الأربعاء، 20 مايو 2020
المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والفناء الأبيات من 3920 - 4103 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري
المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والفناء الأبيات من 3920- 3936
وبعد ذلك يأتي وادي الفقر
والفناء ، ومتى جاز الكلام هنا ؟
فعين هذا الوادي هي النسيان
والبكم والصم وذهاب العقل والوجدان ،
وسترى مئات الظلال الخالدة
تتلاشى أمام شعاع واحد من شمسك الوضاءة ،
وإذا هاج وماج البحر الكلي ،
فهل تبقى نقوش على صفحة ذلك البحر ؟
وكلا العالمين مجرد نقش على
سطح هذا البحر ، فكل من يقول لا ، كلامه هراء ، وكفى . وكل من أصيب بالفناء في بحر
الكل ،
فقد فني تماما وأصابه البلى ،
والقلب في هذا البحر الملئ بالفناء ، لا يجد شيئا سوى الفناء ، فإذا منح الفناء
ثانية ، أحاط علما بالخلق ، وتكشفت له أسرار كثيرة .
حينما يمضي السالكون المجربون
، وعظام الرجال إلى ميدان الألم ، يفنون في أول خطوة ، وأي تقدم بعد ذلك ؟
لا جرم ألا يكون للإنسان خطوة
ثانية بعد ذلك .
وإن أصابهم الفناء من أول خطوة
، فاعتبرهم من الجماد ، ولو كانوا من الخلق !
فعندما تلقى الأعواد والحطب
إلى النار ، تتحول كلها معا إلى رماد ، ويظهر لك الاثنان صورة الواحد ، مع ما يبدو
لك من فروق في صفاتها .
وإن يفن نجس في بحر الكل ،
يسقط إلى القاع ذليلا بصفاته ، ولكن إن ينزل إلى هذا البحر رجل طاهر ، فسيفنى فناء
حقيقيا ،
ولن يبقى له أثر ، حيث تصبح
حركته هي حركة البحر . وعندما يفنى ، يكون غارقا في مجال الحسن والطهر ،
وإن يحدث هذا ، يكن فانيا وهو موجود ، وهذا يخرج عن نطاق الخيال والعقل .
المقالة الرابعة والأربعون حكاية 1
الأبيات
من 3937
- 3957
ذات ليلة كان الشيخ معشوق الطوسي
بحر الأسرار يقول لأحد المريدين : لتذب دائما ، حتى تفني نفسك في العشق تماما ،
وتصبح كالشعرة مما بك من ضعف ووهن ،
وعندما يصبح شخصك نحيلا
كالشعرة ، فالمكان الأليق بك طرة المعشوق ، فكل من يصبح شعرة في محرابه ، يكون بلا
ريب شعرة من شعره . . .
إن كنت مبصرا نافذ البصيرة ،
فلتدرك هذه الشعرة من تلك الشعرة . وكل من مضى من بين الجمع ، فهذا هو الفناء ،
وإذا فنى عن الفناء ، فهذا هو البقاء ،
وإن كان لك هذا القلب المرتجف
، فامض على الصراط مخلفا تلك النار المتقدة . ولا تغتم فالنار من الزيت ،
وسيظهر من القنديل سناج أسود
كجناح الغراب . وأنى للنار أن تزداد لهيبا إذا أبعد الزيت عنها ؟ فإن تشتعل فبفعل
الزيت .
إن تسيطر النار المحرقة على
الطريق ، فاصنع مدادا من سناجها تسطر به آيات القرآن ، وإن ترغب في الوصول إلى
هناك ، فإنك تصل إلى هذه المرتبة العالية ، فتخلص من نفسك أولا ،
ثم امتط براقا من العدم ،
وارتد كذلك قباء العدم ، واشرب كأسا مليئة بالفناء ، واطرح عنك ذات مرة خرقة ( ما
كان ) ، وتعمم بطيلسان ( لم يكن ) وسر في طريق الفناء متخطيا العدم ، وسق حصان
العدم بعيدا عن العدم ،
واعقد على وسطك الغمد ، وتمنطق
على غير وسط بمنطقة من ( لا شيء )
واطمس عينيك ، ثم افتحهما
بسرعة ، وبعد ذلك كحل عينيك بكحل العدم ، وليصبك الاضمحلال تدريجيا ،
ولتقلل من كل العلائق ، ثم
لتفن كلية بعد هذا الاضمحلال ثم امض هكذا في يسر وسهولة ، حتى تصل إلى عالم القلة
والعدم ،
وإن يتبق لك قدر شعرة من أثر من هذا العالم ، فليس لك قدر شعرة من علم بذلك العالم ، وإن تبق شعرة من وجودك فستمتلىء البحار السبعة بدنسك .
"" معشوق الطوسي : اسمه محمد وكان من عقلاء المجانين ، عاش بمدينة طوس وبها دفن عاصر ، الشيخ أبا سعيد ميهنه وحدثت بينهما لقاءات وأحاديث ، قال عنه عميد القضاة الهمداني : كان محمد معشوق الطوسي لا يصلي ، ومع هذا فقد سمعت من محمد حموية وأحمد الغزالي رحمهما اللّه : إن الصديقين يوم القيامة يتمنون أن يكونوا ترابا تطؤه قدما معشوق ذات يوم . (انظر نفحات الأنس . . ص : 309 ) ""
المقالة الرابعة والأربعون حكاية 2
الأبيات
من 3958
- 3975
اجتمع جمع من الفراشات ذات
ليلة ، وكانوا في ضيق يسعون في إثر شمعة ، وقال الجميع يجب على واحدة منا ، أن
تأتي بخبر ولو بسيط عن مطلوبنا ،
فطارت فراشة حتى وصلت إلى قصر
بعيد ، فرأت في ردهات القصر نورا من شمع ، فرجعت وفتحت دفترها ،
وبدأت في وصفه على قدر فهمها ،
فقال لها ناقد ذو مكانة بين الجمع : إنك لم تحظي بمعرفة الشمع .
وطارت فراشة أخرى إلى حيث
النور ، وطافت حول الشمع ، وهكذا حلقت حول أشعة المطلوب ، حتى أصبح الشمع هو
الغالب وهي المغلوب .
ثم عادت وقصت عليهم بعض
الأسرار ، وأعادت عليهم شرح ما تم لها من وصال ، فقال لها الناقد ، إن هذا ليس
دليلا مقنعا ، أيتها العزيزة ، فقد قدمت أدلة كالتي قدمتها الفراشة السابقة .
نهضت ثالثة وأسرعت ثملة نشوانة
، وعلى وهج النار استقرت ولهانة ، فاحترقت كلها في النار ، وأفنت نفسها كلية ، وهي
في غاية السرور ،
وما أن احتوتها النار ، حتى
احمرت أعضاؤها وتلونت بلون النار ، فما أن رآها ناقدهم من بعيد ، ورأى ما فعلته
الشمعة بها ، وما تبدل إليه لونها ،
حتى قال : لقد أصابت هذه ، وكفى ، والشخص الذي يعرف
؛ هو من لديه الخبر ، وكفى !
ومن أصبح بلا أثر وبلا خبر ، هو الذي يعرف الخبر من بين الجمع .
وطالما كنت جاهلا
بالجسم والروح ، فكيف تدرك أي خبر عن الأحبة في أي وقت ؟
وكل من أشار إليك إشارة طفيفة ، قد سبب لروحك مئات الآلام ، وليست هذه المنزلة كمحرم للنفس ، وهذا المكان لا يتسع لأحد من الناس .
المقالة الرابعة والأربعون حكاية 3
الأبيات
من 3976 - 3991
كان أحد الصوفية يمضي
في طريقه ، فإذا بجاهل يصفعه صفعة قاسية على قفاه ، فالتفت خلفه ، وقال وهو محزون
القلب ، إن من ضربت على قفاه ، قد مات منذ .
قرابة ثلاثين عاما ،
ومضى ، فقد سلك عالم الوجود إلى نهايته ، ومضى
.
فقال له الرجل : يا
من ينطق بالدعوى دون فعل ، متى كان الميت يتكلم ؟ فليصبك اللّه بالخجل .
ما دمت تنطق ، فلست
رفيقا ، وما دام لك وجود ، فلست محرما للأسرار
. . . .
وإن توجد شعرة واحدة
فيما بينكما ، تكن كمائة عالم من المسافات فيما بينكما ، وإن تبغ الوصول إلى هذا
المنزل ، فكم تتألم لو بقي من وجودك شعرة.
ففي كل ما تملك أشعل
النار ، حتى رباط القدم أشعل فيه النار، وعندما لا يبقى أي شيء، تفكر في الكفن ،
وألق نفسك عاريا وسط النار،
وعندما تصبح رمادا ، وكذا متاعك ، فسيصيب النقصان تفكيرك ، فلو كنت كعيسى ، وبقيت عنك ولو إبرة واحدة ،
فاعلم أنه ما زال في
طريقك مائة لص . ولكن لو كنت كعيسى وقد تخلى عن متاعه ، لخاطت إبرته عدة غرز على
القبة .
عندما يبدو الحجاب في
هذا المكان ، يصبح حجابك المال والملك والسلطان ، فكل ما تملك تخل عنه واحدا واحدا
، ثم ابدأ بالخلوة مع نفسك ،
وإذا ما اجتمع قلبك في الوجد فإنك تخرج عن نطاق الحسن والسوء ، وعندما ينعدم الحسن والسي تصبح عائقا ، ثم تصير بفناء العشق لائقا .
المقالة الرابعة والأربعون حكاية 4
الأبيات
من 3992 - 4097
كان هناك ملك كالقمر
ضياء ، وكالشمس عظمة ، وكان له ابن في جمال يوسف ، ولم يكن لشخص قط ابن في حسنه ،
كما لم يحط إنسان قط بمثل عزه ومكانته ،
فقد أصبح الجميع
عاشقي ترابه ، وأصبح السادة كلهم عبيد طلعته ، وإذا ظهر بالليل من بين الحجب ،
فكأن شمسا جديدة قد
أرسلت أشعتها في البطاح ، ولا مجال لوصف وجهه ، فالنهار لا يرقى إلى مكانة شعرة
واحدة من وجهه ،
وإذا فعل من طرتيه
السوداوين رسنا ، تساقطت مئات الألوف من القلوب في البئر
وهذا الشبيه بالشمعة
، قد شغل العالم طويلا بطرته المحرقة لكل ما في العالم ، إذ أن وصف طرة الشبيه
بيوسف في الجمال ، لا يستطيع أحد سرده في خمسين عاما ، وعينه الشبيهة بالنرجسة ،
إذا حركها أشعل النار في الدنيا بأسرها .
وإذا ما تناثر من
بسمته السكر ، فقد تفتحت - دون ربيع - مئات
.
الألوف من الأزهار ،
ولا يعلم أحد قط أي خبر عن فمه ، حيث لا يمكن التحدث عن المعدوم .
وإذا بدا من خلال
الحجب ، أثارت كل شعرة منه آلاف الغصص والمصائب ، فقد كان ذلك الأمير فتنة للروح
والدنيا ، حيث كان يفوق كل ما أقوله عنه .
وإذا ساق فرسه صوب الميدان ، نزع سيفه وحركه في كل اتجاه ومكان ، وكل من كان ينظر صوب هذا الأمير ، سرعان ما يبعدونه عن الطريق . .
وكان يوجد شيخ مسكين
وله ، شغف بالأمير حبا حتى أصابه الوهن ، ولم يحظ منه إلا بالعجز والاضطراب ، حتى
فقدت روحه القدرة على الكلام ، ولما لم يجد ملاذا يحميه من تلك الآلام ،
زرع في قلبه وروحه
بذور الغم ، فكان يجلس طوال الليل والنهار في محلته ، وقد أغلق عينيه عن خلق
العالم كله ، وظل يبكي دون أن ينطق بحرف واحد عن هذا الغم ،
وكان يذبل من عدم
الأكل والسهد ، ولم يكن له أي محرم في هذه الدنيا ، لذا كان يجعل همومه طي الكتمان
، وأصبح وجهه آناء الليل والنهار في صفرة الذهب ، تنساب عليه دموع فضية ، وقد جلس
منفطر القلب .
وهكذا عاش المسكين
القلق ، لعل الأمير يمر من بعيد من وقت إلى آخر
. .
إذا بدا الأمير من
بعيد ، امتلأت جميع الأسواق بالصياح والهياج ، وثارت في الدنيا مئات الاضطرابات ،
حيث تدافع الخلق وتدفقوا من كل صوب ، فأحاط به الجنود من كل حدب ،
وسفكوا دماء مائة شخص
كل لحظة ، وعلت الأصوات من الأرض إلى السماء ، واصطف الجنود زهاء فرسخ . .
ما أن سمع ذلك
المسكين صوت القائد ، حتى تملكه الاضطراب وتعثرت قدماه ، ووقع مغشيا عليه ، وثارت
أشجانه ، وخرج عن وجوده وفقد شعوره ،
وكم يلزم العين في
تلك الآونة مئات الألوف من الدموع ، حتى تبكيه بحرقة وتأوه ،
وكان يذرف الدمع غزيرا كالنيل أحيانا ، وتنساب الدموع من عينيه دما أحيانا ، وأحيانا تجمد آهته الدموع في ماقيها ، وأحيانا تحرقه دموعه مما به من حسد ،
لقد أصبح نصف مقتول ،
نصف ميت ، كما فقد نصف روحه ، ولم يعد يملك نصف رغيف لما حل به من فقر مدقع .
وهذا الشخص قد أصابه
ما أصابه بسبب هذا الأمير ، ومع أن هذا الجاهل قد أصبح كنصف ذرة من ظل ، إلا أنه
أراد أن يضم الشمس إلى صدره
!
وذات يوم كان الأمير
يسير وسط الجند ، فصاح المسكين بأعلى صوته ، وانطلقت منه الصيحة ، وفقد شعوره ،
وقال : لقد احترقت روحي ، كما احترق قلبي من قبل
. وكم أردت أن أحرق روحي بسبب ذلك ، إذ لم يعد لي صبر أو طاقة أكثر من ذلك . .
قال المسكين هذا
الكلام ، وأخذ يدق رأسه بالحجر ، مما به من آلام
. قال هذا وفقد عقله ، ثم سالت الدماء من عينه وأنفه
.
وأخيرا فطن قائد جيش
الأمير إلى ذلك ، وعزم على سفك دمه ، واتجه صوب الملك ،
وقال : لقد وقع فاسق ولهان ، في عشق ابنك ، أيها
السلطان . .
دهش الملك مما به من
غيرة ، واضطرب عقله مما به من حرقة ، وقال انهض واصلبه على الأعواد ، ثم قيده
ونكسه . .
وأخيرا سارع الجيش
وتحلق حول المسكين ، ودفعوا به نحو الأعواد ، فتملك الحزن جمعا من الخلق لما حل به
، ولكن لم يكن أحد يدرك مقدار آلامه ، كما لم يستطع أحد طلب الشفاعة له .
وما أن أحضره الوزير
تحت العود ، حتى انطلقت منه زفرة عالية مما به من حسرة ،
وقال : باللّه عليك ، أمهلني قليلا ، حتى أسجد
سجدة واحدة تحت المقصلة
. .
أمهله ذلك الوزير
الغضوب ، حتى وضع وجهه على التراب .
وفي وسط السجدة قال : يا رب ، لم يريد السلطان قتلي دون ذنب ؟
وإن أكن قد فقدت الروح قبل ،
فاطلعني ذات يوم على جمال ذلك الغلام .
فإن أر ذات مرة وجهه ، أقدم
مائة ألف روح فداءه ، إلهي ، إن عبدك المتضرع إليك قد أصبح عاشقا وقتيل أعتابك ،
وبروحي أصبحت أسير عشقك ، وطالما كنت عاشقا ، فلست كافرا .
إنك تلبي مئات الألوف من
الأمنيات ، فيسر لي أمري وحقق لي بغيتي .
ما أن طلب ذلك المظلوم بالطريق
ما به من حاجة ، حتى أصاب سهمه الهدف والغاية ، فقد سمع الوزير ما كان يخفيه واغتم
قلبه لآلام ذلك المسكين ،
فذهب إلى السلطان وانتجب ،
وشرح له حال ذلك المسلوب القلب ، وتكلم عن تضرعه في المناجاة ، كما قال حاجته وسط
الصلاة ،
فاغتم السلطان بسببه وترفق به
، وعزم قلبه على العفو ،
وفي الحال قال السلطان لابنه
الأمير :
لا تصد عنك هذا الذي خر صريعا
، بل انهض في التو وسر حتى الأعواد ، سر إلى ذلك المسكين الحسير ، وادع صريعك إليك
، ورد عليه قلبه فقد أصبح عاشقك ، وتلطف معه فقد تحمل قهرك ،
واشرب معه العسل فطالما تجرع
السم بسببك ، وخذ بيده ، وامض به صوب روضة ، وحينما ترجع فليمثل معك أمامي . .
ذهب الأمير الشبيه بيوسف في
الجمال ليجالس المسكين ويتم الوصال . ذهب ذو الوجه المتقد كالشمس ، حتى يكون في
خلوة مع ذرة .
ذهب ذلك البحر الغاص بالجواهر
ليكون في وصال قطرة ، ولكم أن تفرحوا في هذا المقام لما تملككم من سعادة ،
ولكم أن ترقصوا وتصفقوا لما
اعتراكم من مسرة ؛ ففي النهاية سار الأمير صوب الأعواد ، وهنا ثارت الفتن والغوغاء
وكأنه يوم الميعاد ، ولكنه وجد أن المسكين قد وهن .
وجده وقد نكس رأسه على التراب ، فأصبح التراب طينا من دماء عينيه ،
وعمت العالم كله الحسرة عليه ،
لقد أصابه الهزال والضعف والوهن ، وأي شي أسوأ من ذلك ؟ .
ما أن رأى الأمير ذلك المدرج بالدماء ، حتى فاضت عيناه بالدمع والدماء ، وأراد أن يخفي دموعه عن الجند ، ولكن هيهات أن تنطلق زفرة دون دمع .
فانهمرت دموعه كالمطر الغزير ،
فأحدث ذلك الكثير من الآلام بين الجمع الغفير . .
كل من كان صادقا في عشقه ، تساوى لديه العاشق والمعشوق ، وإن يظهر لك العشق الصادق ، فأنت عاشق ، وسيأتيك معشوقك . .
وأخيرا نادى الأمير الشبيه
بالشمس ذلك المسكين في رقة وهمس ، ولم يكن المسكين قد سمع من قبل صوت سلطان الجمال
، ولكن كثيرا ما رآه من بعيد ، فما أن رفع المسكين رأسه من تراب ذلك الطريق ؛
حتى رأى في مواجهته وجه سلطانه
. إن النار المحرقة لا تقدر على شي مع بحر غاص بالماء ، وقد كان ذلك المسكين
الولهان نارا ،
فما أجمل أن جاءت سقطته على
مقربة من بحر ، وتراقصت روحه على شفتيه ،
وقال : أيها السلطان ، كيف تستطيع أن تقتل ضعيفا مثلي أنا
الولهان ؟
لا حاجة بك إلى هؤلاء الجنود
البواسل .
قال هذا ، وما نطق بعدها مطلقا
، بل أطلق صيحة وأسلم الروح ، ومات ، فكان كشمعة تبسمت ثم ماتت ، فعندما أدرك
الوصال مع الحبيب فنى فناء مطلقا ، وأصبح عدما . .
يدرك السالكون في محيط الألم ،
ماذا يصنع فناء العشق مع الرجال ، فيا من اختلط وجودك بالعدم ، واختلطت لذاتك
بالألم ، ما لم تقض فترة في ألم واضطراب ، فكيف تدرك أي خبر عن وجودك ؟
لقد قفزت كالبرق فاتحا يدك ،
ولكنك توقفت أمام كومة من الثلج .
فأي عمل هذا الذي تفعله ؟
تقدم بشجاعة ، وأحرق العقل وتقدم كالمجنون . فإن ترغب في فعل هذا السر ، فتقدم ذات مرة متفحصا ولو للحظة ، لقد أكثرت من التفكير ، فتخل عن نفسك مثلي ،
وافقد الشعور بالذات لحظة ،
حتى تصل في النهاية إلى الفقر ، وتصل في كمال الذوق إلى الفناء . .
من أكون أنا ؟
لا بقاء لي ولا لغيري ، فشرى
أعظم من العقل وأعظم كذلك من خيري .
لقد فنيت في نفسي دفعة واحدة ،
ولا حيلة لي غير الذلة والمسكنة ، وما أن أشرقت أمامي شمس الفقر ،
فسرعان ما أدركت أن كلا
العالمين عديما القيمة ، وعندما رأيت شعاع هذه الشمس ، أصابني الفناء ، وهكذا عاد
الماء إلى مجاريه ،
وكل ما حملته وكل ما لعبت به ،
ألقيت به كله في الماء الآسن ، لقد فنيت وصرت إلى العدم ، وما بقيت مطلقا ، وأصبحت
ظلا ، وما بقيت مني ذرة واحدة حائرة .
وكنت قطرة ، ففنيت في بحر
الأسرار ، ولا أجد اليوم تلك القطرة مرة أخرى ، ومع أن الفناء ليس في متناول كل
إنسان ،
فقد فنيت ومثلي كثيرون ، ومن
ذا الذي لن يصيبه الفناء من بين ساكني العالم من الأرض إلى السماء ؟ . .
فلا بد من الفناء لهم جميعا ، وسواء قصرت حياتهم أو طالت ، لا بد لهم من الفناء . .
المقالة الرابعة والأربعون حكاية 5
الأبيات من 4098 - 4103
سأل أحد الصالحين النوري هذا السؤال : كيف يكون الطريق بالنسبة إلينا حتى يتم الوصال ؟
"" النوري : اسمه أحمد بن محمد وقيل محمد بن محمد ، وهذا أصح ويعرف باسم ابن البغوي لأن والده من مدينة بغشور التي كانت تقع بين هراة ومرو ، وكان مولده ومنشأه في بغداد ، وصحب سرى السقطي ومحمد بن علي القصاب وأحمد بن الحواري ، كما رأى ذا النون ، وكان من أقران الجنيد وعندما مات ، قال الجنيد : ذهب نصف هذا العلم بموت النوري . انظر نفحات الأنس ص 78 - 79 .""
قال : إن لنا سبعة بحار من نور ونار ، ولا بد من سلوك طريق طويل طويل ، وعندما تعبر تلك البحار السبعة ، ستجذبك السمكة في لحظة ، وهذه السمكة التي تتنفس من صدرها ، هي التي تجذب الأولين والآخرين إليها ، إنها كحوت لا بداية له ولا نهاية ، وهي مستقرة وسط بحر الاستغناء ، وعندما تجذب الشبيهة بالتمساح هذه كلا العالمين ، فإنها تجذب في لحظة واحدة كل الخلق أجمعين .
"" صورة اللّه والسيد المسيح كما عرضها المسيحيون
الأولون هي صورة السمكة . انظر ترجمة منطق الطير الفرنسية هامش ص 289 .
راجع سفر متى ( اصحاح 20 ) آية
8 وما بعدها نقلا عن : نفس
المرجع السابق ونفس الصفحة .""
مواضيع ذات صله :
اشترك في قناتنا علي اليوتيوب
المشاركات الشائعة
-
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
-
كتاب عقلة المستوفز الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
-
كتاب إنشاء الدوائر الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي الطائي الحاتمي
-
مقدمة كتاب إبداع الكتابة وكتابة الإبداع في شرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية د. سعاد الحكيم
-
المقالة الخامسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 2966 - 3023 .كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين العطار النيسابوري
-
ثانيا شرح الأبيات 17 - 29 من القصيدة العينية .إبداع الكتابة وكتابة الإبداع لشرح قصيدة النادرات العينية فى البادرات الغيبية
-
مقتطفات من الباب 559 من الفتوحات المكية .كتاب شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية
-
الفصل الثالث في بيان رموز هذه الشجرة وما في ضمن الدائرة المذكورة من التنبيه على الحوادث الكونية . كتاب الشجرة النعمانية للشيخ الأكبر ابن الع...
-
الهوامش والشروح 1116 - 1488 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
-
كتاب العظمة . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2020
(579)
-
▼
مايو
(163)
- 21 - باب ترجمة الوهب .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 20 - باب ترجمة السيادة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 19 - باب ترجمة الإنائية .كتاب تاج التراجم الشيخ ال...
- 18 - باب ترجمة الموعظة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 17 - باب ترجمة الرحمة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 16 - باب ترجمة الباطن .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 15 - باب ترجمة الإستواء .كتاب تاج التراجم الشيخ ال...
- 14 - باب ترجمة التقديس .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 13 - باب ترجمة الجمع .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 12 - باب ترجمة الوجود .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 11 - باب ترجمة الغيرة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 10 - باب ترجمة المنة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 09 - باب ترجمة التعظيم .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 08 - باب ترجمة العدل .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 07 - باب ترجمة الثبات .كتاب تاج التراجم الشيخ الأك...
- 06 - باب ترجمة التعريف .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 05 - باب ترجمة الإجابة .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- 04 - باب ترجمة الفتح .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- 03 - باب ترجمة الكبرياء .كتاب تاج التراجم الشيخ ال...
- 02 - باب ترجمة أنا معك أين كنت .كتاب تاج التراجم ا...
- 01 - باب ترجمة القهر .كتاب تاج التراجم الشيخ الأكب...
- مقدمة كتاب تاج التراجم .كتاب تاج التراجم الشيخ الأ...
- كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل . الشيخ الأكبر اب...
- كتاب العظمة . الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحات...
- كتاب المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات . الشيخ ...
- كتاب منزل المنازل الفهوانية . الشيخ الأكبر ابن الع...
- كتاب شق الجيب بعلم الغيب بكن ويكون ودرّ الدر . الش...
- تنبيه وإشارة لإيضاح حقائق الأمور . كتاب الشجرة الن...
- الفصل الثالث في بيان رموز هذه الشجرة وما في ضمن ال...
- الفصل الثاني في معرفة تلك المفاتيح وتمييزها . كتاب...
- الفصل الأول في معرفة المفاتيح الغيبية . كتاب الشجر...
- مقدمة الشارح صدر الدين القونوي ومقدمة المصنف . كتا...
- مقدمة محقق الشجرة النعمانية . كتاب الشجرة النعماني...
- خاتمة الكتاب الأبيات من 4424 - 4474 .كتاب منطق ال...
- المقالة الخامسة والأربعون والأخيرة في سلوك الطير ا...
- المقالة الرابعة والأربعون في صفة وادي الفقراء والف...
- المقالة الثالثة والأربعون في صفة وادي الحيرة الأبي...
- المقالة الثانية والأربعون في وصف وادي التوحيد الأب...
- المقالة الحادية والأربعون في وصف وادي الاستغناء ال...
- المقالة الأربعون بيان وادي المعرفة الأبيات من 3456...
- المقالة التاسعة والثلاثون في وصف وادي العشق الأبيا...
- المقالة الثامنة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة السابعة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة السادسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الخامسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الرابعة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الثالثة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الثانية والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الحادية والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من...
- المقالة الثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 2575 – 2...
- المقالة التاسعة والعشرون سؤال طائر آخر الأبيات من ...
- المقالة الثامنة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة السابعة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة السادسة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الخامسة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الرابعة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الثالثة والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 2...
- المقالة الثانية والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 1...
- المقالة الحادية والعشرون عذر طائر آخر الأبيات من 1...
- المقالة العشرون عذر طائر آخر الأبيات من 1885 – 193...
- المقالة التاسعة عشرة عذر طائر آخر الأبيات من 1794 ...
- المقالة الثامنة عشرة عذر طائر آخر الأبيات من 1708 ...
- المقالة السابعة عشرة اعتذار طائر الأبيات من 1629 –...
- المقالة السادسة عشرة في قطع الطير للطريق الأبيات م...
- المقالة الخامسة عشرة اتفاق الطير على السير إلى الس...
- المقالة الرابعة عشرة سؤال الطيور للهدهد في قطع الط...
- المقالة الثالثة عشر ذكر الطير جميعاً الأبيات من 10...
- المقالة الثانية عشرة عذر الصعوة الأبيات من 1001 – ...
- المقالة الحادية عشرة عذر البومة الأبيات من 979 – 1...
- المقالة العاشرة عذر مالك الحزين الأبيات من 950 – 9...
- المقالة التاسعة عذر الصقر الأبيات من 915 – 949 .كت...
- المقالة الثامنة عذر الهما الأبيات من 887 – 914 .كت...
- المقالة السابعة عذر الحجلة الأبيات من 846 - 886 .ك...
- المقالة السادسة عذر البطة الأبيات من 823 - 845 .ك...
- المقالة الخامسة عذر الطاووس الأبيات من 795 - 822 ....
- المقالة الرابعة عذر الببغاء الأبيات من 778 - 794 ....
- المقالة الثالثة عذر البلبل الأبيات من 725 - 777 ....
- المقالة الثانية حديث الهدهد مع الطيور في طلب السيم...
- المقالة الأولى في اجتماع الطير الأبيات من 593 - 65...
- خطبة العطار لمنظومة منطق الطير الأبيات من 001 - 59...
- مقدمة المحقق والتمهيد لكتاب منظومة منطق الطير .كتا...
- تاسعا شرح الأبيات 495 - 535 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 449 - 494 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 403 - 448 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 357 - 402 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 320 - 356 الجيلي يروي سيرته الرو...
- تاسعا شرح الأبيات 282 - 319 الجيلي يروي سيرته الرو...
- ثامنا شرح الأبيات 235 - 281 وصايا وحكم صوفية الجزء...
- ثامنا شرح الأبيات 186 - 234 وصايا وحكم صوفية الجزء...
- سابعا شرح الأبيات 160 - 185 نظرية الجيلي في الجمال...
- سادسا شرح الأبيات 141 - 159 من مظاهر التوحيد الجزء...
- سادسا شرح الأبيات 127 - 140 من مظاهر التوحيد الجزء...
- خامسا شرح الأبيات 113 - 126 عن المقام المحمدي .كتا...
- 109 - شرح تجلي ذهاب العقول المعارضة للشيخ الأكبر ك...
- 108 - شرح تجلي فناء الجذب المعارضة للشيخ الأكبر كت...
- 107 - شرح تجلي المعارضة للشيخ الأكبر كتاب التجليات...
- 106 - شرح تجلي نكث المبايعة للشيخ الأكبر كتاب التج...
- 105 - شرح تجلي التقرير للشيخ الأكبر كتاب التجليات ...
- 104 - شرح تجلي الأماني للشيخ الأكبر كتاب التجليات ...
- 103 - شرح تجلي الحظ للشيخ الأكبر كتاب التجليات الإ...
-
▼
مايو
(163)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق