السبت، 29 يونيو 2019

الفقرة السابعة الجزء الثالث .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة الجزء الثالث .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة السابعة الجزء الثالث .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة السابعة : الجزء الثالث
كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها.
وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم. )
قال المصنف رضي الله عنه : ([ وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه . 
فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته و حصره الحقائق كلها و هو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر و هو المعبر عنه بالبصر . (فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم . )

قال الشارح رضي الله عنه :
( و هذا لا يعرفه عقل) لأن هذه المعرفة تحتاج إلى معرفة الطبيعة، و معرفتها على ما يؤدي إليه النظر و الفكر لا يتجاوز عمّا هو موهوم علماء الرسوم من اختصاصها بالأجسام السفلية و العلوية، و هذا ما هو معرفة الطبيعة من حيث الحقيقة بل هي نهاية نظرهم، و غاية معرفتهم معرفة خواصها و لوازمها و عوارضها الذاتية لأن اللوازم الذاتية، و عوارضها لا تعرف إلا بمعرفة الذات لأنها نسب لها، فافهم . 
فما ذلك إلا الظن ، وهو لا يغني من الحق شيئا، و أن الشي ء كان ما كان ما يدركه بما يغايره في الحقيقة، و قد بسطت لك في هذا العلم قبل هذا في الفصول . 
أما ترى أن العقول اضطربت آراؤهم في الطبيعة حتى قالوا بتأثيرها، بل الطبيعيون اعتقدوا وحدانية الطبيعة، فكل ما ظهر من الموجودات الطبيعة، قالوا: هذا من الطبيعية، فوحّدوا الأمر و حصروه في الطبيعة كما وجدنا الإله في خلقه و كذلك الدهرية، و ما لهم بذلك من علم، بل يظنون بالله الظنون . 
و هنا مسألة أخرى و هي: إن الله تعالى تسمّى لنا بالدهر، و ما تسمّى بالطبيعة لأنها ليست بغير من وجد عنها عينا، فهي عين كل موجود، و طبيعي بخلاف الدهر ما هو عين الكون، و رأينا الطبيعة عين الكون، فتسمّى بالدهر للمغايرة المفهومة منه فافهم، فإن هذا من غرائب "الفتوحات المكية" . 
( بطريق نظر فكري) لأن علوم النبوّة و الولاية الصرفة، وراء طور العقل بمعنى : 
إنه ليس للعقل فيه دخول بفكر، و نظر لكن له القبول خاصة عند تسليم العقل الذي  
لم يغلب عليه شبه خيالية فكرية، يكون من ذلك فساد نظره لأن الله تعالى ما خلق للنفس آلة للإدراك غير العقل .
( بل هذا الفن ): أي هذا الضرب من (الإدراك) و هو إدراك الجمعية المذكورة في النشأة الطبيعية العنصرية، و إدراك حقائقها لا يكون إلا عن كشف إلهي: أي لا عن كشف صوري رحماني، و لا عن تعريف رباني، لهن كشف ذاتي بارتفاع حكم النسب الجزئية و الصفات الكونية التقليدية عن العارف حال تحققه بمقام قرب النوافل و بالمرتبة التي فوقها المجاوزة لها و هي مقام قرب الفرائض، و بقرب المقامين أو أدنى تنقلب كل صفة و قوة من صفات العبد و قواه إلى أخلاق إلهية، و يبقى العبد مستورا خلف حجاب عين ربه.
فينشد لسان حقيقة لا مجازا كما قيل :تسترت عن دهري بظل جناحه    ..... فعيني ترى دهري و ليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما      ...... و أين مكاني ما درين مكاني
لأنه عين الزمان و الوقت و لا وقت و لا مكان له و لا زمان، فانكشف الأمر كله له بهذا الكشف الذاتي الإلهي، (منه ): أي من هذا الكشف تعرف (ما أصل صور العالم) . 

قال الشيخ رضي الله عنه : 
انظر إلى الكون في تفصيله عجبا     ....... و مرجع الكل في العقبى إلى
في الأصل متفق في الصور .......    و لا ترى الكون إلا الله بالله
فمن الكشف الإلهي تعرف صور العالم من الأعلى إلى الأدنى إنها تطورات الفيض الأقدس و تجليات الذات المقدّسة تجلت بصور العالم، و ظهرت بصور المظاهر و ذلك لأن الطبيعة قابل للأمر الإلهي و محل طهور الأعيان جسما و جسدا و الصور فيها تتكون، و عنها تظهر فالأمر الإلهي بلا طبيعة لا يكون و الطبيعة بلا أمر لا تكون، فالأمر في نفس الأمر متوقف على الأمرين، و ظهوره في الأمر بالأمر هو عين ظهوره في المأمور لا بأمر زائد، و لكن باختلاف الصور، و اختلافها باختلاف القوابل، فافهم . 
فإن التجلي ما زال في الأحدية و الفيض فيض الأقدس، و ما بقى إلا حكم القابل، فإن قيل: إن الله قادر على إيجاد الأشياء من غير أن ينفعل شيء آخر كالطبيعة، و غيرها قلنا: ردّ الله عليك هذا النبأ . 
و قال: " إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] .
فإذا ظهرت الطبيعة به، ظهرت الأجسام و الأجساد، و ظهرت بها الصور و الأشكال و الأعراض فالأبعاد و جميع القوى و الروحانية و الجسمانية و هو غير المعبر عنه بلسان الشرع العماء الذي هو للحق قبل الخلق ما تحته هواء، و ما فوقه هواء، فافهم . 
فمن عرف الله بهذه المعرفة عرف نعم الله التي أسبغها عليه الظاهرة و الباطنة، فتبرأ من المجادلة في الله بغير علم، و هي ما أعطاه الدليل النظري لا كتاب منير، و لا تعريف إلهي مستنير . 
قال تعالى عنهم: "ومِن النّاسِ منْ يجادِلُ في اللّهِ بغيْرِ عِلْمٍ "الحج: 3] بمجرد الفكر المخالف للكشف، و التجلي الإلهي، و لا مرتبة أنزل من هذا في الجهل، فافهم . 
وأمّا الصور التي في العالم كلها نسب و إضافات و أحوال لا موجودة و لا معدومة، و إن كانت مشهودة من وجه فليست بمشهورة من وجه آخر، و عين زمان فناء تلك الصورة عين زمان وجود الأخرى لا أنه بعد الفساد تحدث الأخرى . 
هكذا ذكر صاحب الكشف الأتم الأوفى الذي هو أولى بالتحقيق و أحرى، فماذا يرجع ما يدركه المدرك من تحول العين الواحدة في الصور في نظر الناظر؟
هل هي في نفسها على ما يدركها البصر؟
أو هي على ما هي عليه في نفسها لم تتقلب عينها؟ . 
وهذا راجع إلى ما يرى من الأعيان، ويحكم عليها أنها أعيان هل تكثرت بأعراض، أو بجواهر؟ فإن الصور تختلف في النظر دائما و كل منظور إليه بالبصر من الأجسام جسم، فالجسمية حكم عام و يرى فيها صورا مختلفة منها ما يكون سريع الزوال، و منها ما يعطي البطء في النظر و الجسم لا يتبدل، و ليس الموصوف بما ظهر إلا الجسم، و كذلك الصور الروحانية و التجلي الإلهي .
قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
إن هذا علم فيه إشكال عظيم و التخلص منه بطريق النظر الفكري عسير جدا . 
و أمّا بطريق الكشف و علم التجلي، فإن العارف يرى ما أنكره العاقل بنظره، و فكره كدخول الجمل في سمّ الخياط، فإن الكاشف يراه بنظر الحس و الشهادة القابلة لأرواحه . 
اختلفوا في مسألة روح صورة هذا العالم الذي هو الإنسان الكبير، و أرواح صور العالم العلوي و السفلي، فها أنا أبسطها لك من كلامه رضي الله عنه و على الله قصد السبيل . 
اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن روح العالم الكبير هو الغيب الذي خرج عنه، فافهم.
و يكفيك أنه المظهر الأكبر الأعلى إن عقلت، و عرفت قوله تعالى: "ألمْ تر إلى ربِّك  كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] . 
و بعد أن بان لك روح العالم الكبير، فبقى لك أن تعلم أرواح صور الأعضاء للإنسان الصغير كالقدرة و هي روح اليد و السمع روح الأذن و البصر روح العين، فاعلم أن التحقيق في ذلك عند الشيخ الأكبر رضي الله عنه أن الأرواح المدبرة للصور كانت الموجودة في حضرة الإجمال كالحروف الموجودة بالقوة في المداد، فلم يتميزه لأنفسها.
فإذا كتب القلم في اللوح طهرت صورة الحروف مفصّلة بعد ما كانت مجملة متصلة في الدواة و المداد، فقيل: هذه ألف، و هذه باء و هي أرواح البسائط و قيل في أرواح الأجسام المركبة: هذا زيد، و هذا قائم . 
و يشير إلى هذه المراتب قوله تعالى: "ن والقلمِ وما يسْطرُون" [ القلم: 1] . 
فإن النون: هي مرتبة الإجمال.
و القلم: هو الكاتب،
و ما يسطرون: مراتب الأرواح البسيطة المسطرة.
و لما سوّى الله تعالى صور العالم: أي عالم شاء كان الروح الكل كالقلم، و اليمين الكاتبة، و الأرواح كالمداد في القلم، و الصور كمنازل الحروف في اللوح، فنفخ الروح في صورة مميزة بصورها، فقيل: هذا زيد، و هذا عمر، و هذا فرس فمن الناس من منع ذلك، و لكل واحد وجه يستند إليه في ذلك .
و الطريقة الوسطى ما ذهبت إليه أمة وسطا كالشيخ الأكبر رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: " ثمّ أنشأناهُ خلْقاً آخر" [ المؤمنون: 14] فإنه قال فيه: و إذا سوّى الله الصورة الجسمية، فأي صورة شاء من الصور الروحية رّكّبها . 
قال الله تعالى: "في أي صُورٍة ما شاء رّكبك" [ الانفطار: 8] .
إن شاء في صورة إنسان أو حيوان أو نبات على ما قدّره العزيز الحكيم القوي العليم، فثمّ شخص الغالب عليه البلادة، فروحه تقرب إلى روح الحمار في أصل المزاج.
و هكذا الأمر كله فامتازت الأرواح بصورها فمن عرف كشفا أو تعريفا أن الصور المختلفة الظاهرة في الوجود هي أحكام استعدادات أعيان الممكنات، عرف كشفا و شهودا أو تعريفا أنه عين مظاهره لا غير . 
و بيان ذلك أنه لما أراد الله تعالى وجود الممكنات، و أمرها بالتكوين، و لم يوجد وجود يتصف به، إذا لم يكن ثمة إلا وجود الحق تعالى، فظهرت صورا في الوجود الحق، فتداخلت الصفات الإلهية و الكونية.
فوصف الحق بصفات الكون، و وصف الحق بصفات الحق.
فمن قال: ما رأيت إلا الله صدق، و من قال: ما رأيت إلا العالم ما كذب.
و من قال: ما رأيت العالم إلا و رأيت الله قبله، أو بعده، أو معه صدق.
و من قال: ما رأيت شيئا صدق لسرعة الاستحالة، وعدم الثبات، وعين الوجود، و هو عين الفساد لا أنه بعد الفساد يوجد العين . 
هذه المسألة رباعية من مسائل اجتماع الضدين فافهم،
فإذا عرفت جميع ما ذكرته، عرفت أن الذات الأحدية هي السارية في الكل بالكل .
قال صلى الله عليه و سلم مشيرا إلى هذا المقام : "لو دلي أحدكم دلوه لهبط على الله"  .
قال تعالى"و هُو الّذِي في السّماءِ إلهٌ وفي الْأرضِ إلهٌ "[ الزخرف: 84].
و كيف يدرك العقل المعقول هذا المطلق المجهول، بل أن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة، و لو سئل اللوح ما فيك؟ أو ما خطّ فيك القلم؟ ما علم . 
قال الصدّيق الأكبر رضي الله عنه: و العجز عن درك الإدراك إدراك . 

و قال الشيخ رضي الله عنه في بعض قصائده الإلهية و هو يناجي ربه تعالى : و لست أدرك من  شيء .....      و كيف أدركه و أنتم فيه
فسمّي هذا المذكور: أي آدم، فإنه ذكر و لم يكن شيئا مذكورا، أو الجلاء، أو الكون الجامع، و كلها ترجع إلى معنى واحد كما قيل : 
عباراتنا شتى و حسنك       ..... و كلّ إلى ذاك الجمال يشير
اعلم أنه لم يكن في الأزل شيء يقدر به ما يكون في الأبد إلا الهو، فأراد الهو أن يرى نفسه رؤية  كمالية أسمائية كانت لهو، و تزول في حقه حكم الهو، فنظر في الأعيان الثابتة فلم ير عينا يعطي النظر إليها هذه الرتبة الإنابية إلا عين الإنسان الكامل، فإنه كان إنسان العين، و عين الإنسان فقدرها و قابلها به، فوفت له الحقائق إلا حقيقة واحدة نقصت عنه و هو أن يكون وجوده لنفسه، فتطابقت الصورتان من جميع الوجوه، و قد كان قدر تلك العين على كل ما أوجده قبل وجود الإنسان من عقل و نفس و هباء و جسم و فلك، و ملك و عنصر و مولد، فلم يعط  شيء منها رتبة كمالية أسمائية إلا الوجود الإنساني، فأعطاه مرتبة العقل الأول، و علمه ما لم يعلم . 
العقل الأول من الحقيقة الحقية التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق، و بها زاد على جميع المخلوقات، فلم تظهر الصور الحقية إلا به، فالعقل مع عظمته جزء من الصورة و هكذا كل موجود إنما هو في البعضية، فافهم .
( إنسانا) من أنست الشي ء إذا أبصرته، قال سبحانه عن نبيه عليه السلام أنه:" آنس مِنْ جانبِ الطُّورِ نارًاً " [ القصص: 29]:
أي أبصر، و إنما قلنا: أنس بمعنى: أبصر لأنه كان به بصيرا، و هو المثال الذي في العين لغة، ذكره في القاموس . 
فسمّي الإنسان إنسانا لكونه مثال ما في العين الوجود، أو مثال ما في العين الثابت، أو مثال ما في العلم فافهم.
أو من الإنس لأنه أنس الرتبة الكمالية الأسمائية، و إنما قدمت الوجه الأول لأنه أوجه بمراد المصنف رضي الله عنه . 
ثم اعلم أنه تعالى قال: "هلْ أتى على الِإنسانِ حِينٌ مِن الدّهْرِ لمْ يكُنْ شيْئاً مذكُورًاً" [ الإنسان: 1] فإنه أحد الموجود، و أول المقصود، و أمّا تأخيره لأنه في الحقيقة حضرة التصوير، و حضرة التصوير هي آخر حضرة الخلق، و ليس ورائها حضرة للخلق، و الإبداع جملة واحدة . 
أما ترى قوله تعالى: "هُو اللّهُ الخالقُ البارئُ المُصِورُ" [ الحشر: 24] .

أخّر درجة التصوير عن درجة الخلق و الإبداع فهي المنتهي و العلم أولها، و الهوية هي المنعوتة بهذا كله، فابتدأ بقوله: هو في العلم ثم ختم بها، و قال: إن الله خلق آدم على صورته فتنبه، و على الله قصد السبيل، و هو على التحقيق . 
ألا إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له:
كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم 
إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له: كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي  الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم .

فالتقديم و التأخير في قبول الوجود باعتبار السماع من العين لا باعتبار القول لأنه واحد العين . 
قال تعالى: "و ما أمْرنا إلّا واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصر" [ القمر: 50] .
فيتعلق بالعين الحس في الوجود الحسّي، كما تعلق به الخيال في الوجود الخيالي، و هنا حارت الألباب هل الموصوف بالوجود المدرك بهذه الإدراكات الحسية هو العين الثابتة انتقلت من حال العدم إلى حال الوجود؟ أو حكمها.
تعلق تعلقا خاصا ظهوريا تعلق ظهور المرائي في المرآة بعين الوجود الحق.
و هي في حال عدمها، كما هي ثابتة بنعوته بتلك الصفة، فتدرك أعيان الممكنات بعضها بعضا في عين مرآة وجود الحق، أو الأعيان الثابتة على ترتيبها الواقع عندنا في الإدراك على ما هو عليه من العدم كالمرائي، و يكون الحق الوجودي ظاهرا في تلك الأعيان، و هي له مظاهر فيدرك بعضها بعضا عند ظهور الحق تعالى فيها، فيقال قد استفادت الوجود، و ليس إلا ظهور الحق، فصاحب الكشف الأتم الأوسع يرى الاثنين صحيحين، و من يكون دونه ينكشف واحد دون واحد، و ليس هذا الكشف إلا لأهل هذه الطريقة المثلى .

و أمّا علماء الرسوم في هذه المسألة على قسمين : 
طائفة تقول: لا عين للممكن في حال العدم، وإنما عينه عين وجوده كالأشاعرة رحمهم الله تعالى. 
و طائفة أخرى قالت: إن لها أعيانا ثبوتية هي التي توجد بعد إن لم يكن، و ما لا يمكن وجوده كالمحال، و لا عين له ثابتة، و هم كالمعتزلة عفا الله عنهم .
و المحققون من أهل الله يجمعون بينهما كما سبق آنفا بيانه، يرون الأعيان في المرآة الموجود في المرائي الأعيان، فافهم . 
(و خليفة) ورد في الخبر الصحيح : "أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل".  و هما اسمان من أسماء الله تعالى . 
قال تعالى: "إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً قالوا أتجْعلُ  فيها منْ يـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء و نحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك و نقِّدسُ لك قال إنِّي أعْلمُ ما لا تعْلمُون" [ البقرة: 30].
جعل آدم خليفة، و أعطاه حكم الخلافة، و الخليفة لفظة مؤنثة لأنها محل التكوين، و بها ظهر الكون، و من هذا قال رضي الله عنه في بعض أشعاره : 
نحن إناث لما فينا نولده  فليحمد الله ما في الكون من و هي زبدة مخضة الطبيعة التي ظهرت بتحريك الأفلاك و هي روح اللبن، فإذا خرج من العالم، فالعالم يكون كالنفل لا عبرة به، فافهم . 
( و أمّا إنسانيته )، فلعموم نشأته و حضرة الحقائق كلها، و هو عين كل  شيء فبعمومه، و حصره جميع الأشياء و به كل شي ء، فأنس به كل  شيء من مقام كل شيء، كما ذكر خاتم النبوة إشارة إلى المقام الأسنى في حديث طويل : "فتجلى لي كل شيء وعرفت".  
الحديث رواه الترمذي و قال: حديث صحيح عن معاذ بن جبل ذكره السيوطي في جمع الجوامع . 
و هذا حكم الولاية المحمدية من الأسوة، فإنه ذكر رضي الله عنه في "الفتوحات" . 
و قال: لأنا توحدت بهذا المشهد دون إخواني، و بيان ذلك أن الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهية و الكونية، فكل شي ء فيها لأن التجلي وحداني في جميع المواطن، و هو بكليته يتجلى لكل  شيء، و إن لم يكن مدركا لكل أحد للقرب المفرط، و الإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة، فإذا قام شي ء لشي ء في مقام المحاذاة المعنوية، و الروحانية كالمرآة، صار ذلك سببا لظهور صورة الشي ء و معناه المحاذي، و لا يظهر هذا إلا في الإنسان الكامل، و كماله لخاتم النبوة أصالة، و لخاتم الولاية المحمّدية كمالة وارثة، فافهم .

( و هو للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر، و هو) : 
أي الإنسان المذكور المعبر عنه بالبصر، فيبصر بالإنسان الكامل الكمالات الأسمائيّ ة بجملتها هذا من مقام قرب الفرائض،  كما أنه بقرب النوافل يكون الحق تعالى بصره الذي به يبصر، كذلك في هذا المقام القرب الفرائض، يبصر الحق تعالى بالإنسان الكامل، و في الأول كان الحق بصر العبد، و في الثاني العبد بصره، و به يبصر و يرحم، يشير إلى هذا المقام قوله تعالى حكاية عن أعلم الخلق بالله تعالى:"  إنّك  كُنْت بنا بصِيرًاً" [ طه: 35].
و قوله تعالى: "إنّ  رّبهُ كان بهِ بصِيرًاً " [ الانشقاق:   . [15
فهذا من إشكال المسائل كيف يوجب المعنى حكمه لغير من قام به، فتشبه هذه المسألة مسألة قرب النوافل، والوجه الجامع بين المسألتين وجود الحكم المضاف إلى المعنى في غير المحل الذي قام به ذلك المعنى، وهل البصر يختلف حكمه باختلاف المبصرين؟ أم هل يستويان؟ مثلا يقوم زيد، ويبصر به عمرو، وهذا محال عقلا. و لكن أذكر لك مسألة متفق عليها، و هي ما ورد في الخبر الصحيح بالتنبيه عليها، و شهد الكشف الصريح . 

فاعلم أن الحق سبحانه منزه عن الحلول ، و الحدوث، و أن الإنسان يبصر ببصره، و يسمع بسمعه لا بسمع غيره، و هذه قوى قائمة بجوارحه.


""قال الشيخ رضي الله عنه في نفى القول بالحول و الإتحاد ""
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة :
ومن قال بالحلول فهو معلول وهو مرض لا دواء لدائه ولا طبيب يسعى في شفائه مريض الكون إذا بل أعل فإن الحدوث له لازم به وقائم فمرضه دائم لا يزال على فراشه ملقى ومن سهام نوائب زمانه غير موقى فلا يزال غرضا مائلا وهدفا نائلا فهو الصحيح العليل والكثيب المهيل علته صحيحه وألسن عباراتها بالحال عنها فصيحة فإن كان الحق قواه فقد بري ء من علته وقواه فإن الحق سمعه فانجبر صدعه وإنه بصره فقد نفذ نظره وإنه لسانه فقد فهم بيانه وإنه رجله فقد استقام ميلة وإنه يده فما يطلب من يعضده فمن عرف هذه النحل فقد بري ء من جميع العلل فالله شفاؤه وهو داؤه فالمتكبر مقصوم ومن كان الحق صفته فهو معصوم. أهـ""

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة :
وهذا يدلك على إن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا كما تحدث صورة المرئي في المرآة ينظر الناظر فيها فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها ولا يدري ما يحدث فيها ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور هذا أعطاه الحال فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة ونظرك فيها مثل قوله" إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ"""

""وقال رضي الله عنه فى الإجابة على السؤال الحادي والخمسون في الباب الثالث والسبعون من الفتوحات : 
قال تعالى :"واعْبُدْ رَبَّكَ نسبة خاصة حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" فتعلم من عبده ومن العابد والمعبود .
قال تعالى : "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ "
"وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ". "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ " ."أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ " . "صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ " ." أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ"." وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ". " وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ" ." فَاعْبُدْهُ ".
لا تعبد أنت فإن عبدته من حيث عرفته فنفسك عبدت وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة الإلهية عبدت وإن عبدته عينا من غير مظهر ولا ظاهر ولا ظهور بل هو هو لا أنت وأنت أنت لا هو فهو قوله فاعبده فقد عبدته.
وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة فإنها معرفة لا يشهد معروفها فسبحان من علا في نزوله ونزل في علوه ثم لم يكن واحدا منهما ولم يكن إلا هما لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ." أهـ. ""


"" قال رضي الله عنه في الباب الثاني والتسعين ومائتين الفتوحات لنفي قول الحلول والإتحاد :
كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بوساطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس والفعل لنور البدر وهو للشمس فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحس والفعل إنما هو لله في نفس الأمر ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء فكان ما يعطيه النور بوساطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق.
وكما تعلم عقلا إن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان لها مجلى وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه .
كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر له وكما ينسب نور الشمس إلى البدر كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حساأهـ. ""

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع عشر وثلاثمائة من الفتوحات :
وكيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك ولو صح هذا انقلبت الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار الواجب ممكنا ومحالا والمحال واجبا وانفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق وإنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد وتنتقل عليه الحالات ويتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها وكيف يخرج عنها وهي تصرفه وكل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه .أهـ "  ""

ثم أن هذا الشخص يعمل بعمل زائد عن الفرض الذي افترض الله تعالى عليه من نوافل الخيرات، فينتج له هذا العمل نفي بصره، و سمعه، و جميع قواه التي كانت توجب له أحكامها، فكان ينطلق عليه من أحكامها أنه بصير إلى هذا: أنه بصير سميع إلى ذلك، فصار يسمع بالله بعد ما كان يسمع بسمعه، و يبصر بالله بعد ما كان يبصر ببصره مع العلم بأن الله تعالى تقدّس أن تكون الأشياء محلا له أو يكون هو تعالى محلا لها، فقد بصر العبد بما لم يقم به، و سمع بما لم يقم به فكان الحق سمعه، و بصره و هكذا في مسألتنا قرب الفرائض، و المناسبة بين القربين ظاهرة، و هي منشأ القياس بلا فارق، فافهم .

( فلهذا سمّي إنسانا ): أي لهذا الإبصار سمّي الإنسان إنسانا، و هو فعلان صيغة مبالغة للمبالغة فيه، فما كل عين ناظر لهذه المرتبة إلا عين الإنسان، و لو لا إنسان العين ما نظرت عين الإنسان، فبالإنسان نظر إلى الإنسان، كما أن المرآة إن  كانت تامة الخلق مجلية، فلا تكمل إلا بتجلي صورة الإنسان الناظر الذي هو العلة الغائبة فافهم . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 

فإذا علمت أنه ما في الوجود إلا ثلاثة أناسا :
الإنسان الأول الكل الأقدم
والإنسان العالم
والإنسان الآدمي
فانظر ما هو الأتم من هؤلاء الثلاثة ، انتهى كلامه . 

( فإنه به نظر إلى خلقه فرحمهم ): أي الحق بالإنسان نظر إلى خلقه، فرحمهم كما جاء في الخبر الصحيح :  "فبهم يرحمون و الله الرحمن الرحيم".
أما ترى أن موسى عليه السلام و على نبينا صلى الله عليه و سلم كيف طلب شرح الصدر، و وزارة الأخ و هو رحمة، ثم أعقبه بقوله:" إّنك  كُنْت بنا بصِيرًاً " [ طه: 35].
فما رحمهما إلا بعد أن بصرهما بهما، فالعبد آله الرب للإبصار، و هذا من مقام قرب الفرائض، فأوجب المعنى كلمة لغير من قام به . 
و من هنا برقت بارقة لمن قال من أهل النظر: إن البارئ مريد بإرادة حادثة لم تقم به تعالى لأنه ليس محل الحوادث، فخلق الإرادة لا في محل، فأراد بها، فأوجبت الإرادة حكمها لمن لم يقم به، كما ظنت المعتزلة في الكلام.
وأمّا الذي يرى أن المعاني لا توجب إلا لمن قامت به، طرأ عليه الغلط لكونه أثبت الصفات أعيانا متعددة وجودية، لا تقوم بنفسها، بل تستدعي موصوفا بها، تقوم به فيوصف بها فلو علم أن ذلك كله نسب و إضافات لا عين لها في عين واحدة، تكون تلك بالنسبة إلى كذا عالمة و إلى كذا قادرة، و إلى كذا غنية، و إلى كذا عزيزة، هكذا سائر الصفات و الأسماء، فيهون أمثال هذا عليه .
أما سمعت خبر : "كنت سمعه و بصره".  
فالعبد هو الرائي ببصره، و البصر هوية الحق، و كذلك السمع لا حال و لا محل، فإنه تعالى لا يحل في شيء، و لا يحل فيه شيء، و لابد من عين العبد، و لا بد من عين هوية الحق، فرأى بغير ما قام به فافهم، فإنه من مشكلات هذا الفن، ذكرتها بالتقريب .

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: