الأربعاء، 20 مايو 2020

المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والفناء الأبيات من 3920 - 4103 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري

المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والفناء الأبيات من 3920 - 4103 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري

المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والفناء الأبيات من 3920 - 4103 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري

كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري

المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والفناء الأبيات من 3920- 3936

وبعد ذلك يأتي وادي الفقر والفناء ، ومتى جاز الكلام هنا ؟

فعين هذا الوادي هي النسيان والبكم والصم وذهاب العقل والوجدان ،

وسترى مئات الظلال الخالدة تتلاشى أمام شعاع واحد من شمسك الوضاءة ،

وإذا هاج وماج البحر الكلي ، فهل تبقى نقوش على صفحة ذلك البحر ؟

وكلا العالمين مجرد نقش على سطح هذا البحر ، فكل من يقول لا ، كلامه هراء ، وكفى . وكل من أصيب بالفناء في بحر الكل ،

فقد فني تماما وأصابه البلى ، والقلب في هذا البحر الملئ بالفناء ، لا يجد شيئا سوى الفناء ، فإذا منح الفناء ثانية ، أحاط علما بالخلق ، وتكشفت له أسرار كثيرة .

حينما يمضي السالكون المجربون ، وعظام الرجال إلى ميدان الألم ، يفنون في أول خطوة ، وأي تقدم بعد ذلك ؟

لا جرم ألا يكون للإنسان خطوة ثانية بعد ذلك .

وإن أصابهم الفناء من أول خطوة ، فاعتبرهم من الجماد ، ولو كانوا من الخلق !

فعندما تلقى الأعواد والحطب إلى النار ، تتحول كلها معا إلى رماد ، ويظهر لك الاثنان صورة الواحد ، مع ما يبدو لك من فروق في صفاتها .

وإن يفن نجس في بحر الكل ، يسقط إلى القاع ذليلا بصفاته ، ولكن إن ينزل إلى هذا البحر رجل طاهر ، فسيفنى فناء حقيقيا ،

ولن يبقى له أثر ، حيث تصبح حركته هي حركة البحر . وعندما يفنى ، يكون غارقا في مجال الحسن والطهر ،

وإن يحدث هذا ، يكن فانيا وهو موجود ، وهذا يخرج عن نطاق الخيال والعقل . 

المقالة الرابعة والأربعون حكاية 1

الأبيات من  3937 - 3957

ذات ليلة كان الشيخ معشوق الطوسي بحر الأسرار يقول لأحد المريدين : لتذب دائما ، حتى تفني نفسك في العشق تماما ، وتصبح كالشعرة مما بك من ضعف ووهن ،

وعندما يصبح شخصك نحيلا كالشعرة ، فالمكان الأليق بك طرة المعشوق ، فكل من يصبح شعرة في محرابه ، يكون بلا ريب شعرة من شعره . . .

إن كنت مبصرا نافذ البصيرة ، فلتدرك هذه الشعرة من تلك الشعرة . وكل من مضى من بين الجمع ، فهذا هو الفناء ، وإذا فنى عن الفناء ، فهذا هو البقاء ،

وإن كان لك هذا القلب المرتجف ، فامض على الصراط مخلفا تلك النار المتقدة . ولا تغتم فالنار من الزيت ،

وسيظهر من القنديل سناج أسود كجناح الغراب . وأنى للنار أن تزداد لهيبا إذا أبعد الزيت عنها ؟ فإن تشتعل فبفعل الزيت .

إن تسيطر النار المحرقة على الطريق ، فاصنع مدادا من سناجها تسطر به آيات القرآن ، وإن ترغب في الوصول إلى هناك ، فإنك تصل إلى هذه المرتبة العالية ، فتخلص من نفسك أولا ،

ثم امتط براقا من العدم ، وارتد كذلك قباء العدم ، واشرب كأسا مليئة بالفناء ، واطرح عنك ذات مرة خرقة ( ما كان ) ، وتعمم بطيلسان ( لم يكن ) وسر في طريق الفناء متخطيا العدم ، وسق حصان العدم بعيدا عن العدم ،

واعقد على وسطك الغمد ، وتمنطق على غير وسط بمنطقة من ( لا شيء )

واطمس عينيك ، ثم افتحهما بسرعة ، وبعد ذلك كحل عينيك بكحل العدم ، وليصبك الاضمحلال تدريجيا ،

ولتقلل من كل العلائق ، ثم لتفن كلية بعد هذا الاضمحلال ثم امض هكذا في يسر وسهولة ، حتى تصل إلى عالم القلة والعدم ،

وإن يتبق لك قدر شعرة من أثر من هذا العالم ، فليس لك قدر شعرة من علم بذلك العالم ، وإن تبق شعرة من وجودك فستمتلىء البحار السبعة بدنسك .

"" معشوق الطوسي : اسمه محمد وكان من عقلاء المجانين ، عاش بمدينة طوس وبها دفن عاصر ، الشيخ أبا سعيد ميهنه وحدثت بينهما لقاءات وأحاديث ، قال عنه عميد القضاة الهمداني : كان محمد معشوق الطوسي لا يصلي ، ومع هذا فقد سمعت من محمد حموية وأحمد الغزالي رحمهما اللّه : إن الصديقين يوم القيامة يتمنون أن يكونوا ترابا تطؤه قدما معشوق ذات يوم . (انظر نفحات الأنس . . ص : 309 ) ""

المقالة الرابعة والأربعون حكاية 2

الأبيات من  3958 - 3975

اجتمع جمع من الفراشات ذات ليلة ، وكانوا في ضيق يسعون في إثر شمعة ، وقال الجميع يجب على واحدة منا ، أن تأتي بخبر ولو بسيط عن مطلوبنا ،

فطارت فراشة حتى وصلت إلى قصر بعيد ، فرأت في ردهات القصر نورا من شمع ، فرجعت وفتحت دفترها ،

وبدأت في وصفه على قدر فهمها ، فقال لها ناقد ذو مكانة بين الجمع : إنك لم تحظي بمعرفة الشمع .

وطارت فراشة أخرى إلى حيث النور ، وطافت حول الشمع ، وهكذا حلقت حول أشعة المطلوب ، حتى أصبح الشمع هو الغالب وهي المغلوب .

ثم عادت وقصت عليهم بعض الأسرار ، وأعادت عليهم شرح ما تم لها من وصال ، فقال لها الناقد ، إن هذا ليس دليلا مقنعا ، أيتها العزيزة ، فقد قدمت أدلة كالتي قدمتها الفراشة السابقة .

نهضت ثالثة وأسرعت ثملة نشوانة ، وعلى وهج النار استقرت ولهانة ، فاحترقت كلها في النار ، وأفنت نفسها كلية ، وهي في غاية السرور ،

وما أن احتوتها النار ، حتى احمرت أعضاؤها وتلونت بلون النار ، فما أن رآها ناقدهم من بعيد ، ورأى ما فعلته الشمعة بها ، وما تبدل إليه لونها ،

حتى قال : لقد أصابت هذه ، وكفى ، والشخص الذي يعرف ؛ هو من لديه الخبر ، وكفى !

ومن أصبح بلا أثر وبلا خبر ، هو الذي يعرف الخبر من بين الجمع .

وطالما كنت جاهلا بالجسم والروح ، فكيف تدرك أي خبر عن الأحبة في أي وقت ؟

وكل من أشار إليك إشارة طفيفة ، قد سبب لروحك مئات الآلام ، وليست هذه المنزلة كمحرم للنفس ، وهذا المكان لا يتسع لأحد من الناس .

المقالة الرابعة والأربعون حكاية 3

الأبيات من  3976 - 3991

كان أحد الصوفية يمضي في طريقه ، فإذا بجاهل يصفعه صفعة قاسية على قفاه ، فالتفت خلفه ، وقال وهو محزون القلب ، إن من ضربت على قفاه ، قد مات منذ .

قرابة ثلاثين عاما ، ومضى ، فقد سلك عالم الوجود إلى نهايته ، ومضى .

فقال له الرجل : يا من ينطق بالدعوى دون فعل ، متى كان الميت يتكلم ؟ فليصبك اللّه بالخجل .

ما دمت تنطق ، فلست رفيقا ، وما دام لك وجود ، فلست محرما للأسرار . . . .

وإن توجد شعرة واحدة فيما بينكما ، تكن كمائة عالم من المسافات فيما بينكما ، وإن تبغ الوصول إلى هذا المنزل ، فكم تتألم لو بقي من وجودك شعرة.

ففي كل ما تملك أشعل النار ، حتى رباط القدم أشعل فيه النار، وعندما لا يبقى أي شيء، تفكر في الكفن ، وألق نفسك عاريا وسط النار،

وعندما تصبح رمادا ، وكذا متاعك ، فسيصيب النقصان تفكيرك ، فلو كنت كعيسى ، وبقيت عنك ولو إبرة واحدة ،

فاعلم أنه ما زال في طريقك مائة لص . ولكن لو كنت كعيسى وقد تخلى عن متاعه ، لخاطت إبرته عدة غرز على القبة .

عندما يبدو الحجاب في هذا المكان ، يصبح حجابك المال والملك والسلطان ، فكل ما تملك تخل عنه واحدا واحدا ، ثم ابدأ بالخلوة مع نفسك ،

وإذا ما اجتمع قلبك في الوجد فإنك تخرج عن نطاق الحسن والسوء ، وعندما ينعدم الحسن والسي تصبح عائقا ، ثم تصير بفناء العشق لائقا .

المقالة الرابعة والأربعون حكاية 4

الأبيات من   3992 - 4097

كان هناك ملك كالقمر ضياء ، وكالشمس عظمة ، وكان له ابن في جمال يوسف ، ولم يكن لشخص قط ابن في حسنه ، كما لم يحط إنسان قط بمثل عزه ومكانته ،

فقد أصبح الجميع عاشقي ترابه ، وأصبح السادة كلهم عبيد طلعته ، وإذا ظهر بالليل من بين الحجب ،

فكأن شمسا جديدة قد أرسلت أشعتها في البطاح ، ولا مجال لوصف وجهه ، فالنهار لا يرقى إلى مكانة شعرة واحدة من وجهه ،

وإذا فعل من طرتيه السوداوين رسنا ، تساقطت مئات الألوف من القلوب في البئر

 وهذا الشبيه بالشمعة ، قد شغل العالم طويلا بطرته المحرقة لكل ما في العالم ، إذ أن وصف طرة الشبيه بيوسف في الجمال ، لا يستطيع أحد سرده في خمسين عاما ، وعينه الشبيهة بالنرجسة ، إذا حركها أشعل النار في الدنيا بأسرها .

وإذا ما تناثر من بسمته السكر ، فقد تفتحت - دون ربيع - مئات .

الألوف من الأزهار ، ولا يعلم أحد قط أي خبر عن فمه ، حيث لا يمكن التحدث عن المعدوم .

وإذا بدا من خلال الحجب ، أثارت كل شعرة منه آلاف الغصص والمصائب ، فقد كان ذلك الأمير فتنة للروح والدنيا ، حيث كان يفوق كل ما أقوله عنه .

وإذا ساق فرسه صوب الميدان ، نزع سيفه وحركه في كل اتجاه ومكان ، وكل من كان ينظر صوب هذا الأمير ، سرعان ما يبعدونه عن الطريق . .

وكان يوجد شيخ مسكين وله ، شغف بالأمير حبا حتى أصابه الوهن ، ولم يحظ منه إلا بالعجز والاضطراب ، حتى فقدت روحه القدرة على الكلام ، ولما لم يجد ملاذا يحميه من تلك الآلام ،

زرع في قلبه وروحه بذور الغم ، فكان يجلس طوال الليل والنهار في محلته ، وقد أغلق عينيه عن خلق العالم كله ، وظل يبكي دون أن ينطق بحرف واحد عن هذا الغم ،

وكان يذبل من عدم الأكل والسهد ، ولم يكن له أي محرم في هذه الدنيا ، لذا كان يجعل همومه طي الكتمان ، وأصبح وجهه آناء الليل والنهار في صفرة الذهب ، تنساب عليه دموع فضية ، وقد جلس منفطر القلب .

وهكذا عاش المسكين القلق ، لعل الأمير يمر من بعيد من وقت إلى آخر . .

إذا بدا الأمير من بعيد ، امتلأت جميع الأسواق بالصياح والهياج ، وثارت في الدنيا مئات الاضطرابات ، حيث تدافع الخلق وتدفقوا من كل صوب ، فأحاط به الجنود من كل حدب ،

وسفكوا دماء مائة شخص كل لحظة ، وعلت الأصوات من الأرض إلى السماء ، واصطف الجنود زهاء فرسخ . .

ما أن سمع ذلك المسكين صوت القائد ، حتى تملكه الاضطراب وتعثرت قدماه ، ووقع مغشيا عليه ، وثارت أشجانه ، وخرج عن وجوده وفقد شعوره ،

وكم يلزم العين في تلك الآونة مئات الألوف من الدموع ، حتى تبكيه بحرقة وتأوه ،

وكان يذرف الدمع غزيرا كالنيل أحيانا ، وتنساب الدموع من عينيه دما أحيانا ، وأحيانا تجمد آهته الدموع في ماقيها ، وأحيانا تحرقه دموعه مما به من حسد ،

لقد أصبح نصف مقتول ، نصف ميت ، كما فقد نصف روحه ، ولم يعد يملك نصف رغيف لما حل به من فقر مدقع .

وهذا الشخص قد أصابه ما أصابه بسبب هذا الأمير ، ومع أن هذا الجاهل قد أصبح كنصف ذرة من ظل ، إلا أنه أراد أن يضم الشمس إلى صدره !

وذات يوم كان الأمير يسير وسط الجند ، فصاح المسكين بأعلى صوته ، وانطلقت منه الصيحة ، وفقد شعوره ،

وقال : لقد احترقت روحي ، كما احترق قلبي من قبل . وكم أردت أن أحرق روحي بسبب ذلك ، إذ لم يعد لي صبر أو طاقة أكثر من ذلك . .

قال المسكين هذا الكلام ، وأخذ يدق رأسه بالحجر ، مما به من آلام . قال هذا وفقد عقله ، ثم سالت الدماء من عينه وأنفه .

وأخيرا فطن قائد جيش الأمير إلى ذلك ، وعزم على سفك دمه ، واتجه صوب الملك ،

وقال : لقد وقع فاسق ولهان ، في عشق ابنك ، أيها السلطان . .

دهش الملك مما به من غيرة ، واضطرب عقله مما به من حرقة ، وقال انهض واصلبه على الأعواد ، ثم قيده ونكسه . .

وأخيرا سارع الجيش وتحلق حول المسكين ، ودفعوا به نحو الأعواد ، فتملك الحزن جمعا من الخلق لما حل به ، ولكن لم يكن أحد يدرك مقدار آلامه ، كما لم يستطع أحد طلب الشفاعة له .

وما أن أحضره الوزير تحت العود ، حتى انطلقت منه زفرة عالية مما به من حسرة ،

وقال : باللّه عليك ، أمهلني قليلا ، حتى أسجد سجدة واحدة تحت المقصلة . .

أمهله ذلك الوزير الغضوب ، حتى وضع وجهه على التراب .

وفي وسط السجدة قال : يا رب ، لم يريد السلطان قتلي دون ذنب ؟

وإن أكن قد فقدت الروح قبل ، فاطلعني ذات يوم على جمال ذلك الغلام .

فإن أر ذات مرة وجهه ، أقدم مائة ألف روح فداءه ، إلهي ، إن عبدك المتضرع إليك قد أصبح عاشقا وقتيل أعتابك ، وبروحي أصبحت أسير عشقك ، وطالما كنت عاشقا ، فلست كافرا .

إنك تلبي مئات الألوف من الأمنيات ، فيسر لي أمري وحقق لي بغيتي .

ما أن طلب ذلك المظلوم بالطريق ما به من حاجة ، حتى أصاب سهمه الهدف والغاية ، فقد سمع الوزير ما كان يخفيه واغتم قلبه لآلام ذلك المسكين ،

فذهب إلى السلطان وانتجب ، وشرح له حال ذلك المسلوب القلب ، وتكلم عن تضرعه في المناجاة ، كما قال حاجته وسط الصلاة ،

فاغتم السلطان بسببه وترفق به ، وعزم قلبه على العفو ،

وفي الحال قال السلطان لابنه الأمير :

لا تصد عنك هذا الذي خر صريعا ، بل انهض في التو وسر حتى الأعواد ، سر إلى ذلك المسكين الحسير ، وادع صريعك إليك ، ورد عليه قلبه فقد أصبح عاشقك ، وتلطف معه فقد تحمل قهرك ،

واشرب معه العسل فطالما تجرع السم بسببك ، وخذ بيده ، وامض به صوب روضة ، وحينما ترجع فليمثل معك أمامي . .

ذهب الأمير الشبيه بيوسف في الجمال ليجالس المسكين ويتم الوصال . ذهب ذو الوجه المتقد كالشمس ، حتى يكون في خلوة مع ذرة .

ذهب ذلك البحر الغاص بالجواهر ليكون في وصال قطرة ، ولكم أن تفرحوا في هذا المقام لما تملككم من سعادة ،

ولكم أن ترقصوا وتصفقوا لما اعتراكم من مسرة ؛ ففي النهاية سار الأمير صوب الأعواد ، وهنا ثارت الفتن والغوغاء وكأنه يوم الميعاد ، ولكنه وجد أن المسكين قد وهن .

وجده وقد نكس رأسه على التراب ، فأصبح التراب طينا من دماء عينيه ،

وعمت العالم كله الحسرة عليه ، لقد أصابه الهزال والضعف والوهن ، وأي شي أسوأ من ذلك ؟ .

ما أن رأى الأمير ذلك المدرج بالدماء ، حتى فاضت عيناه بالدمع والدماء ، وأراد أن يخفي دموعه عن الجند ، ولكن هيهات أن تنطلق زفرة دون دمع .

فانهمرت دموعه كالمطر الغزير ، فأحدث ذلك الكثير من الآلام بين الجمع الغفير . .

كل من كان صادقا في عشقه ، تساوى لديه العاشق والمعشوق ، وإن يظهر لك العشق الصادق ، فأنت عاشق ، وسيأتيك معشوقك . .

وأخيرا نادى الأمير الشبيه بالشمس ذلك المسكين في رقة وهمس ، ولم يكن المسكين قد سمع من قبل صوت سلطان الجمال ، ولكن كثيرا ما رآه من بعيد ، فما أن رفع المسكين رأسه من تراب ذلك الطريق ؛

حتى رأى في مواجهته وجه سلطانه . إن النار المحرقة لا تقدر على شي مع بحر غاص بالماء ، وقد كان ذلك المسكين الولهان نارا ،

فما أجمل أن جاءت سقطته على مقربة من بحر ، وتراقصت روحه على شفتيه ،

وقال : أيها السلطان ، كيف تستطيع أن تقتل ضعيفا مثلي أنا الولهان ؟

لا حاجة بك إلى هؤلاء الجنود البواسل .

قال هذا ، وما نطق بعدها مطلقا ، بل أطلق صيحة وأسلم الروح ، ومات ، فكان كشمعة تبسمت ثم ماتت ، فعندما أدرك الوصال مع الحبيب فنى فناء مطلقا ، وأصبح عدما . .

يدرك السالكون في محيط الألم ، ماذا يصنع فناء العشق مع الرجال ، فيا من اختلط وجودك بالعدم ، واختلطت لذاتك بالألم ، ما لم تقض فترة في ألم واضطراب ، فكيف تدرك أي خبر عن وجودك ؟

لقد قفزت كالبرق فاتحا يدك ، ولكنك توقفت أمام كومة من الثلج .

فأي عمل هذا الذي تفعله ؟

تقدم بشجاعة ، وأحرق العقل وتقدم كالمجنون . فإن ترغب في فعل هذا السر ، فتقدم ذات مرة متفحصا ولو للحظة ، لقد أكثرت من التفكير ، فتخل عن نفسك مثلي ،

وافقد الشعور بالذات لحظة ، حتى تصل في النهاية إلى الفقر ، وتصل في كمال الذوق إلى الفناء . .

من أكون أنا ؟

لا بقاء لي ولا لغيري ، فشرى أعظم من العقل وأعظم كذلك من خيري .

لقد فنيت في نفسي دفعة واحدة ، ولا حيلة لي غير الذلة والمسكنة ، وما أن أشرقت أمامي شمس الفقر ،

فسرعان ما أدركت أن كلا العالمين عديما القيمة ، وعندما رأيت شعاع هذه الشمس ، أصابني الفناء ، وهكذا عاد الماء إلى مجاريه ،

وكل ما حملته وكل ما لعبت به ، ألقيت به كله في الماء الآسن ، لقد فنيت وصرت إلى العدم ، وما بقيت مطلقا ، وأصبحت ظلا ، وما بقيت مني ذرة واحدة حائرة .

وكنت قطرة ، ففنيت في بحر الأسرار ، ولا أجد اليوم تلك القطرة مرة أخرى ، ومع أن الفناء ليس في متناول كل إنسان ،

فقد فنيت ومثلي كثيرون ، ومن ذا الذي لن يصيبه الفناء من بين ساكني العالم من الأرض إلى السماء ؟ . .

فلا بد من الفناء لهم جميعا ، وسواء قصرت حياتهم أو طالت ، لا بد لهم من الفناء . .

المقالة الرابعة والأربعون حكاية 5

الأبيات من 4098 - 4103

سأل أحد الصالحين النوري هذا السؤال : كيف يكون الطريق بالنسبة إلينا حتى يتم الوصال ؟

"" النوري : اسمه أحمد بن محمد وقيل محمد بن محمد ، وهذا أصح ويعرف باسم ابن البغوي لأن والده من مدينة بغشور التي كانت تقع بين هراة ومرو ، وكان مولده ومنشأه في بغداد ، وصحب سرى السقطي ومحمد بن علي القصاب وأحمد بن الحواري ، كما رأى ذا النون ، وكان من أقران الجنيد وعندما مات ، قال الجنيد : ذهب نصف هذا العلم بموت النوري .   انظر نفحات الأنس ص 78 - 79 .""

قال : إن لنا سبعة بحار من نور ونار ، ولا بد من سلوك طريق طويل طويل ، وعندما تعبر تلك البحار السبعة ، ستجذبك السمكة في لحظة ، وهذه السمكة التي تتنفس من صدرها ، هي التي تجذب الأولين والآخرين إليها ، إنها كحوت لا بداية له ولا نهاية ، وهي مستقرة وسط بحر الاستغناء ، وعندما تجذب الشبيهة بالتمساح هذه كلا العالمين ، فإنها تجذب في لحظة واحدة كل الخلق أجمعين .

"" صورة اللّه والسيد المسيح كما عرضها المسيحيون الأولون هي صورة السمكة . انظر ترجمة منطق الطير الفرنسية هامش ص 289 .

راجع سفر متى ( اصحاح 20 ) آية 8 وما بعدها نقلا عن : نفس المرجع السابق ونفس الصفحة .""

التسميات:
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: