الثلاثاء، 26 مايو 2020

كتاب المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

كتاب المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

كتاب المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

كتاب المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي

كتاب المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات

تأليف الشّيخ الأكبر محيي الدّين محمّد بن علي بن محمّد ابن العربي الحاتمي المتوفى 638 هـ ضبطه وصحّحه وعلّمه عليه الشّيخ الدّكتور عاصم إبراهيم الكيّالي الحسيني الشّاذلي الدّرقاوي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وصلى اللّه على محمد وآله وسلم تسليما رب وفق الحمد للّه وهو نفس الحمد على ما تقرّر في قلب كل من به توحّد ، ثم شاهده منه في كل مشهد ، ونزل به وعليه وله في أصدق مقعد .

والصلاة على من هو عين الجمع في هو ، ثم دعى بعبد هو ، وبمحمد . صلاة هي نفس مصليها وتوحد . ذاتا للحمد في كل قلب وصل وحد .

أمّا بعد

فهذا كتاب تكلمنا فيه على ما وقع في القرآن العظيم من الأسماء بلسان الحقيقة والشريعة على طريقة يرتضيها كل عالم باللّه به لا بي .

وسميته :

« المدخل إلى المقصد الأسما في الإشارات ، فيما وقع في القرآن بلسان الشريعة والحقيقة من الأسماء والكنايات » .

فأوّل ما أذكره :

أن الاسم هو المسمى ، والمسمى والتسمية لسان حقيقة .

لسان عقل الاسم ؛ اللفظ الدّالّ على المسمّى ليس المسمى وهو لفظ المسمى أو رسمه .

والمسمّى : اللافظ بالاسم أو الراقم له ، والمسمّى المدعو بذلك اللفظ أو الرقم .

والتسمية : حالة في المسمّى ، وهو تصور الاسم في النفس .

لسان حقيقة :سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ[ الأعلى : 1 ] وتَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ[ الرحمن : 78 ] .

 

فالربّ : هو الاسم على الحقيقة . كقولك : اسم . واسم عبارة عن المسمى ، وهو المسبّح .

وهو « الهو » المشهود فيك ،

وهو الشاهد . فإن التسبيح له ، والهو المطلق لا يقبل التسبيح .

ومن هنا قال العارف : « سبحاني » .

إشارة بلسان الحقيقة :ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها[ يوسف : 40 ] .

فالاسم : روح .  والمسمّى : حامله .

ولولا الاسم ما عبد هذا الصنم . والاسم للهو ، لا لذا . فالاسم المعبود . فانتفى الشرك .

إشارة .إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ[ النجم : 23 ] .

فمن أسمائه هنا أنت ، وأنا . ونزّهها عن النزول . فإنّه لا ينزل على شيء إلّا من لم يكن فيه ، ولم يكن شيء بلا هو ، فلا نزول .

وعلى هذا النحو ما بقي فأدرج عليه بفتح أقفال الغيوب بأيسر شيء . لسان عقل في كل ما ذكرنا المسبّح المسمّى وهو المعبود .

فالاسم قد يطلق ويراد به المسمّى ، لسان حقيقة :وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى[ الأعراف : 180 ] . فإذن ثم الأسماء السواء .

أيّ : فالأسماء للّه كالمعاني للذات سواء . انظر كيف نفى ب « لا » ، واللام كسرت الهاء .

وقد انتفت بـ « لا » فظهر الهو . فبقي هو الأسماء الحسنى .

فالاسم : المسمى . قال اللّه تعالى :هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ[ الحشر : 24 ]

وغير ذلك .

وتكفي هذه الإشارة في الاسم : لسان ظاهر « بسم » لسان باطن اللّه .

افتتح كلامه بالباء وهي اثنان . ولم يمكن أن يفتتح بالألف لأنه يريد الظهور ، وإدخال الوجود الأول في الثاني . فدخل بالباء من أجل أنها اثنان وهو المطلوب .

وهي من عالم الشهادة من أجل الظهور والغيب مدرج فيه ، وظهر في كلمة اللّه بعد بسم .

فبدأ بالباء فلما انتهى إلى السين عاد إلى ما منه بدأ وهو الميم .

ثم بدأ بالألف في كلمة اللّه . فلمّا انتهى إلى « اللام » . عاد إلى ما منه بدأ وهو الهاء . فالتقى اللام بالسين في معقد الإزار وهو الوسط كما رسمناه في الطّرّة فكل شيء في قولك : « بسم اللّه » .

وإن كان الهو أنت . فأنت أنت ، وهو هو .

فاختص بالهاء بالحرفين وهما «كن» واختص «أنت» بالكلمتين وهما « بسم اللّه » .

ولما لم يكن أن يقوم « الأنت » إلّا با « لهو » .

لم يكن أن تخلو الكلمتين عن حرف لأن الحرفين له . فدخلت الباء . ولمّا كانت كلمتين احتجنا حرفا يكون اثنين .

فلهذا كانت الباء دون غيرها .

وقد أشار بعض السادة إلى ما ذكرناه فقال : « بسم اللّه منك بمنزلة كن منه » .

فهذا بسط ما أشار على الإيجاز .

فمن عرف بسم اللّه ، لم يحتج إلى علم سواه . فإنه الحاوي لكل شيء والساري في كل شيء .

ولهذا بدىء به وجعل الباء تعمل في الميم عمل الإضافة في الهاء وهو عمل انخفاض من أجل النزول إلينا لنعرفه فإنّا في الخفض فلو جاء بعامل الرفع لم نطق ذلك .

كناية « ب » من « بسم »

كنى بالباء عن الهو عند بعض شيوخنا رحمه اللّه . وليس الأمر كما زعم . فإنّه أرسلها مطلقة ، ووجه التحقيق في ذلك إنما الكناية بالباء من كونها مكسورة ، لأنها تظهر « ياء » الكناية التي هي بمنزلة الهو في مرتبة أخرى ، ثم حذفت من مرتبتي الخط واللّفظ من أجل سكون السين ، وهي غيب في السر البرزخي الذي بين الباء والسين ، وفي موضع هذه الياء الغيبية ظهرت الألف الأنية من :بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها[ هود : 41 ] .

واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ[ العلق : 1 ] .

فإن بعض الحذّاق جعل الباء بدلا من ألف الوصل ، ولو كان ما قاله حقا لما أظهره لنحقق الصادق الإمامة في :بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها.  واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.

 

لكن الذي يعطي التحقيق . أن الباء من براءة من اللّه بدل من البسملة كلها نقلت إلى سورة النمل في الكتاب السليماني فهذا الحرف البائي إنما وقعت الكناية به في حال كسره لأنه ثنائيّ على صورة الحضرة الإلهية .

فإنه عين العبد الجامع الإنساني الصوري ، وكذلك بالصورة الإنسانية وهي حرف الباء .

ظهر الاقتدار والحكم في المملكة وبهذا كنى عنه بالخلافة فكان ظاهرا لباطنيّته المستخلفة وشهادة لغيبيته ليكون مطلوبا أبدا .

فيكون الافتقار لازما والحاجة . ويكون العبد مقدسا مشهودا حجابا أحمى . وهو أينيّة المعنى المطلوب الذي كان في العماء .

وقد أشار من قدس غيبه لذلك فقال : « ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي » فافهم . أورده العجلوني

 

اسم « اللّه » :

اسم وقع في القرآن باللسانين . وهو الاسم المحيط . فجميع الأسماء تحت حيطته ، وهو لها كالذات لما تحمله من المعاني وهو اسم الذات المجازية ، التي ستتنوّع في الصور على البصائر ، والأبصار .

وظهر هذا التنوّع البصري في أعيان الأرواح كالصورة الدحيية ، وشبهها . وظهر التنوّع البصري في الإنسان .

ويكون له التنوع البصري وقتا ، وفي سوق الجنان قلب الأعيان في صور الإحسان .

فقد ظهر التنوّع الإلهيّ في العالم ، وهو ما يؤيد باب الصورة المفطورة .

والهو من هذا الاسم : هو اسم الذات الحقيقية التي تتنوع فيها الصور وتتقدس في نفسها عن التّنوّع والتحول .

وسيأتي اسم الهو بعد هذا .

فهذا الاسم كلمة نفي رفعتها الروحانيات العلى إليها وشدّت تمكّنها بها لتنفي بذلك كل ما سوى الهو ، وألف الأنا ، ولام الألف النافية موجودة في رسم الهو .

هكذا فانظر هو .

فاللّه الهو ، والهو اللّه .

فتارة يكون الهو بالهو . ولكن بوجود الأنا ، وتارة يكون الهو بالأنا ، والأنا بالهو .

فوقعت الألف الإنيّة غير متصلة ولا متصل بها ظاهرا وباطنا .

ووقع الهو مثل ذلك باطنا لا ظاهرا رسميا ، ولكن ظاهرا فهوانيا .

فإنه لا يصح اتصالها مع كلمة العدم . فإن الهو كلمة وجودية ، وهذه حرف النفي . فإن الألف فيه ظاهر .

ثم قد يقع الهو بالهاء والهي وقد أشرنا لذلك

و « لياء »  لإضافة في قولنا :

انظر إذا ما قلت هو أو قلت ها  ....  وتفطّن الخريت لي وتنبّها

وأنّا يولد منها هي والذي  .....  يعطي أنا تجد الدنيّ تألّها

ما ياء إنّي غير واو الهو ولا  ..... هو ذاته عند اللطائف والنّهى

إنّ النّهى معقولة بنفوسها  .....  وكذا النفوس بهو وهي عقلت وها

فإذا دعاها السّرّ في غسق الدّجى  ....  ليحلّها بالعين من عند اللها

قالت :

أنا محبوسة بدعائكم  ....  ما بين مبدي جودكم والمنتهى

وقد اندرج في الكلام في هذا الاسم اللسانان .

وهي إشارات قدسية تتميماتها غيب فيها ليعرف المدّعي المستور على الحقائق أين هو فلينتقل .

 

اسم « الرحمن » :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 )[ الرحمن : 1 ، 2 ] .

رحيم بين رحمانين كنهر بين بستانين . وتلميذ حديد القلب ملقى بين أستاذين . فقل للحاذق النحرير إن السرّ في هذين .وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى[ الأعراف : 180 ] ، وللرحمن الأسماء الحسنى .

وهما المدعوان لكن اللّه منيع الحمى مفردا أبدا . والرحمن منيع الحمى مثله ما دامت ألف أنا ، ولام المعرفة معه . فإذا زالا أخذته الإضافة .

فقيل : رحمان اليمامة فهو منيع الحمى على الإطلاق ولهذا ناب مناب الاسم اللّه .

 

وإنما قيل الإضافة لأمرين :

الأمر الواحد : ما ذكرناه من زوال ألف الأنا .

والأمر الآخر : أنّ اللّه وهو الهو إذا وقعت الكناية عنه دخل النكران كما دخل في رحمان .

فقيل : إلهك وإلهي . كما قيل : رحمان الدنيا والآخرة .

فلمّا وقع الشّبه بين الاسمين كان ما ذكرناه لسان لم يقولوا : « وما اللّه » حين قيل لهم : « اعبدوا اللّه » .

وقالوا : « وما الرحمن » . حين قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ[ الفرقان : 1 ] .

فإن الرحمة تناقض التكليف . بخلاف الألوهية . فلهذا زادهم نفورا . فإنهم ما عقلوا الحقيقة ، ولو عرفوا أن للرحمن الأسماء الحسنى ، كما هي للّه ، لعرفوا أن من أسماء الرحمن المكلف والمعبود وغير ذلك . فافهم .

 

ولمّا كانت المهيمنيّة على جميع الأسماء لذلك اختص الاستواء وبما في السماوات والأرض وما بينهما ، وما تحت الثرى ، وبالعلم بالسرّ وما هو أخفى . فإن الهو المجاور للإنّ الحقيقي كناية عن الرحمن الرَّحْمنُ ( 1 )[ الرحمن : 1 ] بعدم المعارضة والإعجاز وهي علامته فيه ولكن من كونه قرآنا لا فرقانا .

ولهذا قال :بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ[ الأسراء : 88 ] . ولم يقل الفرقان .

فإن مقام الجمع صعب المنال جدا . فالرحمن جمع الجمع . فإنه المعلم الجاعل العلامة في عين الجمع بالتمانع ، فافقه . ويكفي هذا القدر باللسانين .

 

اسم « الرحيم » :

اسم من ثلاثة أسماء ظهرت في كل منزلة ، وهو اسم مشترك في التفكير ، مفرد في التعريف . اسم مختص بالإيمان والتقوى والإنفاق والاتباع . وهو الاسم الكاتب على نفس الربّ . وهو في الألوهية مطلق . فإذا اتبع لاسم آخر فليس لضعف فيه مثل قوله :غَفُورٌ رَحِيمٌ[ البقرة : 173 ] ، والْبَرُّ الرَّحِيمُ[ الطور : 28 ] .

قال :وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً[ الأحزاب : 43 ] .

وقال :بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[ التوبة : 128 ] .

فإن الرحمانية لها الوجود الإيجادي ، ولها الصبغة . والرحيم له الصبغة والنعت والصفة وهو شجنه من مسمّاه إذا أطلق على الكون فهو أبدا يطلب الوصل ويكره القطع والفصل هو الآخر والمباشر للمنزلة .

لأن المنزلة والمرتبة للشيء لا يكون إلّا بعد وجود عينه فكان اللّه ولا شيء معه . وهو الآن على ما عليه كان .

والرحمن : لإيجاد الأعيان . والرحيم : لتعيين المراتب . ولهذا كانت السورة من القرآن بالسين .

قال النابغة : ألم تر أن اللّه أعطاك سورة . أي : منزلة .

ألف أنا ، أيّد الفهوانية به ، ولام التعريف نكرة لكونه ليس هو . فإن الهو لا يقبل الزيادة ، لأنه نفس المعرفة . ولولا هذه الأسماء ما هي نابتة عن الهو ما كان لها هذا الحكم ، ولما لم تكن عين الهو . لهذا قبلت التعريف .

 

اسم « ربّ » الإضافة :

الربّ المضاف حكمه حكم ما أضيف إليه . لأنه لا يعطى إلّا بحسب ما يقتضي مرتبة المضاف إليه ، وأعلى مراتب الإضافة أن يضاف إلى كل ما سواه . فإنه يقرب من مرتبة الرب المطلق .

أين قوله : رب العالمين . وقوله : وهو رب كل شيء . من قوله : ربكم وربّ آبائكم . أو قوله : ربّ السماوات .

 

فإذا أطلق من غير تقييد فهو الهو الثابت وليس له حكم . فإنه ليس ثمّ سوى الهو ، وإذا قيّد فلا بدّ من وجود العين وظهور السلطان .

 

اسم « مالك الملك » إذا أضيفا :

الكلام في إضافته كما تقدم في الربّ ، وهكذا كل مضاف إليه هذا الاسم تحت حيطة الرب وهو عنه ومن سريته ولا يصح أن يكون مطلقا أبدا لا بالقوة ولا بالفعل .

والملك : ملكان . - ملك يجوز بيعه . - وملك لا يجوز بيعه .

فملك هذا المالك يصح فيه البيع من وجه ولا يصح في مرتبة أخرى ، ولهذا اشترى من المؤمنين أنفسهم ، واشترى منه الضلالة بالهدى .

والملك : ملكان . - ملك يعزل عنه مالكه . على زعم الذي يعزله . وهو قوله :لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ[ غافر : 16 ] . –

وملك لا يعزل عنه مالكه .

وهذا كله موجود في الحضرة الإلهية غير العامة لتنزلها وعندنا لما تعطيه الحقائق ، وإن تنزل . فلو لا ما أعطت الحقائق تنزّله ما تنزل .

ولما كان لا يصح ملك بين اثنين . قلنا هذا وقد أقرّ لنا بالملك .

فقال :أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ[ النساء : 3 ] . فأيّد الملك باليمين التي هي القوة . فصحّ ، ولا تبالي من الاشتراك في الملك . فإنه ليس بصحيح عند الانتقاد والفحص . فإن الذي لهذا منه غير الذي للشريك منه .

فالملك إنا مقرّون بالوحدانية أبدا .

كناية « ك » :

اسم خطابي يطلب الحضور والمشاهدة والرؤية . لكن بابه الحضور خاصة ، وقد يكون الحجاب ، وقد يكون إلّا في حق اللّه تعالى . فإن الخطاب والمشاهدة لا يجتمعان فلا بد من الحجاب .

وأمّا في الكون فلا تبالي بشيء إلّا المحبين في وقت ما ، لا في كل وقت .

وهذا الكاف هو اسم للذات المجازية وكذلك الياء في إِنِّي أَنَا رَبُّكَ[ طه : 12 ] وغير ذلك .

وهو المؤيد للتسعة عشر . وهم السبعة والاثنا عشر . ولا بد من عجز الكون فلا بد من تأييد القادر وهو العشرون وهو الكاف ، وهو نظير الباء في العقد الأول فإنه ثان .

 

كناية « العابد » : نيابة

« مرضت فلم تعدني ، وجعت فلم تطعمني ».

وهذا الاسم هو الذي يهب من تحت الأرجل ، وكان يدعو عليه اللهم .

ويستعيذ أن يغتال من تحته وكل ذم وقع في الوجود في فعل من الأفعال من اللّه أو على لسان الكون . فهو على هذا الاسم وكل حاجة تقضى في العالم عند الدعاء .

فهذا الاسم الذي يقضيها فهو المشؤوم ، وهو بهذه المثابة .

ومن تخلق بهذا الاسم العابد لم يكن أحد فوقه .

وهو المدعوّ بقوله : اهدنا ، ولا تؤاخذنا ، وافعل لنا ، واصنع لنا .

وعن صورة هذا الاسم صدر العالم .

وهو قوله عليه الصلاة والسلام : « خلق آدم على صورته » رواه البخاري ومسلم ورواه غيرهما .

هذه هي الصورة الحقيقية .

وأمّا الصورة المجازية فمن الذات المجازية .

ولهذا قال : خلق آدم . فخصّ هذا الاسم . فإن الآدمية لها هذا المقام .

 

كناية «النّستعين» : نيابة .

لا تصح كمال الحمد والمعرفة في الوجود إلّا بوجود حمد الكون ومعرفته ، وحينئذ تكون المراتب كاملة . وكان طلب العون لكمال الحمد والمعرفة والكون .

إذ ذاك لا شيء لكنه من الأشياء العلمية . لأن مراتب الوجود أربعة .

فخوطب في مرتبة ما منها يطلب العون طلبه الاسم العابد بالاسم المستعين .

فأجاب الكون ، فخرج من وجود العلم إلى وجود العين فكان العون المطلوب في كمال المراتب .

فكان المتعين هذا منه إنما هو مطلوب معاوضة . فطلب العابد والمستعين من المعين والمستعين ، والمستهدى من المستهدي .

فكما أعنتك فأعنّي ، وكما هديتك فاهدني .

وهذا في كل نيابة فأيهم سرّ اللّه ما أعجبه .

 

كناية « المستهدي » :

نيابة من طلب منك العون في أمر ما فقد طلب منك الهداية إلى ظهور طريق ذلك . فإنه بك يظهر ، فأنت المبين له والمهدي فإن العين يجب أن تراه .
ولهذا الاسم المستهدي فإن العلم به ثابت لكن العين له فائدة ، ولا يهتدي لطريقه إلا بوجوده . فلهذا كان الكون المستهدي والهادي .

ثم هذه الكناية تتنوّع بحسب ما يكنى به عنها من الأمور ، وما يتوجه به عليه ، وقد يكون اسما ولكن لا بد أن يكون مسندا فإنه غير مستقل .

كأكثر الأسماء إلّا القليل مثل الحي ، والثابت ، والعالم . وقليل من سرّ به .

الاسم " المنعم " :

اسم أظهر به النعمة التي هي أثره فهو عنها كما هي عنه ، فصار الأمر دوريا ، واتصلت أواخر الدوائر بأوّلها . فلم يتعين أول عن آخر ، ولا آخر عن أول . غير أن هذا الاسم ، وإن انسحب على جميع النعم كما تنسحب عليه جميع النعم من باب الإجمال ولكن لا بد من تقييده بنعمة مخصوصة أي لا شخصية لا يصح إطلاقه مرسلا مثل المنعم في الفاتحة بالسلوك على الصراط المستقيم الذي هو السّرّ فيه ، أو في الأشياء به ولا بد .

فهذا معنى تقييده وكذا جميع الأسماء والكنايات .

 

كناية " المغضوب عليه " :

نيابة ظهرت في الكون عنه تقديسا للجانب الأحمى ترقاه من هذه الكناية بنفسه ، ولهذا شرف الكون حيث كان حبه الذم المتعارف عن الجانب القدسي وتحقيق هذا الإنسان أن كل اسمين تقابلا كالمبلي والمنعم ، وما أشبه ذلك إذا ظهر سلطان أحدهما في المحل فإن مقابله معزول معروض عنه فهو مغضوب عليه إلى أن يدور الدور وتأتي دولته ويعزل صاحبه فينعكس الغضب عليه .

ولذلك إن الغضب لا يصح للذوات ، وإنما يطلب صاحب الفعل وهو الاسم المقابل ، فهو المغضوب عليه وهو المضل مثلا ، والخاذل .

فإن الهادي صاحب المنعم فهو يطلب المغضوب الذي هو المضل . فافهم .

 

كناية " الضّال " :

نيابة الضادّ هنا عن طريق مخصوص دعاه إليه الاسم الهادي وكان المدعو عنك ذلك بحب فسلك به طريق غير الهدى فسمى الهادي المضل ضالا .

لعدوله عما دعاه إليه مما يوافق غرض المدعو آجلا لا عاجلا . فبانت الحقائق .

 

كناية " الكاتب " : نيابة .

وذلك أنه لما ضمّ المعاني إلى القوالب المحتومة وأدرجها فيها ، كان كاتبا .

الكاتب يطلق [ على ] من كان مراده نفس قلمه ، وقلمه أصبعه وأصبعه عين ذاته فيكون هو هو ليس غير . وكل كاتب يفتقر إلى آلة فهو كاتب كون الوجود رق منشور ، والعالم فيه كتاب مسطور ، والقلب بيت معمور بما وسع من « ما وسعني » ، والطور نصف الدائرة الظاهرة الذي هو « ن » .

 ومستوى الرحمن الذي هو العقل السقف المرفوع والنفس الحاملة نسخة الحق والعالم البحر المسجور إن عذاب ربك لواقع بتلاطم الأمواج لاحتراق الرياح والزعازع ما له من دافع لوجود الخلاء ولطافة الهبوب لسان ضم الذات إلى الذات على الموازنة كتابة وانضم لهما كاتب .

وكنية لبستها بكنية حتى إذا التبست نقصت بها يدي فتصادمت الذاتان فتقادما وقع الصلح على أن أكون الظاهر هنا ويكون الباطن ، ويكون هو الظاهر هناك وأكون الباطن فيصح الظاهر والباطن للذاتين بالتجليين في الحضرتين فلا بد من ظاهر وباطن لأنه لا بد مني ومنه فهي الكتابة فإن ظهرنا هنا فإنّا وإن ظهرنا هناك فهو الكاتب لسان المعاني أوجدت ذوات الحروف في أعيانها ، والحروف أوجدت المعاني عندك .

إنك توجد فلا بد لك من مادة ، وهو الحرف .

وهو الأستاذ فلا بد له من مادة التوصل الذي به يقع التلقي منك وهو الحرف فقد اجتمع الأستاذ والتلميذ على إيجاد الحرف . فهي الكتابة وواضعها الكاتب ، وهو اجتماع الذاتين على إيجاده فتحقق .

 

فصل وقد بيّنّا في هذا المدخل كيف ينبغي للعارف  

وقد بيّنّا في هذا المدخل كيف ينبغي للعارف أن يأخذ الأسماء والكنايات ، وكيف ينزلها . فإنا لو وسّعناها حتى نستوفي ما ظهر في الوجود منها لطال الأمر وحاف على وقتنا وتركنا ما هو الأولى بنا من الاشتغال .

فقد مهّدنا السبيل وعرّفنا صورة التأويل ، واللّه يعصم إنه على ما يشاء قدير .

كمل كتاب المدخل بحمد اللّه تعالى وعونه .

وذلك في أواخر شهر ذي الحجة .

سنة تسع وعشرين وثماني مائة . والحمد للّه وحده وصلى اللّه على سيدنا محمد .

وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا .

*

تم بحمد الله رب العالمين

عبد الله المسافر بالله
التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: