السبت، 29 يونيو 2019

السفر الأول الفقرة الثانية الجزء الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

السفر الأول الفقرة الثانية الجزء الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

السفر الأول الفقرة الثانية الجزء الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


الفقرة الثانية الجزء الأول :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1- فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا فص الحكمة الآدمية بدأ به لأن الله تعالى بدأ هذه النشأة الإنسانية بآدم عليه السلام فهو مفتاح باب العالم الكمالي.
(فص) وهو موضوع النقش من الخاتم والخاتم، هو الدائرة الواقعة في الأصبع، والدائرة منقلبة دائمة فهي القلب.
وفي الحديث: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» والإصبعان تثنية إصبع.
"رواه مسلم في صحيحه بلفظ: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء".
ثم قال رسول الله : «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك».
وكون قلب المؤمن بين إصبعين، أي لا يتخلى عنه إصبع منهما، فهو منتقل من أحدهما إلى الآخر.
ولهذا تجد القلب تارة في خاطر خير وتارة في خاطر شر، وخاطر المباح من خاطر الخير.
لأن المؤمن لا يضيع له عملا بلا قصد حسن، والنيات تجعل العادات عبادات، فالقلب هو الدائرة المستديرة على إصبع الحق تعالى من حيث اسمه الرحمن.
وفص الخاتم هو الجسد الآدمي الجامع بالإجمال والاستعداد لكل ما هو مرشح له من أنواع الكمال.
كما أن النواة تجمع النخلة وتحويها إجمالا واستعدادا، والأرض والماء والتربة تخرجها منها .
ثم إن هذا الفص منقوش بجميع ما تضمنته تلك النفس من الكمالات والعلوم، والمقصود من الخاتم إنما هو الفص، والمقصود من الفص النقش فيه.
فالنقش سر الخاتم وهو الذي يظهر للوارث النبوي من علم مورثه، وهو المراد هنا بذكر جميع الفصوص.
(حكمة) أي نشأة، ولما كان هذا الهيكل الجسماني ظاهرة في هذا العالم الذي هو عالم الحكمة، يسمى حكمة لجريان أموره في دنياه على ما تقتضيه الحكمة، وأما في عالم الآخرة وهو عالم القدرة.
فالظهور للنفس لا للجسم، فكما أن النفس في الجسم في الدنيا .
فالجسم في النفس في الآخرة والحكمة باطنة في الآخرة.
والقدرة ظاهرة وفي الدنيا بالعكس
(إلهية) أي منسوبة إلى الإله تعالى وهو المعبود، والمعبود يلزم أن يكون عنده حاجة كل عبد، فيلزم أن يكون موصوف بجميع الصفات الكمالية والجلالية والجمالية، والصفات إذا ظهرت كانت أسماء.
قال تعالى : "وعلم آدم الأسماء كلها" 31 سورة البقرة.
وهذا التعليم لآدم کان بإظهاره تعالى الحقيقة الآدمية جامعة لآثار جميع التجليات الإلهية فهي ظهورات الصفات ، فهي الأسماء التي علمها، وحين علمها إنما علم نفسه فعلم ربه .
وفي الحديث : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» .
(في كلمة)، أي حقيقة من حقائق الحق تعالى على حد ما سبق بيانه في الكلم (آدمية)، أي منسوبة إلى آدم عليه السلام أبي البشر.
واعلم أن فص هذه الحقيقة الآدمية وكذلك فصوص بقية الحقائق الآتية إنما تظهر للوارث ويقرأ نقشها في كل وقت على حسب استعداده في ذلك الوقت .
فيتكلم على حسب ذلك الاستعداد ويظهر له في وقت آخر أعلى من ذلك أو أدنى منه، وكذلك يظهر لغيره من تلك الحقيقة غير ذلك.
فيكون الكلام على حسب الوقت، وهذه عادة أهل الله على الدوام، فلا تظن أن التكلم على هذه الحقائق النبوية بهذه الكلمات يحصر هذه الحقائق فيما ذكر.
ولا تظن أيضا أن المتكلم بهذه الكلمات في هذه الحقائق انحصر علمه بها فيما تكلم به من ذلك والله أعلم.
لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود، ويظهر به سره إليه.
فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرأة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له.
(لما شاء)، أي حين أراد، وهذا من ضرورة التعبير، وإلا فإن مشيئة الله تعالی لا تتقيد بزمان .
(الحق) وهو الله تعالى من حيث تحققه وثبوته في ذاته العلية لا من جميع الحيثيات، إذ العالم كله إنما هو موجود ووجد ويوجد في حضرة واحدة من حضرات الله تعالى.
وهي حضرة الحق وباقي الحضرات لا وجود للعالم فيها أبدا، ولما كانت كل حضرة إلهية جامعة لكل الحضرات جمعت حضرة الحق المذكورة التي وجد فيها هذا العالم لجميع الحضرات الإلهية .
ومن المعلوم أن كل حضرة إذا جمعت جميع الحضرات کان جمعها لذلك على حسبها لا على حسب ما الحضرات عليه بالنسبة إليها فقط .
فحضرات حضرة الحق كلها حق، فأول حضرة ظهرت فيها حضرة الله، ثم حضرة الرحمن، ثم حضرة الرب، ثم باقي الحضرات.
وكل حضرة من هذه الحضرات الظاهرة جامعة لجميع الحضرات أيضا على وجه مخصوص
( سبحانه) تنزيها له تعالى عن خطرات الأوهام وعن لمحات الأفهام.
ثم لما كان الاسم الحق وكذلك جميع الأسماء الإلهية دالة على شيئين : الذات وما يعينها عند الغير من الخصوصيات، وكان الكلام الآن في صدد بيان هذه النشأة الآدمية.
قال (من حيث)، أي من جهة (أسمائه)، أي أسماء الحق تعالى ولم يقل أوصافه، لأن الوارد في الكتاب والسنة لفظ الأسماء لا الأوصاف ، ولأن الاسم غير الصفة بحسب المفهوم.
وأقرب الوسائط إلى الكائنات بين الحق تعالى وبين الكائنات الأسماء والأوصاف أعلى منها، فالوصف ما قام بالموصوف والاسم ما عين للمسمى عند غيره (الحسنی)، أي ذات الحسن بمعنى النزاهة التامة عن مشابهة الحوادث التي لا يبلغها)، أي لا يحويها ولا يحيط بها
(الإحصاء)، أي العدد الضبط، وذلك ، لأن الله تعالى في ظهور كل ذرة من ذرات السموات والأرض وذرات كل شيء ظهور اسم إلهي خاص، لا ظهور له في تلك الذرة ولا في غيرها من الذرات قبل ذلك ولا بعده .
وهكذا الشأن دائما من ابتداء فتق الوجود إلى ما لا نهاية له في نار أو جنة فلهذا كانت أسماء الله تعالى لا تبلغ الإحصاء. ..
واعلم أن الحق تعالی من حيث ذاته العلية لا خبر عنه في الأكوان ولا كلام فيه عند ذوي الكمال والنقصان، لأنه من هذه الحيثية غني عن العالمين ومجهول على الإطلاق عند جميع المخلوقين.
وأما من حيث أسمائه الحسني التي لا يبلغها الإحصاء فهو الموصوف المعروف المخبر عن نفسه الظاهر الباطن في حضرات قدسه
وقد شاء أزلا من هذه الحيثية (أن يرى)، أي يعاين ويشاهد (أعيانها)، أي أعيان تلك الأسماء الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء.
والمراد بأعيانها ذاته العلية متعينة في كل حضرة منها.
(وإن شئت قلت) في هذا المعنى بعبارة أخرى وهي لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء.
(أن يرى عينه)، أي ذاته ظاهرة (في) صورة (کون)، أي خلق، ولا يلزم من كونه يرى ذاته ظاهرة في صورة كون أن تكون ذاته من حيث هي تحولت عن إطلاقها الكلي إلى صورة من الصور الممكنة.
وصارت في حد ذاتها صورة كون، وإنما المراد رؤيتها كذلك ، فإن من يرى ذاته رؤية حقيقية مطلقة من سائر القيود على ما هي عليه في نفسها يقدر أن يراها ظاهرة في الصورة التي يمكن أن تظهر له فيها من غير أن يتغير عما هي عليه
(جامع) ذلك الكون لجميع المؤتلفات والمختلفات (يحصر) ذلك الكون الجامع الأمر الإلهي المطلق فيظهر به مقيدا  (لكونه)، أي لكون الجامع (متصفا بالوجود)
بعد الاتصاف بالعدم، ومعلوم أن الوجود للأمر الإلهي فإذا اتصف المعدوم به کان ذلك الاتصاف بسبب حصره للأمر الإلهي، وظهر الأمر الإلهي كله به.
وفي نسخة أخرى لكونه متصفا بالوجوه، أي لكون هذا الكون الجامع متصفا بالوجوه الكثيرة والاعتبارات المختلفة والنسب التي لا تحصى.
كما قالوا إن الله تعالى في طي هذا العالم عوالم كثيرة لا يعلم بعدها إلا الله تعالى . وقال بعض المریدین : أدخلني شيخي خمسمائة عالم هذه السموات والأرض عالم منها.
(ويظهر) معطوف على يحصر أي يتضح وينكشف (به)، أي بذلك الكون الجامع (سره)، أي سر الحق سبحانه وسره تعالى ذاته من حيث كونها معلومة له، والسر هو الأمر الخفي وذاته تعالى لولا علمه تعالى بها لخفيت عنه (إليه)، أي إلى الحق تعالى إذ هو العالم والمعلوم والشاهد والمشهود.
ولهذا قالوا : إن علم الله تعالى بالعالم كله هو علمه بذاته تعالى من غير مغايرة.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
اعلم أن الفص في هذا الكتاب على أربعة معان:
أحدها: الفص الكلمة نص على ذلك بقوله: وفص كل حكمة الكلمة المنسوبة إليها بجعل الفص مبتدأ والكلمة خبرا.
و بقوله : فتم العالم بوجوده فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم فبهذا المعنى يكون أرواح الأنبياء بمنزلة الفص من الخاتم و وجوداتهم بمنزلة الخاتم من الفم .
وثانيها: الفص القلب وإليه أشار بقوله: نص حكمة نفثية و غيره من الفصوص المذكورة بعده بجعل الفص مبتدأ والظرف أعني في كلمة سادا مسد الخبر .
وحينئذ يكون قلوب الأنبياء بمنزلة الفص من الخاتم وأرواحهم بمنزلة الخاتم من الفص.
وثالثها: الفص الحكمة أي العلوم المنتقشة في أرواحهم وإن شئت قلت : في قلوبهم لقوله : منزل الحكم على قلوب الكلم وحينئذ يكون علومهم بمنزلة الفص من الخاتم وأرواحهم بمنزلة الخاتم من الفص .
وإليه أشار بقوله : ومما شهدته مما نودعه حكمة إلهية ولم يذكر الفصوص في عدد الحكم إشعارة بإطلاق النص على الحكمة .
ورابعها: الفص خلاصة الحكمة فقد نص عليه بقوله فأول ما ألقاه المالك على العبد في حكمة إلهية الخ .
فيكون الخلاصة بمنزلة الفم من الخاتم والحكمة بمنزلة الخاتم من النص .
فبهذه الأربعة تم الغرض من التشبيه وهو إعلام دورية الوجود في المراتب كلها (فأول ما ألقاه) مبتدأ و(فص) خبره مضاف إلى (الحكمة) إضافة العام إلى الخاص وهي بمعنی من لجواز إطلاق النص عليها و (في كلمة آدمية) ظرف للحكمة الإلهية فيكون المعنى فأول ما ألقاه المالك على العبد خلاصة العلوم الإلهية الحاصلة في كلمة آدمية .
فظهر لك أن المراد بالفص ههنا بمعنى الخلاصة وإنما قدم ببان هذا النص علی تعداد حكمه مع أن دأب المصنفين عكسه تعظيما لشأنه لاشتماله على جميع ما يشتمل عليه الفصوص المذكورة في الكتاب مع زيادة .
فكأنه يستحق أن يكون كتابة مستقلا مقابلا لسائر الحكم. (لما شاء الحق) أي لما اقتضى الحق بالحب الذاتي.
هذا شروع في بيان حقيقة الكلمة الآدمية مع لوازمها من الحتمية والخلافة والفصية وغيرها إلى قوله : "ثم نرجع إلى الحكمة" لتوقف معرفة الحكمة على معرفتها حتى نعلم منه حكمة إيجاد العالم لما ههنا عبارة عن الإمداد المعنوي من الأزل إلى الأبد بمقارنة المشية الأزلية .
ولم يقل لما أراد جريا للكلام على عادة الناس فإن عادتهم في حصول مراداتهم التعليق بالمشيئة لا بالإرادة .
الحق هو اسم للذات الثابت بنفسه المثبت لغيره ولم يقل الله مع أنه أنسب للمادة ليعلم أن السلطنة في إيجاد الكون الجامع لهذا الاسم وسائر الأسماء الحسنی توابعه لذلك، ذلك فردا.
حيث قال : لما شاء الحق وجمعا بقوله من حيث أسماؤه الحسنى فإنه من الأسماء الحسنی فقد ذکر تکرارا إجمالا وتفصيلا تعظيما لشأنه (من حيث أسمائه الحسنى) أي من حيث أنه جامع لأسمائه الحسنى (التي لا يبلغها الإحصاء) أي لا يمكن العد إلا لله لأنها غير متناهية.
(أن يري أعيانها) هذه صفة لله تعالى وعلة غائية لايجاد الكون الجامع لاقتضاء هذه الإيجاد أن يكون علته الغائية من جانب الموجود و من كمالاته.
وأما قوله تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " 56 سورة الذاريات.
أي ليعرفون فهو صفة للمخلوقات وعلة غائبة لإعطاء الحق وجوداتهم الخاصة بهم بحسب الأوقات .
فذلك الإيجاد يقتضي أن تكون العلة الغائية من طرف المعلول وکمالاته فلا وجه لإيراد الشارح في هذا المقام .
قوله تعالى : "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف " الحديث . لأنه صريح في بيان العلة لإيجاد الجزئيات .
والمقصود ههنا بيان العلة الغائية لإيجاد المادة الكلية فتختلف العلتان الغائیتان باختلاف الإيجادین.
(وإن شئت قلت أن يرى عينه) فقد أسند المشية المتعلقة بالرؤية بقوله أن يرى أعيانها إلى الفيض المقدس وإلى الفيض الأقدس.
بقوله : أن يرى عينه وأشار إلى اتحادهما بقوله: وإن شئ (في كون) أي في موجود (جامع بحصر الأمر) المطلوب رؤيته .
وهو أعيانها أو عينه قوله : لكونه علة للحصر أي الموجود الجامع متصفا بالوجود الجامع بين النشأة الروحانية والجسمانية.
كما قال فيما بعد فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود (ويظهر به) أي بسبب الكون الجامع (سره) أي سر الحق وهو عينه (إليه) أي إلى الحق لكونه محلا بالجزء الأخير الذي هو آدم فقوله : ويظهر إشارة إلى أنه لا بد من الجلاء لعدم الظهور بدونه
وقوله : في كون جامع يحصر الأمر يدل على العلة المادية بالمطابقة و علی الصورية بالتضمن وعلى الفاعلية بالالتزام.
وقوله : ويظهر يدل على العلة الغائية فالتعريف مشتمل على العلل الأربع:
يعني لما اقتضت ذات الحق بالحب الذاتي أن يرى ذاته بجميع أسمائه في خارج علمه في مرآة يحصل مراد الله تعالى فيها
وقد علم الله في علمه الأزلي أن هذه المرأة هي الموصوفة بالصفة المذكورة
أوجده من العلم إلى العين فهي النشأة الإنسانية المسماة بكلمة آدمية
فجواب لما شاء محذوف للعلم به أي لما شاء أن يرى عينه في العين أوجد الكلمة الآدمية من العلم إلى العين ليوصل مطلوبه تعالى فتم المقصود .
وهو رؤية الله تعالى عينه في الموجود المكمل بالصفات المذكورة .
وهي الجمع والحصر وإظهار سره إليه .
فإنه إذا لم يكن على هذه الصفة لم يكن مرآة للرؤية المطلوبة ويظهر بالرفع معطوف على يحصر ولا يحسن أن يعطف على يري لمنع الضمير العائد في به إلى الكون .
كما لا يخفى مع أن قوله أن يرى عينه دون أن يقول أن يبصر أو يعلم أو يظهر أو غير ذلك من الصفات التي تحصل له بوجود هذا الكامل .
إيماء وتنبيه على أن تعلق الحب الذاتي أولا وبالذات إلى الرؤية وإلى غيرها بتبعية الرؤية .
فإنه تعالى أشد شوقا إلى اتصافه بهذه الصفة من غيرها .
فإذا عطف قوله ويظهر على قوله : يرى تفوت هذه الفائدة، و لأن الظهور من أسباب الرؤية .
فما لم يكن الشيء ظاهرة لم يكن مرئيا فلا يعطف عليه في هذا المحل المطلوب سببیته .
يعني ويظهر به سره إليه حتى يرى عينه لظهور سره إليه بسبب الكون الجامع. ولما يوهم كلامه سؤالا وهو أن ما ذكرتم من أن المقصود من إيجاد العالم رؤية الله تعالى نفسه.
يدل على أن الرؤية علة غائية للإيجاد وليس كذلك لأن رؤية الله تعالى نفسه صفة أزلية ثابتة له قبل وجود العالم.
والعلة الغائية بحسب الوجود الخارجي يجب أن يكون موجودة بعد وجود المعلول فلا يتوقف ثبوت الرؤية له على وجود العالم.
بل الذات تستقل بها كسائر الصفات فلا يتعلق الغرض لأجلها إلى إيجاد العالم أراد أن يجيب عنه ويثبت دعواه على طريق الشكل الأول.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
قلت: يعني أن العالم الكبير كالخاتم وآدم بمنزلة الفص منه و نقش الخاتم بمنزلة ما أودع آدم، عليه السلام، من علم الأسماء كلها قال تعالى: "علم آدم الأسماء كلها" (البقرة: 31).
قوله: "لما شاء الله من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها".
وإن شئت قلت: أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر، لكونه متصفا بالوجود. "
قلت: استعمل لفظ «لما» مجازا، لأن مشية الله تعالی لیست زمانية.
وقوله: "من حيث أسماؤه الحسنى" إشارة إلى ما أودع آدم، عليه السلام، من الأسماء الحسنى التي اقتضت حقائقها أن تظهر في كون جامع، والمراد بالكون الجامع ههنا هو آدم، عليه السلام.
ومعنى قوله"أن يرى أعيانها"، أي يرى كونا من الأكوان محسوسا في الوجود العینی، پری الاسم الحی حقیقته فيه مثلا، فكان ذلك الكون هو آدم، عليه السلام، حيث اتصف بالحياة، فسمي الحي.
فقد رأى الاسم الحي عينه محسوسة من حيث هي في محسوس ولولاه أو أمثاله كان الاسم الحي معقولا فقط، بل لا يكون معقولا بل معلوما الله تعالی فقط، وكان الاسم الحي طلب الظهور في حضرة المحسوس وهو آدم وبنوه مضافا إلى ظهوره في حضرة العلم الإلهي وكذلك القول في كل اسم من الأسماء الحسنی.
قال: وإن شئت قلت أن يرى عينه يعني الحق تعالی وذلك لأن آدم، عليه السلام، مجموع أسمائه تعالى في وجود، هو في الحقيقة من عين وجوده تعالی فإذا نظر الحق تعالى إلى آدم، عليه السلام، رأى نفسه وهذا أمر سوف يذكره، رضي الله عنه، فيما يأتي في هذا الفص من هذه الحكمة التي نحن في شرحها.
فإن قلت: إنك قدمته أن أسمائه تعالى لا يبلغها الاحصاء أي أنها لا تتناهي وقد علمت أن ما لا يتناهى لا يقول له مجموع.
فالجواب: أنها تتجمع في الكليات فيدرك الكلي ويدرك أن مفرداته هي غير متناهية فقد أدركنا ما لا يتناهى من كليات هي مفردة وسيأتي بيان أن الحقيقة الإنسانية أيضا لا تتناهي فيدرك من ظهرت به من تلك الحقيقة من آدم أو من بنيه بها ما لا يتناهى.
ومعنى قوله: يحصر الأمر كله، لكونه متصفا بالوجود.
قلت: يعني أن حقيقة آدم بمنزلة المركز والأسماء الإلهية والكونية ومعاني الكليات أيضا بمنزلة النقط في محيط الدائرة ولا شك أن المركز يواجه كل نقطة في المحيط بمواجهة غير مواجهة النقطة الأخرى والمركز في نفسه لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يقدح تعدد النقاط ومواجهاتها في وحدانيته.
قوله: "ويظهر به سره إليه".
قلت: يعني يظهر ما كان سرا في قوة قدرته تعالى التي تظهر أحكامها بظهور المقدورات ولا شك أن ظهور ما بالقوة إلى الفعل أكمل من بقائه في القوة وكمال الجناب المقدس في قوته ما لا يتناهى من الأكملیات فيقتضي الحال ظهورها فهي تظهر في الأعيان فيراها تعالى رؤية منزهة لكن من حضرة الحسیات وقد أودع تعالى جميع معاني الأسماء الكونية في آدم مرتبطة بالأسماء الإلهية وكلا الأمرين كان سانحا له في سر علمه الأقدس.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها ، و إن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله ، لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه .)
1. فصّ حكمة إلهية في كلمة آدميّة
قال رضي الله عنه : ( وأوّل ما ألقاه المالك على العبد من ذلك ) .
خصّص رضي الله عنه إضافة الإلقاء إلى المالك إشارة إلى أنّه محكوم مأمور أمين على ما يذكره ، فقد ملَّكه الله المالك في الصور المحمدية ، فهو يتلقّى ما يلقى إليه .
ويلقي ، ويلقى منه وإليه وعليه : يملي ويملى ، فأوّل ما تعيّن من النقوش الحكميّة نقش الحكمة الإلهية الأحدية الجمعية .
قال رضي الله عنه : ( فصّ حكمة إلهية في كلمة آدميّة ).
قد سبق الكلام في الفصّ والحكمة ، وأمّا اختصاصها بآدم فهو أنّ كلّ واحدة من " الحكمة " و "الكلمة " حقيقة ظاهر الأحدية الجمعية الكمالية الكلَّية في مرتبتي الفاعل والقابل .
فالحكمة الإلهية ظاهرية أحدية جمع الحكم الكمالية الأسمائية الكلَّية في الحقائق العقلية المؤثّرة.
والكلمة الآدمية ظاهرية جمع المظهريات الجمعية الكمالية الإنسانية البشرية فإنّه أبو البشر ، والبشر منسوبون موصوفون ببنوّته وهو منعوت بأبوّتهم ، وكلَّهم أولاده ، وجميع هذه الأشخاص البشرية صور تفصيل بشريّته وآدميّته .
وهو أحديّة جمعهم قبل التفصيل إذ للأحدية الجمعية الكمالية مرتبتان إحداهما قبل التفصيل لكون كلّ كثرة مسبوقة بواحد هي فيه بالقوّة ، هو يذكَّر قوله تعالى :
"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ من بَنِي آدَمَ من ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ " آية 172 سورة الأعراف.
فإنّه لسان من ألسنة شهود المفصّل في المجمل مفصّلا ، ليس كشهود العالم من الخلق في النواة الواحدة النخيل الكامنة الكائنة فيها بالقوّة فإنّه شهود المفصّل في المجمل مجملا لا مفصّلا .
وشهود المفصّل في المجمل مفصّلا يختصّ بالحقّ وبمن شاء الحقّ أن يشهد من الكمّل ، وهو خاتم الأولياء وخاتم الأنبياء وورثتهما ، فافهم .
فكما أنّ الإلهية في حقائق الأسماء عينها آخرا ، والأسماء فيها عين الإلهية كذلك أوّلا قبل التفصيل الوجودي وبعده هو فيهم هم ، كما قال تعالى : " خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ " آية 1 سورة النساء.
وقد ذكر سرّ أحدية الجمع في مواضع من هذا الشرح على ما سيأتيك في شرح الفصّ الشيثي إن شاء الله تعالى .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لمّا شاء الحقّ سبحانه) أضاف المشيّة إلى الاسم « الحقّ » لكون هذه المشيّة متعلَّقة بالإيجاد ، حتى تتحقّق الأسماء في مظهريته موجودة في أعيانها ، وتظهر في مظاهرها ، وتظهر آثارها محقّقة مشهودة في محالّ مناظرها ومجالي محالَّها ومظاهرها لأنّ الاسم " الحق "يعطي الحقّيّة بالتحقيق والوجود ، والأسماء الإلهية كانت في قبضة قهر الأحدية الجمعية الإلهية الذاتية أحدية لا ظهور لها لعدم مظاهرها في أعيانها .
وهي العوالم « و كان الله ولا شيء معه غيره » وكانت كثرة الأسماء " كنت كنزا مخفيّا " أشار إلى عينه من حيث تعيّنه بكناية حرف التاء وهو تعيّنه بذات اللاهوت كنزا جامعا لجواهر حقائق الأسماء والمسمّيات.
إذ الكنز ذهب وفضّة وجواهر مجتمعة في الغيب .
والكنز مخفيّ عن الأغيار وإن كان ظاهر التحقّق والتعيّن في عينه « فأردت أن أعرف ».
أي يعرفني كلّ تعيّن تعيّن من تعيّناتي في مظاهري ومرائيّ ومجاليّ التي ليست ذات الألوهية بل نسبتها ، فهذه المشيّئة تجلّ من الله من حيث حقائق التعيّنات الأسمائية المستهلكة للأعيان.
فشاء الحقّ من حيث الأسماء أن يعطيها التحقّق في أعيانها بالوجود والإيجاد ، والتحقّق في حاقّ حقائقها للشهود والإشهاد على رؤوس الأشهاد ولأنّ تحقّق هذه المشيّة مسبوق بتحقّق الذوات في نفسها ، وتحقّق المشيّة المطلقة مطلق للذات وعينها .
ولهذا أشار بقوله : " لمّا شاء "  فإنّ هذه العبارة دالَّة على المسبوقية في الرتبة والحقيقة والعين ، لا في الزمان والوجود الظاهر ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( من حيث أسمائه الحسني التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها وإن شئت قلت : أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كلَّه لكونه متّصفا بالوجود) .
فصرّح أنّ هذه المشيّة من قبل الأسماء وحقائقها من كونها فيه هو .
وفي قوله : " لا يبلغها الإحصاء " يشير إلى أنّ شخصيات الأسماء لا تحصى فإنّها لا تتناهى لكون الأسماء تعيّنات إلهية في حقائق الممكنات التي لا تتناهى على ما يأتيك إن شاء الله تعالى وإن كانت أمّهات الأسماء محصاة من حيث تعيّناتها الكلَّية.
وهي مائة إلَّا واحدا هو عين الكلّ ، أو ألف وواحد فأضاف المشيّة إلى الاسم « الحق » من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء لأنّ هذه الإضافة إلى الاسم « الحق » أحقّ إذ هو حق كلّ اسم ، وبه حقيقة ذلك الاسم وتحقّقه .
والاسم هو الحق المتعيّن في أيّة مرتبة إلهية كان بالوجود .
ثم الاسم يستدعي تسمية ومسمّى ومسمّيا .
والمسمّى اسم مفعول هو الحق ، والمسمّي اسم فاعل هو القابل المعيّن للوجود الواحد المطلق عن قيد التعيّن من حيث ما فيه صلاحية قبول التعيّن لا من حيث اللاتعين والإطلاق مطلقا .
والتسمية هي التعيين لفعل القابل وتأثيره في الوجود المطلق والفيض الخالص الحقّ بالتعيين والتقييد ، فالاسم علامة على المسمّى بخصوص حقيقته التي بها يمتاز عن غيرها من الحقائق .
ولكل اسم اعتباران :
اعتبار من حيث الذات المسمّاة ، واعتبار من حيث ما به يمتاز كل اسم عن الآخر وهو حجابية الاسمية .
فإن اعتبرنا المسمّى ، فهو الحق المتعيّن في مرتبة ما من المراتب التعيّنية ، وإن اعتبرنا الاسمية ، فعلامة خاصّة ودلالة معيّنة معيّنة للمدلول المطلق بخصوص مرتبتها ، فنفس تعيّن الوجود الحقّ بالإلهية في كل قابل قابل هو الاسم .
ولمّا كانت تعيّنات الوجود الحقّ وتنوّعات تجلَّيه وظهوره في قابليات الممكنات غير المتناهية غير متناهية .
لذلك  قال رضي الله عنه: « لا يبلغها الإحصاء » لأنّ الذي يبلغها الإحصاء متناه ، والتعيّنات الوجودية بالنفس الرحماني لا تتناهى ، فلا تحصى فلا يبلغها الإحصاء .
وأمّا أسماء الإحصاء ، فهي كلَّيات حقائق الوجوب والفعل والتأثير ، فهي مائة إلَّا واحدا .
وبيان سرّ ذلك أنّ الأسماء في حقائقها تنقسم إلى أسماء ذاتية ، وإلى أسماء صفاتية ، وإلى أسماء فعلية.
فإذا ضربنا الثلاثة الفردية في نفسها للتفصيل والبسط ، خرجت تسعة ، وهي آخر عقود الآحاد في مرتبة الأعداد .
والتسعة في مرتبة العشرات تسعون ، وهي مرتبة المجازاة الثانية ، فإنّ الواحدة بعشر أمثالها .
كما قال تعالى :"من جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَه ُعَشْرُ أَمْثالِها " لكون المجازاة لها المرتبة الثانية من عمل الإحصاء.
إذ المجازاة إنّما تقع من الأسماء الإلهية المحصاة في أعيان أعمال العباد ، والعشرة نظير الواحد في المجازاة .
ونسبة الواحد إلى العشرة كنسبة العشرة إلى المائة ونسبة المائة إلى الألف كذلك نسبة الواحد إلى العشرة .
فالواحد في الحقيقة هو العشرة والمائة والألف في مراتب العشرات والمئات والألوف ، ولهذا وقع في الواقع في الأعداد الهندسيّة إشارة من باب الإشارات .
فلمّا كانت أسماء الإحصاء هي المجازية للعبيد المتخلَّقين والمتحقّقين بها ، والعشرة هي الكاملة في المجازاة ، ظهرت التسعة في مرتبة العشرة تسعين ، وأضيفت إلى الأصل وهي التسعة الحاصلة من ضرب الثلاثة المرتبيّة في نفسها كما مرّ فكانت تسعة وتسعين ، فافهم .
ولأنّ هذه الأسماء من وجه عين المسمّى بها ، ومن وجه غيرها ، كان المسمّى وهو الحقّ الظاهر في مراتب وجوده ، والمتعيّن بالتجلَّي في عين القابل المتجلَّى له وتعديده وتعيينه وتقييده وتكييفه وتحديده.
كان المسمّى بهذه الأسماء التي هو مدلولها تمام المائة من حيث كونها غيرها ، وغير محصى بالتعيين لكونها عينها .
فلهذا قال : « إنّ لله تعالى مائة اسم إلَّا واحدا » ، فهذا الواحد هو عين التسعة والتسعين ، وعين الألف والواحد على ما روي في مرتبة الإحصاء أنّها ألف وواحد ، ظهر في آخر كلَّيات مراتب العدد ، كما خفي في أوّلها وأوسطها .
وهو أيضا كذلك عين الأسماء التي لا يبلغها الإحصاء فإنّها التعينات الوجودية النورية ، وتنوّعات التجلَّيات النفسية الجودية ، والكمالات الإلهية لا تنفد ، ولا يبلغها الإحصاء ، ولا يحصرها تعديد النعماء والآلاء ، فافهم .
واعلم : أنّ الحقّ من حيث هذه التجلَّيات والتعينات الذاتية أزلا وأبدا يريد أن يرى أعيانها في كون جامع يحصر الأمر ، فإنّه كان ظاهرا قبل ظهورها لأنفسها له تعالى ، ورؤيتها إيّاها أيضا في مظاهر غير جامعة ولا حاصرة لحقائق السرّ والجهر ودقائق البطن والظهر .
وتجلَّيه تعالى في المظاهر النورية الجمالية يخالف تجلَّيه في المجالي الظلالية الجلالية .
وظهوره في القوالب السفلية ، وجميع هذه المظاهر غير جامع لرؤيته نفسه ولا حاصر للأمر .
ولهذا قال رضي الله عنه : " لمّا شاء الحق " على صيغة تقتضي المسبوقية بعدم هذه المشيّة المقتضية لظهوره له في الكون الجامع ، بعد ظهوره في الأكوان غير الجامعة وإن كانت مشيّته في رؤيته.
ورؤيته لأسمائه وصفاته ونسب ذاته سابقة التعلَّق على الظهور الأسمائي في العالم قبل الكون الجامع.
ولكن من حيث ظهور الإنسان من حيث الصورة العنصرية لمظهريّتها .
فإنّ تعلَّق المشية آخر بموجب الترتيب الحكمي الوجودي .
فإنّ الإنسان أوّل بالحقيقة ، والآية في البداية ، آخر في الغاية والنهاية ، ظاهر بالصورة ، باطن بالسرّ والصورة جامع بين الأوّلية والآخرية ، والباطنية والظاهرية .
وجمعيّته لكونه برزخا جامعا بين بحري الوجوب والإمكان والحقّية والخلقية .
وأمّا حصره الأمر فلكونه موجودا بالرتبة الكلَّية الجامعة بين المراتب ، ولكون الأمر محصورا في نفسه بين الوجود والمرتبة .
فلمّا كانت مرتبته كلية جامعة بين مرتبتي الحقّية والخلقية ، والربانية والعبدانية ، تمّ بعين الوجود الحق في مظهريته بحسبها كليا جمعيا أحديا ، والمرتبة منحصرة بين الحق الواجب والخلق الممكن ، معمورة  بهما ، فالحق أبدا حق ، والخلق أبدا خلق .
والوجود في مرتبة الحقية حق ، وفي مرتبة الخلقية خلق ، وفي النشأة الجامعة حق خلق جامع بينهما مطلقا عن الجمع بينهما أيضا ، فالدائرة الوجودية كما سبق محيطة بقوسين ، ومنقسمة بقسمين ، ومنصّفة بشطرين على قطرين :
فالشطر الأعلى للحقيّة والوجوب ، فإنّ الفوقية والعلوّ حق الحق.
والشطر الأدنى للكون والخلق .
والبرزخ يظهر بالنعتين ، ويصدق عليه إطلاق الحكمين ، وله الجمع بين البحرين ، وليس له نعت ذاتي سوى الجمعية والإطلاق فله أن يظهر مظهرية الأسماء والمسمّيات والذات على الوجه الأوفى .
وفي حقّه يصحّ أن يقال :
يرى أعيانها أو يرى الحقّ نفسه في كون جامع .
فإنّ رؤية الحقّ نفسه في كون غير جامع لما هو عليه ليست كرؤيته نفسه في مرآة كاملة جامعة لظهور آثاره وأحكامه تماما .
كما قال : ( أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر لكونه متّصفا بالوجود ) فإنّه كان يرى عينه في عينه رؤية ذاتية عينية غيبية ، ويرى حقائق أسمائه وصفاته مستهلكة في ذاته رؤية أحدية ، وشهوده عينه وأعيان أسمائه في الكون الجامع شهود جمعيّ بين الجمع والتفصيل .
ويجوز أن يقول :
أن يرى أعيانها ، أو يرى عينه فرادى وجمعا .
ويجوز أن يقول   : الكلمة مبنيّة للمفعول في الوجهين ، فانظر ما ذا ترى .
قال رضي الله عنه : ( ويظهر به سرّه إليه ).
وفي " يظهر " أيضا يصدق جميع الوجوه المذكورة من الإعراب لكونه عطفا على « يرى » ، ثم الضمير في « إليه » و " به " سائغ العود إلى الحقّ وإلى المظهر الجامع .
فإنّ ظهور السرّ الكامل الكامن إنّما يكون بالحق المتجلَّي بالتجلَّي التعريفي في قوله : « أحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرّفت إليهم فعرفوني ».
ولكن في الكون الجامع وبالكون الجامع ، فإنّ الحقّ تعالى شأنه من حيث كونه أحبّ إظهار سرّه الكامن ، وجلا حسنه الباطن إبداء كماله المستحسن بجميع المحامد والمحاسن ، ظهر بالكون الجامع الإنساني والكتاب الأكمل القرآني إلى الحق أو إلى المظهر ، كذلك يجوز على الوجهين ، فافهم .
يتبع الجزء الثاني من الفقرة الثانية
.
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: