمل مضاداته، الأحد في
سمائه، الواحد في تعداداته، المتحيزة أوصافه في استيفائته، الأزلي في أبد أخرياته، الأبدي في أزلي أولياته، البارز في كل صورة ومعنى بصوره وآياته، البائن عن كل محسوس ومقول وموهوم ومعقول بينا غير متباين في بيناته، المتخلق بكل خلق في كل خلق من مخلوقاته.
 المتجلي بصور العالم في إنسانه وحيوانه ونباتاته وجماداته، المتخلي في سرادق تنزيه عن الفصل والوصول والضد والند والكم والكيف والتجسيم والتحديد والتقييد بتشبيهه أو تنزيهاته.
 سبوح سبحت أسماؤه في بحار كنهه فغرقت دون الوصول إلى غاياته، متصف بكل وصف، مؤتلف بكل إلف ، مجتمع بكل جمع، ممتنع بكل منع، مفترق بكل فرق، مطلق بكل طلق ، مقيد بكل تحديد، مقدس منزه في تشبيهاته، لا يحصره الأين ولا يحاز منه ، ولا تدركه العين ولا تستر عنه.
 خالق معنى الخلق عرض على جوهر هو حقيقة ذلك الجوهر ولا عرض يعتريه رازق معنى الرزق.
تنزله في رتبة سماها خلقأ ليوفي بعا حكم رتبته الأخرى على ما تطلبه الحكمة أو يقتضيه حكم تقديراته .
مجهول في حقيقته غيب "كنت كنزا مخفيا لم أعرف"*   بعد تعرفه إلى خلقه بما عرف من تعريفاته، جعل اسم الخلق محلا لذاته ولا يتعداه، ورسم لاسم الحق حكما من ذاته لا يفيدك سواه ، وحكم لألوهيته جمعيا فلم يك مرمي لغيره وراء الله، لألوهيته الحيطة بأحديته ولأحديته السلطنة على ألوهيته في ترتيباته، تعرف إلى كل موجود بحسب المرتبة التي أبرزه فيها من عينه وما عرفه إلا نسفه في جماله وزينة من
__________________
يشير إلى الحديث الشريف: "كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف، فخلقت خلقا فعرفتهم بي فعرفني".
العجلوني: كشف الخفاء  حديث رقم ٤ ا ٢٠ طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت.

جميع مكوناته ٠ أحمده حمده لنفسه من خلف سرادق غيبه الأنهى، وأثنى عليه بلسان جماله الأكمل الأبهى، هو كما أثنى على نفسه لديه، إذ كنت لا أحصي ثناء عليه، واستمد من الجناب الأعظم.
غيب غيب الجمع الأبهم، نقطة عين الحرف المعجم محمد سيد العرب والعجم، مركز كنه الحقائق والتوحيد، مجمع دقائق التنزيه والتحديد، مجلى معاني جمال القديم والجديد، صورة كمال الذات، الأزلي التخليد في جنات الصفات، الأبدي الإطلاق في ميدان الألوهيات، صلي الله علية وسلم وعلى اله القادة الهداة، المتحلين بحليته المتحولين في أحواله، القائمين عنه له في مقامه بأقواله وأفعاله، وعلى آله وأصحابه وعترته وأنساله، وشرف وكرم ، ومجد وعظم.
أما بعد: فإني استخرت الله تعالى في إملاء هذا الكتاب المسمى: الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم
 وذلك بعد باعث رحماني واجابة لسؤال أخ عارف رباني، هو ذو الفهم الثاقب، والذكاء الباهر الراسخ الناسب، والتجريد والتفريد والقدم الصدق في المطالب ، عماد الدين يحيى بين ابي القاسم التونسي المغربي سبط الحسن بين علي بعد مدافعتي إياه، وتأخري عن التقدم إلى ما يهواه، فلم يسمع بالإقالة، ولم يجنح إلا إلى ما قاله.
بعثني صدق رغبته، إلى موافقته ، فاستخرت الله تعالى ولجأت إليه، أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع به ممليه، والسامعين وقارئيه، وهو الأول بالإجابة، والأجدر لتوفيقي بالإصابة، والمتلمس من أهل الله ساداتنا الإخوان الناظرين في هذا الكتاب سلام الله عليهم ورضوانه أن يفحصوا في معنى كل كلمة حتى ينحلهم تبيانه من وجوه عباراتنا واشاراتها، وتصريحاتها وتلويحاتها وكناياتها . وتقديمها وتأخيرها المراعاة للقواعد الشرعية، والأصول الدينية. فإن وقتوا على معنى من معاني التوحيد شهد لهم فيه الكتاب والسنة، فذلك مطلوبى الذى أمليت الكتاب لأجله، وإن فهموا منه خلاف ذلك فأنا بريء من ذلك الفهم .
فليرفضوه وليطلبوا ما أمليته مع الجمع بالكتاب والسنة فإن الله سيوجدهم ذلك سنة جرى بها كرمه في خلقه ،ولله على كل شيء قدير، ثم المسؤول منهم أن يمدونا بأنفاسهم الإلهية .يقبلونا على ما فينا وهذه جهد المقل قدمتها بين أيديهم راجيا دعوة نجي أو نظرة ولي:
فإن تجد عيبا فسد الخللا  .....     فجل من لا عيب فيه وعلا
وفا أنا أشرع فيما ذكرته مستعينا بالله ناظرا إلى الله آخذا بالله عن الله فما ثم إلا الله:" وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ " الأحزاب: 4  وما توفيقي إلا بالله.
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في الخبر عن النبي صلي الله علية وسلم أنه قال:
 "كل ما في الكتب المنزلة فهو في القرآن وكل ما في القرآن فهو في الفاتحة وكل ما في الفاتحة فهو في بسم الله الرحمن الرحيم"`
وورد: "كل ما في بسم الله الرحمن الرحيم ، فهو في الباء وكل ما في الباء فهو في النفطة التي تحت الباء". 
وقال بعض العارفين: "بسم الله الرحمن الرحيم من العارف بمنزلة كن من الله تعالي".
واعلم أن الكلام على بسم الله الرحمن الرحيم من وجوه كثيرة كالنحو والصرف واللغة ، والكلام فيه على مادة الحروف م صيغتها وطبيعتها م هيئتها وتركيبها واختصاصها على باقي الحروف الموجودة في فاتحة الكتاب ، وجميعها لها اختصاص الأحرف الموجودة في الباء والكلام عليها في منافعها وأسرارها ولسنا بصدد شيء من ذلك.
 بل كلامنا عليها من وجه معاني حقائقها فيما يليق بجناب الحق سبحانه وتعالى، والكلام مندرج بعضه في بعض إذ المقصود من جميع هذه الوجوه معرفة الحق سبحانه وتعالى ونحن على بابه، فكلما يتجدد مع فيضه على الأنفاس ينزل به الروح الأمين على قلب القرطاس.
واعلم أن النقطة التي تحت الباء أول كل سورة من كتاب الله تعالى؟
لأن الحرف مركب من النقطة ولا بد لكل سورة من حرف هو أولها ولكل حرف نقطة في أوله، فلزم من هذا أن النقطة أول كل سورة من كتاب الله تعالى.
ولما كانت النقطة كما ذكرنا وكأنت النبة بينها وبين الباء تامة كاملة لما سياتي بيانه ، كان الباء في أول كل سورة للزوم البسملة في جميع السور حتى سورة براءة فإن الباء أول حرف فيها، فلزم من هذا أن كل القرآن في كل سورة من كتاب الله تعالى، لما سبق من الحديث أن كل القرآن في الفاتحة وهي في البسملة وهي في الباء وهي في النقطة، فكذلك الحق سبحائه وتعالى مع كل أحد بكماله لا يتجزأ ولا يتبعض ، فالنقطة إشارة إلي ذات الله تعالى الفائب خلف سرادق كنزيته في ظهوره لخلقه، ألا تراك ترى

النقطة ولا تحسن تقرأها البتة لصموتها وتنزهها عن التعبيد بمخرج دون مخرج، اذ هي نفس الحروف الخارجة من جميع المخارج، فتنبه لما تقابله من هويه غيب الأحدية.
وتقرأ النقطة باعتبار الاشتراك تقول في التاء المثناة إذا زادت عليه نقطة ثاء مثلثة فما قرأت إلا النقطة، لان التاء والثاء المثناة والمثلثة، لا تقرأ إذ صورتها واحدة ولا يقرأ إلا نقطتها فلو كانت تقرأ في نفسها لكانت هيئة كل واحدة غير هيئة الأخرى.
وبالنقطة تميزت فما قرئ في الأحرف الا النقطة، وكذلك ما عرف في الخلق إلا الله فكلما عرفته من الخلق إنما عرفته من الله. بيد آذ النقطة في بعض الأحرف اشد ظهورا منها في بعضها، فتظهر في بعض زائدة عليها يكون تكميل ذلك المحرف بها كالحروف المعجمة فإن تكميلها بها، وتظهر في بعض عينها كالألف والحروف المهملة؟
لأنه مركب من النقطة ٠ ولهذا كأن الألف أشرف من الباء لظهور النقطة في عينه ، وما ظهرت النقطة في الباء إلا على حسب تكميله على وجه الاتحاد؟
لأن نقطة الحرف من تمام الحرف فهو متحد بالحرف م الاتحاد يشعر بالغيرية ٠
وهو ذاك الفصل الذي تراه بين الحرف وبين النقطة، والألف مقامه مقام الواحد بنفسه، لذلك كان الألف ظاهرا بنفسه في كل حرف.
كما تقول إن الباء ألف مبسوطة، والجيم ألف معوجة الطرفين ٠ والدال ألف منحني الوسط، والألف في مقام النقطة ٠ لتركيب كل حرف منها ، وكل حرف مركب من النقطة، فالنقطة لكل حرف كالجوهر البسيط والحرف كالجسم المركب، فمقام الألف بجسمه مقام النقطة تركيب الأحرف منها كما ذكرناه في أن الباء ألف مبسوطة، وكذلك الحقيقة المحمدية خلق العالم باسره منها، كما ورد في حديث جابر:"أن الله تعالى خلق روح النبي صلي الله علية وسلم من ذاته وخلق العالم باسره من روح محمد صلي الله علية وسلم ".
فمحمد صلي الله علية وسلم هو الظاهر في الخلق باسمه بالمظاهر الإلهية ، ألا ترى أنه صلي الله علية وسلم آسري بجسمه إلى فوق العرش وهو مستوى الرحمن.
فالألف وان كانت بقية الحروف المهملة مثله و النقطة ظاهرة فيها بذاتها لظهورها في الالف، فله عليها الزيادة، لأنه ما بعد عن النقطة إلا بدرجة واحدة، لأن النقطتين إذا تركبتا صارتا ألفا.
فحدث الألف بعد وجه واحد وهو الطول، إذ الأبعاد ثلاثة، وهو طول وعرض وعمق أم سمك، و بقية الأحرف تجتمع فيها أكثر من بعد كالجيم، فإذ في رأسه الطول وفي تعريقته السمك، وكالكاف فإن في رأسه الطول وفي الوسط بين رأسه وتعريقته الأولى العرض، وفي الحائل بين التعريقتين سمك، فهذا فيه ثلاثة أبعاد، ولا بد في كل حرف غير الأف آن يكون فيه بعدان أو ثلاثة .
فالألف أقرب إلى النقطة: لأن النقطة لا بعد لها فنسبه الألف بين الأحرف المهملة نسبه محمد صلي الله علية وسلم  بين الانبياء والورثة الكمل، فلهذا قدم الألف على سائر الحروف فافهم وتأمل.
فمن الحروف ما تكون نقطته فوقه و يكون هو تحتها وهو مقام ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله.
ومن الحروف ما تكون النقطة تحته ويكون هو فوقها وهو مقام ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله بعده.
ومن الحروف ما تكون النقطة فى وسطه كالنقطة البيضاء في قلب الميم والواو وأمثالها، فانه محل ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله فيه، ولهذا تجوف لأنه ظهر في جوفه شيء غيره ، فدائرة رأس الميم محل ما رأيت شيئا، ونقطته البيضاء محل إلا ورأيت الله فيه.
والألف:"إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله تعالي" 9 الفتح ،قيل في معني "إنما" بمنزلة "ما وإلا" وتقيره أن الذين يبايعونك ما يبايعون الا الله.
ومن المعلوم أن محمدا صلي الله علية وسلم هو الذى بويع .فشهد الله لنفسه إنما بويع إلا الله فكأنه يقول: ما أنت عندما بويعت محمدا إنما أنت الله بالغيب، لأنهم مبايعون الله على الحقيقة وهذا معنى الخلافة.
ألا ترى إلى رسول الله صلي الله علية وسلم أو رسول الملك كيف يصح له أن يقول لمن خالفه ما خالفتني إنما خالفت الملك ، وكذلك الملك يقول لمن ارسل إليهم من رسول لا تظنوه فلانا إنما هو تحرضا على طاعه.

الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الاخير  

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: