السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة التاسعة الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة التاسعة الجزء الأول .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة التاسعة : الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
(ألا تراه إذا زال)، بالانتقال إلى عالم الآخرة (و ) ختمه (من خزانة الدنيا) قامت الساعة وخربت الدنيا (ولم يبق فيها)، أي في الدنيا (ما اختزنه) (الحق تعالی فيها)، من الحكم الإلهية والأسرار الربانية الظاهرة في صور السموات والأرض وما بينهما.
(وخرج ما كان) موجودة (فيها) من المواليد الأربعة:
الجماد والنبات والحيوان والإنسان.
وكذلك الملك والجني إلى عالم الآخرة فحشرت إلى ربها كما قال تعالى: "وإذا الوحوش حشرت" 5 سورة التكوير.
وفي الحديث يشهد للمؤذن مد صوته من رطب ويابس وقال تعالى:"ويوم يقوم الأشهاد" 51 سورة غافر .
فالحشر عام في كل شيء (والتحق بعضه)، أي بعض ما كان فيها من ذلك (ببعضه)، فالتحق الجماد والنبات والحيوان بالتراب حتى يقول الكافر يومئذ : "يا ليتني كنت ترابا"40 سورة النبأ.
والتحق الإنسان والجني حيث غلب فيهما الجزء الناري بالنار.
وحيث غلب فيهما الجزء النوري بالنور وهو الملك.
ثم التحق النور بالإنسان الكامل وظهرت حقيقة ختمه للعالم النوراني.
(وانتقل الأمر إلى الآخرة وكان ختمة على خزانة الآخرة)، فبنوره على خزانة العالم النوري وبناره على خزانة العالم الناري والنار نور متراکم وهو شوق الإنسان الكامل إلى ربه في وقت زیادة قربه.
والشوق شيئان لذة وألم فاللذة في الجنة والألم في النار (ختمة أبدية) لا نهاية له وقد ظهر سر هذا الختم على خزانة الآخرة في الدنيا .
كما قال تعالى : "كان الناس " 213 سورة البقرة . أي المكلفون وغيرهم "أمة واحدة " 213 سورة البقرة .
لا يوصفون بإيمان ولا كفر ولا طاعة ولا معصية لأن ذلك معروف شرعا الا عقلا.
فبعث الله النبيين يفرقون ویمیزون بنفس تبليغهم عن ربهم. فمن صدقهم آمن ومن كذبهم كفر.
والمصدق لهم إن تبعهم أطاع وإن خالفهم عصی، وليس لهم من الأمر شيء.
وإنما كانوا مبشرين من صدقهم واتبعهم بالدرجات النورية، ومنذرين من كذبهم وخالفهم بالدركات النارية.
وعلى قدمهم جميع الورثة لهم إلى يوم القيامة، فقد ظهر في الدنيا کيفية ختمهم على جميع الخزائن في الآخرة.
ثم لما علمت وتقرر عندك أن الإنسان الكامل مخصوص بظهور الروح الأمري فيه دون غيره من العالم.
فاعلم أن هذا الروح الأمري هو ظهور الصورة الإلهية التي هي ليست بكيفية ولا هيئة ، وإنما هي مجموع صفات قدسية وأسماء غيبية تنزيهية .
ولهذا قال : (فظهر جميع ما في الصورة الإلهية) المنزهة عما نفهم أو نعقل من جميع التصورات (من الأسماء) الغيبية بيان لما في الصورة الإلهية.
(في هذه النشآت الإنسانية) الكاملة (فحازت) هذه النشآت المذكورة (رتبة الإحاطة والجمع لهذا الوجود)، کله أعلاه وأسفله .
فجمع بروحه الأمري المنفوخ فيه حضرة التجلي الذاتي الإلهي، وأحاط بجميع التجليات الصفاتية والاسمائية من حيث إمداده الأبدي.
وجمع بنفسه وجسمه بين جميع النفوس الفلكية والحيوانية وأحاط بجميع ذلك علما فهو المضاهي بباطنه للحضرة الإلهية.
وبظاهره للحضرة الكونية فيستمد من الله تعالى ويمد الكون.
فهو البرزخ بين الحق والخلق (وبه)، أي بهذا الإنسان الكامل (قامت الحجة الله تعالى على الملائكة).
لما قال لهم: "إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك و نستغفر لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون" 30 سورة البقرة .
ثم إنه تعالى أظهر لهم ما لا يعلمون.
فخلق آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحه الأمري وعلمه الأسماء كلها وأقام عليهم الحجة بذلك.
فاعترفوا بعد ذلك بالحق و و"قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " 32 سورة البقرة.
وكان ينبغي لهم أن يقولوا ذلك من أول الأمر قبل طعنهم ومدح أنفسهم لمن يعلم ما لا يعلمون.
ولكن إنما ظهر منهم ما هم فيه من القصور عن المرتبة الآدمية الكاملة.
كما سبق أنهم بمنزلة قوى جسد العالم وكل قوة منها محجوبة بنفسها ألا ترى أفضل من ذاتها إلى آخره .
ولولا عصمة الله تعالى وحفظه للملائكة لجحدوا وعاندوا كما جحد إبليس.
وعاند وجحدت أولاده وعاندت إلى يوم القيامة.
(فتحفظ) يا أيها السالك في طريق الله تعالى واحترز من الوقوع في مثل ذلك من الطعن في غيرك ولو بقلبك .
حيث أمرك الله تعالى بالسجود التعظيمي الاحترامي الأحد من الكاملين وإن كنت في التقوى والديانة مثل الملائكة المعصومین.
فلا تغتر بذلك واحترز من مدح نفسك بالنظر إلى أكمل منك.
وإن وقعت في شيء من ذلك فتدارك نفسك بالتوبة منه والسجود في الحال لما أنت مأمور بالسجود له من أهل عصرك سجود الإنصاف والاعتراف بالحق.
ولا تجحد وتعاند كما جحد إبليس وعاند فيطردك الله عن حضرته ويلعنك كما لعن غيرك قبلك .
واعلم أن الملائكة ما طعنت في آدم عليه السلام كما طعن فيه إبليس ولا مدحت نفسها كما مدح إبليس نفسه.
وإلا لما وفقت الملائكة للسجود لآدم وانجبر بذلك نقصانهم عند الله تعالى.
وبيان ذلك أن الملائكة طعنت في آدم عليه السلام قبل أن يخلقه الله تعالى ويظهره في هذا العالم وقبل أن يعلمه الأسماء ويفضله عليهم.
فطعنهم في الحقيقة ليس في شخص معين موجود في الخارج، وإنما كان طعنهم في شخص مفروض وجوده على حسب ما استعدوا له من إدراكه.
ثم لما خلقه الله تعالى و أنبأهم بالأسماء أذعنوا للحق و انقادوا له فجبر السجود ما وقعوا فيه من الذلة ولم يصروا وبادروا بالمطلوب .
وأما إبليس فقد طعن في آدم عليه السلام بعد أن خلقه الله تعالى وأظهر فضيلته بین الملأ الأعلى بالإنباء بالأسماء ومدح نفسه.
فقال : "أنا خير منه"  فقد وصلته فضيلة عن الله تعالى وكذب فلم ينلها .
كما قال عليه السلام: "من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدق بها لم ينلها" أخرجه السيوطي في الجامع الصغير ، فاحذر أن يكون طعنك كطعن إبليس فإنك تشقى شقاء الأبد.
وإذا كان طعنك كطعن الملائكة نقصت درجتك عن درجة من طعنت فيه.
فقط إن انقادت له ظاهرا وباطنا استمطرت سماء إلهاماته ، فتأمل قبل الموت على الباطل.
فقد وعظك الله تعالى (بغيرك)، في واقعة آدم والملائكة وإبليس التي قصها الله عليك في القرآن العظيم فاعتبر بها.
(وانظر من أين أتى) بالبناء للمفعول (على من أتى)، بالبناء للمفعول أيضا (عليه)، وهم الملائكة وإبليس فإنهم تداركوا أمرهم فنجوا، وفرط إبليس فهلك.
وكان سبب ذلك القياس العقلي:
فقاست الملائكة آدم عليه السلام على من كان قبله في الأرض فأخطأوا.
وقاس إبليس أيضا آدم عليه السلام على مقتضى ما يظهر من الطين الكثيف بفكره ونظره فأخطأ .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
(ألا تراه) وهو إتيانه الدليل للمحجوبين يكون العالم محفوظا بالإنسان الكامل وخرابة بدونه (إذا زال وفك) هذا الختم (من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها) بأسرها دفعة واحدة إلى الشهادة الدنيوية (والتحق بعضه) أي جزء ما خرج من الخزينة أو جزء العالم
(ببعض) أي بجزء منه أي لا يمازجان فمارت السماء وسارت الجبال وخربت الدنيا لعدم الامتزاج الاعتدالي بين أجزائها .
(وانتقل)، الأمر الإلهي والموجود بالوجود الدنيوي بسلب هذا الوجود عنه (إلى الآخرة) بنقل الخليفة إليها فيكون كل ما كان موجودا بالوجود الدنيوي موجودا بالوجود الأخروي.
(فكان ختما على خزانة الآخرة ختمة أبدية فظهر) إليه تعالی (جميع) ما حصل في (الصبور الإلهية) بحيث يكون كل فرد من أفراد العالم مظهر الاسم من أسماء الله تعالى وهي العالم بأسره (من الأسماء) وهي سره كما قال.
ويظهر إليه سر بيان لما (في هذه النشأة الإنسانية فجازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود) الجامع بين حقائق العالم وبين الأسماء الإلهية .
فشاهد عينه من حيث أسماء الحسني في هذه النشأة على ما اقتضاه ذاته وهو رؤية ذاته من حيث أسمائه في كون جامع .
فهذه هي الكلمة الآدمية والكون الجامع الذي اقتضى ذاته أن يرى عينه من حيث أسمائه الحسنى على ما ذكره.
(وبه) أي وبهذا الوجود الجامع وهو وجود آدم دون غيره (قامت الحجة على الملائكة) لاقتضاء ذواتهم إقامتها عليهم الاحتجابهم بأنفسهم فبعد إقامة الحجة عليهم زال حجابهم فعرفوا مرتبتهم .
و علموا أن لله تعالى أسماء ما وصل علمها إليهم فاعترفوا بقصورهم وعجزهم بأن "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" 32 سورة البقرة .
(فتحفظ) واعمل فإنه كفاك واعظا (فقد وعظك الله تعالى بغيرك) وهو الملائكة (وانظر) بنظر العبرة إلى قصة الملائكة مع آدم الذي سنذكره وازجر نفسك عن مذمة الغير والدعاوى التي ما أنت متحقق بها وسوء الأدب مع الله حتى لا تكون عبرة لغيرك كما يكون غيرك عبرة لك .
هذا معنى قوله : (من أين أتي على من اني) وأتي وجاء تستعملان بمعنی الفعل يعني من أين فعل على من يقع (عليه) الفعل على وجه التوبيخ والملائكة فإنه قد هلك من هلك وبوخ من يوبخ بأمثال هذه الصفات التي تصدر من عدم العلم بأنفسهم ومرتبة غيرهم.
ولما كانت هذه القصة أعظم القصص موعظة وهدى للناس وأهم للطالبين أوصى أولا بالحفظ والنظر .
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قوله رضي الله عنه : "ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا."
قلت: معناه إذا انقرض نسل آدم فإنما يكون بانحراف مزاج هذا العالم وذلك هو موت الإنسان الكبير وفيه جسم الإنسان الصغير فيموت بموته وذلك هو القيامة الكبرى
قوله: "فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية، فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود وبه قامت الحجة الله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتى على من أتى عليه" .
قلت: يعني بالصورة الإلهية، الأسماء التي جمعت لأدم من قوله تعالى: "علم آدم الأسماء كلها" (البقرة: 31).
قوله: وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة، قلت: يعني قوله تعالى: " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم" إلى آخر الآية (البقرة: 33).
قوله: وتحفظ فقد وعظك الله تعالى بغيرك، قلت: يعني وعظك الله بحال الملائكة حيث اعترضوا على ربهم تعالى في قوله: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"في الآية (البقرة:30).

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه : (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ألا تراه إذا زال وفكّ الختم عن خزانة الدنيا ، لم يبق فيها ما أخزنه الحق ، وخرج ما كان فيها ، والتحق بعضه ببعضه ، وانتقل الأمر إلى الآخرة ، وكان  ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا ) .
قال العبد : اعلم : أنّ دار الوجود واحدة ، وانقسامها إلى الدنيا والآخرة بالنسبة إليك لأنّهما صفتان للنشأة الإنسانية ، فأدنى نشأته الوجودية العينية النشأة العنصرية ، فهي الدنيا لدناءتها بالنسبة إلى نشأتها النورية الإلهية ، أو لدنوّها من فهم الإنسان الحيوان .
ولمّا كانت النشأة الإنسانية الكليّة في الدنيا نشأتين : نشأة فرقانية تفصيلية ، ونشأة أحدية جمعية قرآنية ، وهذه النشأة الدنياوية كثيفة ، وصورتها مقيّدة سخيفة من مادّة جامعة بين الظلمة والنور ، مشوبة فيها بأكدار الغصص والمحن نوريّة السرور .
وهي أيضا من قبيل النفس الناطقة ، والنفس الناطقة من بعض قواها القوّة العملية ، وهي ذاتية لها ، وبها يعمل الله لأجلها في كلّ نشأة وموطن صورة هيكلية ينزّل معانيها فيها ، ويظهر قواها وخصائصها وحقائقها بها ، ويحفظها ، ويقيها .
وكانت هذه النشأة الجامعة بين النور والظلمة لا تقتضي الدوام على هذه النظام والقوام ، ولا بدّ لها من الانخزام والانصرام ، لأنّ قوى مزاجه العنصرية غير وافية ، ولا لجميع ما في النفس من الحقائق والدقائق بكافية .
وهذه الحقيقة على العقول المنوّرة الصافية غير خافية فإنّ في النفس من الحقائق ما لا يظهر بهذه النشأة العنصرية الثقيلة ، مثل كون صورته روحانية نورانية لطيفة ملائمة للروح ، وخصائصه بحسب الروح لا بحسب المزاج ، بخلاف هذه النشأة العنصرية السفلية الثقيلة فإنّ الروح والنفس فيها بحسبها ، وكذلك خواصّهما وحقائقهما .
فلمّا لم تف هذه النشأة بذلك لكونها من مادّة متنافرة متضادّة وهيولى متباينة متحادّة ، وقد حصل لها بحمد الله في مدّة عمرها التي كانت تعمر فيها أرض جسدها من الأخلاق الفاضلة ، والملكات الكاملة والعلوم والأعمال الصالحة الحاصلة كمال فعلي لما صار لها جميع ما كان بالقوّة بالفعل .
فينشئ الله تعالى من ذلك بالقوّة العملية الذاتية للنفس ما إذا فكّ عن خزانة الدنيا ، وقبض الله إليه أنوار أسمائه التي هي حقائق خزائن النعم والآلاء الإلهية ، وأسرار خزائن خزائنه المذكورة قبضا يسيرا ، فتقلَّصت أنوار التجلَّيات إلى الحضرات .
والأرواح الجزئية المدبّرة إلى كلَّيات أرواح السماوات ، والتحق كلّ فرع في هذه النشأة إلى أصله الذي منه انبعث ، ولم يبق فيها مخزونات نعم الأسرار والأنوار ، وأرزاق الأحكام والآثار لاختلال القابل ، وزوال المظهر الزائل كما ذكرنا صورة أخراوية روحانية ملائمة للنفس الناطقة في جميع أفاعيلها وخصائصها بحسبها من مادّة روحانية حاصلة للنفس من تلك الأخلاق والأعمال والقوى والملكات الصالحة .
فتظهر بحقائقها وخصائصها وآثارها في تلك الصورة ظهورا يقتضي الدوام إلى الأبد غير مقيّدة بأجل معيّن وأمد معين واحد لأنّ مادّتها روحانية وحدانية نورية ، بخلاف هذه النشأة العنصرية الثقيلة المظلمة الحاصلة للنفس من عناصر مختلفة متباينة متضادّة تقتضي لحقائقها الانفكاك لولا جمع أحدية الجمع  النفسي النفسي لها بحياته الروحية النورية الباقية .
فاقتضت تلك النشأة الروحانية البقاء والدوام لرسوخ حقائقها وأصولها الروحانية في جوهر الروح أعني الأخلاق والنعوت والصفات والعلوم ودوام التجلَّي النفسي الإلهي فيها فإذا انتقل الأمر إلى الآخرة ، وظهرت النفوس والأرواح الإنسانية في صورها الروحانية البرزخية والمثالية والحشرية ، وغلبت الروحية على الصورية ، والنورية على الظلمة ، واختزن الحق الأسرار والأنوار والحقائق في تلك الصور الأخراوية ، " وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ ".
كان الإنسان بأحدية جمعه ختما على تلك النشأة الأخراوية إلى الأبد ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية ) .
يعني رضي الله عنه على الوجه الأفضل الأكمل ، فإنّ ظهور الحقائق الأسمائية في الصور الكليّة الأحدية الجمعية الكمالية ظهور جمعي أحدي كمالي ، بخلاف ظهورها في الصور التفصيلية الفرقانية فإنّ ظهورها فيها متفرّق تفصيليّ .
بمعنى أنّ ظهور الحقائق الأسمائية الإلهية في كل كامل كامل جمعي أحدي كلي بحسب المظهر الأجمع الأكمل ، وظهورها في كل جزء من العالم جزئي بحسبه كذلك.
وقد لا يظهر في أكثر أجزاء العالم أكثر الأسماء فضلا عن أن تظهر تماما بكمالها ، وذلك في أسماء مخصوصة بالإنسان ، وظهورها في الإنسان تماما على الوجه الأكمل .
قال رضي الله عنه : ( فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود ، وبه قامت الحجّة لله تعالى على الملائكة ) .
يعني رضي الله عنه : في قوله تعالى : " أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " .
قال رضي الله عنه : ( فتحفّظ بما وعظك الله بغيرك ، وانظر من أين أتي على من أتي عليه ) .
يريد إتيان المعاتبة وتوجّه المطالبة من قبل الحقّ على الملائكة في اعتراضهم على الحق وجرحهم لآدم وتزكيتهم أنفسهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
( ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما ابديا سرمديا ) أي زال لأن النشأة العنصرية الدنيوية لا تحتمل دوام الحفظ .
فلم يبق فيها ما اختزنه من العلوم والمعارف الكلية والجزئية والأخلاق الإلهية .
وفارقتها نشأته الروحانية أي فطرته الأولى بخراب دنياه أي نشأته الصورية والتحق الجزء الروحاني بالروحانيات في الحضرات أي البرازخ العلوية وما فوقها والجسماني كل جزء بكله من الجسمانيات .
وانتقل العمارة إلى الآخرة أي العوالم الروحانية أو النشأة الثانية في القيامة .
قوله ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية ، فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة فتحفظ ، فقد وعظك الله بغيرك وانظر من أين أتى على من أتى عليه ) أي حج من حج وبكت من بكت ظاهر وأصل أتى عليه أي أهلكه ، ويستعمل في كل مكروه .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قوله: (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم تبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها، والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة، فكانختما على خزانة الآخرة ختما أبديا) تعليل واستشهاد لقوله: (فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل).
(ألا تراه) أي، ألا ترى الإنسان الكامل. (إذا زال وفك) أي، فارق وانتقل من الدنيا إلى الآخرة ولم يبق في الأفراد الإنساني من يكون متصفا بكماله ليقوم مقامه، ينتقل معه الخزائن الإلهية إلى الآخرة، إذ الكمالات كلها ما كانت قائمة مجموعة ومنحصرة محفوظة إلا به، فلما انتقل، انتقلت معه ولم يبق في خزانة الدنيا ما اختزنه الحق فيها من الكمالات.
فان قلت: الكامل ختم حافظ للخزائن، ولا يلزم من انتقال الختم الحافظ انتقال الخزائن، فكيف قال: (ولم يبق فيها ما اختزنه الحق)؟
قلت: الكامل ختم للخزائن وحافظ لوجودها، إذ الأسرار الإلهية مفصلة في العالم ومجموعة في الكامل، كما قال الشاعر:
كل الجمال غدا لوجهك مجملا  ... لكنه في العالمين مفصلا
ولا يتجلى الحق على العالم الدنيوي إلا بواسطته، كما مر، فعند انتقاله ينقطع عنه الإمداد الموجب لبقاء وجوده وكمالاته، فينتقل الدنيا عند انتقاله ويخرج ما كان فيها من المعاني والكمالات إلى الآخرة.
قال، رضى الله عنه، في التسمية الإلهي بالاسم الرباني: (ألا ترى الدنيا باقية ما دام هذا الشخص الإنسان فيها) والكائنات يتكون والمسخرات تتسخر، فإذا انتقل إلى الدار الآخرة، مارت
هذه السماء مورا وسارت الجبال سيرا ودكت الأرض دكا، وانتشرت الكواكب وكورت الشمس وذهبت الدنيا وقامت العمارة في الدار الآخرة بنقل الخليفة إليها.
قوله(والتحق بعضه ببعض) أي، التحق بعض ما اختزنه الحق في الدنيا ببعض ما اختزنه في الآخرة.
وذلك لأن كل ما هو موجود في الظاهر من الحقائق والمعاني موجودة في عالم الباطن الذي بظهوره يحصل الآخرة على صورة يقتضيهاعالمها، وهو أصل بالنسبة إلى ما في الظاهر.
فإذا انتقل هذا البعض منها، التحق ببعضه الذي هو أصله في الآخرة، وانتقل الأمر الإلهي إليها.
(فكان ختما) أي، هذا الكامل كان ختما حافظا على خزانة الآخرة ختما أبديا.
وهذا معنى ما يقال: إن القرآن يرفع إلى السماء، لأنه خلق الكامل، كما قالت عائشة: (وكان خلقه القرآن).
بل هو القرآن والكتاب المبين الإلهي. كما قال، رضى الله عنه:
أنا القرآن والسبع المثاني  ..... وروح الروح لا روح الأواني
فؤادي عند مشهودى مقيم  ..... يشاهده وعندكم لساني
قال أمير المؤمنين على، كرم الله وجهه:
وأنت الكتاب المبين الذي  .... بأحرفه يظهر المضمر
وجاء في الخبر أيضا: "أن الحق تعالى ينزع العلم بانتزاع العلماء حتى لم يبقعلى وجه الأرض من يعلم مسألة علمية ومن يقول: الله الله، ثم عليهم تقوم القيامة" وكون الكامل ختما على خزانة الآخرة، دليل على أن التجليات الإلهية لأهل الآخرة.
إنما هي بواسطة الكامل كما في الدنيا، والمعاني المفصلة لأهلها متفرعة عن مرتبته ومقام جمعه أبدا، كما تفرع منها أزلا، فما للكامل من الكمالات في الآخرة لا يقال بما له من الكمالات في الدنيا، إذ لا قياس لنعم الآخرة بنعم الدنيا.
وقد جاء في الخبر الصحيح: "إن الرحمة مأة جزء. جزء منهالأهل الدنيا، وتسعة وتسعون لأهل الآخرة"  ومن يتحقق بهذا المقام ويمعن النظر فيه، يظهر له عظمة الإنسان الكامل وقدره.
قوله: (فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية، فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة) أي، لما استخلف الإنسان وجعله ختما على خزائن الدنيا والآخرة، ظهر جميع مافي الصورة الإلهية من الأسماء في النشأة الإنسانية الجامعة بين النشأة العنصرية والروحانية، أي صارت جميع هذه الكمالات فيها بالفعل.
وقد صرح شيخنا، رضى الله عنه، في كتاب المفتاح: "إن من علامات الكامل أن يقدر على الإحياء والإماتة وأمثالهما" . وإطلاق (الصورة) على الله مجاز، إذ لا يستعمل في الحقيقة إلا في المحسوسات وفي المعقولات مجازا.
هذا باعتبار أهل الظاهر. وأما عند المحقق فحقيقة، لأن العالم بأسره صورة الحضرة الإلهية تفصيلا، والإنسان الكامل صورته جمعا.
قال النبي، صلى الله عليه وآله: "إن الله خلق آدم على صورته".
فالنشأة الإنسانية حازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، أي بالوجود العيني، وذلك لأنه حاز بجسمه رتبة الأجسام وبروحه رتبة الأرواح، وبه، أي بهذا الجمع، قامت الحجة على الملائكة لإحاطتهبما لم يحيطوا به.
قوله: (فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، وانظر من أين أتى على من أتىعليه) تنبيه للسالك بالتأدب بين يدي الله تعالى وخلفائه والمشايخ والعلماء والمؤمنين، لئلا يظهر بالأنانية وإظهار العلم والكمال عندهم، لأنه يسلك للفناء.
وذلك لا يحصل إلا برؤية ما لغيره من الكمال وعدم رؤية ما لنفسه لابالعكس. وفيه أقول:
تعلم من العينين إن كنت عاقلا    .... شهود جمال الغير عند التواصل
ولا تك كالطاووس يعشق نفسه   .... ويبقى ملوما عند كل الكوامل
أي، وعظك الله بزجره للملائكة بقوله: (إني أعلم مالا تعلمون).
و
(أتى) مبنى للمفعول. يقال: أتاه وأتى به وأتى عليه. وإنما جاء هنا ب (على) لأنه في معرض التوبيخ والزجر، كأنه قال: وانظر من أين هلك من هلك.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
ثم استدل على أن حفظ العالم بسببه بقوله: (ألا تراه) أي: الإنسان الكامل (إذا زال) عن عالم الدنيا (وفك) ختمه (من خزانة الدنيا، لم يبق فيها ما اختزنه الحق تعالی فيها)؛ التجاسر الأسماء القهرية ومظاهرها على فتحها (وإخراج ما فيها) إلى العدم، أو إلى البرزخ، أو الأخرة .
(والتحق بعضه ببعضه) في الخروج فانشقت السماء، وطمست الكواكب، وسجرت البحار، وبست الجبال، ودكت الأرض، وصعقت، الحيوانات، (وانتقل الأمر) أي: أمر التجلي الإلهي على سبيل الجمعية والتفرقة جميعا (إلى الآخرة)؛ بسبب انتقال الإنسان الكامل إليها، فكان الإنسان هو (ختما على خزانة الآخرة) ليحفظها (ختما أبدا) لعدم انتقاله إلى عالم وراءها.
ولما كان الإنسان محل نقش الجمعية الإلهية (فظهر جميع ما في الصورة الإلهية) من ظهوره (بأسمائه) في العالم على سبيل التفرقة اجتمعت (في هذه النشأة الإنسانية فحازت) هذه النشأة (رتبة الإحاطة) بأسرار الكائنات، (والجمع) لما تفرق من الأسماء الإلهية في العالم (بهذا الوجود) الذي هو صورة وجود الحق والخلق جميعا.
(وبه) أي: بكونه محيطا جامعا (قامت الحجة) أي: حجة (الحق على الملائكة) ، القائلين على نهج الاعتراض: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" البقرة :30.
"وعلم آدم الأسماء لها ثم عرضهم على الملائكة" البقرة: 31.
فألزمهم الحجة بجمعيته للأسماء الإلهية، والكونية بالوقوف على أسرارها وخواصها بعد تحققه بها.
ثم قال لهم بعد إلزام الحجة:" إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" [البقرة : 33].
وإذا كانت حجة الحق قائمة على كل من نازعه، وإن بلغ كالملائكة (فتحفظ) عن منازعته (فقد وعظك الله بغيرك) بإقامة الحجة على غيرك، وتوبيخه إياه.
وكذا تحفظ عن مخالفته، فقد وعظك الله بما فعل بغيرك، وهو إبليس وأتباعه، (وانظر من أين أتي) بالهلاك الكلي (على من أتي عليه)، وهو إبليس حيث خالف أمرا من أوامرهفأحبط عليه عمل ثمانين ألف سنة لحق به بالملائكة فأخرج عن الملائكة إلى حيث صار مقدم الأشقياء وقدوتهم.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟
فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )

قال رضي الله عنه : ( ألا تراه إذا زال وفكّ الختم من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحقّ فيها ) من المعاني الوضعيّة والأحكام الشرعيّة الأصليّة منها والفرعيّة ( وخرج ) - أي طلع وظهر ( ما كان فيها ) مقصودا من اللطائف المكمونة فيها والنفائس المخزونة تحتها ( والتحق بعضه ببعضه) الذي استخرجه المأذونون .
فإنّهم منذ ما وصل أفنان شجرة الوقت إلى بلوغ أوان ثمرتها على طبق ما وعد به العبارات المعربة للخاتم العربي صلَّى الله عليه وسلَّم .
لذلك الوقت قد أخذوا في إظهار شيء من لطائف تلك الخزانة وفتح أقفال مرموزاتها التي على أبواب دلالاتها المغلقة على حصون قلاع العقائد التقليديّة والرسوم العاديّة بحسب احتمال مزاج الزمان وقوّة هضمه لذلك الغذاء القوي ، متدرّجا من الأضعف إلى الأقوى .
والتحق اللاحق منه بالسابق ، إلى أن بلغ ميعاد فتح قسطنطنيّة العظمى ، فإنّه حينئذ ظهر تمام المراد ، وكمل أمر الإظهار وكفي الخلائق عن الموت والفساد والتكرار والترداد .
( وانتقل الأمر إلى الآخرة ، فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديّا ) .
وذلك لما عرفت أنّ من تلك اللطائف والنفائس ما كانت صورته في صدد الزوال والانتقال ، ومنها ما كانت معنويّة غير قابلة له ، والإنسان بطرفيه وما له من الكمالين هو الختم على الخزانتين ، وفيه إشارة إلى الختمين فلا تغفل .
ثمّ إنّه بعد تحقيق معنى آدم واستخراج ما في أساميه من الحقائق والأحكام المتطابقة بين الاسم والمسمّى ، أراد أن ينساق كلامه هذا إلى ما يتبيّن به ما هو بصدد تحقيقه ممّا ادعاه في صدر الكلام ، من « أنّ الملائكة من بعض جزئيّات قوى هذه الصورة الآدميّة ، وأنّها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل منها » لئلا تعتري لطائف تحقيقاته عن ملابس الانتظام قائلا : ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهيّة من الأسماء ) وهو عطف على قوله :
" فتمّ"  أي إذا تقرّر أنّه بوجوده تمّ دائرة خاتم العالم ، وبنقوش حقيقته انختم خزائن صور المعاني دنيا وآخرة ، يكون جميع الأسماء ظاهرة بالضرورة (في هذه النشأة الإنسانيّة فحازت) الصورة الإلهيّة ( رتبة الإحاطة ) بالحدوث والقدم.
( والجمع ) بين التفرقة والجمع ( بهذا الوجود ) الكوني ( وبه ) أي بهذا الوجود الكوني ، وترتيب مقدّمات نشأته الواقعة على صورة الشكل الأوّل البيّن المنتج لسائر المتقابلات والنقائض.
( قامت الحجة لله تعالى على الملائكة) فيما ادّعوا من استحقاقهم الخلافة وعدم استيهال آدم لها.
ثمّ بعد تحقيقه هذا أخذ في موعظة منه للطالبين من العاكفين على ما أعطاهم أفهامهم وأحوالهم من العلوم والمعارف ، موروثة كانت من أعمالهم أو مكتسبة لأفكارهم وأنظارهم ، تنبيها على أنّه ما من رتبة في العلم باللَّه إلَّا فوقها مراتب ، وتشويقا لهم بأنّه ما من منقبة يتوقّف عندها أهل العلم ويفتخر بها ، مطمئنّا لديها ، إلَّا وفوقها مناقب .
بقوله : ( فتحفّظ ، فقد وعظك الله بغيرك ، وانظر من أين اتي على من اتي ) على صيغة المجهول ، إنما يستعمل في المكاره .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعض، وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا؟ . فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة. فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، سأنظر من أين أتي على من أتي عليه. )
قوله : "ألا تراه إذا زال و فك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اخترنه الحق تعالى فيها وخرج ما كان فيها والتحق بعضه ببعضه،وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبدا."
وكان كالختم عليها لئلا يفتحها تسلط تلك التفرقة والمباينة عليها واقتضى التجلي التقلص والانسلاخ عنها (ألا تراه)، أي الإنسان الكامل (إذا زال) بأن يرتحل خاتم الولاية المطلقة .
فلا يظهر بعده إنسان كامل (وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق سبحانه) من الحقائق المظهرية والأسماء الإلهية الظاهرة بها (وخرج ما كان فيها) من الحقائق المظهرية والأسماء الإلهية.
(والتحق بعضه)، أي التحق في النشأة الدنيا بعض ما اختزنه الذي له مرتبة الفرعية والجزئية (بعض) آخر له مرتبة الأصلية الكلية.
أي الفروع بأصولها والجزئيات بكلياتها كالتحاق المواليد بالعناصر.
أو التحق بعض الفروع ببعض آخر لرجوعهما إلى الأصل الجامع لهما.
أو التحق في النشاءة الآخرة بعض ببعض لمناسبة بينهما إما في درجات الجنان أو دركات النيران.
أو التحق بعض ما اختزنه الحق في الدنيا ببعض ما اختزنه في الآخرة بانتقاله من الصورة الدنيوية إلى الصورة الأخروية.
فكأن الصورة الدنيوية التحقت بالصورة الأخروية واندر جت فيها
(وانتقل الأمر)، أي أمر الظهور والإظهار من النشأة الدنيا العنصرية الكثيفة الزائلة (إلى) النشأة (الآخرة) النورية اللطيفة البافية واختزن الحق الأسماء ومظاهرها في خزانة الآخرة.
(وكان ذلك الإنسان الكامل (ختمة على خزانة الآخرة ختمة أبدية) كما كان ختمة على خزانة الدنيا ختمة مفكوكا عنها، ولما استخلف الحق سبحانه الإنسان الكامل ومن شرط الخليفة أن يكون على صورة المستخلف.
قوله : "فظهر جميع ما في الصورة الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة الله تعالى على الملائكة ."
فرع: رضي الله عنه قوله : ( فظهر جميع ما في الصورة الإلهية) يعني أحدية جمع الأسماء الإلهية وصورة اجتماعها (من الأسماء) بيان لما في الصورة في هذه النشأة الإنسانية الجامعة بين النشأة الروحانية والعنصرية التي هي أحدية جمع مظهريات تلك الأسماء (فحازت)، أي جمعت هذه النشأة (رتبة الإحاطة) بجميع الأسماء (والجمع)، أي ورتبة جمعية مظاهرها.
(بهذا الوجود)، أي الوجود العيني العنصري (وبه)، أي بكونه حائز رتبة الإحاطة والجمع
(قامت الحجة)، أي حجة الحق سبحانه في ادعاء استحقاقه الخلافة.
حيث قال: "إني جاعل في الأرض خليفة" (على الملائكة) القادحين في ذلك الاستحقاق.
بقوله : "أتجعل فيها من يفسڈ فيها ويسفك الدماء"آية 30 سورة البقرة .
قوله : "فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك، وانظر من أين أبي على من أتي عليه ."
(فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك) يعني الملائكة (وانظر من این اني على من أتي عليه) مبني للمفعول .
يقال : أتاه وأتى به وأتى عليه ولا يستعمل مبنيا للمفعول إلا في المكاره يريد رضي الله عنه إتيان المعاتبة وتوجه المطالبة من قبل الحق سبحانه على الملائكة في اعتراضهم على الحق وجرحهم لأدم وتزكيتهم أنفسهم .
ثم اعلم أن ههنا أمور ثلاثة :
أحدها: نشأة هذا الخليفة.
وثانيها: حضرة الحق الذي أراد أن يجعله خليفة .
وثالثها: نشأة الملائكة الذين شاورهم في هذا الجعل.
والوقوف مع كل واحد من هذه الأمور والعمل بما يقتضيه منع من الاعتراض على جعله خليفة .
فأراد الشيخ رضي الله عنه أن ينبه على أن منشأ اعتراض الملائكة المفضي إلى هذه المعاتبة والمطالبة هو عدم وقوفهم من هذه الأمور والعمل بمقتضاه.
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: